لخّصلي

القاعدة الرابعة: الانتسابُ إلى الصالحين لا ينتفع به صاحبهُ إلاَّ بالتوحيد، والإيمان، وهذا مُجمعٌ عليه بينَ أهل العلم( ).
فأيُّ إنسان كان قريبًا من الصالحين إما قُربَ انتسابٍ، وقرابة، أو قُربَ صحبة؛ فإن مُجرد هذه القرابة لا ينتفع بها، لا في الدنيا، ولا في الآخرة ما لم تكن مبنية على توحيدٍ، وإيمان صحيح صافيٍ، وبرهانهُ قول الله-عزّ وجلّ-: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ أي في الدين، ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [الطلاق:10]، والأدلة في هذا كثيرة.
ومنها أيضًا ابن نوح يقول الله -عزّ وجل- في شأنه أن نوحاً قال له: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾[هود:43].
إلى أن قال الله-عزَّ وجل- عن نوح: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود:45-46]؛ الآية بتمامها؛ فلم يشفع لامرأة نوح، وامرأة لوط، وابن نوح أنَّهم من أقارب الأنبياء.
وفى صحيح الإمام البخاري من حديث أبى هريرة-رضى الله عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: على الصفا حين أنزل الله -عزّ وجل- عليه قوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء:214] قال: «يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها» ( ). أو كما قال -صلى الله عليه وسلم.
وفى صحيح الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه وأرضاه - قال: «يَأْخُذُ رَجُلٌ بِيَدِ أَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، فَيُنَادَى: أَلَا إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا مُشْرِكٌ، قَالَ: فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَبِي، قَالَ: فَيُحَوَّلُ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ، وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ، فَيَتْرُكُهُ» ( ).
قال أبو سعيد: كُنَّا نحدِّث أنَّه إبراهيم، وأبوه، ولم يدلنا النبي-صلى الله عليه وسلم-على ذلك، أي والد إبراهيم آزر لم يشفع له ابنه إبراهيم أنهُ سيد الأنبياء.
فالقرابة إذا لم تُبن على توحيدٍ، وإيمان؛ فلا تنفع صاحبها يوم القيامة.
وفى صحيح الإمام مسلم من حديث أنس رضي الله عنه، أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: «في النار»، فلما قفى دعاه، فقال: «إن أبي وأباك في النار»( ).
وفى صحيح مسلم من حديث أبي هُريرة-رضى الله عنه- قال النبي-صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»( ). وفى الصحيحين من حديث أبي هريرة-رضى الله عنه- قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره، ثم قال: «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك» ( ).
إذًا القرب وحدها من الصالحين لا ينفع بلا توحيدٍ، أو إيمان.