Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

الْيَوْمَ أَصَرَّ أَحْمَدُ أَنْ يَذْهَبَ مَعَ أُمِّهِ إلى السّوقِ. كانَتْ قَدْ أَمَرَتْهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ مُصاحَبَتِها بَعْدَ أَنْ عانَتْ مِنْ مَشاكِلَ عَديدَةٍ تَسَبَّبَ فيها. الْيَوْمَ أَصَّرَ عَلَيْها بِالذَّهابِ مَعَها. وَاسْتَأْثَرَ لِنَفْسِهِ بِقَفَصٍ وَجِوالٍ وَسارَ وَراءَها. كَثيرًا ما طَلَبَ مِنْها أَنْ تَجْلِسَ في الْبَيْتِ وَتَتْرُكَهُ هُوَ يَعْمَلُ، ابْتَسَمَتْ وَقالَتْ لَهُ: أَنْتَ لا تَزالُ صَغيرًا. كانَ يُريدُ أَنْ يَقولَ لَها أَنَّهُ لَيْسَ صَغيرًا، لكِنَّها لَمْ تَكُنْ تَتْرُكُ لَهُ فُرْصَةَ مُناقَشَتِها!حينَما وَصَلا إلى السّوقِ وَجَدا سَيِّدَةً تَفْرِشُ بِضاعَتَها مَكانَ أُمِّهِ. لكِنَّ السَّيِّدَةَ رَفَضَتْ قائِلَةً: الْأَماكِنُ كَثيرَةً، رَفَضَتْ أُمُّ أَحْمَدَ وَأَصَرَّتْ أَنْ تَجْلِسَ في مَكانِها الْمُعْتادِ، صَرَخَ أَحْمَدُ في وَجْهِ الْمَرْأَةِ: قومي يا سِتُّ. نَبَّهَتْهُ أُمُّهُ بِإِشارَةٍ مِنْ يَدِها وَتَوَجَّهَتْ إلى السَّيِّدَةِ قائِلَةً: هَلْ تَرْضينَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدٌ مَكانَكِ؟!
حينَما وَصَلا إلى السّوقِ وَجَدا سَيِّدَةً تَفْرِشُ بِضاعَتَها مَكانَ أُمِّهِ. لكِنَّ السَّيِّدَةَ رَفَضَتْ قائِلَةً: الْأَماكِنُ كَثيرَةً، رَفَضَتْ أُمُّ أَحْمَدَ وَأَصَرَّتْ أَنْ تَجْلِسَ في مَكانِها الْمُعْتادِ، صَرَخَ أَحْمَدُ في وَجْهِ الْمَرْأَةِ: قومي يا سِتُّ. نَبَّهَتْهُ أُمُّهُ بِإِشارَةٍ مِنْ يَدِها وَتَوَجَّهَتْ إلى السَّيِّدَةِ قائِلَةً: هَلْ تَرْضينَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدٌ مَكانَكِ؟!
- آثَرْتُ السَّلامَةَ وَجِئْتُ إلى هُنا!
- وَلِماذا لَمْ تُصِرّي أَنْ يُخْلي لَكِ مَكانَكِ؟
- رُبَّما أَدّى ذلِكَ إلى مُشْكِلَةٍ- وَماذا تَتَوَقَّعينَ أَنْ أَفْعَلَ؟
- سَيَضَيعُ الْوَقْتُ في نَقْلِ الْبِضاعَةِ. - سَيَضَيعُ الْوَقْتُ في نَقْلِ الْبِضاعَةِ. - نَعَمْرَدَّتْ أُمُّ أَحْمَدَ بِقُوَّةٍ وَحَزْمٍ. فَكَّرَتِ الْمَرْأَةُ قَليلًا ثُمَّ قالَتْ: لا داعِيَ لِشَيْءٍ، نَظَرَتْ أُمُّ أَحْمَدَ إلى ابْنِها وَابْتَسَمَتْ، وَقالَتْ لِابْنِها: بِهُدوءٍ وَبِلا انْفِعالٍ، فَكَّرَتِ الْمَرْأَةُ قَليلًا ثُمَّ قالَتْ: لا داعِيَ لِشَيْءٍ، نَظَرَتْ أُمُّ أَحْمَدَ إلى ابْنِها وَابْتَسَمَتْ، وَقالَتْ لِابْنِها: بِهُدوءٍ وَبِلا انْفِعالٍ، وَجَلَسَ أَحْمَدُ بِجانِبِها عَلى أَحَدِ الْأَقْفاصِ وَسُرْعانَ ما تَوافَدَتِ الزَّبائِنُ، وَكانَ أَحْمَدُ يَتَحَمَّسُ في بَعْضِ الْأَوْقاتِ وَيُنادي مَعَها، فَقالَتْ أُمُّهُ ضاحِكَةً: اسْكُتْ وَإِلّا فَسَتَهْرُبُ مِنّا الزَّبائِنُ. إلى أَنْ جاءَ وَلَدٌ يَصْغُرُ أَحْمَدَ قَليلًا، وَقَفَ أَمامَ أُمِّ أَحْمَدَ وَوَجَّهَ كَلامَهُ إلَيْها قائِلًا: أُريدُ "كيلو بَطاطِس". - حاضِرٌ يا نورَ عَيْنَيَّ. تَناوَلَتْ أُمُّ أَحْمَدَ كيسًا وَبَدَأَتْ تَضَعُ فيهِ الْبَطاطِسَ. صَرَخَ الْوَلَدُ بِحِدَّةٍ: انْتَظِري!
- قالَ الْوَلَدُ بِلَهْجَةٍ آمِرَةٍ: هذِهِ الْحَبَّةُ صَغيرَةٌ، وَراحَتْ تَنْتَقي الْحَبّاتِ الْكَبيرَةَ لكِنَّ الْوَلَدَ صاحَ مَرَّةً أُخْرى: وَهذِهِ خَضْراءُ. أَنْهَتْ أُمُّ أَحْمَدَ وَزْنَ الْبَطاطِسِ وَسْطَ احْتِجاجاتِ الْوَلَدِ وَطَلَباتِهِ الَّتي لا تَنْتَهي، وَأَحْمَدُ لا يُريدُ أَنْ يَتَدَخَّلَ رَغْمَ أَنَّ داخِلَهُ يَفورُ وَيَغْلي. بَعْدَ ذلِكَ قالَ الْوَلَدُ: أُريدُ كيلو باذِنْجان، لا أُريدُهُ أَنْ يَكونَ كَالْبَطاطِسِ الَّتي وَضَعْتَها عَلى مَزاجِكَ. اغْتاظَ أَحْمَدُ مِنَ اللَّهْجَةِ الَّتي يَتَكَلَّمُ بِها الْوَلَدُ مَعَ أُمِّهِ، "وَمالُها الْبَطاطِسُ؟ أَلَمْ تُعْطِكَ ما تُريدُ؟!" قالَ أَحْمَدُ حانِقًا. أَنْهَتْ أُمُّ أَحْمَدَ وَزْنَ الْبَطاطِسِ وَسْطَ احْتِجاجاتِ الْوَلَدِ وَطَلَباتِهِ الَّتي لا تَنْتَهي، وَأَحْمَدُ لا يُريدُ أَنْ يَتَدَخَّلَ رَغْمَ أَنَّ داخِلَهُ يَفورُ وَيَغْلي. بَعْدَ ذلِكَ قالَ الْوَلَدُ: أُريدُ كيلو باذِنْجان، لا أُريدُهُ أَنْ يَكونَ كَالْبَطاطِسِ الَّتي وَضَعْتَها عَلى مَزاجِكَ. اغْتاظَ أَحْمَدُ مِنَ اللَّهْجَةِ الَّتي يَتَكَلَّمُ بِها الْوَلَدُ مَعَ أُمِّهِ، "وَمالُها الْبَطاطِسُ؟ أَلَمْ تُعْطِكَ ما تُريدُ؟!" قالَ أَحْمَدُ حانِقًا. فَهَزَّ الْوَلَدُ رَأْسَهُ بِاسْتِخْفافٍ وَقالَ: لا تَتَدَخَّلْ أَنْتَ. أَحْمَدُ يَغْلي كَالْمِرْجَلِ. - قالَ أَحْمَدُ مُعْتَرِضًا: أَلا تَرَيْنَ طَريقَتَهُ؟!
بِباطِنِ أَحْمَدَ بُرْكانٌ مُتَلاطِمُ الْحُمَمِ. - حاضِرٌ يا حَبيبي سَأُعْطيكَ ما تُريدُ وَأَكْثَرَ، أَعْطِني حاجَتي وَلا شَأْنَ لَكَ بي. صاحَ أَحْمَدُ وَعَيْناهُ تَتَوَهَّجانِ: أَرَأَيْتِ؟!
لَمْ يَعُدْ أَحْمَدُ يَسْتَطيعُ الِاحْتِمالَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. صاحَ بِكُلِّ الْغَضَبِ الَّذي بِداخِلِهِ: - خُذْ. فَوَقَعَ الْوَلَدُ عَلى الْأَرْضِ، لكِنَّ أَحْمَدَ كانَ كَالْإِعْصارِ الْهائِجِ، وَبَعْضُ الْواقِفينَ يُحاوِلونَ الْفَصْلَ بَيْنَهُما. وَراحَتْ أُمُّ أَحْمَدَ تُنادي صارِخَةً: أَحْمَدُ . لكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطيعوا أَنْ يُبْعِدوهُ عَنْهُ إِلّا بَعْدَ أَنْ نَكَّلَ بِهِ تَنْكيلًا
أَبو أَحْمَدَ وَجَدَّتُهُ وَأُمُّهُ الَّتي كانَ عَلَيْها أَنْ تَشْهَدَ أَحْداثًا مُؤْسِفَةً وَقَعَتْ بَعْدَ مُشاجَرَةِ ابْنِها مَعَ الْوَلَدِ. وَجاءَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْعَفوهُ وَتَطَوَّعَ الْبَعْضُ بِتَوْصيلِهِ إلى الْبَيْتِ، وَلَمْ تَتَوَقَّفْ بالرغم مِنْ مُحاوَلاتِ أُمِّ أَحْمَدَ لِتَطْييبِ خاطِرِها. أَرادَتْ أُمُّ الْوالِدِ الذَّهابَ إلى نُقْطَةِ الشُّرْطَةِ، وَبَعْدَ مَجْهودٍ كَبيرٍ وَمُحاوَلاتٍ لا تَنْتَهي نَجَحوا في النِّهايَةِ، وَاضْطُرَّتْ أُمُّ أَحْمَدَ إلى الِاعْتِذارِ لَها وَلِابْنِها وَلِكُلِّ مَنْ جاءَ مَعَها. أَمّا أَحْمَدُ فَلَمْ يَكُنْ نادِمًا عَلى ما فَعَلَهُ؛ فَرَأْيُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ، وَخاصَّةً أَبوهُ الَّذي لا تَسْمَحُ حالَتُهُ الصِّحِّيَّةُ بِاحْتِمالِ مِثْلِ تِلْكَ الْأَخْبارِ الْمُزْعِجَةِ، وَالِانْفِعالاتِ الشَّديدَةِ الَّتي تَحْدُثُ- غالِبًا- مَعَها
وَالْحَقيقَةُ أَنَّ أَباهُ شَعَرَ بِالْحُزْنِ لِتَصَرُّفِ ابْنِهِ بِهذِهِ الطَّريقَةِ، وَشَعَرَ بِالْقَلَقِ فَلَوْ أَنَّ أَمْرًا كَهذا تَكَرَّرَ وَتَعَرَّضَتِ الْأُسْرَةُ لِأَذًى مِنْ أَيِّ نَوْعٍ فَمَنِ الَّذي سَيَقِفُ لَهُمْ وَمَنِ الَّذي سَيَحْميهِمْ؟! هُوَ عاجِزٌ أَقْعَدَهُ الْمَرَضُ، وَمِثْلُ هذِهِ الْمَشاكِلِ تَحْتاجُ لِحائِطٍ قَوِيٍّ مَنيعٍ! خَيَّمَتْ أَجْواءُ الْكَآبَةِ عَلى الْبَيْتِ، اللَّتانِ انْزَوَتا عَلى نَفْسَيْهِما تُتابِعانِ ما يَحْدُثُ بِعَدَمِ فَهْمٍ، كانَتا تَشْعُرانِ أَنَّ أَمْرًا غَيْرَ سارٍّ يَحْدُثُ لِلْأُسْرَةِ، رُبَّما كانَ الْأَمْرُ يَنْطَبِقُ أَكْثَرَ عَلى الصُّغْرى. وَالْحَقيقَةُ أَنَّ أَباهُ شَعَرَ بِالْحُزْنِ لِتَصَرُّفِ ابْنِهِ بِهذِهِ الطَّريقَةِ، وَشَعَرَ بِالْقَلَقِ فَلَوْ أَنَّ أَمْرًا كَهذا تَكَرَّرَ وَتَعَرَّضَتِ الْأُسْرَةُ لِأَذًى مِنْ أَيِّ نَوْعٍ فَمَنِ الَّذي سَيَقِفُ لَهُمْ وَمَنِ الَّذي سَيَحْميهِمْ؟! هُوَ عاجِزٌ أَقْعَدَهُ الْمَرَضُ، وَمِثْلُ هذِهِ الْمَشاكِلِ تَحْتاجُ لِحائِطٍ قَوِيٍّ مَنيعٍ! خَيَّمَتْ أَجْواءُ الْكَآبَةِ عَلى الْبَيْتِ، اللَّتانِ انْزَوَتا عَلى نَفْسَيْهِما تُتابِعانِ ما يَحْدُثُ بِعَدَمِ فَهْمٍ، كانَتا تَشْعُرانِ أَنَّ أَمْرًا غَيْرَ سارٍّ يَحْدُثُ لِلْأُسْرَةِ، رُبَّما كانَ الْأَمْرُ يَنْطَبِقُ أَكْثَرَ عَلى الصُّغْرى. وَبِالنِّسْبَةِ لِجَدَّتِهِ فَقَدْ حَزِنَتْ أَكْثَرَ لِما حَدَثَ، وَراحَتْ تَلومُ حَفيدَها وَلكِنْ بِلُطْفِها وَعَطْفِها الْمَعْهودَيْنِ طالِبَةً مِنْهُ أَنْ لا يَعودَ لِمِثْلِ هذِهِ التَّصَرُّفاتِ مِنْ جَديدٍ. وَبَدَّدَ تَماسُكَها أَوْ ما كانَتْ تَتَظاهَرُ بِهِ مِنْ تَماسُكٍ. شَعَرَتْ أَنَّها -هِيَ عَمودُ الْبَيْتِ الْآنَ- ضَعيفَةٌ، ماذا سَيَحْدُثُ في الْمُسْتَقْبَلِ؟ هَلْ تَسْتَطيعُ السَّيْرَ في هذا الطَّريقِ، رَغْمَ أَنَّها مُهَدَّدَةٌ في أَيِّ لَحْظَةٍ؟ لِماذا يَنْشَأُ بَعْضُ الْأَوْلادِ بِهذِهِ الْقَسْوَةِ عَلى والِديهمْ؟! لِماذا لا يَقُدِّرونَ مَتاعِبَهُمْ وَيُخَفِّفونَ مِنْ أَحْمالِهِمُ الَّتي يَحْمِلونَها بِغَيْرِ إرادَةٍ وَبِغَيْرِ سابِقِ إنْذارٍ؟ إيه يا أَحْمَدُ! لِماذا هذِهِ الْأَفْعالُ؟ وَلاذَتْ بِصَمْتٍ يُجَلِّلُهُ الْحُزْنُ، وَلَمْ تُسْعِفْ كَلِماتُ أَحَدٍ مِنَ الْبَيْتِ أَنْ تُخَفِّفَ عَنْها، حَتّى الْكَلِماتُ الَّتي دارَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَبَيْنِها كانَتْ قَصيرَةً مَبْتورَةً كَأَنَّما يَتِمُّ اقْتِطاعُها بِأَحْجامٍ صَغيرَةٍ مِنْ جِبالٍ بَعيدَةٍ، حَتّى يَسْتَطيعُ حامِلُها السَّيْرَ بِها عَبْرَ مَسافاتٍ طَويلَةٍ. شَعَرَتْ أَنَّها -هِيَ عَمودُ الْبَيْتِ الْآنَ- ضَعيفَةٌ، ماذا سَيَحْدُثُ في الْمُسْتَقْبَلِ؟ هَلْ تَسْتَطيعُ السَّيْرَ في هذا الطَّريقِ، رَغْمَ أَنَّها مُهَدَّدَةٌ في أَيِّ لَحْظَةٍ؟ لِماذا يَنْشَأُ بَعْضُ الْأَوْلادِ بِهذِهِ الْقَسْوَةِ عَلى والِديهمْ؟! لِماذا لا يَقُدِّرونَ مَتاعِبَهُمْ وَيُخَفِّفونَ مِنْ أَحْمالِهِمُ الَّتي يَحْمِلونَها بِغَيْرِ إرادَةٍ وَبِغَيْرِ سابِقِ إنْذارٍ؟ إيه يا أَحْمَدُ! لِماذا هذِهِ الْأَفْعالُ؟ وَلاذَتْ بِصَمْتٍ يُجَلِّلُهُ الْحُزْنُ، وَلَمْ تُسْعِفْ كَلِماتُ أَحَدٍ مِنَ الْبَيْتِ أَنْ تُخَفِّفَ عَنْها، حَتّى الْكَلِماتُ الَّتي دارَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَبَيْنِها كانَتْ قَصيرَةً مَبْتورَةً كَأَنَّما يَتِمُّ اقْتِطاعُها بِأَحْجامٍ صَغيرَةٍ مِنْ جِبالٍ بَعيدَةٍ، حَتّى يَسْتَطيعُ حامِلُها السَّيْرَ بِها عَبْرَ مَسافاتٍ طَويلَةٍ. عادَ أَحْمَدُ يُؤَنِّبُ نَفْسَهُ عَلى هذِهِ الطَّريقَةِ الَّتي يَتَصَرَّفُ بِها، ظَلَّ يُرَدِّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، لكِنَّ سَطْحَ الْبَيْتِ يَسْتَقْبِلُها بِصَوْتٍ مَكْتومٍ، تُرى ماذا يَحْدُثُ؟! الصَّوْتُ في تَصاعُدٍ مُسْتَمِرٍّ، سَطْحُ الْبَيْتِ يَسْتَقْبِلُها بِصورَةٍ واهِنَةٍ. كُلَّما تَصاعَدَ صَوْتُها وَعَلَتْ نَبْرَتُهُ عَرَفَ أَنَّ سَطْحَ الْبَيْتِ يَتَداعى أَمامَها. السَّماءُ تَشُقُّها سِكّينٌ مِنْ نارٍ، فَكَيْفَ أَمْطَرَتْ بِهذِهِ الْغَزارَةِ في الصَّيْفِ؟! الْمَطَرُ لا يَتَوَقَّفُ، وَفي الشِّتاءِ يَكْتَفي بِغِطاءٍ خَفيفٍ يَشْعُرُ مَعَها بِالدِّفْءِ وَالِاحْتِماءِ. ما الَّذي تَغَيَّرَ؟! مِنْ أَيْنَ يَأْتي الْآنَ بِغِطاءٍ ثَقيلٍ؟! لا يُريدُ أَنْ يُزْعِجَ أُمَّهُ أَوْ أَباهُ أَوْ جَدَّتَهُ. وَلكِنْ لَوْ ظَلَّ الْحالُ عَلى هذا الْوَضْعِ فَرُبَّما تَجَمَّدَتْ أَوْصالُهُ. وَالْأَرْضُ تَحَوَّلَتْ إلى بِرَكٍ موحِلَةٍ، سَيَكونُ الْغَدُ عَصيبًا عَلى الْجَميعِ. وَفي الشِّتاءِ يَكْتَفي بِغِطاءٍ خَفيفٍ يَشْعُرُ مَعَها بِالدِّفْءِ وَالِاحْتِماءِ. ما الَّذي تَغَيَّرَ؟! مِنْ أَيْنَ يَأْتي الْآنَ بِغِطاءٍ ثَقيلٍ؟! لا يُريدُ أَنْ يُزْعِجَ أُمَّهُ أَوْ أَباهُ أَوْ جَدَّتَهُ. وَلكِنْ لَوْ ظَلَّ الْحالُ عَلى هذا الْوَضْعِ فَرُبَّما تَجَمَّدَتْ أَوْصالُهُ. وَالْأَرْضُ تَحَوَّلَتْ إلى بِرَكٍ موحِلَةٍ، سَيَكونُ الْغَدُ عَصيبًا عَلى الْجَميعِ. قَطَراتٌ كَبيرَةٌ بِحَجْمِ حَبّاتِ اللَّيْمونِ. أَيُّ مَطَرٍ هذا وَماذا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ بِبُيوتِ الْقَرْيَةِ الطّينِيَّةِ؟!
قَبْلَ أَنْ يَسْتَرْسِلَ في تَساؤُلاتِهِ اشْتَدَّ انْهِمارُ الْمَطَرِ. دَقَّ قَلْبُهُ بِعُنْفٍ. ماذا يَحْدُثُ؟ عِمْلاقٌ مِنَ الْخَوْفِ يَحِلُّ في صَدْرِهِ، يُريدُ أَنْ يوقِظَ أَهْلَ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ تَحْدُثَ كارِثَةٌ. حاوَلَ أَنْ يَمْضِيَ إلى الْخارِجِ حَيْثُ يوجَدُ أَبوهُ وَجَدَّتُهُ. أَخَذَ الْماءُ يَهْطِلُ مِنْ خِلالِهِ بِلا تَوَقُّفٍ. نادى بِأَعْلى صَوْتٍ عَلى أُمِّهِ، يَبْكي، - سَأَموتُ. وَيَقَعُ بِجِوارِهِ بِدَوِيٍّ هائِلٍ. السَّقْفُ يَنْهارُ تَمامًا، السَّماءُ بَكّاءَةٌ كَأَنَّها في أَشَدِّ حالاتِ الْحُزْنِ. لا يَزالُ في الْغُرْفَةِ، ما هذِهِ الْكَوابيسُ الَّتي باتَتْ تُنَغِّصُ نَوْمَهُ. كُلَّما غَفِلَتْ عَيْنُهُ دَخَلَ في عَوالِمَ مَقيتَةٍ، السَّقْفُ يَنْهارُ تَمامًا، السَّماءُ بَكّاءَةٌ كَأَنَّها في أَشَدِّ حالاتِ الْحُزْنِ. لا يَزالُ في الْغُرْفَةِ، ما هذِهِ الْكَوابيسُ الَّتي باتَتْ تُنَغِّصُ نَوْمَهُ. كُلَّما غَفِلَتْ عَيْنُهُ دَخَلَ في عَوالِمَ مَقيتَةٍ، وَتُهَرْوِلُ إلَيْهِ، لا تَخَفْ. يَهْدَأُ قَليلًا، وَجَبينُهُ مُتَأَلِّقٌ بِحَبّاتِ الْعَرَقِ. ماذا يَحْدُثُ لي؟ يَلُفُّهُما الصَّمْتُ، ي الصَّباحِ، ثَوانٍ وَأَخَذَ نَفَسًا عَميقًا وَطَرَدَ تَرَدُّدَهُ وَقالَ: أُمّي، وَاتَّسَعَتْ عَيْناها بِشِدَّةٍ. بِرَغْمِ عَدَمِ مُوافَقَتِها، - لا شَيْءَ، فَحالُ الْأُسْرَةِ هُوَ السَّبَبُ. في الصَّباحِ، ثَوانٍ وَأَخَذَ نَفَسًا عَميقًا وَطَرَدَ تَرَدُّدَهُ وَقالَ: أُمّي، وَاتَّسَعَتْ عَيْناها بِشِدَّةٍ. بِرَغْمِ عَدَمِ مُوافَقَتِها، - لا شَيْءَ، فَحالُ الْأُسْرَةِ هُوَ السَّبَبُ. في مِثْلِ هذِهِ الْأَيّامِ كانَ يَطيرُ فَرَحًا وَهُوَ يَقيسُ قَميصَهُ وَبِنْطالَهُ الْجَديدَيْنِ (أَوْ قَميصَيْهِ وَبِنْطالَيْهِ، وَإِمّا يُفَصِّلُها لَهُ عَمُّ سَلامَةَ الْخَيّاطِ. يَعودُ إلى الْبَيْتِ حامِلًا مَلابِسَهُ في يَدٍ وَدَفاتِرَ الْمَدْرَسَةِ في الْيَدِ الْأُخْرى يَكادُ لا تَحْمِلُهُ قَدَماهُ مِنَ الْفَرْحَةِ. وَأُخْتاهُ تَشْتَري لَهُما أُمُّهُما قِطْعَةَ قُماشٍ كَبيرَةً تَذْهَبُ بِها إلى الْخالَةِ فاطِمَةَ في بَيْتِها لِتُفَصِّلَ لَهُما مَرْيَلَتَيْنِ جَميلَتَيْنِ تُطَرِّزُ أَطْرافَهُما، وَياقَتَيْهِما بِماكينَةِ التَّطْريزِ الَّتي اشْتَرَتْها مُنْذُ عِدَّةٍ سَنَواتٍ وَاسْتَطاعَتْ أَنْ تَجْذِبَ الزَّبائِنَ بِفَضْلِها؛ فَلا أَحَدَ يَقْتَني ماكينَةً مِثْلَها في الْبَلَدِ. لَنْ تَسْتَطيعَ أُمُّهُ أَنْ تُوَفِّرَ لَهُ وَلِأُخْتَيْهِ احْتِياجاتِهِمْ، إنَّهُ يَعْرِفُ ذلِكَ، وَيُقَدِّرُ مَوْقِفَها وَيَتَمَنّى بِصِدْقٍ أَنْ تُتاحَ الْفُرْصَةُ لِيُساعِدَها. وَأَسْتَطيعُ أَنْ أَبْرَعَ فيهِ. - وَماذا أَيْضًا؟!
- أَسْتَطيعُ أَنْ أَعْمَلَ كذلِكَ نَجّارًا أَوْ سَبّاكًا أَوْ صَبِيًّا في قَهْوَةٍ. هَزَّتْ أُمُّهُ رَأْسَها كَأَنَّما يُطْرِبُها الْكَلامُ. - ظَلَّتْ أُمُّهُ تَسْتَمِعُ إلَيْهِ. سَيَكونُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ أَتَعَلَّمَ حِرْفَةً. وَأَسْتَطيعُ أَنْ أَبْرَعَ فيهِ. - وَماذا أَيْضًا؟!
- أَسْتَطيعُ أَنْ أَعْمَلَ كذلِكَ نَجّارًا أَوْ سَبّاكًا أَوْ صَبِيًّا في قَهْوَةٍ. هَزَّتْ أُمُّهُ رَأْسَها كَأَنَّما يُطْرِبُها الْكَلامُ. - ظَلَّتْ أُمُّهُ تَسْتَمِعُ إلَيْهِ. سَيَكونُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ أَتَعَلَّمَ حِرْفَةً. بَقِيَ أَحْمَدُ لِلَحَظاتٍ غَيْرَ مُصَدِّقٍ. كانَ يَظُنُّ أَنْ يَأْتِيَ رَدُّها رَفْضًا وَنَهْرًا وَزَجْرًا وَمُطالَبَةً بِإِكْمالِ تَعْليمِهِ في كُلِّ الْأَحْوالِ؛ وَلكِنْ ها هِيَ كَآخِرِ ما كانَ يَتَوَقَّعُهُ تُوافِقُ! قالَ بِلا حَماسَةٍ، وَفي نَفْسِ الْوَقْتِ دونَ الشُّعورِ بِالنَّدَمِ: شُكْرًا يا أُمّي لَقَدْ أَزَحْتِ عَنّي عِبْئًا ثَقيلًا. " قالَ أَحْمَدُ في نَفْسِهِ، فَمُؤَكَّدٌ كانَتْ لَدَيْهِ رَغْبَةٌ قَوِيَّةٌ في أَنْ يُكْمِلَ تَعْليمَهُ، بَقِيَ أَحْمَدُ لِلَحَظاتٍ غَيْرَ مُصَدِّقٍ. كانَ يَظُنُّ أَنْ يَأْتِيَ رَدُّها رَفْضًا وَنَهْرًا وَزَجْرًا وَمُطالَبَةً بِإِكْمالِ تَعْليمِهِ في كُلِّ الْأَحْوالِ؛ وَلكِنْ ها هِيَ كَآخِرِ ما كانَ يَتَوَقَّعُهُ تُوافِقُ! قالَ بِلا حَماسَةٍ، وَفي نَفْسِ الْوَقْتِ دونَ الشُّعورِ بِالنَّدَمِ: شُكْرًا يا أُمّي لَقَدْ أَزَحْتِ عَنّي عِبْئًا ثَقيلًا. " قالَ أَحْمَدُ في نَفْسِهِ، فَمُؤَكَّدٌ كانَتْ لَدَيْهِ رَغْبَةٌ قَوِيَّةٌ في أَنْ يُكْمِلَ تَعْليمَهُ، وَلكِنْ. يُمْكِنُني أَنْ أُكْمِلَ تَعْليمي
لَدَيَّ الْعَديدُ مِنَ الْمَصانِعِ وَالْعُمّالِ وَالْمُهَنْدِسينَ وَالْأَطِبّاءِ وَ. وَمَنْ يَدْري؟ وَذاعَ الْخَبَرُ في الْبَيْتِ. نِعْمَ الرَّأْيِ يا أَحْمَدُ. هكَذا قالَتْ جَدَّتُهُ. أَمّا أَبوهُ فَقالَ: لَكَ ما تُريدُ يا بُنَيَّ. لا نَسْتَطيعُ أَنْ نَرْفُضَ لَكَ طَلَبًا. - سَتَتْرُكُ الْمَدْرَسَةَ يا أَحْمَدُ؟ لَنْ تَذْهَبَ مَعَنا بَعْدَ ذلِكَ؟ اِرْجِعْ في كَلامِكَ فَلا داعِيَ لِهذا!
- أَنْتُما لا تَفْهَمانِ شَيْئًا. لَدَيَّ الْعَديدُ مِنَ الْمَصانِعِ وَالْعُمّالِ وَالْمُهَنْدِسينَ وَالْأَطِبّاءِ وَ. وَمَنْ يَدْري؟ وَذاعَ الْخَبَرُ في الْبَيْتِ. نِعْمَ الرَّأْيِ يا أَحْمَدُ. هكَذا قالَتْ جَدَّتُهُ. أَمّا أَبوهُ فَقالَ: لَكَ ما تُريدُ يا بُنَيَّ. لا نَسْتَطيعُ أَنْ نَرْفُضَ لَكَ طَلَبًا. - سَتَتْرُكُ الْمَدْرَسَةَ يا أَحْمَدُ؟ لَنْ تَذْهَبَ مَعَنا بَعْدَ ذلِكَ؟ اِرْجِعْ في كَلامِكَ فَلا داعِيَ لِهذا!
عَيْناهُ مُتَطَلِّعَتانِ لِلْأَمانِ بِرَغْمِ أَيِّ شَيْءٍ. حَتّى وَلَوْ كانَ "عظم في قفة" كَما تَقولُ أُمُّهُ دائِمًا. في الْيَوْمِ التّالي، وَفَوْقَ هذِهِ الْأَقْفاصِ حَقائِبُ بلاستيكِيَّةٌ سَوْداءُ، وَضَعَتْ حِمْلَها وَنادَتْ عَلَيْهِ هُوَ وَأُخْتَيْهِ. عَيْناهُ مُتَطَلِّعَتانِ لِلْأَمانِ بِرَغْمِ أَيِّ شَيْءٍ. حَتّى وَلَوْ كانَ "عظم في قفة" كَما تَقولُ أُمُّهُ دائِمًا. في الْيَوْمِ التّالي، وَفَوْقَ هذِهِ الْأَقْفاصِ حَقائِبُ بلاستيكِيَّةٌ سَوْداءُ، وَضَعَتْ حِمْلَها وَنادَتْ عَلَيْهِ هُوَ وَأُخْتَيْهِ. طارَتْ أُخْتاهُ مِنَ الْفَرَحِ وَخَطَفَتْ كُلٌّ مِنْهُما مَرْيَلَتَها وَراحَتْ تُقَلِّبُ فيها، دونَ أَنْ تَلْبَسَها حَتّى لا تَتَكَسَّرَ أَوْ تَتَّسِخَ. حَمَلَتْها أُمُّهُ وَنَظَرَتْ إلَيْهِ بِابْتِسامَةٍ عَذْبَةٍ. - فَتَحَتْ أُمُّهُ اللُّفافَةَ، لِيَظْهَرَ بِداخِلِها مَلابِسُ رِجّالِيَّةٌ. لِمَنْ هذِهِ الْمَلابِسُ؟ هَلْ مُمْكِنٌ أَنْ يَحْدُثَ هذا؟! وَأَخْرَجَتْ أُمُّهُ بِنْطالًا رَمادِيًّا صَغيرًا وَقَميصًا أَزْرَقَ. وَحَقيبَةً مِنَ الْجِلْدِ، عَرَضَتْ كُلَّ ذلِكَ أَمامَهُ دونَ أَنْ تُكَلِّمَهُ كَلِمَةً واحِدَةً. - فَتَحَتْ أُمُّهُ اللُّفافَةَ، لِيَظْهَرَ بِداخِلِها مَلابِسُ رِجّالِيَّةٌ. لِمَنْ هذِهِ الْمَلابِسُ؟ هَلْ مُمْكِنٌ أَنْ يَحْدُثَ هذا؟! وَأَخْرَجَتْ أُمُّهُ بِنْطالًا رَمادِيًّا صَغيرًا وَقَميصًا أَزْرَقَ. وَحَقيبَةً مِنَ الْجِلْدِ، قَفَزَتْ أُخْتاهُ مِنَ الْفَرَحِ وَأَمْسَكَتْ واحِدَةً مِنْهُما بِالْقَميصِ، - لِأَحْمَدَ؟ وَقالَتْ أُخْتُهُ الْكَبيرَةُ:
- وَراحَتا تَقْفِزانِ في سَعادَةٍ وَبَهْجَةٍ: هييييييييه . وَوَجَمَ هُوَ، ثُمَّ بَعْدَ قَليلٍ قالَ عابِسًا: لِمَنْ هذِهِ الْأَشْياءُ يا أُمّي؟ لِماذا اشْتَرَيْتِها؟
- لَكَ أَنْتَ. بَلْ يَجِبُ أَنْ تَلْتَزِمَ أَنْتَ بِقَرارِنا. وَوَجَمَ هُوَ، ثُمَّ بَعْدَ قَليلٍ قالَ عابِسًا: لِمَنْ هذِهِ الْأَشْياءُ يا أُمّي؟ لِماذا اشْتَرَيْتِها؟
- لَكَ أَنْتَ. بَلْ يَجِبُ أَنْ تَلْتَزِمَ أَنْتَ بِقَرارِنا. - وَلكِنْ يا أَبي. - وَلكِنْ
وَحَرامٌ أَنْ تَتْرُكَ الْمَدْرَسَةَ، الْآنَ.


Original text

الْيَوْمَ أَصَرَّ أَحْمَدُ أَنْ يَذْهَبَ مَعَ أُمِّهِ إلى السّوقِ. كانَتْ قَدْ أَمَرَتْهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ مُصاحَبَتِها بَعْدَ أَنْ عانَتْ مِنْ مَشاكِلَ عَديدَةٍ تَسَبَّبَ فيها. مُشادّاتٌ أَثارَها بِتَوَتُّرِهِ وَغَضَبِهِ السَّريعِ. الْيَوْمَ أَصَّرَ عَلَيْها بِالذَّهابِ مَعَها.



  • وَلكِنْ لا أُريدُ مَشاكِلَ.

  • لَنْ تَرَيْ مِنّي سِوى الرّاحَةِ وَالْأَدَبِ.
    ساعَدَها في حَمْلِ الصّينِيَّةِ الْكَبيرَةِ، وَاسْتَأْثَرَ لِنَفْسِهِ بِقَفَصٍ وَجِوالٍ وَسارَ وَراءَها. داخِلَهُ شُعورٌ بِالرِّضى لِأَنَّهُ يُساعِدُ أُمَّهُ. كَثيرًا ما طَلَبَ مِنْها أَنْ تَجْلِسَ في الْبَيْتِ وَتَتْرُكَهُ هُوَ يَعْمَلُ، حَتّى وَلَوْ في الْإِجازَةِ الَّتي اقْتَرَبَتْ مِنَ الِانْتِهاءِ. كُلَّما فاتَحَها بِالْأَمْرِ، ابْتَسَمَتْ وَقالَتْ لَهُ: أَنْتَ لا تَزالُ صَغيرًا. كانَ يُريدُ أَنْ يَقولَ لَها أَنَّهُ لَيْسَ صَغيرًا، وَأَنَّهُ يَسْتَطيعُ تَحَمُّلَ الْمَسْؤولِيَّةِ، لكِنَّها لَمْ تَكُنْ تَتْرُكُ لَهُ فُرْصَةَ مُناقَشَتِها!حينَما وَصَلا إلى السّوقِ وَجَدا سَيِّدَةً تَفْرِشُ بِضاعَتَها مَكانَ أُمِّهِ. طالَبَتْها أُمُّ أَحْمَدَ أَنْ تَتْرُكَ مَكانَها، لكِنَّ السَّيِّدَةَ رَفَضَتْ قائِلَةً: الْأَماكِنُ كَثيرَةً، ابْحَثي لِنَفْسِكِ عَنْ مَكانٍ آخَرَ. رَفَضَتْ أُمُّ أَحْمَدَ وَأَصَرَّتْ أَنْ تَجْلِسَ في مَكانِها الْمُعْتادِ، صَرَخَ أَحْمَدُ في وَجْهِ الْمَرْأَةِ: قومي يا سِتُّ.. هذا مَكانُنا.
    وَكادَ أَنْ يَشْتَبِكَ مَعَها. نَبَّهَتْهُ أُمُّهُ بِإِشارَةٍ مِنْ يَدِها وَتَوَجَّهَتْ إلى السَّيِّدَةِ قائِلَةً: هَلْ تَرْضينَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدٌ مَكانَكِ؟!

  • غَضِبَتْ...
    حينَما وَصَلا إلى السّوقِ وَجَدا سَيِّدَةً تَفْرِشُ بِضاعَتَها مَكانَ أُمِّهِ. طالَبَتْها أُمُّ أَحْمَدَ أَنْ تَتْرُكَ مَكانَها، لكِنَّ السَّيِّدَةَ رَفَضَتْ قائِلَةً: الْأَماكِنُ كَثيرَةً، ابْحَثي لِنَفْسِكِ عَنْ مَكانٍ آخَرَ. رَفَضَتْ أُمُّ أَحْمَدَ وَأَصَرَّتْ أَنْ تَجْلِسَ في مَكانِها الْمُعْتادِ، صَرَخَ أَحْمَدُ في وَجْهِ الْمَرْأَةِ: قومي يا سِتُّ.. هذا مَكانُنا.
    وَكادَ أَنْ يَشْتَبِكَ مَعَها. نَبَّهَتْهُ أُمُّهُ بِإِشارَةٍ مِنْ يَدِها وَتَوَجَّهَتْ إلى السَّيِّدَةِ قائِلَةً: هَلْ تَرْضينَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدٌ مَكانَكِ؟!

  • غَضِبَتْ...

  • ثُمَّ ماذا؟

  • آثَرْتُ السَّلامَةَ وَجِئْتُ إلى هُنا!

  • وَلِماذا لَمْ تُصِرّي أَنْ يُخْلي لَكِ مَكانَكِ؟

  • رُبَّما أَدّى ذلِكَ إلى مُشْكِلَةٍ- وَماذا تَتَوَقَّعينَ أَنْ أَفْعَلَ؟

  • نَفْسَ ما فَعَلْتُهُ أَنا.

  • وَلكِنّي لا أَرْضى بِغَيْرِ مَكاني..

  • وَماذا تَتَوَقَّعينَ أَنْ أَفْعَلَ؟

  • نَفْسَ ما فَعَلْتُهُ أَنا.

  • وَلكِنّي لا أَرْضى بِغَيْرِ مَكاني..

  • الْأَماكِنُ كَثيرَةٌ، وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ.

  • إذَنْ غَيِّري أَنْتِ مَكانَكِ.

  • سَيَضَيعُ الْوَقْتُ في نَقْلِ الْبِضاعَةِ.

  • هذا أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَضيعَ حَقٌّ، يُطالِبُ بِهِ صاحِبُهُ.
    لَمْ تُجِبِ الْمَرْأَةُ.
    هذا مَكاني، وَأَنا مُصِرَّةٌ عَلى اسْتِرْدادِهِ، وَلَوْ كَلَّفَني ذلِكَ أَيَّ شَيْءٍ.

  • الْأَماكِنُ كَثيرَةٌ، وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ.

  • إذَنْ غَيِّري أَنْتِ مَكانَكِ.

  • سَيَضَيعُ الْوَقْتُ في نَقْلِ الْبِضاعَةِ.

  • هذا أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَضيعَ حَقٌّ، يُطالِبُ بِهِ صاحِبُهُ.
    لَمْ تُجِبِ الْمَرْأَةُ.
    هذا مَكاني، وَأَنا مُصِرَّةٌ عَلى اسْتِرْدادِهِ، وَلَوْ كَلَّفَني ذلِكَ أَيَّ شَيْءٍ.

  • أَيَّ شَيْءٍ؟!

  • نَعَمْرَدَّتْ أُمُّ أَحْمَدَ بِقُوَّةٍ وَحَزْمٍ. فَكَّرَتِ الْمَرْأَةُ قَليلًا ثُمَّ قالَتْ: لا داعِيَ لِشَيْءٍ، سَأُخْلي لَكِ مَكانَكِ، وَسَأَذْهَبُ أَنا إلى مَكاني وَأَسْتَرِدُّهُ. وَراحَتْ تُلَمْلِمُ أَغْراضَها. نَظَرَتْ أُمُّ أَحْمَدَ إلى ابْنِها وَابْتَسَمَتْ، كَأَنَّها تَقولُ لَهُ: ما رَأْيُكَ الْآنَ؟ ثُمَّ أَخَذَتْ تُساعِدُ الْمَرْأَةَ في حَمْلِ بِضاعَتِها. ثُمَّ فَرَشَتْ هِيَ بِضاعَتَها، وَقالَتْ لِابْنِها: بِهُدوءٍ وَبِلا انْفِعالٍ، تَسْتَطيعُ أَنْ تَأْخُذَ حَقَّكَ.
    رَدَّتْ أُمُّ أَحْمَدَ بِقُوَّةٍ وَحَزْمٍ. فَكَّرَتِ الْمَرْأَةُ قَليلًا ثُمَّ قالَتْ: لا داعِيَ لِشَيْءٍ، سَأُخْلي لَكِ مَكانَكِ، وَسَأَذْهَبُ أَنا إلى مَكاني وَأَسْتَرِدُّهُ. وَراحَتْ تُلَمْلِمُ أَغْراضَها. نَظَرَتْ أُمُّ أَحْمَدَ إلى ابْنِها وَابْتَسَمَتْ، كَأَنَّها تَقولُ لَهُ: ما رَأْيُكَ الْآنَ؟ ثُمَّ أَخَذَتْ تُساعِدُ الْمَرْأَةَ في حَمْلِ بِضاعَتِها. ثُمَّ فَرَشَتْ هِيَ بِضاعَتَها، وَقالَتْ لِابْنِها: بِهُدوءٍ وَبِلا انْفِعالٍ، تَسْتَطيعُ أَنْ تَأْخُذَ حَقَّكَ.
    جَلَسَتْ أُمُّ أَحْمَدَ خَلْفَ بِضاعَتِها، وَجَلَسَ أَحْمَدُ بِجانِبِها عَلى أَحَدِ الْأَقْفاصِ وَسُرْعانَ ما تَوافَدَتِ الزَّبائِنُ، وَانْشَغَلَتْ أُمُّهُ في وَزْنِ الْخُضارِ وَبَيْعِهِ آخِذَةً في النِّداءِ كُلَّ فَيْنَةٍ وَأُخْرى: "الْخُضارُ الطّازَجُ.. وَالْجَرْجيرُ الْوِرْوِرُ، الْجَوافَةُ الصّابِحَةُ". وَكانَ أَحْمَدُ يَتَحَمَّسُ في بَعْضِ الْأَوْقاتِ وَيُنادي مَعَها، لكِنَّ صَوْتَهُ كانَ مُنَفِّرًا، فَقالَتْ أُمُّهُ ضاحِكَةً: اسْكُتْ وَإِلّا فَسَتَهْرُبُ مِنّا الزَّبائِنُ.مَرَّ عَلَيْهِما الْوَقْتُ وَهُما عَلى هذا الْحالِ، إلى أَنْ جاءَ وَلَدٌ يَصْغُرُ أَحْمَدَ قَليلًا، وَقَفَ أَمامَ أُمِّ أَحْمَدَ وَوَجَّهَ كَلامَهُ إلَيْها قائِلًا: أُريدُ "كيلو بَطاطِس".

  • حاضِرٌ يا نورَ عَيْنَيَّ.
    تَناوَلَتْ أُمُّ أَحْمَدَ كيسًا وَبَدَأَتْ تَضَعُ فيهِ الْبَطاطِسَ. صَرَخَ الْوَلَدُ بِحِدَّةٍ: انْتَظِري!

  • ماذا بِكَ يا حَبيبي؟!

  • قالَ الْوَلَدُ بِلَهْجَةٍ آمِرَةٍ: هذِهِ الْحَبَّةُ صَغيرَةٌ، ضَعي غَيْرَها.

  • حاضِرٌ.. وَراحَتْ تَنْتَقي الْحَبّاتِ الْكَبيرَةَ لكِنَّ الْوَلَدَ صاحَ مَرَّةً أُخْرى: وَهذِهِ خَضْراءُ.

  • حاضِرٌ... سَأَضَعُ لَكِ غَيْرَها.

  • وَهذِهِ مُسْتَطيلَةٌ، أُريدُها مُسْتَديرَةً.

  • حاضِرٌ
    أَنْهَتْ أُمُّ أَحْمَدَ وَزْنَ الْبَطاطِسِ وَسْطَ احْتِجاجاتِ الْوَلَدِ وَطَلَباتِهِ الَّتي لا تَنْتَهي، وَأَحْمَدُ لا يُريدُ أَنْ يَتَدَخَّلَ رَغْمَ أَنَّ داخِلَهُ يَفورُ وَيَغْلي. بَعْدَ ذلِكَ قالَ الْوَلَدُ: أُريدُ كيلو باذِنْجان، وَلكِنْ نَقّيهِ جَيِّدًا، لا أُريدُهُ أَنْ يَكونَ كَالْبَطاطِسِ الَّتي وَضَعْتَها عَلى مَزاجِكَ. اغْتاظَ أَحْمَدُ مِنَ اللَّهْجَةِ الَّتي يَتَكَلَّمُ بِها الْوَلَدُ مَعَ أُمِّهِ، "وَمالُها الْبَطاطِسُ؟ أَلَمْ تُعْطِكَ ما تُريدُ؟!" قالَ أَحْمَدُ حانِقًا.
    أَنْهَتْ أُمُّ أَحْمَدَ وَزْنَ الْبَطاطِسِ وَسْطَ احْتِجاجاتِ الْوَلَدِ وَطَلَباتِهِ الَّتي لا تَنْتَهي، وَأَحْمَدُ لا يُريدُ أَنْ يَتَدَخَّلَ رَغْمَ أَنَّ داخِلَهُ يَفورُ وَيَغْلي. بَعْدَ ذلِكَ قالَ الْوَلَدُ: أُريدُ كيلو باذِنْجان، وَلكِنْ نَقّيهِ جَيِّدًا، لا أُريدُهُ أَنْ يَكونَ كَالْبَطاطِسِ الَّتي وَضَعْتَها عَلى مَزاجِكَ. اغْتاظَ أَحْمَدُ مِنَ اللَّهْجَةِ الَّتي يَتَكَلَّمُ بِها الْوَلَدُ مَعَ أُمِّهِ، "وَمالُها الْبَطاطِسُ؟ أَلَمْ تُعْطِكَ ما تُريدُ؟!" قالَ أَحْمَدُ حانِقًا.
    فَهَزَّ الْوَلَدُ رَأْسَهُ بِاسْتِخْفافٍ وَقالَ: لا تَتَدَخَّلْ أَنْتَ..

  • تَكَلَّمْ بِأَدَبٍ أَيُّها الْوَلَدُ.

  • وَمَنْ أَنْتَ لِأُكَلِّمَكَ؟!
    أَحْمَدُ يَغْلي كَالْمِرْجَلِ. أَوْشَكَ غَضَبُهُ عَلى الِانْفِجارِ.

  • احْتَرِمْ نَفْسَكَ.صاحَتْ أُمُّ أَحْمَدَ: اسْكُتْ يا أَحْمَدُ.

  • قالَ أَحْمَدُ مُعْتَرِضًا: أَلا تَرَيْنَ طَريقَتَهُ؟!

  • لا دَخْلَ لَكَ.
    بِباطِنِ أَحْمَدَ بُرْكانٌ مُتَلاطِمُ الْحُمَمِ.

  • حاضِرٌ يا حَبيبي سَأُعْطيكَ ما تُريدُ وَأَكْثَرَ، وَلكِنْ أُريدُكَ أَنْ تَكونَ مُؤَدَّبًا.

  • مُؤَدَّبٌ أَوْ غَيْرُ مُؤَدَّبٍ، أَعْطِني حاجَتي وَلا شَأْنَ لَكَ بي.
    صاحَ أَحْمَدُ وَعَيْناهُ تَتَوَهَّجانِ: أَرَأَيْتِ؟!

  • اسْكُتْ أَنْتَ. قالَتْ أُمُّهُ بِحِدَّةٍ
    .
    وَبَدَأَتْ تَنْتَقي الْباذِنْجانَ. لا تَضَعي هذِهِ..

  • حاضِرٌ..

  • وَهذِهِ فاسِدَةٌ.

  • كَما تَشاءُ.

  • أَنْتِ تَضَعينَ بِمَزاجِكِ.

  • ........

  • وَلا تَسْمَعينَ الْكَلامَ.
    عِنْدَ هذا الْحَدِّ، لَمْ يَعُدْ أَحْمَدُ يَسْتَطيعُ الِاحْتِمالَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. صَرَخَ قائِلًا: ماذا تُريدُ أَيُّها الْوَلَدُ الْمُشاكِسُ؟! لا شَيْءَ يُعْجِبُكَ، وَتَتَعامَلُ بِسوءِ أَدَبٍ مَعَ مَنْ هُمْ أَكْبَرُ مِنْكَ!

  • "اسْكُتْ أَنْتَ" هذِهِ الْمَرَّةَ، قالَها الْوَلَدُ.

  • "أَسْكُتُ؟! حاضِرٌ.." قالَها أَحْمَدُ وَلَمْ يَنْتَظِرْ، صاحَ بِكُلِّ الْغَضَبِ الَّذي بِداخِلِهِ: - خُذْ..
    وَلَكَمَهُ في وَجْهِهِ بِقُوَّةٍ؛ فَوَقَعَ الْوَلَدُ عَلى الْأَرْضِ، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ أَحْمَدُ أَيَّةَ فُرْصَةٍ فارْتَمى عَلَيْهِ، وَراحَ يَكيلُ لَهُ الضَّرَباتِ وَاللَّكَماتِ. حاوَلَ الْوَلَدُ أَنْ يَصُدَّ ضَرَباتِهِ وَأَنْ يُبادِلَهُ الضَّرْبَ، لكِنَّ أَحْمَدَ كانَ كَالْإِعْصارِ الْهائِجِ، يَجْرِفُ كُلَّ ما هُوَ أَمامَهُ وَأَسْرَعَتْ أُمُّ أَحْمَدَ، وَبَعْضُ الْواقِفينَ يُحاوِلونَ الْفَصْلَ بَيْنَهُما. وَراحَتْ أُمُّ أَحْمَدَ تُنادي صارِخَةً: أَحْمَدُ .... تَوَقَّفْ..... اتْرُكْهُ..... لكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطيعوا أَنْ يُبْعِدوهُ عَنْهُ إِلّا بَعْدَ أَنْ نَكَّلَ بِهِ تَنْكيلًا
    الْفَصْلُ الْعاشِرُ
    الْفَصْلُ الْعاشِرُ
    قَضَتِ الْأُسْرَةُ أُمْسِيَّةً عَصيبَةً سَيْطَرَتْ عَلَيْهِمْ فيها مُشاجَرَةُ الْيَوْمِ. اسْتاءَ الْجَميعُ مِمّا حَدَثَ، أَبو أَحْمَدَ وَجَدَّتُهُ وَأُمُّهُ الَّتي كانَ عَلَيْها أَنْ تَشْهَدَ أَحْداثًا مُؤْسِفَةً وَقَعَتْ بَعْدَ مُشاجَرَةِ ابْنِها مَعَ الْوَلَدِ. جُرِحَ الْوَلَدُ بِشِدَّةٍ، وَأُصيبَ بِكَدَماتٍ شَديدَةٍ وَنَزَفَ أَنْفُهُ، وَجاءَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْعَفوهُ وَتَطَوَّعَ الْبَعْضُ بِتَوْصيلِهِ إلى الْبَيْتِ، وَأَقامَتْ صُراخًا وَتَهْديدًا، وَلَمْ تَتَوَقَّفْ بالرغم مِنْ مُحاوَلاتِ أُمِّ أَحْمَدَ لِتَطْييبِ خاطِرِها. كانَ يَوْمًا لَمْ يَمُرَّ مِثْلَهُ عَلَيْها مِنْ قَبْلُ. أَرادَتْ أُمُّ الْوالِدِ الذَّهابَ إلى نُقْطَةِ الشُّرْطَةِ، لِتَقْديمِ بَلاغٍ، وَظَلَّتْ عَلى رَأْيِها، وَحاوَلَ مَعَها أَهْلُ الْخَيْرِ لِيُغَيِّروا رَأْيَها وَيُثْنوها عَنْ عَزْمِها؛ وَبَعْدَ مَجْهودٍ كَبيرٍ وَمُحاوَلاتٍ لا تَنْتَهي نَجَحوا في النِّهايَةِ، وَاضْطُرَّتْ أُمُّ أَحْمَدَ إلى الِاعْتِذارِ لَها وَلِابْنِها وَلِكُلِّ مَنْ جاءَ مَعَها. أَمّا أَحْمَدُ فَلَمْ يَكُنْ نادِمًا عَلى ما فَعَلَهُ؛ فَرَأْيُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ، لكِنَّهُ اسْتاءَ لِأَنَّهُ سَبَّبَ كُلَّ ذلِكَ الْإِزْعاجِ لِأُسْرَتِهِ، وَخاصَّةً أَبوهُ الَّذي لا تَسْمَحُ حالَتُهُ الصِّحِّيَّةُ بِاحْتِمالِ مِثْلِ تِلْكَ الْأَخْبارِ الْمُزْعِجَةِ، وَالِانْفِعالاتِ الشَّديدَةِ الَّتي تَحْدُثُ- غالِبًا- مَعَها
    وَالْحَقيقَةُ أَنَّ أَباهُ شَعَرَ بِالْحُزْنِ لِتَصَرُّفِ ابْنِهِ بِهذِهِ الطَّريقَةِ، وَشَعَرَ بِالْقَلَقِ فَلَوْ أَنَّ أَمْرًا كَهذا تَكَرَّرَ وَتَعَرَّضَتِ الْأُسْرَةُ لِأَذًى مِنْ أَيِّ نَوْعٍ فَمَنِ الَّذي سَيَقِفُ لَهُمْ وَمَنِ الَّذي سَيَحْميهِمْ؟! هُوَ عاجِزٌ أَقْعَدَهُ الْمَرَضُ، وَمِثْلُ هذِهِ الْمَشاكِلِ تَحْتاجُ لِحائِطٍ قَوِيٍّ مَنيعٍ! خَيَّمَتْ أَجْواءُ الْكَآبَةِ عَلى الْبَيْتِ، وَطالَتْ هذِهِ الْأَجْواءُ أُخْتَيْهِ، اللَّتانِ انْزَوَتا عَلى نَفْسَيْهِما تُتابِعانِ ما يَحْدُثُ بِعَدَمِ فَهْمٍ، كانَتا تَشْعُرانِ أَنَّ أَمْرًا غَيْرَ سارٍّ يَحْدُثُ لِلْأُسْرَةِ، لكِنَّهُما لَمْ تَعْرِفا ما هُوَ بِالضَّبْطِ، رُبَّما كانَ الْأَمْرُ يَنْطَبِقُ أَكْثَرَ عَلى الصُّغْرى.
    وَالْحَقيقَةُ أَنَّ أَباهُ شَعَرَ بِالْحُزْنِ لِتَصَرُّفِ ابْنِهِ بِهذِهِ الطَّريقَةِ، وَشَعَرَ بِالْقَلَقِ فَلَوْ أَنَّ أَمْرًا كَهذا تَكَرَّرَ وَتَعَرَّضَتِ الْأُسْرَةُ لِأَذًى مِنْ أَيِّ نَوْعٍ فَمَنِ الَّذي سَيَقِفُ لَهُمْ وَمَنِ الَّذي سَيَحْميهِمْ؟! هُوَ عاجِزٌ أَقْعَدَهُ الْمَرَضُ، وَمِثْلُ هذِهِ الْمَشاكِلِ تَحْتاجُ لِحائِطٍ قَوِيٍّ مَنيعٍ! خَيَّمَتْ أَجْواءُ الْكَآبَةِ عَلى الْبَيْتِ، وَطالَتْ هذِهِ الْأَجْواءُ أُخْتَيْهِ، اللَّتانِ انْزَوَتا عَلى نَفْسَيْهِما تُتابِعانِ ما يَحْدُثُ بِعَدَمِ فَهْمٍ، كانَتا تَشْعُرانِ أَنَّ أَمْرًا غَيْرَ سارٍّ يَحْدُثُ لِلْأُسْرَةِ، لكِنَّهُما لَمْ تَعْرِفا ما هُوَ بِالضَّبْطِ، رُبَّما كانَ الْأَمْرُ يَنْطَبِقُ أَكْثَرَ عَلى الصُّغْرى.
    وَبِالنِّسْبَةِ لِجَدَّتِهِ فَقَدْ حَزِنَتْ أَكْثَرَ لِما حَدَثَ، وَراحَتْ تَلومُ حَفيدَها وَلكِنْ بِلُطْفِها وَعَطْفِها الْمَعْهودَيْنِ طالِبَةً مِنْهُ أَنْ لا يَعودَ لِمِثْلِ هذِهِ التَّصَرُّفاتِ مِنْ جَديدٍ. وَكانَتْ أُمُّهُ أَكْثَرَ الْمُتَضَرِّرينَ، شَيْءٌ ما هَزَّها، وَبَدَّدَ تَماسُكَها أَوْ ما كانَتْ تَتَظاهَرُ بِهِ مِنْ تَماسُكٍ. أَحَسَّتْ بِحَقيقَةِ واقِعِها، وَانْحِسارِ غِطاءِ الْحِمايَةِ عَنْها وَعَنْ أُسْرَتِها.
    شَعَرَتْ أَنَّها -هِيَ عَمودُ الْبَيْتِ الْآنَ- ضَعيفَةٌ، قَدْ تَنْكَسِرُ في أَيَّةِ لَحْظَةٍ وَتَحْتَ أَيِّ ضَغْطٍ. ماذا سَيَحْدُثُ في الْمُسْتَقْبَلِ؟ هَلْ تَسْتَطيعُ السَّيْرَ في هذا الطَّريقِ، رَغْمَ أَنَّها مُهَدَّدَةٌ في أَيِّ لَحْظَةٍ؟ لِماذا يَنْشَأُ بَعْضُ الْأَوْلادِ بِهذِهِ الْقَسْوَةِ عَلى والِديهمْ؟! لِماذا لا يَقُدِّرونَ مَتاعِبَهُمْ وَيُخَفِّفونَ مِنْ أَحْمالِهِمُ الَّتي يَحْمِلونَها بِغَيْرِ إرادَةٍ وَبِغَيْرِ سابِقِ إنْذارٍ؟ إيه يا أَحْمَدُ! لِماذا هذِهِ الْأَفْعالُ؟ وَلاذَتْ بِصَمْتٍ يُجَلِّلُهُ الْحُزْنُ، وَلَمْ تُسْعِفْ كَلِماتُ أَحَدٍ مِنَ الْبَيْتِ أَنْ تُخَفِّفَ عَنْها، حَتّى الْكَلِماتُ الَّتي دارَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَبَيْنِها كانَتْ قَصيرَةً مَبْتورَةً كَأَنَّما يَتِمُّ اقْتِطاعُها بِأَحْجامٍ صَغيرَةٍ مِنْ جِبالٍ بَعيدَةٍ، حَتّى يَسْتَطيعُ حامِلُها السَّيْرَ بِها عَبْرَ مَسافاتٍ طَويلَةٍ.
    شَعَرَتْ أَنَّها -هِيَ عَمودُ الْبَيْتِ الْآنَ- ضَعيفَةٌ، قَدْ تَنْكَسِرُ في أَيَّةِ لَحْظَةٍ وَتَحْتَ أَيِّ ضَغْطٍ. ماذا سَيَحْدُثُ في الْمُسْتَقْبَلِ؟ هَلْ تَسْتَطيعُ السَّيْرَ في هذا الطَّريقِ، رَغْمَ أَنَّها مُهَدَّدَةٌ في أَيِّ لَحْظَةٍ؟ لِماذا يَنْشَأُ بَعْضُ الْأَوْلادِ بِهذِهِ الْقَسْوَةِ عَلى والِديهمْ؟! لِماذا لا يَقُدِّرونَ مَتاعِبَهُمْ وَيُخَفِّفونَ مِنْ أَحْمالِهِمُ الَّتي يَحْمِلونَها بِغَيْرِ إرادَةٍ وَبِغَيْرِ سابِقِ إنْذارٍ؟ إيه يا أَحْمَدُ! لِماذا هذِهِ الْأَفْعالُ؟ وَلاذَتْ بِصَمْتٍ يُجَلِّلُهُ الْحُزْنُ، وَلَمْ تُسْعِفْ كَلِماتُ أَحَدٍ مِنَ الْبَيْتِ أَنْ تُخَفِّفَ عَنْها، حَتّى الْكَلِماتُ الَّتي دارَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَبَيْنِها كانَتْ قَصيرَةً مَبْتورَةً كَأَنَّما يَتِمُّ اقْتِطاعُها بِأَحْجامٍ صَغيرَةٍ مِنْ جِبالٍ بَعيدَةٍ، حَتّى يَسْتَطيعُ حامِلُها السَّيْرَ بِها عَبْرَ مَسافاتٍ طَويلَةٍ.
    عادَ أَحْمَدُ يُؤَنِّبُ نَفْسَهُ عَلى هذِهِ الطَّريقَةِ الَّتي يَتَصَرَّفُ بِها، أَلا يوجَدُ حَلٌّ لِهذِهِ الِانْفِعالاتِ الْعَمْياءِ الَّتي تُسَيْطِرُ عَلَيْهِ؟ أَلا يوجَدُ عِلاجٌ لِهذا الْغَضَبِ الْمقيتِ الَّذي يَتَحَكَّمُ فيهِ؟! ماذا يُمْكِنُ أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيْهِ هذِهِ التَّصَرُّفاتُ الْبَغيضَةُ؟ أَيُّ ضَرَرٍ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْها؟ يَنْبَغي أَنْ يَعْثُرَ عَلى طَوْقِ نَجاةٍ مِنْ هذا الْبَحْرِ الْآسِنَةِ مِياهُهُ.
    أَنا مُخْطِئٌ... مُخْطِئٌ... مُخْطِئٌ. ظَلَّ يُرَدِّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، في حُجْرَتِهِ الَّتي انْزَوى إلَيْها هارِبًا.
    نَقَراتٌ خَفيفَةٌ يَتَعالى صَوْتُها، لا يَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ تَأْتي، لكِنَّ سَطْحَ الْبَيْتِ يَسْتَقْبِلُها بِصَوْتٍ مَكْتومٍ، تَتَوالى بِشَكْلٍ مُسْتَمِرٍّ، كَأَنَّها عِقْدٌ وَانْفَرَطَتْ حَبّاتُهُ، أَيْقَظَهُ صَوْتُها مِنْ ذُرْوَةِ نَوْمِهِ، تُرى ماذا يَحْدُثُ؟! الصَّوْتُ في تَصاعُدٍ مُسْتَمِرٍّ، سَطْحُ الْبَيْتِ يَسْتَقْبِلُها بِصورَةٍ واهِنَةٍ. كُلَّما تَصاعَدَ صَوْتُها وَعَلَتْ نَبْرَتُهُ عَرَفَ أَنَّ سَطْحَ الْبَيْتِ يَتَداعى أَمامَها. مِنْ نافِذَةِ الْبَيْتِ نَظَرَ. بَرْقٌ شَديدٌ يَلْمَعُ في ظَلامِ الْأُفُقِ، السَّماءُ تَشُقُّها سِكّينٌ مِنْ نارٍ، فَتُحَوِّلُ ظَلامَها ضِياءً، وَسُكونَها صَخَبًا. هذا الْمَطَرُ الْكَثيفُ.. كَيْفَ يَأْتي في الصَّيْفِ؟! أَخيرًا أَصْبَحَ مِنَ النّادِرِ أَنْ تُمْطِرَ في الشِّتاءِ، فَكَيْفَ أَمْطَرَتْ بِهذِهِ الْغَزارَةِ في الصَّيْفِ؟! الْمَطَرُ لا يَتَوَقَّفُ، وَانْشِقاقُ السَّماءِ بِذلِكَ الْوَميضِ مُسْتَمِرٌّ.
    بَرْدٌ شَديدٌ أَعْلَنَ عَنْ نَفْسِهِ فَجْأَةً. شَعَرَ بِجَسَدِهِ يَرْتَعِشُ، أَطْرافُهُ تَكادُ تَتَجَمَّدُ، تَعْلوها زُرْقَةٌ شَديدَةٌ. أَيْنَ الْغِطاُء؟ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِهذا التَّحَوُّلِ الْمُفاجِئِ، لا يَتَدَثَّرُ بِغِطاءٍ أَبَدًا في الصَّيْفِ، وَفي الشِّتاءِ يَكْتَفي بِغِطاءٍ خَفيفٍ يَشْعُرُ مَعَها بِالدِّفْءِ وَالِاحْتِماءِ. ما الَّذي تَغَيَّرَ؟! مِنْ أَيْنَ يَأْتي الْآنَ بِغِطاءٍ ثَقيلٍ؟! لا يُريدُ أَنْ يُزْعِجَ أُمَّهُ أَوْ أَباهُ أَوْ جَدَّتَهُ. وَلكِنْ لَوْ ظَلَّ الْحالُ عَلى هذا الْوَضْعِ فَرُبَّما تَجَمَّدَتْ أَوْصالُهُ. لَيْسَ أَمامَهُ اخْتِيارٌ. هَبَّ واقِفًا وَراحَ يَنْظُرُ مِنْ نافِذَةِ الْغُرْفَةِ، السَّماءُ مُشْبَعَةٌ بِالْغَمامِ، وَالْأَرْضُ تَحَوَّلَتْ إلى بِرَكٍ موحِلَةٍ، سَيَكونُ الْغَدُ عَصيبًا عَلى الْجَميعِ. تَمْتَمَ بِرَجاءٍ: يا رَبِّ سَلِّمْ.
    بَرْدٌ شَديدٌ أَعْلَنَ عَنْ نَفْسِهِ فَجْأَةً. شَعَرَ بِجَسَدِهِ يَرْتَعِشُ، أَطْرافُهُ تَكادُ تَتَجَمَّدُ، تَعْلوها زُرْقَةٌ شَديدَةٌ. أَيْنَ الْغِطاُء؟ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِهذا التَّحَوُّلِ الْمُفاجِئِ، لا يَتَدَثَّرُ بِغِطاءٍ أَبَدًا في الصَّيْفِ، وَفي الشِّتاءِ يَكْتَفي بِغِطاءٍ خَفيفٍ يَشْعُرُ مَعَها بِالدِّفْءِ وَالِاحْتِماءِ. ما الَّذي تَغَيَّرَ؟! مِنْ أَيْنَ يَأْتي الْآنَ بِغِطاءٍ ثَقيلٍ؟! لا يُريدُ أَنْ يُزْعِجَ أُمَّهُ أَوْ أَباهُ أَوْ جَدَّتَهُ. وَلكِنْ لَوْ ظَلَّ الْحالُ عَلى هذا الْوَضْعِ فَرُبَّما تَجَمَّدَتْ أَوْصالُهُ. لَيْسَ أَمامَهُ اخْتِيارٌ. هَبَّ واقِفًا وَراحَ يَنْظُرُ مِنْ نافِذَةِ الْغُرْفَةِ، السَّماءُ مُشْبَعَةٌ بِالْغَمامِ، وَالْأَرْضُ تَحَوَّلَتْ إلى بِرَكٍ موحِلَةٍ، سَيَكونُ الْغَدُ عَصيبًا عَلى الْجَميعِ. تَمْتَمَ بِرَجاءٍ: يا رَبِّ سَلِّمْ.
    الْمَطَرُ تَتَكاثَفُ قَطَراتُهُ، يَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ خِلالِ النّافِذَةِ، قَطَراتٌ كَبيرَةٌ بِحَجْمِ حَبّاتِ اللَّيْمونِ. أَيُّ مَطَرٍ هذا وَماذا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ بِبُيوتِ الْقَرْيَةِ الطّينِيَّةِ؟!
    قَبْلَ أَنْ يَسْتَرْسِلَ في تَساؤُلاتِهِ اشْتَدَّ انْهِمارُ الْمَطَرِ. أَحَسَّ أَنَّ سَقْفَ الْحُجْرَةِ يَهْتَزُّ تَحْتَ وَطْأَتِهِ. دَقَّ قَلْبُهُ بِعُنْفٍ. تَشَقَّقَ السَّقْفُ، وَوَقَعَ الطِّلاءُ مِنْ بَعْضِ الْأَماكِنِ فيهِ، ماذا يَحْدُثُ؟ عِمْلاقٌ مِنَ الْخَوْفِ يَحِلُّ في صَدْرِهِ، قَلْبُهُ تَتَسارَعُ دَقّاتُهُ؛ كَأَنَّها انْفِجاراتٌ. يُريدُ أَنْ يوقِظَ أَهْلَ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ تَحْدُثَ كارِثَةٌ. حاوَلَ أَنْ يَمْضِيَ إلى الْخارِجِ حَيْثُ يوجَدُ أَبوهُ وَجَدَّتُهُ. قَدَمُهُ مُثَبَّتَةٌ في الْأَرْضِ كَأَنَّما سَمَّرَها أَحَدُهُمْ بِمَساميرَ حَقيقِيَّةٍ. دَهْشَةٌ وَاسْتِغْرابٌ. خَوْفٌ شَديدٌ. ما الَّذي يَحْدُثُ؟ السَّقْفُ يَهْتَزُّ وَيَتَمايَلُ بِشِدَّةٍ، وَقَعَ جُزْءٌ صَغيرٌ مِنْهُ، وَظَهَرَ مَكانَهُ فَراغٌ مُسْتَديرٌ، أَخَذَ الْماءُ يَهْطِلُ مِنْ خِلالِهِ بِلا تَوَقُّفٍ. نادى بِأَعْلى صَوْتٍ عَلى أُمِّهِ، يَجْأَرُ كَغَريقٍ: أُمّي.. أُمّي. يَشْعُرُ أَنَّ الْماءَ يَتَصاعَدُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، يَصِلُ إلى كَعْبَيْهِ. سَقَطَ جُزْءٌ آخَرُ مِنَ السَّقْفِ.

  • أَنْتُمْ يا مَنْ هُناكَ!

  • أَبي، الْحَقْني يا أَبي.
    الْماءُ يَعْلو وَأَجْزاءٌ أُخرى مِنَ السَّقْفِ تَتَهاوى!

  • أُمّي أُمّي...
    يَبْكي، تَمْتَزِجُ دُموعُهُ الْمالِحَةُ بِعُذوبَةِ الْمَطَرِ!

  • انْجِدوني!

  • .......

  • سَأَموتُ.
    يَتَهاوى أَحَدُ فُلوقِ جُذوعِ النَّخْلِ الْمُعَرَّشُ بِها السَّقْفُ، وَيَقَعُ بِجِوارِهِ بِدَوِيٍّ هائِلٍ. الْماءُ يَتَصاعَدُ بِلا تَوَقُّفٍ حَتّى يَصِلَ إلى خاصِرَتِهِ. خَوْفُهُ يَكْبُرُ، وَقَلْبُهُ يُوالي دَقّاتَهُ: أُمّي أُمّي.
    السَّقْفُ يَنْهارُ تَمامًا، وَالْماءُ يَصِلُ إلى رَقَبَتِهِ. يوقِنُ بِقُرْبِ النِّهايَةِ لَحَظاتٌ وَيَتَداعى كُلُّ شَيْءٍ. الْماءُ لا يَتَوَقَّفُ عَنِ الْهُطولِ. السَّماءُ بَكّاءَةٌ كَأَنَّها في أَشَدِّ حالاتِ الْحُزْنِ. صَوْتُهُ يَضيعُ مَعَ الْماءِ الَّذي وَصَلَ إلى فَمِهِ أَشْياءُ أُخْرى تَضيعُ. ظَلامٌ دامِسٌ يَسودُ، كُلُّ الْخَيالاتِ وَالْأَحاسيسِ تَتَوَقَّفُ، كَأَنَّما فَصَلَ أَحَدُهُمُ التَّيّارَ. يا لَهُ مِنْ حُلْمٍ! يَتَحَسَّسُ نَفْسَهُ وَسَريرَهُ، لا يَزالُ في الْغُرْفَةِ، ما هذِهِ الْكَوابيسُ الَّتي باتَتْ تُنَغِّصُ نَوْمَهُ. كُلَّما غَفِلَتْ عَيْنُهُ دَخَلَ في عَوالِمَ مَقيتَةٍ، نَظَرَ إلى سَقْفِ الْحُجْرَةِ، كَما هُوَ لا شَيْءَ فيهِ!
    السَّقْفُ يَنْهارُ تَمامًا، وَالْماءُ يَصِلُ إلى رَقَبَتِهِ. يوقِنُ بِقُرْبِ النِّهايَةِ لَحَظاتٌ وَيَتَداعى كُلُّ شَيْءٍ. الْماءُ لا يَتَوَقَّفُ عَنِ الْهُطولِ. السَّماءُ بَكّاءَةٌ كَأَنَّها في أَشَدِّ حالاتِ الْحُزْنِ. صَوْتُهُ يَضيعُ مَعَ الْماءِ الَّذي وَصَلَ إلى فَمِهِ أَشْياءُ أُخْرى تَضيعُ. ظَلامٌ دامِسٌ يَسودُ، كُلُّ الْخَيالاتِ وَالْأَحاسيسِ تَتَوَقَّفُ، كَأَنَّما فَصَلَ أَحَدُهُمُ التَّيّارَ. يا لَهُ مِنْ حُلْمٍ! يَتَحَسَّسُ نَفْسَهُ وَسَريرَهُ، لا يَزالُ في الْغُرْفَةِ، ما هذِهِ الْكَوابيسُ الَّتي باتَتْ تُنَغِّصُ نَوْمَهُ. كُلَّما غَفِلَتْ عَيْنُهُ دَخَلَ في عَوالِمَ مَقيتَةٍ، نَظَرَ إلى سَقْفِ الْحُجْرَةِ، كَما هُوَ لا شَيْءَ فيهِ!
    أُمُّهُ تَدْفَعُ بابَ الْحُجْرَةِ، وَتُهَرْوِلُ إلَيْهِ، تَجْلِسُ بِجانِبِهِ وَتَضُمُّهُ: مالَكَ يا حَبيبي؟! لِماذا تَصْرُخُ هكَذا؟!
    أَنْفاسُهُ لاهِثَةٌ. لا يَسْتَطيعُ إجابَتَها، يُتَمْتِمُ بِصُعوبَةٍ: أُمّي!
    تَضُمُّهُ إلى صَدْرِها كَأَنَّها تُخَبِّئُهُ داخِلَ قَلْبِها.

  • لا تَخَفْ يا حَبيبي... لا تَخَفْ.
    تَمْسَحُ عَلى رَأْسِهِ وَرَقَبَتِهِ وَصَدْرِهِ وَهِيَ تَرْقيهِ: بِسْمِ اللهِ أَرْقيكَ...
    يَهْدَأُ قَليلًا، تَقومُ وَتُضيءُ نورَ الْغُرْفَةِ، وَجْهُهُ أَصْفَرُ شاحِبٌ، وَجَبينُهُ مُتَأَلِّقٌ بِحَبّاتِ الْعَرَقِ.

  • ماذا بِكَ يا حَبيبي؟ لا تَخَفْ فَأَنا بِجانِبِكَ، وَأَبوكَ قَريبٌ مِنْكَ في الْخارِجِ. تَنْتَظِمُ أَنْفاسُهُ، يَكادُ يَبْكي. طَوْقٌ خانِقٌ يَلْتَفُّ حَوْلَ قَلْبِهِ، روحُهُ سَجينَةٌ. ماذا يَحْدُثُ لي؟ يَلُفُّهُما الصَّمْتُ، يَطولُ كَأَنَّهُ حَبْلٌ مُمْتَدٌّ لا نِهايَةَ لَهُ.
    ي الصَّباحِ، ذَهَبَ أَحْمَدُ إلى أُمِّهِ، وَوَقَفَ أَمامَها مُتَرَدِّدًا، ثَوانٍ وَأَخَذَ نَفَسًا عَميقًا وَطَرَدَ تَرَدُّدَهُ وَقالَ: أُمّي، لا أُريدُ أَنْ أَذْهَبَ إلى الْمَدْرَسَةِ.

  • ماذا؟! قالَتْها أُمُّهُ بِانْزِعاجٍ. قَطَّبَتْ جَبينَها، وَاتَّسَعَتْ عَيْناها بِشِدَّةٍ. تَغَضَّنَ أَنْفُها وَراحَ يَتَقَلَّصُ لِأَعْلى وَلِأَسْفَلَ (وَهذا شَأْنُها عِنْدَما يُزْعِجُها شَيْءٌ ما) نَظَرَتْ إلَيْهِ نَظَراتٍ حادَّةً قَبْلَ أَنْ تَقولَ: وَما السَّبَبُ؟
    بِرَغْمِ عَدَمِ مُوافَقَتِها، فَقَدْ سايَرَتْهُ لِغَرَضٍ في نَفْسِها.

  • لا شَيْءَ، وَلكِنّي أَحْسَسْتُ فَجْأَةً بِعَدَمِ الرَّغْبَةِ في الذَّهابِ إلى الْمَدْرَسَةِ. لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ مُفاجِئًا، فَحالُ الْأُسْرَةِ هُوَ السَّبَبُ. أَخيرًا وَكَعادَةِ كُلِّ سَنَةٍ كانَ أَبوهُ يَشْتَري لَهُ وَلِأُخْتَيْهِ مَلابِسَ الْمَدْرَسَةِ وَكُتُبَ وَدَفاتِرَ الدِّراسَةِ.
    في الصَّباحِ، ذَهَبَ أَحْمَدُ إلى أُمِّهِ، وَوَقَفَ أَمامَها مُتَرَدِّدًا، ثَوانٍ وَأَخَذَ نَفَسًا عَميقًا وَطَرَدَ تَرَدُّدَهُ وَقالَ: أُمّي، لا أُريدُ أَنْ أَذْهَبَ إلى الْمَدْرَسَةِ.

  • ماذا؟! قالَتْها أُمُّهُ بِانْزِعاجٍ. قَطَّبَتْ جَبينَها، وَاتَّسَعَتْ عَيْناها بِشِدَّةٍ. تَغَضَّنَ أَنْفُها وَراحَ يَتَقَلَّصُ لِأَعْلى وَلِأَسْفَلَ (وَهذا شَأْنُها عِنْدَما يُزْعِجُها شَيْءٌ ما) نَظَرَتْ إلَيْهِ نَظَراتٍ حادَّةً قَبْلَ أَنْ تَقولَ: وَما السَّبَبُ؟
    بِرَغْمِ عَدَمِ مُوافَقَتِها، فَقَدْ سايَرَتْهُ لِغَرَضٍ في نَفْسِها.

  • لا شَيْءَ، وَلكِنّي أَحْسَسْتُ فَجْأَةً بِعَدَمِ الرَّغْبَةِ في الذَّهابِ إلى الْمَدْرَسَةِ. لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ مُفاجِئًا، فَحالُ الْأُسْرَةِ هُوَ السَّبَبُ. أَخيرًا وَكَعادَةِ كُلِّ سَنَةٍ كانَ أَبوهُ يَشْتَري لَهُ وَلِأُخْتَيْهِ مَلابِسَ الْمَدْرَسَةِ وَكُتُبَ وَدَفاتِرَ الدِّراسَةِ.
    في مِثْلِ هذِهِ الْأَيّامِ كانَ يَطيرُ فَرَحًا وَهُوَ يَقيسُ قَميصَهُ وَبِنْطالَهُ الْجَديدَيْنِ (أَوْ قَميصَيْهِ وَبِنْطالَيْهِ، حَيْثُ يَشْتَري لَهُ أَبوهُ في الْعادَةِ قَميصَيْنِ وَبِنْطالَيْنِ لِكَيْ يَتَناوَبَ عَلى لِبْسِها خِلالَ السَّنَةِ) إمّا يَشْتَريها جاهِزَةً مِنَ السّوقِ، وَإِمّا يُفَصِّلُها لَهُ عَمُّ سَلامَةَ الْخَيّاطِ. يَعودُ إلى الْبَيْتِ حامِلًا مَلابِسَهُ في يَدٍ وَدَفاتِرَ الْمَدْرَسَةِ في الْيَدِ الْأُخْرى يَكادُ لا تَحْمِلُهُ قَدَماهُ مِنَ الْفَرْحَةِ. وَأُخْتاهُ تَشْتَري لَهُما أُمُّهُما قِطْعَةَ قُماشٍ كَبيرَةً تَذْهَبُ بِها إلى الْخالَةِ فاطِمَةَ في بَيْتِها لِتُفَصِّلَ لَهُما مَرْيَلَتَيْنِ جَميلَتَيْنِ تُطَرِّزُ أَطْرافَهُما، وَياقَتَيْهِما بِماكينَةِ التَّطْريزِ الَّتي اشْتَرَتْها مُنْذُ عِدَّةٍ سَنَواتٍ وَاسْتَطاعَتْ أَنْ تَجْذِبَ الزَّبائِنَ بِفَضْلِها؛ فَلا أَحَدَ يَقْتَني ماكينَةً مِثْلَها في الْبَلَدِ. في مِثْلِ هذِهِ الْأَيّامِ كانَتْ تُداعِبُ قُلوبَهُمْ فَرْحَةٌ لا حُدودَ لَها. أَمّا الْيَوْمَ فَالْحالُ تَغَيَّرَ... لَنْ تَسْتَطيعَ أُمُّهُ أَنْ تُوَفِّرَ لَهُ وَلِأُخْتَيْهِ احْتِياجاتِهِمْ، وَلَوِ اسْتَطاعَتْ أَنْ تُدَبِّرَ أَمْرَ أُخْتَيْهِ، فَلَنْ تَسْتَطيعَ أَنْ تُوَفِّرَ احْتِياجاتِهِ هُوَ أَيْضًا. إنَّهُ يَعْرِفُ ذلِكَ، وَيُقَدِّرُ مَوْقِفَها وَيَتَمَنّى بِصِدْقٍ أَنْ تُتاحَ الْفُرْصَةُ لِيُساعِدَها. سَأَذْهَبُ لِلْعَمَلِ في إِحْدى وِرَشِ الْحِدادَةِ.

  • قالَ أَحْمَدُ بِهُدوءٍ، كَأَنَّهُ يُخْبِرُها بِقَرارٍ لا نَقْضَ فيهِ وَلا إِبْرامٍ.

  • أَنا أُحِبُّ هذا الْعَمَلَ.. وَأَسْتَطيعُ أَنْ أَبْرَعَ فيهِ.

  • "يا سلام!" قالَتْ أُمُّهُ ساخِرَةً.

  • وَماذا أَيْضًا؟!

  • أَسْتَطيعُ أَنْ أَعْمَلَ كذلِكَ نَجّارًا أَوْ سَبّاكًا أَوْ صَبِيًّا في قَهْوَةٍ. هَزَّتْ أُمُّهُ رَأْسَها كَأَنَّما يُطْرِبُها الْكَلامُ.

  • أَوْ مُحَصِّلًا عَلى سَيّارَةِ أُجْرَةٍ.

  • ظَلَّتْ أُمُّهُ تَسْتَمِعُ إلَيْهِ.

  • أَرْجوكِ دَعيني أُجَرِّبُ حَظّي... سَيَكونُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ أَتَعَلَّمَ حِرْفَةً.

  • سَأَذْهَبُ لِلْعَمَلِ في إِحْدى وِرَشِ الْحِدادَةِ.

  • قالَ أَحْمَدُ بِهُدوءٍ، كَأَنَّهُ يُخْبِرُها بِقَرارٍ لا نَقْضَ فيهِ وَلا إِبْرامٍ.

  • أَنا أُحِبُّ هذا الْعَمَلَ.. وَأَسْتَطيعُ أَنْ أَبْرَعَ فيهِ.

  • "يا سلام!" قالَتْ أُمُّهُ ساخِرَةً.

  • وَماذا أَيْضًا؟!

  • أَسْتَطيعُ أَنْ أَعْمَلَ كذلِكَ نَجّارًا أَوْ سَبّاكًا أَوْ صَبِيًّا في قَهْوَةٍ. هَزَّتْ أُمُّهُ رَأْسَها كَأَنَّما يُطْرِبُها الْكَلامُ.

  • أَوْ مُحَصِّلًا عَلى سَيّارَةِ أُجْرَةٍ.

  • ظَلَّتْ أُمُّهُ تَسْتَمِعُ إلَيْهِ.

  • أَرْجوكِ دَعيني أُجَرِّبُ حَظّي... سَيَكونُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ أَتَعَلَّمَ حِرْفَةً.
    ابْتَسَمَتْ، وَراحَ أَحْمَدُ يَنْظُرُ إلَيْها بِعَدَمِ فَهْمٍ، أَخيرًا فاجَأَتْهُ بِرَدِّها: طيب.. أَنا مُوافِقَةٌ.
    بَقِيَ أَحْمَدُ لِلَحَظاتٍ غَيْرَ مُصَدِّقٍ. كانَ يَظُنُّ أَنْ يَأْتِيَ رَدُّها رَفْضًا وَنَهْرًا وَزَجْرًا وَمُطالَبَةً بِإِكْمالِ تَعْليمِهِ في كُلِّ الْأَحْوالِ؛ وَلكِنْ ها هِيَ كَآخِرِ ما كانَ يَتَوَقَّعُهُ تُوافِقُ! قالَ بِلا حَماسَةٍ، وَفي نَفْسِ الْوَقْتِ دونَ الشُّعورِ بِالنَّدَمِ: شُكْرًا يا أُمّي لَقَدْ أَزَحْتِ عَنّي عِبْئًا ثَقيلًا. قالَتْ بِهُدوءٍ شَديدٍ: لَكَ ما تُريدُ يا صَغيري.. أَنا لا أَسْتَطيعُ أَنْ أَرْفُضَ لَكَ طَلَبًا.

  • "هذا أَفْضَلُ." قالَ أَحْمَدُ في نَفْسِهِ، وَإِنْ أَصابَهُ بَعْضُ الْحُزْنِ الشَّديدِ، فَمُؤَكَّدٌ كانَتْ لَدَيْهِ رَغْبَةٌ قَوِيَّةٌ في أَنْ يُكْمِلَ تَعْليمَهُ، وَأَنْ يُصْبِحَ ذاتَ يَوْمٍ شيئًا ما، طَبيبًا أَوْ مُهَنْدِسًا أَوْ عالِمًا أَوْ مُدَرِّسًا في الْجامِعَةِ. هذا هُوَ ما يَطْمَحُ إلَيْهِ دائِمًا. وَما يَزيدُ مِنْ حُزْنِهِ أَنَّهُ مُتَفَوِّقٌ، وَيَسْتَطيعُ بِالْجُهْدِ وَالْمُثابَرَةِ أَنْ يَصِلَ إلى ما تَهْفو إلَيْهِ نَفْسُهُ، وَلكِنْ...
    بَقِيَ أَحْمَدُ لِلَحَظاتٍ غَيْرَ مُصَدِّقٍ. كانَ يَظُنُّ أَنْ يَأْتِيَ رَدُّها رَفْضًا وَنَهْرًا وَزَجْرًا وَمُطالَبَةً بِإِكْمالِ تَعْليمِهِ في كُلِّ الْأَحْوالِ؛ وَلكِنْ ها هِيَ كَآخِرِ ما كانَ يَتَوَقَّعُهُ تُوافِقُ! قالَ بِلا حَماسَةٍ، وَفي نَفْسِ الْوَقْتِ دونَ الشُّعورِ بِالنَّدَمِ: شُكْرًا يا أُمّي لَقَدْ أَزَحْتِ عَنّي عِبْئًا ثَقيلًا. قالَتْ بِهُدوءٍ شَديدٍ: لَكَ ما تُريدُ يا صَغيري.. أَنا لا أَسْتَطيعُ أَنْ أَرْفُضَ لَكَ طَلَبًا.

  • "هذا أَفْضَلُ." قالَ أَحْمَدُ في نَفْسِهِ، وَإِنْ أَصابَهُ بَعْضُ الْحُزْنِ الشَّديدِ، فَمُؤَكَّدٌ كانَتْ لَدَيْهِ رَغْبَةٌ قَوِيَّةٌ في أَنْ يُكْمِلَ تَعْليمَهُ، وَأَنْ يُصْبِحَ ذاتَ يَوْمٍ شيئًا ما، طَبيبًا أَوْ مُهَنْدِسًا أَوْ عالِمًا أَوْ مُدَرِّسًا في الْجامِعَةِ. هذا هُوَ ما يَطْمَحُ إلَيْهِ دائِمًا. وَما يَزيدُ مِنْ حُزْنِهِ أَنَّهُ مُتَفَوِّقٌ، وَيَسْتَطيعُ بِالْجُهْدِ وَالْمُثابَرَةِ أَنْ يَصِلَ إلى ما تَهْفو إلَيْهِ نَفْسُهُ، وَلكِنْ...
    ما بِالْيَدِ حيلَةٌ. رَغْمَ ذلِكَ لَمْ يَكُنْ نادِمًا عَلى هذا الْمَسارِ الْجَديدِ الَّذي طَلَبَ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسيرَ فيهِ. يَكْفي أَنْ تَتَعَلَّمَ أُخْتايَ. وَأَنا بَعْدَ أَنْ تَتَحَسَّنَ الظُّروفُ، يُمْكِنُني أَنْ أُكْمِلَ تَعْليمي
    وَمَنْ يَدْري؟ فَرُبَّما أَصْبَحْتُ ذاتَ يَوْمٍ رَجُلَ أَعْمالٍ كَبيرًا.. لَدَيَّ الْعَديدُ مِنَ الْمَصانِعِ وَالْعُمّالِ وَالْمُهَنْدِسينَ وَالْأَطِبّاءِ وَ...... وَمَنْ يَدْري؟ وَذاعَ الْخَبَرُ في الْبَيْتِ. أَحْمَدُ سَيَتْرُكُ الْمَدْرَسَةِ وَيَعْمَلُ حَدّادًا. قابَلَ أَبوهُ وَجَدَّتُهُ الْأَمْرَ بِأَرْيَحِيَّةٍ، كَأَنَّما كانا يَنْتَظِرانِهِ. نِعْمَ الرَّأْيِ يا أَحْمَدُ. هكَذا قالَتْ جَدَّتُهُ. أَمّا أَبوهُ فَقالَ: لَكَ ما تُريدُ يا بُنَيَّ... لا نَسْتَطيعُ أَنْ نَرْفُضَ لَكَ طَلَبًا. أُخْتاهُ هُما الْوَحيدَتانِ اللَّتانِ أَحَسَّتا بِالْحُزْنِ.

  • سَتَتْرُكُ الْمَدْرَسَةَ يا أَحْمَدُ؟ لَنْ تَذْهَبَ مَعَنا بَعْدَ ذلِكَ؟ اِرْجِعْ في كَلامِكَ فَلا داعِيَ لِهذا!

  • أَنْتُما لا تَفْهَمانِ شَيْئًا.
    وَمَنْ يَدْري؟ فَرُبَّما أَصْبَحْتُ ذاتَ يَوْمٍ رَجُلَ أَعْمالٍ كَبيرًا.. لَدَيَّ الْعَديدُ مِنَ الْمَصانِعِ وَالْعُمّالِ وَالْمُهَنْدِسينَ وَالْأَطِبّاءِ وَ...... وَمَنْ يَدْري؟ وَذاعَ الْخَبَرُ في الْبَيْتِ. أَحْمَدُ سَيَتْرُكُ الْمَدْرَسَةِ وَيَعْمَلُ حَدّادًا. قابَلَ أَبوهُ وَجَدَّتُهُ الْأَمْرَ بِأَرْيَحِيَّةٍ، كَأَنَّما كانا يَنْتَظِرانِهِ. نِعْمَ الرَّأْيِ يا أَحْمَدُ. هكَذا قالَتْ جَدَّتُهُ. أَمّا أَبوهُ فَقالَ: لَكَ ما تُريدُ يا بُنَيَّ... لا نَسْتَطيعُ أَنْ نَرْفُضَ لَكَ طَلَبًا. أُخْتاهُ هُما الْوَحيدَتانِ اللَّتانِ أَحَسَّتا بِالْحُزْنِ.

  • سَتَتْرُكُ الْمَدْرَسَةَ يا أَحْمَدُ؟ لَنْ تَذْهَبَ مَعَنا بَعْدَ ذلِكَ؟ اِرْجِعْ في كَلامِكَ فَلا داعِيَ لِهذا!

  • أَنْتُما لا تَفْهَمانِ شَيْئًا.
    هكَذا كانَ يُتَمْتِمُ بِصَوْتٍ غَيْرِ مَسْموعٍ (أَوْ يَقولُ في نَفْسِهِ) كُلَّما حَدَّثَتاهُ في الْأَمْرِ: أَنا مُضْطَرٌّ لِذلِكَ.. وَغَدًا حينَما تَكْبُرانِ سَتَفْهَمانِ.
    أَصْبَحَ قَلْبُهُ كَصَحْراءٍ موحِشَةٍ، لا مَكانَ فيها لِظِلٍّ.. مَشاعُرُهُ مَكْبوتَةٌ وَرَغْمَ ذلِكَ وَضَعَ عَلى وَجْهِهِ قِناعَ الرِّضا، بَلِ السَّعادَةَ. راحَ أَبوهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ بِإِعْجابٍ مَشوبٍ بِحُبٍّ وَحُزْنٍ دَفينٍ. عَيْناهُ مُتَطَلِّعَتانِ لِلْأَمانِ بِرَغْمِ أَيِّ شَيْءٍ. سَيَبْقى رَغْمَ الْمَتاعِبِ وَالْمَرَضِ شاطِئَ أَمْنِهِمْ، حَتّى وَلَوْ كانَ "عظم في قفة" كَما تَقولُ أُمُّهُ دائِمًا. في الْيَوْمِ التّالي، أَقْبَلَتْ أُمُّهُمْ حامِلَةً أَقْفاصَها كَالْعادَةِ، وَفَوْقَ هذِهِ الْأَقْفاصِ حَقائِبُ بلاستيكِيَّةٌ سَوْداءُ، وَضَعَتْ حِمْلَها وَنادَتْ عَلَيْهِ هُوَ وَأُخْتَيْهِ. أَخْرَجَتْ مِنَ الْحَقائِبِ مَرْيَلَتَيْنِ وَحِذاءَيْنِ وَحَقيبَتَيْنِ قُماشِيَّتَيْنِ، وَعَدَدًا مِنَ الدَّفاتِرِ وَالْأَقْلامِ وَالْأَدَواتِ الْمَدْرَسِيَّةٍ. طارَتْ أُخْتاهُ مِنَ الْفَرَحِ وَخَطَفَتْ كُلٌّ مِنْهُما مَرْيَلَتَها وَراحَتْ تُقَلِّبُ فيها، دونَ أَنْ تَلْبَسَها حَتّى لا تَتَكَسَّرَ أَوْ تَتَّسِخَ.
    أَصْبَحَ قَلْبُهُ كَصَحْراءٍ موحِشَةٍ، لا مَكانَ فيها لِظِلٍّ.. مَشاعُرُهُ مَكْبوتَةٌ وَرَغْمَ ذلِكَ وَضَعَ عَلى وَجْهِهِ قِناعَ الرِّضا، بَلِ السَّعادَةَ. راحَ أَبوهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ بِإِعْجابٍ مَشوبٍ بِحُبٍّ وَحُزْنٍ دَفينٍ. عَيْناهُ مُتَطَلِّعَتانِ لِلْأَمانِ بِرَغْمِ أَيِّ شَيْءٍ. سَيَبْقى رَغْمَ الْمَتاعِبِ وَالْمَرَضِ شاطِئَ أَمْنِهِمْ، حَتّى وَلَوْ كانَ "عظم في قفة" كَما تَقولُ أُمُّهُ دائِمًا. في الْيَوْمِ التّالي، أَقْبَلَتْ أُمُّهُمْ حامِلَةً أَقْفاصَها كَالْعادَةِ، وَفَوْقَ هذِهِ الْأَقْفاصِ حَقائِبُ بلاستيكِيَّةٌ سَوْداءُ، وَضَعَتْ حِمْلَها وَنادَتْ عَلَيْهِ هُوَ وَأُخْتَيْهِ. أَخْرَجَتْ مِنَ الْحَقائِبِ مَرْيَلَتَيْنِ وَحِذاءَيْنِ وَحَقيبَتَيْنِ قُماشِيَّتَيْنِ، وَعَدَدًا مِنَ الدَّفاتِرِ وَالْأَقْلامِ وَالْأَدَواتِ الْمَدْرَسِيَّةٍ. طارَتْ أُخْتاهُ مِنَ الْفَرَحِ وَخَطَفَتْ كُلٌّ مِنْهُما مَرْيَلَتَها وَراحَتْ تُقَلِّبُ فيها، دونَ أَنْ تَلْبَسَها حَتّى لا تَتَكَسَّرَ أَوْ تَتَّسِخَ.
    تابَعَ أَحْمَدُ ذلِكَ بِعَيْنَيْنِ مُنْطَفِئَتَيْنِ وَنَفْسٍ خامِلَةٍ، وَراحَ يَدْفَعُ إحْساسًا مُعْتِمًا أَرادَ أَنْ يَلُفَّ نَفْسَهُ حَوْلَ قَلْبِهِ. بَقِيَتْ لُفافَةٌ واحِدَةٌ، حَمَلَتْها أُمُّهُ وَنَظَرَتْ إلَيْهِ بِابْتِسامَةٍ عَذْبَةٍ. أَمّا هذِهِ فَلِمَنْ؟!

  • بادَلَها أَحْمَدُ النَّظَراتِ وَهُوَ لا يَفْهَمُ شَيْئًا.

  • فَتَحَتْ أُمُّهُ اللُّفافَةَ، لِيَظْهَرَ بِداخِلِها مَلابِسُ رِجّالِيَّةٌ.

  • دَقَّ قَلْبُهُ بِعُنْفٍ، لِمَنْ هذِهِ الْمَلابِسُ؟ هَلْ مُمْكِنٌ أَنْ يَحْدُثَ هذا؟! وَأَخْرَجَتْ أُمُّهُ بِنْطالًا رَمادِيًّا صَغيرًا وَقَميصًا أَزْرَقَ. وَحَقيبَةً مِنَ الْجِلْدِ، وَحِذاءً أَسْوَدَ لامِعًا. عَرَضَتْ كُلَّ ذلِكَ أَمامَهُ دونَ أَنْ تُكَلِّمَهُ كَلِمَةً واحِدَةً.

  • أَمّا هذِهِ فَلِمَنْ؟!

  • بادَلَها أَحْمَدُ النَّظَراتِ وَهُوَ لا يَفْهَمُ شَيْئًا.

  • فَتَحَتْ أُمُّهُ اللُّفافَةَ، لِيَظْهَرَ بِداخِلِها مَلابِسُ رِجّالِيَّةٌ.

  • دَقَّ قَلْبُهُ بِعُنْفٍ، لِمَنْ هذِهِ الْمَلابِسُ؟ هَلْ مُمْكِنٌ أَنْ يَحْدُثَ هذا؟! وَأَخْرَجَتْ أُمُّهُ بِنْطالًا رَمادِيًّا صَغيرًا وَقَميصًا أَزْرَقَ. وَحَقيبَةً مِنَ الْجِلْدِ، وَحِذاءً أَسْوَدَ لامِعًا. عَرَضَتْ كُلَّ ذلِكَ أَمامَهُ دونَ أَنْ تُكَلِّمَهُ كَلِمَةً واحِدَةً.
    قَفَزَتْ أُخْتاهُ مِنَ الْفَرَحِ وَأَمْسَكَتْ واحِدَةً مِنْهُما بِالْقَميصِ، وَالْأُخْرى بِالْحِذاءِ وَهُما تَتَساءَلانِ: لِمَنْ هذِهِ الْأَشْياءُ يا أُمّي؟

  • لِأَحْمَدَ؟ وَقالَتْ أُخْتُهُ الْكَبيرَةُ:

  • نَعَمْ لِأَحْمَدَ...

  • ثُمَّ قالَتا مَعًا بِتَوْكيدٍ: لِأَحْمَدَ.. لِأَحْمَدَ.. مَنْ غَيْرُهُ؟!

  • وَراحَتا تَقْفِزانِ في سَعادَةٍ وَبَهْجَةٍ: هييييييييه .. هيييييييه.. أَحْمَدُ سَيَذْهَبُ إلى الْمَدْرَسَةِ.
    وَوَجَمَ هُوَ، وَلَمْ يَنْبِسْ بِكَلِمَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ قَليلٍ قالَ عابِسًا: لِمَنْ هذِهِ الْأَشْياءُ يا أُمّي؟ لِماذا اشْتَرَيْتِها؟

  • لَكَ أَنْتَ.

  • أَلَمْ نَتَحَدَّثْ في هذا الْأَمْرِ وَنَصِلْ إلى قَرارٍ؟
    قاطَعَهُ أَبوهُ بِصَوْتِهِ الْهادِئِ الْوَقورِ: تَحَدَّثْتَ أَنْتَ، وَوَصَلْتَ إلى قَرارٍ، وَلكِنَّ قَرارَكَ لَيْسَ مُلْزِمًا لَنا، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَلْتَزِمَ أَنْتَ بِقَرارِنا. صَمَتَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَأَكْمَلَ أَبوهُ قائِلًا: سَتَذْهَبُ إلى الْمَدْرَسَةِ وَتُكْمِلُ تَعْليمَكَ، وَسَتُصْبِحُ ذاتَ يَوْمٍ بِمَشيئَةِ اللهِ رَجُلًا عَظيمًا نَفْتَخِرُ بِهِ جَميعًا!

  • وَلكِنْ يا أَبي..

  • كُفَّ عَنِ الْجِدالِ.
    وَوَجَمَ هُوَ، وَلَمْ يَنْبِسْ بِكَلِمَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ قَليلٍ قالَ عابِسًا: لِمَنْ هذِهِ الْأَشْياءُ يا أُمّي؟ لِماذا اشْتَرَيْتِها؟

  • لَكَ أَنْتَ.

  • أَلَمْ نَتَحَدَّثْ في هذا الْأَمْرِ وَنَصِلْ إلى قَرارٍ؟
    قاطَعَهُ أَبوهُ بِصَوْتِهِ الْهادِئِ الْوَقورِ: تَحَدَّثْتَ أَنْتَ، وَوَصَلْتَ إلى قَرارٍ، وَلكِنَّ قَرارَكَ لَيْسَ مُلْزِمًا لَنا، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَلْتَزِمَ أَنْتَ بِقَرارِنا. صَمَتَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَأَكْمَلَ أَبوهُ قائِلًا: سَتَذْهَبُ إلى الْمَدْرَسَةِ وَتُكْمِلُ تَعْليمَكَ، وَسَتُصْبِحُ ذاتَ يَوْمٍ بِمَشيئَةِ اللهِ رَجُلًا عَظيمًا نَفْتَخِرُ بِهِ جَميعًا!

  • وَلكِنْ يا أَبي..

  • كُفَّ عَنِ الْجِدالِ.
    وَقالَتْ أُمُّهُ: ما دامَ فِيَّ نَفَسٌ يَتَرَدَّدُ أَنا وَأَبوكَ فَسَوْفَ تُكْمِلُ تَعْليمَكَ وَسَتَصِلُ بِمَشيئَةِ اللهِ إلى أَعْلى الْمَراتِبِ.

  • وَلكِنْ
    وَالَّذي قاطَعَهُ هذِهِ الْمَرَّةَ هِيَ جَدَّتُهُ، قالَتْ: لا تُكْثِرِ الْكَلامَ يا أَحْمَدُ.. أَنْتَ وَلَدٌ نَبيهٌ.. وَحَرامٌ أَنْ تَتْرُكَ الْمَدْرَسَةَ، الْآنَ.. هَيّا خُذْ مَلابِسَكَ وَقِسْها بِالدّاخِلِ.
    نَهَضَ أَحْمَدُ وَأَخَذَ الْمَلابِسَ وَباقِيَ الْأَشْياءِ. مَضى إلى الدّاخِلِ بِخُطُواتٍ بَطيئَةٍ، لا يَعْرِفُ هَلْ يَفْرَحُ لِأَنَّهُ سَيَذْهَبُ إلى الْمَدْرَسَةِ وَيُكْمِلُ تَعْليمَهُ أَمْ يَحْزَنُ لِأَنَّهُ لَنْ يَسْتَطيعَ أَنْ يُساعِدَ أُمَّهُ!!


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

بعد قرون من الت...

بعد قرون من التشتت، بدأت الأفكار الصهيونية تتسلل إلى عقول اليهود في القرن التاسع عشر. وسعت الحركة ال...

3M acquired CUN...

3M acquired CUNO for several reasons. One of the main reasons is that CUNO was considered a leader i...

إلا أن لجنة الش...

إلا أن لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بعد الاستماع إلى اقتراحات التعديل البالغة 14 اقتراحا...

دخل ذلك رجل قصي...

دخل ذلك رجل قصير القامة محني الهامة دقيق القد حاد الملامح جاحظ العينين يعتلى وجهه شيء من الخوف والتر...

تعليق على نماذج...

تعليق على نماذج الذكاء الوجداني بالرغم من اختلاف مفاهيم الذكاء الوجدانى الا انها مكمله لبعضها البعض....

As the boys on ...

As the boys on the island progress from well-behaved, orderly children longing for rescue to cruel, ...

يتم تضمين كل ما...

يتم تضمين كل ما يتعلق بالمنتجات أو الخدمات المقدمة للعملاء في المنتج. تمايز المنتج هو عملية خلق ميزة...

خامسًا:تدريب مع...

خامسًا:تدريب معلميالمدرسةالثانويةالعليابالصين: اوية إلحداث التغيير والتطوير المطلوبينيمثل تدريب المع...

2 - العبا�سيون ...

2 - العبا�سيون واخلطر البيزنطي ّا�سيون، كأ�سالفهم الأمويني، بنظام ال�ص ِوائف يف حماربة الدولة أخذ ...

The play challe...

The play challenged the traditional system of society.particularly the role of men and women relatio...

أما بالنسبة لنش...

أما بالنسبة لنشأة الدراما في مصر فترجع األقاويل نشأة الدراما في مصر إلى العصر الفرعوني و الذي اتخذ ...

‎المنتجات الموث...

‎المنتجات الموثقة بشهادات ذات الجودة العالية والمتانة والمواصفات العالمية، وأيضا تركيبة المواد المست...