Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (51%)

' ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يرسل فيها الأوربيون قوات ضخمة إلى الخليج؛ فقبل أقل من مئة عام وبالتحديد في تشرين الثاني/ نوفمبر 1819 وصلت حملة عسكرية كبيرة إلى الخليج، وبدأت في ترويع كافة الحكام على امتداد الساحل، وهي المعاهدة التي صاغت شكل العلاقة السياسية بين الجانبين على مدى نحو 150 عاماً، وكانت الدوافع الاقتصادية والجيوسياسية هي السبب الرئيسي وراء كلتا الحملتين. كثيراً ما يخطئ الأوربيون بوجه عام في فهم القرارات السياسية والاقتصادية البراجماتية في منطقة الخليج، مفسرين إياها على أنها قرارات تحكمها الانقسامات الطائفية أو الإثنية؛ وفي الوقت ذاته التوصل إلى توجه سياسي متوازن. لقد تحدد نمط الحياة في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية بالصراع الذي نشب في عُمان واشتركت فيه كل القبائل القاطنة في هضاب عُمان وحتى سواحل الخليج العربي ؛ فقد أدى الصراع الذي تفجر عام 1718 بسبب الخلاف على السلطة والنفوذ في عُمان، إلى إحداث انقسام قبلي جوهري ظلت أصداؤه تتردد حتى بعد مرور قرنين من الزمن
قليلة هي الصراعات القبلية التي تركت آثاراً ملموسة لفترة طويلة ومدمرة إلى هذا الحد في شبه الجزيرة العربية. وإلى يومنا هذا يعرف كل فرد في قبائل دولة الإمارات العربية المتحدة الطرف الذي تنتمي إليه قبيلته ؛ كما أنه يعرف عادةً مواقف كل القبائل المهمة في المنطقة الواقعة بين رأس مسندم وظفار. أدى الانقسام الأساسي إلى انضمام بقية القبائل إلى أحد المعسكرين المتنازعين، متجاوزاً إلى حد بعيد حدود الطرفين المباشرين في الصراع إلى أن تحول الأمر إلى التعامل على أساس مبداً "عدو عدوي صديقي"
أدت حالة الاستقطاب الواضحة في صراع الهناوية ‏ الغافرية إلى تقويض آليات المصالحة والتسوية التي كانت سائدة بين المجتمعات القبلية في منطقة الخليج العربي. غير أن حاجة القبيلة إلى حماية مصالحها والمحافظة على كيانها ساعدت على ترسيخ الإحساس بالهوية الجماعية . وحدث أول توسيع بارز للسلطة القبلية في عام 1761 بالتوطن في جزيرة أبوظبي» وبداً جماعا متلاحقة من بني ياس تتنقّل بعد ذلك بين ليوا وجزيرة أبوظبي. تولى الشيخ شخبوط بن ذياب زعامة قبيلة بني ياس سنة 1793 بعد وفاة والده الشيخ ذياب بن عيسى ليعزز من سلطة بني ياس في اليابسة وعلى السواحل. ومع ازدياد عدد الغارات الوهابية وتنامي قوتها؛ فعلى سبيل المثال استدعى الشيخ سعيد بن طحنون في آيار/ مايو 1848 رجال قبيلته وحلفاءه لطرد الدخلاء القادمين من نجد وإخراجهم من القواعد التي احتلوها حول العين. وبقيت الغارات بين مد وجزر» إلى أن استطاع الشيخ زايد بن خليفة سنة
فقد انتقل للإقامة في العين التي شيِّد فيها قلعة مريجب، كما عمل على توطيد العلاقة مع الظواهر مما أدى في نهاية الأمر إلى تحالف طويل الأمد مع بني ياس . وفي عام 1818 أي بعد عامين من تنحيّه طواعية عن الحكم لابنه محمد عاد ابنه الأصغر طحنون بن شخبوط مفعماً بالنشاط والعزيمة؛ ليقبض على زمام السلطة ويحكم في ظل والده، وبدوره ذهب محمد إلى المنشى، إذ تسلم الشيخ طحنون الحكم في حين ظل أبوه رمزاً للسلطة ومستشاراً وعميداً للأسرة الحاكمة. وفي عام 1833 أقنع الشيخ شخبوط ابنه الشيخ طحنون بأن يسمح بعودة اثئين من صغار إخوانه، وهما خليفة وسلطان اللذان تم إبعادهما من أبوظبي من قبل بناءً على أوامر الشيخ طحنون. وسرعان ما ثبت أنه لم يكن على صواب فيما أقدم عليه ؛ ومن الناحية العملية دخل الشيخ شخبوط الذي كان عميداً لقبيلة بني ياس في ذلك الوقت في ترتيب مشترك آخر مع ولديه؛ ففي تلك الفترة كان الشيخ شخبوط قد أدى دوراً جوهرياً في حكم أبوظبي امتد لأكثر من 40 عاماً، شاهداً على حكمته وحنكته، ودليلاً على نجاحه في القيادة والسيطرة. لقد أظهرت أحداث عام 1845 وما قبله الحاجة إلى حاكم يتسم بالقوة والمرونة على حد سواء
ظل الشيخ سعيد يمارس مهام الحكم بنجاح على امتداد عقد من الزمن، بعد أن واجه أزمة غير متوقّعة:
«اففي عام 1855 تعيّن على الشيخ سعيد بن طحنون حاكم أبوظبي أن يتخذ قراراً صعباً؛ ولكن الشيخ سعيد لم يلتفت إلى آرائهم وأقام الحدٌّ على القاتل بنفسه وبصورة (صارمة)، وكان انتقال السلطة يتم بالإجبار على التنحي، وفي ظروف أخرى كما في حالة الشيخ شخبوط بن ذياب يتم التوصل إلى صيغة توفيقية تتيح الانتقال السلمي للسلطة. عهد الشيخ زايد بن خليفة
كان اختيار الشيخ زايد بن خليفة عام 1855 وهو في العشرينيات من عمره لزعامة القبيلة ووضعه على رأس السلطة فى مرحلة حاسمة للغاية تحدياً بالغاً؛ وهي أن السياسة فى منطقة الخليج العربى ذات طبيعة متغيرة، وفي الوقت الذي ذاع فيه صيت الشيخ زايد الكبير تعمقت علاقاته مع الحكام العرب في المناطق البعيدة، كما نجح الشيخ زايد الكبير في ترسيخ قواعد الحكم بين القبائل، وفي الوقت ذاته أدرك الشيخ زايد الكبير مسؤوليات الزعامة في النظام القبلي، وهي أن السلطة قد اعتمدت إلى حد بعيد على الجانب الاقتصادي المتمثل أساساً في حرص الحاكم على تقديم الدعم المادي الذي يشكل مورداً مهماً وضرورياً من يدينون له بالولاء. وبداً الدور البريطاني يتنامى بصورة مطردة في المنطقة منذ توقيع المعاهدات الأولى للأمن البحري في عام 1820؛ فطن الشيخ زايد الكبير إلى كيفية التعامل مع البريطانيين على النحو الذي يحقق غاياته؛ وكان في وسعه استقطاب تأييد الجانب البريطاني لأنه قادر على ضمان استمرار تنفيذ " الهدنة البحرية". وهكذا خلال فترة تقارب أربعين عاماً أرسى زايد الكبير أسساً للتعاون العملي مع المسؤولين البريطانيين في منطقة الخليج العربي الذين سرعان ما أدركوا ضرورة احترام كفاءته السياسية؛ فقد أقام علاقات تقوم على أساس الاحترام المتبادل مع أجيال متتالية من المقيمين السياسيين البريطانيين الذين اعتبروه زعيماً يفي بالتزاماته؛ ولم يطراً أي تحول يذكر على طبيعة علاقة الشيخ زايد الكبير مع البريطانيين إلا في الجزء الأخير من فترة حكمه. كان هناك اتجاه يتصاعد يوماً بعد يوم في الأوساط الرسمية البريطانية يرى أن على بريطانيا أن تفرض المزيد من السيطرة على منطقة الخليج العربي. وأبرزت أول زيارة يقوم بها نائب الملكة في الهند إلى منطقة الخليج في شهري تشرين الثاني / نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر من عام 1903 هذا التحول الحاسم في التوجهات السياسية البريطانية. في الوقت ذاته سعى البريطانيون بعد زيارة اللورد كيرزون للمنطقة إلى تحقيق درجة من السيطرة لا يمكن تحقيقها عملياً إلا مع تخصيص قدر أكبر من الموارد البشرية والمالية. لقد تم الحفاظ على السلم على امتداد الساحل المتصالح والمناطق الداخلية لأن الشيخ زايد الكبير قد استخدم سلطته التي اكتسبها بشق الأنفس في فرض ذلك السلم على أرض الواقع. تزايدت الضغوط على زايد الكبير مع تحول البريطانيين التدريجي عن سياسة إطلاق اليد وحرية العمل إلى أسلوب التشدد وفرض القيود، لقد بدأت العلاقات الجيدة بين البريطانيين والشيخ زايد الكبير والتي تحققت في الفترة السابقة تتجه نحو الضعف اعتباراً من أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، وكان الشيخ زايد بن خليفة هو الرئيس الفعلي للاجتماع، ويعود توقيع هذه الاتفاقية إلى مناشدة إحدى القبائل للشيخ زايد بن خليفة حمايتها بعد أن حاولت مجموعة من قبيلة بني كتب احتلال قلعتهم، وقد أيده في هذا التصرف كل من حاكم دبي وحاكم الشارقة. بيد أن المقيم السياسي الرائد كوكس سعى إلى تقويض هذا التعاون السلمي، وتوسعت عملية " الإشراف " على شؤون الخليج لتشمل أموراً تجري على اليابسة وتتدخل في العلاقات المعقدة بين القبائل، على الرغم من كل هذه المضايقات فقد حافظ الشيخ زايد الكبير دائماً على صيغة مرنة وودية في مراسلاته مع كوكس. الأوضاع في المنطقة بعد رحيل الشيخ زايد الكبير
أحدثت وفاة الشيخ زايد الكبير عام 1909 فراغاً سياسياً في المنطقة؛ توهموا مخطئين أن الأمور في المنطقة ستسير على نحو أفضل في غياب حاكم قوي قادر على التصدي لهم. وبدأت هيبة بريطانيا وثقتها بنفسها تتراجعان بدرجة كبيرة بعد أن بلغتا أوجهما عام 1913 فقد بدأ الحكام الذين كانوا يخشون في السابق سطوة البحرية البريطانية وسلطة المقيم السياسي، يتساءلون عما إذا كان البريطانيون قادرين فعلياً على تنفيذ سياساتهم وفرض أوامرهم. سنوات ما بين الحربين العالميتين: 1919 1938
ربما تكون إمارات الساحل قد شهدت في السنوات التي تلت انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى عام 1918 نوعاً من العودة إلى حالة السلم التي سادت خلال فترة ما قبل الحرب، كما أن فلسطين التي أثقلها عبء إنشاء "وطن قومي " جديد لليهود على أراضيها قد شهدت هي الأخرى مقاومة عربيةً قويةً للأطماع الصهيونية منذ لحظة تأسيسها. وكانت فرنسا أكثر قسوة في التعامل مع المناطق الواقعة تحت الانتداب الفرنسي؛ انتشرت أخبار هذه التغيّرات على الفور في أنحاء منطقة الخليج، وأدى الاطلاع على الأحداث السياسية الجارية إلى زعزعة نظرة شعوب المنطقة إلى " السيطرة المعنوية " البريطانية. وعلاوةً على ذلك لم يكن هناك حكام محليون يمتلكون مثل مكانة الشيخ زايد الكبير للحفاظ على الأمن باعتباره من مهام بريطانيا في المنطقة حسب المعاهدات الموقعة بين الجانبين. كان من الممكن أن يستعيد البريطانيون وضعهم السابق في الخليج لو أنهم عادوا في عام 1918 بقدرة فعالة وإصرار على المحافظة على السلم، خاصة أنه لم يكن لدى أي من الذين جاؤوا بعد الشيخ زايد الكبير مباشرة الكفاءة اللازمة لإدارة التركيبة المعقدة لمنظومة قبيلة بني ياس في ظل الظروف السائدة. لقد عززت الحرب العالمية الأولى من قوة عبد العزيز آل سعود حاكم نجد ونفوذه في قلب شبه الجزيرة العربية؛ حيث تمكن بالفعل من طرد العثمانيين من إقليم الأحساء المتاخم للخليج عام 1913، وفي عام 1918 نظر إليه البريطانيون بوصفه يمثل أبرز قوة مستقبلية في المنطقة. كانت الموارد المالية المتوافرة لدى الحكام الذين تولوا الحكم بعد زايد الكبير قليلة نسبياً وغير كافية لمقاومة تلك الضغوط، وقد تراجعت الموارد الاقتصادية للحكام نتيجةٌ لتدهور التجارة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، فإما أنها كانت تمثل فترة انتكاسة سياسية نظراً لسيطرة الطابع الصراعي العنيف للقبلية الذي كان سائداً قبل عام 1855، وقد أدت الحرب العالمية الأولى إلى فقدان الاستقرار الاجتماعي والسياسي في العالم بأسره، وساد الاضطراب السياسي والاقتصادي على نطاق واسع؛ وفي عام 1929 عندما بدأت البنى السياسية تستعيد وضعها، انهار الاقتصاد العالمي مرة أخرى ودخل العالم في كساد اقتصادي امتد طوال فترة الثلاثينيات. وقد وُلد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وترعرع في هذه الظروف العصيبة والمتقلبة. لا يوجد من يذكر بدقة اليوم والعام الذي ولد فيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، غير أن أرجح تقدير هو أنه قد ود في العام الأخير من الحرب العالمية الأولى، ومع انتقاله إلى العين عام 1926 وخلال فترة حياته بين أهل أمه من القبيسات، وفي مجلس جده بطي حضر الشيخ زايد بن سلطان المداولات حول الهموم القبلية التي عايشها بشكل غير مباشر في أبوظبي، واستمع في مجلس جده إلى المناقشات اليومية المتعلقة بقضايا الحرب والعادات والتقاليد والأعراف العربية الأصيلة؛ وفي مرحلة لاحقة أدرك زايد عدم حدوث تغير كبير في آلية التحالفات بين القبائل وفي القضايا التي واجهت جده الشيخ زايد بن خليفة الذي سمي على اسمه قبل قرن كامل. وفي شبابه الذي أمضاه في العين حرص زايد بن سلطان على معرفة الرجال الذين قاتلوا إلى جوار جده زايد الكبير واستمع إلى آرائهم وحكاياتهم وذكرياتهم. شكلت هذه المؤثرات خلفية طفولة الشيخ زايد وشبابه؛ فإن الشيخ زايد بدأ منذ الأعوام الأولى يترك بصمته؛ لقد كان الشيخ زايد شاباً قوياً نشيطاً وصبوراً إلى أقصى حد، فإن ممارساته المبكرة أوضحت أن اللجوء إلى القوة إنما يمثل الملاذ الأخير لديه؛ فإن الشيخ زايد كان يمتلك السمات التي تمكنه من زعامة أبوظبي؛


Original text

في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 1914 كان يمكن لأي مراقب يقظ أن يرصد من قمة رأس مسندم أسطولاً كبيراً من السفن الحربية والتجارية أثناء عبورها مضيق هرمز في طريقها شمالاً إلى الخليج العربي. وبحلول 23 تشرين الأول/ أكتوبر كان الجزء الجنوبي من الخليج يشهد أضخم قوة عسكرية أوربية تصل إلى المنطقة.' ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يرسل فيها الأوربيون قوات ضخمة إلى الخليج؛ فقبل أقل من مئة عام وبالتحديد في تشرين الثاني/ نوفمبر 1819 وصلت حملة عسكرية كبيرة إلى الخليج، وبدأت في ترويع كافة الحكام على امتداد الساحل، فأسفرت تلك الحملة عن عقد أول معاهدة بين بريطانيا وحكام المنطقة في كانون الثاني/ يناير 1820 ؛ وهي المعاهدة التي صاغت شكل العلاقة السياسية بين الجانبين على مدى نحو 150 عاماً، وكانت الدوافع الاقتصادية والجيوسياسية هي السبب الرئيسي وراء كلتا الحملتين.
لم يكن من السهل أن يستوعب أي مراقب بعيد عن المنطقة طبيعة القوى المحلية الفاعلة ‏سواء منها السياسية أو الاجتماعية، وآليات عملها؛ وعلى سبيل المثال، كثيراً ما يخطئ الأوربيون بوجه عام في فهم القرارات السياسية والاقتصادية البراجماتية في منطقة الخليج، مفسرين إياها على أنها قرارات تحكمها الانقسامات الطائفية أو الإثنية؛ كما أنهم يتعاملون مع ما يسمعونه من مفردات، وما يبدو لهم من مظاهر دينية؛ مفترضين أنها تمثل الحقيقة كلها؛ دون أن يتعمقوا في الحقائق الكامنة وراءها.
وفى حالة بنى ياس اتخذت التوجهات السياسية ضمنها مسارين أساسيين ومتعارضين أحياناً، هما رغبة أفرادها فى المحافظة على الاستقلالية، فى موازاة رغبة ثانية هى التعاون مع الآخرين والتحالف معهم. وكانت مهمة شيخ القبيلة هي المعالجة الحكيمة لهاتين الرغبتين، وفي الوقت ذاته التوصل إلى توجه سياسي متوازن.
دور بني ياس
لقد تحدد نمط الحياة في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية بالصراع الذي نشب في عُمان واشتركت فيه كل القبائل القاطنة في هضاب عُمان وحتى سواحل الخليج العربي ؛ فقد أدى الصراع الذي تفجر عام 1718 بسبب الخلاف على السلطة والنفوذ في عُمان، إلى إحداث انقسام قبلي جوهري ظلت أصداؤه تتردد حتى بعد مرور قرنين من الزمن
قليلة هي الصراعات القبلية التي تركت آثاراً ملموسة لفترة طويلة ومدمرة إلى هذا الحد في شبه الجزيرة العربية. ومنذ الحرب الأهلية [القبلية] أضحت كل قبيلة تعرف على أنها إما غافرية وإما هناوية، وهناك قلة من القبائل التي غيّر مواقفها. وإلى يومنا هذا يعرف كل فرد في قبائل دولة الإمارات العربية المتحدة الطرف الذي تنتمي إليه قبيلته ؛ كما أنه يعرف عادةً مواقف كل القبائل المهمة في المنطقة الواقعة بين رأس مسندم وظفار. وفي مناسبات لا حصر لها منذ منتصف القرن الثامن عشر كان تشكيل التحالفات ونتائج النزاعات بين قبائل الإمارا المتصالحة... يتأثر تأثراً حاسماً بتقسيم الأرض إلى تجمعات غافرية وأخرى هناوية.
أدى الانقسام الأساسي إلى انضمام بقية القبائل إلى أحد المعسكرين المتنازعين، متجاوزاً إلى حد بعيد حدود الطرفين المباشرين في الصراع إلى أن تحول الأمر إلى التعامل على أساس مبداً "عدو عدوي صديقي"
أدت حالة الاستقطاب الواضحة في صراع الهناوية ‏ الغافرية إلى تقويض آليات المصالحة والتسوية التي كانت سائدة بين المجتمعات القبلية في منطقة الخليج العربي. غير أن حاجة القبيلة إلى حماية مصالحها والمحافظة على كيانها ساعدت على ترسيخ الإحساس بالهوية الجماعية . وقد ثمت قبيلة بنى ياس فى ظل حالة الفوضى والارتباك التي خلفتها الظروف الصعبة والحروب القبلية في المنطقة. وحدث أول توسيع بارز للسلطة القبلية في عام 1761 بالتوطن في جزيرة أبوظبي» وبداً جماعا متلاحقة من بني ياس تتنقّل بعد ذلك بين ليوا وجزيرة أبوظبي.
تولى الشيخ شخبوط بن ذياب زعامة قبيلة بني ياس سنة 1793 بعد وفاة والده الشيخ ذياب بن عيسى ليعزز من سلطة بني ياس في اليابسة وعلى السواحل. وكان بناء الأبراج والتحصيدات في أبوظبي إجراءً حصيفاً لردع التهديد المتدامي الناجم عن الغارا الاتية من جهة الغرب» فبعد نحو ثلاثة عقود من توسيع بني ياس لسيطرتهم التي امتدت إلى جزيرة أبوظبي» بدأت الجماعا المغيرة من الوهابيين تتسلل إلى الظفرة. ومع ازدياد عدد الغارات الوهابية وتنامي قوتها؛ وجد الشيخ شخبوط أنه لا يملك الموارد الكافية لحماية مضارب قبيلته على اليابسة» ومع ذلك فقد تجمع رجال بني ياس لصد الغارات الوهابية؛ فعلى سبيل المثال استدعى الشيخ سعيد بن طحنون في آيار/ مايو 1848 رجال قبيلته وحلفاءه لطرد الدخلاء القادمين من نجد وإخراجهم من القواعد التي احتلوها حول العين. وبقيت الغارات بين مد وجزر» إلى أن استطاع الشيخ زايد بن خليفة سنة
منذ البداية تبين أن الشيخ شخبوط لم يكن راغباً في أن يتدخل في حكم ابنه محمد وإن كان من المؤكد أن تأثيره قد ظل قائماً؛ فقد انتقل للإقامة في العين التي شيِّد فيها قلعة مريجب، كما عمل على توطيد العلاقة مع الظواهر مما أدى في نهاية الأمر إلى تحالف طويل الأمد مع بني ياس . وفي عام 1818 أي بعد عامين من تنحيّه طواعية عن الحكم لابنه محمد عاد ابنه الأصغر طحنون بن شخبوط مفعماً بالنشاط والعزيمة؛ وقد كان منفياً في عهد أخيه ؛ ليقبض على زمام السلطة ويحكم في ظل والده، وبدوره ذهب محمد إلى المنشى، تاركاً السلطة لوالده وأخيه طحنون. وهنا كرر التاريخ نفسه؛ إذ تسلم الشيخ طحنون الحكم في حين ظل أبوه رمزاً للسلطة ومستشاراً وعميداً للأسرة الحاكمة.
وفي عام 1833 أقنع الشيخ شخبوط ابنه الشيخ طحنون بأن يسمح بعودة اثئين من صغار إخوانه، وهما خليفة وسلطان اللذان تم إبعادهما من أبوظبي من قبل بناءً على أوامر الشيخ طحنون. وسرعان ما ثبت أنه لم يكن على صواب فيما أقدم عليه ؛ فخلال شهور قليلة قام خليفة وسلطان بإطاحة أخيهما طحنون عن الحكم» وتزعم الشيخ خليفة قبيلة بني ياس من سنة 1833 وحتى سنة 1845.
ومن الناحية العملية دخل الشيخ شخبوط الذي كان عميداً لقبيلة بني ياس في ذلك الوقت في ترتيب مشترك آخر مع ولديه؛ ففي تلك الفترة كان الشيخ شخبوط قد أدى دوراً جوهرياً في حكم أبوظبي امتد لأكثر من 40 عاماً، وظل حضوره الفعّال واضحاً ومستمراً في الأمور المهمة، لقد كان الشيخ خليفة بن شخبوط مثل أخيه طحنون حاكماً قديراً.
كان الحكام الأقوياء مثل الشيخ طحنون والشيخ خليفة يواجهون عداءا مستمرة؛ في نظام اعتاد ضعف السلطة المركزية أو ربما انعدامها. ويعتبر نجاح الشيخ شخبوط واستمرار دوره، وهو الزعيم القوي، شاهداً على حكمته وحنكته، ودليلاً على نجاحه في القيادة والسيطرة.
لقد أظهرت أحداث عام 1845 وما قبله الحاجة إلى حاكم يتسم بالقوة والمرونة على حد سواء
وقد تولى الشيخ (سعيد بن طحنون مقاليد السلطة) وبداً في تصريف شؤون الحكم، وسرعان ما بايعته قبيلة بني ياس برمتها زعيما لها".
ظل الشيخ سعيد يمارس مهام الحكم بنجاح على امتداد عقد من الزمن، إلى أن فشل أيضاً في نهاية المطاف في الحفاظ على التوازن السياسي، بعد أن واجه أزمة غير متوقّعة:
«اففي عام 1855 تعيّن على الشيخ سعيد بن طحنون حاكم أبوظبي أن يتخذ قراراً صعباً؛ فقد أقدم أحد رعاياه على قتل أخ له [وقد أحاطت بالحادث ظروف اجتماعية خاصة] وكان السؤال الذي واجه الشيخ سعيد هو: هل يقيم الحد على هذا القاتل؟ لقد ناشده أهالي أبوظبي آلا يفعل ... ولكن الشيخ سعيد لم يلتفت إلى آرائهم وأقام الحدٌّ على القاتل بنفسه وبصورة (صارمة)، ولقد أغضب ذلك التصرف أهالى أبوظبى، إلى درجة أن القبيلة بأجمعها قد وقفت ضد الشيخ سعيد؛ مما دفعه إلى (مغادرة أبوظبي)؛ ثم قُتل في السنة التالية أثناء محاولته استعادة السلطة».
وكما هي الحال في سنة 1845 كان للإرادة الشعبية دور حاسم في اختيار الحاكم الجديد» وفقدان الحاكم ثقة شعبه يعني أنه لن يبقى في السلطة، وكان انتقال السلطة يتم بالإجبار على التنحي، وفي ظروف أخرى كما في حالة الشيخ شخبوط بن ذياب يتم التوصل إلى صيغة توفيقية تتيح الانتقال السلمي للسلطة.
عهد الشيخ زايد بن خليفة
كان اختيار الشيخ زايد بن خليفة عام 1855 وهو في العشرينيات من عمره لزعامة القبيلة ووضعه على رأس السلطة فى مرحلة حاسمة للغاية تحدياً بالغاً؛ نظراً لكونه شاباً يافعاً ومحدود الخبرة. وكانت المهمة الرئيسية الملقاة على عاتق الشيخ زايد بن خليفة هي التصدي للأخطار التي تهدد وحدة أراضي أبوظبي.
وقد أدرك الشيخ زايد بن خليفة حقيقة أساسيةً لم يتوصل إليها من سبقوه؛ وهي أن السياسة فى منطقة الخليج العربى ذات طبيعة متغيرة، فالعداوات القديمة لم تعد ذات معنى.
وفي الوقت الذي ذاع فيه صيت الشيخ زايد الكبير تعمقت علاقاته مع الحكام العرب في المناطق البعيدة، كما نجح الشيخ زايد الكبير في ترسيخ قواعد الحكم بين القبائل، من خلال سياسة " الترغيب والترهيب.
وفي الوقت ذاته أدرك الشيخ زايد الكبير مسؤوليات الزعامة في النظام القبلي، وهي أن السلطة قد اعتمدت إلى حد بعيد على الجانب الاقتصادي المتمثل أساساً في حرص الحاكم على تقديم الدعم المادي الذي يشكل مورداً مهماً وضرورياً من يدينون له بالولاء.
تغير الأوضاع الدولية
تعرضت الظروف الدولية التي صنع الشيخ زايد الكبير خلالها قوة أبوظبي ونفوذها لتغيرا جذرية خلال سنوات حكمه. وبحلول عام 1855 انضم طرف جديد إلى أطراف المعادلة السياسية القائمة في الساحل المتصالح ممثلاً في التدخل العسكري البريطاني، وبداً الدور البريطاني يتنامى بصورة مطردة في المنطقة منذ توقيع المعاهدات الأولى للأمن البحري في عام 1820؛ وظلت المعاهدات تُجدد سنوياً حتى عام 1843، لقد ورث الشيخ زايد الكبير هذه الاتفاقية، واصطدم مع السلطات البريطانية أكثر من مرة بسببها غير أنه أدرك بمرور الوقع أنه نه يستطيع أن يحقق الكثير إذا ما طوّر علاقةً طيبة مع البريطانيين بدلاً من معارضتهم.
فهم زايد الكبير المبادئ السياسية الأساسية التي تفرضها المعاهدات وكانت هذه الاستراتيجية لصالح أبوظبي التي استطاعت بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية دون الحاجة إلى خوض أي صراع مع بريطانيا .
لقد بداً الشيخ زايد الكبير منذ سبعينيات القرن التاسع عشر يستغل منظومة الإمارات المتصالحة في تحقيق مصالح قبيلته.
فطن الشيخ زايد الكبير إلى كيفية التعامل مع البريطانيين على النحو الذي يحقق غاياته؛ وكان في وسعه استقطاب تأييد الجانب البريطاني لأنه قادر على ضمان استمرار تنفيذ " الهدنة البحرية".
وهكذا خلال فترة تقارب أربعين عاماً أرسى زايد الكبير أسساً للتعاون العملي مع المسؤولين البريطانيين في منطقة الخليج العربي الذين سرعان ما أدركوا ضرورة احترام كفاءته السياسية؛ فقد أقام علاقات تقوم على أساس الاحترام المتبادل مع أجيال متتالية من المقيمين السياسيين البريطانيين الذين اعتبروه زعيماً يفي بالتزاماته؛ ووصفوه بأنه 'عميد شيوخ الساحل المتصالح في الخليج، ولم يطراً أي تحول يذكر على طبيعة علاقة الشيخ زايد الكبير مع البريطانيين إلا في الجزء الأخير من فترة حكمه.
كان هناك اتجاه يتصاعد يوماً بعد يوم في الأوساط الرسمية البريطانية يرى أن على بريطانيا أن تفرض المزيد من السيطرة على منطقة الخليج العربي.
وأبرزت أول زيارة يقوم بها نائب الملكة في الهند إلى منطقة الخليج في شهري تشرين الثاني / نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر من عام 1903 هذا التحول الحاسم في التوجهات السياسية البريطانية.
كانت تلك السياسة البريطانية الجديدة التي أوضح كيرزون أبعادها عبارة عن استراتيجية محفوفة بمخاطر كبيرة، حيث كان هدفها الوحيد تعزيز الوضع الاستراتيجي لبريطانيا العظمى، دون أن يكون وراء ذلك أي رغبة في تحسين أحوال شعوب المنطقة.
أدى النجاح الذي حققه زايد الكبير إلى الكشف عن غموض جوهري في الهيكل الإداري البريطاني القائم على فرض السيطرة المباشرة في منطقة الخليج، فقد كانت السياسة البريطانية الثابتة في هذا الشأن هي تخفيض النفقات اللازمة لتمويل نشاطها إلى أقل قدر ممكن، في الوقت ذاته سعى البريطانيون بعد زيارة اللورد كيرزون للمنطقة إلى تحقيق درجة من السيطرة لا يمكن تحقيقها عملياً إلا مع تخصيص قدر أكبر من الموارد البشرية والمالية. لقد تم الحفاظ على السلم على امتداد الساحل المتصالح والمناطق الداخلية لأن الشيخ زايد الكبير قد استخدم سلطته التي اكتسبها بشق الأنفس في فرض ذلك السلم على أرض الواقع.
تزايدت الضغوط على زايد الكبير مع تحول البريطانيين التدريجي عن سياسة إطلاق اليد وحرية العمل إلى أسلوب التشدد وفرض القيود، لقد بدأت العلاقات الجيدة بين البريطانيين والشيخ زايد الكبير والتي تحققت في الفترة السابقة تتجه نحو الضعف اعتباراً من أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، وأظهرت أحداث مختلفة تدهور التفاهم المشترك الذي تم التوصل إليه.
لذا فقد كان من المهم للغاية أن تعقد المشيخات الخمسة المتصالحة في أيلول/ سبتمبر 1905 اجتماعاً في دبي، وكان الشيخ زايد بن خليفة هو الرئيس الفعلي للاجتماع، وفي ذلك الاجتماع توصل الحاضرون (دون مشاركة بريطانية) إلى حل سلمي لنزاع قبلي كان من الممكن أن يشعل حرباً في السابق، ويعود توقيع هذه الاتفاقية إلى مناشدة إحدى القبائل للشيخ زايد بن خليفة حمايتها بعد أن حاولت مجموعة من قبيلة بني كتب احتلال قلعتهم، ومن أجل حفظ السلم مارس حاكم أبوظبي ضغوطاً على القبيلة المعتدية فأجبرها على الانسحاب. وقد أيده في هذا التصرف كل من حاكم دبي وحاكم الشارقة. وكانت النتيجة أن «ارجحت مشورة الاعتدال».
لم تكن هذه المنظومة الدقيقة من الضوابط ووسائل الردع ظاهرة للعيان في معظم الأحيان، غير أنها كانت ذات فاعلية كبيرة، بيد أن المقيم السياسي الرائد كوكس سعى إلى تقويض هذا التعاون السلمي، وتوسعت عملية " الإشراف " على شؤون الخليج لتشمل أموراً تجري على اليابسة وتتدخل في العلاقات المعقدة بين القبائل، على الرغم من كل هذه المضايقات فقد حافظ الشيخ زايد الكبير دائماً على صيغة مرنة وودية في مراسلاته مع كوكس.
الأوضاع في المنطقة بعد رحيل الشيخ زايد الكبير
أحدثت وفاة الشيخ زايد الكبير عام 1909 فراغاً سياسياً في المنطقة؛ فقد رحل نصير المصالحة الأول الذي كان يملك القوة والسلطة القبلية اللازمة لفرض السلم، وقد جاءت وفاته في وقت كانت فيه الحكومة البريطانية؛ وهي الطرف الرئيسي الآخر في المعادلة؛ قد عزمت على توسيع دورها وتوطيد مكانتها في المنطقة، وفي الوقت الذي عبر فيه المسؤولون عن أسفهم لرحيل رجل عظيم، توهموا مخطئين أن الأمور في المنطقة ستسير على نحو أفضل في غياب حاكم قوي قادر على التصدي لهم.
وبدأت هيبة بريطانيا وثقتها بنفسها تتراجعان بدرجة كبيرة بعد أن بلغتا أوجهما عام 1913 فقد بدأ الحكام الذين كانوا يخشون في السابق سطوة البحرية البريطانية وسلطة المقيم السياسي، يتساءلون عما إذا كان البريطانيون قادرين فعلياً على تنفيذ سياساتهم وفرض أوامرهم.
سنوات ما بين الحربين العالميتين: 1919 1938
ربما تكون إمارات الساحل قد شهدت في السنوات التي تلت انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى عام 1918 نوعاً من العودة إلى حالة السلم التي سادت خلال فترة ما قبل الحرب، غير أن كل عناصر المعادلة كانت قد تغيرت، إذلم تبق أي من القوى السياسية السابقة التي حققت الاستقرار السياسي والمعنوي على حالها، وشعر العرب بالظلم لأنهم توقّعوا أن تحظى مطالبهم الوطنية بالرعاية ذاتها التي لقيتها الدول التي كانت تخضع في السابق لألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية، كما أن فلسطين التي أثقلها عبء إنشاء "وطن قومي " جديد لليهود على أراضيها قد شهدت هي الأخرى مقاومة عربيةً قويةً للأطماع الصهيونية منذ لحظة تأسيسها. وكانت فرنسا أكثر قسوة في التعامل مع المناطق الواقعة تحت الانتداب الفرنسي؛ إذ عملت على تمزيق المعارضة العربية وإثارة التزاعات العرقية والطائفية في المناطق الخاضعة لها.
انتشرت أخبار هذه التغيّرات على الفور في أنحاء منطقة الخليج، وأدى الاطلاع على الأحداث السياسية الجارية إلى زعزعة نظرة شعوب المنطقة إلى " السيطرة المعنوية " البريطانية. وعلاوةً على ذلك لم يكن هناك حكام محليون يمتلكون مثل مكانة الشيخ زايد الكبير للحفاظ على الأمن باعتباره من مهام بريطانيا في المنطقة حسب المعاهدات الموقعة بين الجانبين.
كان من الممكن أن يستعيد البريطانيون وضعهم السابق في الخليج لو أنهم عادوا في عام 1918 بقدرة فعالة وإصرار على المحافظة على السلم، غير أنهم أظهروا تردداً وعجزاً عن التحرك الإيجابي، فقد استغرقت الخلافات الداخلية بين الأجهزة الحكومية في لندن وقتاً طويلاً وجهوداً مضنية لتحديد الوزارات والجهات التي ستكون مسؤولة عن شؤون الخليج، فقد حلت سياسة متخبطة محل سياسة إحكام السيطرة على دفة الأمور في الخليج التي سعى كيرزون إلى تحقيقها، وكان لفراغ السلطة هذا تأثيرات بالغة في أبوظبي، خاصة أنه لم يكن لدى أي من الذين جاؤوا بعد الشيخ زايد الكبير مباشرة الكفاءة اللازمة لإدارة التركيبة المعقدة لمنظومة قبيلة بني ياس في ظل الظروف السائدة.
لقد عززت الحرب العالمية الأولى من قوة عبد العزيز آل سعود حاكم نجد ونفوذه في قلب شبه الجزيرة العربية؛ حيث تمكن بالفعل من طرد العثمانيين من إقليم الأحساء المتاخم للخليج عام 1913، وفي عام 1918 نظر إليه البريطانيون بوصفه يمثل أبرز قوة مستقبلية في المنطقة. وفي حين كانت قبائل الصحراء تنظر إلى الشيخ زايد الكبير بوصفه " الرجل القوي " الذي يتمتع بالنفوذ ويمتلك الوسائل اللازمة لدعم مكانته وبسط هيمنته؛ فقد جاء عبدالله بن جلوي، وهو ممثل عبد العزيز في الأحساء ليحاول شراء ولائهم .
كانت الموارد المالية المتوافرة لدى الحكام الذين تولوا الحكم بعد زايد الكبير قليلة نسبياً وغير كافية لمقاومة تلك الضغوط، ولم تقدم لهم الحكومة البريطانية دعماً يذكر، وقد تراجعت الموارد الاقتصادية للحكام نتيجةٌ لتدهور التجارة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، بينما ازدادت حاجة القبائل إلى الدعم والمساعدة، ويمكننا أن ننظر إلى الفترة 1928-1922 من منطلقين مختلفين؛ فإما أنها كانت تمثل فترة انتكاسة سياسية نظراً لسيطرة الطابع الصراعي العنيف للقبلية الذي كان سائداً قبل عام 1855، وإما أنها كانت مجرد خلل طارئ أصاب الآلية السياسية تحت تأثير مجموعة من الظروف الخاصة. وقد أدت الحرب العالمية الأولى إلى فقدان الاستقرار الاجتماعي والسياسي في العالم بأسره، واتخذ ذلك الوضع أشكالاً مختلفة معظمها مدمر وعنيف، وساد الاضطراب السياسي والاقتصادي على نطاق واسع؛ وفي عام 1929 عندما بدأت البنى السياسية تستعيد وضعها، انهار الاقتصاد العالمي مرة أخرى ودخل العالم في كساد اقتصادي امتد طوال فترة الثلاثينيات. وقد وُلد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وترعرع في هذه الظروف العصيبة والمتقلبة.
لا يوجد من يذكر بدقة اليوم والعام الذي ولد فيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، غير أن أرجح تقدير هو أنه قد ود في العام الأخير من الحرب العالمية الأولى،‏ أي في عام 1918. وقد مر الشيخ زايد في بداية صباه بتجربتين مختلفتين إلى حد بعيد؛ أولاهما أثناء طفولته المبكرة في منزل أبيه في أبوظبي، والثانية في مقر الحاكم في قصر الحصن بعد تولي أخيه الشيخ شخبوط الحكم. وفي ذلك الوقت المبكر من حياته بدأ زايد يحفظ القرآن الكريم، ولم يكن قد تجاوز سنوات الطفولة عندما بدا يحضر مجلس أبيه يصغي لما يدور فيه ويتعلّم منه؛ وسرعان ما اكتسب الثقة ليطرح استفساراته على ضيوف الجلس، وأصبح معروفاً بأنه أعقل وأكبر من سنه. ومع انتقاله إلى العين عام 1926 وخلال فترة حياته بين أهل أمه من القبيسات، وهم بطن من بني ياس، نشأ زايد في بيئة بدوية خالصة. وفي مجلس جده بطي حضر الشيخ زايد بن سلطان المداولات حول الهموم القبلية التي عايشها بشكل غير مباشر في أبوظبي، واستمع في مجلس جده إلى المناقشات اليومية المتعلقة بقضايا الحرب والعادات والتقاليد والأعراف العربية الأصيلة؛ وهى القضايا المحورية التى ازداد التداول بشأنها فى الظروف المضطربة خلال العشرينيات والثلاثينيات، وفي مرحلة لاحقة أدرك زايد عدم حدوث تغير كبير في آلية التحالفات بين القبائل وفي القضايا التي واجهت جده الشيخ زايد بن خليفة الذي سمي على اسمه قبل قرن كامل. وفي شبابه الذي أمضاه في العين حرص زايد بن سلطان على معرفة الرجال الذين قاتلوا إلى جوار جده زايد الكبير واستمع إلى آرائهم وحكاياتهم وذكرياتهم. واكتشف من ذلك كله أن جده الذي لم يقدر له أن يلتقي به قد جمع فضائل حكام الصحراء، من شجاعة وعدالة وأمانة وذكاء وكرم، وعايش بالتجربة العملية يوما بعد يوم أهمية توافر هذه الصفات لإدارة شؤون القبيلة، وأدرك أن رجال القبيلة يكن قيادتهم، ولكنهم لا يقبلون أن يُساقوا.
الاسم: جاسم عبدالرحمن جاسم الزعابي
الصف: الثاني عشر عام
شكلت هذه المؤثرات خلفية طفولة الشيخ زايد وشبابه؛ وإذا كان معظم الأطفال لا يُحرفون إلا في نطاق أسرتهم المقربة فحسب، فإن الشيخ زايد بدأ منذ الأعوام الأولى يترك بصمته؛ وقد عرفته قبائل العين البدوية في سنوات صباه المبكرة صياداً ماهراً ورامياً لا يخطئ هدفه، وكانت هذه الصفات تلقى إعجاباً خاصاً. لقد كان الشيخ زايد شاباً قوياً نشيطاً وصبوراً إلى أقصى حد، ولكن كان واضحاً أيضاً أن ملكاته أكثر من مجرد فطنة المحارب وشجاعته. ورغم أن شجاعته وجسارته لم تكن موضع شك فيها على الإطلاق، فإن ممارساته المبكرة أوضحت أن اللجوء إلى القوة إنما يمثل الملاذ الأخير لديه؛ وكان يؤمن إيماناً راسخاً بأنه لا يوجد خلاف يستعصي على المناقشة الموضوعية والمفاوضات الجادة. ووفقاً لرأي المقربين منه وسائر رجال القبيلة على حد سواء، فإن الشيخ زايد كان يمتلك السمات التي تمكنه من زعامة أبوظبي؛ ألا وهي التحلي بالصبر. لقد كان زايد في صغره يتوخى الصبر حتى تأتي اللحظة الملائمة للقيام بعمل حاسم وكان لهذه الصفة فوائد جمة في حياته اللاحقة.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

مثال 3 ربما يكو...

مثال 3 ربما يكون الشكل الأكثر شيوعا الذي يتم من خلاله إدخال المفارقة في براغماتية التواصل البشري هو ...

Paul saw Maria ...

Paul saw Maria and loved her. Maria got married.paul became a journalist. Maria’s mother was dead. H...

تسعى أنشطة التر...

تسعى أنشطة التربية الفنية إلى توظيف الفنون المناسبة لميول المتعلم ورغباته الذاتية لتعزيز قدرته الذهن...

La microencapsu...

La microencapsulation regroupe l'ensemble des procédés conduisant à l'obtention de microcapsules. Le...

المطلب الثالث: ...

المطلب الثالث: التزوير والتقليد الإلكتروني يمكن تعريف التزوير في المحررات الإلكتروني...

في إطار التعاون...

في إطار التعاون بين قيادة الدرك الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني، خلال سنة 2022 تم تحقيق النتائج...

أوال: صور الحد ...

أوال: صور الحد من التجريم. ميزت اللجنة األوربية لمشاكل التجريم المنبثقة عن المجلس األوربي بين نوعين ...

تطورت تقنية الذ...

تطورت تقنية الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأصبح لها تأثير كبير على مختلف جوانب حيات...

الأسباب: بعد سم...

الأسباب: بعد سماع الدعوى والإجابة؛ والاطلاع على أوراق القضية ومستنداتها؛ وبما أن النزاع الماثل أمام ...

بفضل الانتشار ا...

بفضل الانتشار المتزايد لـ "الوعي الأخضر" في السياسة الحضرية، اكتسبت المدينة البيئية زخماً مؤخراً. في...

بالرغم من كل ال...

بالرغم من كل المجهودات المبذولة من طرف مختلف وحدات الدرك الوطني في ميدان الإستعلامات في شتى الميادين...

هناك اهتمام متز...

هناك اهتمام متزايد بتقييم نوعية الحياة، سواء في علم الأمراض العقلية، وخاصة في الفصام، أو في الصحة ال...