لخّصلي

القانون فوق الجميع ويطبق على الكل على حد سواء ودون تمييز.. تلك العبارة هي حال لسان الجهات القضائية والتنفيذية بالدولة؛ للتعبير عن خضوع كافة فئات المجتمع للقانون وتطبيقه علىي الجميع دون استثناء.

ولكن تلك القناعة المتوافرة لدى تلك الجهات والعديد من المواطنين تصطدم أحيانًا، بل قد يكون غالبًا، بأن القانون لا يطبق على الجميع بنفس الدرجة والشدة، وهو الأمر الذي يعني كسر هيبة القانون على المجتمع؛ لكونه تقويضًا مدمرًا للأسس التي يقوم عليها البنيان السليم للدولة ومتطلبات الحكم الرشيد، وبالتالي يجب على الدولة ممثلة في الحكومة أن تلتزم بالقوانين وتطبيقها من أجل إرساء مبدأ المساواة، ولكن الواقع عكس ذلك؛ حيث إن أول من يخالف القوانين ويلقي بها عرض الحائط الحكومة نفسها، حين يتعارض الأمر مع مصلحتها، فتحاول تجميل الأمر بالحديث عن المصلحة العليا للدولة، وهو شعار آخر سياسي أكثر منه واقعيًّا، فلا أحد يتحدث عن الروابط والضوابط التي تحدد ماهية المصلحة العليا للدولة، فمتى شعر النظام بالخطر على بقائه في الحكم، يبدأ في استصدار القوانين الاستثنائية التي تخدم مصالحه كقانون الطوارئ الذي كان يحكم مصر طوال العقود الماضية، بالإضافة إلى الإعلان الدستوري من جانب المعزول محمد مرسي في نوفمبر 2012 والذي يقضي بمنع حل الجمعية التأسيسية، ويحصن قرارات رئيس الجمهورية، ويجعلها نهائية ونافذة، ولا يمكن وقف تنفيذها أمام أي جهة قضائية، ويقضي بإعادة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ورموز نظامه، بتهم قتل الثوار وإفساد الحياة السياسية، وهو مخالفة صريحة للقانون، ولكن من أجل حماية نظامه أصدر ذلك الإعلان.

وعلى الجانب الآخر فإن الحكومة الحالية استصدرت العديد من القوانين المخالفة لنصوص الدستور كما هو الحال في قانون التظاهر الذي يقيد الحريات والتعبير، فحين تتحدث عن حرية التعبير وضرورة إبداء الرأي، خاصة بعد ثورة يناير، تجد من يفند الأمر ويعلق مصلحة الدولة العليا ومواجهة الإرهاب وما إلى ذلك.

أما من الناحية التشريعية فتجد الجهات المسئولة عن تشريع القوانين كمجلس النواب دائمًا ما تعطي لنفسها الأفضلية والتمييز عن باقي المجتمع، فحين تتحدث عن عضو البرلمان تجد الحصانة، والتي من المفترض تقنينها لحماية أعضاء المجلس داخل البرلمان أثناء الإدلاء بآرائهم للتعبير عنها بحرية وعدم الخوف من الملاحقة القضائية أو الجنائية من جانب النظام، إلا أن الحقيقة أنه لا تستخدم سوى خارج المجلس في المصالح الخاصة والشخصية لهؤلاء الأعضاء، وبالتالي فإن المشرع الذي يضع القوانين يميز نفسه لأجل المصالح الخاصة، فكيف به أن يطالب بالمساواة في تطبيق القوانين على الجميع؟ وهل يقصد بالجميع كافة الفئات بالمجتمع دونه؟!

يقول الحقوقي محمد زارع، رئيس المظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن شعار القانون فوق الجميع نظريًّا صحيح، فالكل يجب أن يخضع للقانون وبصورة متساوية دون تمييز، غير أن الواقع مغاير تماماً لذلك، فبعض الشخصيات لديها شبكة علاقات أقوى من القانون، والآخر لديه المعرفة التامة بثغرات القانون التي يستطيع من خلالها التحايل عليه والوصول لمبتغاه.

وأوضح زارع أن الدولة تدور في دائرة مغلقة، فأصحاب النفوذ المتمتعون بالقدرات التي تمكنهم من الوصول للحكم هم من يصدرون القوانين التي تتناسب مع مصالحهم الخاصة، وعامة الشعب من البسطاء والفقراء هم من يطبق عليهم تلك القوانين دون غيرهم، موضحاً أن الجميع يتحمل المسئولية من المشرع الذي يستغل سلطته في استصدار القوانين لللسلطة التنفيذية للمواطن الذي يقبل بالخنوع والخضوع للقوانين “التفصيل” التي تناسب أصحاب النفوذ والسلطة.

وأكد زارع أن الحل الأمثل للتصدي لتلك الظاهرة هو بناء دولة المؤسسات لترسيخ الفكر الديمقراطي والعدالة الاجتماعية الحقيقية، فعلى الرغم من وجود قوى بالمجتمع أقوى من المؤسسات الحالية هي المسئولة عن تعطيل استصدار القوانين للحفاظ على مصالحها، إلا أن تعديل تلك المؤسسات بما يلائم مقتضيات المرحلة الحالية ينهي تلك السيطرة.