لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (23%)

ثباتُ الأخلاق
وحتى لا تعلوَ الحياةُ ولا تنزلَ إلا بمثل ما ترى من كفَّتيْ ميزان شدَّتا في علاقة تجمعهما وتحرِّكهما معًا؛ وتَشِيل بالعالي لتبين عنه؛ فهي مُصرِّفة لها قاضيةٌ عليها، وفي هذه الأسرارِ تجد تاريخَ الإنسانية كلَّه سابحًا في الدَّم. وتشْتَبِه العاليةُ والسافلةُ، وتُطَّرحُ المبالاةُ بالضمير الاجتماعي، ويقع ذلك منهم بموقع القانون،  فأينما وقع من أعمال الناس جاء مكسورًا أو مثلومًا، وكأنه منتقلٌ من عالم إلى عالم ثانٍ بغير نواميس الأول. وأفرادٌ من الحكماء، الأخلاقُ في رأيي هي الطريقةُ لتنظيم الشخصية الفردةِ على مقتضى الواجبات العامة، فباطنُه هو الدينُ الذي يحكم الفرد، فهي في ظاهر الشعب دون باطنه، والفرد فاسدٌ بها في ذاتِ نفسه إذا هو تحلَّل من الدين، ولكنَّه مع ذلك يبدو صالحًا منتظمًا في ظاهره الاجتماعي بالقوانين وبالآداب العامة التي تفرضها القوانين، لأنها غير ثابتة فيه، وليكن السبب ما هو كائن. فتحولوا ذلك التحول الذي أومأنا إليه، وانتهت الحربُ بين أمم وأمم، فأثبتوا في كلِّ أرضٍ هديَ دينهم، فتحمله على الطيش. تحوطها وتُمسكها أعمال الإيمان التي أحكمها الإسلامُ أشدَّ إحكام بفرضها على النفوس منوَّعةً مكرَّرة: كالصلاة والصوم والزكاة؛ ويجعلَها كالحارسة للإرادة ما تزال تمر بها، وتوجيهها على مقتضى الحكمة، وإدخاله في ناموسٍ طبيعي بإجرائه في الأنفس مجرى العادة، وتكون أوامرَ وهي حقائق. ومن ذلك أُرانا- نحن الشرقيين- نمتاز على الأوربيين بأننا أقربُ منهم إلى قوانين الكون، وكنَّا الطبقةَ المصفَّاة التي ينشُدُونها في إنسانيتهم الراهنة ولا يجدونها، ويسمُّون ذلك تجديدًا، أن يترجموه إلى شعبٍ آخر. إنَّ أوربا ومدنيتها لا تساوي عندنا شيئًا إلا بمقدار ما تُحقِّق فينا من اتساع الذاتية بعلومها وفنونها؛ ولا أن نتسامحَ في دقةِ المحاسبةِ عليه. ثم إدخالُ الواجبات الاجتماعية الحديثة في هذه الضوابط لربطها بالعصر وحضارته، وتمازُجها؛


النص الأصلي

ثباتُ الأخلاق


الإسلامُ يقرِّر ثباتَ الخلُق، ويُوجبه، ويُنشئ النفسَ عليه، ويجعله في حِياطة المجتمع وحراسته؛ لأنَّ هنالك حدودًا في الإنسانية تتميز بحدود في الحياة، ولابد من الضبط في هذه وهذه، حتى لا يكونَ وضْعٌ إلا وراءَه تقدير، ولا تقديرٌ إلا معه حكمة، ولا حكمةٌ إلا فيها مصلحة، وحتى لا تعلوَ الحياةُ ولا تنزلَ إلا بمثل ما ترى من كفَّتيْ ميزان شدَّتا في علاقة تجمعهما وتحرِّكهما معًا؛ فهي بذاتها هي التي تنزلُ بالمنازل لتدلَّ عليه، وتَشِيل بالعالي لتبين عنه؛ فالإسلامُ من المدنية هو مدنية هذه المدنية.


إنَّها لن تتغيَّر مادةُ العظمِ واللحمِ والدمِ في الإنسان، فهي ثابتةٌ مقدَّرةٌ عليه، ولن تتبدَّل السُّننُ الإلهيةُ التي تُوجدها وتُفنيها؛ فهي مُصرِّفة لها قاضيةٌ عليها، وبين عمل هذه المادة وعملِ قانونِها فيها تكونُ أسرارُ التكوين، وفي هذه الأسرارِ تجد تاريخَ الإنسانية كلَّه سابحًا في الدَّم.


فالأخلاق على أنها في الأفراد هي في حقيقتها حكمُ المجتمع على أفراده، فقِوامها بالاعتبار الاجتماعي لا غير.


وحينَ يقعُ الفسادُ في الـمُجْمَع عليه من آداب الناس، ويلْتوي ما كان مستقيمًا، وتشْتَبِه العاليةُ والسافلةُ، وتُطَّرحُ المبالاةُ بالضمير الاجتماعي، ويقومُ وزن الحكم في اجتماعهم على القبيح والمنكر، وتجري العبرة فيما يعتبرونه، بالرذائل والمحرمات، ولا يُعجبُ الناسَ إلا ما يُفسدهم، ويقع ذلك منهم بموقع القانون، ويَحِلُّ في محل العادة- فهناك لا مِساكَ للخُلُق السليم على الفرد، ولابد من تحوُّل الفرد في حقيقته؛ إذ كان لا يجيء أبدًا إلا مُتصدِّعًا في كل مظاهره الاجتماعية، فأينما وقع من أعمال الناس جاء مكسورًا أو مثلومًا، وكأنه منتقلٌ من عالم إلى عالم ثانٍ بغير نواميس الأول.


وما شذَّ من هذه القاعدة إلا الأنبياءُ، وأفرادٌ من الحكماء، فأما أولئك فهم قوةُ التحويل في تاريخ الإنسانية، لا يُبعثُ أحدهم إلا ليهيجَ به الهيْجُ في التاريخ، ويتطرَّقُ به الناس إلى سُبُل جديدة كأنما تطردهم إليها العواصفُ والزلازلُ والبراكينُ، لا شريعتُه ومبادئُه وآدابُه...


الأخلاقُ في رأيي هي الطريقةُ لتنظيم الشخصية الفردةِ على مقتضى الواجبات العامة، فالإصلاح فيها إنما يكونُ من عمل هذه الواجبات، أي من ناحية المجتمع والقائمين على حكمه، وعندي أن للشعبِ ظاهرًا وباطنًا، فباطنُه هو الدينُ الذي يحكم الفرد، وظاهره هو القانون الذي يحكمُ الجميع، ولن يصلُحَ للباطن المتصل بالغيب إلا ذلك الحكمُ الدينيُّ المتصلُ بالغيب مثلَه.


ومن هنا تتبيَّن مواضعُ الاختلال في المدنية الأوربية الجديدة، فهي في ظاهر الشعب دون باطنه، والفرد فاسدٌ بها في ذاتِ نفسه إذا هو تحلَّل من الدين، ولكنَّه مع ذلك يبدو صالحًا منتظمًا في ظاهره الاجتماعي بالقوانين وبالآداب العامة التي تفرضها القوانين، فلا يبرحُ هازئًا من الأخلاق ساخرًا بها؛ لأنها غير ثابتة فيه، ثم لا تكون عنده أخلاقًا يعتدُّ بها إلا إذا درَّتْ بها منافعه، وإلا فهي ضارَّة إذا كانت منها مضرَّة، وهي مؤلمة إذا حالت دون اللذات، ولا ينفكُّ هذا الفرد يتحوَّل؛ لأنَّه مطلقٌ في باطنه غيرُ مقيد إلا بأهوائه ونزعاته، وكلمتا الفضيلة والرذيلة معدومتان في لغة الأهواء والنزعات؛ إذ الغايةُ المتاعُ واللذةُ والنجاحُ، وليكن السبب ما هو كائن.


وبهذا فلن تقومَ القوانين في أوربا إذا فَنِيَ المؤمنون بالأديان فيها أو كاثرهم الملحدون، وهم اليومَ يُبصرون بأعينهم ما فعلت عقليةُ الحرب العظمى في طوائفَ منهم قد خَرِبتْ أنفسهم من إيمانهم؛ فتحولوا ذلك التحول الذي أومأنا إليه، فإذا أعصابهم بعد الحرب ما تزال محارِبةً مقاتِلة ترمي في كلِّ شيء بروح الدم والأشلاء والقبور والتَّعفن والبِلى، وانتهت الحربُ بين أمم وأمم، ولكنها بدأت بين أخلاق وأخلاق.


وقديمًا حارب المسلمون، وفتحوا العالم، ودوَّخوا الأمم، فأثبتوا في كلِّ أرضٍ هديَ دينهم، وقوةَ أخلاقهم الثابتة، وكان من وراء أنفسهم في الحرب ما هو من ورائها في السِّلْم، وذلك بثبات باطنهم الذي لا يتحوَّل، ولا تستخفُّه الحياةُ بِنَزَقِها، ولا تتسَفَّهه المدنيَّات؛ فتحمله على الطيش.


ولو كانوا هم أهلَ هذه الحرب الأخيرة بكلِّ ما قذفت به الدنيا، لبقيتْ لهم العقلية المؤمنة القوية؛ لأنَّ كلَّ مسلم فإنما هو وعقليته في سلطان باطنه الثابت القارِّ على حدودٍ بيِّنةٍ محصَّلةٍ مقسومةٍ، تحوطها وتُمسكها أعمال الإيمان التي أحكمها الإسلامُ أشدَّ إحكام بفرضها على النفوس منوَّعةً مكرَّرة: كالصلاة والصوم والزكاة؛ ليمنعَ بها تغيرًا ويُحدِثَ بها تغيرًا آخر، ويجعلَها كالحارسة للإرادة ما تزال تمر بها، وتتعهدها بين الساعة والساعة.


في الكون أصل لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، هو قانون ضبط القوة، وتصريفها، وتوجيهها على مقتضى الحكمة، ويقابله في الإنسان قانونٌ مثلُه لابد منه لضبط معاني الإنسان، وتصريفها، وتوجيهها على مقتضى الكمال، وكلُّ فروض الدين الإسلاميّ وواجباته وآدابه، إنْ هي إلا حركة هذا القانون في عمله، فما تلك إلا طرقٌ ثابتةٌ لخَلْق الحسِّ الأدبي، وتثبيته بالتكرار، وإدخاله في ناموسٍ طبيعي بإجرائه في الأنفس مجرى العادة، وجعله بكلِّ ذلك قوةً في باطنها، فتسمَّى الواجباتُ والآدابُ فروضًا دينية، وما هي في الواقع إلا عناصرُ تكوين النفس العالية، وتكون أوامرَ وهي حقائق.


ومن ذلك أُرانا- نحن الشرقيين- نمتاز على الأوربيين بأننا أقربُ منهم إلى قوانين الكون، ففي أنفسنا ضوابط قويةٌ متينة إذا نحن أقررنا مدنيَّتهم فيها- وهي بطبيعتها لا تقبل إلا محاسن هذه المدنية- سبقناهم وتركنا غبارَ أقدامنا في وجوههم، وكنَّا الطبقةَ المصفَّاة التي ينشُدُونها في إنسانيتهم الراهنة ولا يجدونها، ونمتاز عنهم من جهة أخرى بأننا لم نُنشئ هذه المدنية، ولم تنشئنا، فليس حقًّا علينا أن نأخذ سيئاتها في حسناتها، وحماقتها في حكمتها، وتزويرَها في حقيقتها، وأن نُسيغَ منها الحلوةَ والمرَّة، والناضجةَ والفجَّة، وإنما نحن نحصلها، ونقتبسها، ونرتجعُ منها الرَّجعة الحسنة؛ فلا نأخذ إلا الشيء الصالحَ مكان الشيء قد كان دونه عندنا، وندعُ ما سوى ذلك، ثم لا نأخذ ولا ندَعُ إلا على الأصول الضابطةِ المحكمة في أدياننا وآدابنا، ولسنا مثلهم متصلين من حاضر مدنيتهم بمثل ماضيهم.


بيدَ أنَّ العجبَ الذي ما يفرغُ عجبي منه أنَّ الموسومين منَّا بالتجديد لا يحاولون أولَ وهلةٍ وآخرها إلا هدمَ تلك الضوابط التي هي كلُّ ما نمتاز به، والتي هي كذلك كلُّ ما تحتاج إليه أُوربا؛ لضبط مدنيتها، ويسمُّون ذلك تجديدًا، ولَهُـوَ بأن يسمى حماقةً وجهلًا أولى وأحقُّ.


أقول ولا أبالي: إننا ابتلينا في نهضتنا هذه بقوم من المترجمين قد احترفوا النقلَ من لغاتِ أوربا، ولا عقلَ إلا عقلُ ما ينقلونه، فصَنَعتْهم الترجمةُ من حيثُ يدرون أو لا يدرون صنعةَ تقليدٍ محْضٍ ومُتابعةٍ مُستعبَدة، وأصبح عقلهم- بحكم العادة والطبيعة- إذا فكَّر انجذب إلى ذلك الأصل لا يخرج عليه، ولا يتحوَّل عنه، وإذا صحَّ أنَّ أعمالَنا هي التي تعملُنا- كما يقول بعض الحكماء- فهم بذلك خطرٌ أيُّ خطر على الشعب وقوميَّته وذاتيته وخصائصه، ويُوشكُ إذا هو أطاعهم إلى كلِّ ما يدعون إليه أن... أن يترجموه إلى شعبٍ آخر...


إنَّ أوربا ومدنيتها لا تساوي عندنا شيئًا إلا بمقدار ما تُحقِّق فينا من اتساع الذاتية بعلومها وفنونها؛ فإنما الذاتيةُ وحدَها هي أساسُ قُوَّتنا في النزاع العالمي بكلِّ مظاهره أيَّما كان، ولها وحدَها، وباعتبارٍ منها دون سواها، نأخذ ما نأخذه من مدنية أُوربا، ونُهمل ما نُهمل، ولا يجوز أن نتركَ التثبتَ في هذا، ولا أن نتسامحَ في دقةِ المحاسبةِ عليه.


فالمحافظة على الضوابط الإنسانية القوية التي هي مظاهر الأديان فينا، ثم إدخالُ الواجبات الاجتماعية الحديثة في هذه الضوابط لربطها بالعصر وحضارته، ثم تنسيق مظهر الأُمَّة على مقتضى هذه الواجبات والضوابط، ثم العمل على اتحاد المشاعر، وتمازُجها؛ لتقويم هذا المظهر الشعبيِّ في جملته بتقويم أجزائه- هذه هي الأركان الأربعةُ التي لا يقوم على غيرها بناءُ الشرق.


فليكن دائمًا شعارُنا- نحن الشرقيين- هذه الكلمة: أخلاقُنا قبل مدنيَّتِهم.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

1.Add the solve...

1.Add the solvent to the chromatography tank/jar to a depth of 2 cm or the desired level depending o...

4. Haiku in Eng...

4. Haiku in English and International Haiku: Haiku has transcended its cultural origins and gained p...

BAG by I am re...

BAG by I am really interested in the health news that I read daily for several reasons. The first o...

Activities of S...

Activities of Sequential Functions According to Mackenzie, a manager’s sequential func- tions are di...

Introduction to...

Introduction to prostaglandins Neuropsychiatric diseases have a wide array of symptoms and relat...

ويعود سبب تغير ...

ويعود سبب تغير موقع شروق الشمس وغروبها بين يوم وآخر إلى ميلان محور ال� ًـا فـي أرض نحـو الشـمس فـي ن...

الصياد العجوز ...

الصياد العجوز تبدأ الرواية بالتعريف ببطلها وهو رجل عجوز يدعى "سانتياجو " أضنته الشيخوخة ولكن له عين...

مرحبا يا امي، ك...

مرحبا يا امي، كيف حالك لقد اشتقت اليك كثيرا، و أنا أحملك في قلـبي كل لحظة، لا اعلم ان كانت رسالتي سو...

المطل األول الط...

المطل األول الطييعة اإلنسانية القانون ليس هدفا في حد ذاته بل هو وسيلة لتحقيا مجموعة غايات، والجامع ل...

2- البرهان المس...

2- البرهان المستحاثي: بعض الكائنات البرية مثل الميزوزور الذي عاش في أواخر الحقب الأول نعثر على مست...

تعريف أصول الفق...

تعريف أصول الفقه ( أصول الفقه معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد ) . هذ...

Cancer is a mul...

Cancer is a multifaceted condition characterized by abnormal cell growth.Therefore early detection o...