Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (29%)

فكل جماعة إنسانية متحدة منتظمة تسمى أمة، وتسمى في اللغات الأجنبية بطاقة الحصان، والقوة التي تتمكن من تنفيذ الأوامر وتنظيم الشئون العامة هي السيادة، فإذا اقترنت السيادة والأمة فتلك هي قوة الأمة السياسية. ونحن نتكلم عن سيادة الأمة حين تتولى الأمة ضبط شئون حكومتها. إن الوقاية للفرد أو للجماعة دفاع عن النفس، والقدرة على الدفاع عن النفس ضرورة من ضرورات الوجود، وبغير وقاية ومئونة لا يحافظ النوع الإنساني على وجوده. وقد ينقسم جهاد النوع الإنساني إلى عدة أدوار، وتقسيمه إلى هذه الأدوار يساعدنا على تتبع أصول الديمقراطية. فالدور الأول من جهاده كان نزاعًا بينه وبين الحيوان، والدور الثاني من جهاده كانت الحرب فيه بينه وبين الطبيعة، ومن أجل هذا حدث لما همَّ يوان شي كاي بتنصيب نفسه عاهلًا على الصين أن أستاذًا أمريكيًّا — اسمه جدناو Goodnow — أوصى باختيار النظام الملكي مع أنه ينتمي إلى أمة ديمقراطية … لاعتقاده أن تفكير الصينيين لا يطرد على سنن التقدم، وقد اتكأ يوان شي كاي على هذه الوصية ونادى بنفسه إمبراطورًا على الصين، فإذا كنا اليوم بسياق الدعوة إلى الديمقراطية فعلينا أن نفهمها على غاية الجلاء والوضوح. فقال كنفيشيوس: إن كل من تحت السماء سيعمل للصالح العام يوم تسود الفكرة الكبرى، وكانت دعوته إلى عالم حر يسوده الإخاء ويؤول حكمه إلى الأمة. ومنشيوس كان يقول: إن القيمة الكبرى للشعب ثم للأرواح التي تتولى الزرع والغلة ثم يليهم جميعًا الأمراء، وكلما قرأنا تاريخ الصين تبين لنا أنها تقدمت إلى دراسة الديمقراطية قبل الأوروبيين والأمريكيين بألوف السنين، فاليوم وقد أخذ الأوروبيون والأمريكيون بالنظام الجمهوري، وليس هذا إلا من قبيل ما يُقال بغير فطنة لمعنى المقال، وما انتهينا إلى ذلك الشعار إلا بعد وقت طويل في التفكير والتقدير. وتعوَّد الصينيون كلما نقلوا شيئًا عن أوروبة أن ينسخوه كلمة كلمة بغير تعديل، وإذا كان الأوروبيون قد حاربوا في سبيل المساواة فالمساواة هي التي يحارب الصينيون أيضًا في سبيلها، فهو لا ينضوي إلى رايتنا إذا ناديناه بأسمائها. فلما ظفروا بالنصر إذا هم يتبينون أنهم لم يكسبوا من القوة إلا القليل مما علقوا به الآمال أثناء الثورة، ولم يشغلوا أنفسهم وهم يحاولون علاج مشاكل الصين بأن يعقدوا المقارنة بينها وبين الولايات المتحدة، فنحن إذا أردنا محاكاته وجب أن تهيئ كل ولاية من ولاياتنا دستورها وحكومتها المحلية، ثم تجتمع الولايات أخيرًا للاتفاق على دستور الأمة قاطبة، وهؤلاء أصحاب هذه الفكرة يسوغون تقسيم الولايات في بلادنا بقيام الولايات الأمريكية على هذه القاعدة، وقلما يخطر لهم أن يرجعوا إلى الحالة التي كانت عليها الولايات الأمريكية عند إعلان استقلالها، وكانت قبل ذلك على عهد أسرة منج متحدة، فإذا رجعنا إلى أسرة سانج وجدنا الولايات على رباط وثيق ووجدنا الأقاليم كذلك بعد عبور نهر اليانجزي إلى الجنوب، وقد كانت على أيام أسرة تانج وأسرة هان على رباط كهذا الرباط، فلن تصبح الصين أمة ذات قوة ووفر إذا نجح القادة كل منهم في تسويغ سيطرته على الإقليم الذي هو فيه. فهذا تانج شيياو قابض على يونان، وعلينا أن نفتح لأنفسنا طريقًا جديدًا ولا نقتدي بغيرنا عميًا عن وجوه الاختلاف، وأوضح ما أعنيه فأعرض أولًا ما أعنيه بطبقات المجتمع الإنساني. فعلى أي شيء أقيم أقسام المجتمع الإنساني؟ على نصيب الفرد من الفطنة والكفاية، وهي صاحبة الفطنة الفائقة التي تتضح لها المسائل المتشابكة من نظرة، وتلقي بالها إلى الكلمة فتتبعها بالعمل العظيم، وليس في طاقتها أن تبتدئ وتبتدع، والطائفة الثالثة: هي التي لا تدرك ولا تعلم وإن حاول الآخرون تعليمها، وعز عليه أن يفرق بين حق السيادة وحق الكفاية، وخلاصة العبارتين أن الحكومة إذا صلحت فنحن الملايين الأربعمائة نجعلها «شوكوليانج» لنا ونخولها كل حقوق الدولة، فلا مناص من التمييز بين حقوق السيادة وحقوق الكفاية والقدرة، ولا يقف منا أولئك الخبراء موقف الأبهة والرئاسة وفخامة المناصب، لأنه أشبه شيء بالآلات القديمة التي كانت عند اختراعها تستطيع أن تتقدم، ولكنها لا تستطيع أن ترجع، ولا غنى لأداة الحكومة عن الجهاز الذي يدفعها قدمًا أو يردها ويثنيها إلى حيث يريد. ومسألة القانون مهمة للحكومة الديمقراطية كمهمة الموظفين، فإذا وجد من يحكم فلا بد أن توجد مع قاعدة لحكمه، ويومئذ تتقرر السيادة الشعبية المباشرة. إن السيطرة المباشرة على الحكومة لا تستقر حتى يتولى الشعب هذه الحقوق الأربعة «الانتخاب والعزل والاقتراح والاستفتاء» ويومئذ يصح القول باشتراك الشعب كله في حكم نفسه، ٨) مبدأ المعيشة من محاضرات كانتون سنة ١٩٢٤
و«مينج شنج» هي كلمة طالما طرقت الأسماع في الصين، ونحن نتكلم عن الرخاء القومي ومعيشة الشعب من أطراف الشفاه ولا نعني بفهم المقصود منها، ولست أرى أنها تعبر لنا عن معنى كثير، فاستخدمت القوى الطبيعية كالبخار والحرارة وتيارات الماء والكهرباء بديلًا من الطاقة الإنسانية، واتسعت المسافة جدًّا بين طاقة الإنسان وطاقة المكنات، وهم يطلقون هناك كلمة الاشتراكية وكلمة الشيوعية كأنهما مترادفتان، إلا أن الأمم اليوم تختلف في مذاهبها الاشتراكية وفي مقترحاتها لحل مشكلاتها، فهل نحسب إذن أن الاشتراكية وجه من وجوه مسألة المعيشة، واطرد نموها وانتظامها وسرت دعوتها إلى كل أمة. غير أن الاشتراكيين الأوائل كانوا جميعًا طوبيين يطمحون إلى بناء دنيا مثالية يظللها السلم والسعادة ولا تسمع فيها شكاية، وأنحى على الاشتراكيين السالفين لتعويلهم على ضمير الفرد وشعور الجماعة في حل مشاكل الاقتصاد التي لا تجدي الأخلاق ولا تجدي العواطف في حلها، وقال: إن المهم قبل كل شيء هو درس أطوار الاجتماع، وهؤلاء ينادون باستخدام الأساليب العلمية لعلاج المشكلات الاجتماعية، فكل دراسة في هذا العصر الذي تتقدم فيه الحضارة المادية على عجل وتتعاظم فيه قوة العلم ينبغي أن تقام على القواعد العلمية كي تثمر وتفيد، ولا يحق لنا أن نترقب حلًّا لمشكلة من المشكلات قبل تناولها بالبحوث العلمية. ومتى تناولت القوى المادية فأنت مواجه مسألة الإنتاج قبل كل شيء … وحيث لا يوجد إفراط في الإنتاج لا توجد بالبداهة ثورة صناعية، وعلى هذا يحل الإنتاج المحل الأول من الأهمية في علم الاقتصاد الحديث، أو بالإيجاز بين كل غاصب وكل مغصوب، ولن تكف هذه الحرب حتى تبلغ الثورة الصناعية مداها من النجاح. وواضح من ذلك أن ماركس يعتبر حرب الطبقات ضرورة من ضرورات التقدم الاجتماعي، على أن التوفيق بين معظم المصالح الاقتصادية في المجتمع إذا أمكن فمعظم الناس ينتفعون بهذا التوفيق والمجتمع يتقدم، ونحن لا نحاول التوفيق بينها إلا لعلاج هذه المشكلة: مشكلة المعيشة وتوفير المئونة. والأخرى تنظيم رءوس الأموال، وهما كفيلتان بحل مشكلة المئونة في الصين. ومن البديهي أن أمم العالم المختلفة مضطرة إلى اتباع طرق مختلفة لحل هذه المشكلة حسب اختلاف الأحوال فيها. فالماركسيون يحلون جميع المشكلات الاجتماعية بالدكتاتورية العمالية وجميع مشكلات الاقتصاد والسياسة بالثورة، ينحو فيه كل فريق منحاه. ينبغي أن نذكر أن مبدأ المعيشة الذي يدعو إليه الكومنتانج ليس المطمح المثالي، وهو المحور الذي تدور عليه جميع الحركات التاريخية، وإنما الفرق في أساليب التطبيق. فما هي الوقائع الأساسية عندنا؟
بل هناك فاقة عامة، وكل ما فيها فقر محتمل وفقر لا يُطاق، فكيف السبيل إلى التسوية بينهم وإلى الخلاص من براثن الفقر الشديد؟
وقد نشأ ملاك الأرض من عهد الإقطاع، وقد مضى نحو ألفي سنة على انتهاء عهد الإقطاع في الصين، ولكنها لم تخل من الملاك الصغار، فشاعت المقامرة والمضاربة بالأرض وارتفعت هذه المضاربات بأثمان الأرض ارتفاعًا لا يُطمأن إليه. ونصف المشكلة كلها محلول إذا وفقنا في هذا العلاج، ولا يكفي تنظيم رأس المال إذا أردنا أن نحل مشكلة المعيشة وأن نستريح طويلًا بعمل حاسم، إن الصين لا تشبه غيرها من الأمم، يُخيل إلينا أنه ما من سبيل إلى وجهة صالحة، وكل كلام عن مبدأ المعيشة فحواه أن يحصل الملايين الأربعمائة على طعامهم بالثمن القليل، فلا تعتبر مشكلة المعيشة محلولة حتى يتوافر الطعام الصالح بثمن ميسور. فقد دلت الإحصاءات الأخيرة على أن الزارع لا يحصل من أرضه على أكثر من أربعين في المائة، وليس يكفي عند تناول مسألة الإنتاج الزراعي أن نجتهد لتحرير الفلاح، بل علينا مع هذا أن نجتهد لمضاعفة الإنتاج بالوسائل العلمية، وخلاصتها استخدام المكنات والاستعانة بالأسمدة والمخصبات ومناوبة الغلات والمحاصيل واستئصال الآفات وتنظيم المعامل والتصدير واتقاء الأزمات. ثم نلاحق ذلك ببناء المصانع والمعامل، وعندنا وفرة من الأيدي العاملة، ولكننا لقلة المكنات لا نقوى على منافسة الأمم الأخرى، واستخدام المكنات في الإنتاج وتوفير العمل لجميع الأيدي الصالحة له في الأمة، وستكون مزاياها ومنافعها مشاعة بين الأمة قاطبة، وسيحصل كل صيني على حصة من أرباح رأس المال فلا يضيره رأس المال كما يضير أناسًا من أبناء البلاد الأجنبية التي ينحصر القسط الكبير من رءوس أموالها بين الأيدي الخاصة. وبهذا تصبح للشعب حصة في كل شيء ولا يكون قصارى الأمر أنه صاحب حصة فيما تنتجه الملكية الخاصة، ومتى كان الربح هو الغاية فنجاحنا في تخفيض سعر الأقوات يتحول إلى طلب الربح من وراء التصدير إلى الخارج حيث ترتفع أثمان الطعام، فالقضاء على نظام رأس المال حتم لا هوادة فيه، ولكننا نرى الموارد تنقص عامًا بعد عام؛ ومدار المبدأ الذي يتصل بمعيشة الأمة أن يحصل الناس على أقواتهم لا أن تمتلئ الخزائن بالأرباح، ويضطرنا هذا إلى خزن الفائض سنة قبل المحصول الجديد فلا نسمح بالتصدير حتى نضمن الكفاية بعد العام القابل …
وأن مبدأ المعيشة يجعل الغاية تيسير القوت لجميع أبناء الأمة، ومثل هذا المبدأ قمين أن يقضي على شرور النظم الاجتماعية القديمة. فعلى عاتقها يقع عبء العمل لتزويد الشعب بضروراته المعيشية. فعلى الفلاح أن ينتج مواد الغذاء، وعلى كل بالإجمال أن يعرف واجبه ويقوم بأدائه على الوجه الأمثل. وقد حدث هذا من جراء التمدد والتوسع في رءوس الأموال، وكل هذه المزايا تسندها من ورائها قوى الدول السياسية. وإنهم اليوم ليعاملون الصين كأنها سوق مستعمرة ويقبضون بأيديهم على حقوق السيادة الصينية وعلى شئونها المالية، وعلينا أن نستولي على الجانب السياسي ونلغي المعاهدات الجائرة ونسترد مكوس الموانئ من الأيدي الأجنبية،


Original text

ما هي سيادة الأمة؟ لأجل تعريف هذه السيادة ينبغي أن نعرف قبل ذلك ما هي الأمة، فكل جماعة إنسانية متحدة منتظمة تسمى أمة، أما السيادة فهي سلطان ينبسط على أرض الحكومة.


والحكومات صاحبة القوة العظمى في العصر الحاضر يسميها الصينيون بالحكومات القوية، وتسمى في اللغات الأجنبية بالدول Powers.
والقوى الآلية يسميها الصينيون بقوة الحصان، وتسمى في اللغات الأجنبية بطاقة الحصان، فالقوة والطاقة مترادفتان.


والقوة التي تتمكن من تنفيذ الأوامر وتنظيم الشئون العامة هي السيادة، فإذا اقترنت السيادة والأمة فتلك هي قوة الأمة السياسية.


ونوجز فنقول: إن الحكم شيء من الأمة وبواسطة الأمة، وهو ضبط شئون الأمة، والقدرة على هذا الضبط هو السيادة السياسية، ونحن نتكلم عن سيادة الأمة حين تتولى الأمة ضبط شئون حكومتها.


وننظر إلى العصر الحاضر أو نعود إلى الماضي فنرى أن القوة الإنسانية قد استخدمت — إذا توخينا بساطة التعبير — لحفظ النوع الإنساني؛ لأن النوع الإنساني يتطلب لبقائه وقاية ومئونة ويشعر بالحاجة إلى الحماية والمئونة كل يوم.


إن الوقاية للفرد أو للجماعة دفاع عن النفس، والقدرة على الدفاع عن النفس ضرورة من ضرورات الوجود، أما المئونة فهي تحصيل الطعام، وبغير وقاية ومئونة لا يحافظ النوع الإنساني على وجوده.


وقد ينقسم جهاد النوع الإنساني إلى عدة أدوار، وتقسيمه إلى هذه الأدوار يساعدنا على تتبع أصول الديمقراطية.


فالدور الأول من جهاده كان نزاعًا بينه وبين الحيوان، وكان يستخدم في هذا النزاع قوته البدنية دون كل قوة أخرى.


والدور الثاني من جهاده كانت الحرب فيه بينه وبين الطبيعة، وكان يستعين في هذه الحرب بالقوة الإلهية.


والدور الثالث تنازع فيه الإنسان والإنسان، ووقع فيه الخصام بين الحكومات والأقوام ونشأت السيطرة المستبدة.


ثم يأتي الدور الرابع حيث يقع الخصام في الحكومة الواحدة وتحارب الرعية رعاتها وملوكها، ومحور هذا الخصام الخلاف بين الخير والشر وبين الحق والقوة، ولنا أن نسميه دور سيادة الأمة أو عصر الديمقراطية نظرًا لاطراد التقدم في قوة الأمة.


إنه عصر جديد، وإنما بدأناه قريبًا لإسقاط الحكم المطلق الذي تخلف من العصور الغابرة.


والسؤال الجوهري هو: هل الصين اليوم ناضجة للحكومة الديمقراطية؟ إن بين الناس من يقول إن مستوى الأمة الصينية أقل من ذاك، وإنها لم تستعد بعد للحكومة القومية، ومن أجل هذا حدث لما همَّ يوان شي كاي بتنصيب نفسه عاهلًا على الصين أن أستاذًا أمريكيًّا — اسمه جدناو Goodnow — أوصى باختيار النظام الملكي مع أنه ينتمي إلى أمة ديمقراطية … لاعتقاده أن تفكير الصينيين لا يطرد على سنن التقدم، وأنهم متأخرون عن الأوروبيين والأمريكيين فلا يحق لهم أن يحاولوا تجربة الديمقراطية، وقد اتكأ يوان شي كاي على هذه الوصية ونادى بنفسه إمبراطورًا على الصين، فإذا كنا اليوم بسياق الدعوة إلى الديمقراطية فعلينا أن نفهمها على غاية الجلاء والوضوح.
لقد جهر كنفشيوس ومنشيوس بحقوق الأمة قبل ألفي سنة، فقال كنفيشيوس: إن كل من تحت السماء سيعمل للصالح العام يوم تسود الفكرة الكبرى، وكانت دعوته إلى عالم حر يسوده الإخاء ويؤول حكمه إلى الأمة.


ومنشيوس كان يقول: إن القيمة الكبرى للشعب ثم للأرواح التي تتولى الزرع والغلة ثم يليهم جميعًا الأمراء، ومن كلامه أن السماء ترى ما يراه الشعب، وتسمع ما يسمعه.


فالصين قد أدركت معنى الديمقراطية قبل ألفي سنة، وإن لم تقدر يومئذ على تطبيقها، ولكنها كانت يومئذ بمثابة الطوبى في اصطلاح الغربيين: مثلًا أعلى لا يتيسر تطبيقه على الأثر.


وكلما قرأنا تاريخ الصين تبين لنا أنها تقدمت إلى دراسة الديمقراطية قبل الأوروبيين والأمريكيين بألوف السنين، نعم إنها دراسة نظرية لم تأخذ مأخذ العمل والتطبيق، فاليوم وقد أخذ الأوروبيون والأمريكيون بالنظام الجمهوري، ومضى عليه بينهم نحو مائة وخمسين سنة فنحن الذين حكم آباؤهم بهذه الأفكار خلقاء أن نمضي في أثرهم وأن نستخدم قوة الأمة إذا رجونا لحكومتنا البقاء ورجونا للشعب السعادة والرخاء.


ولكن النهضة الديمقراطية بالقياس إلى غيرها من النظم متأخرة، ولا تزال حكومات كثيرة مصطبغة بصبغة الحكم المطلق ولا تزال تجارب الديمقراطية محفوفة بمعقبات الخيبة والإخفاق، وهذه الدراسة التي جرى البحث فيها بين أهل الصين قبل ألفي سنة لم توضع موضع التنفيذ إلا منذ مائة وخمسين سنة، وكأنما تنتشر في أرجاء العالم على أجنحة الرياح.


لقد عزمنا منذ ثلاث عشرة سنة — نحن الثائرين — أن ندين بالديمقراطية إذا طلبنا القوة للصين والنجاح للثورة، وكأنما تجري هذه الدفعة العالمية كنهر اليانجزي في مجراه: تارة هنا وتارة هناك وتارة إلى الوراء، ولكن المصب إلى الشرق في النهاية، فلن يصده عنه عائق آخر المطاف.


وإذا كانت الديمقراطية قد وجدت أكثر من قرن في الغرب فإنما جاءت في تاريخها تابعة لجهاد الحرية، فكانت الدماء تفيض فيضًا في سبيل هذه الحرية، وكان العارفون من أبناء أوروبة وأمريكا يومئذ يتخذون من الحرية علمًا يرفعونه كما نرفع اليوم علم المبادئ الثلاثة، ويخلص لنا من ثم أن جهاد الغرب كان في طلب الحرية، فلما بلغ الحرية جاء علماؤهم فأطلقوا عليها اسم الديمقراطية.


ولما سرت نوازع الثورة إلى الصين أخيرًا خرج الطلاب الناشئون وطائفة كبيرة من العلماء الجادين ينادون بالحرية، وخطر لهم أنه ما دامت الثورات الأوروبية — كالثورة الفرنسية — قد كانت تجاهد للحرية فليكن جهادنا نحن أيضًا للحرية، وليس هذا إلا من قبيل ما يُقال بغير فطنة لمعنى المقال، فما ألقى هؤلاء بالهم إلى سوابق تاريخ الديمقراطية والحرية لينفذوا إلى الحقيقة من ورائها، ونحن إنما وضعنا لحزبنا الثوري غاية من المبادئ الثلاثة؛ لأننا قصدنا بهذه الغاية دلالة عميقة ولم نرسلها جزافًا.


إن الثورة الأمريكية كان شعارها الاستقلال، وثورتنا نحن شعارها المبادئ الثلاثة، فنحن لا نردد شعار الآخرين ولا نحاكي أصداءهم، وما انتهينا إلى ذلك الشعار إلا بعد وقت طويل في التفكير والتقدير.


إن سيادة الأمة — مين شوان — هي الكلمة الثانية في شعارنا الثوري، وهي تقابل كلمة المساواة في شعار الثورة الفرنسية.


وقد انتشرت الحضارة الأوروبية شرقًا فانتشرت معها المذاهب السياسية والاقتصادية والعلمية إلى الصين، وتعوَّد الصينيون كلما نقلوا شيئًا عن أوروبة أن ينسخوه كلمة كلمة بغير تعديل، فإذا كانت الثورة الأوروبية منذ قرنين أو ثلاثة قرون قد كافحت من أجل الحرية فليكافح الصينيون كذلك، وإذا كان الأوروبيون قد حاربوا في سبيل المساواة فالمساواة هي التي يحارب الصينيون أيضًا في سبيلها، ولكن ضعف الصين الآن لا يرجع إلى قلة الحرية والمساواة، فإذا نحن صرفنا الجهد إلى استنهاض عزائم الشعب بصيحة الحرية والمساواة فقد ركبنا شططًا وابتعدنا كثيرًا من الوجهة المثلى؛ لأن شعبنا لم تلعجه هذه المسائل، وليس في حسه انتباه شديد إليها، فهو لا ينضوي إلى رايتنا إذا ناديناه بأسمائها.


إن حزبنا الثوري لا يهيب بالشعب إلى المعركة من أجل الحرية والمساواة، بل من أجل المبادئ الثلاثة، وهي التي تعطينا الحرية والمساواة إذا أخرجناها إلى حيز الفعل من حيز القوة.


إذ الحرية والمساواة تقومان على الديمقراطية وتستندان إليها، فلا يطول بقاء الحرية والمساواة إلا حيث تزدهر الحرية، وما من وسيلة تفلح في حفظهما إن ضاعت سيادة الأمة، فلهذا نظر الحزب الثوري في الصين إلى وجهة الحرية والمساواة، ولكنه جعل الديمقراطية — أو سيادة الشعب — قوام الدعوة وشعارها، فلن يستمتع شعبنا بنعم الحرية والمساواة ما لم يدرك الديمقراطية، وهذه النعم داخلة في حسابنا منطوية في السيادة القومية.


وكثيرون منا يحسبون أن الديمقراطية إذا بلغت في الصين مبلغها في الأقطار الغربية تكون قد بلغت أهدافها، وتعتبر الصين إذن في طليعة أمم التقدم والحضارة، بيد أن المسافة بعيدة بين الديمقراطية الغربية كما نقرؤها في الكتب والديمقراطية الغربية كما نراها في الواقع.


انظروا مثلًا إلى رواد الديمقراطية الغربية من أمثال الولايات المتحدة وفرنسا التي نشبت ثورتها منذ أكثر من مائة سنة، فكم من الحقوق السياسية أدركها الشعب هنالك فعلًا؟ إن المؤمن بالديمقراطية على حقيقتها يبدو له أنه لم يدرك منها غير القليل، وقد خطر للذين نافحوا الاستبداد طلبًا لحقوق الشعب أنهم بالغون غاية الديمقراطية دفعة واحدة، فضحوا بكل شيء وحصروا جهودهم كافة في معركة حياة وموت، فلما ظفروا بالنصر إذا هم يتبينون أنهم لم يكسبوا من القوة إلا القليل مما علقوا به الآمال أثناء الثورة، وأنهم لما ينتهوا إلى الديمقراطية الوافية.


ومنذ رأى بعض الصينيين أن الولايات المتحدة تقدمت إلى مركزها الحاضر غنى وقوة على نهج الدساتير الاتحادية التي تترك الشئون المحلية لسلطان الحكومة، إذا بأولئك الصينيين المثقفين يتخيلون أن الصين تنال الغنى والقوة بالدساتير الاتحادية، ولم يشغلوا أنفسهم وهم يحاولون علاج مشاكل الصين بأن يعقدوا المقارنة بينها وبين الولايات المتحدة، وكان قياسهم المنطقي أن الدساتير الاتحادية هي الطريق إلى الغنى والقوة ما دمنا نريدهما وما دامت الولايات المتحدة قد حصلت عليهما من هذه الطريق، ونسوا أن هذا النظام إنما قام هناك؛ لأنه كان قائمًا فعلًا في كل ولاية وكان لكل ولاية فعلًا دستور وحكومة، فنحن إذا أردنا محاكاته وجب أن تهيئ كل ولاية من ولاياتنا دستورها وحكومتها المحلية، ثم تجتمع الولايات أخيرًا للاتفاق على دستور الأمة قاطبة، أو بعبارة أخرى نعمد إلى الصين المتحدة فنقسمها كما كانت الولايات الأمريكية مقسمة منذ قرن مضى، ثم ندمجها جميعًا في حكومة واحدة، وأنه لتفكير ولا شك منحرف عن الصواب، وكأنما نحن ببغاوات تردد الكلمات وعيونها مغمضة عما حولها.


وهؤلاء أصحاب هذه الفكرة يسوغون تقسيم الولايات في بلادنا بقيام الولايات الأمريكية على هذه القاعدة، وقلما يخطر لهم أن يرجعوا إلى الحالة التي كانت عليها الولايات الأمريكية عند إعلان استقلالها، فهل يذكرون لم كانت هذه الولايات تتغنى بالوحدة بعد خروجها من سلطان بريطانيا العظمى؟ إنها فعلت ذلك؛ لأنها كانت متفرقة ولم تكن قط جماعة منتظمة في إدارة واحدة، فرأت أن تجتمع لتصبح أمة متحدة.


والصين في هذا الصدد ما شأنها؟ لقد كانت الصين ظاهرًا منقسمة إلى ثماني عشرة ولاية تضاف إليها ولايات منشوريا وسنكيانج فهي أربع وعشرون، وتضاف إليها كذلك جيهول وسويوان وككنور وولايات شتى ذات وضع خاص بها عدا منغوليا والتيبت. وكل هذه الأقاليم كانت تابعة لحكومة المانشو المركزية خلال مائتي سنة، وكانت قبل ذلك على عهد أسرة منج متحدة، بل كانت مع أقطار آسيا وأوروبة دولة واحدة في عهد أسرة يوان، فإذا رجعنا إلى أسرة سانج وجدنا الولايات على رباط وثيق ووجدنا الأقاليم كذلك بعد عبور نهر اليانجزي إلى الجنوب، وقد كانت على أيام أسرة تانج وأسرة هان على رباط كهذا الرباط، فلا معنى لتجزئة الصين مع أنها لم تكن أجزاء متفرقة في تاريخها القديم.


إن هذا الشتات الذي منيت به الصين في الوقت الحاضر إنما هو ظاهرة عارضة، جر إليها استيلاء القادة العسكريين على أجزائها، وهي حالة لا بد أن نعمل للخلاص منها، ولا يصح لأي سبب من الأسباب بعد اليوم أن نتصايح بالدعوة الاتحادية «الفدرالية» كأنما نمهد بذلك لاستقرار كل قائد من أولئك القادة العسكريين في البلد الذي استولى عليه، فلن تصبح الصين أمة ذات قوة ووفر إذا نجح القادة كل منهم في تسويغ سيطرته على الإقليم الذي هو فيه.


وكل من يتصايح بتلك الدعوة فحقيقة الأمر فيه أنه طامع يمهد لاغتصاب مطمعه، فهذا تانج شيياو قابض على يونان، وهذا شاو هنجتانج قابض على هونان، وهذا لوينجتنج قابض على كوانجزي، وهذا شن شيونج منج قابض على كوانتنج … وإنها لفدرالية عسكرية هذه التي تسيطر هنا وهناك … ليست هي فدرالية شعب يحكم بأمره، وما في هذه الفدرالية نفع للصين، بل هي مأرب من مآرب الطامعين العسكريين.


ونعود فنقول: إن الديمقراطية التي هي مبدأ من المبادئ الثلاثة في برنامج حزب الكومنتانج لبناء الصين هي شيء غير الديمقراطية الغربية، وليس المقصود من دراسة تاريخ الغرب أن ننقل نسخة منه ونقفوا أثره ونحن مغمضون، بل نحن نستخدم مبدأ السيادة القومية حيث نعيد بناء الصين أمة لا سلطان عليها لغير الأمة، وعلينا أن نفتح لأنفسنا طريقًا جديدًا ولا نقتدي بغيرنا عميًا عن وجوه الاختلاف، فنجني على وطننا، ونضر بحياة قومنا، فللغرب مجتمعه ولنا نحن مجتمعنا، وما عندهم من العادات والعواطف لا يشبه العادات والعواطف التي عندنا، وما من أمل لنا في إصلاح مجتمعنا وترقية شعبنا ما لم نقتبس الجديد، متوخين في اقتباسه ما يوافقنا ويلائم أحوالنا …


… ونحن دعونا إلى تطبيق الديمقراطية حين رفعنا علم الثورة، وفكرت في الطريقة التي نحل بها المشكلة، وهي طريقة أحسبها رأيًا جديدًا في المذاهب السياسية وأحسب أنها حل أساسي للمشكلة كلها، وأوضح ما أعنيه فأعرض أولًا ما أعنيه بطبقات المجتمع الإنساني.


فعلى أي شيء أقيم أقسام المجتمع الإنساني؟ على نصيب الفرد من الفطنة والكفاية، وبهذا ينقسم الناس إلى طوائف ثلاث:
الطائفة الأولى: هي التي ترى مبتدئة بالرأي، وهي صاحبة الفطنة الفائقة التي تتضح لها المسائل المتشابكة من نظرة، وتلقي بالها إلى الكلمة فتتبعها بالعمل العظيم، ومن ثاقب نظرها إلى المستقبل وجليل عملها في الحضارة تتقدم الحضارة الإنسانية، هؤلاء هم الرواد الكشافون ذوو البداهة والبصيرة النافذة.
والطائفة الثانية: هي التي تتلوها في النظر والفطنة، وليس في طاقتها أن تبتدئ وتبتدع، بل هي تحاكي وتتبع وتستفيد مما عمله السابقون لها إلى الرأي والرؤية.
والطائفة الثالثة: هي التي لا تدرك ولا تعلم وإن حاول الآخرون تعليمها، ولكنها تعمل وتثابر على العمل، أو بعبارة أخرى، إن الطائفة الأولى هي طائفة الكشافين المستطلعين، والطائفة الثانية هي طائفة المتولين المساعدين، و الطائفة الثالثة هي طائفة المنفذين المشتغلين، ويتوقف تقدم العالم على هذه الطوائف جميعًا، فلا يصح نقصان واحدة منها. وكل أمة تشرع في تطبيق الديمقراطية يجب أن تكل إلى كل فرد من أفرادها حصة: إلى الرجل الذي يبتدئ بالرأي، والرجل الذي يتبعه ويساعده، والرجل الذي لا يرى لنفسه ولكنه يعمل ويشتغل.
وعلينا أن نفهم أن الديمقراطية السياسية ليست منحة الطبيعة ولكنها اختراع الإنسان، ويلزمنا أن نخلق الديمقراطية ونعطيها الشعب ولا نتريث حتى يحارب الشعب من أجلها ويأخذها.


والأمم الغربية طبقت الديمقراطية وحدث بعد تطبيقها أن الشعب تربى فيه شعور العداء للحكومة، وعز عليه أن يفرق بين حق السيادة وحق الكفاية، فإن فاتنا أن نتنبه لهذا فنحن منساقون وراء الغرب على غير هداية.


وينبغي أن يكون التمييز بين السيادة والكفاية سهلًا على الصين؛ لأننا نفهمهما من عبارة «آه تو» وعبارة «شوكوليانج».


وخلاصة العبارتين أن الحكومة إذا صلحت فنحن الملايين الأربعمائة نجعلها «شوكوليانج» لنا ونخولها كل حقوق الدولة، وأنها إذا فسدت فنحن الملايين الأربعمائة نتقلد حقوق الملك ونطردها ونسترد السيادة إلى أيدينا.


ونحن اليوم نعرف طريقة للانتفاع بالديمقراطية وطريقة لتحويل موقف الرعية منها، ولكن الأكثرين من الرعية لا يفقهون، فمن خصتهم أمانة الفقه مسئولون أن يقودوا الرعية إلى الطريق الأقوم حذرًا من عاقبة التجربة في البلاد الغربية.


وقد انتهى علماء الغرب إلى أن موقف الشعوب من الحكومة خطأ وأن تغييره واجب، ولكنهم لم يبصروا بعد كيف يكون التغيير.


وهذا الذي اهتدينا إليه، فلا مناص من التمييز بين حقوق السيادة وحقوق الكفاية والقدرة، فيقوم أساس الحكم في الأمة على حقوق الأمة، أما إدارة الحكومة فتعهد إلى خبرائها، ولا يقف منا أولئك الخبراء موقف الأبهة والرئاسة وفخامة المناصب، بل حكمهم عندنا حكم السواقين أو حراس الأبواب أو الطهاة أو الأطباء أو النجارين أو من نحسب من ضروب العاملين، وما دام موقفهم هذا الموقف فالحكومة تنتظم والشعب يتقدم.


وما هي خير الوسائل لتطبيق الديمقراطية؟


إن الانتخاب هو الوسيلة التي تعم البلاد المعروفة بالبلاد الديمقراطية، فهل هو وسيلة كافية لانتظام الحكومة؟ كلا؛ لأنه أشبه شيء بالآلات القديمة التي كانت عند اختراعها تستطيع أن تتقدم، ولكنها لا تستطيع أن ترجع، وإنما يتم تركيب الأداة بالقدرة على الرجوع، والوسيلة التالية لتلك الوسيلة الأولى هي التي تيسر للشعب أن يدير الأداة إلى الوراء، وأن يعزل الحكومة التي اختارها، وهاتان الوسيلتان — وهما الانتخاب والعزل — تحفظان سيطرة الشعب على حكومته وموظفيها فيبقيهم أو يخرجهم حين يشاء، ولا غنى لأداة الحكومة عن الجهاز الذي يدفعها قدمًا أو يردها ويثنيها إلى حيث يريد.


ومسألة القانون مهمة للحكومة الديمقراطية كمهمة الموظفين، فإذا وجد من يحكم فلا بد أن توجد مع قاعدة لحكمه، ومن حق الأمة إذا ارتضت قاعدة للحكم أن تجعلها قانونًا وتوحي إلى الحكومة بتنفيذها، وهو ما يسمى بحث اقتراح القوانين، ونعتبره الركن الثالث من أركان الديمقراطية، فإذا اتفقت الآراء على استنكار قانون غير نافع للشعب فمن اللازم إذن أن يملك الشعب الوسيلة التي تكفل له تعديله واتخاذ البديل الصالح منه، ويطلقون كلمة الاستفتاء على هذا الحق أو هذا الركن الرابع للديمقراطية.


وليس يجوز لنا أن نقول عن أمة إنها تنعم بالديمقراطية الوافية ما لم تكن هذه الحقوق الأربعة نافذة فعلًا، وما لم يكن تطبيقها مرعيًّا بوسائله المقررة، ويومئذ تتقرر السيادة الشعبية المباشرة.


إن السيطرة المباشرة على الحكومة لا تستقر حتى يتولى الشعب هذه الحقوق الأربعة «الانتخاب والعزل والاقتراح والاستفتاء» ويومئذ يصح القول باشتراك الشعب كله في حكم نفسه، ومعنى ذلك عندنا أن الملك هو الملايين الأربعمائة، يباشرون حقوقهم الملكية ويسيطرون على مسائل الدولة العظمى، ويرجع الأمر في كل شيء إلى هذه الحقوق الديمقراطية الأربعة.
(٨) مبدأ المعيشة من محاضرات كانتون سنة ١٩٢٤


«مينج شنج شوي» هي مبدأ معيشة الشعب.


و«مينج شنج» هي كلمة طالما طرقت الأسماع في الصين، ونحن نتكلم عن الرخاء القومي ومعيشة الشعب من أطراف الشفاه ولا نعني بفهم المقصود منها، ولست أرى أنها تعبر لنا عن معنى كثير، ولكننا إذا حملناها في هذا العصر — عصر العلم — إلى دائرة البحوث العلمية لدراسة مدلولها من الوجهة الاجتماعية والوجهة الاقتصادية وجدنا لها مرمى كبير الدلالة.


فالمينج شنج ترمي إلى تدبير مئونة الشعب، وكيان المجتمع ورخاء الأمة وحياة الجماهير، وإني لمستخدم هذه العبارة الآن للدلالة على مشكلة من أكبر المشكلات التي نجمت في الغرب خلال القرن الماضي، وهي الاشتراكية.


فمسألة المعيشة هي الاشتراكية، وهي الشيوعية، وهي الطوبى.


والعوامل التي تضافرت على خلق هذه المسألة هي بالإيجاز تقدم الحضارة المادية السريع، وتطور الصناعة العظيم، والزيادة المفاجئة في القدرة البشرية على الإنتاج.


فاستخدمت القوى الطبيعية كالبخار والحرارة وتيارات الماء والكهرباء بديلًا من الطاقة الإنسانية، واستخدم النحاس والحديد بديلًا من عضل الإنسان وعظامه، وصار في وسع رجل واحد بمكنة واحدة أن يعمل عمل مائة أو ألف، واتسعت المسافة جدًّا بين طاقة الإنسان وطاقة المكنات، وهو ما يسميه الغربيون بالثورة الصناعية.


وهم يطلقون هناك كلمة الاشتراكية وكلمة الشيوعية كأنهما مترادفتان، وقد تشملهما كلمة الاشتراكية على ما بينهما من اختلاف.


وغرضي من إطلاق مبدأ المعيشة بدلًا من الاشتراكية أن أصل إلى جذور المسألة وأكشف عن حقيقتها وأيسر فهمها لمجرد سماعها.


فهل مبدأ المعيشة حقًّا مخالف للاشتراكية؟ إن أهم ما تشتغل به الاشتراكية هو مسائل المجتمع الاقتصادية، أو مسائل المعيشة. ومنذ تقدمت الصناعة أصبح كثير من العمال قد نزعت منهم أعمالهم وتعسر عليهم كسب أرزاقهم، وجاءت الاشتراكية تحاول علاج هذه الحالة فتلاقت مسائل المجتمع ومسائل الاقتصاد ودخلت كلتاهما في نطاق مسألة المعيشة وهي محور الاشتراكية.


إلا أن الأمم اليوم تختلف في مذاهبها الاشتراكية وفي مقترحاتها لحل مشكلاتها، فهل نحسب إذن أن الاشتراكية وجه من وجوه مسألة المعيشة، أو أن مسألة المعيشة وجه من وجوه الاشتراكية؟


إن دعاة الاشتراكية الأولين كانوا على الأغلب دعاة أخلاق وكان أتباعهم أصحاب ضمائر وآداب، ولم يكن أحد يقاوم الاشتراكية غير أصحاب الأموال الذين رانت على نفوسهم الأثرة فلم يكترثوا لما يصيب الجماهير، وإذا كانت المشكلة الاجتماعية تدور على توفير الرزق للعديد الجم من بني آدم كان ذوو النظر والصلاح القائمين بالدعوة الاشتراكية أهلًا للعطف والتأييد من الكثيرين، ثم راج المذهب فأخذت الأحزاب الاشتراكية في الظهور، واطرد نموها وانتظامها وسرت دعوتها إلى كل أمة.


غير أن الاشتراكيين الأوائل كانوا جميعًا طوبيين يطمحون إلى بناء دنيا مثالية يظللها السلم والسعادة ولا تسمع فيها شكاية، ولم يصفوا للناس طريقة فعالة لمنع الشكاية والشقاء.


وهنا جاء ماركس فصرف عقله وذكاءه ومعارفه وتجاربه إلى تمحيص هذه الأمور ودراستها، وبنى آراءه الجديدة جميعًا على القواعد الاقتصادية، وأنحى على الاشتراكيين السالفين لتعويلهم على ضمير الفرد وشعور الجماعة في حل مشاكل الاقتصاد التي لا تجدي الأخلاق ولا تجدي العواطف في حلها، وقال: إن المهم قبل كل شيء هو درس أطوار الاجتماع، وصدر في مبادئه عن رعاية مطلقة للوقائع دون النظريات والأمثلة العليا.


ثم تشعبت المذاهب الاشتراكية بعد ماركس إلى شعبتين: شعبة الطوبيين وشعبة العلميين، وهؤلاء ينادون باستخدام الأساليب العلمية لعلاج المشكلات الاجتماعية، فكل دراسة في هذا العصر الذي تتقدم فيه الحضارة المادية على عجل وتتعاظم فيه قوة العلم ينبغي أن تقام على القواعد العلمية كي تثمر وتفيد، ولا يحق لنا أن نترقب حلًّا لمشكلة من المشكلات قبل تناولها بالبحوث العلمية.


إن ماركس يؤكد الجانب المادي في دراسته لمسائل المجتمع، ومتى تناولت القوى المادية فأنت مواجه مسألة الإنتاج قبل كل شيء … وحيث لا يوجد إفراط في الإنتاج لا توجد بالبداهة ثورة صناعية، وعلى هذا يحل الإنتاج المحل الأول من الأهمية في علم الاقتصاد الحديث، فإذا شئت أن تفهم أحوال الاقتصاد الحديثة فلا معدى لك عن فهم الوقائع التي تتعلق بالإنتاج.


وقد أصبح الإنتاج على نطاق واسع ميسورًا في العصر الحديث بالعمل والمكنة، أو باشتراك رأس المال والمكنات واستخدام الأيدي العاملة، وتذهب أرباح هذا الإنتاج في نطاقه الواسع على الأكثر إلى أصحاب الأموال فلا يجني العمال منها غير قسط ضئيل.


ولهذا تصطدم مصالح أصحاب الأموال ومصالح العمال على الدوام، وتنفجر حرب الطبقات حين لا يوجد الحل المرضي بين الفريقين، ويعتقد ماركس أن حرب الطبقات لم تأت تبعًا للثورة الصناعية، بل كان التاريخ الماضي كله قصة حرب بين الطبقات: أو بين السادة والعبيد، أو بين أصحاب الأرض والأكارين، أو بين النبلاء والعامة، أو بالإيجاز بين كل غاصب وكل مغصوب، ولن تكف هذه الحرب حتى تبلغ الثورة الصناعية مداها من النجاح.


وواضح من ذلك أن ماركس يعتبر حرب الطبقات ضرورة من ضرورات التقدم الاجتماعي، وأنها في الواقع هي القوة الدافعة لذلك التقدم، فحرب الطبقات هي السبب والتقدم الاجتماعي هو النتيجة.


على أن التوفيق بين معظم المصالح الاقتصادية في المجتمع إذا أمكن فمعظم الناس ينتفعون بهذا التوفيق والمجتمع يتقدم، ونحن لا نحاول التوفيق بينها إلا لعلاج هذه المشكلة: مشكلة المعيشة وتوفير المئونة.


ومن قديم الزمن بذل الإنسان جهده لحفظ كيانه، وكان صراع الإنسان لاستدامة وجوده باعثًا للتطور الذي لا ينقطع في أحوال المجتمع، وذلك هو قانون التطور الاجتماعي، فليست حرب الطبقات باعث التقدم الاجتماعي، بل هي داء يتعرض له المجتمع أثناء التطور، وعلة الداء هي العجز عن توفير الرزق، والحرب هي نتيجة هذا الداء.


وكل ما استفاده ماركس من بحوثه أنه علم بالأدوات التي يتعرض لها المجتمع أثناء تطوره، فهو مشخص أمراض Pathologist ولا نستطيع أن نقول عنه إنه فزيولوجي مشرح لوظائف البنية، وقد وجد خلال درسه لمشكلات المجتمع علة واحدة من علله، فلم ينكشف له قانون التقدم الاجتماعي ولا القوة الرئيسية في مجرى التاريخ.
وقد استقر حزب الكومنتانج منذ زمن على طريقتين لتنفيذ مبدأ المعيشة القومية: إحداهما التسوية بين ملاك الأرض، والأخرى تنظيم رءوس الأموال، وهما كفيلتان بحل مشكلة المئونة في الصين.


ومن البديهي أن أمم العالم المختلفة مضطرة إلى اتباع طرق مختلفة لحل هذه المشكلة حسب اختلاف الأحوال فيها.


وكثير من أساتذة الصين الذين استوعبوا معارف الغرب قد حسبوا أننا نعالج مشاكلنا مقتدين في العلاج بغيرنا، ولم يلتفتوا إلى الخلاف الذي قام ولا يزال قائمًا بين أحزاب الأمم الغربية حول مشكلات بلادهم، فالماركسيون يحلون جميع المشكلات الاجتماعية بالدكتاتورية العمالية وجميع مشكلات الاقتصاد والسياسة بالثورة، وهم فريق التطرف الأقصى وغيرهم من الاشتراكيين يميلون إلى الأساليب السلمية واستخدام العمل السياسي والتفاهم بالمفاوضة والمساجلة، وبين الفريقين خصام شديد في أوروبة وأمريكا، ينحو فيه كل فريق منحاه.


وعند المقارنة بين هذا المنحى وذلك نرى أن ماركس يحل العقدة بقطعها، وأن الآخرين يفكون عقدتها برفق وتؤدة، فهل نريد نحن أن نحل عقدتنا بحد السكين أو الرفق والتؤدة؟


ينبغي أن نذكر أن مبدأ المعيشة الذي يدعو إليه الكومنتانج ليس المطمح المثالي، بل هو القوة الدافعة في المجتمع، وهو المحور الذي تدور عليه جميع الحركات التاريخية، والفرق بين الشيوعية ومبدأ المعيشة أن الشيوعية غاية مثالية للمعيشة، ولكن مبدأ المعيشة هو الشيوعية الواقعية، فليس بين المذهبين فرق أصيل، وإنما الفرق في أساليب التطبيق.


وبين هذه الأحوال التي تعانيها الصين نسأل: أية الوسائل هي التي نختارها لعلاج مسألة المعيشة؟


لن تكون هذه الوسائل نظريات فارغة، بل وقائع ماثلة، ولن تكون وقائع ماثلة في البلاد الأجنبية، بل في صميم بلادنا، فلا اهتداء إلى خطة قديمة ما لم نكن على علم بالوقائع الصحيحة، فما هي الوقائع الأساسية عندنا؟


لنعلم أننا جميعًا أصحاب حصة في هذه الفاقة التي تبتلى بها الأمة الصينية، فليس عندنا طبقة غنية خاصة، بل هناك فاقة عامة، وهذا التفاوت بين الغني والفقير إنما هو اختلاف في طبقة واحدة، أو اختلاف في درجة الفاقة.


والواقع أن صاحب رأس المال الصيني بالقياس إلى نظرائه الغربيين فقير ومن عداه من أبناء الشعب فقراء مدقعون، وإذا كان أغنياؤنا فقراء في العالم الواسع فالأمة الصينية أمة فقراء، وليس بينها غني كبير، وكل ما فيها فقر محتمل وفقر لا يُطاق، فكيف السبيل إلى التسوية بينهم وإلى الخلاص من براثن الفقر الشديد؟


إن التغير الاجتماعي والتطورات في رأس المال تبدأ عادة من مالك الأرض إلى التاجر إلى صاحب المال، وقد نشأ ملاك الأرض من عهد الإقطاع، ويمكن أن يقال: إن أوروبة لم تملك بعد حريتها من النظم الإقطاعية في حين أن الصين قضت على نظام الإقطاع فيها من عهد أسرة شين.


وكان النبلاء الذين يحوزون الأرض هم الأغنياء حين كان عهد الإقطاع قائمًا، ومن لم يكن في حوزتهم أرض فهم فقراء، وقد مضى نحو ألفي سنة على انتهاء عهد الإقطاع في الصين، ولا تزال الحالة باقية كما كانت لقلة التقدم في أساليب الصناعة والتجارة. وخلت الصين من كبار الملاك، ولكنها لم تخل من الملاك الصغار، وسارت العلاقات في سلام بين الملاك الصغار وآحاد الشعب، إلى أن سرت تيارات الحياة الغربية إلى الصين في الزمن الأخير فسرى التغيير إلى كثير من النظم، وكانت مسألة الأرض أول ما أصابه التغيير من جراء اتصالنا بالبلاد الغربية، فشاعت المقامرة والمضاربة بالأرض وارتفعت هذه المضاربات بأثمان الأرض ارتفاعًا لا يُطمأن إليه.


إن الغربيين لم يهتدوا إلى طريقة يعالجون بها هذه الشرور التي تتعلق بالأرض، فإذا أردنا حل هذه المشكلة فلنبدأ الآن ولا ننتظر حتى يتقدم تطور التجارة والصناعة فلا يسلس لنا مقادها بعد ذاك.


واليوم والمؤثرات الغربية تتوالى وأحوال الصناعة والتجارة تدخل أطوارها المتجددة، ننظر حولنا فنرى التفاوت يتباعد بين ملاك الأرض كما يتباعد بين ذوي الأموال والفقراء، ووجهتنا من دعوة الكومنتانج هي التقريب والتسوية بين موارد الرزق في المجتمع، فهي غاية كفاية الاشتراكية أو غاية الشيوعية، ولكن طريقة التطبيق هي موضع الاختلاف.


وخطوتنا الأولى هي علاج مشكلة الأرض، ونصف المشكلة كلها محلول إذا وفقنا في هذا العلاج، فأصحاب رءوس الأموال في الصين لا يزالون ملاك أرض لا ملاك مكنات ومصانع، وينبغي من هنا أن يسهل علينا العمل على التسوية بين الملاك وتنظيم رأس المال وأن نلتمس لنا مخرجًا من مشكلة الملكية.


ولا يكفي تنظيم رأس المال إذا أردنا أن نحل مشكلة المعيشة وأن نستريح طويلًا بعمل حاسم، فقد كان فرض الضرائب على الدخل إحدى الوسائل التي لجأ إليها الغربيون لتنظيم رأس المال، فهل ترونهم حلوا مشكلة المعيشة؟


إن الصين لا تشبه غيرها من الأمم، ولا يغنينا هنا أن نعمل على تنظيم رأس المال.


فالأمم الأخرى غنية والصين فقيرة، والأمم الأخرى يفيض إنتاجها عن حاجتها والصين لا تنتج ما يكفيها، فلا يكفي الصين تدبير رءوس الأموال الخاصة، بل عليها أن تدبر للدولة كلها رأس مالها، وما العمل والأمة اليوم ممزقة الأطراف؟ وكيف السبيل إلى تدبير رأس مال للدولة؟


يُخيل إلينا أنه ما من سبيل إلى وجهة صالحة، أو يخيل إلينا أنه ما من أمل في ارتقابها بعد حين.


مصانع الدولة: ويومئذ يتسنى لنا أن نجتهد لتحقيق رجاء كنفشيوس في الأسرة القومية الكبرى.


وكل كلام عن مبدأ المعيشة فحواه أن يحصل الملايين الأربعمائة على طعامهم بالثمن القليل، فلا تعتبر مشكلة المعيشة محلولة حتى يتوافر الطعام الصالح بثمن ميسور.


من أمثلة الصين: «سبعة أشياء تشغل بالك حين تفتح بابك في الصباح: الوقود والأرز والزيت والملح والفول والخل والشاي!»


وقد كانت الصين من أقدم العصور أمة زراعية صناعتها الكبرى لتحصيل القوت هي الزراعة، وقوام الزراعة هم الفلاحون الذين ينهكهم العمل وتتوقف على حمايتهم بقوة القانون جودة المحصول ووفرة الأرزاق، ومن قسمة الصين أنها خلت من كبار الملاك ولا يزال تسعة أعشار أبنائها بغير أرض يملكونها، فأكثر الأرض يملكها أناس لا يزرعونها بأنفسهم، ومن العدل أن يزرع الفلاح أرضًا يملكها وينتفع بمحصولها، إلا أن الفلاحين اليوم يزرعون لغيرهم ويذهب من محصولهم أكثر من نصفه إلى أيدي الملاك، وبحل هذه المشكلة يرتبط حل مشكلة المعيشة كلها، فقد دلت الإحصاءات الأخيرة على أن الزارع لا يحصل من أرضه على أكثر من أربعين في المائة، ويذهب سائره إلى المالك الذي لا يزرع.


وليس يكفي عند تناول مسألة الإنتاج الزراعي أن نجتهد لتحرير الفلاح، بل علينا مع هذا أن نجتهد لمضاعفة الإنتاج بالوسائل العلمية، وخلاصتها استخدام المكنات والاستعانة بالأسمدة والمخصبات ومناوبة الغلات والمحاصيل واستئصال الآفات وتنظيم المعامل والتصدير واتقاء الأزمات.


وعلينا أن نسأل: هل تعتبر مشكلة المعيشة محلولة إذا تحققت جميع هذه الجهود؟


أبادر فأقول: كلا، إذ ليست يسرة الإنتاج مغنية عن تنظيم التوزيع والتقسيم، ويتعذر الإنصاف في التوزيع والتقسيم مع عدم الاتحاد.


إلا أننا نتعزى بأن المحنة التي نحن فيها عارض زائل ونؤمن باتحادنا في المستقبل، وأننا سنحل مشكلة المئونة بتنمية رأس المال وترقية الصناعة، فنبدأ من المواصلات من سكك حديدية وطرق نهرية، ثم نفتح المناجم التي تخفيها الأرض مع الأسف على وفرتها في أرض الصين، ثم نلاحق ذلك ببناء المصانع والمعامل، وعندنا وفرة من الأيدي العاملة، ولكننا لقلة المكنات لا نقوى على منافسة الأمم الأخرى، والسلع التي تستنفدها الصين تصنعها الأمم الأخرى وتتولى تصديرها إلينا لحسابها، فلا جرم تستنزف حقوقنا الاقتصادية ومرافقنا وتمتصها شيئًا فشيئًا، ولا نستطيع نحن أن نوقف هذا الدم المنزوف ونسترد حقوقنا ومرافقنا إلا إذا سخرنا قوى الدولة لترقية الصناعة، واستخدام المكنات في الإنتاج وتوفير العمل لجميع الأيدي الصالحة له في الأمة، ومتى اشتغل العمال جميعًا وأتقنوا إدارة المكنات والآلات لإنتاج السلع تجدد للصين ينبوع عظيم للثروة، ولا محيص من ولاية الدولة لهذا العمل؛ لأن الإشكال فيه على الأمراء والوطنيين والأجانب يوشك أن يسفر عن طبقة مفرطة في الغنى يعقبها التفاوت البعيد بين حظوظ الناس من الغنى.


لا محيص إذن من حصول الدولة على رأس مال، وما معنى ذلك؟ معناه البسيط إنشاء الصناعة القومية، وعلى الدولة أن تعطي القدوة في مشروعات الأعمال الكبرى، وأن تدير أنواعًا من المكنات المنتجة التي تدخل في ملك الدولة، وهي إذا تمكنت من تنمية رأس المال القومي ونفع الأمة بثمراته فقد أمكنها أن تتجنب خصومات رأس المال.


وسيكون دخلنا عظيمًا من الصناعات الثلاث! صناعة المواصلات وصناعة المناجم وصناعة المعامل، وستكون مزاياها ومنافعها مشاعة بين الأمة قاطبة، وسيحصل كل صيني على حصة من أرباح رأس المال فلا يضيره رأس المال كما يضير أناسًا من أبناء البلاد الأجنبية التي ينحصر القسط الكبير من رءوس أموالها بين الأيدي الخاصة.


ونعود فنقول: إن مبادئنا الثلاثة تفيد لأجل هذا حكم الشعب بالشعب لأجل الشعب، وإن الدولة ملك الشعب؛ لأن الشعب كله يشرف عليها ويجني ثمرات أعمالها، وبهذا تصبح للشعب حصة في كل شيء ولا يكون قصارى الأمر أنه صاحب حصة فيما تنتجه الملكية الخاصة، ونعني بها ملكية رأس المال؛ لأن الإنتاج ينظر إلى هدف واحد في هذه الحالة: وهو الربح.


ومتى كان الربح هو الغاية فنجاحنا في تخفيض سعر الأقوات يتحول إلى طلب الربح من وراء التصدير إلى الخارج حيث ترتفع أثمان الطعام، وحسب صاحب المال الخاص أن ينظر إلى الربح ليحفزه الطمع إلى التصدير ولو كانت المجاعة تفني الكثيرين.


هذا النظام من نظم التوزيع لن يحل مشكلة المعيشة، فتحقيق اﻟ «مينج شنج» مستحيل ما لم نشفع تدبير مسألة الإنتاج بتدبير مسألة التوزيع، وما لم نجعل القبلة توفير الطعام لا توفير الأرباح.


فالقضاء على نظام رأس المال حتم لا هوادة فيه، ونحن نعلم أن موارد الصين كافية لإطعام أهلها في الوقت الحاضر، ولكننا نرى الموارد تنقص عامًا بعد عام؛ لأن الطعام يتسرب إلى الخارج حيث يجلب الربح الجزيل لفئة قليلة من أصحاب الأموال.


ومدار المبدأ الذي يتصل بمعيشة الأمة أن يحصل الناس على أقواتهم لا أن تمتلئ الخزائن بالأرباح، ويضطرنا هذا إلى خزن الفائض سنة قبل المحصول الجديد فلا نسمح بالتصدير حتى نضمن الكفاية بعد العام القابل …


فالحد الفاصل بين نظام مبدأ المعيشة ونظام رأس المال أن رأس المال يجعل الربح غايته، وأن مبدأ المعيشة يجعل الغاية تيسير القوت لجميع أبناء الأمة، ومثل هذا المبدأ قمين أن يقضي على شرور النظم الاجتماعية القديمة.


ولطالما ردد الاقتصاديون أن مطالب المعيشة ثلاثة: غذاء وكساء ومأوى، وتجاربي الطويلة تدفعني إلى إضافة مطلب رابع كبير الخطر في هذا الصدد، وهو المواصلات السهلة، وحل المشكلة — مشكلة المعيشة — يستلزم أن يتمكن الناس جميعًا من تحصيل هذه المطالب الأربعة ولا يغنيهم عن ذلك تخفيض أسعارها … وحيث يراد أن تتضافر المساعي على إبداع (دنيا جديدة) لا يجوز أن يوجد أحد يعوزه مطلب من هذه المطالب الأربعة.


والحكومة هي التي تتولى حتمًا تزويد الشعب بهذه المطالب، ويجب أن يكون من حق كل أحد أن يحاسبها على تقصيرها، فعلى عاتقها يقع عبء العمل لتزويد الشعب بضروراته المعيشية.


وعلى الشعب ولا شك تبعات قبل الحكومة واضحة الحدود، فعلى الفلاح أن ينتج مواد الغذاء، وعلى الصانع أن ينتج الأدوات والآلات، وعلى رجل الأشغال أن يوازن الكفتين بين العرض والطلب، وعلى العالم أن يفرغ للعلم ذكاءه ودرايته، وعلى كل بالإجمال أن يعرف واجبه ويقوم بأدائه على الوجه الأمثل.


والهيئة السياسية أو القوة السياسية، لازمة لإنجاز هذه المهام من تدبير المئونة واتقاء خطر المنافسة الأجنبية، ولكن الصين اليوم — وهي أسيرة المعاهدات — لم تفقد سياستها وحسب، ولم تعجز عن حماية صناعتها وكفى، بل هي قائمة بحماية الصناعة الأجنبية، وقد حدث هذا من جراء التمدد والتوسع في رءوس الأموال، كما حدث من جراء التقدم الصناعي ومن تفوق الأجانب علينا في ميادين الاقتصاد، وكل هذه المزايا تسندها من ورائها قوى الدول السياسية.


وإنهم اليوم ليعاملون الصين كأنها سوق مستعمرة ويقبضون بأيديهم على حقوق السيادة الصينية وعلى شئونها المالية، فلا يسعنا وهذه حالهم وحالنا أن نتفرد بعلاج مبدأ المعيشة، وعلينا أن نستولي على الجانب السياسي ونلغي المعاهدات الجائرة ونسترد مكوس الموانئ من الأيدي الأجنبية، ونستطيع بعد ذلك أن نزيد المكوس وأن نتبع خطط الحماية الجمركية، وأن ندفع سيل الواردات المتدفق على بلادنا كي يتسع المجال أمام صناعتنا للتطور والانتشار.


وعلى الصين أن تأخذ بناصر السلع الوطنية وتقاطع السلع الأجنبية، ولطالما أثرنا الثائرة حول هذه المسألة ولم نظفر بمعاونة من الأمة؛ فأخفقت الحملة وحبط السعي، وهذا مع صعوبة النجاح حتى في حالة التعاون بيننا وبين الأمة، لضعف حكومتنا وقصور مساعيها السياسية.


فليس في طاقتنا أن نسيطر على مكوسنا البحرية وهي بين الأيدي الأجنبية، وليس في طاقتنا أن نزيد مكسًا من المكوس، وليس في طاقتنا من أجل هذا أن نرفع ثمن المنسوجات الأجنبية ونهبط بتكاليف المنسوجات الوطنية، وما دامت المنسوجات التي ترد من الخارج أقل ثمنًا من منسوجاتنا فليس في طاقتنا أن نحول الشعب من شراء الصنف الأجنبي إلى شراء الصنف الوطني بأكثر من ثمنه، وغير مجد أن نهيب بالناس أن يجتنبوا الأكسية الأوروبية ولو بذلك ينقض قواعد الاقتصاد في حياة كل فرد من عامة الأفراد.


لا مناص إذن من الاعتماد على القوة السياسية لتدبير الكساء وتعويد الأمة أن تلبس من منسوجات بلادها وتجتنب المنسوجات الواردة من البلاد الخارجية.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Muslims have tw...

Muslims have two Eids (Eid Al adha, Eid Al fitr) Recently we celebrated Eid Al fitr. On Eid morning...

تعريف القاعدة ا...

تعريف القاعدة القانونية مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع وتصدرها السلطة العا...

الخلوة والاختلا...

الخلوة والاختلاط الإلكتروني اليوم يتم من خلال الإنترنت التي سهلت التواصل المباشر بين الذكر والأنثى د...

Computer-aided ...

Computer-aided detection systems have been in use for some time to assist radiologists in the interp...

صورة لمكان بديع...

صورة لمكان بديع، منظره ملئ بالأشجار الجميلة والجبال العالية وبها ترى منظر السماء الصافية رائعًا ، من...

Trojan horses: ...

Trojan horses: They are programs that appear to have one function but actually perform another funct...

همية غاز النيتر...

همية غاز النيتروجين: وىذا الغاز ضروري لحياة الشباتات التي يحتاجيا الإندان والحيهان عمى حد سهاء...

Zara's initiati...

Zara's initiatives and policies must be evaluated to determine their effectiveness in addressing the...

تطوير هيكل معدن...

تطوير هيكل معدني مستدام ومقاوم للعوامل البيئية يسهم في تقليل النفايات والتأثير البيئي السلبي تنفيذ...

فذهبنا إلى حمام...

فذهبنا إلى حمام السباحة؛ والماء الدافئ ينادينا، فأحضرنا كرة الماء ونزلنا الماء نسبح ونلعب، وأخذنا نن...

I . تلوث الهواء...

I . تلوث الهواء بالغبار 1 . المصادر ینشأ یاح الغبار عن الصناعات المختلفة اضافة الى ھبوب الر یة الجاف...

في عالم مليئ با...

في عالم مليئ بالتحديات الواسعه تتنافس شركتي شركه ارامكس وشركه دي اتش ال كلاهما يتميزوا بميزات ولكنه...