لخّصلي

الثقافة مصطلح يستخدمه علماء الاجتماع للإشارة إلى طريقة الحياة الكلية لشعب من الشعوب، وقد تشير إلى ضروب النشاط في ميادين مختلفة كالفن والأدب والموسيقا، لكن العلماء اتفقوا على أن ثقافة شعب من الشعوب تشتمل على كل ما صنعه الإنسان وابتدعه من الأفكار والأشياء، وطرائق العمل فيما يصنعه ويوجده فالثقافة تشتمل على الفنون والمعتقدات والأعراف والاختراعات واللغة والتقنية والتقاليد، وغير ذلك.ويماثل مصطلح الثقافة الحضارة، غير أن مصطلح الحضارة يشير في الأغلب إلى طرائق الحياة العملية الأكثر تقدماً ، أما الثقافة فهي أي أسلوب للحياة، بسيطاً كان أو معقدًا.

وتتكون الثقافة من الطرق التي يتعلمها ويكتسبها الإنسان للعمل والشعور،والتفكير، أكثر من كونها وراثية محددة بالمقومات البيولوجية، فقد طوّر الإنسان الأدوات والوسائل التي مكنته من البقاء على قيد الحياة في البيئات الخشنةالقاسية، وقد كانت الثقافة المبكرة وسيلة لتحسين المهارة للحصول على الطعام والمأوى، والعناية بالنسل، وحظي الأسلاف بالأفضلية في الصراع من أجل البقاءلأنهم نجحوا في تطوير الأدوات والآلات وجوانب الثقافة الأخرى، ونتيجة لهذا نمت القدرة على ابتكار الثقافة من جيل إلى جيل.

23.-خصائص الثقافة:
عرّف عالم الاجتماع السير إدوارد تايلور مصطلح الثقافة في كتابه ( الثقافة البدائية ) بأنها ذلك الكلّ المعقد الذي يشتمل على المعرفة، والعقيدة، والفن والأخلاق والقانون والتقاليد، وما إلى ذلك من القدرات والعادات التي يكتسبهاالإنسان ، ويشتمل هذا التعريف على ثلاث خصائص مهمة، وهي:

1. أن الثقافة اكتساب إنساني يتم من خلال عملية تسمى التنشئة الثقافية.


2. أن الشخص يكتسب الثقافة بصفته عضواً في المجتمع، فالحياة الاجتماعية تصبح مستحيلة دون وجود التفاهم والممارسات المتبادلة التي يتشارك فيها الناس جميعاً.


3. أن الثقافة كُلٌّ معقد تتمثل وحداته فيما يسمى بالسمات الثقافية.والسمات الثقافية هي ما اشترك فيه أبناء مجتمع واحد من ممارسات تتم في مناسبات محددة كمناسبة تقديم العزاء، ما يقال فيها وما يفعل من مصافحة ومواساة، وتقديم القهوة وغيرها، ومناسبات الارتباط والزواج ( كيفية الخطبة، وما يقوم به الناس في عقد القران، وما يقدمونه من هدايا وطعام، وما يغنى من أهازيج وما يلبس من ثياب وحلي، وما إلى ذلك ) وتشكّل هذه المجموعة من الممارسات نمطاً ثقافياً محددًا.ولمعظم الجماعات الكبيرة سماتها الثقافية الخاصة التي تلائم ظروفها وحاجاتها وتؤمّن بقاءها واستمرارها، ومثل هذه المجموعة من السمات الثقافية يمكن تسميتها ثقافة.
   وانطلاقا من ذلك فإن لكل عائلة تقليدها الثقافي الخاص بها، وهو تقليد يشتمل على كثير من السمات المشتركة مع العائلات الأخرى التي تعيش في نفس المنطقة وتنتمي إلى الطبقة الاجتماعية ذاتها ، ويستخدم علماء الاجتماع مصطلح الثقافة الفرعية للإشارة إلى مجموعة السمات الثقافية التي توجد في جماعة واحدة فحسب، الأمر الذي يعني أن للكثير من الجماعات المهنية مثل جماعة الأطباء، والسائقين، والفنانين والعمال ثقافاتها الفرعية الخاصة بها، بالإضافة إلى مشاركتها أيضًا في ثقافة جماعة الأغلبية.
   ومن الصعوبة أن توجد الثقافة في مكانين في آن واحد، فأولاً لابد أن توجد في البيئة وتظهر على شكل مصنوعات فنية ( أي الأشياء التي صنعها الإنسان )، أو على شكل سلوك، وثانيا أن الثقافة تكون في داخل العقول والأذهان كمجموعة من الأفكار حتى يتيسر فهم وتقييم الأشياء وسلوك الأفراد.
   وتختلف المجتمعات في مدى انفتاحها على غيرها، أو مدى انغلاقها على نفسها، ففي هضبة التبت، وبعض الجزر الباسيفيكية، وأفريقيا مثلا توجد جماعات منغلقة على نفسها ؛ لذا فإن النتيجة الطبيعية هي بقاء تلك المجتمعات بثقافة واحدة مستمرة لا تتغير.
   ويجد الكثير من الأفراد صعوبة في تقبل الثقافات الأخرى، ويميلون بالتالي للبحث عمن يشبهونهم من الأفراد في العادات والأفكار، أي ضمن ثقافة متجانسة، ويسمى الضيق الذي يشعر به هؤلاء حين يمتزجون مع من لا يشبهونهم، وما ينتج عن ذلك من رفض الاختلاف صدمة ثقافية، وقد تزول هذه الصدمة إذا ما عايش الفرد الثقافة المغايرة فترة تكفي لفهم تلك الثقافة.

• الامتصاص الثقافي:
  إن التعايش المشار إليه يحدث على مستوى الأفراد أو الجماعات الصغيرة نسبياً التي تنتقل للعيش ضمن مجتمعات أكبر ذات ثقافة مختلفة ومهيمنة، ويؤدي هذا التعايش أحيانًا لفقدان بعض الجماعات والأفراد سماتهم الثقافية المميزة واندماجهم في الثقافة المهيمنة، وهذا ما يعنيه الامتصاص الثقافي، وما حدث للكثير من الهنود الحمر نتيجة الهجرة الأوروبية إلى أمريكا الشمالية مثال لذلك الامتصاص، وهذا ما حدث للجماعات العرقية التي دخلت الإسلام طوال التاريخ الإسلامي، وما حدث مع المسلمين الذين بقوا في الأندلس بعد انتهاء الحكم العربي في الأندلس، فقد ذابت تلك المجتمعات في الثقافة الجديدة سواء كان ذلك طوعاأوكرها

24.-التعددية الثقافية:
إن التعايش الثقافي قد لا يؤدي إلى الامتصاص، وإنما يبقى تعايشاً يحفظ فيه الكثير من السمات الثقافية للجماعات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، ويطلق على ذلك الوضع التعددية الثقافية، وتعدّ الولايات المتحدة الأمريكية مثالاً واضحاً لتلك التعددية، فعلى المستوى اللغوي لم يؤدِ انتشار الإنجليزية إلى القضاء على اللغات الخاصة بالأقليات كالعربية والإسبانية والصينية وغيرها، كماأن الأقليات احتفظت بكثير من خصائصها الثقافية كالعقيدة الدينية، وأنواع الطعام والاحتفالات الوطنية.
-كيف تتماثل الثقافات؟
لكل الثقافات ملامح تنتج من الحاجات الأساسية التي يتشارك فيها الناس جميعا فلكل ثقافة طرقها للحصول على الطعام والمأوى، ولها وسائلها المنظمة في الحكم وفض المنازعات والعلاقات العائلية، وأشكال التعبير الفني، كالنحت ، والنقش والأدب، ولكل ثقافة نمط أو نوع من المعرفة العلمية، وقد تكون هذه المعرفة تراثاً شعبيا، أو علماً بالغ التطور.
كيف تختلف الثقافات؟
تختلف الثقافات في دقائقها وتفاصيلها من منطقة لأخرى، ومثال ذلك أن الأكل حاجة بيولوجية، ولكن ماذا يأكل الناس؟ وكيف يأكلون؟ ومتى يأكلون؟ وكيف يطهون طعامهم ويعدونه ؟ كلها أمور تختلف من ثقافة إلى أخرى، ويسمى الإقليم الذي يشترك فيه الناس في عدد كبير من السمات والأنماط الثقافية منطقة ثقافية. وللاختلافات البيئية دور في الاختلافات الثقافية، فالعوامل المختلفة مثل المناخ وأشكال الأرض، والموارد المعدنية، والنباتات الطبيعية، والحيوانات، تؤثر جميعًا في الثقافة، فمعظم الناس في المناطق الحارة مثلاً يلبسون الملابس الفضفاضة، التي تتكون من قطعة طويلة أو أكثر من قماش يلتفّ حول الجسم، بينما يرتدي الناس الذين يعيشون في المناطق الباردة ملابس مخيطة بعد تفصيلها لتناسب الجسم؛ لأن الملابس المخيطة تعطي قدرًا من الحرارة أكثر من الأغطية المسدلة. إن الناس عامة يشعرون بأنهم أكثر ارتياحاً وهم داخل ثقافتهم الخاصة، كما يفضلون صحبة من يشاركونهم ثقافتهم.