لخّصلي

ﻫﺬا ﻋﻨﺪ ﻓﺌﺎت ﻛﺜرية ﻣﻦ اﻟﺒﴩ؟ اﻷﺳﻄﻮرة واﻟﺨﺮاﻓﺔ وﺗﺮﺟﻊ أﺳﺒﺎب اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻔﻜﺮ اﻷﺳﻄﻮري إﱃ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳُﻘﺪم — ﰲ إﻃﺎر ﺑﺪاﺋﻲ — ﻓﺎﻷﺳﺎﻃري اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺗُﻌﱪ ﻋﻦ ﻧﻈﺮة اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻨﻘﺘﻬﺎ إﱃ إرﺿﺎءً ﺗﺎﻣﺎ، ﻷن أﺣﺪا ﻻ ﻳُﺤﺎول أن ﻳُﻮ ﱢﻓﻖ ﺑني اﻟﺨﺮاﻓﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ وﻳُﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ وأﻫﻢ ﻣﺒﺪأ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﺳﻄﻮرة ﻫﻮ املﺒﺪأ اﻟﺬي ﻳُ ْﻌ َﺮف ﺑﺎﺳﻢ »ﺣﻴﻮﻳﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ« Animism، وﻫﻲ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻳﻮﺟﻪ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻧﺤﻮ ﻏﺎﻳﺎت ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ؛ وﻛﺎن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺗﺤﻠﻴﻞ أﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻬﻮ أن اﻟﻌﻠﻢ ﻗﺪ أﺛﺒَﺖ أن ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﻣﻀﻤﻮﻧﺔ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﻬﺎ، ذﻟﻚ ﻷن اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺨﺮاﰲ ﻳﻈﻞ ﻣﺘﺄﺻ ًﻼ ﰲ أذﻫﺎن ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﰲ ﺻﻤﻴﻢ ﻋﴫ اﻟﻌﻠﻢ، وﻳﻈﻞ — وإن ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻨﺘﻤﻴﺎن إﱃ ﻋﴫﻳﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔني — ﻳﻈﻼن ﻣﺘﻌﺎﻳﺸني ﰲ ﻧﻔﻮس اﻟﺒﴩ أﻣﺪا وﻫﻜﺬا ﻻ ﻳﻜﻮن اﺗﱢﺒﺎﻋﻪ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﰲ املﻌﻤﻞ أو املﺨﺘﱪ أو ﺟﻤﻌﻪ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ؛ أو اﻟﺘﺸﺎؤم ﻣﻦ اﻟﺮﻗﻢ ٣١، « إﱃ آﺧﺮ ﻫﺬه املﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺪل ﻋﲆ أن اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ ﻣﺎ زال — ﰲ ﻋﴫ اﻟﺼﻌﻮد إﱃ اﻟﻘﻤﺮ — وﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮت ﺗﻌﻠﻴﻼت ﻣﺘﻌﺪدة وﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ اﻻﺗﺠﺎه ﺗُﻔﴪ اﺳﺘﻤﺮار ﺗﻴﺎر اﻟﻼﻣﻌﻘﻮل ﰲ وإﴏار اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت ﻋﲆ اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ — ﻏري املﱰاﺑﻄﺔ وﻏري اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ — اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ اﻷﺣﻼم ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺨﺘﻠﻂ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ، وﺗﻜﺘﺴﺐ ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس ﻃﺎﺑﻌﺎ ﻣﺘﺠﺴ ًﺪا ﻳﺘﺨﺬ ﺷﻜﻞ اﻟﺨﺮاﻓﺔ، وأﺳﻬﻤﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ اﺳﺘﻜﺸﺎف أﺳﺒﺎب اﺳﺘﻤﺮار اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ ﰲ ﻋﴫ ﻳُﻨﻈﻢ اﻟﻨﺎس ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ أﺳﺎس ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ وﻣﻦ املﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل: إن ﺷﻌﻮر اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻛﺎن ﻳﺘﺨﺬ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺷﻜﻞ اﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﻔﻬﻢ، ﻓﻤﻦ ﺳﻤﺎت ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة أﻧﻬﺎ ﺗُﻐري إﻳﻘﺎﻋﻬﺎ ﺑﴪﻋﺔ، وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻌﻠﻢ — ﰲ ﻇﺎﻫﺮة اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺨﺮاﰲ — ﻳﺘﻢ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ املﺘﻘﺪﻣﺔ ﰲ إﻃﺎر ﻋﴫ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻌﻠﻢ املﺘﻘﺪم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ؛ »ﺗﺤﻀري اﻷرواح«، ﻣﻊ أن ﻣﻦ أﻫﻢ ﴍوط اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺗﻜﺮارﻫﺎ أﻣﺎم أي ﻋﺪد ﻣﻦ املﺸﺎﻫﺪﻳﻦ وﰲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻈﺮوف، ﻓﻘﺪ أي ﻃﻮال أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ وﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم، وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻓﺈن اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻟﻢ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻦ أرﺳﻄﻮ »روح« ﻣﻨﻬﺠﻪ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ — اﻟﺬي ﺣﺎول اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف أن ﻳُﻄﻮره ﰲ املﺮﺣﻠﺔ اﻷﺧرية ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ — ﺑﻞ أﺧﺬت ﻣﻨﻪ »ﻧﺘﺎﺋﺞ« أﺑﺤﺎﺛﻪ، وﻫﻜﺬا وﺟﺪﻧﺎ ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن ورﻳﻨﻴﻪ دﻳﻜﺎرت ﻳﺒﺪآن ﻓﻠﺴﻔﺘﻬﻤﺎ ﺑﻨﻘﺪ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷرﺳﻄﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﰲ ﻣﻴﺪان اﻟﻌﻠﻢ ﺧﺎض ﺟﺎﻟﻴﻠﻴﻮ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﺿﺪ ﺳﻠﻄﺔ أرﺳﻄﻮ؛ ﻓﺎﻵراء املﻮروﺛﺔ ﻋﻦ اﻷﺟﺪاد ﻳُﻌﺘﻘﺪ أن ﻟﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ، وﻟﻜﻦ وﻛﻠﻤﺎ ﻋﲆ أن اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻨﺘﺒﻪ إﻟﻴﻪ ﻫﻮ أن ﺗﺤﺪي ﺳﻠﻄﺔ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻻ ﻳﺆﺗﻲ ﺛﻤﺎره املﺮﺟﻮة إﻻ إذا ﻛﺎن ﻣﻦ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى املﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻘﻪ؛ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺒري اﻷﺧري ﻣﻦ ﻣﻔﺎرﻗﺔ. ﻋﲆ املﻼﺑﺲ وﺷﻜﻞ اﻟﺸﻌﺮ — ﺑني ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎن ﰲ اﻟﻐﺮب — ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﺣﺘﺠﺎﺟﺎ ﻋﲆ ﺳﻠﻄﺔ املﺠﺘﻤﻊ »املﻈﻬﺮي« »املﺘﺄﻧﻖ« اﻟﺬي ﻳﺨﻠﻮ — داﺧﻠﻴٍّﺎ — ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻖ وﻣﻦ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﻨﺒﺾ اﻟﺤﻴﺎة وﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﻃﻒ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، وﻻ ﻳَﻜﱰث إﻻ ﺑﺘﻠﺒﻴﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﻪ اﻻﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ. ﺟ( وﻫﻮ ﰲ ﺟﻮﻫﺮه ﻣﻌﺮﻓﺔ »ﻓﺮدﻳﺔ«؛ vv وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ — ﰲ رأي أﺻﺤﺎب ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه — أﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ وﻻ ﻳﻨﻔﺬ ﺑﻨﺎ إﱃ اﻟﺠﻮﻫﺮ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﻟﻸﺷﻴﺎء. ﻓﻬﻨﺎ وﻫﺬه ﻧﻈﺮة إﱃ اﻟﺤﺪس ﻻ ﺗُﺸﻜﻞ أﻳﺔ ﻋﻘﺒﺔ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻔﻜري اﻟﻌﻠﻤﻲ؛ أو ﻳُﻘﻠﻠﻮن ﻣﻦ وﻛﺎن رأﻳﻬﻢ ﻳﺨﺘﻠﻒ — ﰲ ﺟﺰﺋﻴﺎﺗﻪ — ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻠﻌﴫ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻴﻪ، إذ إن املﻌﺘﺪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻻ ﻳَﺒﻨﻲ ﺗﻤﺠﻴﺪه ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺣﺘﻤﺎ ﻋﲆ أﻧﻘﺎض اﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻷﻧﻪ ﻳﺆ ﱢدي إﱃ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻬﺪوء أو اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻨﻔﴘ، ﻛﻞ رأي ﻣﺨﺎﻟﻒ وﻣﻬﺎﺟﻤﺘﻪ ﺑﻌﻨﻒ واﻟﺴﻌﻲ إﱃ »ﺗﺼﻔﻴﺘﻪ« ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺤﺎﺳﻢ ﻟﻬﺬا اﻟﻠﻔﻆ. واﻟﺘﻲ ﺣﺎﻟﺖ — وﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺤﻮل — دون اﻧﻄﻼق اﻟﺘﻔﻜري اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﻼ ﻗﻴﻮد. ﻫﻲ رﺑﻂ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﺑﺸﺒﻜﺔ ﻣﻦ أي اﻟﺮادﻳﻮ واﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن، أو اﻻﻧﺤﺮاف ﺑﺈرادﺗﻪ ﰲ اﺗﺠﺎﻫﺎت ﻣﺮﺳﻮﻣﺔ ﺟﺔ ﺑني اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ وﺳﺎﺋﻂ ﻫﺪﻓﻪ اﻷول واﻷﺧري ﺗﺮوﻳﺞ اﻟﺴﻠﻊ ﺑني اﻟﻨﺎس، إذ إن اﻟﺒﴩ — ﺑﻐري ﺷﻚ — أﺻﺒﺤﻮا ﻫﻮ أن اﻹﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ذات اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻋﻈﻴﻢ اﻻﺗﺴﺎع ﻗﺪ اﺳﺘُ ِﻐ ﱠﻠﺖ ﰲ أﻏﻠﺐ ﻈﻢ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم؛

اﻟﻌﻠﻢ ﻇﺎﻫﺮة ﻣﺘﺄﺧﺮة ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﴩﻳﺔ، وﺳﻮاء أﻛﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﺋﻠني ﺑﺄن اﻟﻌﻠﻢ — ﺑﻤﻌﻨﺎه اﻟﺼﺤﻴﺢ — ﻇﻬﺮ ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﺔ ﻗﺮون ﰲ ﻋﴫ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ، أو ﺑﺄﻧﻪ ﻳَﺮﺟﻊ إﱃ اﻟﻌﴫ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺣني اﻫﺘﺪى اﻹﻧﺴﺎن — ﻷول ﻣﺮة — إﱃ ﻣﻨﻬﺞ اﻟﱪﻫﺎن اﻟﻨﻈﺮي واملﻨﻄﻘﻲ ﻋﲆ ﻗﻀﺎﻳﺎه، وﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﻻ ﰲ وﺣﺘﻰ ﰲ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻳﺘﻌﺮض اﻟﻌﻠﻢ ﻟﺘﺸﻮﻳﻬﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻗﺪ ﺗﻈﻬﺮ ﺣﺘﻰ ﺑني ﻓﻬﻞ ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ أن اﻟﻌﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻇﻞ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﻮﻳﻞ ﺧﺎﻣﻼ؟ ﻣﻦ املﺆﻛﺪ وﻋﺮف اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ واﻟﴩاﺋﻊ وﻛﻮن ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻧﻈﻤﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وأﺧﻼﻗﻴﺔ، ﻣﺘﺄﺧﺮ؟ ﻟﻘﺪ آﺛﺮ اﻹﻧﺴﺎن — ﻃﻮال اﻟﺠﺰء اﻷﻛﱪ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻪ — أﻻ ﻳُﻮاﺟﻪ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻮاﺟﻬﺔ وﺗﺤﺘﺎج ﻣﻨﻪ إﱃ ﺑﺬل ﺟﻬﺪ ﻛﺒري، وﻗﺒﻮل اﻟﻈﻮاﻫﺮ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ، اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ واﻟﻬﺪوء واﻻﺳﺘﺴﻼم ﻟﻠﺨﻴﺎل اﻟﺴﻬﻞ اﻟﻄﻠﻴﻖ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮد ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ، وﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﺮار ﻟﻴﺲ ﻋﻘﻠﻴٍّﺎ ﻓﺤﺴﺐ، اﻟﺒﴩي أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﺠﺎوز ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ — اﻟﺘﻲ ﻧُﺼﻮر ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﳾء وﻓﻘﺎ ﻷﻣﺎﻧﻴﻨﺎ — إﱃ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨﱡﻀﺞ اﻟﺘﻲ ﺗُﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻌﻠﻮ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻂ ﺑني اﻟﻮاﻗﻊ واﻟﺤﻠﻢ أو اﻷﻣﻨﻴﺔ، أﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﻫﺬه املﺮﺣﻠﺔ ﻓﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أن ﻳَﺴﺘﻌﻴﺾ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ، وإذا اﺗﺠﻪ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺘﱠﺠﻪ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل أﺣﺎﺳﻴﺴﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ املﺨﺘﻠﻂ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ( ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني، ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺈدراك ﻋﺎﻟﻢ وﻫﻜﺬا ﻇﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻃﻮﻳﻼ ﻳﺴﺘﻌﻴﺾ ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺨﻴﺎﻻﺗﻪ واﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻪ وﺣﺪﺳﻪ وأﻓﻜﺎره وﻻ ﺑﺪ أن اﻹﻧﺴﺎن وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳُ َﺴﻴﻄﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻫﺬا ﻋﻨﺪ ﻓﺌﺎت ﻛﺜرية ﻣﻦ اﻟﺒﴩ؟

اﻷﺳﻄﻮرة واﻟﺨﺮاﻓﺔ وﺗﺮﺟﻊ أﺳﺒﺎب اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻔﻜﺮ اﻷﺳﻄﻮري إﱃ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳُﻘﺪم — ﰲ إﻃﺎر ﺑﺪاﺋﻲ — ﻓﺎﻷﺳﺎﻃري اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺗُﻌﱪ ﻋﻦ ﻧﻈﺮة اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻨﻘﺘﻬﺎ إﱃ إرﺿﺎءً ﺗﺎﻣﺎ، وﻫﻲ — ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ — ﺗَﺠﻤﻊ ﺑني اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻹﻧﺴﺎن ﰲ وﺣﺪة واﺣﺪة، ﻳَﺰول ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑني ﻫﺬا وذاك، وﻫﻲ — ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻗﻠﻴﻞ — ﺳﻤﺔ رﺋﻴﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﻤﺎت اﻟﻔﻜﺮ ﻏري اﻟﻨﺎﺿﺞ وﻟﻜﻦ ﻟﻮ وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺘﻔﺴري اﻟﻈﻮاﻫﺮ ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﲆ ﻇﻬﻮر اﻟﻌﻠﻢ، أﻣﺎ اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ ﻓﻬﻮ اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﻋﲆ إﻧﻜﺎر اﻟﻌﻠﻢ ورﻓﺾ ﻣﻨﺎﻫﺠﻪ، وﻫﻲ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﺘﻌﺎرﺿﺔ أو ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ؛ ﻷن أﺣﺪا ﻻ ﻳُﺤﺎول أن ﻳُﻮ ﱢﻓﻖ ﺑني اﻟﺨﺮاﻓﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ وﻳُﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ وأﻫﻢ ﻣﺒﺪأ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﺳﻄﻮرة ﻫﻮ املﺒﺪأ اﻟﺬي ﻳُ ْﻌ َﺮف ﺑﺎﺳﻢ »ﺣﻴﻮﻳﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ« Animism، وأﺳﻄﻮرة ﺧﻠﻖ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻵﻟﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪأ ﻣﻦ زﻳﻮس — ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني — ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﻫﺬا املﺒﺪأ ﻧﻔﺴﻪ؛ إذ ﻳﻜﻮن ﻟﻜﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ إﻟﻪ ﺧﺎص ﺑﻪ، وﻳَﺴﻠُﻚ ﻫﺬا اﻹﻟﻪ ﺳﻠﻮ ًﻛﺎ ﻣﺸﺎﺑﻬﺎ ﻟﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩ، وﻗﻞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا املﻀﺎد؛ أي إن اﻟﻌﻠﻢ ﻳُﺤﺎول أن ﻳﺠﺪ ﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻔﺴريا وﻗﺪ ﻳﺘﻔﺎوت ﻧﺼﻴﺒﻪ ﰲ اﻟﻨﺠﺎح ﻣﻦ ﻣﺠﺎل إﱃ آﺧﺮ، اﻟﺒﴩﻳﺔ؛ وﻣﺎ زال ﻷﻣﺜﺎل ﻫﺬه اﻟﺘﻔﺴريات وﺟﻮ ُده ﰲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم. وﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻌﻨﻴﻪ ﻫﻮ أن ﻛﺸﻒ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻳﺘﻢ — ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ: اﺳﺘﻤﺮار ذﻟﻚ اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ املﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻞ »اﻟﻐﺎﺋﻲ« Teleological ﻟﻠﻈﻮاﻫﺮ، ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺘﺼﻮر — ﻣﺜﻼ — أن اﻟﺸﻤﺲ ﺗَﻄﻠُﻊ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﻟﻜﻲ ﺗُﺪﻓﺊ أﺟﺴﺎﻣﻨﺎ، وﻫﻜﺬا ﻧﺘﺼﻮر أن ﻟﻠﺤﻮادث اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ أﻏﺮاﺿﺎ وﻏﺎﻳﺎت، وإذا ﻛﺎن ﻣﺒﺪأ »ﺣﻴﻮﻳﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ« — أي وﺻﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺼﻔﺎت اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺤﻴﺔ وﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻹﻧﺴﺎن — ﻫﻮ — ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ — املﺒﺪأ اﻷﺳﺎﳼ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻔﻜﺮ اﻷﺳﻄﻮري، ﻓﻤﻦ اﻟﺴﻬﻞ أن ﻧُﺪرك أن ﻓﻜﺮة »اﻟﻐﺎﺋﻴﺔ« ﰲ ﺗﻔﺴري اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﻄﺒﻴﻖ ُﻣﺒﺎﴍ ﻟﻬﺬا املﺒﺪأ أو اﻣﺘﺪاد ﻟﻪ؛ وﻫﻲ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻳﻮﺟﻪ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻧﺤﻮ ﻏﺎﻳﺎت ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ؛ وﻛﺎن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺗﺤﻠﻴﻞ
sv

وﻧﺴﺘﻐﻞ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ ﺣﻮادث اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ؛ ﻫﻮ أن ﻫﺬا اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮى ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻜﻮخ اﻟﻬﺶ أن ﺳﻘﻮط ﺗﻌﺮ اﻟﻨﻔﻊ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻨﺎس، ﻛﻤﺘﻌﻬﺪي ﻧﻘﻞ املﻮﺗﻰ ﻣﺜﻼ! وﻫﻜﺬا ﺗﺘﺒﺎﻳﻦ اﻟﻐﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻳُﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺘﺨﺒﱡﻂ واﻟﺘﻨﺎﻗﺾ؛ وﻟﺬا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﺴﺘﻐﺮب أن ﻳﺘﺨﲆ اﻟﺘﻔﻜري اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻋﻦ وإن ﻳﻜﻦ اﻟﺘﻔﺴري اﻟﻐﺎﺋﻲ ﻟﻠﻈﻮاﻫﺮ أﺷﺪ ﺧﻔﺎءً وأﺻﻌﺐ ﺗﻔﻨﻴﺪا ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺴري اﻷﺳﻄﻮري املﺒﺎﴍ. ﺗﺆ ﱢدي إﱃ ﺣﺪوث ﻫﺬه اﻟﻈﻮاﻫﺮ؛ أي ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ »اﻟﻌﻠﻞ أو اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ«، وﻫﻲ اﻟﴩوط اﻟﴬورﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳَﺤﺪث اﻟﴚء إﻻ إذا ﺗﻮاﻓ َﺮت، أن ﻳﺤﺪث اﻟﴚء. ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﻸﺣﺪاث؛ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻻ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﺖ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺮﻛﺰه اﻟﻔﺮﻳﺪ ﰲ اﻟﻜﻮن. وﻟﻨَ ﺗﻀﻢ ﻛﺜريا ﻣﻦ املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ. ﺑﻞ وﻋﲆ أواﺋﻞ اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺪﻳﺚ أﻳﻀﺎ. ﺑﻞ إن اﻟﺴﻌﻲ إﱃ ﺟﻌﻞ اﻟﺘﻨﺠﻴﻢ واﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﺎﻟﻄﺎﻟﻊ أدق رﺑﻤﺎ ﻛﺎن واﺣﺪا ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺣﻔﺰت اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﲆ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ، وﻳﺴﺘﺸريون املﻨﺠﻤني ﰲ ﻗﺮاراﺗﻬﻢ اﻟﻬﺎﻣﺔ ملﺎ أَ ْو َﻟﻮا ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ ذﻟﻚ اﻻﻫﺘﻤﺎم وﻗﺪﻣﻮا إﻟﻴﻪ ذﻟﻚ اﻟﺘﺸﺠﻴﻊ وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﺴﺤﺮ ﻛﺎن ﻣﺒﻨﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﺧﺮاﻓﻴﺔ ﻻ ﺻﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ، إﱃ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻣﻮاد اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ وﻗﻔﻮا ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻣﻌﺎدﻳًﺎ ﻟﻠﻄﺮ َﻓني ﻣﻌﺎ؛ وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ راح ﻋﺪد ﻏري ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜني ﰲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺿﺤﻴﺔ اﻻﺗﻬﺎم اﻟﺴﺎﺣﺮ ذاﺗﻪ، أﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻬﻮ أن اﻟﻌﻠﻢ ﻗﺪ أﺛﺒَﺖ أن ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﻣﻀﻤﻮﻧﺔ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﻬﺎ، ﻋﲆ واﻷدﻫﻰ ﻣﻦ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻗﺎدرا ﺣﺘﻰ ﻋﲆ اﻟﺘﻨﺒﱡﺆ ﺑﺎﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻜﻮن ﺳﺤﺮه ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻌﺎﻻ، وﻟﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻳﻠﺠﺌﻮن إﱃ اﻟﺨﺮاﻓﺎت — ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن — إﻻ ﰲ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﻀﺎل ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻘﻮل ﻋﻦ ﻓﻼن أو ﻓﻼﻧﺔ )وﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن وإن ﻟﺪﻳﻬﺎ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ رؤﻳﺔ ﺣﻮادث ﻣﻘﺒﻠﺔ ﰲ اﻷﺣﻼم؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺒﺪو ﻟﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺣﻠﻤﺖ ﺑﻪ، واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻓﺈن اﻟﻨﺎس »ﻳُﻌﻤﻤﻮن« اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ »ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺎﻻت«، وﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﺗﻨﻤﻮ ﻟﺪى اﻟﻨﺎس وﺗَﻨﺘﴩ أﺳﻄﻮرة ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺼﺎدﻗﺔ أو ﺑﺼرية ﻋﺮاف ﻳﺴﺘﺸﻒ املﺴﺘﻘﺒﻞ … إﻟﺦ. ﻣﺎﺿﻴﺔ، ذﻟﻚ ﻷن اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺨﺮاﰲ ﻳﻈﻞ ﻣﺘﺄﺻ ًﻼ ﰲ أذﻫﺎن ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﰲ ﺻﻤﻴﻢ ﻋﴫ اﻟﻌﻠﻢ، وﻳﻈﻞ — وإن ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻨﺘﻤﻴﺎن إﱃ ﻋﴫﻳﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔني — ﻳﻈﻼن ﻣﺘﻌﺎﻳﺸني ﰲ ﻧﻔﻮس اﻟﺒﴩ أﻣﺪا وﻫﻜﺬا ﻻ ﻳﻜﻮن اﺗﱢﺒﺎﻋﻪ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﰲ املﻌﻤﻞ أو املﺨﺘﱪ أو ﺟﻤﻌﻪ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ؛ وﻳَﺮﴇ ﺑﺘﻔﺴري ﻟﻠﻈﻮاﻫﺮ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ — ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ أو ﺑﻌﻴﺪ — ﺑﺎملﻨﻬﺞ وﻫﻜﺬا ﻧﺠﺪ ﰲ أﻛﺜﺮ املﺠﺘﻤﻌﺎت ﺗﻘﺪ ًﻣﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺔ ﺗﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ إﻋﻄﺎء ﻣﻜﺎن اﻟﺼﺪارة — ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻒ — ﻟﻠﺤﻮادث اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﺧﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ، وﰲ اﺳﺘﻤﺮار أو ﻗﺮاءة اﻟﻄﺎﻟﻊ ﻣﻦ اﻷﺑﺮاج، أو اﻟﺘﺸﺎؤم ﻣﻦ اﻟﺮﻗﻢ ٣١، أو اﻧﺘﺸﺎر ﺗﻌﺒريات ﺗَﺤﻤﻞ ﻣﻌﻨًﻰ ﺧﺮاﻓﻴٍّﺎ ﻣﺜﻞ: »اﻣﺴﻚ اﻟﺨﺸﺐ. « إﱃ آﺧﺮ ﻫﺬه املﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺪل ﻋﲆ أن اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ ﻣﺎ زال — ﰲ ﻋﴫ اﻟﺼﻌﻮد إﱃ اﻟﻘﻤﺮ — وﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮت ﺗﻌﻠﻴﻼت ﻣﺘﻌﺪدة وﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ اﻻﺗﺠﺎه ﺗُﻔﴪ اﺳﺘﻤﺮار ﺗﻴﺎر اﻟﻼﻣﻌﻘﻮل ﰲ وإﴏار اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت ﻋﲆ اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ — ﻏري املﱰاﺑﻄﺔ وﻏري اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ — اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ اﻷﺣﻼم ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺨﺘﻠﻂ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ، وﺗﻜﺘﺴﺐ ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس ﻃﺎﺑﻌﺎ ﻣﺘﺠﺴ ًﺪا ﻳﺘﺨﺬ ﺷﻜﻞ اﻟﺨﺮاﻓﺔ، وﻗﺪ ر ﱠﻛﺰت ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﴘ ﻋﻨﺪ ﻓﺮوﻳﺪ ﺟﻬﻮدﻫﺎ — ﰲ ﻫﺬا املﻴﺪان — ﰲ ﺑﺤﺚ ﺗﺄﺛري اﻟﻼﺷﻌﻮر ﰲ رؤﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﻮاﻗﻊ، وأﺳﻬﻤﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ اﺳﺘﻜﺸﺎف أﺳﺒﺎب اﺳﺘﻤﺮار اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ ﰲ ﻋﴫ ﻳُﻨﻈﻢ اﻟﻨﺎس ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ أﺳﺎس ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ
وﻣﻦ املﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل: إن ﺷﻌﻮر اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻛﺎن ﻳﺘﺨﺬ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺷﻜﻞ اﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﻔﻬﻢ، أﻣﺎ ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺪﻳﺚ — ﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﺻﻞ اﻹﻧﺴﺎن إﱃ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗُﺘﻴﺢ ﻟﻪ إﺟﺎﺑﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻋﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﺠﺰ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻦ ﻓﻬﻤﻬﺎ — ﻓﺈن ﺑﻞ أﺻﺒﺢ اﻟﻌﺠﺰ ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ ﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﺤﻜﻢ اﻟﻮاﻋﻲ ﰲ ﻣﺴﺎر املﺠﺘﻤﻊ، وﰲ اﻟﻘﻮى اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﻔﻲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻷوروﺑﻴﺔ — وﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎص — ﺗَﻨﺘﴩ ﻣﻈﺎﻫﺮ واﺿﺤﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ، ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ وﺟﻮد ﺟﻤﺎﻋﺎت ﺗُﻤﺎرس أﻧﻮاﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ )اﻟﺴﺤﺮ اﻷﺳﻮد( واﻟﻄﻘﻮس اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﰲ ﻗﻠﺐ أﻏﻨﻰ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ. واﻟﺘﻌﻠﻴﻞ املﻌﻘﻮل ﻟﺬﻟﻚ ﻫﻮ أن اﻟﻨﺎس — ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﺗﻮاﻓﺮ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ وﻋﻠﻢ وﻣﺎ ﻳﺘﻤﺘﱠﻌﻮن ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗ ًﻮى ﴍﻳﺮة وﺣﺘﻤﻴﺔ ﻛﺌﻴﺒﺔ ﺗَﻔﺮض ﻋﲆ اﻟﻨﺎس أن ﻗﺎﺗﻤﺔ، اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺨﺮاﰲ ﺑﺄﺷﻜﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ — ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ املﺘﻘﺪﻣﺔ — ﻻ ﺗُﺸﻜﻞ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺧﻄﺮا داﻫﻤﺎ ﻋﲆ املﺴﺎر اﻟﻌﺎم ﻟﻬﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت، ﺣﻴﺚ ﻳُ وﺣﻴﺚ ﻻ ﻳَﺴﻤﺢ أﺳﻠﻮب اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺴﺎﺋﺪ ﺑﺄن ﺗﻈﻞ ﻫﻨﺎك ﻋﻨﺎﴏ ﻏري ﻣﺤﺴﻮﺑﺔ أو ﻏري ﻣﺘﻮ ﱠﻗﻌﺔ، — ﻣﻦ أﴐار اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ درﺟﺔ اﻧﺘﺸﺎره ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻷﻓﺮاد أو اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻳﻈﻞ املﺠﺮى اﻟﻌﺎم ﺑﺤﻴﺎة ﺧﺎﺿﻌﺎ ﻟﻠﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﱰﺷﻴﺪ أﻣﺎ املﻴﻮل اﻟﺨﺮاﻓﻴﺔ ﻓﺘﺘﱠﺨﺬ ﺷﻜﻼ ﻓﺮدﻳٍّﺎ ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﲆ ﻫﺬا املﺴﺎر اﻟﻌﺎم. ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺟﻮاﻧﺐ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس، إﻧﻪ ﺗﻌﺒري ﻋﻦ ﺗﻤﺮد اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻌﻘﻞ ﻧﻔﺴﻪ، ورﻏﺒﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺨﺮوج ﻋﻨﻪ، ﻷﻧﻬﺎ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻴﻪ، إﻧﻬﺎ ﻗﻔﺰة ﻣﺆﻗﺘﺔ إﱃ املﺎﴈ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻋﱪ اﻟﺤﺎﴐ، وﻻ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ذاﺗﻪ؛ ﻓﻤﻦ ﺳﻤﺎت ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة أﻧﻬﺎ ﺗُﻐري إﻳﻘﺎﻋﻬﺎ ﺑﴪﻋﺔ، وﺗُﺠﺪد ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار وﺗَﺮﻓﺾ اﻟﺠﻤﻮد واﻻﺳﺘﻘﺮار، وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻌﻠﻢ — ﰲ ﻇﺎﻫﺮة اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺨﺮاﰲ — ﻳﺘﻢ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ املﺘﻘﺪﻣﺔ ﰲ إﻃﺎر ﻋﴫ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻌﻠﻢ املﺘﻘﺪم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ؛ ذﻟﻚ ﻷن ﻫﻨﺎك ﻛﺜريﻳﻦ ﰲ ﺑﻼدﻧﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳُﺤﺎوﻟﻮن اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣﻦ ﺗﺄﺛري ﻫﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة — أﻋﻨﻲ ﻇﺎﻫﺮة اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺨﺮاﰲ ﰲ وﻣﺜﻞ ﻫﺬه املﺤﺎوﻟﺔ إذ ﻳﺒﺪو ﻇﺎﻫﺮﻳٍّﺎ أن اﻟﻮﺿﻊ ُﻣﺘﺸﺎﺑﻪ ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺘني )وإن ﻛﺎن ﻣﻘﺪار اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺨﺮاﻓﺎت ﻋﻨﺪﻧﺎ أﻋﻈﻢ ﺑﻤﺮاﺣﻞ ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﺒﻼد املﺘﻘﺪﻣﺔ(، وأن اﻟﻌﺪاء ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﰲ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻔﱰات ﰲ ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ. واﻟﺘﻲ ﻳُﺤﺎول ﺑﻌﺾ أﻓﺮادﻫﺎ أن ﻳﺮﺗﺪوا ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ »ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ اﻻﻧﺪﻣﺎج ﻓﻴﻬﺎ« ﻻ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺠﻬﻞ ﺑﻬﺎ أو اﻟﺨﻮف ﻣﻨﻬﺎ أو اﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ؛ أي إن اﻟﻔﺮق واﺿﺢ ﺑني اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺨﺮاﰲ ﺣني ﻳﻜﻮن ﺗﻌﺒريا ﻋﻦ ﺟﻤﻮد ﻣﺘﺄﺻﻞ وﺗَﺤﺠﺮ ﻋﲆ أوﺿﺎع ﻇﻠﺖ ﺳﺎﺋﺪة ﻃﻮال أﻟﻮف اﻟﺴﻨني دون أن ﻳَﺮﻏﺐ املﺠﺘﻤﻊ ﰲ ﺗﻐﻴريﻫﺎ أو ﻳَﺠﺮؤ ﻋﻠﻴﻪ، وﺑني ﻫﺬا اﻟﻔﻜﺮ ذاﺗﻪ ﺣني ﻳﻜﻮن ﺗﻌﺒريا — وﺗﻠﻚ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻧﺠﺪ ﻟﺰاﻣﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧُﻨﺒﻪ إﻟﻴﻬﺎ؛ ﻷن ﺑﻌﺾ ﻛﺘﱠﺎﺑﻨﺎ — اﻟﻮاﺳﻌﻲ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي وﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻮﺟﻮد ﻗﻮى ﺧﺎرﻗﺔ ﻟﺪى ﻛﺎﻻﺳﺘﺸﻔﺎف ﻋﻦ ﺑُ ْﻌﺪ telepathy، أو اﻷﺷﻜﺎل املﺨﺘﻠﻔﺔ ملﺎ ﻳُﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺤﺎﺳﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ أو ﻏريﻫﺎ. »ﺗﺤﻀري اﻷرواح«، ﻣﻊ أن ﻫﺬا ﻳﺘﻨﺎﻗﺾ أﺳﺎﺳﺎ ﻣﻊ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺮوح. ﻣﻊ أن ﻣﻦ أﻫﻢ ﴍوط اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺗﻜﺮارﻫﺎ أﻣﺎم أي ﻋﺪد ﻣﻦ املﺸﺎﻫﺪﻳﻦ وﰲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻈﺮوف، وﻣﻦ املﻌﺮوف أن ﺷﻬﻮد ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب ﻫﻢ ﰲ أﺣﻤﺮ )وﻫﻮ أﻛﺜﺮ اﻷﻟﻮان ﺗﻌﺘﻴﻤﺎ ﻟﻠﺒﴫ(، وأﻧﻪ — ﺑﺎﻟﺘﺎﱄ — ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻌﱰف ﺑﻬﺬه اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﺨﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻓﺈﻧﻪ ﻫﻮ أﺿﻤﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﺒﻠﻮغ »اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ« ذاﺗﻬﺎ. وإﱃ أن ﻳﺘﻮﺻﻞ اﻟﻌﻠﻢ ذاﺗﻪ إﱃ ﻣﻨﺎﻫﺞ وأﺳﺎﻟﻴﺐ وﻟﻘﺪ ﻗﻠﺖ إن ﻫﺬا اﻟﺴﻼح أﺧﻄﺮ اﻷﺳﻠﺤﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎ؛ 55 واﻟﻮاﻗﻊ أن اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺤني ﺗُﻮاﺟﻪ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻛﻞ اﻟﺠﺪة، اﻟﱰاﺟﻊ ﻓﻘﺪ ﺧﴪت ﻣﻮاﻗﻊ ﻛﺜرية، ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻵراء ﺑﻌﺾ ﻣﻔﻘﻮ ًدا. ov وأن اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺨﺮاﻓﺔ ﺗﻤﺴﺤﺎ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﻟﻦ ﻳﴬ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﻛﺜريا، 2) اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ واﻟﺬي ﻧﺨﻀﻊ ﻟﻪ ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ إﻳﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﺄن رأﻳﻪ ﻫﻮ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﺖ ﻣﻦ ﻛﻞ إﺑﺪاع، ﺧ َﻠ اﻷﺧري ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻜﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺼﻮ ًرا ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻓﺈن ﻋﺼﻮر اﻟﻨﻬﻀﺔ واﻟﺘﻘﺪم ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺪ ﻟﺰاﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺤﺎرب اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة وأﺷﻬﺮ أﻣﺜﻠﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻫﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ أرﺳﻄﻮ؛ ﻓﻘﺪ أي ﻃﻮال أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ وﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم، وإن واﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳَﻠﻔﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ ﻇﺎﻫﺮة اﻟﺨﻀﻮع ﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﻔﻜﺮ ﻣﺜﻞ أرﺳﻄﻮ، أن ﻫﺬا اﻟﺨﻀﻮع ﻛﺎن ﻳﺘﱠﺨﺬ ﺷﻜﻞ اﻟﺘﻤﺠﻴﺪ — ﺑﻞ اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ — ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺟﻨﻰ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ ﻋﲆ أرﺳﻄﻮ ﺟﻨﺎﻳﺔ ﻻ ﺗُ ْﻐﺘَﻔﺮ؛ إذ إﻧﻪ ﺟﻤﺪه وﺟﻌﻠﻪ ﺻﻨﻤﺎ ﻣﻌﺒﻮ ًدا، وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻓﺈن اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻟﻢ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻦ أرﺳﻄﻮ »روح« ﻣﻨﻬﺠﻪ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ — اﻟﺬي ﺣﺎول اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف أن ﻳُﻄﻮره ﰲ املﺮﺣﻠﺔ اﻷﺧرية ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ — ﺑﻞ أﺧﺬت ﻣﻨﻪ »ﻧﺘﺎﺋﺞ« أﺑﺤﺎﺛﻪ، اﻷﺧرية ﰲ ﻣﻴﺪاﻧﻬﺎ، ﻓﻀﺎﻋﻔﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﻳﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﺗﻔﻜريه. وﻫﻜﺬا وﺟﺪﻧﺎ ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺑﻴﻜﻮن ورﻳﻨﻴﻪ دﻳﻜﺎرت ﻳﺒﺪآن ﻓﻠﺴﻔﺘﻬﻤﺎ ﺑﻨﻘﺪ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷرﺳﻄﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﰲ ﻣﻴﺪان اﻟﻌﻠﻢ ﺧﺎض ﺟﺎﻟﻴﻠﻴﻮ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﺿﺪ ﺳﻠﻄﺔ أرﺳﻄﻮ؛ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل ﺑﻨﻈﺮﻳﺔ ﰲ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ أ ُ ُﺳﺲ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، وﻳُﺜﺒﺖ — ﺑﻤﻨﻬﺠﻪ اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﺪﻗﻴﻖ — ﺑﻄﻼﻧﻬﺎ، وﰲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻨﺎ أن ﻧَﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬا املﺜﻞ — أﻋﻨﻲ ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻵراء 1-2) اﻟﻘ َﺪم أول ﻋﻨﺎﴏ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻫﻮ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺮأي ﻗﺪﻳﻤﺎ؛ ﻓﺎﻵراء املﻮروﺛﺔ ﻋﻦ اﻷﺟﺪاد ﻳُﻌﺘﻘﺪ أن ﻟﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ، وأﻧﻬﺎ ﺗﻔﻮق اﻵراء اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﺑﻬﺎ املﻌﺎﴏون. وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻬﻮ ﻣﺒﻨﻲ — ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ِﺿﻤﻨﻴﺔ — ﻋﲆ ﻧﻈﺮة إﱃ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺗﻔﱰض أن ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﺴري ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺪﻫﻮر، ﻣﺮاﺣﻠﻪ املﺎﺿﻴﺔ أﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻠﻪ اﻟﺤﺎﴐة. وﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻷﻣﺮ أن اﻹﻧﺴﺎن — إذا ﻛﺎن ﻳَﻀﻴﻖ ﺑﺤﺎﴐه أو ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺎﺟﺰا ﻋﻦ إﺛﺒﺎت وﺟﻮده ﰲ اﻟﺤﺎﴐ — ﻳَﺼﺒﻎ املﺎﴈ ﺑﺼﺒﻐﺔ ذﻫﺒﻴﺔ، وﻳﺘﱠﺨﺬ ﻣﻨﻪ ﻣﻬﺮﺑًﺎ وﻣﻠﺠﺄً ﻳﻠﻮذ ﺑﻪ. وﻧﺪﻋﻮﻫﺎ داﺋﻤﺎ إﱃ أن ﺗﺄﺧﺬ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ أﻓﻮاه اﻟﻘﺪﻣﺎء املﺠﺮﺑني — ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ أﻗﺪم أﺟﻴﺎل اﻟﺒﴩﻳﺔ، وﺗﻔﺴري ﻫﺬه املﻔﺎرﻗﺔ أﻣﺮ ﻫني؛ وﻣﻦ ﺛَ ﱠﻢ ﻓﻬﻮ اﻷﺟﺪر وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﺣﻜﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ إﻃﻼﻗﻪ — دون ﺑﻞ ﻫﻮ ﺣﻜﻢ ﻳُﻘﺎل ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻌﻤﻴﻢ، وﻻ ﻳَﻤﻨﻊ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل ﻣﻦ وﺟﻮد اﺳﺘﺜﻨﺎءات. وأن اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻗﺪ ﻋﺎﺷﺖ أﻟﻮف اﻟﺴﻨني ﻋﲆ أﺧﻄﺎء ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺠﺮؤ ﻋﲆ ﻣﻨﺎﻗﺸﺘﻬﺎ؛ أي إن اﻷرض ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻜﻮن، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ أﺗﻰ ﻛﱪﻧﻴﻜﻮس — ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ — ﻟﻴﺘﺤﺪى ﻫﺬه اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺮاﺳﺨﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم، واﻟﻮاﻗﻊ أن املﻴﻞ إﱃ اﻷﺧﺬ ﺑﺴﻠﻄﺔ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻳَﺰداد ﰲ ﻋﺼﻮر اﻟﺮﻛﻮد واﻻﻧﴫاف ﻋﻦ o9 وأﺻﺒﺢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﺟﺪﺗﻪ وﺣﺪﻫﺎ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ إﻗﻨﺎﻋﻬﺎ. وراء »املﻮﺿﺎت« — ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﻔﻜﺮي واﻷﺧﻼﻗﻲ أﻳﻀﺎ ﻻ ﺑﺎملﻌﻨﻰ املﻈﻬﺮي وﺣﺪه — إﻧﻤﺎ « ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈن املﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺎدة اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺗُ ْﻌ َﺮف ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺸﻜﻠﺔ »اﻟﻔﺠﻮة ﺑني اﻷﺟﻴﺎل«، وﻟﻜﻦ وﻛﻠﻤﺎ

ﻋﲆ أن اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻨﺘﺒﻪ إﻟﻴﻪ ﻫﻮ أن ﺗﺤﺪي ﺳﻠﻄﺔ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻻ ﻳﺆﺗﻲ ﺛﻤﺎره املﺮﺟﻮة إﻻ إذا ﻛﺎن ﻣﻦ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى املﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻘﻪ؛ وﻻ ﻳﻘﻮدﻫﻢ ﰲ ﺳﻠﻮﻛﻬﻢ إﻻ ﻣﺒﺪأ »ﺧﺎﻟﻒ ﺗُ ْﻌ َﺮف«؛ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺒري اﻷﺧري ﻣﻦ ﻣﻔﺎرﻗﺔ. ﻋﲆ املﻼﺑﺲ وﺷﻜﻞ اﻟﺸﻌﺮ — ﺑني ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎن ﰲ اﻟﻐﺮب — ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﺣﺘﺠﺎﺟﺎ ﻋﲆ ﺳﻠﻄﺔ املﺠﺘﻤﻊ »املﻈﻬﺮي« »املﺘﺄﻧﻖ« اﻟﺬي ﻳﺨﻠﻮ — داﺧﻠﻴٍّﺎ — ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻖ وﻣﻦ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﻨﺒﺾ اﻟﺤﻴﺎة وﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﻃﻒ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، وﻻ ﻳَﻜﱰث إﻻ ﺑﺘﻠﺒﻴﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﻪ اﻻﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ. اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﰲ ﻇﻠﻬﺎ ﻫﺬه املﻮﺟﺔ، وﻫﻜﺬا ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺨﺮوج ﻋﻦ ﺳﻠﻄﺔ املﺄﻟﻮف — ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ — أﻣﺮا ﻷﻧﻪ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻳَﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ — ﻫﻲ رﻓﺾ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﰲ املﺠﺘﻤﻊ اﻻﺳﺘﻬﻼﻛﻲ — ﻧﺠﺪه ﻳﺘﺤﻮل ﻋﲆ ﻳﺪ ﻫﺆﻻء املﻘﻠﺪﻳﻦ إﱃ ﳾء ﻏري ﻣﻌﻘﻮل ﻋﲆ اﻹﻃﻼق؛ ﺑﻞ ﻳُﺸﺠﻊ ﻋﲆ املﻐﺎﻻة ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻢ. وﺑني ﻣﻦ ﻳُﺨﺎﻟﻔﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﺸﺘﻬﺮ ﺑﻬﺬا املﻈﻬﺮ ﻓﻘﻂ، 3-2) اﻟﺸﻬﺮة وﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻔﺴريات وﺗﺄوﻳﻼت ﺗُﻌﻄﻴﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻻ ﺗﻜﻮن ﺟﺪﻳﺮة ﺑﻬﺎ أﺻﻼ. ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺟﺐ أن ﻧُﺪرك زﻣﺎن، إذ إن ﺷﻬﺮﺗﻪ ﰲ ﻋﴫه ﻇﻠﺖ ﻣﻤﺘﺪة إﱃ ﻋﺼﻮر ﺗﺎﻟﻴﺔ، ﻣﻊ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ أو اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف — ﻣﻬﻤﺎ ُﻣﺮ َﻫﻔﺔ، وﻫﻜﺬا ﻓﺈن ﻣﻦ ﻏري املﺘﺼﻮر أن ﻳﻈﻬﺮ ﰲ ﻋﴫﻧﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺘﻲ ﺗَﻤﻠﻚ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻜﻔﻴﻠﺔ »ﺑﺘﻀﺨﻴﻢ« اﻟﺸﻬﺮة وإﻋﻄﺎﺋﻬﺎ أﺑﻌﺎدا vz ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻓﻼ ﺗﻜﺎد ﺗَﻌﱰﺿﻨﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﰲ ﻣﻴﺪان ﻣﻌني ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻔﺰ إﱃ أذﻫﺎﻧﻨﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر اﺳﻢ ذﻟﻚ »اﻟﻨﺠﻢ« اﻟﺬي اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻔﻀﻞ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم، وﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮن أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﺧﱪ ًة ﺑﻬﺬا إذ ﺗﻈﻬﺮ املﻤﺜﻠﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ر ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﺷﻬﺮﺗﻬﺎ ﰲ ﻣﻴﺪاﻧﻬﺎ اﻷﺻﲇ ﻻ ﺗُ أو ﻳﻈﻬﺮ ﻻﻋﺐ اﻟﻜﺮة املﺸﻬﻮر إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﻧﻮع ﻣﻦ « وﻣﻦ املﺆﻛﺪ أن أﻣﺜﺎل ﻫﺬه اﻹﻋﻼﻧﺎت املﺰﻳﱠﻔﺔ ﺗُﺤﻘﻖ ﻋﺎﺋﺪا، وإﻻ ملﺎ ﺗﺤﻤﻞ املﻨﺘﺠﻮن ﺗﻠﻚ 4-2) اﻟﺮﻏﺒﺔ أو اﻟﺘﻤﻨﻲ ﻳﻤﻴﻞ اﻟﻨﺎس إﱃ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﻓﻴﻪ أو ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﱠﻮن أن ﻳﺤﺪث، وﻣﻦ املﻌﺮوف أن رﺟﺎل اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ أﻳﺎم ﺟﺎﻟﻴﻠﻴﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻳَﺮﻓﻀﻮن اﻟﻨﻈﺮ ﰲ ﻣﻨﻈﺎره املﻘﺮب اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻜﻲ ﻳﺮوا اﻟﺴﻤﺎء — ﻷول ﻣﺮة — ﺑﻌني أﻗﻮى ﻣﻦ اﻟﻌني اﻟﺒﴩﻳﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻋﴩات املﺮات؛ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﻻ »ﻳﺮث« ﻓﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ أي أﻫﻢ املﺨﻠﻮﻗﺎت وﻣﺤﻮرﻫﺎ وﻏﺎﻳﺘﻬﺎ، ﻣﻜﱰث. ﻣﻬﻤ ًﻼ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ ﻏري ﺑﻌﻤﻠﻪ وﺟﻬﺪه، وإﻻ ﻇﻞ 3) إﻧﻜﺎر ﻗﺪرة اﻟﻌﻘﻞ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻔﻦ واﻟﺸﻌﺮ واﻷدب ﻳﻬﻴﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻘﻮى أﺧﺮى ﻏري اﻟﻌﻘﻞ ﻗﺪ ﻳُﺴﻤﻴﻬﺎ اﻟﺨﻴﺎل وﻛﻠﻤﺔ اﻟﺤﺪس ﻗﺪ ﺗُ ْﻔ َﻬﻢ — ﰲ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻌﺎدي — ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺪس ﻣﻌﺮﻓﺔ »ﻣﺒﺎﴍة«، ﻧﻘﺼﺪ ﺑﻪ إدراﻛﻨﺎ اﻟﻌﺎدي ﺑﺤﻮاﺳﻨﺎ، وﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﱄ أﺣﺪ أﻧﻪ ﻛﺬﻟﻚ، ٢( وﻫﻨﺎك ﺣﺪس ﰲ املﺠﺎل اﻟﻌﻘﲇ، املﻄﻠﻮﺑﺔ، وﻛﻞ ﺑﻞ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺮ ًة واﺣﺪة وﺑﺼﻮرة ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ ﺗﻐﻨﻴﻨﺎ ﻋﻦ أﻳﱠﺔ وذﻟﻚ ﺣني ﻳﺸﻌﺮ املﺮء ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻃﻒ أو اﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﻣﻊ دون أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻬﻢ أو ﺳﻤﻊ ﻋﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌًﺎ، أﺷﺨﺎص وﻗﺪ ﺗﺆﻳﺪه اﻟﺨﱪة واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أو ﺗُﻜﺬﱢﺑﻪ، وﻟﻜﻦ اﻟﺬي ﻳُﻬﻤﻨﺎ أﻧﻪ — ﺑﺪوره ٤( وﻫﻨﺎك ﺣﺪس ﰲ املﺠﺎل اﻟﺼﻮﰲ؛ ﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ واﻟﺬي ﻳُ وأﻫﻢ ﻣﺎ ﻳُﻤﻴﱢﺰه ﻫﻮ اﻟﻈﻬﻮر املﻔﺎﺟﺊ واملﺒﺎﴍ ﻟﻔﻜﺮة اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﻨﻲ أو ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻋﻦ ﻏريه ﻣﻦ ﻃﺮق املﻌﺮﻓﺔ: أ( ﻓﻬﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ »ﻣﺒﺎﴍة«، ب( وﻫﻮ ﻳَﻨﻘﻠﻨﺎ ﻣﺒﺎﴍ ًة إﱃ »ﻟﺐ« املﻮﺿﻮع اﻟﺬي ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﺮﻓﻪ أو إﱃ ﺟﻮﻫﺮه اﻟﺒﺎﻃﻦ، ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻘﺎرﻧﺘﻪ ﺑﻐريه. ﺟ( وﻫﻮ ﰲ ﺟﻮﻫﺮه ﻣﻌﺮﻓﺔ »ﻓﺮدﻳﺔ«؛ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻷﺳﺎس ﻛﺎن ﻫﻨﺎك داﺋﻤﺎ ﻣ ْﻦ ﻳﺘﺼﻮر أن ﻃﺮﻳﻘﺔ املﻌﺮﻓﺔ املﺜﲆ ﻟﺪى اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﱪاﻫني أو اﻷدﻟﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﺑﻞ ﻫﻲ اﻟﺤﺪس املﺒﺎﴍ اﻟﺬي ﻳُﻮﺻﻠﻨﺎ إﱃ اﻟﻠﺐ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﻟﻠﻤﻮﺿﻮع اﻟﺬي ﻧﺮﻳﺪ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ. vv وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ — ﰲ رأي أﺻﺤﺎب ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه — أﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ وﻻ ﻳﻨﻔﺬ ﺑﻨﺎ إﱃ اﻟﺠﻮﻫﺮ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﻟﻸﺷﻴﺎء. ﻓﻬﻨﺎ وﻫﺬه ﻧﻈﺮة إﱃ اﻟﺤﺪس ﻻ ﺗُﺸﻜﻞ أﻳﺔ ﻋﻘﺒﺔ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻔﻜري اﻟﻌﻠﻤﻲ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻠﻦ ﻧُﺮ ﱢﻛﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ اﻵن. أو ﻳُﻘﻠﻠﻮن ﻣﻦ وﻛﺎن رأﻳﻬﻢ ﻳﺨﺘﻠﻒ — ﰲ ﺟﺰﺋﻴﺎﺗﻪ — ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻠﻌﴫ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻴﻪ، ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻫﻢ ﻟﻬﻢ إﻻ أن ﻳﺤﻄﻮا ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻌﻘﻞ وﻳُﻘﻠﻠﻮا ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ، وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻔﻘﺪون ﺛﻘﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ أداة ﻻﻛﺘﺴﺎب املﻌﺮﻓﺔ وﺑﻠﻮغ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، وأن ﻣﺎ ﻧﻠﻤﺴﻪ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﺠﺰ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻼت ﻛﺜرية ﻻ ﻳُﺜﺒﺖ — ﻋﲆ اﻹﻃﻼق — أن اﻟﻌﻘﻞ »ﰲ ذاﺗﻪ« ﻗﺎﴏ. ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻓﻠﻮ ﻗﺎرﻧﱠﺎ ﺣﺎﻟﺔ املﻌﺮﻓﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻣﺜﻼ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻵن؛ وﻟﻮ ﻗﺎرﻧﱠﺎ ﻧﻤﻂ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻓﻘﻂ ﺑﺤﺎﻟﺘﻬﺎ اﻟﺮاﻫﻨﺔ؛ وأﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮة املﺤﺪودة اﻟﻘﺎﴏة اﻟﺘﻲ ﻳُﺼﻮره ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺜريون. ﻣﻊ ﻋﻤﻞ ﺣﺴﺎب اﻟﺘﺰاﻳُﺪ املﻄﺮد ﰲ ﻣﻌﺪل ﻧﻤﻮ اﻹﻧﺠﺎزات اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻓﺈن اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﺳﻨُﻜﻮﻧﻬﺎ ﻋﻨﺪﺋﺬ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻋﻦ ﺻﻮرة ذﻟﻚ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﺎﺟﺰ اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻨﻪ. ﺻﺤﻴﺢ أن اﻟﻌﻘﻞ ﻣﺎ زال ﻳﺠﻬﻞ اﻟﻜﺜري، ﻓﻴُﺨﻄﺊ ﺣﻴﻨًﺎ وﻳُﺼﻴﺐ ﺣﻴﻨًﺎ، وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺼﻴﻠﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ملﺴريﺗﻪ ﺗُﻤﺜﱢﻞ اﻧﺘﺼﺎرا راﺋﻌﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎن. وﺣﺴﺒﻨﺎ أن ﻧُﻘﺎرن ﺑني اﻟﻘﺮون اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪم ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻳَﺪﻋﻮ إﻟﻴﻬﺎ ﺧﺼﻮم اﻟﻌﻘﻞ. ﺣﺴﺒﻨﺎ أن ﻧُﺠ ِﺮي ﻫﺬه املﻘﺎرﻧﺔ ﻟﻜﻲ ﻧﺪرك أن وﻳُ ﰲ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗَﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ »ﻣﻨﻄﻖ ﺳﻠﻴﻢ« — أي ﻋﲆ ﻣﻨﻬﺞ »ﻋﻘﲇ« — ﻓﺈن v8 رأي ﻫﺆﻻء ﺑﺪوره — وإن ﻛﺎن ﰲ ﻣﻈﻬﺮه أدﻋﻰ إﱃ اﻻﺣﱰام ﻣﻦ اﻟﺮأي اﻟﺴﺎﺑﻖ — ﻻ ﻳﻘﻞ ﻓﻘﺪ داﻓﻊ ﺑﺮﺟﺴﻮن ﺑﺤﻤﺎﺳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻋﻦ »اﻟﺤﺪس«، اﻟﻘﺎدرة ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺎذ ﺑﻨﺎ إﱃ اﻟﻌﻤﻖ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﻟﻸﺷﻴﺎء، وﻫﻮ ﻳُﺠﺮد ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ اﻟﺤﻲ املﻠﻤﻮس؛ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻨﺎﺑﺾ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وﻫﻴﻜﻠﻪ اﻟﻌﻈﻤﻲ. وأﻣﺜﺎل ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺎرب ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺨﺬﻫﺎ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻔﻨﺎﻧﻮن ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻷﻋﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﻔﻨﻴﺔ. ﻓﻴَﻜﺘﺸﻒ ﰲ اﻟﺠﻤﺎد ﺻﻔﺎت ﻓﺮﻳﺪة ﺗﺨﻔﻰ ﻋﲆ وإذن ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺑﺮﺟﺴﻮن وﻏريه ﻣﻦ أﻧﺼﺎر اﻟﺤﺪس ﻳَﺘﺤﺪﺛﻮن ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻦ ﻧﻮع ﺧﺎص ﻣﻦ املﻌﺮﻓﺔ، v9 وإﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ أﺣﺪ أن ﻳﻌﱰض ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﴚء، وﻟﻜﻦ املﺸﻜﻠﺔ ﻫﻲ أﻧﻬﻢ ملﺎ ﻛﺎن ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ أي ﻣﺄﺧﺬ. ﻛﻞ ﰲ ﻣﺠﺎﻟﻪ اﻟﺨﺎص، ﻟﻜﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﻣﺮ ﺑﺘﺠﺎرب ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺑﻐري ﺷﻚ، وﻟﻜﺎن أﻛﺜﺮ رﻗﺔ وﺷﺎﻋﺮﻳﺔ … ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻣﺤﺘﻤﻞ، ﻳﻤﻠﺆﻫﺎ ﻓﺮاغ اﻟﺠﻬﻞ وﻗﺼﻮر اﻟﻌﻘﻞ. وﻻ ﺷﻚ أن ﻟﻬﺬه اﻟﺤﺠﺔ وﺟﻬﺎ آﺧﺮ ﻳﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﻧُﻐﻔﻠﻪ ﻫﻮ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﻌﻜﴘ … ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﺧﻠﺖ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﴫ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻗﺘﴫت ﻋﲆ ﻋﻨﴫ املﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ؛ ﻟﻔﻘ َﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﺗﻠﻚ املﺘﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺜﻬﺎ املﻌﺮﻓﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ، وﻻﻓﺘﻘﺮت اﻟﺤﻴﺎة إﱃ ﺑُﻌﺪ ﻣﻦ أﺑﻌﺎدﻫﺎ اﻟﻬﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺚ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪفء وﺗﺸﻴﻊ ﻓﻴﻬﺎ وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن اﺗﻬﺎم اﻟﻌﻘﻞ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ أداء اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺆدﻳﻬﺎ اﻟﺤﺪس — ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ — ﻫﻮ اﺗﻬﺎم ﻻ ﻣﱪر ﻟﻪ، ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ املﺮﺗﻜﺰ ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻞ ﺷﻜﻞ ﴐوري ﻣﻦ أﺷﻜﺎل املﻌﺮﻓﺔ، ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻣﺤﺘﺎج إﱃ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ واﻟﻌﻘﻞ، ﻧﺤﺎول ﻓﻴﻬﺎ أن ﻧﻄﺒﻖ ﻣﺒﺎدئ أﺣﺪ اﻟﺠﺎﻧﺒني ﻋﲆ اﻵﺧﺮ، أو ﻧﻨﻘﺪ أﺣﺪ اﻟﺠﺎﻧﺒني ﺑﺎﺳﻢ اﻵﺧﺮ. 4) اﻟﺘﻌﺼﺐ وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻔﺮق ﺑني اﻟﺘﻌﺼﺐ وﺑني اﻻﻋﺘﺪاد ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ اﻟﺬي ﻫﻮ ﺷﻌﻮر ﻣﴩوع؛ إذ إن املﻌﺘﺪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻻ ﻳَﺒﻨﻲ ﺗﻤﺠﻴﺪه ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺣﺘﻤﺎ ﻋﲆ أﻧﻘﺎض اﻵﺧﺮﻳﻦ، أﻣﺎ ﻣﺴﺘﻬﺪ ًﻓﺎ اﻟﺤﻂ ﻣﻦ ﻷﻧﻪ ﻳﻬﺪم ﻏريه وﻟﻴﺲ ﰲ ذﻫﻨﻪ إﻻ ﺗﺄﻛﻴﺪ ذاﺗﻪ، ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻧﻌﻨﻴﻪ وإﻋﻼﺋﻪ ﻫﺬا اﻟﺮأي ﻓﻮق آراء أﻳﺔ ﺟﻤﺎﻋﺔ أﺧﺮى. ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳُﺤﺲ ﺑﻨﻔﺴﻪ إﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻓﻠﻨﺘﺄﻣﻞ ﻣﺜﻼ ﺻﺎرﺧﺎ ﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ اﻟﺘﻌﺼﺐ — ﺗﺎﺑَ َﻌﻪ اﻟﻌﺮب ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑﻜﻞ ﺟﻮارﺣﻬﻢ واﻟﺤﻖ أن ﺗﻌﺒري »اﻟﻘﺘﻞ ﻋﲆ اﻟﻬﻮﻳﺔ« ﻛﺎن ﺗﻌﺒريا ﻳُﻌﱪ ﺑﺒﻼﻏﺔ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﺑﺄﴎﻫﺎ؛ ﻓﺎﻟﺘﻌﺼﺐ ﻳُﻠﻐﻲ اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺤﺮ واﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﺴﺎؤل واﻟﻨﻘﺪ، ﻫﻲ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻮﻗﻔﺎ ﺗﺨﺘﺎره ﺑﻨﻔﺴﻚ، وﻣﺎ أﻧﺎ )أو أي ﻓﺮد( ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﺳﻮى أداة ﻳﺘﺨﺬﻫﺎ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪﻓﻪ املﺸﺌﻮم؛ أﺟﻞ ﳾء إﻻ ﻟﻜﻲ أﻟﺒﱢﻲ ﻧﺪاءه. ﻷﻧﻪ ﻳﺆ ﱢدي إﱃ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻬﺪوء أو اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻨﻔﴘ، ﻛﻞ رأي ﻣﺨﺎﻟﻒ وﻣﻬﺎﺟﻤﺘﻪ ﺑﻌﻨﻒ واﻟﺴﻌﻲ إﱃ »ﺗﺼﻔﻴﺘﻪ« ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺤﺎﺳﻢ ﻟﻬﺬا اﻟﻠﻔﻆ. وﻟﻜﻦ اﻟﻮاﻗﻊ أن ﻫﺬه ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺧﺎدﻋﺔ ﻣﻀﻠﻠﺔ؛
ﻋﲆ أن ﻫﺬه ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺧﻮﺿﻬﺎ؛ ذﻟﻚ ﻷن اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻫﻮ — ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ — vz ﻟﻠﻌﻠﻢ؛ واﻟﺘﻲ ﺣﺎﻟﺖ — وﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺤﻮل — دون اﻧﻄﻼق اﻟﺘﻔﻜري اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﻼ ﻗﻴﻮد. وﻛﻞ ﻣﺘﻌﺼﺐ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻔﻜريه اﻟﺨﺎص — أو ﻋﲆ اﻷﺻﺢ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻄﻮي ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أن املﺘﻌﺼﺐ ﻳﺘﻤﺴﻚ ﺑﺮأﺳﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻄﻖ. وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎن أﺳﺎس اﻟﻨﺎزﻳﺔ ﻫﻮ »أﺳﻄﻮرة« ﻛﺎﻧﺖ املﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺸﻨﱠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﻜري ﺣﺎﺳﻤﺔ؛ وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ 5) اﻹﻋﻼم املﻀﻠﻞ وﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻔﺌﺔ ﻫﻲ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﰲ ﻣﻘﺘﺒﻞ اﻟﻌﻤﺮ، ﻳُﻌﺪﻫﺎ املﺠﺘﻤﻊ ملﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺤﻴﺎة أﻣﺎ اﻹﻋﻼم ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻄﺎﺑﻊ املﻨﺘﻈﻢ، ﻓﻌﲆ ﺣني أن اﻹﻋﻼم ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ — وﻫﻮ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻺﻋﻼم ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺮن وﻣﻦ ﺛﻢ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﻪ ﻣﺤﺪو ًدا، اﻟﻨﺎس. ﻋﲆ أن ﻫﺬا اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني اﻹﻋﻼم واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻇﺎﻫﺮة ﺣﺪﻳﺜﺔ، ﺑﺪأت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮت وﺳﺎﺋﻞ ﻟﻺﻋﻼم ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﻧُ vs ﻓﻤﻦ املﻤﻜﻦ — إذا ﺳﺎده ﻣﺒﺪأ اﻟﺤﻮار — أن ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻨﻪ ﻧﻬﻀﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، وﻫﻮ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني؛ اﻟﻘﻠﺔ ذات اﻟﺸﺄن ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ، ﺣني ﻛﺎﻧﺖ وﺳﻴﻠﺔ ﻧﻘﻞ املﻌﺮﻓﺔ واملﻌﻠﻮﻣﺎت ﻫﻲ اﻟﺘﻠﻘني املﺒﺎﴍ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﻷﺗﺒﺎﻋﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳَﻤﻠﻜﻮن إﻻ أن ﻳﺴﻤﻌﻮا وﻳُﻄﻴﻌﻮا، اﻟﻘﺎدرون ﻋﲆ إﻋﻼم اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﺌﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻳﺤﺞ إﻟﻴﻬﺎ ﻃﻼب املﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ أرﺟﺎء اﻷرض؛ ﻟﻜﻲ ﻳَﺘﺘﻠﻤﺬوا ﻋﲆ أﻳﺪﻳﻬﺎ، ﻋﲆ أن ﻇﻬﻮر اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ ﻗﺪ اﻓﺘﺘﺢ ﻋﻬﺪا ﺟﺪﻳﺪا ﰲ ﻧﴩ املﻌﻠﻮﻣﺎت، ﻓﻌﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ واﻷﻫﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ أن املﻌﻠﻮﻣﺎت ﻟﻢ ﺗَ ُﻌﺪ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻤﺮﻛﺰ ﻣﻌني ﻳَﺤﺘﻜﺮ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ وﻳﻔﺮض ﻧﻄﺎق واﺳﻊ، وأﺻﺒﺢ ﰲ اﻹﻣﻜﺎن ﻷول ﻣﺮة أن ﻳﻨﻈﺮ املﺮء إﱃ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﲆ أﻧﻪ ﺣﺎﻓﺰ ﻟﻠﺘﻔﻜري املﺴﺘﻘﻞ، إذ ﻟﻢ ﻳَ ُﻌﺪ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺮﺗﺒﻄﺎ ﺣﺘﻤﺎ ﺑﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻞ إن املﻌﻠﻮﻣﺎت وﻟﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﻨﺎس إﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﺨﺬﻫﺎ وﺑﺪاﻳﺔ ﻋﻬﺪ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﻋﻼم اﻟﻮاﺳﻊ ﺻﺤﻒ ﺗُﻘﺪم إﱃ اﻟﻨﺎس — ﻋﲆ أوﺳﻊ ﻧﻄﺎق — إﻋﻼ ًﻣﺎ vo أﺳﻬﻞ ﻓﻬﻤﺎ وأﻗﺮب إﱃ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﺗُﻘﺪﻣﻪ اﻟﻜﺘﺐ، واﻛﺘﺴﺐ اﻹﻋﻼم ﻣﺰﻳﺪا ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻫريﻳﺔ ﺣني ارﺗﺒﻂ ﺑﻔﻦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ، وﺑﺪأت ﺗﻠﻮح ﰲ اﻷﻓﻖ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة، ﻫﻲ رﺑﻂ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﺑﺸﺒﻜﺔ ﻣﻦ أي اﻟﺮادﻳﻮ واﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن، ﻳَﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ وﺻﻮل اﻹذاﻋﺎت إﱃ أﺑﻌﺪ أﻃﺮاف اﻷرض، واﻟﺘﻲ ﺗُﺨﺎﻃﺐ أﻓﺮاد اﻷﴎة ﺟﻤﻴﻌﺎ، واﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻮ إﱃ اﻷﺳﻒ ﻫﻮ أن اﻻﺗﺠﺎه اﻟﻐﺎﻟﺐ — ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗُﻘﺪﻣﻪ ﻫﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺨﺘﺎرﻳﻦ — أو ﻋﲆ اﻷﺻﺢ ﻣﺨﺪرﻳﻦ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎﻳﺔ املﻨﻈﻤﺔ — إﱃ ﻣﺬﺑﺤﺔ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ؛ ﻟﻜﻲ ﻳَﺮﺗﻜﺒﻮا أﻓﻌﺎﻻ أﺻﺒﺤﻮا ﻫﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳَﻌﺠﺒﻮن — ﺑﻤﺠﺮد أن زال ﻋﻨﻬﻢ ﺳﺤﺮ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ وﺗﺨﺪﻳﺮﻫﺎ — ﻛﻴﻒ رﺿﻮا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ أن vv واﺳﺘُﺨﺪم ﰲ إﺟﺮاﺋﻬﺎ ﻋﺪد ﻏري ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، أو اﻻﻧﺤﺮاف ﺑﺈرادﺗﻪ ﰲ اﺗﺠﺎﻫﺎت ﻣﺮﺳﻮﻣﺔ ﺟﺔ ﺑني اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ وﺳﺎﺋﻂ ﻫﺪﻓﻪ اﻷول واﻷﺧري ﺗﺮوﻳﺞ اﻟﺴﻠﻊ ﺑني اﻟﻨﺎس، اﻟﱪاﻣﺞ ﻣﻦ ﻧﻮع ﻳﺸﺪ املﺘﻔﺮج ﺣﺘﻰ ﺗﻈﻞ ﻋﻴﻮﻧﻪ وآذاﻧﻪ وﻋﻘﻠﻪ ﻣﺜﺒﺘﺔ ﻋﲆ اﻟﺠﻬﺎز، وﻫﻜﺬا ﻷ ﱠن اﻟﱪﻧﺎﻣﺞ املﻘﺪم ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺎﻓﻞ ﺑﺎﻹﺛﺎرة واﻟﻌﻨﻒ أﻣﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﺗﺴري ﻓﻴﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺰﻳﻴﻒ ﻫﺬه ﻓﻬﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺳﻴﺎﳼ؛

ﻫﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻗﺪ اﺳﺘُﻐﻠﺖ — ﰲ اﻷﻏﻠﺐ — ﻣﻦ أﺟﻞ ﺧﻠﻖ ﻋﻘﻮل ﻧﻤﻄﻴﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺﻳﺤﺎء واﻻﺳﺘﻐﻼل ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ أﻫﺪاف ﻓﺌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﰲ اﻹﻋﻼم، إذ إن اﻟﺒﴩ — ﺑﻐري ﺷﻚ — أﺻﺒﺤﻮا ﻫﻮ أن اﻹﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ذات اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻋﻈﻴﻢ اﻻﺗﺴﺎع ﻗﺪ اﺳﺘُ ِﻐ ﱠﻠﺖ ﰲ أﻏﻠﺐ ﻈﻢ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم؛ ﺑﻞ ﺗﻜﻮن إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻇﻬﻮره ﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺮأي اﻵﺧﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﺮﻓﻮ إذ إن اﻷﻣﻮر ﺗﺒﺪو ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﻫﺬا املﻈﻬﺮ »اﻟﻠﻴﱪاﱄ« دﻋﺎﻣﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﺪﻋﺎﻳﺘﻪ، وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻟﻴﺲ إﻻ املﻈﻬﺮ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻫﺬا ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أن ﻫﺬه املﺆﺳﺴﺎت اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻫﻲ — ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن — »ﴍﻛﺎت« ﺗﺴري ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ وﻓﻘﺎ ﻟﻠﻤﻨﻄﻖ اﻟﺮأﺳﻤﺎﱄ اﻟﺒﺤﺖ، وﻟﻘﺪ ﺗﻌﻤﺪﻧﺎ أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ وﺿﻊ اﻹﻋﻼم ﰲ اﻟﻨﻈﺎﻣني اﻟﻌﺎملﻴﱠني اﻟﻜﺒريﻳﻦ، وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻸﺳﻒ ﴐورﻳﺔ، اﻹﻋﻼم اﻟﺬي اﺗﺨﺬ ﰲ ﻋﴫﻧﺎ اﻟﺤﺎﴐ أﺑﻌﺎدا ﻫﺎﺋﻠﺔ، ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺗُﺴﺘﺨﺪم ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﺗُﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻟﺘﺒني ﻟﻪ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﺎد ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻮ ﻋﲆ أي اﻋﺘﺒﺎر آﺧﺮ، ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﺻﺒﺤﺖ »ﻣﻮﻇﻔﺔ«، ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻐﺎﻳﺔ أﺧﺮى، v9 وﻻ ﺗﻠﺠﺄ ﻛﺜريا إﱃ اﻟﺘﻀﻠﻴﻞ ﰲ ﺑﻘﻴﺔ املﻴﺎدﻳﻦ، وﻟﻜﻦ ﻫﺬا املﻴﺪان ﺣﻴﻮي، واﻟﺘﺰﻳﻴﻒ ﻓﻴﻪ ﻳُﺆﺛﱢﺮ ﺗﺄﺛريا ﻛﺒريا ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻔﻜري اﻹﻧﺴﺎن؛ وﻳَﺴﻠﺒﻬﻢ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ ﻣﻘﺎوﻣﺘﻬﺎ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈﻧﻪ ﻳَﻨﺘﺰع ﻣﻦ ﻋﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن أﻫﻢ ﻣﻠﻜﺔ ﻳﺤﺘﺎج وأﻋﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﻠﻜﺔ اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﺴﺎؤل. ﻣﻌﻮﻗﺎت ﻛﻨﺖ أَﻟﻘﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﻋﺪد ﻛﺒري ﻣﻦ ﻃﻼب اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺘﻲ ﻳُﻮردﻫﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻄﻼب — ﻟﻠﺘﺪﻟﻴﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ »ﺻﺤﺔ« اﻟﺤﺴﺪ وﻓﻌﺎﻟﻴﺔ »اﻟﻌﻤﻞ« — ﻧﻤﺎذج ﺻﺎرﺧﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜري املﻀﺎد ﻟﻠﻌﻠﻢ، أو ﻳﻌﺮف اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ ﻟﻘﺮﻳﺐ ﻳَﺴﻜﻦ ﺑﻠﺪا ﺑﻌﻴﺪا دون أن ﻳَﺘﺼﻞ ﺑﻪ، أو ﻳﺠﻌﻞ اﻟﺴﻴﺎرة ﺗَﺴري ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻛﺒرية وﻫﻲ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮد! ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﻮ ﺣﺎل »اﻟﺼﻔﻮة« )وأﻧﺎ ﻻ أ ُﻋﻤﻢ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل( ﻓﻤﺎذا ﻳﻜﻮن ﺣﺎل اﻟﺒﺴﻄﺎء ﻣﻦ اﻟﻨﺎس؟ وﻛﻴﻒ ﻧﺄﻣﻞ ﰲ ﺑﻨﺎء ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳُﺴﺎﻳﺮ اﻟﻌﴫ ﺑﻌﻘﻮل ﺗُﻌﺸﺶ ﻓﻴﻬﺎ أﻣﺜﺎل ﻫﺬه اﻟﺨﺮاﻓﺎت؟ ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ وﻳﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻋﲆ أﻧﻪ »ﺑﺪﻋﺔ«، وإﱃ ﺗﺤﺪي اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻫﺮﻃﻘﺔ ﻜﺎ واﻧﺤﻼﻻ ﻳﺸﻜﻮ ﻣﻨﻪ املﻔﻜﺮون ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ذاﺗﻬﺎ أو ﻋﲆ أﺣﺴﻦ اﻟﻔﺮوض إﱃ ﺳﺪ ﻣﻨﻴﻊ ﻳﻘﻒ ﺣﺎﺋﻼ دون اﻛﺘﺴﺎب اﻟﻌﻘﻮل ﻟﺬﻟﻚ و»اﻟﱪاﻫني« — وﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ »اﻟﻌﻘﻞ« ﻧﻔﺴﻪ — ﻟﻜﻲ ﻳﺤﻂ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻌﻘﻞ! وﻛﻞ ﻣﺎ 81 ﻳَﺠﻨﻴﻪ ﻫﺆﻻء ﻫﻮ أن ﻳﺴﻮد ﺑني اﻟﻨﺎس اﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻟﻐﻤﻮض واﻟﴪ ﻳُﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﳾء، وﻫﻜﺬا ﺗﺸﻴﻊ اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ، وﻳُﺼﺒﺢ اﻹﻧﺴﺎن أﻋﺰل أﻣﺎم ﺷﺘﻰ أﻧﻮاع اﻟﺪﺟﻞ واﻟﺸﻌﻮذة اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻄﻮع اﻟﻜﺜريون ﺑﺘﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﺑﺪﻳﻼ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜري اﻟﻌﻘﲇ املﻨﻈﻢ. ﻷﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻻ ﻳﺰﻳﺪون ﻋﻦ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﺮ ﱢوﺟني ﻟﻠﻤﺨﺪرات واملﺴﻜﺮات اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ! أﻣﺎ ﻋﻘﺒﺔ »اﻟﺘﻌﺼﺐ« ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺣﻆ اﻟﻌﺮب أن دﻳﻨَﻬﻢ وﺣﻀﺎرﺗﻬﻢ ﻇﻠﺖ ﺑﺤﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺰﻫﻮ ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻣﻢ ﺑﺘﺴﺎﻣﺤﻬﺎ ﺧﻼ ﺧﻠﻮا ﺗﺎﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺼﺐ؛ ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮت ًﺟﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻟﻢ وﻻ ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ أن ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ ﻗﺪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺣﺎﻻت ﻫﻨﺎ أو ﻫﻨﺎك، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻌﺎﻧﻲ — ﰲ وﻗﺘﻨﺎ وﺣﻴﺚ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺴﻮد روح اﻟﺤﻮار ﺑني اﻷﻃﺮاف املﺘﻌﺪدة،