Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

ا - مولد الملك عبدالعزيز ونشأته الملك عبد العزيز هو : عبد العزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود . ولد في الرياض وشمس أصيل الدولة السعودية الثانية تدنوشيئا فشيئا إلى الغروب . وتختلف الروايات في تحديد السنة التي ولد فيها . فواحدة تقول : إنه ولد سنة ۱۲۸۵ هـ ) . وثانية تذكر أن مولده كان عام ۱۲۹۳ هـ ) . وثالثة تشير إلى أنه كان سنة ۱۲۹۰ هـ ) . ورابعة تُحدّده بعام ۱۲۹۹ هـ ) . وخامسة تجعله عام ۱۲۹۷ هـ ) . على أن الزركلي رجح أنه ولد سنة ۱۲۹۳ هـ / ۱۸۷۹ م ؛ استنادًا على ما ذكره له الأمير عبد الله بن عبد الرحمن ، أخو الملك عبدالعزيز ، وقرائن أخرى ) . وقد نشأ الملك عبد العزيز نشأة كثير من أفراد الأسرة السعودية الذين عاصروه ، وتأدب بالآداب المتوارثة لديها ، وكانت هذه الأسرة تجمع بين كونها أسرة حكم عربية الأصل والتقاليد ، وكونها أسرة أقامت حكمها على أساس اديني هدفه الواضح مناصرة العقيدة التي نادى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وتطبيق الشريعة الفرّاء . ولذلك كان عليه أن يكتسب المهارات التي لا بد أن يتقنها
وركوب الخيل ، وأساليب الكُرُ والمُرّ . وهو ما زال صغير السن ، وكان عليه أن يعرف تقاليد تلك الأسر المتوارثة ويمارسها . فعرفها ومارسها بشكل جيد وكان عليه أيضا ، أن يعلم أصول العقيدة التي يجب على كل مسلم أن يعلمها ، فتحقق له ذلك . وبالإضافة إلى هذا تعلم مبادئ القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم ) . وقد وهبه الله من الذكاء ما ساعده على النجاح في كل ما سبق نجاحا كبيرا . وأثرى تجاربه . وإذا كانت جلساته مع القادة من أفراد أسرته والمقربين منها من علماء وزعماء قد مَكَنته من معرفة الشيء الكثير من أمور الدين والتاريخ والأدب وقصص الأبطال قديما وحديثا ، فإن ما رآه من مشكلات الفرقة بين أفراد أسرته وآثارها السلبية على واقعها وواقع البلاد عامة ، قد عَلَمه الكثير من الدروس والعبر . واجتمعت صفاته الذاتية مع مكتسباته الحيوية الغنية لتبلور منه شخصية قيادية رائدة في مستقبل أيامه . وكانت أول مشاركة له في الحياة السياسية العامة خروجه مع عَمَه محمد والشيخين عبدالله ابن عبد اللطيف وحمد بن فارس للتفاوض مع الأمير محمد بن رشيد عندما حاصر الرياض ) . وكان ذلك الحصار مُستهل عام ۱۳۰۸ هـ ( ۳ ) . وقد بقي مع والده خلال أوقاته الصعبة قبل مغادرته الرياض ، ثم إبّان تنقله بين فئات بادية العجمان وآل مُرّة . مهما كانت
مدته ، قد أتاح لعبد العزيز فرصة ممارسة حياة الصحراء الصارمة ومزاولة بعض من فنونها الشاقة ، مما زاد رصيد تجاربه القيادية غنى وثراء ، حوالي سبعة عشر عاما . وكان تاريخ أسرته ؛ إضافة إلى ما في نفسه من طموح وما تحلى به من قدرات عقلية ، من أكبر الدوافع التي جعلته يلازم مجالسة الزعماء والقادة في تلك البلاد ، ويتأمّل ما يحيط بالمنطقة من تيارات سياسية ليأخذ من هذا وذاك العبر والدروس ) . وهي الفرقة التي دخل بها الرياض كما سبق أن ذكر ، كانت أول قيادة عسكرية يُتولاها . فإن دخوله تلك البلدة ، وبقاءه فيها مدة ، بعد غيابه عنها عشر سنوات تقريبًا ، مَكنه من معرفة كثير من أوضاعها المستجدة واتجاهات أهلها . وكان مُجرّد نجاحه في دخولها بارقة أمل في نفوس مُؤيّدي آل سعود بعد أن خبا ذلك الأمل حقبة من الزمن . ولعل ما قام به الأمير عبد العزيز بن رشيد - بعد انسحاب الشاب السعودي من الرياض - من إجراءات قاسية ضد بعض سكانها دليل على ما أظهره هؤلاء لذلك الشاب من مشاعر ودية وتعاون وثيق . ۲ - استعادته الرياض وبداية حكمه : أدرك الشاب عبدالعزيز بن عبد الرحمن ، بعد النجاح النسبي لتجربته الأولى في دخول الرياض ، وتأمّله ما يحيط بالمنطقة من ظروف ، أن الوقت قد
جان كي يَتولى مسؤولية إعادة حكم أسرته للبلاد . ومن هنا جاء إلحاحه الشديد على أبيه ومبارك بن صباح - فور عودته إلى الكويت - للسماح له بأن يبدأ بالخروج من هذه البلدة قائدًا لغزوات . وقد وقف أبوه ضد إلحاحه في بداية الأمر ) . ولعل ذلك الموقف عائد إلى أن هذا الكهل ، الذي خبر من مُرُ التجارب أكثر مما خبر من خُلوها ، كان يرى أن الظروف لم تكن حينذاك مناسبة للحركة ، وأن أي عمل عسكري يقوم به ابنه قد يُؤدّي إلى نتائج مؤلمة لذلك الأبن وأسرته . ومن المحتمل أن ما دار على أرض الضريف كان من العوامل التي كوّنت لديه ذلك الرأي . على أنّ عبد العزيز كان يتراءى لذهنه ما دار في الرياض على يديه ، لا ما دار على أرض الريف ولم يحضره . أما مبارك بن صباح فكان أهم ما يشغله وجود ابن رشيد على مقربة من بلاده ، يتحين الفرص للانقضاض عليها . ولهذا لم يكن غريبا أن يقف موقف المؤيّد والمشجع لقيام عبد العزيز بنشاط عسكري ( ۲ ) أملا في أن يدفع ذلك النشاط ابن رشيد إلى صرف شيء من جهده واهتمامه الملاحقته . وهذا مما يُخفف الضغط على الكويت إن لم يزله كلية . وفي النصف الأول من عام ۱۳۱۹ هـ نجح تصميم الملك عبد العزيز وتأييد الشيخ مبارك بن صباح لذلك التصميم في إقناع الإمام عبد الرحمن للموافقة على خروج ابنه من الكويت غازيًا . وبعد أن تهيّا لهذا الابن ما تهيّأ من ركائب وأسلحة ومؤن ، ولم يرد الملك عبدالعزيز أن يتوجه فور خروجه من الكويت إلى الرياض مباشرة . بل توجه إلى مضارب البادية ، خاصة قبيلة العجمان ، في جهات الأحساء ولعل ذلك عائد إلى اعتقاده أن أنباء خروجه من الكويت ستصل بسرعة إلى الأمير عبد العزيز بن رشيد ، وأن هذا الأخير سيأخذ جميع الاحتياطات لئلا تقع الرياض في يد خصمه الجديد . وقد انضمت إليه فتات من قبيلة العجمان ، كما انضم إليه عدد لا بأس به من قبائل أخرى ، حتى تجاوز من التفوا حول رايته ألف مقاتل ( ۱ ) . وبدأ يغير على جماعات من قبائل مُعيّنة ، فحالفه النصر ، ولفت إلى حركته الأنظار ، وهنا أدرك الأمير عبدالعزيز بن رشيد خطورة نشاطه ، فبذل جهودًا لدى العثمانيين ، الذين لم يكونوا يَودون آل سعود أساسَا ، والذين باتوا لا يَودّون مبارك بن صباح ؛ ولذلك أسفرت تلك الجهود عن منع كل من يقف مع عبد العزيز آل سعود من دخول بلدان الأحساء والقطيف والتزود بالأطعمة والمؤن منها . ورأى المنضمُون إليه من رجال القبائل ما سوف يتعرّضون له من عقبات اقتصادية من جرّاء وقوفهم معه ، فآثروا الخلّي عنه ، ومراعاة مصالحهم الخاصة ) . وهكذا لم يبق معه في نهاية الأمر إلا أولئك الذين رافقوه من الكويت وعدد قليل من غيرهم ) . فتوجه بالجميع إلى منطقة يبرين الواقعة بين قطر والربع الخالي ليرسم خططه المستقبلية بتؤدة ورويّة . ولقد حاول الإمام عبدالرحمن بن فيصل ، بعد أن رأى انفضاض القبائل من حول ابنه عبد العزيز ؛ أن يقنعه بالعودة إلى الكويت وعدم الاستمرار في محاولاته العسكرية ، يحدث صدى بعيدًا في المنطقة كلها . وفي اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان ، سنة ۱۳۱۹ هـ ، وواصلوا السير الحثيث ؛ يكنون انهارًا ، ولم ترخ ليلة الخامس من شوال دولها إلا وهم في ضواحي الرياض ، ووضع عبد العزيز خطة محكمة لدخولها ، والاستيلاء عليها ) . فقسم رجاله إلى ثلاث مجموعات : واحدة ترابط عند الإبل حتى الصباح ، فإن حل الصباح ولم يأتها منه خبر فعلى أفرادها أن ينجوا بأنفسهم . والثانية - بقيادة أخيه محمد - تكمن في إحدى مزارع البلدة حتى تأتيها أوامره . أما الثالثة فتدخل البلدة بقيادته ( ۳ ) . ذلك أن أسوارها كانت مُهدّمة ، وأن عدد الداخلين إليها كان قليلا لا يحدث ضجة ولا يثير انتباها ؛ إذ لم يتجاوز السبعة . واستطاع هؤلاء الطليعة أن يدخلوا بيتا مجاورا لبيت عامل ابن رشيد ، فاستدعى الملك عبد العزيز
أخاه محمدًا ومن معه ، فلما وصلوا إليه تسلق هو ورفاقه الستة إلى بيت عجلان ، لكنهم لم يجدوه فيه . فقد أخبرتهم زوجته أنه نائم في قصر المصمك عند رجال الحامية الرشيدية ؛ وذلك لعدم اطمئنانه إلى الأوضاع المحيطة به ، وأنه يأتي من ذلك القصر إلى بيته بعد طلوع الشمس ، ثم التحق بالملك عبد العزيز أخوه محمد بن عبدالرحمن ورفاقه ، وانتظر الجميع خروج عجلان من المصمك في الصباح . ولما خرج انقض عليه عبد العزيز ورفاقه ، فحاول العودة إلى داخل القصر ، لكنهم تمكنوا من مداهمة بَوّابة ذلك القصر والدخول إليه . وقتل عجلان بيد عبدالله ابن جلوي ، كما قتل عدد من أتباعه . واضطر باقي رجال الحامية إلى الاستسلام . وهكذا خطا هذا القائد خطوته الأولى لاستعادة الحكم السعودي في البلاد ، وتوحيد أجزائها المختلفة . وبدأت الدولة السعودية الثالثة يوم الخامس من شوال سنة ۱۳۱۹ هـ ، واندفع سكان الرياض يبايعون حاكمهم الجديد ، الذي كانت بلدتهم عاصمة لدولة قادة أسرته من قبل . وكانوا - وهم يضعون أيديهم في يده مبايعين - يأملون أن تعود به إلى هذه البلدة مكانتها السياسية ، وتنتعش حياتهم الاقتصادية . وكانت العملية التي قام بها عبد العزيز ورفاقه ، والتي أدت إلى استيلائه على مقاليد الأمور في الرياض ، عملية جريئة ومحكمة . وكان الموقف يتطلب تلك الجرأة وذلك الإحكام ، إذ بدونهما كان من غير الممكن تحقيق ما تحقق من نجاح . ولقد عَيْر المؤرخون المحليون المعاصرون لحدوثها ، ابن عيسى والبسام والقاضي ، عنها بكلمة « سطا ) . وهي كلمة تعني العمل الجريء المفاجئ . ولعلهم
التي اعتاد المؤرخون النجديون في تلك الفترة وما قبلها أن يُعبّروا بها عن عمليات حدثت في البلدان النجدية كثيرًا ) ، لأنها تشبهها من حيث وقوع الحدث بحد ذاته بغض النظر عن ملابساته ونتائجه ، على أن أهميّة تلك العملية تنبع من كونها بداية تحدّ من شاب في العشرينيات من عمره الحاكم قوي لمنطقة واسعة ، أو توحيد ، المناطق التي تكونت منها المملكة العربية السعودية المترامية الأطراف . ولم تغرّه مشاعر فتوّته ، أو تلهه نشوة انتصاره ، عن أن يُعدّ لكل خطر محتمل مُدّته . فما إن استتب له الأمر في الرياض ، حتى شرع في إعادة بناء أسوارها المهمة . ولم تمر خمسة أسابيع إلا وهذه البلدة مُحصّنة كل التحصين ( ۲ ) . وين الوقت نفسه لم يجعل إخبار أبيه والشيخ مبارك بن صباح بما تم له من نصر مُجرّد بشارة لهما ؛ بل قرن ذلك بطلبه نجدة بقيادة أخيه سعد . وقد وصلت إليه هذه النجدة بالسرعة التي أمُل أن تصل بها . توحيد نجد ما عدا جبل شمر
لم يُتبع الأمير عبدالعزيز بن رشيد ، بعد انتصاره في معركة الضريف ، سياسة حكيمة يمكن أن يكسب بها بعض القلوب المكلومة ، بل اتّبع سياسة الشدّة والقُوّة . فبالإضافة إلى تتبع فلول المنهزمين ، وقتل كثير ممن عثر عليه منهم ، نكل بعدد من زعماء البلدان وصادر أموالهم التضامنهم مع مبارك بن صباح وحلفائه ، أو اتهامهم بذلك التضامن ( ۱ ) . وتطلعهم إلى الخلاص من حكمه . على أن هناك من النجديين من ابتهج بانتصاره ، ولقد مكث ابن رشيد مدة قصيرة في حائل ، ثم توجه إلى الشمال الشرقي من جزيرة العرب مُؤمّلا ، فيما يبدو ، أن تتاح له الفرصة للاستيلاء على الكويت ) . ولعله ظن أن دخول هذه البلاد في معاهدة حماية مع بريطانيا قد أثار الدولة العثمانية إلى درجة تجعلها ترمي بثقلها معه ، وتساعده لتحقيق مآربه . ولقد علم ابن رشيد باستيلاء خصمه الجديد ، عبدالعزيز آل سعود ، على الرياض وهو في حفر الباطن . وإذا كان لم يغب عن ذهنه خطر هذا الشاب السعودي قبل استيلائه على تلك البلدة ، بدليل طلبه من العثمانيين مضايقة أنصاره ، فإن هذا الاستيلاء أكد له ذلك الخطر ، على أن المصادر تختلف في إشارتها إلى رَدُ افعله . فمنها ما ذكر أنه جمع كبار قومه ، واستشارهم في الإجراءات التي ينبغي اتخاذها ، وأن بعض هؤلاء قد مَلُوا غيابهم الطويل نسبيًا عن أولادهم وأوطانهم وشؤونهم الخاصة . وخافوا أن يتوجه بهم صوب الرياض ، فيزيد غيابهم طولا . ولذلك أشاروا عليه أن يعود إلى حائل ليبدأ بتجهيز جيش قادر على الحصار والمطاولة إن اقتضى الأمر ، فاستحسن هذا الرأي ، وعاد إلى قاعدة حكمه . هناك عدة شهور قبل أن يخرج لمنازلة عبد العزيز بن عبد الرحمن ، ومن تلك المصادر ما أشار إلى أنه أظهر عدم مبالاة في الأمر ، وظل في الحفر أربعة بتصرّف تصرّف من يرى أن قضية الكويت أصل ، وأنه لا بد من التعامل مع الأصل أولا لا مع الفرع ، ثم مضى بعد ذلك إلى حائل ( ۲ ) . وسواء كان هذا أو ذاك ، فإن ابن رشيد لم يَتُخذ الإجراء المناسب في الوقت المناسب . وهذا ما أتاح الفرصة للملك عبدالعزيز أن يُقوّي دفاعاته عن الرياض ، ويستعد اللبدء في بسط حكمه على بلدان نجد الأخرى ، وتوحيدها تحت رايته . ١ - توحيد جنوبي نجد بعد أن اطمأن الملك عبد العزيز إلى سلامة وضعه في الرياض عزم على التحرّك خارجها . وكان أمامه ميدانان للحركة : الجهات الواقعة جنوب هذه البلدة ، والجهات الواقعة شمالها أو غربها ، وكان يعلم أن له ولأسرته أنصارًا كثيرين هنا وهناك . لكنه فضل أن يبدأ حركته بالجهات الجنوبية لأسباب مُتعدّدة ؛ منها أنها أبعد جغرافيًا عن قاعدة حكم ابن رشيد . ولذلك فإن اتجاهه إليها أقل إثارة لخمصه القوي حينذاك من اتجاهه إلى جهات أقرب إلى قاعدة ذلك الحكم . أو المتحرّكين باسمها " ، وكانت بلدانهم ماوى لكثير من الذين لم يريدوا الخضوع لها ، خاصة من ال سعود و آل الشيخ ) . واعتقد الملك عبد العزيز - وهو مصيب في هذا الاعتقاد أنه إذا تمكن من كسب ولاء سكان الجهات الجنوبية من نجد استطاع أن يتحرك إلى الجهات الشمالية والغربية ، وظهره أكثر أمانا ، ولقد وجد من سكان جنوبي نجد ، بصفة عامة ، ما توقعه من استجابة له وتعاون معه . ودخلت تحت حكمه الخرج والأفلاج والحريق وحوطة بني تميم ، وأصبح نفوذه يمتد من الرياض إلى وادي الدواسر ) اسب . مع نهاية عام ۱۳۱۹ هـ وبداية العام الذي تلاه ، بدأ التحرّك باتجاه غرب الرياض ، خاصة صوب عالية نجد . لكن ذلك التحرّك كان مُوجَهَا ضد فئات من البادية لاضد البلدان والقرى . وكان النصر حليفه وحليف من بعثه نائبًا عنه " . وربما كان من أسباب التوجه صوب عالية نجد بعد تلك المنطقة النبي عن مركز حكم ابن رشيد ، حائل ، ولعل توجيه الحركة نحو البادية أن مهاجمتها الا تثير ابن رشيد كما تثيره مهاجمة البلدان التابعة له . خاصة التي لم تكن في منطقة جبل شمّر أو قريبة منه ، لم يكن قويًا كارتباط الحاضرة . وبالإضافة إلى ذلك فإن نجاح غزو الملك عبد العزيز للبادية ينتج عنه حصوله على غنائم كان هوفي أمس الحاجة إليها ، وكان مما قام به
في تلك الشهور أن بعث أخاه محمدًا إلى الكويت ليصحب والدهما عبد الرحمن من هناك إلى الرياض ) . وبعودة ذلك الوالد إلى هذه البلدة اجتمع شمل الأسرة في مقر الحكم السعودي . أما الأمير عبدالعزيز بن رشيد فقد خرج من حائل في شهر ربيع الأول ، سنة ۱۳۲۰ هـ ، ومعه قواته من حاضرة جبل شمر وباديته . واستنفر أتباعه في القصيم والوشم وشدير والمخمل والشعيب . فوصل بالجميع إلى رغبة ، إحدى بلدان المخمل ، وبقي هناك شهرين ، ثم انتقل إلى الحسي ) . وقد نزل بجيشه خلال ذلك وباء توفيت بسببه أعداد غير قليلة ) . وكان قد حل ببعض البلدان النجدية وباء في ذلك العام ( 4 ) . وفي أثناء إقامة ابن رشيد تلك وَجه بادية قحطان للنزول قرب بلدة ضرماه ) ، وأرسل إلى هناك ، أيضا سالم بن سبهان ، ومعه غزو أهل القصيم ) . وأمر سعدًا الحازمي أن يستنهض القبائل المجاورة للأحساء ، لكن الحازمي فشل في مسعاه ، لأن الملك عبد العزيز كان قد بعث أخاه محمدًا وعبد الله بن جلوي إلى تلك القبائل ، تمكنا من استقطابها ( ۷ ) . ومن الواضح أن من بين أهداف هذه الإجراءات الرشيدية محاولة تطويق الرياض من شمالها الغربي وجنوبها الشرقي . على أن ابن رشيد لم يَتحرّك من الحسي المهاجمة هذه البلدة ؛ بل انتقل إلى الحفر . ولعله أراد بهذا الانتقال التمويه ، ليقوم بعد ذلك بهجوم أشدّ مفاجأة . ولقد خطط الملك عبدالعزيز لاستدراج خصمه ابن رشيد إلى مواجهة عسكرية مباشرة على ساحة تناسبه . فخرج من الرياض بعد أن ترك فيها جيشا قادرا على الدفاع عنها بقيادة أبيه ، وتوجه إلى حوطة بني تميم يستنهض أهلها ، وبعث أخاه سعدًا إلى الحريق يستنجد بسكانها . وجعل عبدالله ابن جلوي برابط بنوات بين هاتين البلدتين ، وكانت له سرية في الألم بقيادة السديرى ) . ولما علم ابن رشيد بخروج الملك عبدالعزيز من الرياض سار بقواته مسرعًا حتى وصل إلى ضواحيها ظانا - كما تقول بعض الروايات ) - : إن خلافا وقع بين الملك وأبيه ، مما سيُسهل عليه الاستيلاء على هذه البلدة ، لكنه أدرك عند اقترابه منها أن ظنّه لم يكن صحيحا . فَتَوجّه إلى إقليم الخرج بقواته التي تقرب من أربعة آلاف مقاتل لمنازلة الملك عبدالعزيز والقضاء على قوته ، ووصل إلى بلدة مجان ، ثم أخذ يغير على الالم محاولا الاستيلاء عليها . وفي أثناء ذلك وصل الملك عبد العزيز بقواته القريبة من الألفين إلى هذه البلدة ، ولما أغارت قوات هذا الخصم - كعادتها عليها فوجئت بمقاومة أدركت أنها تؤكد وصول عبد العزيز إليها . وتمكن المدافعون من الصمود ، فاضطر ابن رشيد إلى الانسحاب من الألم إلى مركزه في العجان . ثم سار الملك عبد العزيز بقواته في إثره ، ووقعت بينهما اشتباكات غير حاسمة ، لكنها أظهرت لابن رشيد أن خصمه قادر على مجابهته وإنزال الضرر به . فانسحب من الإقليم ليلا ، بعد أن ترك نيران معسكره موقدة للتمويه في تغطية الانسحاب ( ۳ ) . وهكذا كانت المواجهة الأولى ، في الدلم وما حولها ، بين ابن
سعود وابن رشيد نصرا للأول : قلت خسائر الثاني أو كثرت ، وقد حدثت في ربيع الأول عام ۱۳۲۰ هـ / يونيو ۱۹۰۲ م . ثم توجه إلى شمالي الجزيرة العربية ، حيث هاجم فئات من قبائل مختلفة قبل أن يتخذ من حفر الباطن مركزا له مرة أخرى . وأحس مبارك بن صباح بالحاجة إلى من يساعده في الدفاع عن إمارته ، فاستنجد بالملك عبد العزيز ، الذي هب لنجدته ومعه آلاف من المحاربين . ولما وصل إلى الكويت وجد حاكمها قد أعدّ جيشا كبيرًا بقيادة ابنه جابر ، وانطلق الجميع صوب حفر الباطن لمهاجمة خصمهم الأكبر . لكن الأخبار وافتهم بأنه ارتحل من هناك إلى حائل . وهاجموا فئات من قبيلة مطيرفي جَوَلَبَن ، وغنموا منها إبلا وغنمّا كثيرة ، ثم عادوا إلى الكويت " . على أنه اتضح أن ابن رشيد لم يذهب إلى عاصمة حكمه ؛ بل توجه إلى الرياض . ومن الواضح أنه فعل ذلك منتهرًا فرصة ذهاب الملك عبد العزيز مع أتباعه الكثيرين إلى الكويت ، لكن قادة هذه البلدة علموا باقترابه منها ، فاستعدوا للدفاع عنها . كما كانت مما هُيًا الملك لبدء العمل في توحيد هذه
البلدان الشمالية ، لديهم تحسم به هم على التخلص منه ، فشاروا عليه وأخرجوه من بلدتهم ، حمل وصل ، فيما بعد إلى لرمدا وبعثوا إلى الريان يعلنون ولا ههم ، ويحللون سره تلف معهم لسد أي هجوم محتمل ) . ولما وصل إلى هنالك قام بمهاجمة ثرمداء ، وتمكن من دخولها ، وقتل الحسين ، والقبض على أمرها مشاري العنقري ، الذي أرسل إلى الرياض ، حيث بقي سجينا حتي وهان ) ويقال : إن دخول ابن سويلم إلى ثرمداء كان به الأنه من بعض أهلها على أنه انسحب منها إلى شقراء حذرا من هجوم أبن رشيد عليه فيها . ونتيجة لما حدث في الوشم فقام الأمير عبد العزيز بن رشيد بالإغارة على بعض الفئات القبلية هنا وهناك إظهارا لقوته ، ثم توجه إلى شقراء ، وحاول استمالة أهلها ، لكنهم لم يستجيبوا له ، فحاول إخضاعهم بالقوة ، فما كان منه إلا أن عزز دفاعات ثرمداه ، وجعل فيها حامية بقيادة حمد بن عسكر ، ثم تقهقر إلى بريدة ) . وما كان من الملك عبد العزيز إلا أن خرج من الرياض ، وتوجه إلى شقراء حيث بعث من هناك سرية إلى ثرمداء بقيادة ، عبد الله بن جلوي ، وتمكن عبد الله من دخول هذه البلدة ، وبدأ يحاصر
القصر الذي كانت فيه حاوية ابن رشيد . لكن أفراد تلك الحامية فتحوا ثغرة أحد جدران القصر ، وهربوا . شقراء أن بعث سرية ، بقيادة وكان مما قام به الملك عبد العزيز وهو أحمد السديري ، إلى روضة شدّير لمهاجمة حامية ابن رشيد فيها ، فنجحت في إخراج تلك الحامية منها . ودخلت بقية بلدان سُدير تحت الحكم السعودي سوى المجمّعة ، التي بقيت خارج هذا الحكم إلى ما بعد مقتل الأمير عبد العزيز بن رشيد بقليل ولما اطمأن الملك عبد العزيز إلى استتباب الأمور له 2 الوشم وسدير بصفة عامة ، رجع إلى الرياض في ربيع الأول عام ۱۳۲۱ هـ ( ۳ ) . وأن أعماله العسكرية فيها كانت مُوجهة أساسا ضد الحاميات الرشيدية الموجودة فيها ۔ توحيد القصيم الكل إقليم من أقاليم نجد أهمّيته الخاصة وتاريخه الحافل بالأحداث . من ذلك أن إقليم العارض - مثلا - اشتهر بجودة زراعته ، وكونه مهد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية ، ومركز حكم آل سعود الذين ناصروا تلك الدعوة ، وأقاموا دولة وخدت كثيرًا من مناطق جزيرة العرب ؛ خاصة إبان عهد الدولة السعودية الأولى ، وظل مركز الحكم السعودي ومنطلقه لتوحيد الأقاليم والمناطق الأخرى من البلاد . ولإقليم القصيم أهميته من عدة جوانب ، ومياهه غزيرة ، وأراضيه زراعية ، وسكانه كثيرون نسبيًا ونشيطون زراعيًا وتجاريًا . وقد امن نشاطهم التجاري إلى الحجاز ومناطق الخليج العربي ، بل امنهٔ أيضا إلى أقطار خارج الجزيرة العربية كالعراق والشام وفلسطين ومصر والهند ، وكان الموقعه أهمية كبيرة في تاريخ الدولتين السعوديتين الأولى والثانية ، فقد كان منطلق القوات السعودية لتوحيد ما يقع شماله من أقاليم جزيرة العرب . واستمرت تلك الأهميّة في الدولة السعودية الثالثة ، كما سيتضح فيما بعد . وكان إقليم الفصيم البوابة الرئيسة التي حاولت قوات حاكم مصر العثماني ، وفد أدرك الإمام عبد الله بن سعود خطورة تلك المحاولة ، فبادر بالذهاب إلى ذلك الإقليم آملا أن يحول دون وقوعه في أيدي قوات الحاكم المذكور ، ونجح في التوصل إلى صلح مع طوسون بن محمد علي انسحب بموجبه هذا الأخير من القصيم . لكن الإمام عبد الله لم ينجح فيما بعد ، في رد إبراهيم باشا ، الذي واصل زحفه حتى قضى على حكم ذلك الإمام . وظل إقليم القصيم البوابة الرئيسة إلى قاعدة الحكم في نجد بعد زوال الدولة السعودية الأولى ، التي حاولت القضاء على نشاط آل سعود المتخذين من الدرعيّة ، ثم من الرياض ، مركزا لهم . وقد أدرك الإمام فيصل بن تركي ، كما أدرك أسلافه ، وكانت سيطرة تلك القوات عليه من أكبر العوامل التي أفقدت ذلك الإمام الأمل في المقاومة مرحليًا على الأقل . ولما عاد من مصر عام ۱۲۵۹ هـ ، ووصل إلى حائل كان إقليم القصيم أول الأقاليم النجدية التي حرص على
وقوفها معه لاستعادة حكم البلاد عامة . ثم جاءت هزيمة أهل هذا الإقليم أمام الأمير محمد بن رشيد بين المليداء ، سنة ۱۳۰۸ هـ ، لتكون أكبر عامل في توطيد حكم ذلك الأمير في نجد ، وأعظم سبب في خروج الإمام عبدالرحمن بن فيصل من الرياض فاقدًا كثيرًا من الأمل في نجاح الوقوف أمام المد الرشيدي . وهكذا كان إقليم القصيم دائمًا أرض المعارك الدائرة بين حكام نجد من آل سعود وخصومهم الزاحفين ضدهم من الحجاز أو جبل شمر . وعندما بدأ الملك عبد العزيز مسيرته التوحيدية للبلاد كانت مئات من أهل القصيم في العراق والشام وفلسطين ومصر . وقد تغرّب هؤلاء عن بلدانهم عملا في التجارة ) . أو خوفا مما آلت إليه أوضاعها السياسية ، أو كرها للعيش تحت حكم آل رشيد . وبالإضافة إلى أولئك المواطنين العاديين كان يوجد في الكويت أكابر أسرتي الإمارة بُرَيدة وعُنيزة : آل مُهنّا وآل سُلَيْم ) ، وإذا كان هؤلاء الأكابر وعشرات من مُؤيّديهم يتوقون إلى انتهاز أي فرصة للعودة إلى بلادهم وتسلم مقاليد الأمور فيها ، فإن قصيدة محمد العوني المسمّاة الخلوج ۳ ) ، التي استنهض بها أهل القصيم الموجودين في الأقطار المشار إليها سابقا ، قد أثارت حَميّة كثير من هؤلاء وشجعتهم على التوجه إلى نجد لانتزاع بلدانهم من حكم ابن رشيد ( 4 )
ولقد أدرك كل من الملك عبد العزيز والأمير عبد العزيز بن رشيد أن القصيم سيكون ميدان الصراع الحاسم بينهما . فسعى الأول إلى انتزاعه من حكم الثاني بكل الوسائل ، وسعي الثاني إلى الاحتفاظ به بكافة الطرق ، ولم يكن شيء أحب إلى نفوس هؤلاء الزعماء من أن يتحرّكوا للعودة إلى إمارة بلديهم . فتوجهوا مع من انضم إليهم من مُؤيّديهم مسرعين ، ولحقوا بالملك عبد العزيز الذي كان حينذاك في طريقه صوب ذلك الإقليم ) . وقد وصل الجميع إلى الرّفي في أول رمضان سنة ۱۳۲۱ هـ ( ۳ ) . وكانت تلك السنة سنة قحط ، كما كانت إبل الجيش الذي مع الملك عبدالعزيز وخيله قليلة جدًا ، بحيث كان هذا سببا من أسباب عدم مواصلة سيره نحو القصيم ، وعودته إلى الرياض ) . على أن ذلك الأمر مع أهميّته الكبيرة - لم يكن أهم مما ذكره أحد المؤرخين المحليين المعاصرين لتلك الأحداث ؛ وهو أن الملك عبد العزيز كتب إلى كبار أهل عُنيزة من الزّلفي يخبرهم أنه على وشك الوجه من هناك إليهم ، فما مدى تعاونهم معه ؟ فرد عليه أولئك - ربما خضوعا للظروف المحيطة بهم ، ومن بينها وجود ابن رشيد على مقربة منهم - بأن في رقابنا بيعة لابن رشيد . وها هو موجود في القصيم . وعلى أي حال فإن الملك عبدالعزيز اقتنع بأن مواصلة السير
نحو القصيم غير مناسبة حينذاك ، فعاد إلى الرياض . وتوجه آل مُهنا وال سُلَيْم إلى شقراء ( ۱ ) أما الأمير عبد العزيز بن رشيد فإنه بعد فقده أقاليم نجد الواقعة جنوب القصيم ، قد أقام من بُرَيدة يُرتّب أمور هذا الإقليم ويُعزّز دفاعاته ضد خطر أي هجوم محتمل ، ومما يلفت النظر أنه حاول كسب رضا السكان المحليين بإظهار المؤدة لهم ومشاورتهم في الإجراءات التي ينبغي اتّخاذها . ولقد استقر رأيه في نهاية الأمر على أن يُعزّز السّريّة التي بُرّيدة بقيادة عبد الرحمن بن ضبعان ، وأن يبعث بسريّة إلى عُنيزة قوامها خمسون رجلا بقيادة فهيد بن سبهان ، ويرسل ريّة مُكوّنة من أربع مئة مقاتل بقيادة حسين بن جراد لترابط في إقليم الشر الواقع على حدود القصيم الجنوبية ، ويبعث سَريّة عددها يقرب من عدد التي قبلها بقيادة ماجد الحمود بن رشيد لترابط قرب عُنيزة ( 2 ) . إضافة إلى عودة خصمه ، الملك عبد العزيز ، إلى الرياض ، توجه إلى حدود العراق في العاشر من شوال . وكان هدفه من التوجه إلى هناك أن يتزود هو وأتباعه بما يحتاجون إليه من طعام ، ويستنهض من ذلك القطر من قبيلة شمر ، ويستنجد العثمانيين لإمداده بالقوات والمؤن والأموال ( ۳ ) . وكان من نتائج مغادرة ابن رشيد للقصيم أن ازداد حماس الملك عبدالعزيز وأتباعه من آل مُهنا وآل سَليّم كي يُتوجهوا إلى ذلك الإقليم ) . فلما تجاوز الوشم وافته الأخبار بنزول حسين بن جراد ومن
معه فيضة الشر . فشن هجومًا مباغتا عليهم ، وقُتل ابن جراد نفسه ، كما قتل عدد ليس قليلا من أفراد سريته ) ، وغنم ما كان معهم من إبل وأموال ، وذلك وفي الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة ۱۳۲۱ هـ ) . ويجعلهم على أهبة الاستعداد ل ده . وعاد آل مُهنا وآل سُليم إلى شقراء ( وكان ماجد الحمود بن رشيد قد راوده الخوف بعد أن علم بما حصل الحسين بن جراد ومن معه . فانتقل إلى مكان قريب من سور عنيزة ) ؛ ورغبة منه دعم الشريّة الموجودة في تلك البلدة من ناحية أخرى . وفي العشر الأواخر من ذي الحجة ، خرج الملك عبد العزيز من الرياض مستنهضا أتباعه للغزو . وانضم إليه - وهو في الوشم - آل مُهنا وآل سُليم ومُؤيّدوهم . وقد أظهر أنه يريد التوجه إلى أطراف الكويت ؛ وذلك للتمويه على خصومه . ثم عَيْر اتجاهه مسرعا نحو القصيم . وما إن حَلَت ليلة الخامس من شهر المحرّم ، حتى كان قد وصل بقواته إلى الحميدية التي تبعد عن عُنيزة ثلاث ساعات بسير الإبل . ثم اقترب من هذه البلدة ، وأمر آل سُلَيْم وآل مُهنا وبعض أتباعهما أن يدخلوا
عنيزة ليستولوا عليها ، فدخلوها دون صعوبة ، وكمنوا لرئيس السرية الرشيدية فيها ، فهيد بن سبهان ، فتمكنوا من فقتله ، وأخذوا يحاصرون قصر الإمارة الذي تحضنت فيه تلك الشريّة ) . وفي صباح اليوم التالي أرسل إليهم الملك عبدالعزيز الأمير عبد الله بن جلوي مع مئة من الرجال ) . وكانت نتيجة ذلك الحصار أن هرب عدد ممن كانوا داخل القصر ، واستسلم الباقون بأمان ( ۳ ) . وبذلك تمت السيطرة على مقاليد الأمور في عنيزة مع إطلالة اليوم الخامس من المحرّم . صالح اليحيى ، بصفة عامة ، لمن دخلها مع أتباع الملك عبد العزيز دليل واضح على تضامنهم مع هذا الملك ، وأنه لا فائدة من محاولة تغيير ما حدث . فأمر أتباعه بالرحيل ، لكنهم ما إن بدأوا بالتحرّك حتى فاجأهم الملك عبد العزيز وأتباعه بالهجوم . وقتل ممن كانوا مع ماجد حوالي خمسين رجلا بينهم أخوه عبيد ، وهرب الباقون بعضهم إلى بريدة ، وبعضهم إلى حائل ( 4 )
وهكذا عادت إمارة عنيزة إلى آل سليم تحت حكم الملك عبد العزيز ، وأصبح أميرها عبد العزيز بن عبد الله ، ولقد شجّع ما حدث في عنيزة كبار أهل بُرَيدة على إيضاح موقفهم المؤيد الملك عبد العزيز ، فبعد يومين من دخوله عُنيزة قدم إليه وفد منهم يبدون وقوفهم معه ، فسيّر آل مُهنّا إليها ، واستقبلهم أهلها بحماسة ) . ثم توجه إليها هو بقواته ، افيايمه سكانها ، وبدأ يحاصر عبدالرحمن بن ضبعان ، الذي تحصن مع رجال حاميته بقصرها المنيع . وقد دام ذلك الحصار حوالي شهرين ونصف الشهر . ولما نفد ما كان لدى المحاصرين من أطعمة ، وأصبح شبح الموت جوعا بهددهم اضطر قائدهم إلى التفاوض مع الملك عبد العزيز بشأن إنهاء الحصار . وتوصّل معه إلى اتفاق يُسلم بموجبه القصر إلى الملك ، ويخرج المحاصرون منه بأسلحتهم الشخصية آمنين على أرواحهم ، وتؤمّن لهم ركائب تنقلهم إلى بلادهم ( ۳ ) . وقد وفي الملك بما اتفق عليه مع ابن ضبعان على أحسن وجه . ومع أن ذلك الاتفاق يبدو ، بعض جوانبه ، كسبا لقائد الحامية الرشيدية ، وأصبح صالح الحسن المهنا أميرًا لها . وبدخول عُنيزة وبُرَيدة تحت الحكم السعودي يمكن القول : بأن إقليم القصيم كله أصبح واقعيًا تحت هذا الحكم . 1 - معركة البكيرية وصل إلى الأمير عبد العزيز بن رشيد خبر دخول عنيزة وبرّيدة تحت حكم الملك عبد العزيز بتأييد من أهاليهما ، واستنهاض شمر الموجودين في ذلك القطر ، فقام بحجز ما وجده من إبل العقيلات القصيميين في شمال الجزيرة العربية ، ثم حمل عليها قسمًا كبيرًا مما حصل عليه من أطعمة ومؤن وأسلحة من العراق إلى نجد ) . وكان مما اتبعه من أساليب للحصول على مساعدة العثمانيين أن دفع هدايا مغرية إلى موظفيهم الكبار خاصة أولئك الذين كانوا في العراق والحجاز ، وادعى أن الملك عبد العزيز ومبارك بن صباح قد أبرما اتفاقا مع بريطانيا يُخوّلها السيطرة على جزيرة العرب ) . ولا شك أن الدولة العثمانية لم تكن في حاجة إلى من يخبرها بما كان بين بريطانيا ومبارك بن صباح من اتفاق على حماية بلده . فقد كان ذلك معلنا للملا حينذاك . ولا شك ، أيضا ، أنها كانت تعلم ، بوسائلها الخاصة ، أنه لم يُتمّ أي اتفاق بين الملك عبدالعزيز والبريطانيين في تلك الحقبة . وإذا كان من المرجح أن ما دفعه ابن رشيد من هدايا قد جعل المهدى إليهم يكثفون جهودهم لإقناع السلطات العثمانية العليا بمساعدته ، فإن ما حققه الملك عبد العزيز من نجاح كبير في نجد ؛


Original text

ا - مولد الملك عبدالعزيز ونشأته الملك عبد العزيز هو : عبد العزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود . ولد في الرياض وشمس أصيل الدولة السعودية الثانية تدنوشيئا فشيئا إلى الغروب . وتختلف الروايات في تحديد السنة التي ولد فيها . فواحدة تقول : إنه ولد سنة ۱۲۸۵ هـ ) . وثانية تذكر أن مولده كان عام ۱۲۹۳ هـ ) . وثالثة تشير إلى أنه كان سنة ۱۲۹۰ هـ ) . ورابعة تُحدّده بعام ۱۲۹۹ هـ ) . وخامسة تجعله عام ۱۲۹۷ هـ ) . على أن الزركلي رجح أنه ولد سنة ۱۲۹۳ هـ / ۱۸۷۹ م ؛ استنادًا على ما ذكره له الأمير عبد الله بن عبد الرحمن ، أخو الملك عبدالعزيز ، الذي كان مُلمّا بتاريخ أسرته ، وقرائن أخرى ) . وقد نشأ الملك عبد العزيز نشأة كثير من أفراد الأسرة السعودية الذين عاصروه ، أو سبقوه ، وتأدب بالآداب المتوارثة لديها ، وكانت هذه الأسرة تجمع بين كونها أسرة حكم عربية الأصل والتقاليد ، وكونها أسرة أقامت حكمها على أساس اديني هدفه الواضح مناصرة العقيدة التي نادى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وتطبيق الشريعة الفرّاء . ولذلك كان عليه أن يكتسب المهارات التي لا بد أن يتقنها


ناشئة الأسر العربية الحاكمة حينذاك ؛ مثل الرماية ، وركوب الخيل ، وأساليب الكُرُ والمُرّ . وقد اكتسب من تلك المهارات ما كان جديرا بمثله أن يكتسبه ، وهو ما زال صغير السن ، وكان عليه أن يعرف تقاليد تلك الأسر المتوارثة ويمارسها . فعرفها ومارسها بشكل جيد وكان عليه أيضا ، أن يعلم أصول العقيدة التي يجب على كل مسلم أن يعلمها ، والتي قام حكم أسرته بالذات على أساسها ، فتحقق له ذلك . وبالإضافة إلى هذا تعلم مبادئ القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم ) . وقد وهبه الله من الذكاء ما ساعده على النجاح في كل ما سبق نجاحا كبيرا . وتهيّأ له من الظروف المحيطة بطفولته ما صقل مواهبه ، وأثرى تجاربه . وإذا كانت جلساته مع القادة من أفراد أسرته والمقربين منها من علماء وزعماء قد مَكَنته من معرفة الشيء الكثير من أمور الدين والتاريخ والأدب وقصص الأبطال قديما وحديثا ، فإن ما رآه من مشكلات الفرقة بين أفراد أسرته وآثارها السلبية على واقعها وواقع البلاد عامة ، قد عَلَمه الكثير من الدروس والعبر . واجتمعت صفاته الذاتية مع مكتسباته الحيوية الغنية لتبلور منه شخصية قيادية رائدة في مستقبل أيامه . وكانت أول مشاركة له في الحياة السياسية العامة خروجه مع عَمَه محمد والشيخين عبدالله ابن عبد اللطيف وحمد بن فارس للتفاوض مع الأمير محمد بن رشيد عندما حاصر الرياض ) . وكان ذلك الحصار مُستهل عام ۱۳۰۸ هـ ( ۳ ) . وقد بقي مع والده خلال أوقاته الصعبة قبل مغادرته الرياض ، ثم إبّان تنقله بين فئات بادية العجمان وآل مُرّة . ولا شك أن ذلك التنقل ، مهما كانت


مدته ، قد أتاح لعبد العزيز فرصة ممارسة حياة الصحراء الصارمة ومزاولة بعض من فنونها الشاقة ، مما زاد رصيد تجاربه القيادية غنى وثراء ، وكانت الكويت آخر محطة استقرار للشاب عبد العزيز بن عبد الرحمن بعيدًا عن مسقط رأسه ومركز حكم أسرته . وكان عمره حين وصل إليها - حسب الرواية المرجحة لتاريخ مولده . حوالي سبعة عشر عاما . وكان تاريخ أسرته ؛ إضافة إلى ما في نفسه من طموح وما تحلى به من قدرات عقلية ، من أكبر الدوافع التي جعلته يلازم مجالسة الزعماء والقادة في تلك البلاد ، ويتأمّل ما يحيط بالمنطقة من تيارات سياسية ليأخذ من هذا وذاك العبر والدروس ) . ومن المرجح أن قيادة عبد العزيز بن عبد الرحمن لفرقة من الجيش الزاحف من الكويت ؛ وهي الفرقة التي دخل بها الرياض كما سبق أن ذكر ، كانت أول قيادة عسكرية يُتولاها . ومع أنه لم يستطع اقتحام قصر المصمك الذي تحضنت فيه حامية ابن رشيد ، فإن دخوله تلك البلدة ، وبقاءه فيها مدة ، بعد غيابه عنها عشر سنوات تقريبًا ، مَكنه من معرفة كثير من أوضاعها المستجدة واتجاهات أهلها . وكان مُجرّد نجاحه في دخولها بارقة أمل في نفوس مُؤيّدي آل سعود بعد أن خبا ذلك الأمل حقبة من الزمن . ولعل ما قام به الأمير عبد العزيز بن رشيد - بعد انسحاب الشاب السعودي من الرياض - من إجراءات قاسية ضد بعض سكانها دليل على ما أظهره هؤلاء لذلك الشاب من مشاعر ودية وتعاون وثيق . ۲ - استعادته الرياض وبداية حكمه : أدرك الشاب عبدالعزيز بن عبد الرحمن ، بعد النجاح النسبي لتجربته الأولى في دخول الرياض ، وتأمّله ما يحيط بالمنطقة من ظروف ، أن الوقت قد


جان كي يَتولى مسؤولية إعادة حكم أسرته للبلاد . ومن هنا جاء إلحاحه الشديد على أبيه ومبارك بن صباح - فور عودته إلى الكويت - للسماح له بأن يبدأ بالخروج من هذه البلدة قائدًا لغزوات . وقد وقف أبوه ضد إلحاحه في بداية الأمر ) . ولعل ذلك الموقف عائد إلى أن هذا الكهل ، الذي خبر من مُرُ التجارب أكثر مما خبر من خُلوها ، كان يرى أن الظروف لم تكن حينذاك مناسبة للحركة ، وأن أي عمل عسكري يقوم به ابنه قد يُؤدّي إلى نتائج مؤلمة لذلك الأبن وأسرته . ومن المحتمل أن ما دار على أرض الضريف كان من العوامل التي كوّنت لديه ذلك الرأي . على أنّ عبد العزيز كان يتراءى لذهنه ما دار في الرياض على يديه ، لا ما دار على أرض الريف ولم يحضره . أما مبارك بن صباح فكان أهم ما يشغله وجود ابن رشيد على مقربة من بلاده ، يتحين الفرص للانقضاض عليها . ولهذا لم يكن غريبا أن يقف موقف المؤيّد والمشجع لقيام عبد العزيز بنشاط عسكري ( ۲ ) أملا في أن يدفع ذلك النشاط ابن رشيد إلى صرف شيء من جهده واهتمامه الملاحقته . وهذا مما يُخفف الضغط على الكويت إن لم يزله كلية . وفي النصف الأول من عام ۱۳۱۹ هـ نجح تصميم الملك عبد العزيز وتأييد الشيخ مبارك بن صباح لذلك التصميم في إقناع الإمام عبد الرحمن للموافقة على خروج ابنه من الكويت غازيًا . وبعد أن تهيّا لهذا الابن ما تهيّأ من ركائب وأسلحة ومؤن ، كان للشيخ مبارك اليد الطولى في تأمينها خرج من هناك ومعه عدد من أقربائه ومُؤيّديه يُرجح أنهم لا يزيدون على الأربعين إلا قليلا ( ۳ ) .


ولم يرد الملك عبدالعزيز أن يتوجه فور خروجه من الكويت إلى الرياض مباشرة . بل توجه إلى مضارب البادية ، خاصة قبيلة العجمان ، في جهات الأحساء ولعل ذلك عائد إلى اعتقاده أن أنباء خروجه من الكويت ستصل بسرعة إلى الأمير عبد العزيز بن رشيد ، وأن هذا الأخير سيأخذ جميع الاحتياطات لئلا تقع الرياض في يد خصمه الجديد . قفضل أن يكون تحرّكه في البداية بعيدا عن هذه البلدة تمويها وحذرًا . وقد انضمت إليه فتات من قبيلة العجمان ، كما انضم إليه عدد لا بأس به من قبائل أخرى ، مثل بيع والسّهول وآل مُرّة ، حتى تجاوز من التفوا حول رايته ألف مقاتل ( ۱ ) . وبدأ يغير على جماعات من قبائل مُعيّنة ، فحالفه النصر ، ولفت إلى حركته الأنظار ، وهنا أدرك الأمير عبدالعزيز بن رشيد خطورة نشاطه ، فبذل جهودًا لدى العثمانيين ، الذين لم يكونوا يَودون آل سعود أساسَا ، والذين باتوا لا يَودّون مبارك بن صباح ؛ خاصة بعد أن ارتمى في أحضان بريطانيا . ولذلك أسفرت تلك الجهود عن منع كل من يقف مع عبد العزيز آل سعود من دخول بلدان الأحساء والقطيف والتزود بالأطعمة والمؤن منها . ورأى المنضمُون إليه من رجال القبائل ما سوف يتعرّضون له من عقبات اقتصادية من جرّاء وقوفهم معه ، فآثروا الخلّي عنه ، ومراعاة مصالحهم الخاصة ) . وهكذا لم يبق معه في نهاية الأمر إلا أولئك الذين رافقوه من الكويت وعدد قليل من غيرهم ) . فتوجه بالجميع إلى منطقة يبرين الواقعة بين قطر والربع الخالي ليرسم خططه المستقبلية بتؤدة ورويّة .


ولقد حاول الإمام عبدالرحمن بن فيصل ، بعد أن رأى انفضاض القبائل من حول ابنه عبد العزيز ؛ أن يقنعه بالعودة إلى الكويت وعدم الاستمرار في محاولاته العسكرية ، لكن ما حَل بعبد العزيز لم يزده إلا طموحا وتصميما على مواصلة جهوده ( ۱ ) . على أنه رأى أن الأسلوب الذي اتبعه لم يُجده نفعًا ، وأنه لا بد من عمل جريء مفاجئ ، يحدث صدى بعيدًا في المنطقة كلها . وفي اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان ، سنة ۱۳۱۹ هـ ، انطلق عبد العزيز بن عبدالرحمن بمن معه من يَبْرين صوب الرياض ، ولما تجاوز منتصف الطريق بين المكانين أخبر رفاقه بهدفه . وواصلوا السير الحثيث ؛ يكنون انهارًا ، ويُدلجون ليلا . ولم ترخ ليلة الخامس من شوال دولها إلا وهم في ضواحي الرياض ، ووضع عبد العزيز خطة محكمة لدخولها ، والاستيلاء عليها ) . فقسم رجاله إلى ثلاث مجموعات : واحدة ترابط عند الإبل حتى الصباح ، فإن حل الصباح ولم يأتها منه خبر فعلى أفرادها أن ينجوا بأنفسهم . والثانية - بقيادة أخيه محمد - تكمن في إحدى مزارع البلدة حتى تأتيها أوامره . أما الثالثة فتدخل البلدة بقيادته ( ۳ ) . ولم يجد عبد العزيز ومن معه صعوبة في الدخول إلى الرياض ، ذلك أن أسوارها كانت مُهدّمة ، وأن عدد الداخلين إليها كان قليلا لا يحدث ضجة ولا يثير انتباها ؛ إذ لم يتجاوز السبعة . واستطاع هؤلاء الطليعة أن يدخلوا بيتا مجاورا لبيت عامل ابن رشيد ، عجلان بن محمد . فاستدعى الملك عبد العزيز


أخاه محمدًا ومن معه ، فلما وصلوا إليه تسلق هو ورفاقه الستة إلى بيت عجلان ، لكنهم لم يجدوه فيه . فقد أخبرتهم زوجته أنه نائم في قصر المصمك عند رجال الحامية الرشيدية ؛ وذلك لعدم اطمئنانه إلى الأوضاع المحيطة به ، وأنه يأتي من ذلك القصر إلى بيته بعد طلوع الشمس ، ثم التحق بالملك عبد العزيز أخوه محمد بن عبدالرحمن ورفاقه ، وانتظر الجميع خروج عجلان من المصمك في الصباح . ولما خرج انقض عليه عبد العزيز ورفاقه ، فحاول العودة إلى داخل القصر ، لكنهم تمكنوا من مداهمة بَوّابة ذلك القصر والدخول إليه . وقتل عجلان بيد عبدالله ابن جلوي ، كما قتل عدد من أتباعه . واضطر باقي رجال الحامية إلى الاستسلام . وما إن تم ذلك حتى نودي في البلدة أن الحكم لله ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود . وهكذا خطا هذا القائد خطوته الأولى لاستعادة الحكم السعودي في البلاد ، وتوحيد أجزائها المختلفة . وبدأت الدولة السعودية الثالثة يوم الخامس من شوال سنة ۱۳۱۹ هـ ، الخامس عشر من يناير عام ۱۹۰۲ م . واندفع سكان الرياض يبايعون حاكمهم الجديد ، الذي كانت بلدتهم عاصمة لدولة قادة أسرته من قبل . وكانوا - وهم يضعون أيديهم في يده مبايعين - يأملون أن تعود به إلى هذه البلدة مكانتها السياسية ، وتنتعش حياتهم الاقتصادية . وكانت العملية التي قام بها عبد العزيز ورفاقه ، والتي أدت إلى استيلائه على مقاليد الأمور في الرياض ، عملية جريئة ومحكمة . وكان الموقف يتطلب تلك الجرأة وذلك الإحكام ، إذ بدونهما كان من غير الممكن تحقيق ما تحقق من نجاح . ولقد عَيْر المؤرخون المحليون المعاصرون لحدوثها ، ابن عيسى والبسام والقاضي ، عنها بكلمة « سطا ) . وهي كلمة تعني العمل الجريء المفاجئ . ولعلهم


عَبّروا عنها بهذه الكلمة ، التي اعتاد المؤرخون النجديون في تلك الفترة وما قبلها أن يُعبّروا بها عن عمليات حدثت في البلدان النجدية كثيرًا ) ، لأنها تشبهها من حيث وقوع الحدث بحد ذاته بغض النظر عن ملابساته ونتائجه ، على أن أهميّة تلك العملية تنبع من كونها بداية تحدّ من شاب في العشرينيات من عمره الحاكم قوي لمنطقة واسعة ، وكونها اللبنة الأولى لما قام بعدها من بناء شامخ تمثل توحُد ، أو توحيد ، المناطق التي تكونت منها المملكة العربية السعودية المترامية الأطراف . وكان الملك عبد العزيز يدرك غاية الإدراك قوة الأمير عبد العزيز بن رشيد . ولم تغرّه مشاعر فتوّته ، أو تلهه نشوة انتصاره ، عن أن يُعدّ لكل خطر محتمل مُدّته . فما إن استتب له الأمر في الرياض ، حتى شرع في إعادة بناء أسوارها المهمة . ولم تمر خمسة أسابيع إلا وهذه البلدة مُحصّنة كل التحصين ( ۲ ) . وين الوقت نفسه لم يجعل إخبار أبيه والشيخ مبارك بن صباح بما تم له من نصر مُجرّد بشارة لهما ؛ بل قرن ذلك بطلبه نجدة بقيادة أخيه سعد . وقد وصلت إليه هذه النجدة بالسرعة التي أمُل أن تصل بها .


توحيد نجد ما عدا جبل شمر


لم يُتبع الأمير عبدالعزيز بن رشيد ، بعد انتصاره في معركة الضريف ، سياسة حكيمة يمكن أن يكسب بها بعض القلوب المكلومة ، بل اتّبع سياسة الشدّة والقُوّة . فبالإضافة إلى تتبع فلول المنهزمين ، وقتل كثير ممن عثر عليه منهم ، نكل بعدد من زعماء البلدان وصادر أموالهم التضامنهم مع مبارك بن صباح وحلفائه ، أو اتهامهم بذلك التضامن ( ۱ ) . وباتباع تلك السياسة زاد كره أكثر النجديين له ، وتطلعهم إلى الخلاص من حكمه . على أن هناك من النجديين من ابتهج بانتصاره ، وهزيمة مبارك الذي كان في نظرهم معتديًا من غير أبناء البلاد . ولقد مكث ابن رشيد مدة قصيرة في حائل ، ثم توجه إلى الشمال الشرقي من جزيرة العرب مُؤمّلا ، فيما يبدو ، أن تتاح له الفرصة للاستيلاء على الكويت ) . ولعله ظن أن دخول هذه البلاد في معاهدة حماية مع بريطانيا قد أثار الدولة العثمانية إلى درجة تجعلها ترمي بثقلها معه ، وتساعده لتحقيق مآربه . ولقد علم ابن رشيد باستيلاء خصمه الجديد ، عبدالعزيز آل سعود ، على الرياض وهو في حفر الباطن . وإذا كان لم يغب عن ذهنه خطر هذا الشاب السعودي قبل استيلائه على تلك البلدة ، بدليل طلبه من العثمانيين مضايقة أنصاره ، فإن هذا الاستيلاء أكد له ذلك الخطر ، على أن المصادر تختلف في إشارتها إلى رَدُ افعله . فمنها ما ذكر أنه جمع كبار قومه ، واستشارهم في الإجراءات التي ينبغي اتخاذها ، وأن بعض هؤلاء قد مَلُوا غيابهم الطويل نسبيًا عن أولادهم وأوطانهم وشؤونهم الخاصة . وخافوا أن يتوجه بهم صوب الرياض ، فيزيد غيابهم طولا . ولذلك أشاروا عليه أن يعود إلى حائل ليبدأ بتجهيز جيش قادر على الحصار والمطاولة إن اقتضى الأمر ، فاستحسن هذا الرأي ، وعاد إلى قاعدة حكمه . ومكث


هناك عدة شهور قبل أن يخرج لمنازلة عبد العزيز بن عبد الرحمن ، ومن تلك المصادر ما أشار إلى أنه أظهر عدم مبالاة في الأمر ، وظل في الحفر أربعة بتصرّف تصرّف من يرى أن قضية الكويت أصل ، وقضية الرياض فرع ، وأنه لا بد من التعامل مع الأصل أولا لا مع الفرع ، ثم مضى بعد ذلك إلى حائل ( ۲ ) . وسواء كان هذا أو ذاك ، فإن ابن رشيد لم يَتُخذ الإجراء المناسب في الوقت المناسب . وهذا ما أتاح الفرصة للملك عبدالعزيز أن يُقوّي دفاعاته عن الرياض ، ويستعد اللبدء في بسط حكمه على بلدان نجد الأخرى ، وتوحيدها تحت رايته . ١ - توحيد جنوبي نجد بعد أن اطمأن الملك عبد العزيز إلى سلامة وضعه في الرياض عزم على التحرّك خارجها . وكان أمامه ميدانان للحركة : الجهات الواقعة جنوب هذه البلدة ، والجهات الواقعة شمالها أو غربها ، وكان يعلم أن له ولأسرته أنصارًا كثيرين هنا وهناك . لكنه فضل أن يبدأ حركته بالجهات الجنوبية لأسباب مُتعدّدة ؛ منها أنها أبعد جغرافيًا عن قاعدة حكم ابن رشيد . ولذلك فإن اتجاهه إليها أقل إثارة لخمصه القوي حينذاك من اتجاهه إلى جهات أقرب إلى قاعدة ذلك الحكم . ومنها أن قوّة الحكم الرشيدي في الجهات البعيدة نسبيًا عن حائل أقل من القريبة منها . وهذا مما يُشجّع سكان تلك الجهات على الانضمام تحت راية الحاكم الجديد . وبالإضافة إلى ذلك فإن معظم قادة جنوبي نجد وأهاليه كانت لهم مواقف مشهودة ضد القوات العثمانية ، أو المتحرّكين باسمها " ،


وكانت بلدانهم ماوى لكثير من الذين لم يريدوا الخضوع لها ، خاصة من ال سعود و آل الشيخ ) . واعتقد الملك عبد العزيز - وهو مصيب في هذا الاعتقاد أنه إذا تمكن من كسب ولاء سكان الجهات الجنوبية من نجد استطاع أن يتحرك إلى الجهات الشمالية والغربية ، وظهره أكثر أمانا ، ولقد وجد من سكان جنوبي نجد ، بصفة عامة ، ما توقعه من استجابة له وتعاون معه . ودخلت تحت حكمه الخرج والأفلاج والحريق وحوطة بني تميم ، وأصبح نفوذه يمتد من الرياض إلى وادي الدواسر ) اسب . على ٢ - المجابهة مع ابن رشيد في الدلم بعد النجاح الذي حققه الملك عبد العزيز في جنوبي نجد ، مع نهاية عام ۱۳۱۹ هـ وبداية العام الذي تلاه ، بدأ التحرّك باتجاه غرب الرياض ، خاصة صوب عالية نجد . لكن ذلك التحرّك كان مُوجَهَا ضد فئات من البادية لاضد البلدان والقرى . وكان النصر حليفه وحليف من بعثه نائبًا عنه " . وربما كان من أسباب التوجه صوب عالية نجد بعد تلك المنطقة النبي عن مركز حكم ابن رشيد ، حائل ، ولعل توجيه الحركة نحو البادية أن مهاجمتها الا تثير ابن رشيد كما تثيره مهاجمة البلدان التابعة له . ذلك أن ارتباط القبائل الرّحل به ؛ خاصة التي لم تكن في منطقة جبل شمّر أو قريبة منه ، لم يكن قويًا كارتباط الحاضرة . وبالإضافة إلى ذلك فإن نجاح غزو الملك عبد العزيز للبادية ينتج عنه حصوله على غنائم كان هوفي أمس الحاجة إليها ، وكان مما قام به


في تلك الشهور أن بعث أخاه محمدًا إلى الكويت ليصحب والدهما عبد الرحمن من هناك إلى الرياض ) . وبعودة ذلك الوالد إلى هذه البلدة اجتمع شمل الأسرة في مقر الحكم السعودي . أما الأمير عبدالعزيز بن رشيد فقد خرج من حائل في شهر ربيع الأول ، سنة ۱۳۲۰ هـ ، ومعه قواته من حاضرة جبل شمر وباديته . واستنفر أتباعه في القصيم والوشم وشدير والمخمل والشعيب . فوصل بالجميع إلى رغبة ، إحدى بلدان المخمل ، وبقي هناك شهرين ، ثم انتقل إلى الحسي ) . وقد نزل بجيشه خلال ذلك وباء توفيت بسببه أعداد غير قليلة ) . وكان قد حل ببعض البلدان النجدية وباء في ذلك العام ( 4 ) . وفي أثناء إقامة ابن رشيد تلك وَجه بادية قحطان للنزول قرب بلدة ضرماه ) ، وأرسل إلى هناك ، أيضا سالم بن سبهان ، ومعه غزو أهل القصيم ) . وأمر سعدًا الحازمي أن يستنهض القبائل المجاورة للأحساء ، لكن الحازمي فشل في مسعاه ، لأن الملك عبد العزيز كان قد بعث أخاه محمدًا وعبد الله بن جلوي إلى تلك القبائل ، تمكنا من استقطابها ( ۷ ) . ومن الواضح أن من بين أهداف هذه الإجراءات الرشيدية محاولة تطويق الرياض من شمالها الغربي وجنوبها الشرقي . على أن ابن رشيد لم يَتحرّك من الحسي المهاجمة هذه البلدة ؛ بل انتقل إلى الحفر . ولعله أراد بهذا الانتقال التمويه ، ليقوم بعد ذلك بهجوم أشدّ مفاجأة .


ولقد خطط الملك عبدالعزيز لاستدراج خصمه ابن رشيد إلى مواجهة عسكرية مباشرة على ساحة تناسبه . فخرج من الرياض بعد أن ترك فيها جيشا قادرا على الدفاع عنها بقيادة أبيه ، وتوجه إلى حوطة بني تميم يستنهض أهلها ، وبعث أخاه سعدًا إلى الحريق يستنجد بسكانها . وجعل عبدالله ابن جلوي برابط بنوات بين هاتين البلدتين ، وكانت له سرية في الألم بقيادة السديرى ) . ولما علم ابن رشيد بخروج الملك عبدالعزيز من الرياض سار بقواته مسرعًا حتى وصل إلى ضواحيها ظانا - كما تقول بعض الروايات ) - : إن خلافا وقع بين الملك وأبيه ، مما سيُسهل عليه الاستيلاء على هذه البلدة ، لكنه أدرك عند اقترابه منها أن ظنّه لم يكن صحيحا . فَتَوجّه إلى إقليم الخرج بقواته التي تقرب من أربعة آلاف مقاتل لمنازلة الملك عبدالعزيز والقضاء على قوته ، ووصل إلى بلدة مجان ، ثم أخذ يغير على الالم محاولا الاستيلاء عليها . وفي أثناء ذلك وصل الملك عبد العزيز بقواته القريبة من الألفين إلى هذه البلدة ، ودخلها دون أن يعلم به خصمه ، ولما أغارت قوات هذا الخصم - كعادتها عليها فوجئت بمقاومة أدركت أنها تؤكد وصول عبد العزيز إليها . وتمكن المدافعون من الصمود ، وإنزال بعض الخسائر بالمهاجمين ، فاضطر ابن رشيد إلى الانسحاب من الألم إلى مركزه في العجان . ثم سار الملك عبد العزيز بقواته في إثره ، ووقعت بينهما اشتباكات غير حاسمة ، لكنها أظهرت لابن رشيد أن خصمه قادر على مجابهته وإنزال الضرر به . فانسحب من الإقليم ليلا ، بعد أن ترك نيران معسكره موقدة للتمويه في تغطية الانسحاب ( ۳ ) . وهكذا كانت المواجهة الأولى ، في الدلم وما حولها ، بين ابن


سعود وابن رشيد نصرا للأول : قلت خسائر الثاني أو كثرت ، وقد حدثت في ربيع الأول عام ۱۳۲۰ هـ / يونيو ۱۹۰۲ م . ٣ - توحيد الوشم وسدير والمحمل والشعيب : بعد انسحاب ابن رشيد من إقليم الخرج وصل إلى أطراف بُرَيدة . ثم توجه إلى شمالي الجزيرة العربية ، حيث هاجم فئات من قبائل مختلفة قبل أن يتخذ من حفر الباطن مركزا له مرة أخرى . وأحس مبارك بن صباح بالحاجة إلى من يساعده في الدفاع عن إمارته ، فاستنجد بالملك عبد العزيز ، الذي هب لنجدته ومعه آلاف من المحاربين . ولما وصل إلى الكويت وجد حاكمها قد أعدّ جيشا كبيرًا بقيادة ابنه جابر ، وانطلق الجميع صوب حفر الباطن لمهاجمة خصمهم الأكبر . لكن الأخبار وافتهم بأنه ارتحل من هناك إلى حائل . فغيّروا خطتهم ، وهاجموا فئات من قبيلة مطيرفي جَوَلَبَن ، وغنموا منها إبلا وغنمّا كثيرة ، ثم عادوا إلى الكويت " . على أنه اتضح أن ابن رشيد لم يذهب إلى عاصمة حكمه ؛ بل توجه إلى الرياض . ومن الواضح أنه فعل ذلك منتهرًا فرصة ذهاب الملك عبد العزيز مع أتباعه الكثيرين إلى الكويت ، ومُؤمّلا أنه سيفاجئ الرياض ويستولي عليها . لكن قادة هذه البلدة علموا باقترابه منها ، فاستعدوا للدفاع عنها . وانتهت غارته عليها بتقطيعه بعض النخيل الواقعة خارج أسوارها ( ۳ ) وكانت انتصارات الملك عبد العزيز في الرياض وما يليها جنوبًا من الأمور التي شجعت المؤيدين للحكم السعودي في البلدان الواقعة شمالها على التحرّك ضد الحكم الرشيدي ، كما كانت مما هُيًا الملك لبدء العمل في توحيد هذه


البلدان الشمالية ، وكان في طليعة بين المشار إليهم سالها أهل شقراء الذين زاد نصف أمير ابن رشية ، ، عبد الله الصورة ، لديهم تحسم به هم على التخلص منه ، فشاروا عليه وأخرجوه من بلدتهم ، حمل وصل ، فيما بعد إلى لرمدا وبعثوا إلى الريان يعلنون ولا ههم ، ويحللون سره تلف معهم لسد أي هجوم محتمل ) . فتوجهت إليهم شريا ، بزيادة مسامد بن سويلم . ولما وصل إلى هنالك قام بمهاجمة ثرمداء ، وتمكن من دخولها ، وقتل الحسين ، والقبض على أمرها مشاري العنقري ، الذي أرسل إلى الرياض ، حيث بقي سجينا حتي وهان ) ويقال : إن دخول ابن سويلم إلى ثرمداء كان به الأنه من بعض أهلها على أنه انسحب منها إلى شقراء حذرا من هجوم أبن رشيد عليه فيها . ونتيجة لما حدث في الوشم فقام الأمير عبد العزيز بن رشيد بالإغارة على بعض الفئات القبلية هنا وهناك إظهارا لقوته ، ثم توجه إلى شقراء ، وحاول استمالة أهلها ، لكنهم لم يستجيبوا له ، فحاول إخضاعهم بالقوة ، فلم يتمكن من دخول بلدتهم ، فما كان منه إلا أن عزز دفاعات ثرمداه ، وجعل فيها حامية بقيادة حمد بن عسكر ، ثم تقهقر إلى بريدة ) . وما كان من الملك عبد العزيز إلا أن خرج من الرياض ، وتوجه إلى شقراء حيث بعث من هناك سرية إلى ثرمداء بقيادة ، عبد الله بن جلوي ، وتمكن عبد الله من دخول هذه البلدة ، وبدأ يحاصر


القصر الذي كانت فيه حاوية ابن رشيد . لكن أفراد تلك الحامية فتحوا ثغرة أحد جدران القصر ، وهربوا . شقراء أن بعث سرية ، بقيادة وكان مما قام به الملك عبد العزيز وهو أحمد السديري ، إلى روضة شدّير لمهاجمة حامية ابن رشيد فيها ، فنجحت في إخراج تلك الحامية منها . ودخلت بقية بلدان سُدير تحت الحكم السعودي سوى المجمّعة ، التي بقيت خارج هذا الحكم إلى ما بعد مقتل الأمير عبد العزيز بن رشيد بقليل ولما اطمأن الملك عبد العزيز إلى استتباب الأمور له 2 الوشم وسدير بصفة عامة ، رجع إلى الرياض في ربيع الأول عام ۱۳۲۱ هـ ( ۳ ) . وكان إقليما الشعيب والمخمل قد دخلا ، أيضا في طاعته دون مقاومة تذكر . وبذلك يُتُضح أن ميول سكان تلك الأقاليم النجدية الأربعة كانت معه ، وأن أعماله العسكرية فيها كانت مُوجهة أساسا ضد الحاميات الرشيدية الموجودة فيها ۔ توحيد القصيم الكل إقليم من أقاليم نجد أهمّيته الخاصة وتاريخه الحافل بالأحداث . من ذلك أن إقليم العارض - مثلا - اشتهر بجودة زراعته ، وكونه مهد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية ، ومركز حكم آل سعود الذين ناصروا تلك الدعوة ، وأقاموا دولة وخدت كثيرًا من مناطق جزيرة العرب ؛ خاصة إبان عهد الدولة السعودية الأولى ، وظل مركز الحكم السعودي ومنطلقه لتوحيد الأقاليم والمناطق الأخرى من البلاد .


ولإقليم القصيم أهميته من عدة جوانب ، فمساحته واسعة ، ومياهه غزيرة ، وأراضيه زراعية ، وسكانه كثيرون نسبيًا ونشيطون زراعيًا وتجاريًا . وقد امن نشاطهم التجاري إلى الحجاز ومناطق الخليج العربي ، بل امنهٔ أيضا إلى أقطار خارج الجزيرة العربية كالعراق والشام وفلسطين ومصر والهند ، وكان الموقعه أهمية كبيرة في تاريخ الدولتين السعوديتين الأولى والثانية ، فقد كان منطلق القوات السعودية لتوحيد ما يقع شماله من أقاليم جزيرة العرب . واستمرت تلك الأهميّة في الدولة السعودية الثالثة ، كما سيتضح فيما بعد . وكان إقليم الفصيم البوابة الرئيسة التي حاولت قوات حاكم مصر العثماني ، محمد علي باشا ، أن تدخل منها للقضاء على الدولة السعودية الأولى . وفد أدرك الإمام عبد الله بن سعود خطورة تلك المحاولة ، فبادر بالذهاب إلى ذلك الإقليم آملا أن يحول دون وقوعه في أيدي قوات الحاكم المذكور ، ونجح في التوصل إلى صلح مع طوسون بن محمد علي انسحب بموجبه هذا الأخير من القصيم . لكن الإمام عبد الله لم ينجح فيما بعد ، في رد إبراهيم باشا ، الذي واصل زحفه حتى قضى على حكم ذلك الإمام . وظل إقليم القصيم البوابة الرئيسة إلى قاعدة الحكم في نجد بعد زوال الدولة السعودية الأولى ، فكان ممرّ قوات محمد علي باشا ، التي حاولت القضاء على نشاط آل سعود المتخذين من الدرعيّة ، ثم من الرياض ، مركزا لهم . وقد أدرك الإمام فيصل بن تركي ، كما أدرك أسلافه ، أهميّة ذلك الإقليم فسارع للحيلولة دون أن تسيطر عليه القوات التي قدمت إلى نجد بقيادة خالد بن سعود وإسماعيل بك ، وكانت سيطرة تلك القوات عليه من أكبر العوامل التي أفقدت ذلك الإمام الأمل في المقاومة مرحليًا على الأقل . ولما عاد من مصر عام ۱۲۵۹ هـ ، ووصل إلى حائل كان إقليم القصيم أول الأقاليم النجدية التي حرص على


وقوفها معه لاستعادة حكم البلاد عامة . ثم جاءت هزيمة أهل هذا الإقليم أمام الأمير محمد بن رشيد بين المليداء ، سنة ۱۳۰۸ هـ ، لتكون أكبر عامل في توطيد حكم ذلك الأمير في نجد ، وأعظم سبب في خروج الإمام عبدالرحمن بن فيصل من الرياض فاقدًا كثيرًا من الأمل في نجاح الوقوف أمام المد الرشيدي . وهكذا كان إقليم القصيم دائمًا أرض المعارك الدائرة بين حكام نجد من آل سعود وخصومهم الزاحفين ضدهم من الحجاز أو جبل شمر . وعندما بدأ الملك عبد العزيز مسيرته التوحيدية للبلاد كانت مئات من أهل القصيم في العراق والشام وفلسطين ومصر . وقد تغرّب هؤلاء عن بلدانهم عملا في التجارة ) . أو خوفا مما آلت إليه أوضاعها السياسية ، أو كرها للعيش تحت حكم آل رشيد . وبالإضافة إلى أولئك المواطنين العاديين كان يوجد في الكويت أكابر أسرتي الإمارة بُرَيدة وعُنيزة : آل مُهنّا وآل سُلَيْم ) ، الذين فَرُوا من نجد خوفًا من بطش آل رشيد بهم . وإذا كان هؤلاء الأكابر وعشرات من مُؤيّديهم يتوقون إلى انتهاز أي فرصة للعودة إلى بلادهم وتسلم مقاليد الأمور فيها ، فإن قصيدة محمد العوني المسمّاة الخلوج ۳ ) ، التي استنهض بها أهل القصيم الموجودين في الأقطار المشار إليها سابقا ، قد أثارت حَميّة كثير من هؤلاء وشجعتهم على التوجه إلى نجد لانتزاع بلدانهم من حكم ابن رشيد ( 4 )


ولقد أدرك كل من الملك عبد العزيز والأمير عبد العزيز بن رشيد أن القصيم سيكون ميدان الصراع الحاسم بينهما . فسعى الأول إلى انتزاعه من حكم الثاني بكل الوسائل ، وسعي الثاني إلى الاحتفاظ به بكافة الطرق ، وكان من الوسائل التي رآها الملك عبدالعزيز مُهمّة في تحقيق هدفه هناك أن بعث إلى زعماء أسرتي آل مُهنا وآل سَلَيم في الكويت يحثهم على التوجه إليه ليعملوا جميعًا لتخليص القصيم من حكم ابن رشيد ) . ولم يكن شيء أحب إلى نفوس هؤلاء الزعماء من أن يتحرّكوا للعودة إلى إمارة بلديهم . فتوجهوا مع من انضم إليهم من مُؤيّديهم مسرعين ، ولحقوا بالملك عبد العزيز الذي كان حينذاك في طريقه صوب ذلك الإقليم ) . وقد وصل الجميع إلى الرّفي في أول رمضان سنة ۱۳۲۱ هـ ( ۳ ) . وكانت تلك السنة سنة قحط ، كما كانت إبل الجيش الذي مع الملك عبدالعزيز وخيله قليلة جدًا ، بحيث كان هذا سببا من أسباب عدم مواصلة سيره نحو القصيم ، وعودته إلى الرياض ) . على أن ذلك الأمر مع أهميّته الكبيرة - لم يكن أهم مما ذكره أحد المؤرخين المحليين المعاصرين لتلك الأحداث ؛ وهو أن الملك عبد العزيز كتب إلى كبار أهل عُنيزة من الزّلفي يخبرهم أنه على وشك الوجه من هناك إليهم ، فما مدى تعاونهم معه ؟ فرد عليه أولئك - ربما خضوعا للظروف المحيطة بهم ، ومن بينها وجود ابن رشيد على مقربة منهم - بأن في رقابنا بيعة لابن رشيد . وها هو موجود في القصيم . فإن قضيت عليه فنحن معك ( 2 ) . وعلى أي حال فإن الملك عبدالعزيز اقتنع بأن مواصلة السير


نحو القصيم غير مناسبة حينذاك ، فعاد إلى الرياض . وتوجه آل مُهنا وال سُلَيْم إلى شقراء ( ۱ ) أما الأمير عبد العزيز بن رشيد فإنه بعد فقده أقاليم نجد الواقعة جنوب القصيم ، قد أقام من بُرَيدة يُرتّب أمور هذا الإقليم ويُعزّز دفاعاته ضد خطر أي هجوم محتمل ، ومما يلفت النظر أنه حاول كسب رضا السكان المحليين بإظهار المؤدة لهم ومشاورتهم في الإجراءات التي ينبغي اتّخاذها . ولقد استقر رأيه في نهاية الأمر على أن يُعزّز السّريّة التي بُرّيدة بقيادة عبد الرحمن بن ضبعان ، وأن يبعث بسريّة إلى عُنيزة قوامها خمسون رجلا بقيادة فهيد بن سبهان ، ويرسل ريّة مُكوّنة من أربع مئة مقاتل بقيادة حسين بن جراد لترابط في إقليم الشر الواقع على حدود القصيم الجنوبية ، ويبعث سَريّة عددها يقرب من عدد التي قبلها بقيادة ماجد الحمود بن رشيد لترابط قرب عُنيزة ( 2 ) . ولما اطمأن نوعًا ما إلى ترتيباته في القصيم ؛ إضافة إلى عودة خصمه ، الملك عبد العزيز ، إلى الرياض ، توجه إلى حدود العراق في العاشر من شوال . وكان هدفه من التوجه إلى هناك أن يتزود هو وأتباعه بما يحتاجون إليه من طعام ، ويستنهض من ذلك القطر من قبيلة شمر ، ويستنجد العثمانيين لإمداده بالقوات والمؤن والأموال ( ۳ ) . وكان من نتائج مغادرة ابن رشيد للقصيم أن ازداد حماس الملك عبدالعزيز وأتباعه من آل مُهنا وآل سَليّم كي يُتوجهوا إلى ذلك الإقليم ) . فتوجه على رأس قواته إلى هناك . فلما تجاوز الوشم وافته الأخبار بنزول حسين بن جراد ومن


معه فيضة الشر . فشن هجومًا مباغتا عليهم ، وقُتل ابن جراد نفسه ، كما قتل عدد ليس قليلا من أفراد سريته ) ، وغنم ما كان معهم من إبل وأموال ، وذلك وفي الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة ۱۳۲۱ هـ ) . ومع أن هذا كان كسبا كبيرًا للملك عبد العزيز فإنه أدرك أن ذلك الحادث قد أصبح نذيرا لقوات ابن ارشيد والمتعاونين معها في القصيم مما سيفقده عنصر المفاجأة ، ويجعلهم على أهبة الاستعداد ل ده . ولذلك عاد إلى الرياض ، وعاد آل مُهنا وآل سُليم إلى شقراء ( وكان ماجد الحمود بن رشيد قد راوده الخوف بعد أن علم بما حصل الحسين بن جراد ومن معه . فانتقل إلى مكان قريب من سور عنيزة ) ؛ محاولة منه لتقليل خطر هجوم مباغت ضدّه من ناحية ، ورغبة منه دعم الشريّة الموجودة في تلك البلدة من ناحية أخرى . وفي العشر الأواخر من ذي الحجة ، عام ۱۳۲۱ هـ ، خرج الملك عبد العزيز من الرياض مستنهضا أتباعه للغزو . وانضم إليه - وهو في الوشم - آل مُهنا وآل سُليم ومُؤيّدوهم . وقد أظهر أنه يريد التوجه إلى أطراف الكويت ؛ وذلك للتمويه على خصومه . ثم عَيْر اتجاهه مسرعا نحو القصيم . وما إن حَلَت ليلة الخامس من شهر المحرّم ، سنة ۱۳۲۲ هـ ، حتى كان قد وصل بقواته إلى الحميدية التي تبعد عن عُنيزة ثلاث ساعات بسير الإبل . ثم اقترب من هذه البلدة ، فنزل خارج أسوارها الجنوبية . وأمر آل سُلَيْم وآل مُهنا وبعض أتباعهما أن يدخلوا


عنيزة ليستولوا عليها ، فدخلوها دون صعوبة ، وكمنوا لرئيس السرية الرشيدية فيها ، فهيد بن سبهان ، فتمكنوا من فقتله ، وأخذوا يحاصرون قصر الإمارة الذي تحضنت فيه تلك الشريّة ) . وفي صباح اليوم التالي أرسل إليهم الملك عبدالعزيز الأمير عبد الله بن جلوي مع مئة من الرجال ) . وكانت نتيجة ذلك الحصار أن هرب عدد ممن كانوا داخل القصر ، واستسلم الباقون بأمان ( ۳ ) . وبذلك تمت السيطرة على مقاليد الأمور في عنيزة مع إطلالة اليوم الخامس من المحرّم . وكان أمير هذه البلدة من قبل ابن رشيد ، صالح اليحيى ، قد خرج إلى ماجد الحمود بن رشيد يحثه على التحرّك إلى داخل البلدة . لكن ما جدًا اقتنع بأن عدم مقاومة أهلها ، بصفة عامة ، لمن دخلها مع أتباع الملك عبد العزيز دليل واضح على تضامنهم مع هذا الملك ، وأنه لا فائدة من محاولة تغيير ما حدث . فأمر أتباعه بالرحيل ، لكنهم ما إن بدأوا بالتحرّك حتى فاجأهم الملك عبد العزيز وأتباعه بالهجوم . وقتل ممن كانوا مع ماجد حوالي خمسين رجلا بينهم أخوه عبيد ، وهرب الباقون بعضهم إلى بريدة ، وبعضهم إلى حائل ( 4 )


وهكذا عادت إمارة عنيزة إلى آل سليم تحت حكم الملك عبد العزيز ، وأصبح أميرها عبد العزيز بن عبد الله ، وإلى جانبه صالح الزامل قائدا لغزوها , ولقد شجّع ما حدث في عنيزة كبار أهل بُرَيدة على إيضاح موقفهم المؤيد الملك عبد العزيز ، فبعد يومين من دخوله عُنيزة قدم إليه وفد منهم يبدون وقوفهم معه ، فسيّر آل مُهنّا إليها ، واستقبلهم أهلها بحماسة ) . ثم توجه إليها هو بقواته ، افيايمه سكانها ، وبدأ يحاصر عبدالرحمن بن ضبعان ، الذي تحصن مع رجال حاميته بقصرها المنيع . وقد دام ذلك الحصار حوالي شهرين ونصف الشهر . ولما نفد ما كان لدى المحاصرين من أطعمة ، وأصبح شبح الموت جوعا بهددهم اضطر قائدهم إلى التفاوض مع الملك عبد العزيز بشأن إنهاء الحصار . وتوصّل معه إلى اتفاق يُسلم بموجبه القصر إلى الملك ، ويخرج المحاصرون منه بأسلحتهم الشخصية آمنين على أرواحهم ، وتؤمّن لهم ركائب تنقلهم إلى بلادهم ( ۳ ) . وقد وفي الملك بما اتفق عليه مع ابن ضبعان على أحسن وجه . ومع أن ذلك الاتفاق يبدو ، بعض جوانبه ، كسبا لقائد الحامية الرشيدية ، التي كانت مُهدّدة بالموت جوعا ، فإنه كان نجاحا واضحا للملك عبد العزيز ، ذلك أنه كان حريصا على سرعة خروج تلك الحامية من بُرَيدة لئلا يصل ابن رشيد إلى أطرافها وهي لا تزال داخلها فينشغل بملاقاته عنها . وهكذا عادت إمارة بُرّيدة إلى آل مهنا تحت حكم الملك عبد العزيز ، وأصبح صالح الحسن المهنا أميرًا لها . وبدخول عُنيزة وبُرَيدة تحت الحكم السعودي يمكن القول : بأن إقليم القصيم كله أصبح واقعيًا تحت هذا الحكم .


1 - معركة البكيرية وصل إلى الأمير عبد العزيز بن رشيد خبر دخول عنيزة وبرّيدة تحت حكم الملك عبد العزيز بتأييد من أهاليهما ، وهو لا يزال قرب السماوة في العراق للتزوّد بالأطعمة ، واستنهاض شمر الموجودين في ذلك القطر ، والاستنجاد بالدولة العثمانية . وقد أثار موقف أهل القصيم غضبه الشديد ، فقام بحجز ما وجده من إبل العقيلات القصيميين في شمال الجزيرة العربية ، ثم حمل عليها قسمًا كبيرًا مما حصل عليه من أطعمة ومؤن وأسلحة من العراق إلى نجد ) . وكان مما اتبعه من أساليب للحصول على مساعدة العثمانيين أن دفع هدايا مغرية إلى موظفيهم الكبار خاصة أولئك الذين كانوا في العراق والحجاز ، وادعى أن الملك عبد العزيز ومبارك بن صباح قد أبرما اتفاقا مع بريطانيا يُخوّلها السيطرة على جزيرة العرب ) . ولا شك أن الدولة العثمانية لم تكن في حاجة إلى من يخبرها بما كان بين بريطانيا ومبارك بن صباح من اتفاق على حماية بلده . فقد كان ذلك معلنا للملا حينذاك . ولا شك ، أيضا ، أنها كانت تعلم ، بوسائلها الخاصة ، أنه لم يُتمّ أي اتفاق بين الملك عبدالعزيز والبريطانيين في تلك الحقبة . وإذا كان من المرجح أن ما دفعه ابن رشيد من هدايا قد جعل المهدى إليهم يكثفون جهودهم لإقناع السلطات العثمانية العليا بمساعدته ، فإن ما حققه الملك عبد العزيز من نجاح كبير في نجد ؛ خاصة في القصيم ، قد جعل تلك السلطات تخشى عواقب ذلك النجاح . وكان لتلك الخشية ، فيما يبدو ، أكبر الأثر في موافقتها على إمداد ابن ارشيد بما كان ينشده من عون . لقد رأت أن الملك عبد العزيز وَحَد نجدًا كلها ، باستثناء إقليم جبل شمر ، خلال عامين ونصف العام فقط . وهي تعلم من تاريخ


أسلافه أنه متى توحدت نجد فإن الطريق إلى توحيد منطقة الأحساء والقطيف معها غيرشاقة ولا طويلة . وكانت تلك المنطقة حينذاك تحت الحكم العثماني . وتختلف المصادر في تحديد كميّات الأسلحة وأعداد القوات النظامية التي أم العثمانيون بها الأمير عبد العزيز بن رشيد ) . لكنها تتفق على ضخامة تلك الأسلحة وتطورها مقارنة بالأسلحة المتداولة في نجد في ذلك الزمن ، كما تتفق على أهميّة وجود قوات نظامية تستعملها . سار الأمير عبد العزيز بن رشيد من الحدود العراقية باتجاه القصيم ومعه القوة النظامية العثمانية ، ومئات من حاضرة قومه ، وفئات كبيرة من البادية أغلبها من قبيلة شمر ؟ ) . ولما دخل إلى ذلك الإقليم انضمّ إليه ماجد الحمود بن رشيد ومن خرج معه من حاضرة شمّر . ووصل الجميع إلى بلدة قصيباء ( 3 )


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Semantics is th...

Semantics is the study of meaning in language. Although it can be conceived as concerned with meanin...

اﻟﻌﺻور اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ...

اﻟﻌﺻور اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ : اﻟﺗطور اﻟﺣﺿﺎري ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣﺟري اﻟﻘدﯾم / اﺳﺗﺧدم اﻻﻧﺳﺎن ﻣواد ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻔﻧﺎء ﻣﺛل ﻋظﺎم و...

عند عملية التصح...

عند عملية التصحيح يجب استعمال الطريقة المناسبة للتصحيح ومنها : الطريقة التحليلية والتركيبة الطريقة...

Twenty years ag...

Twenty years ago, Aguaviva, a small village in the north of Spain, was dying. Young people wanted mo...

كوجبة خفيفة حلو...

كوجبة خفيفة حلوة وصحية:لحصول أيضًا على وجبة خفيفة مغذية. بفضل محتواها العالي من البروتين، تعد اللبنة...

١-أقبل على الدر...

١-أقبل على الدراسة بشغف وارتياح ٢-ارفض أي نصيحة يقدمها المعلم لي ٣-أودي واجباتي المدرسية لإرضاء معلم...

est un oeuvre t...

est un oeuvre théatrale, inématognaphique ou littéraire principalement destinée à amuser le publier ...

تعرف باسم الكتل...

تعرف باسم الكتله الكنديه أو اللورنسيه وتقع في شمال وشرق القاره وهي أكثر اجزاء القاره ثباتا كما أنها ...

1 المرحلة الفمي...

1 المرحلة الفمية stage Oral( من الميالد حتى عامين( وتتركز اللذه في المنطقة الفمية، وتنقسم هذه المرحل...

طرق تسير المراف...

طرق تسير المرافق العامة *مــقـــدمــــــــة: الـمبــحـــث الأول: الأساليب العامة لإدارة المرفق العام...

تتحدث القصة عن ...

تتحدث القصة عن فقير وقف يوماً أمام فرن تفوح منه رائحة شهية، وهي رائحة الخبز؛ فطلب الفقير من الفران خ...

الصرة الأولى: م...

الصرة الأولى: مشهد من موسم الخطوبة الجماعي الذي يقام بإيملشيل بإقليم الراشيدية كل سنة. الصورة الثاني...