لخّصلي

لمبحث الثاني الإسرائيليات في رؤيا يوسف 0 لقد جاءت الإسرائيليات في قصة يوسف 0 بروايات مختلفة مكذوبة فمن ذلك ما أخرجه ابن جرير في تفسيره "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" في مواطن عدة أثناء تفسيره لسورة يوسف نتتبعها بالعرض والنقد والتحليل والبيان بدءاً برؤيا يوسف 0 قال تعالى : إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين * قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين يوسف:4-5} . أولاً : عرض الرواية الإسرائيلية : قال ابن جرير الطبري (٢٤) : وأخرج عن علي بن سعيد الكندي ، قال حدثنا الحكم ابن ظهير ، عن السدي عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر قال أتى النبي ع رجل يهودي، يقال له بستانة اليهودي فقال له : يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له، ما أسماؤها؟ قال : فسكت رسول الله ع، فلم يجبه بشيء ، ونزل عليه جبريل وأخبره بأسمائها ، قال : فبعث رسول الله ع إليه فقال: (هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها ؟ قال : نعم ، فقال : (جربان والطارق والذيال ، وذو الكنفات ، وقابس، ووثاب ، وعمودان ، والفليق ، والمصبح ، والضروح ، وذو الفرغ والضياء والنور) فقال اليهودي : والله إنها لأسماؤها (٢٥) ولم يصحح ثانياً : نقد الرواية : هذه الرواية غير صحيحة من جوانب نجملها في التالي : 1- إن الحاكم صححها في مستدركه ، تصحيح الحاكم غير معتد به عند العلماء إلا إذا وافقه غيره ، هذه الرواية أحد من العلماء غير الحاكم في المستدرك ٢- يظهر أنها من الإسرائيليات وألصقت بالنبي زوراً وبهتاناً ، لأن سيدنا يوسف 0 رأى كواكب بصورها لا بأسمائها ، ولا يوجد علاقة فيما ترمز إليه الرؤيا والأسماء التي جاءت في الحديث 3- جاءت الأسماء الإحدى عشر مختلفة من تفسير إلى آخر حيث جاءت في الدر المنثور حرثان بدلاً من جربان وأيضاً اسم دنان بدلاً من ووثاب ، وأيضاً في رواية السيوطي هودان بدلاً من عمودان والفيلق بدلاً من الفليق ، وهذا الاختلاف في الأسماء في تفسير الدر المنثور للسيوطي عما جاء في تفسير الطبري دليل إلى الزعم المكذوب في الرواية. (۲۷) 4- يوجد في سند الرواية الحكم بن ظهير وقد ضعفه أئمة الحديث ، وتركه الأكثرون منهم ولم يروا له لشدة الضعف فيه، وقال الجوزجاني: "إنه ساقط وصاحب حسن يوسف (٢٦). 5- نقل أبو شهبه عن الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال" قال ابن معين : ليس بثقة أي الحكم ابن ظهير وقال ليس بشيء وضعفه البخاري فقال : منكر الحديث ، وقال مرة: تركوه وهو راوي حديث : "إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه" !! فهل مثل هذا يعتد بروايته وبحسبه سقوطاً عندما قال عنه البخاري : "منكر الحديث" وتركوه 6- جاء في تفسير الآية [إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين] (يوسف:4} روايات مأثورة وصحيحة أن المقصود أبويه وأخوته ، حيث جاء عن الضحاك قوله تعالى : [إني رأيت أحد عشر كوكبا هم إخوة يوسف ( والشمس والقمر هما أبواه (٢٨) التفسير الإجمالي للآيات: تتحدث الآيات عن خبر الرؤيا التي رآها يوسف ( في منامه فقال لأبيه أنه رأى في المنام أحد عشر كوكباً والشمس والقمر تسجد له ، فوصاه بكتمانها عن إخوته حتى لا يدبروا له مكيدة ولا يحسدوه ، فإن الشيطان عدو واضح للإنسان ، وأدرك يعقوب 0 من هذه الرؤيا أنه سيكون ليوسف شأن عظيم في قومه وبين أخوته ، وأخبره بأمله في أن الله يرعاه ويحفظه ويتم نعمته عليه بإرساله رسولاً ويتم هذه النعمة على آل يعقوب وأسرته كما أتمها على أبويه من قبل إبراهيم وإسحاق (۲۹) التفسير بالمأثور: القول في: إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين، تكلم المفسرون عن التعبير لهذه الرؤيا : أن الأحد عشر كوكباً عبارة عن إخوته وكانوا أحد عشر رجلاً والشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه وجاء هذا عن ابن عباس والضحاك وقتادة وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (30). ومن الأحاديث الواردة بهذا المعنى :عن ابن عباس في قوله: [إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين] قال كانت رؤيا الأنبياء وحياً ، كرؤيا إبراهيم 10 حيث جاء على لسانه قوله تعالى : قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك (الصافات: ١٠٢) ، وعن قتادة قوله تعالى : إني رأيت أحد عشر كوكبا إخوته أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يعني أبويه ، وعن السدي قال : رأى أبويه وأخوته سجوداً له (۳۱) . الهداية من الآيات: ثبوت الرؤيا شرعاً ومشروعية تعبيرها ، ما جاء عن أبي قتادة أنه قال : كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي ع يقول : (الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها وليتغل ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره) (۲۲) 1- قد تتأخر الرؤيا فلا يظهر مصداقها إلا بعد سنين عديدة ۲- مشروعية الحذر والأخذ بالحيطة في جميع الأمور وخاصة الهامة منها 3- اجتباء الرسل واصطفاءهم أمر إلهي صرف ، لا يتدخل فيه أحد فالله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته كما أن الشمس والقمر والكواكب زينة السماء الدنيا ، كذلك الأنبياء والعلماء زينة الأرض وبهم يهتدي في الظلمات كما يهتدي بالأنوار 5- الآيات دلالة على صدق نبوة محمد ع حيث قص هذه القصة وهو لم يقرأ كتب الأولين وهو أمي لا يخط ولا يكتب وهي موافقة لما في الكتب السماوية دلالة على وحدة الرسالات وأنها من لدن حكيم علیم