في عام ١٧٥٨ كتب صمويل جونسون يقول: «إن الوعود والوعود الكبيرة فقط هي جوهر الإعلانات». لم تكن الإعلانات التي كانت تظهر في الصحف في تلك الفترة معنية إلا بأخبار المستهلكين أو إعلامهم عن توافر سلع أو خدمات معينة واستمر هذا الأمر على ما هو عليه بالنسبة إلى الإعلانات في الصحف والمجلات حتى منتصف القرن التاسع عشر. في الصحف والمجلات وفي الأماكن الخارجية أو العامة أيضا، على هيئة ملصقات ولوحات إعلانية كبيرة وعلى واجهات المطاعم ثم على السيارات الخاصة والحافلات العامة والقطارات، ثم على هيئة إعلانات كهربائية كبيرة تحمل صورا وكلمات. حيث تغير عالم الصحافة نفسه مع تزايد عمليات التوزيع الجماهيرية الكبيرة للصحف والمجلات والتي دعمتها الوكالات الإعلانية، حيث تراجعت الإعلانات المبوبة الصغيرة وحلت محلها الإعلانات الكبيرة التي تصاحبها الكلمات ذات الحجم الكبير والصور وحتى الألوان، وقد عكس هذا التغير في شكل الإعلانات تحولا كبيرا في النية أو القصد من وراء الإعلانات، وقد ساعدت عمليات التطور الكبيرة في الإنتاج الصناعي للسلع وفي تخزينها وتسويقها على تطور عمليات الإعلان في الصحف والمجلات وفي الشوارع ووسائل المواصلات ثم في الملاعب الرياضية وعلى شاشات السينما والتليفزيون حتى وصلنا إلى هذا الكم الكبير من الإعلانات الذي يتدفق عبر شاشات الكمبيوتر والإنترنت والتليفونات المحمولة أو الجوالة في كل يوم وفي كل لحظة. عبر ذلك التاريخ استخدمت اختراعات علمية في تيسير عمليات الترويج الإعلاني، وماكينات الخياطة الإعلانات القماشية، تزايدت الإعلانات مدعمة لمجتمع الاستهلاك الذي جعل التأكيد على فضائل أو قيم مثل إنكار الذات، يتراجع المصلحة قيم الامتلاك والراحة المادية والاهتمام بالذات والمتعة كطريق إلى السعادة. وانتشر هذا الولع بين الطبقات الوسطى بل حتى بين الطبقات الأقل في النظام الاجتماعي، وإن تغيرات مماثلة قد حدثت في مجتمعات أخرى في مراحل مختلفة خلال القرن العشرين وتحت تأثير النموذج الأمريكي وفي ضوئه وإن العلاقة بين ظهور ثقافة الاستهلاك والنمو الكبير لعالم الإعلان والإعلانات ما زالت مشكلة تاريخية مركزية. يركز الإعلان على المستهلك وليس على المنتج، ويقوم على أساس مبدأ سيكولوجي يقول إن الانجذاب الانفعالي وليس الإقناع العقلي هو الأساسي في الإعلان، ولذلك وجه المعلنون جل اهتمامهم نحو الجاذبية العامة للأفلام السينمائية ولصحف التابلويد ومجلات الترفيه والتسلية ثم الراديو، اللذان قالا إن صناعة الإعلان كانت هي العامل الأساسي في خلق ثقافة الاستهلاك في بداية القرن العشرين. وانتقد آخرون عالم الإعلانات لأن المصانع والبائعين يريدون استعادة النقود التي أنفقوها على الإعلانات من خلال المستهلك نفسه، كما أن الإعلانات تعمل في اتجاه مضاد للاختيار العقلاني من جانب المستهلك، فالمستهلك لا يختار السلعة على أساس الكفاءة والسعر ؛ ولكن على أساس الإغراء وقدرة الإعلان على التلاعب بمشاعره، هكذا يكون الإعلان آلية أساسية في المجتمعات الرأسمالية لأنه دائما يولد حاجة ترفيه إلى الشراء، والاستهلاك للسلع والخدمات التي تنتجها المؤسسات الرأسمالية المتنوعة، وعن الشروط القمعية التي يعملون فيها ويعيشون، وهكذا يستمر المجتمع الرأسمالي حيا ويزدهر. وإن الإعلان يساعد على التنافس بين المؤسسات الإنتاجية والخدمية لتطوير سلعها وتحسينها، لم يكن الإعلان وحده - بطبيعة الحال - هو العامل الذي خلق ثقافة الاستهلاك، فهناك عوامل سياسية واقتصادية وتكنولوجية كثيرة أسهمت في تطور المجتمعات الغربية في اتجاه الرأسمالية، وقد كان عالم الإعلان بتطوراته الكبيرة القائمة على أساس الصورة والكلمة،