لخّصلي

البوذية
تواجهنا مشكلة دائما عند الحديث عن النظام الديني في سياق البونية حيث أن البونية في نقاط أساسية تماما ليست دينا لديانة قائما على وحدانية الإله، ولم تهتم البوذية أبدا بالخالق الذي صنع هذا العالم بأي نوع من المقاصد الأخلاقية، وهم يدركون العالم على أنه مضبوط أساسا، وأن العدالة تستمر من خلال الكرما، حيث يجازى المرء على الأفعال الصالحة بالنتائج الجيدة، والأفعال الطالحة بالنتائج السيئة، وبناءً على ذلك يمكن أن تفهم فكرة الأساس الديني في سياق البوذية في المقام الأول من خلال هذا الفهم الغيبي والتفسير التقديرى للعالم الذى يحكم من خلال قانون الكرما.
وتعد فضيلتا الاصطبار والشفقة فضيلتين أساسيتين في الأفكار البوذية المتعلقة بالدنيا كعالم للمعاناة، والحقيقة الأولى النبيلة هي " أن كل هذه الدنيا معاناة " هذه الجملة تقر بأن عالم المعاناة يتخلل كل الخبرات التي نمر بها في الدنيا، والبوذية كدين مخصصة لإنهاء المعاناة بكل أشكالها، إن الوظيفة الرئيسة للشفقة هي تخفيف آلالام الآخرين ومعاناتهم، ولكن الوظيفة الرئيسة للاصطبار هي كف حدوث مزيد من المعاناة للذات والآخرين، والتي تنتج عن دفع الإساءة بإساءة مماثلة، فالاستياء وهو عكس التسامح لا يكون مرضيا أبدا، حيث تترتب عليه دائما آثار مضاعفة الذات والآخرين، ويمكن فهم الاستياء من خلال مقطع من دامبادا Dhammepada" يمثل مقتطفات من أقوال منسوبة إلى بوذا ذاته إن الغضب لا يهدأ أبدًا لدى الأفراد الذين يضمرون مثل هذه الأفكار انه آذقى، أنه ضربني، أنه قهرني، إنه سرقني فالكراهية لا توقف الكراهية أبدا فى هذه الدنيا، ومن خلال الحب الودود نبلغ هدفنا، فذلك هو القانون الجليل (").
إن الاستياء يسبب معاناة للشخص بشكل مباشر ؛ نتيجة للعذاب النفسي الذي يُحدثه، وبشكل أكثر مباشرة يمكن أن يدفع الاستياء الشخص إلى اقتراف سلوكيات وفقا لقانون الكرما - قانون السبب النتيجة الأخلاقي - سوف تسبب معاناة للشخص المخطيء في المستقبل. إن كره الآخر نتيجة سلوكياته أو سلوكياتها : يولد الظروف اللازمة لمعايشة خبرة أن تكون مكروها من الآخرين في المستقبل، ولذلك يتولد دائما الاهتمام الذاتي لدى الشخص للتغلب على الاستياء من خلال الشفقة والاصطبار.

وتعتبر الشفقة والاصطبار من الخصال المميزة للكمالية" (paramitas)
فهما من الخصال الأخلاقية التي تشجع البوذية عليها بدرجة أكبر، و" الفرد اليقظ هو الذى يتمثل قمة الحياة الدينية البوذية وهدفها، واكتساب هذه الكمالية يحدث تحولاً في عمليتي الإعتاق والتنوير، فبدلاً من أن تكونا مفيدتين لفرد واحد تصبحا بمصطلحات النص البودي موجهتان الرفاهية وفائدة العالم ككل؛ وبذلك يمكننا أن ندرك الأساس الديني الثاني للشفقة والاصطبار في البوذية، فيصقل الفرد هاتين الخصلتين بواسطة محاكاة نجاح البوذيين السابقين؛ إكراما للآخرين قدر إكرامه لذاته، ولكن الاصطبار والشفقة يعدان حقان أكثر تميزا من كونهما واجبين لأنه لا يكون متطلبا من الفرد أن يحاول أن يصبح بوذا.
وعندما نضاهي مبادئ البوذية بمبادىء الشريعة البسيطة نسبيا في النصوص المقدسة في الإسلام واليهودية والمسيحية قد يبدو أن البوذية تتقبل على نحو استثنائي عددًا كبيرا من النصوص التى تحتوى على تصريحات جازمة، وكل البوذيين لا يتقبلون مثل هذه النصوص، ولذلك لا يوجد مبدأ شرعي واحد يُبنى عليه كل النسق الديني للبوذيين، وفي الحقيقة هناك عدد قليل جدا من النصوص الفردية التى تحتوى على مثل هذه التصريحات يمكن أن تجدها في كل تعاليم البوذية، ولا يأخذ التاريخيون المحدثون بهذه التصريحات بوصفها سجلاً لتعاليم جوتاما بوذا مؤسس البوذية، وعلاوة على ذلك فإن حجم المبادىء الشرعية الفردية المقبولة من خذل تعاليم محددة - سواء أكانت محددة من خلال أسس دينية الزينة البونية) (*)، أو أسس ثقافية التبيت البوذية) - يمكن أن يكون ضخما بحكم تصنيفها كمبادىء شرعية ويمكن أن نتأمل هذه المبادىء كمخطوطات أكثر من كونها مبادىء شرعية ام مقاطع من الكتاب المقدس.
ولذلك من المستحيل أن نقدم قائمة بالمراجع الكبرى التي تختص بالاصطبار والشفقة في النصوص البوذية، ولا يعنى هذا أن هناك اتفاقا قليلا على أن هاتين الخصلتين مرغوبتان لازدهار حياة الإنسان، وتقدم مختارات عن الاصطبار من أسطورة أريا سورا جانا كمالا، وهي مجموعة نصوص سردية هندية من القرون الوسطى، وهي يمكن أن تجعلنا نتذوق كيفية تصوير هاتين الفضيلتين.
ان مبعث الفخر الحقيقي في الحياة الحالية للفرد كريم الأصل والسخي في الحياة الأولى، والقوى على نحو استثنائي، أو الثرى هي ما يتعلق بالفضيلة، فالأشجار تزينها البراعم المتفتحة، والماء ينهمر من السحب منخفضة الانحدار مع برق السماء بغير القطاع، والبحيرات تزينها زهور اللوتس ونحلها المنتشي والبشر يتحلون بالكمالية التي تؤدى إلى الكمالية، وسواء أكانت الفضيلة هي الصحة أم العصر أم الثروة أم الجمال أم الأصل ........ فهذه الفضائل على أية حال ترجع إلى النزوع الطبيعي للشخص، ولا ترجع إلى التأثيرات الخارجية، وبالأحرى على الفرد أن يظهر كيف كان يتصرف في الماضي، وبمجرد أن يدرك الفرد أن هذا هو قانون الوجود غير القابل للتغيير، وأن الحياة عابرة وعرضة للزوال، فإنه ينبغى عليه أن يكف عن الشر، ويشعر بالميل إلى فعل الخير، وهذا هو السبيل إلى الشهرة والسعادة، ومن جهة أخرى يشبه القلب الفاسد النار التي تلتهم طيبات المرء نفسه وطيبات الآخرين كلية، وبناء على ذلك إذا خاف الفرد من الشر : فينبغي عليه أن يبذل جهدًا عظيمًا لاجتناب مثل هذا الفساد وذلك من خلال السعى لفعل العكس، وكما تطفىء النار عندما تواجه نهرا كبيرا مترعا بالماء، مهما كان استعارها، كذلك يصبح القلب الحاقد هادنا إذا مال الفرد للاصطبار، فالاصطبار بعد دعامة أساسية في هذه الحياة الدنيا، وفي الآخرة. مارس الاصطبار وسوف تتجنب الشر من خلال القضاء على جذوره، والنتيجة أنك ستستثير لديك مشاعر طبيعية لميلك الودود، وستكون محبوبا وفخوراً بذلك، وبهذا تفوز بالسعادة (١٢).
ه - الهندوسية
وتعرض هذا إجابة الباحث الأول، يرى الباحث أن عدد التعاليم ووجهات النظر المختلفة التي اكتشفت في الهندوسية تجعل من الصعب تحديد الأساس الديني للتسامح، ومع ذلك هناك اتفاق عبر التعاليم الهندوسية، ولنبدأ بمفاهيم مثل التسامح والواجب والاستقامة والاصطبار والشفقة والتحمل فكل هذه المفاهيم نوقشت في الأساطير و الشريعة الدينية (رسائل الاستقامة) وبالنسبة لأولئك الذين يرغبون في اتباع سبيل الشريعة الدينية للهندوسية (الاستقامة)، فمن المهم أن يمارسوا كل المفاهيم السابق الإشارة إليها، وأيضا الكرما قانون السبب والنتيجة التي تعم التفكير الهندوسي مناسبة هنا، فمن خلال الكرما يواجه الأفراد عواقب أفعالهم في التناسخ التالي، وبناء على ذلك يمكن أن يفترض المرء أن افتقاد التسامح والمشاعر السلبية والغضب الشديد جدا والذي لم يتم التوصل لحل له يمكن فقط أن يُسقط الميلاد المستقبلي. أخيرا هناك أمثلة متعددة على التسامح الإلهي في النصوص المقدسة للهندوسية، ففي تعاليم سرأى فاشنافا الطائفة الدينية الأكبر تماما يتسم الإله فيشنو بخصال العفو والرحمة وغيرها من الخصال، لكن قيل إن زوجته الإلهة لاكشماى - سرأى تمثل بصورة مصغرة خصلتي التسامح والرحمة وهي مرسومة من خلال التصوير الزيتي على قلب فيشنو، وينبغي أن نلاحظ أن تعاليم الهندوسية هي تعاليم لا نقر بوجود إله موحد، والتعاليم الهندوسية بحكم تعريفها لا تركز على قضية التسامح الإلهى.
وننتقل إلى عرض إجابة الباحث الثاني عن السؤال نفسه. إن الدليل على التسامح كهبة إلهية للبشر التائبين يمكن أن نكتشفها أكثر في التعاليم الهندوسية المبكرة جدا وذلك بالقياس إلى التسجيل التوراتي الذي يرجع إلى ما قبل عصر فديك Vedic period ۵۰۰۰۰۰۰) سنة قبل الميلاد في الهند ففي الرجفيدا Ro-Veda هناك صلوات للتسامح توجه للرب فارونا، وهو الحاكم الجبار الجالس على عرشه في الفردوس الأعلى، ويمكن أن يحرر فارونا - في ظل النظام الكونى - البشر من عبودية أثام الكذب والسكر والتي تمثل اضطرابا في هذا النظام الكونى، ويكون فارونا كريما جدا مع أولئك التائبين، ويمحو الآثام المتراكمة على مدى أجيال من أجلهم، ويوجد لدى فارونا مئات من العلاجات أيضا للأثم الذليل، ويمكن أن يزيل الإثم أو يطيل عمر الأثم، وتأمل الاستقامة أن تراه في العالم الآخر ينعم بالسعادة. ونعرض أشهر صلاة موجهة لفارونا للتسامح أخذت من واحد من أقدم أجزاء الرجفيدا (۷,۸۹)
دعنى الآن أيها الملك فارونا أدخل بيت الطين وليس فيما بعد، إنك تملك الرحمة؛ فاصفح على أيها الإله العظيم. عندما تدوى السماء بالرعد فإنني انطلق مرتجفا مثل الريح التي تمضى مسرعة، إنك تملك الرحمة فاصفح على أيها الإله العظيم. أيها الإله الساطع القوى خلال رغبتي في امتلاك القوة اقترفت إثما، وانحرفت عن الطريق المستقيم، إنك تملك الرحمة : فاصفح على إيها الإله العظيم. إن الظمأى اكتشفوا سيادة ملكه أثناء وقوفه وسط فيضان الماء، إنك تملك الرحمة؛ فاصفح على أيها الإله العظيم، أوه قارونا مهما كانت الإساءة التى تكون قد اقترفناها كبشر في حق المضيف المقدس، فنحن انتهكنا قوانين ملكك لقصور تفكيرنا فلا تعاقبنا يا الله على خطايانا (۳).
إن المبادىء الشرعية وكتب القانون التي تحكم الطوائف الهندوسية الأربع، ومراحل الحياة التي سجلت أثناء العصر الكلاسيكي للهندوسية تتعامل ويقال أن تسامح مانو )prayasoita( والتكفير )papa( مع الآثام Samhita) 500 سنة قبل الميلاد، ٢٠٠ سنة ميلادية ( ينظم من خلال المشرع مانو، ويصف التكفير الذي يقود إلى تسامح الآلهة والمجتمع، و يتضمن هذا التكفير الأفعال التي تتم عن الإحسان والطهارة، والصيام والامتناع عن المسكرات وأداء الطقوس الدينية وتلاوتها، مع تقبل مجتمعي لمثل هذه التصرفات.