لخّصلي

يُناقش النص دور الفكر الإسلامي المعاصر في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، مُقارناً إياه بعلم الكلام القديم. فبينما كان علم الكلام القديم يدافع عن التوحيد في سياق حروب عقائدية، فإنّ الفكر الإسلامي المعاصر يُدافع عن الإسلام بشكل أوسع، مُواجهةً تحديات حضارية شاملة تستهدف المشروع الإسلامي بذاته. يحدد النص ثلاثة محاور رئيسية للبحث في هذا المجال: أولاً، الدفاع عن المذهب الإسلامي عبر مواجهة الأفكار المناقضة، سواءً تلك الكلية (كماركسية) أو الجزئية (التركيز على جانب دون آخر من الإسلام). ثانياً، العرض العلمي للمشروع الإسلامي من خلال بحوث جزئية (كالخلافات السياسية والاقتصادية) وكليّة (تناقش أصول الإسلام وتأثيرها على المجتمع). ثالثاً، التأصيل المنهجي والتقويم الذاتي للفكر الإسلامي المعاصر لضمان فعاليته ومنهجيته في الحوار والمناظرة. باختصار، يدعو النص إلى نهج علمي منهجي في الدفاع عن الإسلام وعرض مشروعه الحضاري، مع مراعاة سياق المعركة الفكرية المعاصرة.

إذا كان علم الكلام القديم، قد قام بمهمة الدفاع عن العقيدة الإسلامية، من حيث هي عقيدة توحيد نظرا لطبيعة الحرب العقدية الدائرة يومئذ، فإن الفكر الإسلامي اليوم يقوم بنفس الدور أي الدفاع عن العقيدة الاسلامية، لكن بشكل آخر، فلم تعد المعرك. مقتصرة على قضايا الاعتقاد الغيبية من ذات وصفات ورؤية، ووعد وعيد... الخ وإنما صارت شاملة لكل ما يتفرع عن هذه العقيدة، من مقتضيات، أي أنها صارت تدور حول المذهبية الاسلامية عامة، فالحرب إذن حضارية شاملة، حيث صار المشروع الاسلامي بشموليته مستهدفا بالطعن والحكم عليه بعدم المواكبة للتطورات الاجتماعية الجديدة ومن هنا كان الفكر الاسلامي المعاصر، حاملا سلاح الدفاع عن الاسلام بصورة أخرى غير التي كان عليها علم الكلام القديم
وانطلاقا من هذه المعطيات يمكن أن نحدد أفاق البحث لهذا المجال في ثلاثة اتجاهات

أولا : الدفاع عن المذهبية الاسلامية ذلك أن الفكر الاسلامي اليوم يجب أن يرث مهمة علم الكلام القديم الدفاعية، طبعا مع مراعاة شروط المعركة الجديدة واستيعابها جيدا حتى يكون قادرا على التصدي لكل الهجومات الفكرية المناقضة، سواء منها ذات التصورات الكلية أو الجزئية، أي سواء منها ما انبنى على أطروحة فلسفية عامة. كالماركسية مثلا، أو ما انبنى على أطروحة جزئية، كما هو الحال لدى بعض المفكرين الذين يقرون بمبادئ الإسلام جملة سوى جانب واحد .. كالجانب السياسي أو الحدود، أو غير ذلك.

والفكر الإسلامي مطالب بالتصدي لكل الشبهات المشتهرة التي تقف في طريق وصول المشروع الاسلامي صافيا، إلى أفهام الناس، والتي قد تربك إيمان بعض الفئات بصلاحية المذهبية الاسلامية في شموليتها، ودورها الحضاري الفعال، في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية ... الخ.

ثانيا : العرض العلمي للمشروع الاسلامي : ذلك أن الدفاع عن الاسلام من خلال نقض الفكر الفاسد ليس كافيا لتثبيت أركانه في الأرض، وإنما يجب أن يحمل الفكر الاسلامي، أمانة عرض مشروعه الحضاري جملة، سواء في صورة بحوث جزئية تهتم بهذا المجال، أو ذاك، وتعالج هذا الإشكال، بعد ذاك أو في صورة بحوث كلية تهتم بأصول الاسلام العقدية، وما يترتب عنها في واقع المجتمع من أثار حركية، في شتى مجالات الناس الحيوية.

وتفصيل هذا القول أن على الفكر الاسلامي اليوم، أن يقدم بحوثا، تحمل تصورات واجتهادات جزئية، أو كلية عن المشروع الاسلامي، وذلك بأن تنجز دراسات حول قضية الخلافة مثلا وكيفية تنصيب الحاكم، ومسألة الانتخابات والشورى ومجلس النواب، أو (البرلمان) الى غير ذلك من قضايا الحكم، والسياسة و كذا مسألة العمل والعمال، وتنظيم العلاقة بينهم وبين أرباب العمل، والدولة وقضية الأجور الخاصة. والعامة... الى غير ذلك من قضايا المسألة الاجتماعية، وهكذا يتم البحث في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والإدارية والاجتماعية

أما البحوث الكلية، فهي عبارة عن تصورات تناقش، وتحلل كليات الاسلام وأصوله. في الاعتقادات والعبادات عامة، أو المعاملات أو العمران البشري، وكذا النفس الانسانية، والمجتمع ... ونحو ذلك من أجل إغناء الفكر المعاصر، ومجابهة التحدي الحضاري، بشكل عملي وعلمي، وإغناء المكتبة الإسلامية برصيد فكري متميز، يرسخ إيمان القراء بعظمة المشروع الحضاري الإسلامي بأسلوب علمي منطقي.

ثالثا : التأصيل المنهجي، والتقويم الذاتي : وأما الأفق الثالث الذي يجب أن يوجه اليه البحث العلمي، في الفكر الإسلامي المعاصر، فهو المراجعة الذاتية، من أجل تأصيل البناء المنهجي الذي يقوم به، وتقويمه حتى يكون أقدر على التعبير عن المذهبية الاسلامية حقا، فلا يقع في الخلط والاضطراب و السطحية والغثائية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى يكون أقدر على المواجهة وأثبت لدى المناجزة والمناظرة، لأن الفكر يقدر ما تتمتن مناهجه، بقد رما تظهر حجته ويعلو برهانه .