لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (56%)

(تلخيص بواسطة الذكاء الاصطناعي)

ملخص: مفهوم القصد الجنائي وتقسيماته

المبحث الأول: مفهوم القصد الجنائي

يتناول هذا المبحث تعريف القصد الجنائي ودراسته من الجهات اللغوية والفقهية والقانونية.

تعريف القصد الجنائي:

  • لغوياً: "استقامة الطريق" و "إتيان الشيء" و "اعتزام والتوجه نحو الشيء" و "تأیید الإرادة ل أمر ما قبل أن يقع".
  • فقهياً: تنازع حول تحديد عناصر القصد الجنائي بين نظريتي العلم والإرادة.
    • نظرية العلم: علم بالوقائع المكونة للجريمة وتوقع للنتيجة ثم اتجاه الإرادة إلى ارتكاب الفعل.
    • نظرية الإرادة: إرادة الفعل المكون للجريمة و إرادة نتيجته و إرادة كل واقعة تحدد دلالة الفعل الإجرامية.
  • قانونياً: تتبع التشريعات العربية مذهبين:
    • عدم التعريف: تترك تعريف القصد الجنائي للفقه (مثل التشريعات الجزائرية والمصرية والمغربية).
    • التعريف: يحدد القانون القصد الجنائي (مثل التشريعات العراقية والسورية).

عناصر القصد الجنائي:

  • العلم: العلم بطبيعة الفعل وطبيعة النتيجة و الظروف التي تدخل في تكوين الجريمة، بما في ذلك العلم بالقانون.
  • الإرادة: تنصب إرادة الجاني على السلوك المكون للجريمة، و على النتيجة الناشئة عن السلوك ايضاً.

المبحث الثاني: تقسيمات القصد الجنائي

  • من حيث نطاق القصد:
    • القصد العام: إرادة القيام بالفعل المجرم مع العلم بأن القانون الجنائي يجرمه.
    • القصد الخاص: انصراف نية الجاني إلى تحقيق غاية معينة أو باعث خاص بالإضافة إلى توافر القصد العام (مثل نية التملك في جريمة السرقة).
  • من حيث إرادة نتيجة السلوك:
    • القصد المباشر: إرادة الجاني متجهة على نحو يقيني و أكيد غلى النتيجة المترتبة على سلوكه.
    • القصد غير المباشر (الاحتمالي): توقع الجاني للنتيجة الإجرامية كأثر ممكن لفعله ثم قبولها.

الخلاصة:

يعتبر القصد الجنائي من أهم ركني الجريمة، إذ يتطلب وجود إرادة متجهة إلى ارتكاب الفعل ونتيجته، مع العلم بجميع العناصر المكونة للجريمة، مع العلم أن القصد الجنائي يختلف من حيث نطاقه وإرادة نتيجة السلوك، مما يؤثر على طبيعة الجريمة وشدتها.


النص الأصلي

المبحث الأول"
مفهوم القصد الجنائي
القصد الجنائي او العمد هو الصورة النموذجية للإرادة الجانية، حيث يظهر في هذه
الصورة وجه التحدي من طرف الجاني لأوامر المشرع ونواهيه ، والجريمة في
أصلها تمثل خروجاً عن القواعد التي وضعها المشرع، ولهذا كان العمد هو في
الجرائم ليعتبر الخطأ بذلك استثنا ًء .()1
وللوصول الى تحديد مفهوم للقصد الجنائي سيتم تناول المطلب الأول بالدراسة من
خلال التطرق إلى مختلف التعريفات التي عنيت بالقصد الجنائي ، فيما يتم تناول
عناصر القصد الجنائي في المطلب الثاني.
"المطلب الأول"
تعريف القصد الجنائي
لتعريف القصد الجنائي يجدر بنا أ نتعرض له من الناحية اللغوية والفقهية
والقانونية، وللحصول على تعريف لغوي للقصد الجنائي لابد من تعريف كلمة قصد
ثم كلمة جناية ، وبخصوص التعريف الفقهي للقصد الجنائي فنتطرق إلى أراء فقهاء
القانون الجنائي التي انحصرت في نظريتين أساسيتين هما نظريتا العلم والإرادة
(الفرع الأول) ليتم بعد ذلك تبيان موقف المشرع العراقي ومختلف التشريعات
العربية من تعريف القصد الجنائي(الفرع الثاني).()2
الفرع الأول :- التعريف اللغوي والفقهي للقصد الجنائي
نتطرق في هذا الفرع الى التعريف اللغوي للقصد الجنائي (أولاً) ثم التعريف الفقهي
(ثانياً) .
أولاً:- التعريف اللغوي للقصد الجنائي
يعرف القصد في اللغة بأنه استقامة الطريق، قصد يقصد قصداً فهو قاصد، والقصد
إتيان الشيء ، وأصل القصد في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنهوض نحو
الشيء ، و أقصد السهم أي أصاب فقتل مكانه ( ،)3والقصد تأييد الإرادة لأمر ما
قبل أن يقع.()4
يتكون القصد الجنائي في اللغة من مصطلح قصد وجناية ، فيعرف القصد في لسان
العرب ويقال نصب فلان لفلان نصباً إذا قصد له وعاداه وتجرد له ويقال قصد أي
تعمده تعمداً، أما كلمة جناية فقد جاء في كتاب المحيط في اللغة بمعنى جنى الرجل
وتجنى ذنباً وهذا ما يعني ان كلمة جناية تعني اختراق الذنب والجريمة.()5
ثانياً:- التعريف الفقهي للقصد الجنائي
لقد ثار الخلاف حول تحديد عناصر القصد الجنائي وقد تنازعت هذا الموضوع
نظريتان:-
الأولى :- نظرية العلم
ويذهب انصارها الى ان القصد الجنائي هو علم بالوقائع المكونة للجريمة وتوقع
للنتيجة ثم اتجاه الإرادة الى ارتكاب الفعل . وبذلك لا تعتبر إرادة النتيجة وغيرها
من الوقائع المكونة للجريمة عنصراً من عناصر القصد الجنائي.
ذلك أن الإرادة لا سيطرة لها على احداث النتيجة إنما تقتصر سيطرتها على الفعل.
حيث ان حدوث النتيجة ثمرة لقوانين طبيعة حتمية لا سيطرة لإرادة الانسان
عليها.()6
ثانياً:- أما النظرية الثانية فهي نظرية –الإرادة
ويذهب القائلون بها الى ان القصد الجنائي هو إرادة الفعل المكون للجريمة و إرادة
نتيجته التي تمثل فيها الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون و إرادة كل واقعة
تحدد دلالة الفعل الاجرامية و تعد جزءاً من ماديات الجريمة. أي ان انصار هذه
النظرية يضيفون الى ما ذهبت اله نظرية العلم إرادة النتيجة الاجرامية و إرادة كل
الوقائع التي تحدد للفعل دلالته الاجرامية.
ذلك ان العلم وحده حالة نفسية مجردة من أي صفة اجرامية . اذ ان القصد الجنائي
وضع مخالف للقانون ونشاط نفسي يصفه المشرع بالأجرام . و بذلك فلا يمكن ان
يقوم على مجرد العلم بل لا بد من اتجاه ضد القانون ومن نشاط نفسي يرمي الى
نهاية غير مشروعة . وهذا النشاط هو الإرادة.()7
وقد ذهب الفقه في تعريف القصد الجنائي مذاهب شتى وذلك حسب ترجيحه لنظرية
العلم او لنظرية الإرادة. فقد عرف القصد الجنائي استناداً الى نظرية العلم بأنه (علم
الجاني بالواقعة الاجرامية حال مباشرته لنشاطه المادي المحدث لها)، كما عرف
بأنه (معرفة الفاعل انه يرتكب فعلاً ممنوعاً).()8
وقد عرف القصد الجنائي استناداً الى نظرية الإرادة ، بأنه (توجيه إرادة الجاني الى
ارتكاب الجريمة بالشروط التي يتطلبها القانون)،() 9كما عرف بأنه (اتجاه الإرادة
لفعل او الترك المعاقب عليه).()10
وقيل انه (علم بعناصر الجريمة وارادة متجهة الى تحقيق هذه العناصر او الى
قبولها). وهو علم مرتكب الفعل المكون للجريمة بتوافر عناصرها واتجاه ارادته الى
ارتكاب الفعل والى احداث النتيجة التي يعاقب القانون عليها في هذه الجريمة.()11
ويذهب الفقه الفرنسي الى تعريف القصد الجنائي بانه ارادة ارتكاب عمل غير
مشروع. اي انه ارادة متجهة نحو تحقيق الجريمة او هو تعمد ارتكاب الجريمة كما
حددها القانون .()12
الفرع الثاني:- التعريف القانوني للقصد الجنائي
ذهبت التشريعات الجنائية العربية في صدد تعريف القصد الجنائي مذهبي، ذهب
الاتجاه الأول من التشريعات العربية الى ترك كل ما يتعلق بتعريف القصد الجنائي،
في حين ذهبت تشريعات عربية اخرى إلى إيراد تعريف للقصد الجنائي في صلب
قوانينها الجناية ، و عليه سنتطرق إلى عدم تعريف القصد الجنائي في بعض
التشريعات العربية (أولاً) ، ثم تعريف القصد الجنائي في بعض التشريعات العربية
(ثانياً).
أولاً :- عدم تعريف القصد الجنائي في بعض التشريعات العربية
هناك بعض التشريعات التي لم تتناول في نصوصها تعريف القصد الجرمي تاركة
ذلك للفقه، وقد تردد الفقه في تعريف القصد الجرمي بين نظرية العلم و نظرية
الإرادة، إذ يعرف بعضهم القصد الجرمي بأنه :- علم بعناصر الجريمة و إرادة
متجهة إلى تحقيق هذه العناصر أو إلى قبولها ، أما لعضهم الأخر فيعرفه بأنه :-
أتجاه الإرادة إلى السلوك ونتيجته مع العلم بكل العناصر التي يشترط القانون لوجود
الجريمة.()14
المشرع الجزائري لم يعرف القصد الجنائي ، واكتفي بالنص في الجرائم على العمد
فقط مثل القتل العمدي في نص المادة 254من قانون العقوبات " القتل هو إزهاق
روح إنسان عمداً" ومثل الضرب والجرح المنصوص عليه بالمادة " 264كل من
أحدث عمداً جروحاً للغير أو ضربه......" .
أما الفقه قد أجتهد في تعريف القصد الجنائي بالقول أنه " العلم المقترن بإرادة
النشاط المادي المكون للجريمة" . والمقصود بالعلم هنا هو العلم الحقيقي لذي لا
يقوم مقامه مجرد الشك أو تصور الوقائع أو النتائج . كما يعرف بأنه ، "العلم
بعناصر الجريمة وإرادة ارتكابها".()15
ويعتبر أول من اعتنق هذا الاتجاه المتمثل في عدم تعريف القصد الجنائي هو
المشرع الفرنسي ، ليسايره المشرع الجزائري في ذلك، وهو نفس المسلك الذي
اتخذته بعض التشريعات العربية في صورة المشرع الجنائي المصري والمغربي
والتونسي الذين لم يضعوا تعريفاً للقصد الجنائي كما أنهم لم يفردوا نصوصاً تنظم
أحكامه وتضبط قواعده.()16
كذلك لم يعرف المشرع المصري القصد ولكنه أشار إلي ضرورته في العديد من
الجرائم فنص (من قتل نفساً عمداً) ، (من وضع عمداً ناراً في مباني) إلى غير ذلك
وهي نصوص تعبر عن قصد المشرع من ان القصد الجنائي هو إرادة السلوك
الإجرامي و إرادة النتيجة الضارة المترتبة عليه.()17
ثانياً:- تعريف القصد الجنائي في بعض التشريعات العربية
عرف الشارع القصد الجرمي في المادة 188من قانون العقوبات التي نصت على
ان "النية إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون" ويراد في لفظ "النية" في
اصطلاح الشارع تعبير "القصد الجرمي" وقد أردف الشارع بهذا التعريف ذكر
صورة ثانية للقصد ضمنها المادة 189من قانون العقوبات التي نصت على ان "نعد
الجريمة مقصودة وان تجاوزت النية الجرمية الناشئة عن الفعل او عدم الفعل قصد
الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة". وهذا النص يضفي على فكرة
القصد مزيداً من الوضوح، اذ يرسم لها نطاقها الحقيقي ويؤكدها في مجال قد يثور
الشك حول توافرها فيه.()18
وتتضمن المادة 188التعريف العام للقصد الذي يصدق على صوره المتنوعة، وهو
يصدق في المقام الأول على "القصد المباشر" الذي يعتبر صورته الواضحة التي لا
يثور فيها شك حول توافر عناصر القصد ومقوماته. أما المادة 189فتحدد عناصر
فكرة "القصد الاحتمالي".()19
ويبدو من تعريف المادة 188للقصد ان جوهره "الإرادة" وقد يتبادر من ذلك ان
الإرادة عنصره الوحيد، و لكن التحليل الدقيق لفكرة القصد يثبت أن الإرادة لا
تتوافر عقلاً، و لا يتاح لها أداء دورها في بنيان القصد، ما لم تكن مستندة إلى
"العلم" ومن ثم ساغ القول بأن القصد " علم وإرادة" وساغ اعتباره قائماً على هذين
العنصرين. وعلى أساس من هذا التحليل لعناصر القصد نضع له التعريف التالي :-
القصد علم بعناصر الجريمة و إرادة متجهة الى تحقيق هذه العناصر او إلى قبولها
ويتسع هذا التعريف لنوعي القصد : فاتجاه الإرادة مباشرة الى تحقيق عناصر
الجريمة يقوم به "القصد المباشر" أما اتجاهها الى قبول هذه العناصر فيقوم به
"القصد الاحتمالي".()20
وقد عرف المشرع العراقي القصد الجنائي في المادة ( )33من قانون العقوبات "
القصد الجرمي هو توجيه الفاعل إرادته إلى ارتكاب العمل المكون للجريمة هادفاً
إلى نتيجته الجرمية التي وقعت أو أي نتيجة جرمية أخرى".()21
وعرف قانون العقوبات الليبي القصد الجنائي بوجه عام في المادة ( )36منه والتي
نصت على " ترتكب الجناية او الجنحة عن قصد عمدي أذا كان مقترفها يتوقع ويريد ان يترتب على فعله أو امتناعه حدوث الضرر أو وقوع الخطر الذي حدث
والذي يعلق عليه القانون وجود الجريمة".()22
ومن التشريعات العربية التي فضلت أيضاً إعطاء تعريف للقصد الجنائي في صلب
قوانينها العقابية نجد القانون الجزائي الكويتي في المادة ( )41منه( ،)23وقانون
الجرائم والعقوبات اليمني في المادة ( )59منه.()24
وعرفها المشرع الأردني في المادة ( )63من قانون العقوبات التي تنص علن ان:-
"النية هي إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون". و كذا عرفها المشرع
السوري في المادة ( )187من قانون العقوبات هي "إرادة ارتكاب الجريمة على ما
عرفها القانون".()25
وقد وردت تعريفات متنوعة على القصد الجنائي:-
_القصد الجنائي:- هو علم الجاني بأنه يقوم بارتكاب الفعل الموصوف جريمة في
القانون، وعلمه أنه بذلك يخالف أوامره ونواهيه.
القصد الجنائي:- هو إرادة النتيجة وشرطه ان تكون لدى الجاني نية الإيذاء ، فإذا
جة
كان الإيذاء لازماً كما في الضرب فلا حا للبحث عن النية.
القصد الجنائي:- هو توجيه الفعل والامتناع إلى أحداث النتيجة الصادرة التي
تتكون منها الجريمة.
القصد الجنائي:- هو إرادة الخروج بعمل أو امتناع، أو هو إرادة الأضرار
بمصلحة يحميها القانون الذي يفترض العلم به عند الفاعل.
القصد الجنائي:- هو إرادة ارتكاب الجريمة كما حددها القانون و هو علم الجاني
ايضاً بمخالفة نواهي القانون التي يفترض دائماً العلم بها.()26
"المطلب الثاني"
عناصر القصد الجنائي
بعد أن عرفنا القصد الجنائي من خلال التعريف اللغوي والاختلاف الفقهي في
تعريفه من منظور نظريتي العلم والإرادة، فأن الرأي الراجح هو أن القصد الجنائي
إحداث النتيجة الجرمية الصادرة الناشئة عنها فالعلم و الإرادة هما العنصران اللذان
ينبغي توافرهما في القصد، فمنطق التوفيق بين نظريتي العلم والإرادة يؤدي بنا إلى
القول بأن العمد في الجريمة يقوم على عنصري العلم والإرادة ، فاذا انتفى أحدهما
أو كلاهما يتخلف القصد، بمعنى إنه لقيام القصد الجنائي لا يمكن الاستغناء عن العلم
(الفرع الأول) و لا عن الإرادة (الفرع الثاني).()27
الفرع الأول:- العلم
هو احد عنصري القصد الجنائي. وأحاطته بالواقعة شرط لتصور أتجاه الإرادة
نحوها. أي انه لا يمكن ان يوجه الفاعل إرادته إلى واقعة أو سلوك ما لم يكن قد
أحاط علمه بها. ولتحقق العلم كشرط لقيام القصد الجنائي لا بد من إحاطته بجميع
العناصر الأساسية اللازمة لقيام الجريمة.()28
-1فالجاني يجب أن يكون عالماً بطبيعة الفعل
فمن يضع سماً في طعام إنسان ليقتله، يجب أن يكون عالماً بأن المادة التي
يضعها في الطعام سم قاتل موجه إلى إنسان حي. أما إذا كان الفاعل يعتقد
بأن المادة التي يضعها فب طعام المجني عليه هي الملح أو السكر أو النشاء
أو غيرها من المواد العادية التي لا ضرر منها. فلا يعد القصد الاجرامي
متوافراً لديه وإن جاز افتراضه في حالة الخطأ وإذا اعتقد الفاعل بأنه يوجه
فعله إلى إنسان ميت، فلا يتوافر لديه القصد الاجرامي.()29
-2و يجب أن يكون الجاني عالماً بطبيعة النتيجة
التي ستترتب على فعله و متوقعاً حدوثها. فمن يغمد السكين في صدر إنسان
مجهضاً للمرأة الحامل، يجب أن يكون عالماً بأن تناولها للدواء سيؤدي إلى
إجهاضها.
ويقصد بالنتيجة هنا، النتيجة التي يحددها القانون. أما النتائج الأخرى فلا
يشترط ان يكون الجاني عالماً بها. و مثال النتيجة الجرمية التي يحددها
القانون للقتل، هو موت إنسان حي. و مثال النتائج الأخرى (غير المباشرة)
التي يمكن أن تلحق بالقتل هو: وفاة زوجة المجني عليه غماً أو ضياع صفقة كان المجني عليه يريد عقدها. فهذه النتائج الأخيرة لا يحددها القانون لجريمة
القتل و بالتالي لا يتوجب على الجاني العلم بها.()30
-3بالظروف التي تدخل في تكوين
يجب أن يكون اجاني عالماً
الجريمة
كظروف المكان، وظروف الزمان، و صفة الفعل، و صفة الفاعل، وصفة
المجني عليه. فلا يسأل مثلاً عن جريمة الزنا إذا كان يجهل بأنه يرتكب فعله
في بيت الزوجية(ظرف مكان) (م 474ق.ع)، ولا يتوافر القصد الاجرامي
لدى السوري في جريمة الخيانة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة
263من قانون العقوبات إلا إذا كان عالماً بأنه يرتكب افعاله العدوانية ضد
سورية (زمن الحرب)،(ظرف زمان)، و لا يعاقب وفق أحكام المادة 506
من قانون العقوبات من يعرض على فتاة عملاً منافياً للحياء إذا كان يجهل
صفة الفعل الذي يعرضه في مثل بيئته أو عرفه أو تقاليده (ظرف صفة
الفعل). و لا يرتكب الشخص جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة
341من قانون العقوبات إذا كان يجهل بأن الشخص الذي يعرض عليه
المنفعة من الأشخاص الذين نصت عليهم هذه المادة (ظرف صفة الفاعل). و
لا يسأل الفاعل عن الضرب وفق أحكام المادة 371من قانون العقوبات إذا
كان يجهل بأن الشخص الذي يعتدي عله بالضرب موظف (ظرف صفة
المجني عليه).()31
العلم بالقانون
لا بد من حيث المبدأ ليكون عنصر العلم موجوداً في القصد الإجرامي، أن
يكون الجاني على علم بعدم مشروعية الفعل الذي يقوم بارتكابه، أي بمعنى
أخر أن يكون الجاني عالماً بان الفعل الذي يقترفه يشكل جريمة يعاقب عليها
القانون.()32
ولكن قانون العقوبات السوري تبنى قاعدة " لا جهل بالقانون" وافترض العلم
بجميع أحكام القانون الجزائي. و هذا الافتراض غير قابل لأثبات العكس،
كما لا يشترط إثباته. و أساس قاعدة لا جهل بالقانون هو استقرار التعامل
القانوني، و كفالة تطبيق القانون.()33
الوقائع التي لا تدخل في تكوين عنصر العلم لاحظنا أن عنصر العلم لا يتكون إلا إذا كان الفاعل عالماً بطبيعة الفعل، و
طبيعة النتيجة، والظروف التي تدخل في تكوين الجريمة. و لكن بالمقابل
توجد وقائع لا يتطلب القانون العلم بها لتكوين عنصر العلم، أي يسأل الفاعل
عنها سواء علم بها ام جهلها وهذه الوقائع هي التالية:-
-1شروط الأهلية الجزائية، أي شروط الفعل أو الأدراك أو الوعي، كسن
الرشد والصحة العقلية.
-2شروط العقاب، أي الشروط التي يتوجب توافرها لغرض العقاب، و لا
تدخل في التكوين القانوني للجريمة.
-3الشروط المشددة التي لا تغير من وصف الجريمة، أي الظروف التي
تشدد العقاب فقط ولا تمتد إلى أركان الجريمة فتغير من وصفها،
كالتكرار والليل والسرقة.
-4الوقائع التي تؤدي الى زيادة جسامة النتيجة الجرمية، و تشكل ظرفاً
مشدداً للعقوبة أي بلوغ النتيجة درجة أشد جسامة مما كان الجاني
يتوقعه، كالضرب الذي يفضي إلى الموت أو إلى إحداث عاهة دائمة، في
الوقت الذي لا يكون فيه الجاني عالماً أو متوقعاً للنتيجة الجسيمة التي
انتهى إليها فعله.()34
التكييف الذي لا يتطلب القانون العلم به:-
إن الصورة الوحيدة للتكييف الذي لا يتطلب القانون العلم به هو التكييف الجرمي
للفعل، و العلم بهذا التكييف مرتهن بالعلم بنص التجريم الذي يسبغه عليه. وقد قدمنا
أنه وفقاً لافتراض العلم بالقانون يستوي العلم بهذا النص والجهل به. مما يرتبط به
كذلك استواء العلم بالتكييف المستخلص منه والجهل به.()35
الفرع الثاني:- الإرادة
يجب أن تنصب إرادة الجاني على السلوك المكون للجريمة. أي أن الجاني كان يريد
السلوك الذي اقترفه عندما قارفه. وتطبيقاً لذلك ينبغي إثبات إرادة اطلاق الرصاص
أو الطعن بسكين أو التسميم بمواد سامة أو الضغط على الصدر أو الخنق في جرائم
القتل، أو إرادة أخذ مال الغير في جرائم السرقات وجلي ان الجاني يجب أن يرتكب
فعله لا بصورة إرادية فقط إنما بحرية و اختيار ايضاً. مما يترتب عليه أنه إذا تبين
من الوقائع أن الفاعل لم يقترف الفعل المسند إليه عن إرادة حرة مختارة وإنما عن
إكراه أو بسبب قوة قاهرة أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي أو غيبوبة فلا يتوافر
القصد الجنائي لعدم توافر إرادة السلوك الإجرامي لدى الجاني كما لو مات الرضيع
بسبب حركة أمه وهي نائمة إلى جانبه او وقع شخص من شاهق على آخر بسبب
ريح عاتية جرفته فقتله أو أن يصوب شخص بندقية على آخر مهدداً أن يختلس مال
الغير أو يحرقه أو يتلفه.()36
ومع ذلك فإرادة السلوك لوحده غير كافية لتحقيق القصد الجنائي بل يجب فوق ذلك
أن تنصب إرادة الجاني على النتيجة الناشئة عن السلوك ايضاً. أي إرادة المساس
بالحق الذي يحميه القانون وهو الحق بسلامة المجني عليه أو بملكيته لماله.
مثال ذلك لو جرح زيد بفعل عمرو فأن فعل عمرو هذا لا يكون جريمة عمدية مالم
تنصب إرادته على إيقاع تلك النتيجة فإذا لم تنصرف إرادة عمرو إلى إحداث ذلك
في زيد فلا يمكن مساءلته عن جريمة عمدية بالرغم من صدور السلوك المادي منه
عن تمييز و اختيار. وقد يصح أن يسأل عن جريمة غير عمدية إذا أمكن إسناد خطأ
غير عمدي (إهمال أو تقصير) إليه.()37
فإذا ما توافر القصد فإن الإرادة لا تنصرف إلى تحقيق السلوك المجرم فقط و إنما
تتجه كذلك نجو تحقيق النتائج التي تنشأ عن هذا السلوك. ويكفي في ذلك أن يريد
الجاني هذه النتائج ولا يهم بعد ذلك ان يعرف ما إذا كان لسلوكه صفة إجرامية أم
لا، حيث أن الجهل بالقانون ليس بعذر.()38
ويجب عدم الخلط بين القصد و الإرادة . فحيث أن الإرادة تعني تعمد الفعل . فإن
القصد يعني تعمد الفعل والنتيجة المترتبة عليه.()39
"المبحث الثاني"
تقسيمات القصد الجنائي
بعد ان تطرقنا إلى مفهوم القصد الجنائي من خلال بيان تعريفه والعناصر التي
يتكون منها والتي تتمثل في العلم و الإرادة، نتطرق إلى تقسيمات القصد الجرمي، هذا الأخير يشترط المشرع الجنائي توافره بصورة صريحة أو ضمنية دون أن
يحدد صوره المختلفة تاركاً هذه المهمة لفقهاء القانون الجنائي الذين تولوا هذه
المسألة لتحديد القصد الجنائي، حيث يتخذ عدة صور تختلف كل واحدة منها عن
الأخرى فقد يقسم القصد الجنائي من حيث نطاق القصد فيكون إما عاماً او خاصاً
(المطلب الأول) ، كما أنه قد يقسم من حيث إرادة نتيجة السلوك فيكون مباشراً او
غير مباشر(المطلب الثاني).()40
"المطلب الأول"
من حيث نطاق القصد الجنائي
يبين هذا التقسيم مدى اعتداد المشرع بالغاية التي يرمي الجاني إلى تحقيقها
بالجريمة، فيتخذ القصد الجنائي من حيث نطاق القصد إلى قصد عام وقصد خاص.
حيث يتمثل القصد الجنائي العام:- بأنه القصد العادي الذي يتعين توافره في كافة
الجرائم ويكتفي به القانون في أغلب الجرائم(الفرع الأول)، ويراد بالقصد الجنائي
الخاص بأنه:- انصراف نية الجاني إلى تحقيق غاية معينة أو باعث خاص بالإضافة
إلى توافر القصد العام، كاشتراط نية التملك لقيام جريمة السرقة بالإضافة إلى القصد
العام فيها.()41
الفرع الأول:- القصد الجنائي العام
اقصد الجنائي العام هو الذي يتمثل في الإرادة المتجهة إلى القيام بالفعل المجرم مع
العلم بأن القانون الجنائي يجرمه.( (42وهو القصد العادي الذي يتعين توافره في كافة
الجرائم العمدية ويكتفي القانون به في أغلب الجرائم وهو كما بينا إرادة السلوك
الإجرامي ونتيجته والعلم بهما ومن أمثلة الجرائم التي يكتفي فيها بالقصد الجنائي
العام جرائم الضرب والقتل والجرح وهتك العرض(.)43
يقوم القصد العام على العلم والإرادة المنصرفين إلى أركان الجريمة. ولكن القصد
الخاص لا يكتفي بذلك وإنما يتطلب عنصراً يضاف إليهما، وتوضيح فكرة القصد
الخاص رهن ببيان هذا العنصر، ولا قيام للقصد الخاص بغير قصد عام فالجريمة
التي يتطلب فيها القانون قصداً خاصاً يتطلب فيها أولاً قصداً عاماً ثم يضيف إليه القصد الخاص، ومن ثم كان البحث في توافر القصد الخاص مفترضاً ثبوت توافر
القصد العام.()44
يذهب أغلب الشراح إلى أن المشرع يقصد بعبارة (سوء النية) الاكتفاء بالقصد العام
والذي يتمثل بعلم الساحب عند إعطاء الصك بعدم وجود مقابل لوفائه لدى المسحوب
عليه، او كان يعلم بأن المقابل أقل من المبلغ الذي حرر فيه الصك. إذ يكفي العلم
بعناصر الجريمة دون البحث عن قيمة الأضرار التي قد يقصدها الساحب، لأن
الضرر يكون مندمجاً بالفعل المادي لهذه الجريمة ومتصلاً به، بحيث يتعذر تصور
وقوع هذا الفعل دون تحقق الضرر المباشر الذي يحضره القانون و يعاقب عليه
فيها، كما إنه لا محل للقول بتطلب نية التملك أو الأثراء أو أي نية أخرى من هذا
القبيل لأن هذه الجريمة لا تقع على مال الغير بل هي في الواقع جريمة ملتزم بالدفع
يريد التخلص من التزامه عن طريق العبث بأداة الوفاء لا أكثر، فهي أشبه من حيث
القصد المطلوب باستعمال سند مخالصة مزور، وهي لا تتطلب شيئاً أكثر من العلم
بتزوير هذا السند.()45
كما أن تطلب نية الأضرار تفقد الصك في النهاية ما حرص القانون على توفيره له
من ضمانات حتى يؤدي الغرض منه باعتباره أداة للوفاء يقوم مقام النقود. كما أن
اشتراط نية الأضرار يؤدي إلى افلات الكثيرين من دائرة العقاب في حالة عدم
أمكانية اثبات القصد الخاص وهو نية الأضرار بالمستفيد او الحامل. إضافة إلى أنه
في الكثير من الحالات يستحيل إثبات انصراف نية الساحب إلى الأضرار بالمستفيد،
وبذلك فأن القصد المتطلب في جميع صور انعدام الرصيد هو القصد العام، وهذا
الرأي هو المفضل لدينا لأنه يتطابق مع الهدف الذي يسعى إليه المشرع بفرض
العقوبة على فعل إعطاء صك بدون رصيد.()46
كما أن المشرع الجزائري لا يعتد بالباعث أو الغاية أو الدافع إلى ارتكاب الجريمة،
فحتى ولوكان الباعث على ارتكاب الجريمة نبيلاً او شريفاً فأن القانون لا يأخذ به.
سة
رغم إنه قد يشكل عذراً مخففاً، مثل الزوج الذي يقتل زوجته لحظة اكتشافها متلب
بجريمة الزنا وهذا وارد بنص المادة 279من قانون العقوبات.()47
الفرع الثاني:- القصد الجنائي الخاص
القصد الخاص:- هو انصراف نية الجاني إلى تحقيق غاية معينة أو باعث خاص
بالإضافة إلى توافر القصد العام. كاشتراط نية التملك لقيام جريمة السرقة بالإضافة
إلى القصد العام فيها وهو العمد.()48
فهو قصد إضافي أو شرط تجريم في بعض الجرائم التي لا يكفي فيها وجود العلم و
الإرادة بمفهومهما العام، و إنما يجب فوق ذلك ان يكونا متجهين إلى النتيجة
الجرمية التي تشكل الغرض البعيد لكل جريمة من هذه الجرائم، فجريمة القتل لا
يكفي فيها قصد الضرب أو الجرح، بل يجب ان يتوافر معه قصد أخر هو قصد
إزهاق روح إنسان حي.()49
ان فكرة القصد الخاص يحيط بها الغموض. و أوضح تحديد لها في الفقه هو القول
بأن القصد الخاص" نية انصرفت إلى غاية معينة، أو هو نية دفعها إلى الفعل باعث
خاص" وهذا التحديد غير كا ًف، إذ لم يضع ضابطاً يحدد الغاية المعينة أو (الباعث
الخاص) الذي يقوم القصد الخاص بانصراف النية إلى أحدهما، وبيان هذا الضابط
ضروري لكي تحدد فكرة القصد الخاص لتحديد الصحيح.()50
وعندنا أن القصد الخاص يقوم على العلم والإرادة شأنه في ذلك شأن القصد العام،
ولكنه يمتاز بأنه العلم و الإرادة لا يقتصران على أركان الجريمة وعناصرها، وإنما
يمتدان
بالإضافة إلى ذلك
إلى وقائع ليست في ذاتها من أركان الجريمة،
ولتوضيح ذلك نقرر إنه إذا تطلب القانون في جريمة توافر القصد الخاص فمعنى
ذلك أنه يتطلب أولاً انصراف العلم والإرادة إلى أركان الجريمة، وبذلك يتوافر
القصد العام، ثم يتطلب بعد ذلك انصراف اعلم والإرادة إلى وقائع لا تعد طبقاً
للقانون من اركان الجريمة، وبهذا الاتجاه الخاص للعلم والإرادة يقوم القصد
الخاص. وعلى هذا النحو، يتضح ان الفرق بين القصد العام والقصد الخاص ليس
اختلافاً في طبيعتهما، فهما علم، وإرادة، وإنما يرجع إلى الموضوع الذي يتعلق به
العلم والإرادة. فهو أوسع نطاقاً في القصد الخاص منه في القصد العام. فجريمة
التزوير يتطلب فيها القانون" نية استعمال الصك المزور فيما زور من أجله". وبهذه
النية يقوم القصد الخاص، فالنية إرادة وهي ككل إرادة تستند إلى اساس من العلم.
فإذا تطلب القانون انصراف العلم والإرادة إلى واقعة "استعمال الصك المزور"
فمعنى ذلك أنه يتطلب قصداً خاصاً لأن هذه الواقعة في ذاتها ليست من أركان التزوير، إذ يستكمل مادياته بمجرد تغيير الحقيقة ولو لم يستعمل الصك على
الأطلاق.()51
والدور القانوني للقصد الخاص أنه في الجرائم التي يتطلبه القانون فيها يعتبر
عنصراً في ركنها المعنوي بحيث لا تقوم مالم يتوافر لها هذا القصد. فلا قيام لتزوير
أو سرقة أو احتيال مالم يتوافر القصد الخاص المتطلب فيها.()52
إن المشرع العراقي في بعض الجرائم يعتبر الغاية عنصراً في القصد الجنائي حيث
يرى إن خطورة الفعل تتأتى من انصراف نبة أو إرادة الجاني إلى هذه الغاية وليس
في مجرد توجيه، إرادته إلى النتيجة، وبذلك يتضح ان القصد الخاص انصراف نية
الجاني إلى تحقيق غاية معينة لكي تتحقق المسؤولية في الجريمة. مثال ذلك
المادة( )177من قانون العقوبات العراقي التي تعاقب على حصول الجاني على سر
من اسرار الدفاع عن البلاد إذا كان ذلك بقصد إتلافه لمصلحة دولة أجنبية أو إفشائه
لها. أي ان الفاعل لا يخضع لحكم هذه المادة إلا إذا توافرت لديه نية إفشاء السر
لدولة أجنبية، كذلك جريمة السرقة لا تتحقق بمجرد اختلاس المال المنقول بل لابد
من انصراف نية الجاني إلى تملك المال موضوع النتيجة.()53
ونذكر في هذا الصدد أنه رغم ما يتبادر للذهن من تقارب بين القصد الجنائي
الخاص والباعث أو الدافع إلى الجريمة فإنهما في الحقيقة يختلفان كلياً, إذ ان القصد
الخاص، في السرقة مثلاً لا يختلف من جريمة إلى أخرى أو من سارق إلى أخر
وهو مستقر في كل السرقات نظراً لكونه يتمثل دائماً في نية السارق امتلاك الشيء
المسروق، بينما الباعث يكون مختلفاً في كل جريمة سرقة باختلاف مرتكبها
وظروفها ولهذا فهو لا يأخذ بعين الاعتبار إلا لتخفيف على الجاني من العقاب إذ
اعتبره القاضي ظرف نخيف للعقوبة.()54
"المطلب الثاني"
من حيث إرادة نتيجة السلوك
ينقسم القصد الجنائي من حيث إرادة نتيجة السلوك المجرم إلى القصد المباشر،
والقصد غير المباشر أو الاحتمالي، فيكون القصد مباشراً إذا كانت إرادة الجاني متجهة على نحو يقيني و أكيد غلى النتيجة المترتبة على سلوكه (الفرع الأول) اما
القصد الاحتمالي فهو توقع الجاني للنتيجة الإجرامية كأثر ممكن لفعله ثم قبولها
(الفرع الثاني).
الفرع الأول:- القصد الجنائي المباشر
يكون القصد مباشراً إذا اتجهت إرادة الجاني على نحو يقيني و أكيد إلى الاعتداء
على الحق الذي يحميه القانون. إذن هو إرادة اتجهت مباشرة إلى مخالفة القانون.
ولا يتاح للإرادة هذا الاتجاه إلا إذا استندت إلى علم يقيني ثابت بتوافر جميع
عناصر الجريمة. اما إذا كان العلم بأركان الجريمة فيه شك أي أن الجاني لم يكن
يجة
متأكداً من قيام تلك الأركان فلا يعتبر القصد مباشراً. وأهم العناصر هو النت
الإجرامية فعندما يتوقع الجاني النتيجة الإجرامية كأثر حتمي لازم لفعله أي انها
سوف تتحقق لا محالة فأن القصد الجنائي يكون مباشراً. اما اذا توقعها كأثر ممكن
فلا قيام للقصد المباشر.()55
فالقصد المباشر إذاً يتحقق عندما يوجه الجاني إرادته بصورة حاسمة نحو إحداث
النتيجة الاجرامية التي توقعها على إنها أثر حتمي ولازم لفعله مثال ذلك قيام الجاني
بأطلاق الرصاص على المجني عليه بقصد قتله فيصيبه ويزهق روحه.()56
وتحديد مجال القصد المباشر يقتضي وضع معيار للتميز بين حالات توقع النتيجة
كأثر لازم وحالات توقعها كأثر ممكن. هذا المعيار شخصي بحت قوامه البحث فيما
دار في ذهن المدعي عليه حينما اقترف الفعل المكون للجريمة:-هل ورد إلى تفكيره
احتمال واحد ام تعددت الاحتمالات التي دارت في ذهنه؟ فإن لم يرد إلى تفكيره غير
احتمال تحقق الاعتداء كأثر لازم لفعله ولم يفكر على الأطلاق في أن هذا الاعتداء
قد لا يحدث، كان معنى ذلك أنه يتوقع الاعتداء على هذا النحو اعتبر القصد المباشر
متوفراً لديه.()57
أما إذا وردت إلى تفكيره احتمالات متعددة. فقدر حدوث الاعتداء كأثر لفعله وقدر
في الوقت نفسه أن هذا الاعتداء قد لا يحدث كان معنى ذلك انه يتوقع الاعتداء كأثر
ممكن، فإذا وجه إرادته إلى ارتكاب الفعل لم يكن القصد المباشر متوافراً لديه.
وبذلك يتضح انه لا تعنينا التفرقة بين اللزوم والإمكان في ذاتيهما. و إنما تهمنا
التفرقة بين توقع اللزوم وتوقع الإمكان ويعني ذلك اننا نبحث الأمور من وجهة نظر
المدعي عليه لنحدد نوع توقعه.()59
أنواع القصد المباشر
القصد المباشر نوعان:- قصد مباشر من الدرجة الأولى وقصد مباشر من الدرجة
الثانية.
فالقصد المباشر من الدرجة الأولى يفترض أن الاعتداء كان للغرض الذي يستهدف
المجرم تحقيقه بارتكاب الفعل. فهو قد ارتكب الفعل من أجل تحقيق الاعتداء، و
يعني ذلك أن الاعتداء واقعة مرغوب فيها، مثال ذلك من يطلق النار على عدوه في
مقتل ويكون غرضه من ذلك إزهاق روحه.()60
أما القصد المباشر من الدرجة الثانية، فيفترض أن الاعتداء يرتبط على نحو لازم
بالغرض الذي استهدف المجرم تحقيقه بارتكاب الفعل. و توضيح ذلك أن المجرم
حينما يقترف الفعل فهو يسعى به إلى تحقيق واقعة معينة، ويتمثل في هذه الواقعة
غرضه، وقصده بالنسبة لها قصد مباشر، ولكن هذه الواقعة ترتبط بها وقائع أخرى،
ويعد القصد الجرمي بالنسبة لهذه الأخيرة قصداّ مباشراً من الدرجة الثانية:- فإذا
أراد مالك سفينة أن يغرقها ليحصل على مبلغ التأمين عليها، فوضع فيها قبيل أن
تغادر الميناء قنبلة زمنية تنفجر إذا اصبحت في عرض البحر ثم حدث الانفجار كما
توقعه، وترتب عليه غرق السفينة وهلاك بحارتها والمسافرين عليها. فأن القصد
بالنسبة لإغراق السفينة والحصول على مبلغ التأمين عليها هو قصد مباشر من
الدرجة الأولى، ولكن القصد بالنسبة لهلاك بحارة السفينة والمسافرين عليها هو
قصد مباشر من الدرجة الثانية. و نلاحظ أنه لا تعنينا عند القول بتوافر ه1ا النوع
من القصد المباشر كون الواقعة مرغوباً فيها أم مرغوباً عنها، إذ يكفينا التحقق من
ارتباطها اللازم بالنتيجة المرغوب فيها.()61
و غني عن البيان أنه لا فرق
من حيث النتيجة القانونية
بين نوعي القصد
المباشر، فالمسؤولية القصدية تقوم فيهما او تبرير هذه المساواة أن اتجاه الإرادة إلى واقعة هو بالضرورة اتجاه إلى كل ما يعلم المجرم انه مرتبط به على نحو لازم(62
)
الفرع الثاني؛- القصد الجنائي غير المباشر(الاحتمالي)
هو قصد جرمي ومن ثم لا يكفي لقيامه أن يكون الجاني حين قيامه بالفعل قد توقع
النتيجة الإجرامية. بل يتعين أن يتوفر لديه قدر أخر من النشاط النفسي يبذله نحو
النتيجة. فمن يقود مركبته بسرعة في طريق يزدحم بالمارة قد يتوقع أن يؤدي فعله
إلى دهس أحد المارة لكن هذا التوقع لا يعد كافياً لقيام القصد الجرمي وبالتالي
فالفاعل لا يرتكب جريمة عمدية بل يرتكب جريمة غير عمدية.()63
لقد وردت فكرة القصد الاحتمالي واضحة في الفقرة(ب) من المادة 34حيث تقول
"تكون الجريمة عمدية إ1ا توقع الفاعل نتائج إجرامية لفعله فأقدم عليه قابلاً
المخاطرة بحدوثها". هذا النص يشير إلى عنصرين(العنصر الأول) هو عنصر
التوقع، بما معناه ان القصد الاحتمالي يقتضي توقعاً فعلياً للنتيجة الإجرامية. مما
يترتب عليه إنه إذا ثبت إن الجاني لم يكن توقع النتيجة عند قيامه بالفعل. إنما كان
ذلك في استطاعته، ومن واجبه، فلا يتوافر لديه القصد الاحتمالي لسبب انقضاء أحد
عنصريه، فاستطاعة توقع النتيجة الإجرامية ووجوب ذلك على الجاني عنصران
يقوم عليهما الخطأ غير العمدي. و لا يكفيان لقيام الفصد الجرمي. فالصياد الذي
يطلق على صيد متوقعاً إصابة شخص كان موجوداً في المجال أملاً في أحكام
الرماية وعدم إصابته لا يقوم لديه القصد الاحتمالي إذا حدثت الإصابة باعتبار أن
إرادته لم تتجه إلى هذه النتيجة.()64
والعنصر الثاني أن تتجه إرادة الجاني إلى النتيجة وهو ما عبر عنه النص بجملة
فأقدم عليه(الفعل) قابلاً المخاطرة بحدوثها(النتيجة) فقبول المخاطرة معناه أن يستوي
لدى الفاعل حدوث النتيجة وعدم حدوثها، فإن حدثت فهو يقبلها.()65
وينبغي التنويه إلى أن القصد الاحتمالي لا يتطلب أن يسبقه قصد مباشر نحو اجداث
نتيجة أخرى يعاقب عليها القانون، ورأي أخر على خلاف هذا الرأي يقول لابد من
قصد مباشر يرتكز عليه القصد الاحتمالي، فإذا لم يكن لدى الفاعل قصد مباشر فلا
يسأل الا عن جريمة غير عمدية باعتبار ان النتيجة ناشئة عن إهمال وعدم احتياط،
فحالة القصد الاحتمالي على حسب هذا المعنى هي خليط من قصد جرمي وخطأ غير عمدي، على كل إن هذا الرأي يمزج بين القصد الاحتمالي وما يسمى القصد
المتعدي تعبيراً عن الجرائم متعدية القصد.()66
وعلى ذلك فالقصد الاحتمالي هو توقع الجاني للنتيجة الاجرامية كأثر ممكن للفعل ثم
قبولها، أي أن الجاني وإن توقع النتيجة كأثر ممكن لسلوكه ولكنه قبلها ومضى في
سلوكه.()67
وضع الشارع تعريفاً للقصد الاحتمالي ضمنه المادة 189من قانون العقوبات التي
نصت على أن "تعد الجريمة مقصودة وأن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن
الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة".
يمة
وقد حدد الشارع في هذا النص حكم القصد الاحتمالي. فجعله معادلاً من حيث الق
القانونية للقصد المباشر، ففي الحالتين تعد الجريمة مقصودة وبين فيه عناصره
فردها إلى توقع حصول النتيجة الجرمية ثم القبول بالمخاطرة، أي القبول باحتمال
حصول هذه النتيجة. و اعتبار القصد الاحتمالي نوعاّ من القصد الجرمي والإقرار
له بالقيمة القانونية التي لسائر أنواعه يقتضي إقامته على العناصر المتطلبة في
جميع صور القصد:- وهما العلم و الإرادة.()68
والقصد الاحتمالي حالة قانونية تتوسط بين حالة العمد وحالة الخطأ وإن الجاني
مرتكب الفعل وإنه يؤاخذ على عدم التزامه وتبصره بالأمور ومن ثم مساءلته عن
النتيجة التي وقعت وإن لم يكن يقصدها.()69
والسؤال هنا هل تتساوى المسؤولية الجنائية في حالتي القصد المباشر
والقصد الاحتمالي؟
فمن التشريعات من حمل الجاني مسؤولية النتيجة الاحتمالية كما لو كان الجاني قد
قصدها بالفعل فيما إذا توقع الجاني النتيجة الجرمية ولم يحفل بها. ومن التشريعات
ما اعطى حكماً خاصاً دون العمد وفوق الاهمال.()70
وتساوي أغلب القوانين بين القصد الاحتمالي والقصد المباشر. في حين ظان القصد
المباشر أكثر شدة لأنه يتمثل في إرادة الجاني الاكيدة للنتيجة الجرمية لفعله وقبولها
في حالة حدوثها دون أن يكون متأكداً أو قابل لحصولها مما يستوجب توقيع عقوبة أخف على الجاني الذي لديه قصد احتمالي من العقوبة التي يوقعها القاضي على
الجاني الذي لديه القصد الجرمي المباشر لارتكاب الحريمة.()71
التفرقة بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي
يتبين مما تقدم أن القصد الجرمي يكون مباشراً عندما يأتي الفاعل فعله وهو يتوقع
النتيجة الاجرامية على أنها أمر لازم ومحتم لابد كائن، ويكون القصد الجرمي
احتمالياً حيث يأتي الفاعل فعله وهو يتوقع حدوث النتيجة على أنها أمر ممكن قد
يحدث وقد لا يحدث، فإن حدث فلا يمانع.72
فوجه الفرق بين من يضع السم في طعام سيده فيكون الموت في ذهنه أمراً محتماً
لفعله وهو النتيجة الوحيدة التي ينتظرها. وبين من يطلق على صيد وهو يتوقع
إصابة شخص كان موجوداً في المنطقة ويكون موت المجني عليه أحد احتمالين
يردان إلى تفكيره وغير مستبعد الأمل فيأن يظل المجني عليه حياً. في المثال الأول
يكون القصد مباشراً وفي المثال الثاني يكون القصد احتمالياً. بكلمة أخرى حيث يرد
إلى تفكيره احتمال واحد وهو تحقق النتيجة الإجرامية كأثر لفعله فالقصد المتوافر
لديه هو القصد المباشر. أما إذا وردت إلى تفكير الفاعل احتمالات متعددة بحيث قدر
ان النتيجة قد تحدث وقد لا تحدث بما مفاده ان الفاعل يتوقع حدوث النتيجة بوصفها
أمراً ممكناً وليس محتماً فإن اتجهت إرادته إلى ارتكاب الفعل كان قصده احتمالياً.
والرأي السائد في الفقه أن معيار الاحتمال ينظر إليه من وجهة شخصية باعتبار ما
توقعه الجاني فعلاً ورأي احتمال حدوثه. أي إنه معيار شخصي.
في حالة لم يعمل الجاني على تحقق النتيجة ولكن تحققها كان محتملاً. وهي في
صورتها هذه وسط بين القصد المباشر ومجرد الاهمال. فما هي مسؤولية الجاني
فيها يا ترى؟ هل يسال عن النتيجة التي وقعت كما لو كانت مقصودة منه مباشرة
وبالتالي تتساوى المسؤولية في حالتي القصد المباشر والقصد الاحتمالي ام لا
تتساوى من الاثنين؟
لم تلجأ التشريعات الجنائية الحديثة إلى اسلوب واحد في معالجة هذه المسألة فمنها
ما حمل الجاني مسؤولية النتيجة الاحتمالية كما لو كان قد قصدها بالفعل فيما إذا
توقع الجاني النتيجة وتمثلها ومع ذلك لم يحفل بها ومضى في عمله. أما ما عدا ذلك
من صور الاحتمال فيسأل الجاني عنها على اساس الاهمال وعدم الاحتياط لا العمد.
ومن التشريعات ما فرض لهذه الصورة الاحتمالية حكماً خاصاً دون العمد وفوق
الاهمال.
ومن التشريعات ماسكت عن إيراد حكم لهذه الحالة. وترك الامر للفقه


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...

تراجع مكانة الق...

تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...

أيقونة الكوميدي...

أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...

أتقدم إلى سموكم...

أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...

[1] الحمد لله ...

[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...