لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

الحياة العقلية يكون من البعث كان الإسلام سببا في أن خرج العرب من طور البداوة إلى طور الحضارة ، و معروف أن الأمم في الدور الأول لا تحقق لنفسها نهضة فكرية ، فحياتها العقلية لا تزال تحدها أسوار السذاجة والطفولة . وقد نقل الإسلام العرب نقالة كبيرة ، فقد استولى فيما استولى عليه عند الأمم المفتوحة على جميع تراثها العقلي الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق ، فما هى إلا عشية أو ضحاها ، حتى أخذت سيول الثقافات الأجنبية التى كانت مبثوثة فى العراق والشام ومصر تنحدر إلى مجرى النهر التحول في شعره ي ، الذي كان عية وابتهالات ها فرع من العربي وتحدث تطوراً هائلا في حياة العرب العقلية. (۲) وكان من آثار ذلك أن انبثقت فى هذا العصر حركات تعليمية كثيرة ، على رأسها الحركة الدينية التي عنيت بتفسير القرآن الكريم ورواية الحديث الشريف ، میت آثاری عن النار كما عنيت بوضع قواعد الفقه الإسلامى الذى لم يقف به أصحابه عند أمور العبادات الدينية ، بل وستعوه حتى شمل كل فروع الحياة المدنية والسياسية . وكانت الأصول التي تستمد منها قواعد هذا الفقه هي القرآن والحديث وإجماع المسلمين ثم القياس . ومعنى ذلك أن الاستنتاج والرأي الشخصي احترما في الفقه الإسلامي منذ أول الأمر ، يشهد لذلك ما روى عن الحسن البصرى من أن شخصا سأله عن بعض فتاويه : أبرأيه أم سمعها ، فقال : « لا والله ما كل ما نفتى به سمعناه (۱)) وتقصيرها من مثل والطور شعر في وقد أخذت تُؤسس فى كل بلدة كبيرة مدرسة فقهية ، فكان في مكة عكرمة ، وعطاء وابن أبي مليكة . وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وعُروة بن الزبير ، وفي اليمن وهب ابن منبه وطاووس . وفى مصر الصابحى ، ويزيد بن عبد الله البربي . وفي الشام
شتهر بن حوشب ، وهاني بن والأوزاعي . وفى خراسان عطاء بن مسلم والضحاك بن مزاحم والشعبي ، وشريح بن وابن سيرين الحارث القاضي بن كلثوم ، ومكحول وفي الكوفة الشخصي ، وسعيد بن جبير . وإياس بن معاوية ، ومالك وهؤلاء الفقهاء من عرب وموال أخذوا يشرعون للناس نشتر عون للناس أمور دينهم ودنياهم . وكان للأخذ بأصل القياس فى الفتوى أثر واسع فى اختلافهم فى مسائل كثيرة . واشتهرت بيئة الحجاز بغلبة الحديث عليها ، كما اشتهرت بيئة العراق بغلبة القياس ، إلا أن ذلك لم يتحدث حرجاً ، فقد روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : « اختلاف أمتي رحمة) وعن يحبى ابن سعيد : « أهل العلم أهل توسعة ، فيحلل هذا ويحرم هذا ، فلا يعيب هذا على هذا ، ولا هذا على هذا (۲) ) . الياس بن معاوية ابن شبرمة بمسائل قال : ما ارتبت الجليس فسل مسائل أو أربع القرآن ؟ قال : دينكم وأتممت = بني لآل شبرمة ـ فذكر الصوم و أحسن من شي المسائل الفقهية وكان هذا الاختلاف متحكما للعقول ومشحدة للأفكار ، فكان هؤلاء : الفقهاء وتلاميذهم يبحثون فى وجوهه وأسبابه ، حتى بلغ من أيوب السختياني أن قال : « لا يعرف الرجل خطأ معلميه حتى يسمع الاختلاف (۳)) : أثره الواسع في وكان من آثاره أن بعض الفقهاء كان يتحرج فى الفتوى ، فقد روى عن النخعى أنه كان لا يقول عن شيء إنه حرام مطلقاً أو حلال مطلقا، ولكن يقول : إن هذا الفرزدق كان يتكرهه الصحابة وذاك يستحسنونه (٤) . ولكن أمثال النخعي كانوا قليلين ، وكانت الكثرة تذهب إلى الحكم البسين والفتوى الواضحة . وسرعان ما رأينا الفقهاء يتحاورون فيما بينهم ، فكان الشعبى يجلس فى مجالسه وأصحابه يناظرونه في الفقه (٥) . ولم تقف هذه المناظرات والمجادلات عند بيئة الفقهاء ، بل انتقلت إلى مجالس الخلفاء ،قتادة (1)، وكانت هذه المجادلات تأخذ أحيانا شكل أسئلة ، روى ابن سعد أن إياس بن معاوية حين قدم واسطاً جعلوا يقولون : قدم البصري ، فأتاه ابن شبرمة بمسائل قد أعدها له، فجلس بين يديه ، فقال : أتأذن لي أن أسألك ، قال : ما ارتبتُ بك حتى استأذنتى ، فسأله عن بضع وسبعين مسألة ، فما اختلفا يومئذ إلا في ثلاث مسائل أو أربع ، رده فيها إياس إلى قوله ، ثم قال : يا بن شبرمة هل قرأت القرآن ؟ قال : نعم من أوله إلى آخره ، قال : فهل قرأت : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ؟ قال : نعم وما قبلها وما بعدها قال : فهل وجدته بني لآل . ؟ فقال : لا ، فقال له إياس : إن للنسك فروعا فذكر الصوم والصلاة والحج والجهاد، وواضح أن إياساً . المسائل الفقهية وفروع الدين فوق النسك والعبادة شبرمة شيء ينظرون فيه جعل النظر في وما من ريب فى أن هذا النظر الفقهى وما طوى فيه من حوار وجدل كان له أثره الواسع في العقل العربى العام حينئذ ، فإن الناس ومعهم الشعراء كانوا يستمعون إلى هذه المجادلات والمناظرات . ومن طريف ما روى الرواة في هذا الصدد أن الفرزدق كان يلزم حلقة الحسن البصرى ، بينما كان جرير يلزم حلقة ابن سيرين (۳) وحدث صاحب الأغانى أن رجلا سأل الحسن البصري يوما وعنده الفرزدق عن اليمين اللغو فى الكلام من مثل لا والله ، فقال الفرزدق له : أو ما سمعت ما قلت في ذلك ؟ فقال الحسن . ما كل ما قلت سمعوا فما قلت ؟ فقال : قلت : ولست بمأخوذ بلغو تقولُه إذا لم تعمد عاقدات العزائم ولم ينشب أن جاء شخص آخر ، فسأل الحسن عن سبية الحرب المتزوجة أتحل لمن سباها ؟ ، فقال الفرزدق أيضا : أو ما سمعت ما قلت في ذلك ؟ وأنشد :وذات حليل أنكحتنا رماحنا حلال" لمن يتبنى بها لم تطلق (1) وأظن في ذلك ما يدل أبلغ الدلالة على صلة الشاعر الأموى بكل ما كان يجرى في بيئات الفقهاء ، والذي يهمنا حقا أنه كان يطلع على وجوه الخلاف وكانت تدهم. عقله وتغذى فكره هذه الخلافات وأخذت تتكون فى هذا العصر وفى العراق خاصة بذور علم الحيل الذي شاع فيما بعد عند فقهاء الأحناف ؟ وهو علم يقوم على اتساع المخرج الذي يمكن أن يخلّص من يقع فى إشكال ديني ، وكان أهم جانب طبق فيه جانب الأيمان ، وقد أشار إليه جرير في بعض نقائضه ، فقال (۲) : ولا خير في مال عليه ألية ولا في يمين غير ذات مخارم والآلية : اليمين ، والمخارم : الطرق فى الجبال ، ويريد بها جرير هنا الطرق التي يمضي فيها التحليل والاستثناء . ويقول ذو الرمة في وصف سراه بالليل (۳) : طوى طيبة فوق الكرى جفن عينه على رهبات من جنان المحاذر (٤) قليلا كتحليل الألى ثم قلصت به شيمة روعاء تقليص طائر (0) فهو يشبه إغفاءه وانتباهه السريع فى السفر بتحليل الألى جمع ألوة وهى اليمين . وكان يقظا لكل ما يصدر منهم ، وإذن فما كان فى هذه المجالس من حجاج وجدل ومناظرات ، كل ذلك أخذ طريقه إلى عقول الشعراء . ويكفي أن نقرأ ما يروى في البيان والتبيين عن إياس بن معاوية ومدى ذكائه ومقدرته في الجدل والاحتجاج (1) لتعرف إلى أى حد كان يؤثر هؤلاء الفقهاء فيمن حولهم من شعراء وغير شعراء
وظهرت معها مقدمات علم الكلام . وكان من أهم المسائل التي عرضت للبحث مسألة الإيمان وهل بعد مؤمنا وإن جار من الضروري أن يرفق بالعمل أو ليس ذلك من الضروري ؟ فالمسلم عن طريق القصد ، وبذلك لا يكون هناك فرق بين عصوا ، وإن . بين مسلم وكان من وذهبت تدعو هذه الدعوة فئة سميت بالمرجئة ، من أهم ما دعت إليه ترك الحكم على مصير الناس إلى ربهم ، فعلى وعثمان ومعاوية مؤمنون ، ولا نستطيع الحكم على أحدهم بخطأ ، أما عمله فذلك لربه ، حتى ولو لم يصم ولم يصل فهو ولا يصح أن يطرد من حظيرة الإسلام . مسلم وبذلك كان أول مبادئ المرجئة إرجاء الحكم على المسلم وترك أمره لربه حتى لو أهمل الفروض الدينية ، بل حتى لو اقترف المعاصي والآثام . وكثرتهم نؤمن بالجبر وتعطيل حرية الإنسان أمام القدر. وكان منهم من يرى أن ترد الخلافة إلى الأمة فلا تختص بها قريش سواء بيتها الأموى الحاكم أو البيت العلوى . ومن هنا كان مذهب المرجئة مثاراً لمناظرات ومجادلات كثيرة في العراق ، وخاصة في الكوفة دار الشيعة ومستقرهم منذ على ، فكانوا ما يزالون يتحاورون معهم ويتناقشون قشون ، يدل على ذلك ما رواه ابن سعد من أن رجلا و كان يأتى النخعي فيتعلم منه ، فيسمع قوماً يذكرون أمر على وعثمان ، فقال : أنا أتعلم من هذا الرجل ، وأرى الناس مختلفين فى أمر على وعثمان ، فسأل إبرهيم النخعي عن ذلك فقال ما أنا بسبى ولا مرجى (١)) . والسبى نسبة إلى عبد الله بن سبأ أحد غلاة الشيعة . وفى البيان والتبيين لبعض الشعراء (٢) . إذا المُرْجى سرك أن تراه يموت بدائه من قبل موته ذكرى على وصل على النبي وأهل بيته فجدد عندهويظهر أن الجدل في الإرجاء اتسع ، فنحن نجده ينتقل إلى مجالس الخلفاء فقد روى أن عمر بن عبد العزيز حين ولى الخلافة رحل إليه من الكوفة عوف بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ، ومعه أبو الصباح موسى بن أبي كثير وعمر بن حمزة ، فكلموه في الإرجاء وناظروه ، فزعموا أنه وافقهم ولم يخالفهم في شيء منه (1) . ونجد في هذا العصر شاعراً يثبت في شعره آراء المرجئة الجبرية ، ويوضح أصول العقيدة التي اعتنقوها ، وهو ثابت قطنة الذي نشأ في العراق ، ثم تقالب في حروب خراسان قائداً وعاملا من عمال الثغور ، واستمع إليه يقول (۲) : ترجي الأمور إذا كانت مشبهة وتصدق القول فيمن جار أو عندا والمشركون أستوا دينهم قيد دا (٣) م الناس شركا إذا ما وحدوا الصمدا رد وما يقض من شيء يكن رشد كل الخوارج مخط في مقالته ولو تعبد فيما قة واجتهدا المسلمون على الإسلام كلهم ولا أرى أن ذنباً بالغ أحدا وما قضى الله من أمر فليس له أما على وعثمان فإنهما عبدان لم يشركا بالله من عبدا وهذه وثيقة طريفة أودع فيها ثابت رأى المرجئة ، فهم لا يحكمون على الأمور المشتبهة ، وهم فى الوقت نفسه لا يكفرون أحدا من المسلمين على نحو ما يصنع الخوارج إذ كفروا عامة المسلمين ، وزعموا أن دارهم دار حرب ، فيجب أن يقاتلوا أو يتبعوهم على مذهبهم . فهم مرجئة ، يرجئون الحكومة على الأعمال . وأشار ثابت فى البيت الرابع من أبياته إلى مسألة أخرى لعبت دوراً طويلاً في تاريخ علم العقائد الإسلامي أو علم الكلام ، وهي مسألة الجبر والاختيار في إرادة الإنسان وأعماله . وقد التحم في هذه المسألة علم العقائد المسيحي بما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف من أى ونصوص ، قد يفهم منها الجبر أو يفهم منها الاختيار . وواضح من بيت ثابت أنه من الجبرية وكان من المرجئة من لا يؤمن بالحبر وأن حرية الإنسان معطلة أمام القدر. وبذلك كانوا فريقين : فريقاً جبرياً وفريقاً قدريا . ومعروف أن القدرية هم القائلون بحرية الإرادة ، حتى يحمل الإنسان وزر ما يرتكبه من أعمال أنهم أحسوا فى الجبر لا دعوة للاتكال والتهاون والركون إلى القدر فحسب ، سبق . لهم في أم الكتاب ويظهر فلا داعي لنقدهم ولا للخروج عليهم ويمثل النزعة الجبرية فى وضوح من خلفاء بي أمية عبد الملك بن مروان فإنه استقدم عمرو بن سعيد بن العاص حين ثار عليه في حمص ، ليصالحه ثم غدر به وقتله ، ونادى فى أصحابه : « إن أمير المؤمنين قد قتل صاحبكم بما كان من القضاء السابق والأمر النافذ الذي لا يمكن تجنبه ) (١) وإذا كانت الكوفة قد عرفت بمناقشاتها ومناظراتها لهذا العصر في الإرجاء فإن البصرة عرفت بمحاوراتها ومجادلاتها فى القدر . وزعيم القائلين فيها بالقدر غير منازع الحسن البصرى ، ويروى أن عطاء بن يسار ومعبداً الجهني كانا يأتيانه فيقولان : « إن هؤلاء الملوك ( بني أمية ) على قدر الله فيقول كذب أعداء الله (۲) » . وفى دار الكتب المصرية رسالة مخطوطة طريفة موجهة من الحسن البصرى إلى عبد الملك يرد فيها على ما سأله عنه من قوله بالقدر ، وقد تحمس فيها الحسن تحمساً شديداً لمذهب القدر ، وأتى بكل ما يسنده من آي القرآن ونصوص الحديث . ويثيرها معه من يستمعون إليه ،


النص الأصلي

الحياة العقلية يكون من البعث كان الإسلام سببا في أن خرج العرب من طور البداوة إلى طور الحضارة ، و معروف أن الأمم في الدور الأول لا تحقق لنفسها نهضة فكرية ، فحياتها العقلية لا تزال تحدها أسوار السذاجة والطفولة . وقد نقل الإسلام العرب نقالة كبيرة ، فقد استولى فيما استولى عليه عند الأمم المفتوحة على جميع تراثها العقلي الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق ، فما هى إلا عشية أو ضحاها ، حتى أخذت سيول الثقافات الأجنبية التى كانت مبثوثة فى العراق والشام ومصر تنحدر إلى مجرى النهر التحول في شعره ي ، الذي كان عية وابتهالات ها فرع من العربي وتحدث تطوراً هائلا في حياة العرب العقلية. (۲) وكان من آثار ذلك أن انبثقت فى هذا العصر حركات تعليمية كثيرة ، على رأسها الحركة الدينية التي عنيت بتفسير القرآن الكريم ورواية الحديث الشريف ، میت آثاری عن النار كما عنيت بوضع قواعد الفقه الإسلامى الذى لم يقف به أصحابه عند أمور العبادات الدينية ، بل وستعوه حتى شمل كل فروع الحياة المدنية والسياسية . وكانت الأصول التي تستمد منها قواعد هذا الفقه هي القرآن والحديث وإجماع المسلمين ثم القياس . ومعنى ذلك أن الاستنتاج والرأي الشخصي احترما في الفقه الإسلامي منذ أول الأمر ، يشهد لذلك ما روى عن الحسن البصرى من أن شخصا سأله عن بعض فتاويه : أبرأيه أم سمعها ، فقال : « لا والله ما كل ما نفتى به سمعناه (۱)) وتقصيرها من مثل والطور شعر في وقد أخذت تُؤسس فى كل بلدة كبيرة مدرسة فقهية ، فكان في مكة عكرمة ، وعطاء وابن أبي مليكة . وفى المدينة سالم ، ونافع ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وعُروة بن الزبير ، والزهرى . وفي اليمن وهب ابن منبه وطاووس . وفى مصر الصابحى ، وأبو تميم ، ويزيد بن عبد الله البربي . وفي الشام


شتهر بن حوشب ، ورجاء بن حيوة الكندى ، وهاني بن والأوزاعي . وفى خراسان عطاء بن مسلم والضحاك بن مزاحم والشعبي ، وشريح بن وابن سيرين الحارث القاضي بن كلثوم ، ومكحول وفي الكوفة الشخصي ، وسعيد بن جبير . وفي البصرة الحسن بن دينار ، وأيوب السختياني . ، وقتادة ، وإياس بن معاوية ، ومالك وهؤلاء الفقهاء من عرب وموال أخذوا يشرعون للناس نشتر عون للناس أمور دينهم ودنياهم . وكان للأخذ بأصل القياس فى الفتوى أثر واسع فى اختلافهم فى مسائل كثيرة . واشتهرت بيئة الحجاز بغلبة الحديث عليها ، كما اشتهرت بيئة العراق بغلبة القياس ، ولذلك نبغ منهم من سموا أهل الرأى (1) واختلافات كثيرة قامت بين البيئتين فى الأحكام والآراء ، إلا أن ذلك لم يتحدث حرجاً ، فقد روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : « اختلاف أمتي رحمة) وعن يحبى ابن سعيد : « أهل العلم أهل توسعة ، وما بترح المفتون يختلفون ، فيحلل هذا ويحرم هذا ، فلا يعيب هذا على هذا ، ولا هذا على هذا (۲) ) . الياس بن معاوية ابن شبرمة بمسائل قال : ما ارتبت الجليس فسل مسائل أو أربع القرآن ؟ قال : دينكم وأتممت = بني لآل شبرمة ـ فذكر الصوم و أحسن من شي المسائل الفقهية وكان هذا الاختلاف متحكما للعقول ومشحدة للأفكار ، فكان هؤلاء : الفقهاء وتلاميذهم يبحثون فى وجوهه وأسبابه ، حتى بلغ من أيوب السختياني أن قال : « لا يعرف الرجل خطأ معلميه حتى يسمع الاختلاف (۳)) : أثره الواسع في وكان من آثاره أن بعض الفقهاء كان يتحرج فى الفتوى ، فقد روى عن النخعى أنه كان لا يقول عن شيء إنه حرام مطلقاً أو حلال مطلقا، ولكن يقول : إن هذا الفرزدق كان يتكرهه الصحابة وذاك يستحسنونه (٤) . ولكن أمثال النخعي كانوا قليلين ، وكانت الكثرة تذهب إلى الحكم البسين والفتوى الواضحة . وسرعان ما رأينا الفقهاء يتحاورون فيما بينهم ، فكان الشعبى يجلس فى مجالسه وأصحابه يناظرونه في الفقه (٥) . ولم تقف هذه المناظرات والمجادلات عند بيئة الفقهاء ، بل انتقلت إلى مجالس الخلفاء ، فقد روى أن سليمان بن عبد الملك جمع بين قتادة والزهرى ، فغلبه
قتادة (1)، وكانت هذه المجادلات تأخذ أحيانا شكل أسئلة ، روى ابن سعد أن إياس بن معاوية حين قدم واسطاً جعلوا يقولون : قدم البصري ، فأتاه ابن شبرمة بمسائل قد أعدها له، فجلس بين يديه ، فقال : أتأذن لي أن أسألك ، قال : ما ارتبتُ بك حتى استأذنتى ، إن كانت لا تعنت القائل ولا تؤذى الجليس فسل ، فسأله عن بضع وسبعين مسألة ، فما اختلفا يومئذ إلا في ثلاث مسائل أو أربع ، رده فيها إياس إلى قوله ، ثم قال : يا بن شبرمة هل قرأت القرآن ؟ قال : نعم من أوله إلى آخره ، قال : فهل قرأت : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ؟ قال : نعم وما قبلها وما بعدها قال : فهل وجدته بني لآل . ؟ فقال : لا ، فقال له إياس : إن للنسك فروعا فذكر الصوم والصلاة والحج والجهاد، وقال إنى لا أعلمك تعلقت من النسك بشيء أحسن من شيء في يدك : النظر فى الرأى (۲)) . وواضح أن إياساً . المسائل الفقهية وفروع الدين فوق النسك والعبادة شبرمة شيء ينظرون فيه جعل النظر في وما من ريب فى أن هذا النظر الفقهى وما طوى فيه من حوار وجدل كان له أثره الواسع في العقل العربى العام حينئذ ، فإن الناس ومعهم الشعراء كانوا يستمعون إلى هذه المجادلات والمناظرات . ومن طريف ما روى الرواة في هذا الصدد أن الفرزدق كان يلزم حلقة الحسن البصرى ، بينما كان جرير يلزم حلقة ابن سيرين (۳) وحدث صاحب الأغانى أن رجلا سأل الحسن البصري يوما وعنده الفرزدق عن اليمين اللغو فى الكلام من مثل لا والله ، فقال الفرزدق له : أو ما سمعت ما قلت في ذلك ؟ فقال الحسن . ما كل ما قلت سمعوا فما قلت ؟ فقال : قلت : ولست بمأخوذ بلغو تقولُه إذا لم تعمد عاقدات العزائم ولم ينشب أن جاء شخص آخر ، فسأل الحسن عن سبية الحرب المتزوجة أتحل لمن سباها ؟ ، فقال الفرزدق أيضا : أو ما سمعت ما قلت في ذلك ؟ وأنشد :وذات حليل أنكحتنا رماحنا حلال" لمن يتبنى بها لم تطلق (1) وأظن في ذلك ما يدل أبلغ الدلالة على صلة الشاعر الأموى بكل ما كان يجرى في بيئات الفقهاء ، والذي يهمنا حقا أنه كان يطلع على وجوه الخلاف وكانت تدهم. عقله وتغذى فكره هذه الخلافات وأخذت تتكون فى هذا العصر وفى العراق خاصة بذور علم الحيل الذي شاع فيما بعد عند فقهاء الأحناف ؟ وهو علم يقوم على اتساع المخرج الذي يمكن أن يخلّص من يقع فى إشكال ديني ، وكان أهم جانب طبق فيه جانب الأيمان ، وقد أشار إليه جرير في بعض نقائضه ، فقال (۲) : ولا خير في مال عليه ألية ولا في يمين غير ذات مخارم والآلية : اليمين ، والمخارم : الطرق فى الجبال ، ويريد بها جرير هنا الطرق التي يمضي فيها التحليل والاستثناء . ويقول ذو الرمة في وصف سراه بالليل (۳) : طوى طيبة فوق الكرى جفن عينه على رهبات من جنان المحاذر (٤) قليلا كتحليل الألى ثم قلصت به شيمة روعاء تقليص طائر (0) فهو يشبه إغفاءه وانتباهه السريع فى السفر بتحليل الألى جمع ألوة وهى اليمين . فالشعر لم يكن غائباً عن مجالس الفقهاء ، بل كان حاضراً ، وكان يقظا لكل ما يصدر منهم ، وإذن فما كان فى هذه المجالس من حجاج وجدل ومناظرات ، كل ذلك أخذ طريقه إلى عقول الشعراء . ويكفي أن نقرأ ما يروى في البيان والتبيين عن إياس بن معاوية ومدى ذكائه ومقدرته في الجدل والاحتجاج (1) لتعرف إلى أى حد كان يؤثر هؤلاء الفقهاء فيمن حولهم من شعراء وغير شعراء
وأخذت تظهر بجانب ذلك أبحاث في العقيدة ، وظهرت معها مقدمات علم الكلام . وكان من أهم المسائل التي عرضت للبحث مسألة الإيمان وهل بعد مؤمنا وإن جار من الضروري أن يرفق بالعمل أو ليس ذلك من الضروري ؟ فالمسلم عن طريق القصد ، وبذلك لا يكون هناك فرق بين عصوا ، أو لم يؤدوا الفروض الدينية ! . ومسلم ، فالجميع من أهل القبلة ، وإن . بين مسلم وكان من وذهبت تدعو هذه الدعوة فئة سميت بالمرجئة ، من أهم ما دعت إليه ترك الحكم على مصير الناس إلى ربهم ، فعلى وعثمان ومعاوية مؤمنون ، ولا نستطيع الحكم على أحدهم بخطأ ، وكذلك كل مسلم لا يصح أن نتعرض له بحكم على عمله ، فيكفي أن يكون مسلماً ، أما عمله فذلك لربه ، حتى ولو لم يصم ولم يصل فهو ولا يصح أن يطرد من حظيرة الإسلام . مسلم وبذلك كان أول مبادئ المرجئة إرجاء الحكم على المسلم وترك أمره لربه حتى لو أهمل الفروض الدينية ، بل حتى لو اقترف المعاصي والآثام . وكثرتهم نؤمن بالجبر وتعطيل حرية الإنسان أمام القدر. وكان منهم من يرى أن ترد الخلافة إلى الأمة فلا تختص بها قريش سواء بيتها الأموى الحاكم أو البيت العلوى . ومن هنا كان مذهب المرجئة مثاراً لمناظرات ومجادلات كثيرة في العراق ، وخاصة في الكوفة دار الشيعة ومستقرهم منذ على ، فكانوا ما يزالون يتحاورون معهم ويتناقشون قشون ، يدل على ذلك ما رواه ابن سعد من أن رجلا و كان يأتى النخعي فيتعلم منه ، فيسمع قوماً يذكرون أمر على وعثمان ، فقال : أنا أتعلم من هذا الرجل ، وأرى الناس مختلفين فى أمر على وعثمان ، فسأل إبرهيم النخعي عن ذلك فقال ما أنا بسبى ولا مرجى (١)) . والسبى نسبة إلى عبد الله بن سبأ أحد غلاة الشيعة . وفى البيان والتبيين لبعض الشعراء (٢) . إذا المُرْجى سرك أن تراه يموت بدائه من قبل موته ذكرى على وصل على النبي وأهل بيته فجدد عندهويظهر أن الجدل في الإرجاء اتسع ، فنحن نجده ينتقل إلى مجالس الخلفاء فقد روى أن عمر بن عبد العزيز حين ولى الخلافة رحل إليه من الكوفة عوف بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ، ومعه أبو الصباح موسى بن أبي كثير وعمر بن حمزة ، فكلموه في الإرجاء وناظروه ، فزعموا أنه وافقهم ولم يخالفهم في شيء منه (1) . ونجد في هذا العصر شاعراً يثبت في شعره آراء المرجئة الجبرية ، ويوضح أصول العقيدة التي اعتنقوها ، وهو ثابت قطنة الذي نشأ في العراق ، ثم تقالب في حروب خراسان قائداً وعاملا من عمال الثغور ، واستمع إليه يقول (۲) : ترجي الأمور إذا كانت مشبهة وتصدق القول فيمن جار أو عندا والمشركون أستوا دينهم قيد دا (٣) م الناس شركا إذا ما وحدوا الصمدا رد وما يقض من شيء يكن رشد كل الخوارج مخط في مقالته ولو تعبد فيما قة واجتهدا المسلمون على الإسلام كلهم ولا أرى أن ذنباً بالغ أحدا وما قضى الله من أمر فليس له أما على وعثمان فإنهما عبدان لم يشركا بالله من عبدا وهذه وثيقة طريفة أودع فيها ثابت رأى المرجئة ، فهم لا يحكمون على الأمور المشتبهة ، وهم فى الوقت نفسه لا يكفرون أحدا من المسلمين على نحو ما يصنع الخوارج إذ كفروا عامة المسلمين ، وزعموا أن دارهم دار حرب ، فيجب أن يقاتلوا أو يتبعوهم على مذهبهم . ثم هم يُرجئون الحكم على عثمان وصاحبه على ، فهم مرجئة ، يرجئون الحكومة على الأعمال . وأشار ثابت فى البيت الرابع من أبياته إلى مسألة أخرى لعبت دوراً طويلاً في تاريخ علم العقائد الإسلامي أو علم الكلام ، وهي مسألة الجبر والاختيار في إرادة الإنسان وأعماله . وقد التحم في هذه المسألة علم العقائد المسيحي بما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف من أى ونصوص ، قد يفهم منها الجبر أو يفهم منها الاختيار . وواضح من بيت ثابت أنه من الجبرية وكان من المرجئة من لا يؤمن بالحبر وأن حرية الإنسان معطلة أمام القدر. وبذلك كانوا فريقين : فريقاً جبرياً وفريقاً قدريا . ومعروف أن القدرية هم القائلون بحرية الإرادة ، حتى يحمل الإنسان وزر ما يرتكبه من أعمال أنهم أحسوا فى الجبر لا دعوة للاتكال والتهاون والركون إلى القدر فحسب ، بل أحسوا فيه دعوة سياسية ماكرة لبني أمية لأنه يفضي بالناس إلى أن يعتقدوا أن حكم بني أمية مهما ظلموا قدر مقدور ، سبق . لهم في أم الكتاب ويظهر فلا داعي لنقدهم ولا للخروج عليهم ويمثل النزعة الجبرية فى وضوح من خلفاء بي أمية عبد الملك بن مروان فإنه استقدم عمرو بن سعيد بن العاص حين ثار عليه في حمص ، ليصالحه ثم غدر به وقتله ، ونادى فى أصحابه : « إن أمير المؤمنين قد قتل صاحبكم بما كان من القضاء السابق والأمر النافذ الذي لا يمكن تجنبه ) (١) وإذا كانت الكوفة قد عرفت بمناقشاتها ومناظراتها لهذا العصر في الإرجاء فإن البصرة عرفت بمحاوراتها ومجادلاتها فى القدر . وزعيم القائلين فيها بالقدر غير منازع الحسن البصرى ، ويروى أن عطاء بن يسار ومعبداً الجهني كانا يأتيانه فيقولان : « إن هؤلاء الملوك ( بني أمية ) على قدر الله فيقول كذب أعداء الله (۲) » . وفى دار الكتب المصرية رسالة مخطوطة طريفة موجهة من الحسن البصرى إلى عبد الملك يرد فيها على ما سأله عنه من قوله بالقدر ، وقد تحمس فيها الحسن تحمساً شديداً لمذهب القدر ، وأتى بكل ما يسنده من آي القرآن ونصوص الحديث . ويظهر أنه كان دائم الجدال في هذه المسألة يثيرها في مجالسه ، ويثيرها معه من يستمعون إليه ، فقد روى عن أيوب السختياني أنه كان يقول : « نازلت الحسن في القدر غير مرة .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

الآخرين. اذ ان ...

الآخرين. اذ ان الاستعمار يساهم في تشكيل الذوات ورؤاهم وادراكاتهم للعالم والآخرين، في مقاله يتحدث حسي...

: إنَّ الحمدَ...

: إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ...

Description de ...

Description de la Villa Moderne La photo montre une vue en plan 3D d'une villa moderne, comprenant p...

حيث لا يمكن الف...

حيث لا يمكن الفصل بين النهضة الثقافية، النهضة الأخلاقية، النهضة الاقتصادية، النهضة العسكرية والاجتما...

يبحث المقال في ...

يبحث المقال في الاختلافات وإمكانيات الوصول والمساواة في التعليم في جهاز التربية والتعليم، المقال مقس...

تقع ماليزيا في ...

تقع ماليزيا في جنوب شرقي آسيا وتتكون من 13 ولاية وثلاثة أقاليم اتحادية؛ حيث تبلغ مساحتها أكثر من 330...

تحليل أهداف الع...

تحليل أهداف العمل والقيود تعمل هذه الفصول كمقدمة لبقية الكتاب من خالل وصف تصميم الشبكات بأسلوب متكا...

الانسداد والتأخ...

الانسداد والتأخر في السداد نص الرسالة: بعد الانتهاء من الخدمة بأكملها تقريبًا الخاضعة للنفقات رقم ، ...

StepS (results)...

StepS (results): 1-Amniotic cavity expansion leads to primitive umbilical ring formation by ventral ...

With a degree i...

With a degree in Human Resources and specialized training from the Ministry of Human Resource and So...

رداً على هذا ال...

رداً على هذا السوال فيوجد عدة اسباب حيث تتكون مهام الهيئة من ستة مهام رئاسية وهم: اولاً: العمل على ب...

أثارت لحظات بكا...

أثارت لحظات بكاء أطفال يسمعون للمرة الأولى في حياتهم، مشاعر الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ...