لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (التلخيص باستخدام خوارزمية التجزئة)

من بين مصادر القانون الدولي المعاصر، تحتل المعاهدات الدولية مكانًا هامًّا – قد لا ينازعها فيه في الوقت الراهن – أي من المصادر الأخرى، سواء العرف أو المبادئ العامة للقانون أو الفقه والقضاء أو غيرها. تعليل ذلك جد بسيط: ذلك أنها باعتبارها رضائية من حيث أطرافها ومضمونها وآثارها ومدة سريانها، تمثل المعاهدة الدولية أفضل أداة لإقامة علاقات بين أشخاص القانون الدولي. وقد عني فقهاء المسلمين، ومن بينهم فقهاء الفقه الإباضي، بالاتفاقات التي تبرم كوسيلة للعلاقات السلمية بين المسلمين وغير المسلمين. الأول: الاتفاقات التي تبرم بين الأفراد العاديين( ). والثاني: الاتفاقات (المعاهدات) الدولية التي تبرم بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية. ويرجع اتصال عمان بالإسلام إلى سنة 8 من الهجرة، حينما أرسل رسول الله  إلى أهلها من يدعوهم إلى الإسلام( ). ومن المعلوم أن المذهب الإباضي ظهر «في القرن الأول الهجري في البصرة، فهو من أقدم المذاهب الإسلامية»( ). ب) مفهوم المعاهدة الدولية في الفقه الإباضي: لا جرم أن المعاهدة هي «اتفاق» يبرم بين دولتين أو أكثر تحكمه قواعد القانون الدولي (المادة 2/1 من اتفاقية فيينا لعام 1969 الخاصة بالمعاهدات الدولية». هذا تعريف لا ينازع فيه أحد، لذلك بخصوص قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أفوا بالعقود» (المائدة:1)، يقول الكندي: «والعقد: العهد الموثق، شُبِّهَ بعقد الحبل ونحوه، وهي عقود الله التي عقدها على عباده، وألزمها إياهم، من مواجب التكليف، والعقود التي تتعاقدها الناس من المبايعة والمناكحة وغيرها»( ). إلا أن فقهاء الفقه الإباضي تطرقوا إلى بيان الفروق بين الاتفاق وما قد يشبهه، 1- الفارق بين «العهد والوعد»: «قيل في العهد والوعد إن بينهما فرقًا، فالعهد فيما تعبد الله به من أمور الدين أو أخذه عليه إمام عهد، لعله عدل، أو ما يكون بين العباد مما يكون بخلفه إتلاف مال أو نفس أو إدخال ضرر كثير، وأما الوعد ففيما لا يتعلق ذلك به حق لمخلوق، وكان في خلفه كالساهي، أو ما لا يؤدي ذلك إلى كثير ضرر، فمن نقض عهده فذلك من كبائر الذنوب ويبلغ به الهلاك، ومن أخلف وعده كان آثمًا ولا يبلغ فاعلوه إلى الكفر والهلاك، والله أعلم»( ). 2- الفارق بين «العهد والميثاق»: قد يبدو أنه ليس هناك ثمة فارق بين اللفظين، فالمقصود بالعهود «مجرد الدخول في الصلح وعقده» وبالمواثيق «التأكيد فيه»( ). لذلك بخصوص قوله تعالى: [قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ] {يوسف:66}، يقول الكندي: «وإنما جعل الحلف بالله موثقًا منه؛ لأن الحلف به مما تؤكد به العهود»( )، كما أن قوله تعالى: [وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا] {النحل:91}، أي بعد توثيقها باسم الله»( ). 3- الفارق بين «العقد والعهد»: في تفسيره لقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ] {المائدة:1}، «وأصل العقد الجمع بين منفصلين عسر الانفصال أم لم يعسر، وقيل: أصله الربط ثم استعمل مجازًا في العهد الموثق، وقيل: العقد فيه معنى الاستيثاق والشد ولا يكون إلا بين اثنين، والعهد قد ينفرد به واحد، ويرده قوله تعالى: [عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ] {المائدة:89}، فإن الحلف لا يلزم أن يكون بين اثنين»( ). وبعبارة أخرى، يمكن القول إن العقد هو «تصرف قانوني يصدر عن جانبين أو أكثر»، أما العهد فهو «تصرف قانوني يصدر عن جانب واحد: فالعقد من الأعمال القانونية الاتفاقية، أما العهد فهو، في بعض صوره، من الأعمال القانونية الانفرادية. الأسباب الدالة على معرفة الفقه الإباضي لإمكانية إبرام معاهدات دولية يمكن التدليل على معرفة فقهاء الفقه الإباضي لإمكانية إبرام معاهدات دولية، أي معاهدات تبرم مع دول أخرى، أ) معرفة الفقه الإباضي وجود دول غير إسلامية (فكرة دار العدل أو دار الإسلام ودار الجوْر أو دار الكفر): أخذ فقهاء المسلمين – منذ أمد بعيد – بتقسيم للإقليم أصبح شائعًا، وهو «تقسيم العالم إلى دارين: دار الإسلام ودار الحرب، وأضاف آخرون دورًا أخرى كدار العهد، ودار الردة . إلخ»( ). وقد عرَف فقهاء الفقه الإباضي وجود دور أخرى غير دار الإسلام. 1- بطريقة ضمنية (فكرة أن حكم اتخاذ الأوطان «واجب»): لا شك أن ذلك يعني «تعدد الأوطان» ووجود بلدان متغايرة. ومن نتائج ذلك حتمية إبرام معاهدات أو اتفاقات بينها لتصريف علاقاتها المتبادلة. يقول الشيخ ابن سلوم السالمي: حكم اتخاذ الأوطان «واجب» كما أن «من قطع الأوطان عن نفسه كسائح في عبادة لم ينوِ الرجوع إلى وطنه أو خارج في تجارة أو متردد في البلدان لا قرار له ولا مستقر، وما أشبه ذلك، فإن هؤلاء كلهم ليس لهم أن يقطعوا الأوطان عن أنفسهم لما تقدم من أن ذلك يهدم بعض أحكام الشرع المتعلقة بالحاضر والمسافر»( ). 2- بطريقة صريحة (الإشارة صراحة إلى دار الإسلام ودار الكفر): «وقيل: الدار إذا كان أهلها أئمة عدلٍ وأتباعها، فهي دار العدل: دار الإسلام. وإذا كان الغالب عليها، والمالك لها أئمة الجور وأتباعها، فهي دار جور. والجور كفر، وهي دار كفر. وفي الدار قول: إنها دار إيمان. وقد مات رسول الله  وكان أمر المسلمين العدل، وإجماعهم عليه، إلى أن قدم أبو بكر»( ). «وأما إذا كان المالك للدار أهل الكفر، وهي دار كفر. فإذا خرج المسلمون وحاربوهم، فما لم يظهروا على أهل الكفر، فالله أعلم. وإن غلب عليه أهل الكفر، فهي دارهم، حتى يغلب عليه المسلمون، ليس معنا فيها أثر دار الإسلام، أو دار الكفر، فنأثر إلا ما في الكتب. وقد خرج المسلمون على عثمان بلا إمام حتى قتلوه، ثم قدموا عليًّا. وإذا كان المسلمون المالكين الدار، والحاكمين عليها وعلى أهلها، فخرج عليهم أهل الجور، فالدار دارهم: دار الإسلام، وما بقوا يحاربون عنها، ويدفعون عنها، حتى يزول أمرهم، ويظهر أهل الجور عليهم. ثم قد زالت عنهم، وصارت دار كفر»( ). يتضح من ذلك أن المعيار الأساسي في التفرقة بين دار الإسلام (العدل) ودار الكفر (الجور) يكمن في أمرين: - معيار مادي: السيطرة على الإقليم . - معيار كيفي: سريان أحكام الإسلام على ذلك الإقليم (فتكون الدار دار إسلام) أو عدم سريانها عليه (فتكون الدار دار كفر أو جور) ( ). ب) معرفة الفقه الإباضي لمعاهدات «الهدنة»: وهكذا جاء في شرح كتاب النيل وشفاء العليل: «لا تقع هدنة من فتنة سبقت بخاصة بل بعهود ومواثيق على صلح من منظور إليه، كسلطان لرعيته، وسيد لعبيده، ومقبول قوله، فبذلك تزال عنه وعن متبعه لا مخالف له»( ). ج) معرفة الفقه الإباضي لإمكانية إبرام معاهدات الصلح( ): هذه صورة أخرى من المعاهدات الدولية التي أكد عليها فقهاء الفقه الإباضي. «ندب الصلح، وللخبر الوارد فيه»( ) . وتحت باب (في مصالحة أهل الحرب من البغاة من المشركين)، «الشيخ أبو محمد: وللإمام مصالحة عدوه من أهل حربه بمال، إذا كان في حال ضعف عن قتاله، والهرب عنه عند زحفه إليه، واعتصامه بالمواضع المانعة من الحصون والقلاع، رجاء استبقاء الدولة. وعليه طلب الناصر مع ذلك، سرًّا وعلانية اقتداءً برسول الله ، في فعله وهربه إلى الغار، وتواريه عن عدوه، عند طلبهم إياه، وبارتفاعه بأصحابه إلى جبل أحد، وتحصينه بالخندق. وكل ذلك انتظارًا منه للقوة على عدوه، ووجود الناصر، والتعمل في الحيلة، وطلب المكيدة عليه، إلى أن وجد السبيل إلى ذلك. ويدل على أن للإمام وللمسلمين، أن يصالحوا عدوهم عند الضعف والعجز عن محاربته، والحذر على أن يستولي على مملكته، بعد قتله أصحابه قوله تعالى: [فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ] {محمد:35} فمنعهم عن مصالحة عدوهم، على هذه الشريطة. وهي الاستظهار على عدوهم، إذا كانوا هم الأعلون، ففي هذا دليل على أن عدم الشريطة، يوجب جواز ما بوجوده منع مصالحته»( ). د) معرفة الفقه الإباضي لجواز إبرام معاهدات «الأمان» لأهل الحرب: وهكذا جاء تحت «باب في أمان المحاربين» في المصنف: «الرواية عن النبي  أنه قال: المسلمون يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم». والأمان، والعهد، والبيعة، والصفقة، والخفارة، والجوار، والأجل، والإصر، والذمام، والشروط، والعصمة، فكل من أمنه أحد من المسلمين، أو قال له: لا بأس عليك، أو كلمه كلام يطمعه فيه بالأمان، فجاء المشرك بحال ذلك، فلا يقتل. ويكون غنيمة. ومن الأثر: وزعم أن موسى قال: إنما الأمان للإمام ليس لغيره. ابن جعفر: وقيل ذلك لكل من غزا من المسلمين، من البالغين الأحرار، من له ولاية أو من لا ولاية له. والصراري في البحر، والحمالة في البر. » ( ). «أبو مودود: ولا يحل قتل رجل، أمنه رجل من المسلمين، لأن ذمة المسلمين واحدة تجري ما أعطى أولهم على آخرهم، من كان عدلاً. فأي رجل من المسلمين أمن رجلاً، قد لزمه شيء في حكم المسلمين، لم يجز ذلك الأمان؛ لأنه ليس لأحد أن يحكم بخلاف حكم الله، ولا يؤمن أحدًا على حدود الله الواجبة. وفي قول أصحابنا: إن الإشارة بالأمان أمان. وتأتي الإشارة التي تثبت معه الأمان، فهو أمان بها. وأما قوله: اطرح سلاحك، ونحو هذا. فهذا يتصرف على معانٍ، وهو على معنى المريد لا المراد، وينظر فيه»( ). شروط إبرام المعاهدات الدولية في الفقه الإباضي لا شك أن مسألة بحث صحة أو عدم صحة عمل قانوني ما يعتبر مسألة صعبة وغير محددة. على أية حال، يمكن أن تثور هذه المسألة بالنسبة لأي عمل قانوني مهما كان فاعله أو شكله أو طبيعته. ومن الملاحظ أن أشخاص القانون الدولي تحاول دائمًا، أو على الأقل في أغلب الأحوال، أن تراعي كافة الشرائط اللازمة لصحة الأعمال القانونية الصادرة عنها. فهذه الأشخاص عند إصدار أو إبرام عمل قانونيٍّ ما تتخذ كافة الاحتياطات اللازمة لاحترام وعدم مخالفة حرفية وروح القواعد التي تحكم نشاطها وغيرها من القواعد اللازمة لصحة العمل القانوني الذي تزمع اتخاذه، فالشرعية هي، أو يجب أن تكون، حجر الزاوية في «العلاقات التعاملية» لأشخاص القانون الدولي والداخلي( ). وقد تعرض فقهاء الفقه الإباضي للكثير من شروط صحة إبرام المعاهدات الدولية، أ) عدم مخالفة قواعد الشريعة الإسلامية: ذلك أنه من المعلوم أنه: «لا يجوز لأحد أن يشتري حرامًا»( ). ذلك أن الثابت ضرورة ترك «ما يأثم به، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يتقرب إلى الله بمعصية»( ). كذلك بخصوص أمان الملوك لأهل الحرب، «وإن ظهر أن في تأمين الجبابرة فسادًا في الدين وفشلاً في المسلمين فلا تأمين لهم، كيف يكون التأمين فيما فيه هدم أركان الدين»( ). وأيضًا من المعلوم أنه: «وإن وقعت منهم شروط مذلة مثلما جرى لرسول الله  لأهل مكة فإنا لا نجيبهم إلى شيء من ذلك»( ). يؤيد ذلك: «فكل ما أحدثوه في الإسلام مما لا تقره قواعد الأحكام من صلح أو حرب أو عهد أو ذمة فهو مجزوم الأمراس مهدوم الأسس إلا ما أقرته القواعد الشرعية وأثبته حكم الله في البرية»( ). ب) ضرورة مراعاة قاعدة: «يستوجب البراءة من لم يهتم بأمور المسلمين ولو دنيوية»( ): ولا شك أن هذه قاعدة مهمة يجب وضعها في الاعتبار ونصب الأعين عند إبرام أية معاهدة دولية. ذلك أن من المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية في الإسلام: «مبدأ الاهتمام بأمر المسلمين»( )، 1- أمر إيجابي: إبرام أية معاهدة فيها نفع ومصلحة للمسلمين. 2- أمر سلبي: الامتناع عن الدخول في أية معاهدة تضر بالمسلمين. ج) إبرام المعاهدات الدولية مناطه التوصل إلى «تحقيق منفعة أو دفع ضرر»: وهكذا جاء في كتاب شرح النيل وشفاء العليل: «وحرم اهتمام بأمور ذوي الكفر إن لم يكن لاستجرار نفع واستدفاع ضر وإن لخاصة المسلمين أو لنفس المهتم ما لم يقصد تقويتهم على باطل»( ). معنى ذلك أنه لا يجوز إبرام معاهدة دولية تضيع حقوق المسلمين، ذلك أن من تهوين الإسلام تضييع حقوقه، وكذا من تهوين المسلمين تضييع حقوقهم»( ). لذلك قرر فقهاء الفقه الإباضي أن: «إهانة الإسلام وأهله وتعظيم الكفر وذويه كفر»( ). د) تأريخ المعاهدة الدولية: يعتبر ذلك من الأمور الشكلية واجبة المراعاة عند إبرام المعاهدات الدولية، لتحديد المسائل التي تحكمها، وتلك التي تخرج عن نطاق تطبيقها من الناحية الزمنية»( ). وقد عُنِيَ فقهاء الفقه الإباضي أيضًا «بتأريخ الكتب»( ). آثار المعاهدات الدولية في الفقه الإباضى تنتج المعاهدة الدولية بعض الآثار. أ) الوفاء بالعهد في الفقه الإباضي: «ومن العهد الحفاظ ورعاية الحرمة، وهذا معنى الحديث، أن عجوزًا دخلت على النبي فسأل بها واحتفى، وقال عليه السلام: إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان»( ). كذلك يقول الرستاقي: «والذمي إذا دخل في العهد، فليس لأحد أن يظلمه، ولا يعتدي عليه»( ). وهكذا فإن القاعدة في الفقه الإباضي أن: «حسن العهد من الإيمان»، الأمر الذي يضفي على الوفاء بالعهد إلزامًا والتزامًا دينيًّا يمنع من الخروج على المعاهدة أو خرقها أو مخالفتها أو انتهاك أحكامها. يقول أطفيش بخصوص قوله تعالى: [فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ] {التوبة:4}، أنه سبحانه وتعالى «أمر بالوفاء لهم، ولا يجعل الوافي كالغادر» ( ). كذلك بخصوص الآية (7) من سورة التوبة، «(فما استقاموا لكم) فما أقاموا على وفاء العهد، (فاستقيموا لهم) على الوفاء (إن الله يحب المتقين) يعني: أن التربص بهم من أعمال المتقين»( ). فالقاعدة إذن أن الوفاء بالكلمة المعطاة، وعدم الخروج عليها أمر لازم لازب: «فإذا وقع بينهم عهد أو صلح فعلى المسلمين الوفاء به كان إلى مدة أو غير مدة وليس لأحد من المسلمين الزيادة عليهم فوق ما جرى عليه صلحهم»( ). وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحث على ضرورة الوفاء بالعهد، - [فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ] {المائدة:13} . - [وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا] {الفتح:10}. - [الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ] {الأنفال:56-58}. - [بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ] {التوبة:1}. - [إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا( ) وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ] {التوبة:4}. - [كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ] {التوبة:7}. - [وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ] {النحل:91-92}( ). 2- نطاق تطبيق مبدأ الوفاء بالعهد: نشير إلى تطبيق مبدأ الوفاء بالعهد من الناحية المكانية والزمانية والشخصية. أولاً- من الناحية المكانية: الوفاء بالعهد واجب سواء في بلاد غير الإسلام أو في بلاد المسلمين: قاعدة الوفاء بالعهد واجبة المراعاة من الدول الإسلامية ومن المسلمين حتى ولو كانوا خارج ديار الإسلام. «وقيل في قوم: من أهل العهد، ثقل عليهم الخراج أو غيره، فلحقوا بأهل الحرب. ثم ظهر المسلمون على تلك البلاد، فلا يُسْبَوْن، ولا تؤخذ أموالهم، ما لم ينقضوا العهد بخلاف المسلمين». وفي موضع: إذا دخل صاحب عهد بذريته دار الحرب، فلا سبا عليهم إلا من كان بالغًا»( ). «ولا ينبغي للمشرك إذا أسلم في المشركين أن يقطع شيئًا من أموالهم بجناية ولا مكاثرة وهو في أمانهم حتى ينابذهم وينابذوه»( ). «ولا ينبغي للمشرك إذا أسلم في المشركين، إلا أن يقتطع شيئًا من أموالهم بخيانة، ولا مكابرة، وهم في أمانهم، حتى ينابذهم وينابذوه. وإذا دخل المسلم أرض الحرب بأمان، فغزاهم آخرون. نقول: إن أرادوه، فليمنع نفسه، وإن لم يريدوه، فليتركهم. وقول: لا يعين عليهم، ولا على من له عندهم أمان. ولا بأس أن يعينهم، ولا بأس أن يعين على أهل حربهم وينصرهم؛ لقوله عز وجل: [وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ] {الأنفال:72}، وهو قول الحسن»( ). • في بلاد الإسلام: الوفاء بالعهد واجب في دار الإسلام: «وكذلك إذا دخل الحربي بأمان دار الإسلام، فقتله مسلم، أو غصبه. وفي نسخة: فقتل مسلمًا أو غصبه وفي نسخة: فقتل مسلمًا أو غصبه. ثم لحق بدار الشرك، ثم أسلم. نقول: إن قتله عمدًا، فعليه القَوَدُ. وعليه أن يرد ماله، وليس للإمام أن يأمنه على ما أصاب. قال: غيره إن كان الحربي قتل المسلم، ثم خرج إلى دار الحرب، ثم أسلم، فعليه القود، وعليه رد المال. فإن كان المسلم قتل الحربي الداخل بأمان، وهو مسلم. ثم ارتد. ثم أسلم بعد ذلك، فلا يقتل مسلم بمشرك. وعليه رد المال»( ). ثانيًا – من الناحية الزمنية: بحث فقهاء الفقه الإباضي الجانب الزمني لمبدأ الوفاء بالعهد من زاويتين: • الوفاء بالعهد في الفقه الإباضى ينطبق سواء تعلق الأمر بفعل حالٍّ أو مؤجل: يقول أطفيش: «ولا يلزم من وجوب الوفاء بالشيء إذا كان أن يكون جائز الوقوع في الحال»( ). • إمكانية نفاذ المعاهدة المبرمة في الماضي: تعرض علماء الفقه الإباضي إلى أمر مهم: هو أن الدولة يمكن أن تظل ملتزمة بمعاهدة دولية لم تبرمها السلطات الحالية في الدولة، وإنما حاكم سابق عليها. وهكذا بخصوص «ما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية ونحو ذلك» يقول ابن عبيدان: «فإذا ظفر الإمام بأرض المسلمين وفيها ذمة قد كان عقدها لهم جبار تلك الأرض الذي كان قد استولى عليها قبل الإمام؟ لم يكن للإمام أن ينقض ذمة الجبار ويحل عليه ما عقده لهم، وكذلك إن كان الجبار قد أخذ منهم الجزية لأعوام قد نقضت في حال استيلائه على تلك الأرض. فإن قال قائل: فلمَ جعلتم فعل الجبار كفعل الإمام في العهد وأخذ الجزية عندكم أنه لا يستحق أخذها؟ قيل له: لقول النبي : «المسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم» فهذا الخبر يوجب إسقاط أخذ الجزية منهم بعد أن أخذها من هو أدنى المسلمين»( ). يدل ذلك إذن على استمرارية المعاهدة التي أبرمت في الماضي على «ذات الأوضاع وبذات الشروط» في المستقبل. تتمثل الجوانب الشخصية لمبدأ الوفاء بالعهد في الفقه الإباضي خصوصًا في الأمور الأربعة الآتية: • إمكانية امتداد آثار المعاهدة إلى من يصلون إلى قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق: يعتبر ذلك دليلاً على إمكانية امتداد آثار المعاهدة إلى غير أطرافها. «أي فاقتلوهم إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق»( ). • عدم إعانة أي طرف إذا كان هناك اتفاق نافذ مع دولتين أو أكثر: معنى ذلك أن التزام الحياد، وعدم الوقوف إلى جانب طرف ضد الطرف الآخر هو أمر يجب مراعاته، ما دام المسلمون مرتبطين باتفاق مع كل طرف من الأطراف المتحاربة. «وقيل في ملكين من ملوك الشرك يقاتل أحدهما الآخر وهما جميعًا صلح للمسلمين يتجرون في بلادهم؟ قال: لا يصلح للمسلمين القتال لأحد الفريقين مع الآخر ولا يأمروا بعضهم بعضًا بقتال بعض، ولا يصلح للمسلمين أن يشتروا من أحدهما ما أصاب من صاحبه من رقيق الفريقين جميعًا»( ). • قاعـدة: «منع سبي المولود حال العهد»: ذلك أن «المولود في حال العهد إنما ولد على الذمة، فكأنه صار بذلك حرًّا، وإذا صار إلى الحرية لا يرجع إلى الرق أبدًا»( ). • بخصوص معاملة الكفار فيما غصبوه من مسلم، اختلفوا فيما سباه المشركون من فرقة منهم لها عهد، قيل: يشتري منهم وقيل لا. الفريق الذي أخذ بالمنع استند إلى العهد «الذي أخذوه من المسلمين»( ). ب) تحريم المكر والخديعة والغدر في تنفيذ المعاهدات الدولية: يشكل ذلك الوجه السلبي لضرورة الالتزام بالعهد، بينما الوفاء به يمثل وجهها الإيجابي. وقد ورد في كتب الفقه الإباضي ما يدل عليها. «وذم المكر والخديعة ولا يوصف بهما أيضًا ومعناهما إظهار حسن لمسيء على أن يساء إليه بلا مبيح». وقد يكونان بلا مجازاة، وجازا في حرب مباحة ككذب بين أخوين تشاجرا أو زوجين على صلح بينهما وبين أهل حرب مباحة»( ). كذلك فإن الغدر محظور، لذلك جاء في المصنف: «يجوز للمسلمين صلح أهل الأوثان، السنة والسنتين، حتى يكثر المسلمون ويقووا. وليس لهم أن يغدروا بهم، ولهم ما صالحوهم عليه»( ). أيضًا: «وإن دخلنا في بلادهم (أي بلاد المشركين) بأمان فإنا لا نخون ولا نغدر»( ). ج) تحريم «البغي والظلم والاعتداء» عند تنفيذ المعاهدات الدولية: «البغي والظلم والاعتداء حرام»( ). ولا شك أن هذه القاعدة تنطبق على المعاهدات الدولية، ذلك أن البغي والظلم والعدوان في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، حرام أيضًا. انقضاء المعاهدات الدولية في الفقه الإباضي لا شك أن مسألة انقضاء المعاهدات الدولية تعد موضوعًا هامًّا في إطار النظرية العامة للمعاهدات. ومن المعلوم أن انقضاء المعاهدة أو وقف تطبيقها يؤدي إلى إنهاء سريان تطبيق المعاهدة سواء بصورة نهائية (حالة انقضاء المعاهدة)، أو مؤقتة (حالة وقف المعاهدة وعدم تطبيقها). على أنه يجب أن نقرر أنه على أطراف المعاهدة ألا يقرروا انقضاءها أو وقف تطبيقها بلا تروٍّ أو تفكير، وإنما ، بالعكس، عليهم الاحترام الكامل لنصوص المعاهدة، ويفسر ذلك بخطورة هذه العملية؛ لأن إنهاء المعاهدة دون سبب مشروع من شأنه أن يعرض للخطر استقرار العلاقات القانونية الدولية وبالتالي انعدام الأمن القانوني والثقة، وهما حجر الزاوية لأية علاقة اتفاقية( ). وقد تعرض فقهاء الفقه الإباضي لأسباب كثيرة تؤدي إلى انقضاء المعاهدات الدولية، «وأما أهل الحرب من المشركين، فله ذلك، إذا صالحهم على شيء يؤدونه إليه، أو رأى أن ذلك أقوى لأمره، وأعز لعسكره، صالحهم على أن يقوى أمره، ويكون الصلح إلى أجل، يجعله بينهم، فإذا مضى الأجل ذهب الصلح»( ). ولا شك أن ذلك يؤكده قوله تعالى: [إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ] {التوبة:4}. ب) نقض المعاهدة الدولية: لا شك أن نقض أو انتهاك المعاهدة هو أمر جدُّ خطير، يحتاج إلى بيان القواعد واجبة التطبيق في هذا الخصوص. وقد ذكر فقهاء الفقه الإباضي أهم هذه القواعد، 1- نقض العهد يعني عدم تنفيذ أحكام المعاهدة الدولية: «عن محمد بن محبوب: وإذا امتنع أهل الحرب بما صالحوا عليه المسلمين، أو بشيء منه، فقد نقضوا عهدهم، وحلوا عقدهم. فعند ذلك يُدعون إلى الإسلام. فإذا دخلوا فيه، قبل منهم. وكانت لهم حرمة الإسلام، وهدم الإسلام عنهم، ما كان عليهم من ذلك الصلح الذي يؤدونه على شركهم. وإن كرهوا الدخول في الإسلام، دُعُوا إلى أن يعطوا ما جرى عليه الصلح، فإن أعطوه وافيًا لما مضى، وهم به ممتنعون، قُبل ذلك منهم، وحقنوا به دماءهم. وكانوا على عهدهم. وكان حقًّا على المسلمين الوفاء لهم، والقبول منهم. وإن كرهوا ذلك، كان حقًّا على المسلمين قتالهم، واستحلال دمائهم. فإن أظفر الله بهم المسلمين، أحل الله لهم غنيمة أموالهم، وسبى ذراريهم الذين ولدوا بعد امتناعهم بالصلح، وسبي من قاتل من نسائهم، أو لم يقاتل. وأما ما ولد قبل ذلك، في حال دينونتهم بالصلح، وتأديتهم إياه، فلا سبي عليهم. وإن نقضوا ما كانوا صالحوا عليه، وأجابوا أن يعطوا الجزية، فلا يقبل ذلك منهم»( ). «إذا أعان أهل العهد أهل الحرب، على محاربة المسلمين، فقد نقضوا العهد»( ). لذلك بخصوص قوله تعالى: [كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ] الناكثين [عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ] {التوبة:7}، يقول أطفيش: «والاستفهام إنكاري بمعنى النفي. والمعنى: لا يثبت لهم عهد عند الله ورسوله دون أن ينقضوه، بل لا بد من أن ينقضوه لوغر صدورهم، فالعهد فعل لهم أولاً لا يثبت الله لهم عهده وقد نقضوه»( ). 2- نقض العهد بعد إبرامه «ظلم وطغيان وبغي»: أكد الفقه الإباضي على ما يلي: «وإن تعاهدوا على عامة الفريقين واصطلحوا على هدم الأموال والأنفس فمن زحف بعد لمحاربه فباغٍ ولآخر دفاعه إذ هو محق، كانت محاربتهم الأولى على ديانة أو على غيرها من مخالف أو موافق أو باغ فناقض العهد بعد إبرامه ظالم طاغٍ»( ). وناقضُ العهدِ بعدَ الصلحِ مجترحٌ باغٍ إذا كانَ شرطُ الصلحِ قدْ كملا بخصوص ذلك يقول الشيخ السالمي: «هدم الصلح حرام لا يصح ولا يحل، وهادمه بعد استقراره باغٍ قطعًا»( ). 3- نقض العهد يؤدي إلى التحلل من أحكام المعاهدة: «وإذا نقض أهل الكتاب العهد وحاربوا، حلَّ سبْيُ نسائهم وذراريهم، الذين ولدوا معهم، بعد نقض عهدهم، وإن لم يحاربوا. بذلك جاءت السنة عن النبي . وكذلك تُغنم أموالهم وتُسبى نساؤهم وذراريهم، الذين ولدوا بعد نقض عهدهم، الذين كانوا في الموضع الذي فيه نقض العهد المحاربون للمسلمين. وفي السنة: إن النبي  حكم بذلك مجملاً، وأحله منهم. وإن كان لهؤلاء المحاربين أرحام ونساء وذراري، في غير البلد الذي نقض العهد فيه، وحاربوا، لم يحل للمسلمين سباهم، إلا من هرب من النساء والذراري إلى البلد الذي وقعت فيه الحرب، من بعد أن وقعت بينهم وبين المسلمين فأولئك عليهم السباء. ومن هرب من قبل وقوع الحرب، إلى بلد آخر، فلا سباء عليهم. فإن ألقوا بأيديهم، ورجعوا إلى عهدهم، قُبل منهم ما لم يقتلوا»( ). 4- في بعض الأحوال يجب الالتزام بالمعاهدة حتى ولو نقضها الطرف الآخر: يكون ذلك في حالتين أوضحهما الفقه الإباضي: «وعن قوم من المسلمين، صالحهم قوم من أهل الشرك، ووضعوا عندهم رهائن وأخذوا من المسلمين رهنًا، فقتل المشركون ما في أيديهم من رهائن. قال: لا يحل ذلك لهم؛ لأنهم آمنون. فإن نقض أولئك وقتلوا المسلمين، فقد نقضوا عهدهم، وصاروا حربًا»( ). ثانيًا – في حالة عودة الناقض إلى الالتزام بعهده: «من المعتبر: ويُدعى أهل العهد إلى الإسلام، إذا نقضوا العهد بشيء يكونون فيه ناقضين، أو الرجوع إلى عهدهم، وإعطاء الجزية لا يقبل منهم غير ذلك، لثبوت عهد الإسلام لهم وعليهم. فإن حاربوا على ذلك، حوربوا وقُوتلوا. فمن أُخذ أسيرًا، لم يقبل منه إلا الإسلام، أو رجوعه إلى العهد الذي كان له، وإعطاء الجزية إن كانت عليه. وأحسب قولاً: يقتل مقاتلهم، إن ظفر بهم، ولم يرجعوا إلى العهد من بعد ما حاربوا. وقول: إذا حاربوا، وهم أهل شرك، فقد نقضوا عهدهم، وجاز فيهم ما يجوز في أهل الحرب، بثبوت الحرب فيهم، وزوال العهد عنهم. فمن رجع إلى عهده، أو أسلم، قبل أن يظفر به، كان له حق ما رجع إليه من الإسلام، أو العهد. ومن ظفر بهم منهم، كان غنيمة للمسلمين، بمنزلة أهل الشرك وأهل الحرب. وما أصابوا من دماء المسلمين، في حال نقضهم لعهدهم ومحاربتهم، فهو هدر عنهم، إذا فاءوا، ورجعوا إلى تمام الصلح، وتركوا المحاربة. وفي موضع: قال في قوم من أهل العهد، قتلوا وحاربوا، وامتنعوا ثم رجعوا إلى العهد، إنهم يؤخذون بتلك الأحداث، فيُقتلون بما قَتلوا. وإن أسلموا فهو كذلك. قال أبو عبد الله: إذا نقضوا عهدهم وقتلوهم. وهم أهل دين، ثم رجعوا إلى العهد، قبل منهم، ولم يؤخذوا بما قتلوا، ولا يردون من الأموال إلا أموالاً توجد في أيديهم، فتؤخذ منهم»( ). ولا شك أن قاعدة «عدم انقضاء المعاهدة بعودة الناقض إلى الالتزام بعهده» يجب فهمها كما يلي: أولاً- أنها تدل على «نزعة سلمية» في الفقه الإباضي تهدف إلى استقرار الأمن القانوني بين أطراف المعاهدة، وعدم رواج الفوضى في علاقاتهم المتبادلة إذا تقرر انقضاء ما تم الاتفاق عليه سلفًا. ثانيًا- أنها تطبق فقط عند عدم الإخلال الجسيم بالمعاهدة وبشرط ألا يترتب على استمرار المعاهدة التي تم نقضها ضرر كبير بالدولة الإسلامية( )؛ - يعطي لأي طرف إمكانية خرق المعاهدة مطمئنًا بأنها ستظل نافذة رغم خرقها. - يمكن أن يؤدي إلى توتر «وقتي» (أثناء فترة الانتهاك) في العلاقات بين أطراف المعاهدة. - يشجع على عدم الالتزام بالكلمة المعطاة حتى ولو ترتب على ذلك نتائج وآثار وخيمة.


النص الأصلي

أ) لمحة إجمالية:
من بين مصادر القانون الدولي المعاصر، تحتل المعاهدات الدولية مكانًا هامًّا – قد لا ينازعها فيه في الوقت الراهن – أي من المصادر الأخرى، سواء العرف أو المبادئ العامة للقانون أو الفقه والقضاء أو غيرها. تعليل ذلك جد بسيط: ذلك أنها باعتبارها رضائية من حيث أطرافها ومضمونها وآثارها ومدة سريانها، تمثل المعاهدة الدولية أفضل أداة لإقامة علاقات بين أشخاص القانون الدولي.
وقد عني فقهاء المسلمين، ومن بينهم فقهاء الفقه الإباضي، بالاتفاقات التي تبرم كوسيلة للعلاقات السلمية بين المسلمين وغير المسلمين. وهذه الاتفاقات على نوعين:
الأول: الاتفاقات التي تبرم بين الأفراد العاديين( ).
والثاني: الاتفاقات (المعاهدات) الدولية التي تبرم بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية.
ويرجع اتصال عمان بالإسلام إلى سنة 8 من الهجرة، حينما أرسل رسول الله  إلى أهلها من يدعوهم إلى الإسلام( ).
ومن المعلوم أن المذهب الإباضي ظهر «في القرن الأول الهجري في البصرة، فهو من أقدم المذاهب الإسلامية»( ).
ب) مفهوم المعاهدة الدولية في الفقه الإباضي:
لا جرم أن المعاهدة هي «اتفاق» يبرم بين دولتين أو أكثر تحكمه قواعد القانون الدولي (المادة 2/1 من اتفاقية فيينا لعام 1969 الخاصة بالمعاهدات الدولية».
هذا تعريف لا ينازع فيه أحد، لذلك بخصوص قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أفوا بالعقود» (المائدة:1)، يقول الكندي: «والعقد: العهد الموثق، شُبِّهَ بعقد الحبل ونحوه، وهي عقود الله التي عقدها على عباده، وألزمها إياهم، من مواجب التكليف، والعقود التي تتعاقدها الناس من المبايعة والمناكحة وغيرها»( ).
إلا أن فقهاء الفقه الإباضي تطرقوا إلى بيان الفروق بين الاتفاق وما قد يشبهه، ففرقوا بين أمور ثلاثة :
1- الفارق بين «العهد والوعد»:
يقول النزوي:
«قيل في العهد والوعد إن بينهما فرقًا، فالعهد فيما تعبد الله به من أمور الدين أو أخذه عليه إمام عهد، لعله عدل، أو ما يكون بين العباد مما يكون بخلفه إتلاف مال أو نفس أو إدخال ضرر كثير، وأما الوعد ففيما لا يتعلق ذلك به حق لمخلوق، وكان في خلفه كالساهي، أو ما لا يؤدي ذلك إلى كثير ضرر، فمن نقض عهده فذلك من كبائر الذنوب ويبلغ به الهلاك، ومن أخلف وعده كان آثمًا ولا يبلغ فاعلوه إلى الكفر والهلاك، والله أعلم»( ).
2- الفارق بين «العهد والميثاق»:
قد يبدو أنه ليس هناك ثمة فارق بين اللفظين، إلا أن فقهاء الفقه الإباضي فرقوا تفريقًا دقيقًا بين «العهود والمواثيق»:
فالمقصود بالعهود «مجرد الدخول في الصلح وعقده» وبالمواثيق «التأكيد فيه»( ).
لذلك بخصوص قوله تعالى: [قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ] {يوسف:66}، يقول الكندي: «وإنما جعل الحلف بالله موثقًا منه؛ لأن الحلف به مما تؤكد به العهود»( )، كما أن قوله تعالى: [وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا] {النحل:91}، أي بعد توثيقها باسم الله»( ).
3- الفارق بين «العقد والعهد»:
في تفسيره لقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ] {المائدة:1}، يقول العلامة أطفيش:
«وأصل العقد الجمع بين منفصلين عسر الانفصال أم لم يعسر، وقيل: أصله الربط ثم استعمل مجازًا في العهد الموثق، وقيل: العقد فيه معنى الاستيثاق والشد ولا يكون إلا بين اثنين، والعهد قد ينفرد به واحد، ويرده قوله تعالى: [عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ] {المائدة:89}، فإن الحلف لا يلزم أن يكون بين اثنين»( ).
وبعبارة أخرى، يمكن القول إن العقد هو «تصرف قانوني يصدر عن جانبين أو أكثر»، أما العهد فهو «تصرف قانوني يصدر عن جانب واحد: فالعقد من الأعمال القانونية الاتفاقية، أما العهد فهو، في بعض صوره، من الأعمال القانونية الانفرادية.
المبحث الأول
الأسباب الدالة على معرفة الفقه الإباضي لإمكانية إبرام معاهدات دولية
يمكن التدليل على معرفة فقهاء الفقه الإباضي لإمكانية إبرام معاهدات دولية، أي معاهدات تبرم مع دول أخرى، من الأمور الآتية:
أ) معرفة الفقه الإباضي وجود دول غير إسلامية (فكرة دار العدل أو دار الإسلام ودار الجوْر أو دار الكفر):
أخذ فقهاء المسلمين – منذ أمد بعيد – بتقسيم للإقليم أصبح شائعًا، وهو «تقسيم العالم إلى دارين: دار الإسلام ودار الحرب، وأضاف آخرون دورًا أخرى كدار العهد، ودار الردة ... إلخ»( ).
وقد عرَف فقهاء الفقه الإباضي وجود دور أخرى غير دار الإسلام. ويمكن التدليل على ذلك بأمرين:
1- بطريقة ضمنية (فكرة أن حكم اتخاذ الأوطان «واجب»):
لا شك أن ذلك يعني «تعدد الأوطان» ووجود بلدان متغايرة. ومن نتائج ذلك حتمية إبرام معاهدات أو اتفاقات بينها لتصريف علاقاتها المتبادلة.
يقول الشيخ ابن سلوم السالمي:
حكم اتخاذ الأوطان «واجب» كما أن «من قطع الأوطان عن نفسه كسائح في عبادة لم ينوِ الرجوع إلى وطنه أو خارج في تجارة أو متردد في البلدان لا قرار له ولا مستقر، وما أشبه ذلك، فإن هؤلاء كلهم ليس لهم أن يقطعوا الأوطان عن أنفسهم لما تقدم من أن ذلك يهدم بعض أحكام الشرع المتعلقة بالحاضر والمسافر»( ).
2- بطريقة صريحة (الإشارة صراحة إلى دار الإسلام ودار الكفر):
يقول الإمام النزوي:
«وقيل: الدار إذا كان أهلها أئمة عدلٍ وأتباعها، فهي دار العدل: دار الإسلام.
وإذا كان الغالب عليها، والمالك لها أئمة الجور وأتباعها، فهي دار جور. والجور كفر، وهي دار كفر. وفي الدار قول: إنها دار إيمان. وقد مات رسول الله  وكان أمر المسلمين العدل، وإجماعهم عليه، إلى أن قدم أبو بكر»( ).
ويضيف أيضًا:
«وأما إذا كان المالك للدار أهل الكفر، وهي دار كفر. فإذا خرج المسلمون وحاربوهم، فما لم يظهروا على أهل الكفر، فالله أعلم. وإن غلب عليه أهل الكفر، فهي دارهم، حتى يغلب عليه المسلمون، ليس معنا فيها أثر دار الإسلام، أو دار الكفر، فنأثر إلا ما في الكتب. وقد خرج المسلمون على عثمان بلا إمام حتى قتلوه، ثم قدموا عليًّا...
وإذا كان المسلمون المالكين الدار، والحاكمين عليها وعلى أهلها، فخرج عليهم أهل الجور، فالدار دارهم: دار الإسلام، وما بقوا يحاربون عنها، ويدفعون عنها، حتى يزول أمرهم، ويظهر أهل الجور عليهم. ثم قد زالت عنهم، وصارت دار كفر»( ).
يتضح من ذلك أن المعيار الأساسي في التفرقة بين دار الإسلام (العدل) ودار الكفر (الجور) يكمن في أمرين:



  • معيار مادي: السيطرة على الإقليم .

  • معيار كيفي: سريان أحكام الإسلام على ذلك الإقليم (فتكون الدار دار إسلام) أو عدم سريانها عليه (فتكون الدار دار كفر أو جور) ( ).
    ب) معرفة الفقه الإباضي لمعاهدات «الهدنة»:
    وهكذا جاء في شرح كتاب النيل وشفاء العليل:
    «لا تقع هدنة من فتنة سبقت بخاصة بل بعهود ومواثيق على صلح من منظور إليه، كسلطان لرعيته، وسيد لعبيده، ومقبول قوله، فبذلك تزال عنه وعن متبعه لا مخالف له»( ).
    ج) معرفة الفقه الإباضي لإمكانية إبرام معاهدات الصلح( ):
    هذه صورة أخرى من المعاهدات الدولية التي أكد عليها فقهاء الفقه الإباضي. ذلك أنه:
    «ندب الصلح، وللخبر الوارد فيه»( ) .
    وتحت باب (في مصالحة أهل الحرب من البغاة من المشركين)، يقول النزوي:
    «الشيخ أبو محمد: وللإمام مصالحة عدوه من أهل حربه بمال، إذا كان في حال ضعف عن قتاله، والهرب عنه عند زحفه إليه، واعتصامه بالمواضع المانعة من الحصون والقلاع، رجاء استبقاء الدولة. وعليه طلب الناصر مع ذلك، سرًّا وعلانية اقتداءً برسول الله ، في فعله وهربه إلى الغار، وتواريه عن عدوه، عند طلبهم إياه، وبارتفاعه بأصحابه إلى جبل أحد، وتحصينه بالخندق. وكل ذلك انتظارًا منه للقوة على عدوه، ووجود الناصر، والتعمل في الحيلة، وطلب المكيدة عليه، إلى أن وجد السبيل إلى ذلك.
    ويدل على أن للإمام وللمسلمين، أن يصالحوا عدوهم عند الضعف والعجز عن محاربته، والحذر على أن يستولي على مملكته، بعد قتله أصحابه قوله تعالى: [فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ] {محمد:35} فمنعهم عن مصالحة عدوهم، على هذه الشريطة. وهي الاستظهار على عدوهم، إذا كانوا هم الأعلون، ففي هذا دليل على أن عدم الشريطة، يوجب جواز ما بوجوده منع مصالحته»( ).
    د) معرفة الفقه الإباضي لجواز إبرام معاهدات «الأمان» لأهل الحرب:
    وهكذا جاء تحت «باب في أمان المحاربين» في المصنف:
    «الرواية عن النبي  أنه قال: المسلمون يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم».
    والأمان، والعهد، والبيعة، والصفقة، والخفارة، والجوار، والأجل، والإصر، والذمام، والشروط، والعصمة، فكل من أمنه أحد من المسلمين، أو قال له: لا بأس عليك، أو كلمه كلام يطمعه فيه بالأمان، فجاء المشرك بحال ذلك، فلا يقتل. ويكون غنيمة...
    ومن الأثر: وزعم أن موسى قال: إنما الأمان للإمام ليس لغيره.
    ابن جعفر: وقيل ذلك لكل من غزا من المسلمين، من البالغين الأحرار، من له ولاية أو من لا ولاية له. والصراري في البحر، والحمالة في البر...» ( ).
    كذلك جاء في المصنف:
    «أبو مودود: ولا يحل قتل رجل، أمنه رجل من المسلمين، لأن ذمة المسلمين واحدة تجري ما أعطى أولهم على آخرهم، من كان عدلاً. فأي رجل من المسلمين أمن رجلاً، قد لزمه شيء في حكم المسلمين، لم يجز ذلك الأمان؛ لأنه ليس لأحد أن يحكم بخلاف حكم الله، ولا يؤمن أحدًا على حدود الله الواجبة.
    وفي قول أصحابنا: إن الإشارة بالأمان أمان. وتأتي الإشارة التي تثبت معه الأمان، فهو أمان بها.
    وأما قوله: اطرح سلاحك، ونحو هذا. فهذا يتصرف على معانٍ، وهو على معنى المريد لا المراد، وينظر فيه»( ).
    المبحث الثاني
    شروط إبرام المعاهدات الدولية في الفقه الإباضي
    لا شك أن مسألة بحث صحة أو عدم صحة عمل قانوني ما يعتبر مسألة صعبة وغير محددة. على أية حال، يمكن أن تثور هذه المسألة بالنسبة لأي عمل قانوني مهما كان فاعله أو شكله أو طبيعته. ومن الملاحظ أن أشخاص القانون الدولي تحاول دائمًا، أو على الأقل في أغلب الأحوال، أن تراعي كافة الشرائط اللازمة لصحة الأعمال القانونية الصادرة عنها. فهذه الأشخاص عند إصدار أو إبرام عمل قانونيٍّ ما تتخذ كافة الاحتياطات اللازمة لاحترام وعدم مخالفة حرفية وروح القواعد التي تحكم نشاطها وغيرها من القواعد اللازمة لصحة العمل القانوني الذي تزمع اتخاذه، فالشرعية هي، أو يجب أن تكون، حجر الزاوية في «العلاقات التعاملية» لأشخاص القانون الدولي والداخلي( ).
    وقد تعرض فقهاء الفقه الإباضي للكثير من شروط صحة إبرام المعاهدات الدولية، نكتفي منها بذكر ما يلي:
    أ) عدم مخالفة قواعد الشريعة الإسلامية:
    ذلك أنه من المعلوم أنه:
    «لا يجوز لأحد أن يشتري حرامًا»( ).
    ذلك أن الثابت ضرورة ترك «ما يأثم به، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يتقرب إلى الله بمعصية»( ).
    كذلك بخصوص أمان الملوك لأهل الحرب، قيل:
    «وإن ظهر أن في تأمين الجبابرة فسادًا في الدين وفشلاً في المسلمين فلا تأمين لهم، كيف يكون التأمين فيما فيه هدم أركان الدين»( ).
    وأيضًا من المعلوم أنه: «وإن وقعت منهم شروط مذلة مثلما جرى لرسول الله  لأهل مكة فإنا لا نجيبهم إلى شيء من ذلك»( ).
    يؤيد ذلك: «فكل ما أحدثوه في الإسلام مما لا تقره قواعد الأحكام من صلح أو حرب أو عهد أو ذمة فهو مجزوم الأمراس مهدوم الأسس إلا ما أقرته القواعد الشرعية وأثبته حكم الله في البرية»( ).
    ب) ضرورة مراعاة قاعدة:
    «يستوجب البراءة من لم يهتم بأمور المسلمين ولو دنيوية»( ):
    ولا شك أن هذه قاعدة مهمة يجب وضعها في الاعتبار ونصب الأعين عند إبرام أية معاهدة دولية. ذلك أن من المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية في الإسلام: «مبدأ الاهتمام بأمر المسلمين»( )، ويتضمن ذلك أمرين:
    1- أمر إيجابي: إبرام أية معاهدة فيها نفع ومصلحة للمسلمين.
    2- أمر سلبي: الامتناع عن الدخول في أية معاهدة تضر بالمسلمين.
    ج) إبرام المعاهدات الدولية مناطه التوصل إلى «تحقيق منفعة أو دفع ضرر»:
    وهكذا جاء في كتاب شرح النيل وشفاء العليل:
    «وحرم اهتمام بأمور ذوي الكفر إن لم يكن لاستجرار نفع واستدفاع ضر وإن لخاصة المسلمين أو لنفس المهتم ما لم يقصد تقويتهم على باطل»( ).
    معنى ذلك أنه لا يجوز إبرام معاهدة دولية تضيع حقوق المسلمين، ذلك أن من تهوين الإسلام تضييع حقوقه، وكذا من تهوين المسلمين تضييع حقوقهم»( ).
    لذلك قرر فقهاء الفقه الإباضي أن:
    «إهانة الإسلام وأهله وتعظيم الكفر وذويه كفر»( ).
    د) تأريخ المعاهدة الدولية:
    يعتبر ذلك من الأمور الشكلية واجبة المراعاة عند إبرام المعاهدات الدولية، لتحديد المسائل التي تحكمها، وتلك التي تخرج عن نطاق تطبيقها من الناحية الزمنية»( ).
    وقد عُنِيَ فقهاء الفقه الإباضي أيضًا «بتأريخ الكتب»( ).
    المبحث الثالث
    آثار المعاهدات الدولية في الفقه الإباضى
    تنتج المعاهدة الدولية بعض الآثار. ويمكن – من خلال كتب الفقه الإباضى- أن نذكر أهم تلك الآثار فيما يلي:
    أ) الوفاء بالعهد في الفقه الإباضي:
    1- المبدأ العام:
    يقول الإمام النزوي:
    «ومن العهد الحفاظ ورعاية الحرمة، وهذا معنى الحديث، أن عجوزًا دخلت على النبي فسأل بها واحتفى، وقال عليه السلام: إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان»( ).
    كذلك يقول الرستاقي: «والذمي إذا دخل في العهد، فليس لأحد أن يظلمه، ولا يعتدي عليه»( ).
    وهكذا فإن القاعدة في الفقه الإباضي أن: «حسن العهد من الإيمان»، الأمر الذي يضفي على الوفاء بالعهد إلزامًا والتزامًا دينيًّا يمنع من الخروج على المعاهدة أو خرقها أو مخالفتها أو انتهاك أحكامها.
    يقول أطفيش بخصوص قوله تعالى: [فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ] {التوبة:4}، أنه سبحانه وتعالى «أمر بالوفاء لهم، ولا يجعل الوافي كالغادر» ( ).
    كذلك بخصوص الآية (7) من سورة التوبة، يقول الكندي:
    «(فما استقاموا لكم) فما أقاموا على وفاء العهد، (فاستقيموا لهم) على الوفاء (إن الله يحب المتقين) يعني: أن التربص بهم من أعمال المتقين»( ).
    فالقاعدة إذن أن الوفاء بالكلمة المعطاة، وعدم الخروج عليها أمر لازم لازب: «فإذا وقع بينهم عهد أو صلح فعلى المسلمين الوفاء به كان إلى مدة أو غير مدة وليس لأحد من المسلمين الزيادة عليهم فوق ما جرى عليه صلحهم»( ).
    وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحث على ضرورة الوفاء بالعهد، منها قوله تعالى:

  • [فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ] {المائدة:13} .

  • [وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا] {الفتح:10}.

  • [الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ] {الأنفال:56-58}.

  • [بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ] {التوبة:1}.

  • [إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا( ) وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ] {التوبة:4}.

  • [كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ] {التوبة:7}.

  • [وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ] {النحل:91-92}( ).
    2- نطاق تطبيق مبدأ الوفاء بالعهد:
    نشير إلى تطبيق مبدأ الوفاء بالعهد من الناحية المكانية والزمانية والشخصية.
    أولاً- من الناحية المكانية: الوفاء بالعهد واجب سواء في بلاد غير الإسلام أو في بلاد المسلمين:
    • في بلاد غير المسلمين:
    قاعدة الوفاء بالعهد واجبة المراعاة من الدول الإسلامية ومن المسلمين حتى ولو كانوا خارج ديار الإسلام.
    وهكذا جاء في المصنف:
    «وقيل في قوم: من أهل العهد، ثقل عليهم الخراج أو غيره، فلحقوا بأهل الحرب. ثم ظهر المسلمون على تلك البلاد، فلا يُسْبَوْن، ولا تؤخذ أموالهم، ما لم ينقضوا العهد بخلاف المسلمين».
    وفي موضع: إذا دخل صاحب عهد بذريته دار الحرب، فلا سبا عليهم إلا من كان بالغًا»( ).
    ويقول الكندي:
    «ولا ينبغي للمشرك إذا أسلم في المشركين أن يقطع شيئًا من أموالهم بجناية ولا مكاثرة وهو في أمانهم حتى ينابذهم وينابذوه»( ).
    كذلك جاء في المصنف:
    «ولا ينبغي للمشرك إذا أسلم في المشركين، إلا أن يقتطع شيئًا من أموالهم بخيانة، ولا مكابرة، وهم في أمانهم، حتى ينابذهم وينابذوه...
    وإذا دخل المسلم أرض الحرب بأمان، فغزاهم آخرون. نقول: إن أرادوه، فليمنع نفسه، وإن لم يريدوه، فليتركهم.
    وقول: لا يعين عليهم، ولا على من له عندهم أمان. ولا بأس أن يعينهم، ولا بأس أن يعين على أهل حربهم وينصرهم؛ لقوله عز وجل: [وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ] {الأنفال:72}، وهو قول الحسن»( ).
    • في بلاد الإسلام: الوفاء بالعهد واجب في دار الإسلام:
    وهكذا جاء في المصنف:
    «وكذلك إذا دخل الحربي بأمان دار الإسلام، فقتله مسلم، أو غصبه. وفي نسخة: فقتل مسلمًا أو غصبه وفي نسخة: فقتل مسلمًا أو غصبه. ثم لحق بدار الشرك، ثم أسلم.
    نقول: إن قتله عمدًا، فعليه القَوَدُ. وعليه أن يرد ماله، وليس للإمام أن يأمنه على ما أصاب.
    قال: غيره إن كان الحربي قتل المسلم، ثم خرج إلى دار الحرب، ثم أسلم، فعليه القود، وعليه رد المال.
    فإن كان المسلم قتل الحربي الداخل بأمان، وهو مسلم. ثم ارتد. ثم أسلم بعد ذلك، فلا يقتل مسلم بمشرك. وعليه رد المال»( ).
    ثانيًا – من الناحية الزمنية:
    بحث فقهاء الفقه الإباضي الجانب الزمني لمبدأ الوفاء بالعهد من زاويتين:
    • الوفاء بالعهد في الفقه الإباضى ينطبق سواء تعلق الأمر بفعل حالٍّ أو مؤجل:
    يقول أطفيش: «ولا يلزم من وجوب الوفاء بالشيء إذا كان أن يكون جائز الوقوع في الحال»( ).
    • إمكانية نفاذ المعاهدة المبرمة في الماضي:
    تعرض علماء الفقه الإباضي إلى أمر مهم: هو أن الدولة يمكن أن تظل ملتزمة بمعاهدة دولية لم تبرمها السلطات الحالية في الدولة، وإنما حاكم سابق عليها.
    وهكذا بخصوص «ما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية ونحو ذلك» يقول ابن عبيدان:
    «فإذا ظفر الإمام بأرض المسلمين وفيها ذمة قد كان عقدها لهم جبار تلك الأرض الذي كان قد استولى عليها قبل الإمام؟
    لم يكن للإمام أن ينقض ذمة الجبار ويحل عليه ما عقده لهم، وكذلك إن كان الجبار قد أخذ منهم الجزية لأعوام قد نقضت في حال استيلائه على تلك الأرض.
    فإن قال قائل: فلمَ جعلتم فعل الجبار كفعل الإمام في العهد وأخذ الجزية عندكم أنه لا يستحق أخذها؟
    قيل له: لقول النبي : «المسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم» فهذا الخبر يوجب إسقاط أخذ الجزية منهم بعد أن أخذها من هو أدنى المسلمين»( ).
    يدل ذلك إذن على استمرارية المعاهدة التي أبرمت في الماضي على «ذات الأوضاع وبذات الشروط» في المستقبل.
    ثالثًا- من الناحية الشخصية:
    تتمثل الجوانب الشخصية لمبدأ الوفاء بالعهد في الفقه الإباضي خصوصًا في الأمور الأربعة الآتية:
    • إمكانية امتداد آثار المعاهدة إلى من يصلون إلى قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق:
    يعتبر ذلك دليلاً على إمكانية امتداد آثار المعاهدة إلى غير أطرافها. وهكذا بخصوص قوله تعالى: [فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ] {النساء: 89-90} يقول الكندي:
    «أي فاقتلوهم إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق»( ).
    • عدم إعانة أي طرف إذا كان هناك اتفاق نافذ مع دولتين أو أكثر:
    معنى ذلك أن التزام الحياد، وعدم الوقوف إلى جانب طرف ضد الطرف الآخر هو أمر يجب مراعاته، ما دام المسلمون مرتبطين باتفاق مع كل طرف من الأطراف المتحاربة. لذلك قيل:
    «وقيل في ملكين من ملوك الشرك يقاتل أحدهما الآخر وهما جميعًا صلح للمسلمين يتجرون في بلادهم؟ قال: لا يصلح للمسلمين القتال لأحد الفريقين مع الآخر ولا يأمروا بعضهم بعضًا بقتال بعض، ولا يصلح للمسلمين أن يشتروا من أحدهما ما أصاب من صاحبه من رقيق الفريقين جميعًا»( ).
    • قاعـدة: «منع سبي المولود حال العهد»: ذلك أن «المولود في حال العهد إنما ولد على الذمة، فكأنه صار بذلك حرًّا، وإذا صار إلى الحرية لا يرجع إلى الرق أبدًا»( ).
    • بخصوص معاملة الكفار فيما غصبوه من مسلم، اختلفوا فيما سباه المشركون من فرقة منهم لها عهد، قيل: يشتري منهم وقيل لا. الفريق الذي أخذ بالمنع استند إلى العهد «الذي أخذوه من المسلمين»( ).
    ب) تحريم المكر والخديعة والغدر في تنفيذ المعاهدات الدولية:
    يشكل ذلك الوجه السلبي لضرورة الالتزام بالعهد، بينما الوفاء به يمثل وجهها الإيجابي.
    وقد ورد في كتب الفقه الإباضي ما يدل عليها. وهكذا قيل:
    «وذم المكر والخديعة ولا يوصف بهما أيضًا ومعناهما إظهار حسن لمسيء على أن يساء إليه بلا مبيح».
    وقد يكونان بلا مجازاة، وجازا في حرب مباحة ككذب بين أخوين تشاجرا أو زوجين على صلح بينهما وبين أهل حرب مباحة»( ).
    كذلك فإن الغدر محظور، لذلك جاء في المصنف: «يجوز للمسلمين صلح أهل الأوثان، السنة والسنتين، حتى يكثر المسلمون ويقووا. وليس لهم أن يغدروا بهم، ولهم ما صالحوهم عليه»( ).
    أيضًا: «وإن دخلنا في بلادهم (أي بلاد المشركين) بأمان فإنا لا نخون ولا نغدر»( ).
    ج) تحريم «البغي والظلم والاعتداء» عند تنفيذ المعاهدات الدولية:
    في الفقه الإباضي:
    «البغي والظلم والاعتداء حرام»( ).
    ولا شك أن هذه القاعدة تنطبق على المعاهدات الدولية، ذلك أن البغي والظلم والعدوان في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، حرام أيضًا.
    المبحث الرابع
    انقضاء المعاهدات الدولية في الفقه الإباضي
    لا شك أن مسألة انقضاء المعاهدات الدولية تعد موضوعًا هامًّا في إطار النظرية العامة للمعاهدات. ومن المعلوم أن انقضاء المعاهدة أو وقف تطبيقها يؤدي إلى إنهاء سريان تطبيق المعاهدة سواء بصورة نهائية (حالة انقضاء المعاهدة)، أو مؤقتة (حالة وقف المعاهدة وعدم تطبيقها). على أنه يجب أن نقرر أنه على أطراف المعاهدة ألا يقرروا انقضاءها أو وقف تطبيقها بلا تروٍّ أو تفكير، وإنما ، بالعكس، عليهم الاحترام الكامل لنصوص المعاهدة، ويفسر ذلك بخطورة هذه العملية؛ لأن إنهاء المعاهدة دون سبب مشروع من شأنه أن يعرض للخطر استقرار العلاقات القانونية الدولية وبالتالي انعدام الأمن القانوني والثقة، وهما حجر الزاوية لأية علاقة اتفاقية( ).
    وقد تعرض فقهاء الفقه الإباضي لأسباب كثيرة تؤدي إلى انقضاء المعاهدات الدولية، نكتفي منها بالإشارة إلى سببين هما:
    أ) مُضِيُّ المدة:
    جاء في المصنف:
    «وأما أهل الحرب من المشركين، فله ذلك، إذا صالحهم على شيء يؤدونه إليه، أو رأى أن ذلك أقوى لأمره، وأعز لعسكره، صالحهم على أن يقوى أمره، ويكون الصلح إلى أجل، يجعله بينهم، فإذا مضى الأجل ذهب الصلح»( ).
    ولا شك أن ذلك يؤكده قوله تعالى:
    [إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ] {التوبة:4}.
    ب) نقض المعاهدة الدولية:
    لا شك أن نقض أو انتهاك المعاهدة هو أمر جدُّ خطير، يحتاج إلى بيان القواعد واجبة التطبيق في هذا الخصوص. وقد ذكر فقهاء الفقه الإباضي أهم هذه القواعد، وهي:
    1- نقض العهد يعني عدم تنفيذ أحكام المعاهدة الدولية:
    جاء في المصنف:
    «عن محمد بن محبوب: وإذا امتنع أهل الحرب بما صالحوا عليه المسلمين، أو بشيء منه، فقد نقضوا عهدهم، وحلوا عقدهم. فعند ذلك يُدعون إلى الإسلام.
    فإذا دخلوا فيه، قبل منهم. وكانت لهم حرمة الإسلام، وهدم الإسلام عنهم، ما كان عليهم من ذلك الصلح الذي يؤدونه على شركهم.
    وإن كرهوا الدخول في الإسلام، دُعُوا إلى أن يعطوا ما جرى عليه الصلح، فإن أعطوه وافيًا لما مضى، وهم به ممتنعون، قُبل ذلك منهم، وحقنوا به دماءهم. وكانوا على عهدهم. وكان حقًّا على المسلمين الوفاء لهم، والقبول منهم.
    وإن كرهوا ذلك، كان حقًّا على المسلمين قتالهم، واستحلال دمائهم.
    فإن أظفر الله بهم المسلمين، أحل الله لهم غنيمة أموالهم، وسبى ذراريهم الذين ولدوا بعد امتناعهم بالصلح، وسبي من قاتل من نسائهم، أو لم يقاتل.
    وأما ما ولد قبل ذلك، في حال دينونتهم بالصلح، وتأديتهم إياه، فلا سبي عليهم...
    وإن نقضوا ما كانوا صالحوا عليه، وأجابوا أن يعطوا الجزية، فلا يقبل ذلك منهم»( ).
    كذلك جاء في المصنف:
    «إذا أعان أهل العهد أهل الحرب، على محاربة المسلمين، فقد نقضوا العهد»( ).
    لذلك بخصوص قوله تعالى: [كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ] الناكثين [عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ] {التوبة:7}، يقول أطفيش: «والاستفهام إنكاري بمعنى النفي... والمعنى: لا يثبت لهم عهد عند الله ورسوله دون أن ينقضوه، بل لا بد من أن ينقضوه لوغر صدورهم، فالعهد فعل لهم أولاً لا يثبت الله لهم عهده وقد نقضوه»( ).
    2- نقض العهد بعد إبرامه «ظلم وطغيان وبغي»:
    أكد الفقه الإباضي على ما يلي:
    «وإن تعاهدوا على عامة الفريقين واصطلحوا على هدم الأموال والأنفس فمن زحف بعد لمحاربه فباغٍ ولآخر دفاعه إذ هو محق، كانت محاربتهم الأولى على ديانة أو على غيرها من مخالف أو موافق أو باغ فناقض العهد بعد إبرامه ظالم طاغٍ»( ).
    ومن المعلوم:
    وناقضُ العهدِ بعدَ الصلحِ مجترحٌ باغٍ إذا كانَ شرطُ الصلحِ قدْ كملا
    بخصوص ذلك يقول الشيخ السالمي: «هدم الصلح حرام لا يصح ولا يحل، وهادمه بعد استقراره باغٍ قطعًا»( ).
    3- نقض العهد يؤدي إلى التحلل من أحكام المعاهدة:
    جاء في المصنف:
    «وإذا نقض أهل الكتاب العهد وحاربوا، حلَّ سبْيُ نسائهم وذراريهم، الذين ولدوا معهم، بعد نقض عهدهم، وإن لم يحاربوا. بذلك جاءت السنة عن النبي .
    وكذلك تُغنم أموالهم وتُسبى نساؤهم وذراريهم، الذين ولدوا بعد نقض عهدهم، الذين كانوا في الموضع الذي فيه نقض العهد المحاربون للمسلمين.
    وفي السنة: إن النبي  حكم بذلك مجملاً، وأحله منهم.
    وإن كان لهؤلاء المحاربين أرحام ونساء وذراري، في غير البلد الذي نقض العهد فيه، وحاربوا، لم يحل للمسلمين سباهم، إلا من هرب من النساء والذراري إلى البلد الذي وقعت فيه الحرب، من بعد أن وقعت بينهم وبين المسلمين فأولئك عليهم السباء.
    ومن هرب من قبل وقوع الحرب، إلى بلد آخر، فلا سباء عليهم. فإن ألقوا بأيديهم، ورجعوا إلى عهدهم، قُبل منهم ما لم يقتلوا»( ).
    4- في بعض الأحوال يجب الالتزام بالمعاهدة حتى ولو نقضها الطرف الآخر:
    يكون ذلك في حالتين أوضحهما الفقه الإباضي:
    أولا- في حالة الأمان:
    جاء في المصنف:
    «وعن قوم من المسلمين، صالحهم قوم من أهل الشرك، ووضعوا عندهم رهائن وأخذوا من المسلمين رهنًا، فقتل المشركون ما في أيديهم من رهائن. أيحل للمسلمين قتل الذين في أيديهم؟
    قال: لا يحل ذلك لهم؛ لأنهم آمنون.
    فإن نقض أولئك وقتلوا المسلمين، فقد نقضوا عهدهم، وصاروا حربًا»( ).
    ثانيًا – في حالة عودة الناقض إلى الالتزام بعهده:
    جاء في المصنف:
    «من المعتبر: ويُدعى أهل العهد إلى الإسلام، إذا نقضوا العهد بشيء يكونون فيه ناقضين، أو الرجوع إلى عهدهم، وإعطاء الجزية لا يقبل منهم غير ذلك، لثبوت عهد الإسلام لهم وعليهم.
    فإن حاربوا على ذلك، حوربوا وقُوتلوا.
    فمن أُخذ أسيرًا، لم يقبل منه إلا الإسلام، أو رجوعه إلى العهد الذي كان له، وإعطاء الجزية إن كانت عليه.
    وأحسب قولاً: يقتل مقاتلهم، إن ظفر بهم، ولم يرجعوا إلى العهد من بعد ما حاربوا.
    وقول: إذا حاربوا، وهم أهل شرك، فقد نقضوا عهدهم، وجاز فيهم ما يجوز في أهل الحرب، بثبوت الحرب فيهم، وزوال العهد عنهم.
    فمن رجع إلى عهده، أو أسلم، قبل أن يظفر به، كان له حق ما رجع إليه من الإسلام، أو العهد.
    ومن ظفر بهم منهم، كان غنيمة للمسلمين، بمنزلة أهل الشرك وأهل الحرب.
    مسـألة:
    وما أصابوا من دماء المسلمين، في حال نقضهم لعهدهم ومحاربتهم، فهو هدر عنهم، إذا فاءوا، ورجعوا إلى تمام الصلح، وتركوا المحاربة.
    وفي موضع: قال في قوم من أهل العهد، قتلوا وحاربوا، وامتنعوا ثم رجعوا إلى العهد، إنهم يؤخذون بتلك الأحداث، فيُقتلون بما قَتلوا. وإن أسلموا فهو كذلك.
    قال أبو عبد الله: إذا نقضوا عهدهم وقتلوهم. وهم أهل دين، ثم رجعوا إلى العهد، قبل منهم، ولم يؤخذوا بما قتلوا، ولا يردون من الأموال إلا أموالاً توجد في أيديهم، فتؤخذ منهم»( ).
    ولا شك أن قاعدة «عدم انقضاء المعاهدة بعودة الناقض إلى الالتزام بعهده» يجب فهمها كما يلي:
    أولاً- أنها تدل على «نزعة سلمية» في الفقه الإباضي تهدف إلى استقرار الأمن القانوني بين أطراف المعاهدة، وعدم رواج الفوضى في علاقاتهم المتبادلة إذا تقرر انقضاء ما تم الاتفاق عليه سلفًا.
    ثانيًا- أنها تطبق فقط عند عدم الإخلال الجسيم بالمعاهدة وبشرط ألا يترتب على استمرار المعاهدة التي تم نقضها ضرر كبير بالدولة الإسلامية( )؛ لأن القول بغير ذلك:

  • يعطي لأي طرف إمكانية خرق المعاهدة مطمئنًا بأنها ستظل نافذة رغم خرقها.

  • يمكن أن يؤدي إلى توتر «وقتي» (أثناء فترة الانتهاك) في العلاقات بين أطراف المعاهدة.

  • يشجع على عدم الالتزام بالكلمة المعطاة حتى ولو ترتب على ذلك نتائج وآثار وخيمة.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

1-الواقعة المذك...

1-الواقعة المذكورة وقعت في منزلي حيث ان الوالدة تسكن معي في منزل املكه 2_توجد أصابة تبعية الدفاع عن...

إذا قُدّر للرئي...

إذا قُدّر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاتفاق مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو أمر يرجح...

لقد أرسلت طلبا ...

لقد أرسلت طلبا عبر البريد الإلكتروني إلى HR و وتم الموافقه على الطلب من قبل ال HR ولكن قالت لي بان ...

شركة/ مارش هي ص...

شركة/ مارش هي صاحبة مصلحة تتعارض مع مصالح المستأنفة الأولى، نظراً لكون المستأنفة الأولى من المنافسين...

يتفق الباحثون ب...

يتفق الباحثون بشكل عام على أن تنمية مهارات إدارة المعرفة تتطلب التفاعل المشترك بين الأفراد واستخدام ...

بما أن الفلسفة ...

بما أن الفلسفة والعلم حقلان معرفيان مختلفان، ولكل منهما خصائص تختلف عن الآخر، فقد برزت الدعوة الى ا...

1-بذلت أنا والأ...

1-بذلت أنا والأم جهود لا تقدر بثمن لتلبية احتياجات أبنائنا الاثنين عبدالله واليازية وبالإضافة إلى ت...

With such sadne...

With such sadness occupying her thoughts,Erika, a poor single mother of two, struggles to sleep at n...

1. طوير برامج م...

1. طوير برامج متكاملة: ينبغي تصميم وتصميم برامج تأهيل متكاملة تشمل التعليم والتدريب المهني والفنون، ...

تُعتبر المملكة ...

تُعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أهم الدول في العالم العربي والإسلامي، حيث تحتل موقعًا جغراف...

This study expl...

This study explores university students' experiences and perceptions of using artificial intelligenc...

1 تجارب تهدف ال...

1 تجارب تهدف الى اكتشاف الظواهر الجديدة 2 تجارب التحقق تهدف لاثبات او دحض الفرضيات وتقدير دقتها 3 ال...