لخّصلي

الحمدلله: شارك الجميع، كبارًا وصغارًا، بمن فيهم سالم بن عبدالله، في حفر فلج، لكنهم لم يجدوا ماءً رغم شهور من العمل الشاق. سالم، لاحظ وجود الماء في مكان آخر، بعيدًا عن مسار الحفر، لكن والده، عبدالله بن جميل، تجاهل ذلك خوفًا من السخرية. ذهبت كاذية، في وقت متأخر، إلى الوعري، الذي أكد وجود الماء في المكان الذي أشار إليه سالم. عادت كاذية وأخبرت عبدالله بصحة كلام ابنه، لكنه تعرض للسخرية من الجميع. لاحقًا، أقرّ الشايب سليمان بن خميس، بعد أن سخر هو الآخر من عبدالله وسالم، بصحة كلامهما، مما أدى إلى انفجار ضحك عام وانتهاء السخرية مع اكتشاف الماء.

[1:55 ص، 2024/11/28] الحمدلله: شاركوا جميعًا في الحفر ، كبارا وصغارا، حتى سالم بن عبدالله جاء مع أبيه وحمل الفأس ونبش الأرض معهم بحثًا عن الفلج وهو لم يره من قبل.
مرت شهور والفلج يمتد ويمتد ، عثروا على سواعده وفروضه القديمة، وعثروا على أمّ الفلج، لكنها كانت جافة وبلا قطرة ماء. شهور طوال من الطرق والحفر واستخراج الحصى والرمل والأتربة، تشققت فيها أياديهم وتيبست وجوههم واغبرت أبدانهم وشعورهم ولم يجدوا شيئًا.
قبل أن يصلوا إلى أمّ الفلج تذكّر أحد الذين عملوا في القناة قبل الخصب اتجاه آخر الفرضات وكيفية الوصول إليها، فأعطاهم ذلك دافعا لكي يكملوا، لكن سالم بن عبدالله قال لأبيه وهو يحدثه
بهمس :
الماي ما هنا، الماي هناك.
وأشار إلى نقطة قد تعدّاها الحفر، وهي في اتجاه اليسار بعيدا عن مسار الفلج، لكن عبد الله بن جميل خاف سخرية الناس فسكت ولم يستجب لما قاله ولده.
مساءً أخبر عبد الله بن جميل كاذي…
[1:56 ص، 2024/11/28] الحمدلله: كانت الشمس قد أوشكت على المغيب، ولكن ذلك لم يمنعها من الذهاب والخروج من بيتها وهي تتحدى الوقت والعتمة، تقطع الممرات المظلمة والدروب التي صارت خالية من الناس، وتتجه ناحية عين الوعري لا تريد من الوقت سوى أن يُمهلها قليلا، ومنا العتمة إلا أن تتأخر دقائق حتى تصل وتعود. صحيح أن عين الوعري ليست بعيدةً، غير أنّ الرجلين لم تعودا على حالهما، ومع ذلك وصلت كاذية إلى المزرعة في وقت قياسي بالنسبة إلى امرأة في عمرها.
وقفت حائرةً، ما الذي سيقوله الوعري عنها وقد أتت إليه في تلك الساعة ؟ كيف جاءته وحيدة؟ لم تكن تخافه، لكنها كانت تخاف مواجهة حبّه لها في تلك العزلة وهما وحدهما لأول مرة، فطوال عمرها لم تقف بجواره بمفردها، وها هي تُحدّث نفسها «وا لفضيحة مو بيقول عني؟».
رآها، رأى خيالها فعرفها كانت العتمة قد تكثفت قليلا فشك في أمر نظره على الرغم من أنه ما زال يرى النملة وهي تمش…
[1:57 ص، 2024/11/28] الحمدلله: إنس، إنس.
1111
تأكد أنها هي، ورغم تعجبه من حضورها في تلك اللحظة، فقد طلب منها الدخول، وتوقع أنها لم تكتف بالماء الذي أخذته في النهار، لكنها قالت له :
هين شار لك سالم تحفر ؟
عرف حينئذ سبب مجيئها فذهب مسرعًا ووقف عند الشق الذي أحدثه في الصخرة وأجابها:
هنا، وكما قال طلع ماي، وما بقى ماي في الدنيا إلا في هذا المكان.
حاول معها أن تبقى قليلا، لكنّها اعتذرت منه وخرجت مسرعة عائدة إلى البيت، كانت عودتها في تلك المرة ببطء شديد فقد تحقق لها ما أرادت وعرفت أن ولدها عندما ينصت إلى باطن الأرض يسمع الماء.
و حالما بلغت بيت عبدالله بن جميل قالت له :
كلام الولد صحيح، ولدك صادق، الماي في المكان بو يقول به
ضحك عبدالله ضحكته الكبيرة وهو يقول:
بيستخفوه الناس، بيستخفوني لما أقولهم إن كلامه صحيح.
فاستدارت نحو موقد النار وردت بحسم:
صيل
[1:58 ص، 2024/11/28] الحمدلله: أول بيستخفوه وبيضحكوا عليه وبيقولوا مجنون، لكنهم في التالي بيتبعوه وبيلقيوا الماي.
عندما خرجت كاذية عائدة إلى بيتها من مزرعة الوعري جلس يفكر في ما حدث وبدأ يربط الأحداث، وأدرك أن الحفر الفلج دخلًا كبيرًا في مجيئها في ذلك الوقت، وقد مضى زمن طويل منذ أن دله سالم على مكان الماء فحفر الشق في الصخرة، وتذكر أنه رأى سالم يعمل كل يوم مع الناس في حفر الفلج. وقرر معرفة الستر في صبيحة اليوم التالي.
سخر الجميع من عبدالله وابنه أسمعوهما طوال نهار ذلك اليوم ما يكفي من كلمات، فتلقوا السب والشتائم بصمت، وعندما وصل الكلام إلى الشايب سليمان بن خميس وكان من الذين استدلوا بذاكرتهم على تتبع قناة الفلج، لم يكتف بهز رأسه بل قال قولته الشهيرة التي صار الجميع يُردّدها على مسامع عبدالله وابنه.
هز رأسه وسكت، ثم رفعه صوب السقف كأنه يبحث عن شيء يستعين به على الغصة التي ألمت به، وتنفس بعمق كأنه لم يبق سوى القليل من الهواء داخل الفرضة الأخيرة للفلج. وفي الخارج كانت السماء البيضاء تبعث قليلا من الضوء إلى داخل الفرضة، وهو جالس القرفصاء، ممسك بالبتك والمسمار، والجميع يترقبون ما سيقول.
ما سادنها من العطش، باقي تسمع كلام المجانين».
[1:58 ص، 2024/11/28] الحمدلله: نطق جملته وسكت، ثم أطرق رأسه قليلا وهزه وانفجر ضاحكًا، فعجت الفرضة والفرضات الأخرى بالضحك وعادت السخرية تسري في داخل القناة جيئة وذهابا كأنها الماء الذي انتظره الجميع، والارتواء الذي سيطفئ وهج الشمس، ويطرد العطش إلى أعماق الأرض.