لخّصلي

يش تق لفظ "احلداثة" من الفعل الثاليث "حدث" مبعىن "وقع"، حدث اليشء، وحيدث حدواًث، فهو حمدث وحديث،
وأأحدث اليشء أأوجده، واحملدث هو اجلديد من الأش ياء وليس هل قدمي، وميكن أأن يرد يف س ياق "ما اس تحدث"، أأو ما جد
من تطور، و لكمة "حدايث" يوصف هبا ما ينسب للعرص احلديث. ولفظ "احلداثة" يقابهل لفظ "Modernity "يف الإجنلزيية،
و"Modernité "يف اللغة الفرنس ية، والأصل الالتيين لللكمة هو"Modernus "واملش تقة بدورها من اللكمة الالتينية
ا "Modus "اليت تعين مقياس أأو جحم أأو مكية، ومن اللكامت املش تقة من نفس اجلذر "Modo ا أأو
" اليت تعين حدث مؤخر
لتوه.
وتشري الشواهد التارخيية إاىل أأن لكمة "Modernus "الالتينية قد ظهرت لأول مرة يف أأواخر القرن اخلامس
امليالدي، ويه الفرتة اليت عرفت انتقال أأورواب من العصور الرومانية القدمية )منط الثقافة وهجاز ادلوةل الرومانيني( إاىل عهد
متيزي بني املايض الروماين والوثين من هجة، واحلارض
ل
املس يحية اجلديد. ومنذ ذكل احلني، يمتاس تخدام هذه اللكمة لدللةل عىل ا
املس يحي الوليد من هجة أأخرى، وهو ما يؤكد عليه ليو شرتواس Strauss Leo بقوهل أأن احلداثة فُهمت منذ البداية يف
تعارضها مع العصو ر القدمية.
ومتثل احلداثةحسب جيدن Jaden مينة فهيا التقاليد
نسقا من الانقطاعات التارخيية عن املراحل السابقة اليت عرفت ه
متزي بأأمناط وجود وحياة وعقائد خمتلفة لكيا عن تكل اليت اكنت سائدة يف املراحل
والعقائد ذات الطابع الشمويل الكنيس. فاحلداثة ت
الوافدة إاىل اجملمتع من التقليدية. واحلداثة هبذا املعىن تشري إاىل فاكر واملعايري والقمي واملؤسسات ومناذج السلوك اجلديدة
مجموعة من الأ
اخلارج، أأو تكل اليت ابتكرها اجملمتع من خاللحركة جتديدأأوإاحياء داخلية". ويركز املفكرون عادة يف تعريف احلداثة عىل فكرتني
أأساس يتني هام: فكرة الثورة ضد التقليد، وفكرة مركزية العقل.
نظمة اليت تنتقل بعالقات اجملمتع من مس توى الرضورة
أأما س ياس يا واجامتعيا فاحلداثة تعين الصياغة املتجددة للمبادئ والأ
إاىل احلرية، ومن الاس تغاللإاىل العداةل، ومن التبعية إاىل الاس تقالل ومن الاس هتالك إاىل ا إلنتاج، ومن سطوة القبيةل أأو العائةل
أأو الطائفة إاىل ادلوةل احلديثة، ومن ادلوةل التسلطية إاىل ادلوةل ادلميوقراطية.
يعرفها عامل الاجامتع الرويس كرافشينكو Kravchenko .A Sergey بكوهنا "مرحةل جديدة من التطور الاجامتعي
والثقايف للمجمتع." أأما موسوعة عمل النفس النقدي؛ فتشري إاىل أأهنا تكل "احلاةل الاجامتعية والثقافية والفكرية اليت تساعد يف
ا كتعبري بديل
ا
الرتكزي عىل ما هو ابرز/ممزي حول اجملمتع الغريب"، ويمت اس تخدام مفهوم "احلداثة؛ كتعبري عن حاةل العامل، وغالب
ُ للرأأساملية، والتصنيع، والعقلنة، والعلمنة، وجممتع ا إلعالم والتصال، أأو غريها من سامت إايديولوجية أأو مؤسس ية أأ عتقد
خرى ي
كرث بدائية".
أأهنا متزي اجملمتع الغريب، وذكل يف مقابل العصور السابقة، أأو احلضارات الأخرى املوجودة الأ
وتعرفها املوسوعة ادلولية للجغرافية البرشية بكوهنا "تشري إاىل مجموعة قوية من العالقات الثقافية والس ياس ية
والاقتصادية واملاكنية، واليت أأثرت بشلك أأسايس عىل طبيعة احلياة الاجامتعية، والاقتصاد، وجتربة الزمان واملاكن
واس تخداماهتام، واليت تشمل خصائص مرتبطة بلك هذه العالقات".
ويامتيز مفهوما احلداثة Modernity عن مفهوم التحديث Modernization يف اللغتني الفرنس ية وا إلنلكزيية. فاحلداثة
إزاء املناجه اليت يس تخدهما العقل يف التوصل إاىل معرفة ملموسة
يه موقف عقيل جتاه مسأأةل املعرفة وا . أأما التحديث
Modernization فهو معلية الاس تعانة ابلتقنية واخملرتعات احلديثةحيث توظفهذه التقنيات يف احلياة الاجامتعية دونإاحداث
أأي تغيري عقيل أأو ذهين ل إال ن الكون والعامل. نسان م
احلداثـــــة وعلـــــم الاجمتـــــاع:
تشري احلداثة حسب هابرماس Habermas Jürgen إاىل معلية الانتقال من النظام الاجامتعي التقليدي/
ا إلقطاعي،إاىل النظام الاجامتعيالرأأساميل، يفإاطار التحو Auguste ّلإاىل التصنيعوالعلمنةوالعقلنة. فامييرى أأوجستكونت
Comte أأن احلداثة قد بدأأت حيامن بدأأ الاعامتد عىل الوضعية كأساس للبحث العلمي يف دراسة اجملمتعات.
ا اجامتعياة خاصة رادا عىل تعلمي التنوير، وجاءت اكنعاكس للظواهر الاجامتعية اليت
ا
ونشأأت يف كنف احلداثة نظم
نتجت عن الرأأساملية والتصنيع، حيث أأدخل التقدم متر للعلوم والتقنيات والتقس مي العقالين للعمل الصناعي، أأب
ا عاد التغري ملس
متركز احلرضي
متر وتفكك العادات والثقافة التقليدية عىل مس توى احلياة الاجامتعية. كام أأنبروز مظاهر اجملمتع احلديث، اكل
ملس
ا
وتطور وسائل التصال وا إلعالم بشلك هائل، تشلكت ابلزتامن معها، ممارسات اجامتعية وأأمناط حياتية تتسم ابلتغري والتجديد
والتصور املثايل من انحية، وتقوم عىل اذلاتية والقلق والتوتر والأزمة وعدم الاس تقرار من انحية أأخرى. فضاال عام تبع التقس مي
الاجامتعي للعمل، من انقسامات س ياس ية معيقة عربت عهنا الرصاعات الاجامتعية اليت توالت إاابن القرنني التاسع عرش
والعرشين، ليضفي لك ذكل يف الهناية صورة خاصة عىل النظم الاجامتعية يف حقبة احلداثة.
وعىل مس توى دراسة اجملمتعات يف املرحةل الالكس يكية للحداثة، اخرتع أأوجست كونت مصطلح "الوضعية
ا "positivisme ا للحصول عىل معرفة موضوعي
كوس يةل دلراسة اجملمتع علمي ة، فبالنس بة لكونت ، بدأأت احلداثة مع مرحةل
الوضعية، وبعدها برزت الرأأساملية كقوة رئيس ية للنظام الاجامتعي. وهبذا املعىن، فإان الس ياق اذلي أأخذ فيه اجملمتع احلديث
مية ومنوذج ومرجع ثقايف وأأخاليق متعايل، تزامن مع تناقضات واختالفات بنيوية، أأصبحتإاىل
يعرب عن ذاته جانب املنجزات كق
ا.
ا
احلداثية، موضوعات تؤرخ لظهور احلداثة اترخيي
وهناك عدة خصائص ملرحةل احلداثة تشمل:
 العقالنية والعقل ا ألدايت، تنظمي الطبيعة، مركزية الانسان واحلرية.
 متيزي والتقيمي: فاجملمتع الصناعي نتج عنه تقس مي العمل وزادت التخصصات عن ذي قبل.
ل
ا
 الرتش يد: ويربز ذكل من خالل احلساب الرأأساميل للرحب واخلسارة وقواعد البريوقراطية.
 التحّرض: اذلي صاحب الهجرة املزتايدة من الريفإاىل املناطق الصناعية احلرضية.
 كيد عىل السلوك املنحرف واجلرمي
أ
متنيإاىل قوات اجليش يف مرحةل احلداثة والتأ
ملن
الانضباط: وذكل كنتيجة ملواكبة ازدايد ا ة.
 العلامنية: وصاحبت ظهور احلاجة إاىل إاقامة منظمة عىل أأسس علمية بعيدة عن الأساس ادليين.
الس ياق التارخيي لظهور ما بعد احلداثة:
لقد شلكت الانتقادات املهنجية اليت وهجت إاىل مفهوم احلداثة، الأرضية العلمية اليت تناىم فهيا مفهوم ما بعد احلداثة
اذلي تغذهيا روح فكرية نقدية نشطة ومتطورة. وقد ل نبالغ إاذا قلنا بأأن هذه الانتقادات اليت تنامت يف حقل احلداثة شلكت
أأيضا ينبوعا للتنظري العلمي املتقدم والإبداعي يف ميدان ما بعد احلداثة. وتأأسيسا عىل ذكل ميكن القول بأأن مفهوم ما بعد احلداثة ل
يأأخذأأمهيته بوصفه امتدادا زمنياحلالت حضارية متعاقبة بل هو نسق من التصورات النقدية اليت أأبدعهتا روح العرص املتجدد يف
خمتلف ميادين احلياة الفكرية.
ويف هذا الس ياق يرى يورجني هابرماس Habermas Jurgen كمتل" يف عام
يف مقاةل هل بعنوان "احلداثة مرشوع مل ي
ّن لفظة ما بعد احلداثة modernité-Post متثل رغبة بعض املفكرين يف الابتعاد عن ماض متش بع بتناقضات كبرية
،1981 أأ
وتعرب يف الوقت نفسه عن سعي حثيث إاىل وصف العرص اجلديد مبفهوم مل تتحدد مالحمه بعد وذكل لأن ا إلنسانية مل تس تطع أأن
جتد احللولاملناس بة ل إالشاكليات اليت يطرهحا العرص. ووفقا لهذه الصيغة يرى هابرماس بأأنما بعد احلداثة يه صيغة جديدة ملفهوم
متام مرشوعهاحىت الهناية.
إ
قدمي )احلداثة( وأأن ما بعد احلداثة حماوةل إلثراء مرحةل احلداثة ذاهتا وا
متثل يف عدة اجتاهات أأمهها:
إان السامت الأساس ية اليت تنطلق مهناحركة ما بعد احلداثة ت
 هدم الأنساق الفكرية اجلامدة وا إليديولوجيات الكربى املغلقة وتقويض أأسسها.
 العمل عىل إازاةل التناقض احلدايث بني اذلات واملوضوع، واجلانب العقالين واجلانب الرويح يف ا إلنسان، وذكل من منطلق
الافرتاض بعدم وجود مثل هذه الثنائيات امليتافزيايئية.
 رفض احلمتية الطبيعية والتارخيية اليت اكنت سائدة يف مرحةل احلداثة ول س اميمفهوم التطور التعاقيب أأو اخلطيأأو الزمين اذلي
يسجل حضوره يف الأنساق الاجامتعية واحلياة الاجامتعية.
ارتبطت ما بعد احلداثة يف بعدها التارخيي واملرجعي بتطور الرأأساملية الغربية، خاصة مع ظهور العو ملة وتطور وسائل
مينة والس يطرة والاس تغالل
له
ا إلعالم. وجاءت كرد فعل عىل النظرايت البنيوية، واملقولت املركزية الغربية اليت حتيل عىل ا
والاس تالب. كام اس هتدفت ما بعد احلداثة تقويض الفلسفة الغربية، وتعرية املؤسسات الرأأساملية اليت تتحمك يف العامل وحتتكر
وسائل ا إلنتاج ومتتكل املعرفة العلمية. وزعزعت الثقة ابلأمنوذج الكوين، وبعالقة النتيجة بأأس باهبا، وحاربت العقل والعقالنية،
ميها اليت ترفض الامنذج املتعالية، وتضع حملها الرضورات الروحية، ورضورة قبول
ودعتإاىل خلق أأساطري جديدة تتناسب مع مفاه
متر.
ملس
التغيري ا
ويف توضيح الفرق بني احلداثة وما بعد احلداثة يشري أأنطوان أ ليوت Eliot .A إاىل أأن مرحةل احلداثة يه عامل يوتيويب
يتسم ابلضبط والتحمك وتنظمي اذلات، ومن ّمث التحمك يف اجملال السوس يو اقتصادي. أأما مرحةل ما بعد احلداثة فهيي تشري إاىل
متزي بتعّدد الهوايت الاجامتعية و
عامل الس ياس ية، ومساحة واسعة من التعددية والغموض والتناقض والاليقني، وأأمام الانفتاح ي
املالزم لنظام العوملة يرى ابومان أأن التحليالت املرتبطة ابدلوةل القومية State Nation يف عرص احلداثة مل يعد جمداي يف
التحليل السوس يولويج، وهذا ما يفرض عىل العلامء حتويل اهامتهمم إاىل حتليل أأمناط احلياة الاجامتعية اجلديدة اليت أأصبحت
ثر اذلي ترتكه هذه الرسعة يف العالقات الاجامتعية.
تتعدى حدود ادلول يف جزء من الثانية، والأ
تشري فرتة ما بعد احلداثةإاىل مرحةل اترخيية جديدة أأدت إاىل تغريات متالحقة يف جمالت عمل الاقتصاد وادلوةل واجملمتع
وغري ها، ولها أأربع ممزيات يه:
 متد عىل مصادر خمتلفة للتفريق تشمل
اجامتعيا: مل يعد للطبقة الاجامتعية أأمهية يف عامل يسوده الامتيز الاجامتعي اذلي يع
الطبقة والنوع الاجامتعي والعرقية والسن.
 ثقافيا: من خالل أأمهية العوامل الثقافية اليت أأصبحت تلعب أأدوارا حمورية يف اختيار الهوايت والانامتءات.
 مينة ا ألمناط ا إلنتاجية عىل السوق ترتكز عىل طرق ا إلنتاج الشامل واملهارة العالية للعامل وانتشار
اقتصاداي: من خالل ه
العالقات السامية يف السوق بدل من أأشاكل التنظمي البريوقراطي.
 متزي اجملمتعات السابقة ابحلكومة الكبرية وانشاء دوةل الرفاهية وامللكية العامة، ويف مرحةل ما بعد احلداثة هناك
ت
س ياس يا:
إعادة الهيلكة.
توجه حنو تفكيك دوةل الرفاهية ويمت استبدالها بس ياسات اخلوصصة و