خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
أسباب تأثير التشبيه: تشترك في التشبيه ب- العاطفة الجياشة. ج- الذهن الذي يجعل المتكلم قادراً على الاستنتاج ليجمع بين الأشياء، إذ إن المتكلم ليس هو الذي يوجد الرابطة بين الأشياء، ٢- وثاني هذه الجهات التي تشترك في تأثير التشبيه الحس، ومن البدهي أن تكون النفس أكثر تأثراً بالمحسوس من المعقول، ولذا وجدنا المشبه به لا يكون في الغالب إلا من المحسوسات. لا يستقل وحده في تأثير التشبيه، إنما يكون مبنياً على الحسن مع أن الحس والعقل، بل لا بد أن تشترك معهما النفس كذلك، وهذا كلام مجمل لا بد له من تفصيل فيما بعد إن شاء الله. ويذهب ما فيها من أوهام، فليس الخبر كالعيان - كما يقولون - ولا تنس أن صلة النفس بالمحسوسات أسبق من صلتها بالمعقولات. ثالثاً: ومن أسباب تأثير التشبيه - وهو ناشئ عما قبله - حاجته إلى الفكر، وفي هذا السبب لذة تسعد بها النفس، لأن الذين يُدعون لا يستجيبون لهم بشيء، وتقريراً في النفس، ولن يحصل على بغيته. استمع إلى قول ابن لنكك: إذا أخو الحسن أضحَى فِعْلُهُ سَمِجاً رأيت صورته مِنْ أَقْبَح الصور وهذا المعنى مما تقبله النفس ولا ترتاب فيه، وَهَبْهُ كالشمس في حُسْنٍ أَلَمْ ترنا نَفِرُّ منها إذا مالت إلى الضَّرَرِ ابتعد عنها المعجبون بدفئها وسطوعها، ويأتي عليه بشواهد من المحسوس فقال: وتغرب وتشرق وإذا كانت المعاني – في الأمثلة السابقة - مؤكدة غير مشكوك فيها، انظر مثلاً إلى قول القائل: (قد يشيب الفتى) وهذا المعنى ربما ينازع فيه بعض الناس، وخذ قول المتنبي: فكيف يتصور أن من نشأ في قوم ليس منهم؟ فأراد الشاعر أن يزيل ذلكم التوهم وهذا الشك فقال: وخذ قول المتنبي: فإن تفُق الأنام - وأنتَ مِنْهُمْ - فإن المسكَ بَعْضُ دَمِ الغَزَالِ فإنك واجد فيه قريباً مما وجدته في سابقه، وهكذا لو استقرأت الكلام البليغ لوجدت كل تشبيه يؤثر في النفس لا يخلو عن واحد من الأسباب التي ذكرتها لك، وكثير منها ما يجمع بين الأمور الغريبة فيغدو بحاجة إلى الفكر، فانظر كيف جمع بين الضحك والهيبة وكيف استدل لذلك بالسيف الذي اجتمعت له الحدة واللمعان وانظر إلى قول أبي الحسن بن مقلة: أنا نار في مُرتقى نظر الحَاسِدِ مَاءٌ جَارٍ مَعَ الإخـوان وأنت تدرك بأن مما يزيد هذه التشبيهات روعة أن جمعت بين هذه الأشياء المتباعدة، وقد تتساءل: كيف يكون التشبيه مؤثراً في النفس وهو بحاجة إلى الفكر؟ أليس ذلك متناقضاً ما عرفناه من قبل من أن الكلام البليغ هو ما يكون معناه إلى نفسك أسرع من وصول اللفظ إلى أذنك؟ أليست حاجة التشبيه إلى فكر تدخله في باب التعقيد المنافي للبلاغة؟. ونجيبك أولاً: بأن الفكر ركيزة أساسية للتمييز بين الكلام المبتذل والكلام الجيد، (وخلاصة القول أن المجهود الفكري في التعقيد زائد على ما ينبغي للمعنى ومنشؤه من عمل المتكلم وسوء عبارته وثمرته تافهة وإن المجهود الفكري في التمثيل مناسب للمعنى ومنشؤه لطفه ودقته وفائدته جليلة ولذلك كان الأول باعثاً على الذم، والثاني موجباً للمدح)). التشبيه في القرآن نتائج مما سبق: وتمنحه جميع خصائصها، وقد تجد السفينة وموج البحر على قلة إلى غير ذلك مما كانت تقتضيه وتحتمه بيئة أولئك في جاهليتهم. ولقد أُعطوا حظاً من النباهة واليقظة والقدرة على التصوير والتعبير فكان لا بد من أن يستثمروا ذلك كله دون أن يعطلوه، وهذه القدرة على التصوير وهذا الجمال في العبارة، والأعطاف كالمسك وكالطيب والريق كالشراب، نقص السفين بجانبيهِ كَما يَنْزُو الرُّبَاحُ خَلا لَهُ كَرَعُ ولكن مع اختلاف البيئة وطغيانها على التشبيه فإننا نجد أشياء لا تتغير من حيث العنصر والحقيقة، وإنما جيء به بعد تمام الكلام وكمال المعنى وكان الهدف منه زيادة التقرير والتوضيح، بحيث تتفق مع الصورة اتفاقاً كاملاً. فقد اختلفت من حيث الألفاظ التي اختيرت لها. أولاً: وأولى هذه الخصائص أن تشبيهاته غير مقيدة ببيئة معينة، فلم تنحصر في عصر دون عصر، وذلك مما يزيدها تأثيراً في النفس، وسرف القول وفضوله، هذه بعض خصائص التشبيه في القرآن، يصبح بعد هذا كله دقيقاً، نحيلاً محدودباً، لا تكاد العين تنتبه إليه وكأنما هو في السماء كوكب تائه لا أهمية له ولا عناية بأمره، وهو ما يحتاج إليه السائر في البحر، لأن ذكر الجبال ألصق بالسياق الذي جاءت من أجله، وإنما اختيرت كلمة الظلل هنا، على أن الجبل قد شبه بالظلة في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتقْنَا الْجَبَل فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَةٌ﴾ [الأعراف: ۱۷۱]، وكيف رفع الجبل فوق رؤوسهم تخويفاً لهم، ووعيداً علهم يرجعون عن ضلالاتهم. انظر إلى قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: ۱۸۷]، ثم فكر لماذا أوثرت كلمة اللباس هنا؟، فهو ينشر في أجواء النفس البهجة والسرور وهو بعد ذلك كله زينة وكمال. أعرفت سر اختيار الكلمة إذن؟ ج- وإليك مثالاً آخر: آكل الربا يستبيح جهد الناس وعرقهم، هذا الذي يتخبطه الشيطان من المس بعيد عن كل استقرار نفسي،
أسباب تأثير التشبيه:
وقد تتساءل هنا عن سبب تأثير التشبه في النفوس وما يحدثه فيها من أنس وقبل أن نبين لك هذه الأسباب ونشرحها يجدر بك أن تعلم أن هناك جهات كثيرة
تشترك في التشبيه
١- وأول هذه الجهات براعة المتكلم وهذه البراعة تقوم على دعائم وأسس:
أ- من هذه الدعائم الخيال الخصب.
ب- العاطفة الجياشة.
ج- الذهن الذي يجعل المتكلم قادراً على الاستنتاج ليجمع بين الأشياء، إذ إن المتكلم ليس هو الذي يوجد الرابطة بين الأشياء، وينشئ ما بينها من وجوه اتصال، واتفاق، ومناسبة، إنما وظيفته أن يستنتج الروابط والصلات بين الأشياء المختلفة المتنافرة.
٢- وثاني هذه الجهات التي تشترك في تأثير التشبيه الحس، ومن البدهي أن تكون النفس أكثر تأثراً بالمحسوس من المعقول، ولذا وجدنا المشبه به لا يكون في الغالب إلا من المحسوسات.
۳- وقد يكون من الجهات التي تشترك في تأثير التشبيه العقل، ومع ذلك، لا يستقل وحده في تأثير التشبيه، إنما يكون مبنياً على الحسن مع أن الحس والعقل، كليهما لا يكفيان ولا يفيان لكي يكون التشبيه مقبولاً وجيداً، بل لا بد أن تشترك معهما النفس كذلك، وهذا كلام مجمل لا بد له من تفصيل فيما بعد إن شاء الله.
أولاً: ولعلك تدرك - بعد هذا - أن من أول أسباب تأثير التشبيه أنه ينقلها - النفس - من المعقول إلى المحسوس، ومن الفكرة إلى الفطرة، ومن الغموض إلى البديهة. ومن شأن هذا أن يزيل ما فيها من شكوك، ويذهب ما فيها من أوهام، فليس الخبر كالعيان - كما يقولون - ولا تنس أن صلة النفس بالمحسوسات أسبق من صلتها بالمعقولات.
ثانياً: ومن أسباب تأثير التشبيه ما في التشبيه من الجمع بين الأشياء المتباعدة، وفي هذا السبب من الطرافة ما تستريح له النفس.
ثالثاً: ومن أسباب تأثير التشبيه - وهو ناشئ عما قبله - حاجته إلى الفكر، وفي هذا السبب لذة تسعد بها النفس، ويستريح لها القلب ولنمثل لك الآن بما يبين لك هذه الأسباب ويوضحها:
خذ مثلاً قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالغهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [الرعد: ١٤] فالآية الكريمة تبين أن الذين يدعون من دون الله لا يحصلون على شيء من تعبهم وجهدهم، لأن الذين يُدعون لا يستجيبون لهم بشيء، وهذا المعنى - مع كونه مسلما غير مشكوك فيه - إلا أن التشبيه جيء به ليزيد هذا المعنى تثبيتاً وتأكيداً، وتقريراً في النفس، وهو من المعاني المحسوسة المرتكزة في البديهة أن من يبسط كفيه إلى الماء - طمعاً في أن يصل الماء إلى فيه ليشرب ويبل ظمأه -، لن يصل إلى ما يريد، ولن يحصل على بغيته.
استمع إلى قول ابن لنكك:
إذا أخو الحسن أضحَى فِعْلُهُ سَمِجاً رأيت صورته مِنْ أَقْبَح الصور
وهذا المعنى مما تقبله النفس ولا ترتاب فيه، ولكن الشاعر أراد أن يقرر لك هذا المعنى ليثبت في نفسك خير تثبت ويتأكد خير تأكيد، فجاء في البيت الثاني وهو قوله:
وَهَبْهُ كالشمس في حُسْنٍ أَلَمْ ترنا نَفِرُّ منها إذا مالت إلى الضَّرَرِ
ألا ترى كيف وضح لك الصورة وفصلها؟ وكيف جمع بين الأشياء المتباعدة؟ فأخو الحسن إذا قارف أفعالاً مذمومة، فحري أن يهجره الناس، ويبتعدوا عنه، وهذه الشمس في حسنها ودفئها إذا قويت حرارتها وتأكد ضررها، ابتعد عنها المعجبون بدفئها وسطوعها، واستمع إلى قول أبي تمام:
وَطُول مقامِ المَرْءِ في الحَيّ مُخلِقٌ لديباجتَيهِ فَاغْتَرِبْ تَتَجَدَّدِ
وهذا معنى جيد يقول: إن طول مكث المرء في مكان ما، يُنقص من شوق الناس إليه، فيخلق كما يخلق الثوب ولم يرد الشاعر أن يلقي إليك هذا المعنى دون أن يدلل له، ويأتي عليه بشواهد من المحسوس فقال:
فإني رأيتُ الشَّمْسَ زِيدَت مَحبَةً إلى النَّاسِ أَنْ لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ بِسَرْمَدِ
فالشمس؛ إنما يزداد الناس حباً لها، وشغفاً بها، لأنها ليس دائمة، بل هي تروح وتجيء، وتغيب وتطلع، وتغرب وتشرق وإذا كانت المعاني – في الأمثلة السابقة - مؤكدة غير مشكوك فيها، وإنما زادها التشبيه تأكيداً وتثبيتاً فإن هناك معاني قد تشك فيها النفس، ولا تطمئن إليها، فيأتي التشبيه ليزيل هذا الشك، كي تطمئن لها النفس، انظر مثلاً إلى قول القائل: (قد يشيب الفتى) وهذا المعنى ربما ينازع فيه بعض الناس، فمن المعلوم أن الشيب إنما هو من شأن أولئك الذي تقدمت بهم السن، وبلغوا من الكبر عتياً وليس من شأن أولئك الذين لا زالوا في ضحوة العمر وشبابه، ولكن الشاعر أراد أن يزيل هذا الشك من النفس فقال:
قد يشيب الفتى ولَيْسَ عَجيباً أن يُرى النُّورُ في القضيب الرطيب
وخذ قول المتنبي:
وَمَا أنا مِنْهُمُ بالعيش فيهمْ
وهذا المعنى يصعب على النفس أن تتقبله لأول وهلة، فكيف يتصور أن من نشأ في قوم ليس منهم؟ فأراد الشاعر أن يزيل ذلكم التوهم وهذا الشك فقال:
وَمَا أَنَا مِنْهُمُ بالعَيْش فيهم ولكِنْ مَعْدِنُ الذَّهَبِ الرُّعْامُ
وخذ قول المتنبي:
فإن تفُق الأنام - وأنتَ مِنْهُمْ - فإن المسكَ بَعْضُ دَمِ الغَزَالِ
فإنك واجد فيه قريباً مما وجدته في سابقه، إذ كيف يمكن أن يتفوق على الأنام وهو واحد منهم؟ فأراد أن يبرهن لهذا المعنى حتى تطمئن به النفس؛ وذلك بأن المسك وهو من الأشياء الثمينة المحببة إلى النفس ليس إلا من دم الغزال.
وهكذا لو استقرأت الكلام البليغ لوجدت كل تشبيه يؤثر في النفس لا يخلو عن واحد من الأسباب التي ذكرتها لك، وقد تجتمع له كلها أو بعضها، فكثير منه ما ينقلك من المعقول إلى المحسوس وهو السبب الأول، وكثير منها ما يجمع بين الأمور الغريبة فيغدو بحاجة إلى الفكر، استمع إلى قول البحتري:
ضحوك إلى الأبطالِ وَهُوَ يَروعُهُم وللسَّيْفِ حَدٌ حينَ يَسطُو ورونق "
فانظر كيف جمع بين الضحك والهيبة وكيف استدل لذلك بالسيف الذي اجتمعت له الحدة واللمعان وانظر إلى قول أبي الحسن بن مقلة:
لست ذا ذِلَّةٍ إذا عَصْنِي الدَّهْرُ ولا شامخاً إذا واتــــــــاني
أنا نار في مُرتقى نظر الحَاسِدِ مَاءٌ جَارٍ مَعَ الإخـوان
وأنت تدرك بأن مما يزيد هذه التشبيهات روعة أن جمعت بين هذه الأشياء المتباعدة، وربما المتناقضة كذلك.
وقد تتساءل: كيف يكون التشبيه مؤثراً في النفس وهو بحاجة إلى الفكر؟ أليس ذلك متناقضاً ما عرفناه من قبل من أن الكلام البليغ هو ما يكون معناه إلى نفسك أسرع من وصول اللفظ إلى أذنك؟ أليست حاجة التشبيه إلى فكر تدخله في باب التعقيد المنافي للبلاغة؟.
ونجيبك أولاً: بأن الفكر ركيزة أساسية للتمييز بين الكلام المبتذل والكلام الجيد، هذا بالنسبة لقائله، وهو كذلك بالنسبة إلى السامع حتى يمتاز الفطن عن غيره. وأما ثانياً: فإنهم لم يذموا التعقيد من أجل حاجته إلى الفكر، وإنما ذم التعقيد لما فيه من سوء الترتيب وضعف التركيب من جهة ولقلة فائدته وثمرته من جهة ثانية.
((وإنما ذم التعقيد لأن صاحبه أساء التعبير عن المعنى، ولم يرتب الألفاظ الترتيب الملائم له، فشاك طريق السامع إليه ووعر مذهبه، وقسم فكره، ووزع ظنه، وتركه حائراً لا يدري من أين يتوصل إليه، ولا كيف يطلبه، أما التمثيل وسائر الأساليب البليغة، والكلام المخلص من شوائب التعقيد فإن صاحبه يتحرى فيه حسن البيان، ويخلصه من سوء الدلالة فيرتب الألفاظ الترتيب الذي يهدي إلى المعنى ويفتح الطريق للفكر ويمهده وإن كان فيه تعاطف أقام عليه المنار وأوقد فيه الأنوار)).
((وخلاصة القول أن المجهود الفكري في التعقيد زائد على ما ينبغي للمعنى ومنشؤه من عمل المتكلم وسوء عبارته وثمرته تافهة وإن المجهود الفكري في التمثيل مناسب للمعنى ومنشؤه لطفه ودقته وفائدته جليلة ولذلك كان الأول باعثاً على الذم، والثاني موجباً للمدح)).
التشبيه في القرآن
ونرى لزاماً علينا ونحن نتحدث عن التشبيه أن نعقد فصلاً خاصاً نتحدث فيه عن تشبيهات القرآن الكريم، وآخر عن التشبيهات في السنة النبوية، إذ الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد الناطقين بالضاد، وأفصحهم، وقد أعطي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً.
نتائج مما سبق:
وقبل أن نحدثك عن تشبيهات القرآن، نرجو أن نستذكر معاً بعض النتائج والملحوظات التي يمكن أن نستنتجها ونلحظها. مما قدمناه لك عن التشبيه
أولاً: ولعل من أول هذه النتائج وأولاها بالتسجيل، أن هذا التشبيه يتأثر بالبيئة، بل إنه يخضع لها، وتتحكم فيه، وتضفي عليه كل سماتها، وتمنحه جميع خصائصها، ولا أدل على ذلك من أننا رأينا التشبيه في العصر الجاهلي كانت عناصره منتزعة من الخاصة، فالبقر الوحشي، وحمار الوحش والعقاب والغراب، وعيون الطير وقلوبها، والسيف والنار ونقيض الرحل، وصوته وصوت الباز، والريم، والطلل، والكواكب، وقد تجد السفينة وموج البحر على قلة إلى غير ذلك مما كانت تقتضيه وتحتمه بيئة أولئك في جاهليتهم.
ولقد أُعطوا حظاً من النباهة واليقظة والقدرة على التصوير والتعبير فكان لا بد من أن يستثمروا ذلك كله دون أن يعطلوه، فرأينا هذه اليقظة، وتلك البلاغة، وهذه القدرة على التصوير وهذا الجمال في العبارة، يُستثمر في أمور ليست ذات شأن ولكن الذي رجحها ورشحها وجوها في تلك البيئة فالحشرات على اختلافها ومستنقعات الماء، والوحوش، والرياح تلك هي المواد التي غالباً ما كانوا يصنعون منها تشبيهاتهم، فقلوب الطير تارة كالعناب وتارة كالحشف البالي، وعيونها كالخرز الذي لم يثقب، والأعطاف كالمسك وكالطيب والريق كالشراب، حتى ما كان بعيداً عن بيئتهم يقربونه فيشبهونه بما هو من أشياء البيئة كتشبيه السفينة بولد الناقة في قول الأعشى:
نقص السفين بجانبيهِ كَما يَنْزُو الرُّبَاحُ خَلا لَهُ كَرَعُ
وإذا تركنا هذا العصر إلى العصر الإسلامي نجد أن التشبيه - مع ما بين العصرين من تقارب - أصبحت له عناصره التي استمدت وجودها من البيئة، ألا تنظر إلى بيت حسان:
وفاقيةٍ عَجَّت بلَيْلٍ رَزِينَةٍ تَلَقَّيْتُ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ نُزُولَها
فإذا جاوزنا ذلك إلى العصر العباسي وجدنا الاختلاف الكبير، والبون الشاسع في عناصر التشبيه حيث أصبحت هذه العناصر بعيدة عما قبلها اللهم إلا من حيث الصورة والشكل فمداهن الدر المحشورة بالعقيق، وأعلام الياقوت، والرماح من زبرجد، وشبك الزبرجد، والسمك من البلور، والزوارق المحملة بالعنبر إلى غير ذلك من أنواع الحلي والأزهار والروائح.
وإذا تركنا العصر العباسي فإننا نجد أن الصورة التشبيهية - إن قبل التعبير - كانت تسيطر عليها البيئة فتلبسها ما تكسوه لكل من هو في كنفها مما يعرفه الناس، ولعل خير شاهد على هذا، هذا العصر، وأنت إذا تتبعت الصورة الأدبية وجدت كثيراً مما هو جديد لم يعرف من قبل، ولعلنا نوفق إن شاء الله، أن نعقد فصلاً في آخر هذا الكتاب نتحدث فيه عن الصورة عند المحدثين تشبيهاً كانت أم غير تشبيه.
ولكن مع اختلاف البيئة وطغيانها على التشبيه فإننا نجد أشياء لا تتغير من حيث العنصر والحقيقة، وإن تغيرت من حيث الصورة والشكل.
ثانياً: رأينا أن التشبيهات فيما مضى كان منها ما يأتي للإيجاز والاختصار فهو عنصر أساسي لا يستغنى عنه، ومنها ما ليس كذلك، وإنما جيء به بعد تمام الكلام وكمال المعنى وكان الهدف منه زيادة التقرير والتوضيح، وذلك ما ذكرناه لك عند أول حديثنا عن التشبيه الضمني.
ثالثاً: وثالثة هذه النتائج أن بعض هذه التشبيهات – وهو القليل – كانت تلاحظ فيها الدقة من حيث العبارة، لتؤدي المعنى أداءً تاماً غير منقوص، كما رأينا في بيت امرئ القيس السابق وهو يصف الرديني باللهب الذي لم يتصل بدخان، وعيون الطير بالخرز الذي لم يثقب. وفي غير هذين مما ذكرناه لك من قبل.
ولكن كثيراً من التشبيهات لم نجد فيها تلك الميزة – أعني ليس فيها تلك الدقة - التي لوحظ فيها دقة التعبير، بحيث تتفق مع الصورة اتفاقاً كاملاً. وهناك أمر آخر اختلفت فيه تلك التشبيهات كذلك، فكما اختلفت من حيث الصورة ودقة التعبير عنها، فقد اختلفت من حيث الألفاظ التي اختيرت لها. وهناك اختلاف ثالث من حيث الصورة نفسها كما عرفته من قبل وكما ستعرفه فيما بعد.
وهذه بعض الحقائق التي أمكننا نستخلصها من دراستنا للتشبيه:
١- خضوعه للبيئة.
٢- مجيئه بعد تمام الكلام
۳- عدم التزام الدقة في كثير منه.
٤- اختلاف كثير من التشبيهات من حيث اختيار اللفظ.
٥- اختلافه من حيث الصورة جمالاً وروعة.
خصائص التشبيه في القرآن:
التشبيهات في القرآن الكريم، مع أنها ليست بدعاً من التشبيه، ذلك أن القرآن الكريم عربي من حيث الأسلوب، ومن حيث النظم، ولكننا نجد ذلك أن التشبيهات القرآن خصائص ومميزات.
أولاً: وأولى هذه الخصائص أن تشبيهاته غير مقيدة ببيئة معينة، فلم تنحصر في عصر دون عصر، ولم تقتصر على مكان دون مكان إنما هي تشبيهات عامة تستمد من الطبيعة عناصرها وتأخذ من الكون أجزاءها، فليست لفئة خاصة ولا لقوم بأعيانهم، فمشهد الماء الذي ينزل من المساء فتحيا به الأرض، ومشهد الزرع الذي ينبت فيكون له شطؤه الذي يحيط به، والسراب في الفلاة، والظلمات في البحر، والموج والأمواج المتلاطمة، والرماد الذي تبدده الرياح في يوم عاصف، والفراش المبثوث، والعهن المنفوش، والجبال، والخشب المسندة، والجنة بالروضة المرتفعة. كل هذه العناصر وغيرها مما لا يختص به زمان معين أو مكان معين، أو جنس معين. ومع كونها كذلك، إلا أننا إذا أعدنا النظر مرة أخرى نجد أن لها ميزة ثانية، وهي أنها لا غناء عنها في حياة الإنسان، مُتَمَديناً وغير مُتَمَدين، وذلك مما يزيدها تأثيراً في النفس، ونفوذاً في الفؤاد، هذه واحدة.
ثانياً: إن هذه التشبيهات جاءت متسقة مع الغرض الذي سيقت من أجله، فقد نجد الشيء الواحد شبه به أكثر من أمر، وذلك لأن هذا الشيء لوحظت فيه صفات متعددة، فروعي كل جانب ليتناسب ويتطابق مع المشبه الذي قصد القرآن الحديث عنه.
ثالثاً: الدقة في اختيار الألفاظ، وهذه حقيقة ليست خاصة بالتشبيه، إنما هي شأن القرآن في أساليبه جميعاً، وفي كل موضوعاته التي تحدث عنها، فألفاظ القرآن – كما تعلم - جميعها مختارة منتقاة، فإنك لن تجد أي لفظة يمكنك أن تستبدل بها غيرها، أو تستغني بها عن غيرها، ولو أنك أدرت اللغة كلها، وأردت أن تأتي بكلمة مكان كلمة ما استطعت
رابعاً وتشبيهات القرآن بعد ذلك كله، كانت بعيدة عن ترف الخيال، ورعونة العاطفة، وسرف القول وفضوله، فهي - إذن - عناصر أساسية في الموضوع، وأجزاء رئيسة في الجملة.
خامساً: ولما كان القرآن كتاب هداية للأحياء ما دامت الحياة، فإن تشبيهاته جميعاً كانت كلها تدور حول هذا الإنسان تشبهه تارة وتشبه له تارة أخرى تشبهه بما يناسب وضعه وتشبه له بما يحيط به من هذا الكون مما لا غناء عنه في حياته ووجوده.
هذه بعض خصائص التشبيه في القرآن، ولكي نتصور ذلك تصوراً عملياً فلا بد أن تنعم وتنعم النظر بالوقوف مع بعض هذه الآيات الكريمة:
أ- هذا القمر الذي تغزل فيه الشعراء شبهوه تارة، وشبهوا به أخرى، والذي امتن الله علينا بأن جعله نوراً يشبهه القرآن الكريم، وقد اضمحل نوره بالعرجون القديم (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ [يس:٣٩]، وفي هذه الكلمة من الدلالة على الضآلة والضعف ما فيها، ((فهذا القمر بهجة السماء الساطع الغامر، يبدد ظلمة الليل، ويحيل وحشته أنساً، يصبح بعد هذا كله دقيقاً، نحيلاً محدودباً، لا تكاد العين تنتبه إليه وكأنما هو في السماء كوكب تائه لا أهمية له ولا عناية بأمره، ترى في كلمة العرجون، ووصفها بالقديم ما يصور لك هيئة الهلال في آخر الشهر، ويحمل إلى نفسك ضالة أمره معاً)).
ب- واستمع إلى قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشئاتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَم} [الرحمن: ٢٤]. حيث شبهت السفن في البحر بضخامتها وعظمها بالأعلام - الجبال الرواسي الشامخات - وإنما اختير لفظ الأعلام دون الجبال، لأنه يبعث في النفس الأنس، وهو ما يحتاج إليه السائر في البحر، ولقد ذكرت الجبال في قوله تعالى: {وَهِيَ تَجرى بهم في موج كالجبال} [هود: ٤٢]، لأن ذكر الجبال ألصق بالسياق الذي جاءت من أجله، فهي تتحدث عن الطوفان يوم أن فجرت الأرض عيوناً، وفتحت السماء بماء منهمر.
وكما شبه الموج بالجبال، فإننا نجده يشبه بالظلل. قال تعالى: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَوْجُ كَالقُلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [لقمان:۳۲]، وإنما اختيرت كلمة الظلل هنا، لأن الحديث عن أولئك الذين يتعرفون على الله في الشدة دون الرخاء وكلمة الظلل توحي بالرهبة كان هذا الموج ارتفع إلى رؤوسهم مما يجعل هلاكهم غير مرتاب فيه،
على أن الجبل قد شبه بالظلة في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتقْنَا الْجَبَل فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَةٌ﴾ [الأعراف: ۱۷۱]، ذلك لأن الآية هنا جاءت في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وكيف رفع الجبل فوق رؤوسهم تخويفاً لهم، ووعيداً علهم يرجعون عن ضلالاتهم. وهكذا تجد التشبيه في كتاب الله ينسجم انسجاماً تاماً مع السياق الذي جاء من أجله، انظر إلى قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: ۱۸۷]، ثم فكر لماذا أوثرت كلمة اللباس هنا؟، وقل لي بربك هل تجد شيئاً أكثر ما تكون له النفس حاجة، وأشد ما يكون لها وقاية أكثر من اللباس؟ ومع كونه كذلك، فهو ينشر في أجواء النفس البهجة والسرور وهو بعد ذلك كله زينة وكمال. أعرفت سر اختيار الكلمة إذن؟
ج- وإليك مثالاً آخر: آكل الربا يستبيح جهد الناس وعرقهم، فيحرمهم لذة الاستقرار النفسي، وربما ينتج عن ذلك كثير من الآلام والأمراض النفسية أو الجسدية، فما هو التشبيه الذي اختير له في كتاب الله. اقرأ قوله سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَس﴾ [البقرة: ٢٧٥)، هذا الذي يتخبطه الشيطان من المس بعيد عن كل استقرار نفسي، وراحة في الجسم، وسلامة في العقل وهل الجزاء إلا من جنس العمل؟
د وعلى العكس من هذا انظر إلى المؤمن الذي ملأ نور الإيمان قلبه، حتى إن الله تبارك وتعالى مثل هذا النور بقوله: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمشكاة فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مبرَكَةِ زَيْتُونَةٍ لَا شَرِقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورُ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور:٣٥]. فانظر إلى نور الله في قلب المؤمن وانظر إلى هذه العناصر التي اختيرت لهذا التشبيه:
١- المشكاة حتى لا يتوزع هذا النور ويتفرق.
٢- المصباح.
٣- الزجاجة.
٤- الزيت الذي يوقد منه هذا المصباح.
٥- الزيتونة لا هي بالشرقية التي تحرم ضوء الشمس حين غروبها ولا هي بالغربية التي تحرم ضوء الشمس حين إشراقها، إنما ترتشف من الشمس في كل وقت.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
إن أقدم دلائل أثرية تاريخية لآلة العود تعود إلى 5000 عام حيث وجد الباحثون أقدم أثر يدل على آلة العود...
As Logistics Officer at World Link International's Al Hudaydah branch, I managed all aspects of logi...
يساعد التواصل الاجتماعي في البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة في أي وقت وأي مكان. كما يوفر وصولًا...
لا يوجد كتابة واحدة أصليَّة (بخطِّ الكاتب نفسه) لأيِّ من كتب العهد الجديد، فإنَّنا نعتمد على نسخٍ من...
نظرية الصور سل بعملية أو أجناس سمة في هذه تها ستكون هذه الحالة شتركة أو نائية ، أو النسبة إلى الثنائ...
ظل ابو عبد الرحمن يحدق في هذا الخندق ويرن في عقله هذا السؤال ولما لا لما لا أسرق؟، وبدأت تزداد الأفك...
لمكافحة الإسراف، يجب أن نبدأ بتغيير سلوكنا ووعيّنا حول قيمة النعم. أول خطوة هي التخطيط المالي، مما ي...
ا عوﺮﺸﳌا ﺪﻳﺪﲢ ﻢﺘﻳ نأ ﺪﻌﺑ ﺎﻬﺋاﺮﺟا ﺐﺟﻮﺘﺴﻳ ﱵﻟا تﺎﺳارﺪﻟا لوأ ﻲﻫ ﺔﻴﻨﻔﻟا ﺔﺳارﺪﻟا وأ . ﺪﻌﺗ ﺔﻴﻣﻮﻤﻌﻟا ﻊﻳرﺎﺸ...
ثانيا : الأوديسا ونجد أنها سميت بالأوديسا نسبة إلى بطلها أوديسيوس وانها مثل الإلياذة تتكون من اثنى ع...
The poet looked at ascottis girl reaping and singing alone in the field either stop here to listen o...
مقدمة تعتبر الثقافة ذالك الكل المتكامل من الافكار والمعتقدات والعادات التي تنظم وتضبط الحياة اليومي...
Over time, this would shift the characteristics of a group of organisms This supports what modern b...