الميتافيزيقيا، بوصفها "العلم الإلهي"، تدرس الموجودات غير المادية. تسعى لفهم مراتب الوجود، وصولاً إلى موجود كامل لا نظير له ولا ضد، أزلّي، لم يستمد وجوده من شيء، وهو الله. وقد بذل الفلاسفة جهوداً في إثبات وجود الله عقلياً، مستعينين بالنصوص الدينية التي تحث على التأمل والتفكير، كما فعل ابن رشد الذي أشار إلى احتواء القرآن على أدلة ميتافيزيقية كالدليل الفائي والكوني، مثال ذلك آيات تحث على النظر في خلق السموات والأرض والإبل، لاستنتاج الصانع من المصنوع. يؤكد ابن رشد أن "الاعتبار" في الموجودات، أي استنباط المجهول من المعلوم، يقود إلى معرفة الصانع. هذا الانتقال من المصنوع إلى الصانع هو جوهر الدليل الكوني، مما يبرز التقارب بين الميتافيزيقيا والدين رغم اختلاف منهجيهما. لكن العرفانيين يرون أن الأدلة العقلية الخالصة غير كافية، فالحقيقة الكونية منعكسة في قلب المؤمن، وهي حقيقة ميتافيزيقية جوهرية في كون عارض. هذه الوحدة بين الكون الأصغر (الإنسان) والأكبر (الكون) تتجاوز مقولاتنا العقلية، فاللاهوت، باعتباره حقيقة مطلقة محايثة ومفارقة، يتعذر إدراكه بالعقل أو الذهن، والمهم هنا هو تجربة الإيمان الذاتية بالمطلق، وهي منبع تجلّي المقدس.