لخّصلي

الفصل الثاني النظم القانونية الجزائرية

الجزائر جزء لا يتجزأ من بلاد المغرب وهو إحدى مراكز الإشعاع الحضاري في عصور ما قبل التاريخ، حيث

اثبت الدراسات التاريخية وجود حضارات أصيلة بالمنطقة .

واسم الجزائر اسم حديث على أراضي هامة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، سماها الفنقيون جزائر البحر نسبة إلى الجزر الصغيرة التي كانت موجودة آنذاك ثم أطلق عليها اليونانيون اسم "ايكوسيوم" أي ذات العشرين ومن ثم اسم نوميديا " في عهد الاحتلال الرومانيو من بعدها المغرب المتوسط" في عهد الفتوحات الإسلامية، ولم تعرف البلاد بهذه المساحة إلا بعد استرجاع السيادة الوطنية وتحديد مختلف الحدود البرية أخرها سنة

1983 مع النيجر.

تاريخ الجزائر جزء لا يتجزأ من تاريخ المغرب العربي الكبير والحضارة الإسلامية، إلا أنها انفردت بذاتيتها

الخاصة في فترات متعددة سواء كان ذلك في العهود القديمة (مبحث أول أو خلال العهد العثماني (مبحث ثاني)

وبالأساس أثناء الاحتلال الفرنسي (مبحث ثالث وبعد الاستقلال (مبحث رابع).

المبحث الأول: النظم القانونية الجزائرية في العهود القديمة و الفتح الاسلامي

تتطابق أغلب المراجع المتوفرة على أن أرض الجزائر كانت مأهولة منذ العصر الحجري، بأقوام من العنصر البربري، ويتسم نظام الأمازيغ بنظام العائلة والقبيلة. ويعتبر الأمازيغيين قوم أشراف وسادة أحرار لا يتحملون الخضوع لسلطان ولا يخضعون إلا للقوة المطلب الأول، إلا أنهم تأقلموا مع ما تطلبته الشريعة الاسلامية وتعايشوا

معهم المطلب الثاني).

المطلب الأول: النظم القانونية الجزائرية في العهود القديمة

الدراسة النظم القانونية العامة للجزائر القديمة من الضروري الحديث عن نظام الحكم (الفرع الأول)، والنظام

الاجتماعي والقضائي الفرع الثاني).

الفرع الأول - نظام الحكم:

ربط الفينيقيون شمال إفريقيا بباقي دول العالم وخاصة بالشام نظرا لقوتهم التجارية وفرضوا نفوذهم، فكانت

الإدارة البربرية تحت حماية قرطاجة.

دخلت قرطاجة في حروب مع الرومان وعرفت بالحروب اليونية، لعب الأمازيغ دورا حاسما فيها فأخذوا يشعرون بضرورة الاستقلال الوطني فمن أمراءها من حاول أن يحصل على الاستقلال بواسطة دعم ومساندةقرطاجة "سيفاكس" ومنهم من حاول الحصول على ذلك بطلب إعانة روما مثل الملك "ماسينيسا"، ما أدى إلى ظهور المماليك النوميدي، بعدها تم توحيد المملكتين من قبل الملك سيفاكس، ثم ماسينيسا ثم الملك يوغرطة وأصبحت تسمى المملكة التوميدية، حارب الملك يوغرطة أطماع روما بشراسة رافعا شعار "نوميديا للتوميديين" وشعار " مدينة روما للبيع لمن يشتريها"، ألحق الملك يوغرطة الهزيمة بالرومان عدة مرات، لكن غدر صهره "بوكوس" أدى إلى سقوط مشروع استقلال الدولة النوميدية واسترجع الرومان أقاليمها.

انغمس الزمان في الترف والملذات فشنت الوندال هجوم مدمر عام 429 وقضوا على بقايا الرومان في الجزائر، وبعد قرابة 95 عاما، أرسل بيزنطة إمبراطورية الرومان الشرقية أسطولا بحريا لاسترجاع مماليك شمال

إفريقيا التي خرجت عن روما، فاحتل قرطاج ونسفت سلطة الوندال.

لم يتقبل النوميديون الوجود الأجنبي في بلادهم ورفضوا الاندماج والانصهار فقاوموا الرومان وسياستهم وحاربوا الوندال والبزنطيين، فلم تنقطع ثوراتهم ومقاوماتهم من أبرز القادة (تكفاريناس، فيرموس،...).

الفرع الثاني: النظام الاجتماعي والقضائي للجزائر في العهود القديمة

سنفصل في النظام الاجتماعي (أولا) ومن ثم النظام القضائي (ثانيا).

أولا - النظام الاجتماعي للجزائر في العهود القديمة

يتشكل المجتمع الجزائري في العهود القديمة من قبائل (1) و ودواوير (2) عروش (3) و عائلات (4). 1 - القبيلة : تتكون من عدة عائلات ذات جد واحد يرأسها كبير القبيلة ويسمى شيخ القبيلة ، يتم

استشارته في كل الأمور. 2- الدوار : يتكون من مجوعة من القبائل المتجاورة التي تجمعها رابطة الانتماء والنسب والمصالح المشتركة

، يترأسها أكبر و أفضل رجالها. 3- العرش وهي مجموعة من الدواوير برأسه كبير العرش و يتمتع بصلاحيات واسعة جدا كتمثيل العرش

والتحدث باسمه وغيرها من المهام اليومية كتنظيم مواعيد السقي و أماكن الكلا.

4- العائلة وهي اصغر وحدة تتكون من الأزواج وأبنائهم تقوم على سيادة الرجل الذي عليه الزواج

باكرا للاك ثار من الأولاد لمساعدته في أعباء الحياة.

ثانيا - النظام القضائي للجزائر في العهود القديمةتميز النظام القضائي للجزائر في العهود القديمة بالبساطة نظرا لقلة المشاكل ، فكان النزاع أما عائلي ويتم حله على مستوى نفس العائلة، وأما بين عائلتين فينظر فيه شيخ القبيلة، و إذا كان على مستوى عشيرتين فينظر

فيها مجلس الجماعة برئاسة "كبير" الدوار" و الذي يتكون من رؤساء ومشايخ العشيرتين فإذا لم يتولوا إلى حل النزاع ينظر فيه مجلس العرش.

بتطور المجتمع الجزائري القديم تم إنشاء ما سمي بالمجلس الأعلى يجمع فيه ممثلي كل القبائل ويتمتع بالعديد

من الاختصاصات منها الفصل في النزاعات وباحتكاك البربر بالقرطاجيين تم تنظيم المجال القضائي وتعيين متخصصين في المجال عرفوا ب "الاشفاط" يتولون مهمة فض النزاعات، و يطبقون عادات وأعراف المتفق عليها بين

القبائل، يتم استئناف الأحكام الصادرة من الاشفاط إلى مجلس الجماعة الذي احتفظ بحق النظر في النزاعات

القائمة بين القبائل والاشفاط .

المطلب الثاني: النظم القانونية الجزائرية في ظل الفتح الإسلامي

قبل الحديث عن أشهر الدول الإسلامية الجزائرية من الضروري الحديث عن مقاومة الفتح الإسلامي (الفرع

الأول) و من ثم نظام الحكم باختلاف المدن الإسلامية التي تم إنشاءها الفرع الثاني).

الفرع الأول: مقاومة الفتح الإسلامي للجزائر

انطلقت الفتوحات الإسلامية من مصر نحو بلاد المغرب من أجل نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف فبعدما تمكن المسلمون من فتح كل من ليبيا وتونس واصلوا الطريق نحو المغرب الأوسط (الجزائر) بعد أن أسس

عقبة بن نافع مدينة القيروان بتونس الحالية وجعلها معسكرا للإسلام إلى آخر الدهر. بعد عودة الفاتح عقبة بن نافع من المغرب الأقصى عبر جبال الأطلس الصحراوي استشهد ومن معه بمدينة

تهودة قرب بسكرة على يد الأمير كسيلة، فدفن ومن معه في نفس المنطقة وأقيم على ضريحه المسجد الجامع وسميت المدينة باسمه سيدي عقبة.

تمكن كسيلة من القضاء على باقي جيوش الفاتحين والإستيلاء على مدينة القيروان. ولم يسكت العرب فأعادوا الكرة ،

حيث انطلق زهير بن قيس البلوي (69) هـ / 688م) من برقة للثأر لعقبة بن نافع وقتل كسيلة في

معركة ممجلس بالقرب من القيروان، واسترجعت من قبل الجيوش الإسلامية.

بقيت قرطاجة البزنطية مركز التحدي للقيروان وللنفوذ العربي والإسلامي، إلى أن ولي حسان بن نعمان واليا على إفريقيا، فقضى من الاستعمار البيزنطي في المغرب الأوسط وقاومته الكاهنة التي تزعمت المقاومة بعد

وفاة كسيلة، وبوفاتها انتهت المقاومة الأمازيغية.
وبدأ الأمازيغ يدركون أن الفتوحات الإسلامية ليس لها أهداف استعمارية مثل الرومان والوندال والبيزنطيين،

فاعتنقوا الإسلام وتحملوا مهمة نشره عبر الأندلس والصحراء الإفريقية.

الفرع الثاني: أشهر الدول الإسلامية التي تم تأسيسها

1 - الدولة الرستمية تم تأسيس أول دولة إسلامية امازيغية بالمغرب الأوسط وهي الدولة الرستمية عاصمتها تيهرت (تيارت) على يد عبد الرحمان بن رستم سنة 776 هـ وسقطت على يد الفاطميين عام

909 ، كان نظام الحكم فيها شوريا، يلقب الحاكم بالإمام وهي عاصمته للعلم والثقافة والفكر.

2 - الدولة الفاطمية (فاطمة بنت الرسول: أول دولة إسلامية وحدت دول المغرب والمشرق الإسلامي

تأسست عام 909م، على يد عبيد الله المهدي، يلقب الحاكم فيها بالخليفة وكان نظام الحكم فيها وراثي، تبنت نظام غير مركزي في تسيير الأقاليم مما ساعد على انفصال دول المغرب وانتهى حكم الفاطميين سنة 996 بظهور

الدولة الحمادية.

3 - الدولة الحمادية وهي ثاني دولة بالمغرب الأوسط، انفصلت عن الخلافة بالمشرق بعد الدولة الرستمية وتأسست عام 1007 على يد حماد بن بلكين بن زيري الصنهاجي عاصمتها قلعة بن حماد، كان الحاكم يلقب

بالأمير والحكم وراثي وسقطت على يد الدولة الموحدية. 4- دولة الموحديين: تأسست عام 1121 على يد محمد بن تومرت عاصمتها مراكش وانتهى

حكمهم عام 1269 بظهور الدولة الزيانية. 5- الدولة الزيانية تأسست عام 1235 على يد يغمراسن بن زياد عاصمتها تلمسان، وانتهى الحكم

بظهور الدولة الجزائرية الحديثة.

المبحث الثاني : الجزائر في ظل الحكم العثماني

بعدما تمكن الإسبان من القضاء على الإمارات الإسلامية في الأندلس 1492، لاحقوا المسلمين إلى

سواحل المغرب العربي واحتلوا جل المدن الساحلية المرسى الكبير -1505 - وهران 1509 والجزائر 1910...)

استنجدت الدولة الزيانية ببحارة مسلمين أقوياء وهم الإخوة بربروس عروج وخير الدين) ومنذ 1519 تحول اسم

المنطقة من المغرب الأوسط إلى الجزائر وأصبحت مقر لدار السلطان، وأصبحت الجزائر يحسب لها ألف حساب

على المستوى الدولي، حيث توحدت البلاد جغرافيا وسياسيا وعسكريا بعدما كانت موحدة روحيا فكريا وقد ادى

الشعور بالخطر و الحروب ضد العدو المشترك الى ظهور الضمير الوطني الجزائري الذي اكتسب صلابة مع مرور

الزمن. الفرع الأول : نظام الحكم في العهد العثماني

تعاقبت عدة أنظمة سياسية وإدارية على البلاد منذ بداية العهد العثماني بالجزائر وهي:

أولا - عهد الباي لَرْبَايَات (1519-1588م)

صراع الرياس الإنكشاريين تم خلالها إلحاق الجزائر بالخلافة العثمانية والقضاء على الحروب والفتن الداخلية

بفضل جهود الأخوين عروج وخير الدين، وانتهت بتنحية محمد باشا.

ثانيا - عهد الباشوات (1588-1659)

تمتاز بتحديد نظام الحكم بثلاث سنوات لمنع حدوث التمرد (حاول الإنكشاريون الوصول إلى الحكم).

ثالثا عهد الأغوات (1659-1671)

عرفت الجزائر أثناء هذا الحكم اضطرابا وفوضى فكثرت الاغتيالات والتآمر ضد الحكام، في الوقت الذي

كانت فيه أساطيل أوروبا فارضة سيطرتها على البحر المتوسط.

رابعا عهد الدايات (1671-1830)

عرف نظام الدايات استقرارا نسبيا، فقضى على العجز المالي وتميزت هذه الفترة بالاستغلال الفعلي للجزائر

من الدولة العثمانية فيما يتعلق بعقد الاتفاقيات الدولية استقبال البعثات الدبلوماسية، لكن جيوشها (الجزائر،

الدولة العثمانية) يتعاونون في حالة الحرب (معركة نافرين (1827).

الفرع الثاني النظام الإداري للجزائر في العهد العثماني:

عرفت الإدارة العثمانية في الجزائر نوعين من الإدارة و هما المركزية (أولا) و الإدارة الإقليمية (ثانيا).

أولا : الإدارة المركزية

يترأسها الباي ويساعده ديوان خاص يتشكل من موظفين ساميين أهمهم:

الأغا: قائد القوات البرية الخزناجي: وزير المالية، ضابط حسابات الدولة المزوار تطبيق العقوبات الجسدية

والسهر على أمن الشوارع.

الديوان: فهو مقسم إلى نوعين الديوان الكبير وهو مكلف بأمور الجيش المال التشريع، تعيين الحاكم و الديوان الخاص مهامه تنفيذية يجتمع ثلاث مرات في الأسبوع.

ثانيا - الإدارة الإقليمية

قسمت الجزائر في العهد العثماني إلى أربعة أقاليم لكل منها قوة عسكرية خاصة بها بايليك الجزائر (دار السلطان وتشمل مناطق تابعة مباشرة للداي وهي الجزائر العاصمة البليدة ، القليعة،

شرشال، دلس

بايلك الشرق : يشمل قسنطينة وضواحيها ، بايلك الغرب: مازونة ثم معسكر وأخيرا عمران

• بايلك التيطري يشمل المدية وما جوارها.

كان لكل بايليك قوة عسكرية قوية ، و تعتبر وهران منطقة عسكرية قوية و يعود ذلك إلى كثرة الهجومات

الصليبية عليها، مما جعل من الضروري ان تتمركز فيها قوة عسكرية بحرية ضخمة، في حين كان بايليك قسنطينة

ضعيفا في العدة والعتاد بسبب كثرة التمردات من شيوخ وأمراء القبائل في المناطق المجاورة.

الفرع الثالث النظام القضائي للجزائر في العهد العثماني:

عرف النظام القضائي العثماني في الجزائر ثلاث أنواع من القضاء إلى جانب ما يعرف بنظام المصلح وهما القضاء

المدني (أولا) القضاء الجزائي (ثانيا)، بالإضافة إلى القضاء العسكري (ثالثا).

أولا القضاء المدني:

يعينه الداي للعاصمة والباي في الأقاليم، يساعده في مهامه الباشا عدل وموظفون، به اختصاص شامل على كل النزاعات وأي كان المدعي أو المدعى عليه، يعقد جلساته في الأماكن العمومية، ترتكز وسائل الإثبات على الشهادة والقسم ولم تكن للأحكام حجية الشيء المقضي فيه، إلا أن له بعض المبادئ الأساسية أهمها مبدأ

الوجاهة، حيث كان القاضي يأمر بإحضار الخصم الغائب السماعه..

يتم الطعن في الأحكام أولا أمام القاضي الذي أصدرها، ثم أمام الداي أو الباي الذي يستشروا مجلس المناظرة المتكون من فقهاء المذاهب الأربعة ومجموعة من القضاة وأخرى من العدول ، ولا يحكم المجلس بل يعطي رأيه في مدى تطبيق القاضي لقواعد الشريعة الإسلامية فان لم يكن يعيد له القضية لتطبيق توجيهات المجلس.

ثانيا - القضاء الجزائي:

يتولاه الداي في العاصمة بمساعدة أعضاء ديوانه، ويمكن لنا تقسيم الجرائم إلى نوعين الخطيرة التي يكون

الحكم فيها بالإعدام وتشمل خاصة القتل الاغتصاب وخيانة الأمانة.

أما الجرائم البسيطة فهي التي عادة ما تكون بسيطة وعقوباتها الغرامة الضرب على بطن القدمين، الحبس التي كانت تطبق كثيرا بالإضافة إلى الأعمال الشاقة وتطبق عقوبة نصف الحر بالنسبة للعبيد فلا تقطع يده في

جريمة السرقة و إنما يضرب على قدميه. ثالثا - القضاء العسكري:

امتاز النظام القضائي العثماني في الجزائر بانفراد الجيش و العسكر بقضاء خاص ومحكمة خاصة بهم ، حيث كان العسكر يعاقب على العديد من الجرائم لاسيما مخالفة الأوامر والخيانة، التمرد وتدبير الاغتيالات

والانقلابات العسكرية.

يعود اختصاص الفصل في هذه القضايا للداي في العاصمة نظرا لخطورتها على المصلحة العامة، وبالتالي كان للعسكر محكمة خاصة وقوانين متميزة ولا تتم محاكمتهم أمام الشعب، وكان كل قضاة العسكر من الأتراك

فقط

كانت للقاضي العثماني العديد من الصلاحيات لاسيما في المجال السياسي الاجتماعي والاقتصادي، وله

عدة واجبات تندرج ضمن فئاتهم ومراتبهم المختلفة.