لخّصلي

الرجل الإنجليزي وبلده
بعض الشعوب، وربما معظمها، يتكلمون كثيرا عن أنفسهم، لكن الرجل الإنجليزي نادرا ما يتحدث عن نفسه او عن شعبه في منزل وفي بلده. وعندما يتحدث عن بلده فأنه يعبر بصورة عامة عن رأيه بخصوص كل الأشياء التي يمكن ان تكون أفضل في بريطانيا. في الواقع، ان الرجل الإنجليزي يمكن ان يعترف لنفسه بأنه يحب بلده عندما يجرب العيش في بلد اخر، لكنه لا يقوم ابدا بأخبار الأجانب بذلك.
يمكننا ان نتعلم شيئا من الانجليز إذا ألقينا عليهم نظرة خارجية. اذ انهم يتصرفون بطريقة تختلف عن شعوب بقية البلدان.
إذا التقى الالمان في بلد غير بلادهم فأنهم سيتحدثون عن أوضاع بلدهم السياسية.
وإذا التقى الروسيون فأنهم بالتأكيد سيتحدثون عما فعلته روسيا الحديثة بالشعب.
وإذا التقى الهولنديون فأنهم سيتحدثون عن التجارة وعن إمبراطوريتهم في الشرق.
وإذا التقى الفرنسيون فأنهم سيتحدثون عن السياسة الداخلية للبلد.
وإذا التقى الامريكان فأنهم ودون أدنى شك سيتحدثون بكل ما يخص الأموال.
لكن السؤال هو: ما الذي يتحدث عنه الانجليز إذا التقوا خارج بلادهم؟
بشكل عام، فأنهم لا يتحدثون بأي من الأمور السابق ذكرها. بدلا من ذلك فأنهم سيتحدثون عن متعة لعب الكريكت والتنس وبعض الألعاب الرياضية الأخرى. سيتحدثون عن العاب الكريكت وكرة القدم الشهيرات في بلدهم وعندما كانوا يشاهدونها آنذاك. وسيتحدثون أيضا عن الأيام الرائعة التي قضوها خارج البلاد او على الشواطئ في منازل صغيرة تحتوي على حدائق صغيرة. وسيتطرقون بكلامهم الى رحلاتهم الى جبال الويلز وأسكوتلندا او الى بحيرات شمال غرب إنكلترا. او عن الحانات القديمة المشهورة في كل انحاء البلاد وما تقدمه من الشراب اللذيذ. وسيتحدثون كذلك عن المئات من الأشياء الصغيرة التي تميز الحياة في بريطانيا.

حاول الأجانب منذ مئات السنين من ان يكتشفوا الجوانب الجيدة والسيئة للإنجليز وفهمهم كشعب بصورة عامة. وعند التحدث الى الطلاب الأجانب من مختلف البلدان، فقد عبر البروفيسور الأيرلندي بي سي باك عن رأيه بالإنجليز وقال:
"انا لست رجل انجليزي، لذا أستطيع القول ان من الصعب جدا فهم الشعب الإنجليزي. يجب عليَّ ان افهمهم الان، لأنني حصلت على فرصة العيش في إنكلترا. لكن يجب عليَّ تحذيرك على ان لا تسمح للأشياء التي تلاحظها من ان تأخذ حيزا كبيرا من تشكيل رأيك او فهمك لهم. اذ ان الانجليز هم ليسوا الشعب الذين يبدون عليه".

اذ مهما كانوا غاضبين او حزينين او مجروحين او أي شيء اخر، فأنهم لن يظهروا ذلك لاحد. يمكنك حتى مراقبتهم ومشاهدتهم وهم يقرأون بريدا قد استلموه ويحتوي على اخبار رائعة جدا او اخبار مريعة للغاية، فأنك في كلتا الحالتين لن تستطيع التفرقة بينهما بسبب سلوكهم وتعابير وجوههم.
"ان الشعب الإنجليزي هو الشعب الأكثر غرابة. فعلى الرغم من كونهم قد اخترعوا معظم الألعاب الرائعة التي يمارسها العالم في وقتنا الحالي، الا انهم وكما اعتقد، الوحيدون الذين يمارسون هذه الألعاب فقط لأنهم يحبوها وليس من اجل الربح والخسارة.
اذ انني قد شاهدتهم مسبقا عندما يأتي بعض لاعبوا التنس الفرنسيون او العداءين الالمان وينافسوا الانجليز ويهزمونهم فأنهم سيكونون راضين بذلك. بينما لو كنت انا كرجل أيرلندي فأنني سأريد وقتها ان اهزم الرجل الذي هزمني بكل تأكيد. في الواقع، لن تعلم على الاطلاق ما المبرر لان يقوم الرجل الإنجليزي بأي فعل في هذا على الاطلاق".

لقد كان الكاتب الفرنسي اندريه ماريو قد فهم الانجليز أكثر من معظم الأجانب الاخرين. لقد قال ان اول ما يعتقده الرجل الفرنسي بالرجل الإنجليزي هو انه ككلب البول دوج، الذي يتمسك بالشيء دون ان يقوم بأي تعابير او حركات مفاجئة. ثم قال ان الرجل الفرنسي يجد ان من الصعب فهم الانجليز. اذ يحب الفرنسيون ان يرسموا لأنفسهم صورة محددة للمستقبل، بينما يفكر الانجليز بشكل معاكس تماما.

لا يحب الرجل الإنجليزي الأمور الواضحة تماما. انما يفضل الأمور المبهمة، بالإضافة الى انه يفضل ان يحسم قراراته في اللحظات الأخيرة. حيث يعلم تماما ما عليه فعله عند اللحظات الأخيرة من وجوب التصرف.
يعتقد السيد ماريو ان أحد أسباب قوة إنكلترا تكمن في اختلاف التعمق للحزب السياسي في البلد اذ انه يكون اقل في إنكلترا مما هو عليه في فرنسا. لذا فأنه من السهل على الشعب بأكمله ان يعمل جنبا الى جنب عند الضرورة وفي أوقات الخطر.
شيء اخر يمكن ان تلاحظه وهو كون الشعب الإنجليزي دائم السعادة. حيث يقول السيد ماريو انه عند مشاهدة الرجل الفرنسي للرجل الإنجليزي وهو يعمل بجد وكم يتوفر له من المساحات الخضراء من اجل الرياضة في المدارس والجامعات، فأنه سيكون انطباع بأن الشعب الإنجليزي في إجازة دائمة.. اذ سيفاجئ الرجل الفرنسي من قدرة الرجل الإنجليزي على النظر الى الجانب المشرق من الأمور دائما.
وسيذهل في بعض الأحيان من حس الدعابة والمزاج الرائع المشهورين عند الانجليز. وكمثال على ذلك هو ما حصل خلال الاضراب الكبير عام 1926. اذ أقيمت في أحد الأيام مباراة كريكت بين الشرطة والمضربين. في أي دولة من الدول يمكن ان يحصل شيئا كهذا؟

يجب الانجليز منازلهم كثيرا، حيث ان المثل قديم: "منزلي هو قصري" هو صحيح جدا. وأيضا يحبون الأطفال. بالإضافة الى ان من الصعب إيجاد شعب يحترم قانون بلده أكثر من الانجليز. ويحبون كل أنواع الرياضة. وان " اللعبة العادلة" هو أحد اهم الأشياء بالنسبة للإنجليز، ليس فقط في الممارسات الرياضية، لكن أيضا في حياتهم اليومية. اذ دائما ما يحاول الرجل الإنجليزي من ان يكون عادلا.
ان لمنازل الانجليز خصوصية كبيرة. اذ انهم يكرهون أي سؤال عن حياتهم الخاصة ومنازلهم. حيث انه يعامل منزله كمعاملة عضو مجلس المفوضية للمفوضية وشؤونها.

اتش أي ال فيشر، رئيس مجلس التعليم الإنجليزي في الفترة ما بين 1916-1927، قد قال في أحد الأيام انه قد يبدوا شيئا مثيرا للاهتمام بأن جزيرة في الشمال الغربي لاوربا قد لعبت دورا كبيرا في تاريخ العالم اجمع. ويحاول السيد فيشر ويبحث عن سبب عظمة إنكلترا. اذ على الرغم من انه قد ذكر أهمية موقع إنكلترا المركزي، الا انه يعتقد ان أحد اهم الأسباب هو "المناخ الجيد".
قد يتذمر الانجليز كثيرا بشأن مناخهم، الا انه قد خدمهم وساعدهم بشكل رائع في الصناعة وفي الدفاع عن النفس. حيث ان مناخ إنكلترا البارد شتاءاً، قد حمل لهم الكثير من المنافع. اذ يمكن القول بأن الانجليز مجبرين على العمل المستمر ليحافظوا على دفئ أنفسهم!

بعد ذلك، قام بوصف الرجل الإنجليزي بكونه رجل أفعال أكثر من كونه رجل مفكر. وان التاريخ الذي يعود لمئات السنين الماضية يثبت هذا الكلام. وان الجميع سيعرف الدور الكبير الذي لعبته إنكلترا في التجارة. والجميع سيسمع دون شك الوصف الفرنسي للإنجليز: "شعب التجار".

كما ان حجم المملكة البريطانية هو دليل اخر لحقيقة ان الرجل الإنجليزي هو رجل أفعال. حيث ان البحارين والجنود الانجليز هم الأكثر شهرة في التاريخ.
دريك هو أحد الأوائل الذين أبحروا حول العالم.
ولف هو من احتل كندا.
سليف هو الذي اخذ الهند من الفرنسيين.
نيلسون وولنجتون هما من كسر قوة نابوليون.

وان أكثر المهندسين المشهورين هم بالأصل انجليز. وكمثال على ذلك هو ستيفنسون الذي قام ببناء اول محرك لسكة حديدية لنقل البضائع.

لقد اظهرت حرب 1939-1945 ان الانجليز لم يتغيروا. اذ تم اختراع العديد من الأشياء خلال الحرب، وأكثر من ثلاثة الاف منها قد تم إعطائها لأمريكا من قبل بريطانيا.
لذا فان التاريخ قد اثبت بأن الانجليز هم ليسوا فلاسفة، وذلك لأنهم يؤمنون جدا بأحد امثالهم الذي ينص على ان: "الأفعال ابلغ من الاقوال".