لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (41%)

فقد انعكس هذا التحول عملياً على الدراسات الأنثروبولوجية والثقافية عامة، ودراسات التعددية الثقافية خاصة. فالأخيرة كانت حتى الحرب العالمية الثانية امتداداً للدراسات الأنثروبولوجية والثقافية، وذلك لأن كلا النوعين من الدراسات يعمد إلى جعل الثقافة بمثابة المحور الرئيسي للاهتمام والتركيز، ليتم من خلاله تحليل وفهم تطور الجماعات وسلوكها وهوياتها ومطالبها، فضلاً على العلاقات في ما بينها، بحيث إن هذا التركيز اشتمل على كل من المستوى الكلي للثقافة ومستواها الجزئي أي الصعيد الداخلي لكل ثقافة، بيد أن ذلك لم يحدث إلا بعد الحرب العالمية الثانية. ففي أعقاب أربعينيات القرن العشرين تهاوى العمل في حقل الثقافة داخل المجتمع الأكاديمي، بحيث اتجه علماء الاجتماع بصورة متزايدة صوب إيلاء التركيز على العامل الثقافي لتفسير عمليات التحديث والدمقرطة السياسية وسلوك الجماعات الإثنية والانحيازات والصراعات بين الدول. لقد شمل ذلك الانخفاض في مستوى الاهتمام بالثقافة الحقل السياسي أيضاً، ولا سيما في مجال العلاقات الإثنية الثقافية، وستختفي تدريجياً بفعل التحديث. ولهذا كانت نتاجات تلك الدراسات المعنية قليلة الأهمية، إلى جانب قلة عدد العاملين في هذا المجال خلال الفترة المحصورة بين الأربعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين ولو أمعنا النظر في طبيعة ذلك التحول النوعي في الدراسات الثقافية منذ أواخر الثمانينيات، فإننا سنكتشف أن الانتقال الذي شهدته هذه الدراسات من وإنما نجم بفعل الدعم الرسمي الذي تلقته ضمن إطار المنافسة الدولية على المصالح، سواء على صعيد الباحثين أو على صعيد تلك المكونات أنفسها. أما دراسات كل من حالة الأمريكيين السود، وحالة أقلية الشيكانو (Chicano) اللاتينية مثلاً، فقد برزتا نتيجة لازدياد وعي الباحثين والدارسين أنفسهم بمكانتهم ضمن المكونات الاجتماعية والسياسية لحركة الحقوق المدنية والحركة المناهضة للحرب خلال عقد الستينيات فإن هذه الدراسات تعد من قبيل المحاولات الرامية إلى فهم الذات وتشخيص الداء بغية تحديد الدواء. أما دراسة الثقافات فهي تهدف إلى فهم الآخر من أجل حكمه والهيمنة على مقدراته. قيام الكونغرس الأمريكي في عام ۱۹۷۲ بإصدار قانون يسمح بإجراء دراسات الموروث الإثني للأقليات. وبموجب ذلك تم توفير التمويل الفدرالي اللازم الحكومات الولايات الأمريكية ورب سائل يسأل: ما الذي حمل دراسات التعددية الثقافية على الذيوع والانتشار بصورة متزايدة منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين؟ وذلك بفعل تفاعلها وامتزاجها بطروحات النسبية الثقافية ونظرية ما بعد الحداثة . فقد نهلت من النسبية الثقافية فكرة النسبية في التعامل مع الثقافات، ووفقاً لمعايير تلك الثقافة بذاتها، لا المعايير الخاصة بثقافة أخرى. إذ لا يمكن تقييمه من قبل الذين لا ينتمون إلى الثقافة نفسها سواء أكانت من الأكثرية أم من الأقلية. ومن ثم، أي التمركز حول الذات الغربية، ويرتكز مبدأها الأساسي على فكرة التحول الاجتماعي، أي بمعنى أن المجتمعات الحديثة كانت ترى من زاوية كونها قد شيدت بواسطة التصنيع والتضامن الطبقي (Class Solidarity)، فهي مجتمعات معلوماتية (Information Societies)، سواء من المنادين بها أو المعارضين لاتجاهاتها، باعتبارها ادعاء ينم عن تكبر وغطرسة المكتسبة وتركيزها على المساواة الثقافية بتأثير نظرية ما بعد الحداثة، بل استقت منها أيضاً فكرة نقد الذات، والشعور القومي للأكثرية، والمواطنة والحقوق الفردية. إذ إن دعاة التعددية الثقافية، مثلاً، على أنه يمثل مشكلة في حد ذاتها. فالمشكلة ليست في وجود الفوارق بل تكمن المشكلة في التعامل مع هذه الفوارق بازدراء، كما ترفض الاعتراف باختلافهم أو تقلل من قيمته، وفقاً لتعبير آدم كوبر (Adam Kuper) المتحدة وأوروبا واليونان القديمة، وتبعاً لذلك، حيث إن الفلسفة الأوروبية الغربية تظهر ذاتها بمظهر العالمية (Universal). فإن نتيجة الاندماج ستعبر بصورة غير مباشرة عن أن الفلسفة الأوروبية الغربية نفسها هي ذات طابع محلي وليست ذات طابع عالمي، شأنها في ذلك شأن الفلسفات الأخرى ومن أبرز دعاة هذا الاتجاه الفلسفي كل من جيمس ستيريا James) فهم . Scott Pratt( وسكوت برات ، أما على الصعيد التربوي، وهي تبني إسهامات الشعوب غير الأوروبية في تاريخ الولايات المتحدة، لكي تعكس تنوع المجتمع الأمريكي وتطور وعي الدارسين وتقديرهم للتأثير الذي مارسته الحضارات غير الأوروبية في الثقافة الأمريكية، ومن ثم يغدو الهدف من هذا التوجه متمثلاً في توسيع نطاق الهوية الأمريكية، وذلك من خلال التسليم بفكرة أن الجماعات المحرومة هي مكونات اجتماعية متممة للكل الأمريكي، وجامعة ستانفورد وبصورة عامة تتراوح المقترحات المقدمة لإجراء هذا التغيير في مناهج التعليم الجامعي تحديداً، إما بإلزام الدارسين بأخذ فصول دراسية في مجالي الدراسة وذلك ، Non-western Study( والدراسة غير الغربية )Women's Study( النسوية باعتبارهما جزءاً من متطلبات نيل الشهادة الجامعية، وإما باستبعاد كل من مادتي التاريخ والثقافة الغربية من المتطلبات الأساسية للمنهاج المقرر وفي ضوء ما تقدم، وذلك في محاولة من دعاة التعددية الثقافية لإحداث تغييرات عميقة في طريقة تفكير المجتمعات الغربية وتعاملها مع الأقليات القومية والإثنية والدينية، ثم تحويل طروحات المساواة الثقافية والنسبية الثقافية والحقوق الجماعية وغيرها إلى فلسفة عامة لهذه المجتمعات لتنعكس محتوياتها الفكرية على صعيد الحياة اليومية، أي بمعنى أن تصبح التعددية الثقافية بذاتها طريقة للحياة والتفكير، وإنما تبلور في مرحلة التراجع والكمون التي دخلتها التعددية الثقافية حتى ثمانينيات القرن العشرين، المجتمعاتية تشمل هذه المرحلة الفترة السابقة لعام ۱۹۸۹ ، حيث اعتقدت القلة القليلة من المنظرين الذين ناقشوا موضوع التعددية الثقافية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين أن هذا الموضوع هو في الجوهر انعكاس للجدل الدائر ما بين الليبراليين والمجتمعاتيين، وقد دار النقاش حول مسألة أولوية الحرية الفردية وأيهما يحظى بالأولوية، وأنها بمثابة انحراف خطير عن الاهتمام القويم بالفرد اعتقد دعاة المجتمعاتية بالمقابل أن التعددية الثقافية هي الطريقة المناسبة الحماية المجتمعات (Communities) من تأثير الاستقلالية الفردية التي تسببت في تفتيت المجتمع وتفكيك أواصره، ومن ثم فهم يشددون على قيمة المجتمع (Community) وأهميته، وتبعاً للمنظور المجتمعاتي، فإن الأقليات الإثنية الثقافية خصوصاً تستحق الحماية لأنها معرضة للخطر، ذلك لأن هذه الأقليات، واستطاعت المحافظة على نمط جماعي متماسك في الحياة ( وقد ازداد فيها الوعي بحقيقة أن نقاش المرحلة الأولى لا يجدي نفعاً في وضع تصور مجد المعظم مطالب التعددية الثقافية في الديمقراطيات الغربية، إذ إن معظم الجماعات الإثنية الثقافية تريد أن تغدو بمثابة شركاء متساوين بصورة كاملة للأكثرية في المجتمعات الليبرالية الحديثة، ويصدق ذلك على الجماعات المهاجرة التي تسعى إلى الانضمام والمشاركة التامة في الثقافات السائدة في تلك المجتمعات، ذلك لأن البعض من أفرادها فحسب لا أغلبيتهم، وتأسيساً على ذلك، فإن النقاش الدائر في هذه المرحلة لم يكن غالباً نقاشاً ما بين الأكثرية الليبرالية والأقليات المجتمعاتية، بل إنه جدال بين الليبراليين أنفسهم حول معنى الليبرالية بعبارة أخرى، بيد أنهم يختلفون على تفسير تلك الأسس الليبرالية في المجتمعات المتعددة الإثنية، ولا سيما بخصوص الدور المناسب للغة والقومية والهويات الإثنية في تلك المجتمعات. ومن ثم، فإن التساؤلات التي دار حولها النقاش في هذه المرحلة متمثلة في الآتي : هل تحتاج الأقليات إلى حقوق الأقلية، فلماذا يريد أعضاؤها نيل هذه الحقوق؟ ولماذا لا يكتفون بالحقوق التقليدية للمواطنة؟ ومن أبرز مفكري هذه المرحلة كل من جوزیف راز (Joseph Raz)، وديفيد ميلر (David Miller)، وجيف سبينر (Jeff Spinner)، سواء في الاستمرار بممارسته في حياتهم الخاصة أو عدم ممارسته، بحيث لا تدخل الثقافة في اهتمامات الدولة ما دام الأفراد يحترمون حقوق بعضهم البعض. أي بمعنى أنها قد دشنت عملية تعزيز لغة مشتركة وإحساس مشترك بالانتماء إلى المؤسسات الاجتماعية القائمة على أساس تلك اللغة، فضلاً على اعتمادها المساواة في الوصول إلى تلك المؤسسات والهدف من كل ذلك هو انشر ثقافة معينة في المجتمع بأسره، وتعزيز هوية قومية معينة قائمة على أساس المشاركة في هذه الثقافة المجتمعية . ونتيجة لذلك، وبناء عليه، ففي هذه المرحلة الثالثة من النقاش الفكري حول التعددية الثقافية أصبح وتأسيساً على ما تقدم، ومنذ مرحلته الأولى، لأن المجتمعاتية هي في الجوهر اتجاه ليبرالي ناقد لليبرالية الفردية التي تمثل الاتجاه المهيمن في الفكر الليبرالي المعاصر، إلا أن ما يميز هذه الاتجاهات الجديدة هو تركيزها على أهمية الجماعات والولاءات الجماعية، فضلاً على نقدها الحاد لليبرالية الفردية وأسسها الفكرية. إضافة إلى ذلك، وذلك من خلال إيلاء الاهتمام بالجماعة واعتبارها صاحبة المقام الأعلى مقارنة بالفرد، لا الفرد وحسب، أما منذ تسعينيات القرن العشرين فيدور الجدال الفكري حول إعادة تقييم مشروع بناء الدولة - الأمة والكيفية التي يجب أن تتعامل بموجبها هذه الدولة مع الأقليات وأساس ذلك هو أن المساواة والحرية على المستوى الفردي لم تعودا كافيتين لإرضاء مطالب الأقليات، ومشروع بناء الدولة – الأمة بصورة عامة. سنجد أن الأمر في جله لا يخرج عن الجدال حول العدالة وكيفية تحقيقها عملياً، بمعنى أن دعاة التعددية الثقافية إنما يحاولون توسيع نطاق العدالة ليشمل المستوى الجماعي أيضاً إلى جانب مستواها الفردي، بخلاف الحال مع أنصار الليبرالية الفردية الذين يفضلون بقاءها محصورة في النطاق الفردي. سواء من حيث مضامينه أو من حيث كيفية تحقيقه، سيكون مدار اهتمامنا في الفصل الثاني. غير أنه من المهم الإشارة هنا إلى كون التركيز على فكرة العدالة في مستواها الجماعي بديلاً من العدالة في مستواها الفردي، وذلك لعدم قدرتها على الانسجام مع التنوع الثقافي الذي تتميز بها المجتمعات الغربية، أليس هناك من سبيل إلى معرفة ماهية العلاقة ما بين التعددية الثقافية والليبرالية ؟ في سياق تبيان طبيعة العلاقة بين التعددية الثقافية والليبرالية، نجد أنهما ترتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً وثيقاً ومعقداً، إذ إن كلتيهما تتقبلان فكرة كوننا نعيش في مجتمع متنوع، وأنه ليس هناك من سبيل واحد ليعيش المرء حياته، فلا توجد هناك من وسائل وآليات لإقناع الآخرين بضرورة انتهاج هذا السبيل في الحياة، ومن ثم، فإن التنوع الثقافي هو في حقيقته تعبير عن التعددية في سبل الحياة، فإن الانتماء والولاء للدولة حينئذ يفهم ببساطة على أنه الرضا أو التقبل لفكرة عدم فرض مفهومنا لـ «الخير» على أما إذا كان المقصود بالتعددية متمثلاً في أنها النتيجة الطبيعية لممارسة الإنسان لحريته، وفي ضوء ذلك، يمكن أن نلاحظ صدقية الفكرة القائلة إن التعددية الثقافية والمجتمعاتية هما من قبيل الاتجاهات الفرعية في الفكر الليبرالي التي تقع تحديداً ضمن إطار الليبرالية الاجتماعية إذ إن الأخيرة موزعة إلى اتجاهين رئيسيين : أي النموذج الشامل، حيث يشدد بوضوح على فكرة المساواة بين المواطنين والحقوق المدنية والسياسية الأساسية. وهو الذي يتعامل مع الجماعات من زاوية كونها متصفة بخاصية الاستمرارية والدوام، وباعتبارها موضوعاً للحقوق الجماعية. ومن ثم، فستبرز عندئذ فكرة التسامح مع التصورات الأخرى عن الخير»، وهو الذي يتقبل فكرة التغيير في حدود الجماعة وسعتها، والانتماءات المتعددة والهويات المركبة، ويقوم جوهر هذا النموذج على أساس الحقوق الفردية ، وهو يمثل المنظور العام لليبرالية. وفي ضوء ذلك، أي النموذج الشامل، أما الاتجاه الثاني، ويعبر عنها كل من بروس أكيرمان (Bruce Ackerman)، وتايلور، وكيملكا، إذ بالرغم من تباين اتجاهاتهم الفكرية، فإنهم يشتركون في تبني المعنى الأول للتعددية، وذلك عبر توسيع نطاق العدالة والمساواة على نحو أكبر مما ينتهجه الاتجاه المهيمن ويمكن توزيع هذه الاتجاهات الفرعية بدورها إلى نوعين من مستويات الالتزام بالتعددية : حيث يُعرف النوع الأول باتجاه التعددية الثقافية الصلبة، وذلك استناداً إلى الثقافة التي تنتمي إليها كل منها بعبارة أخرى أكثر وضوحاً، يعمد أنصار هذا النوع إلى الدفاع عن الحقوق الثقافية للأقليات، مع المحافظة على التزامهم بالليبرالية في الوقت ذاته، وكل تبعاً لا تجاهه الفرعي. أما النوع الثاني، ويدافع عنها أكيرمان. بل إنهم يسعون إلى تحقيق هدف آخر، وعلى نحو ما لاحظناه مسبقاً في حالة الولايات المتحدة، فإن ما يوحد أولئك المفكرين، يمكن القول، إذ إنها تضع الجماعة في مكان الصدارة وفوق مستوى الفرد. ولكن لا تنال كل جماعة مثل هذه المكانة، فذلك يشمل وحسب الجماعة الاجتماعية التي تتميز بطريقة حياة أو تقاليد أو ممارسات ثقافية، وإنما هي نتيجة عوامل لا يد للإنسان فيها. ومن ثم، فإن المجتمع وفقاً لهذا المنظور لا يتألف من الأفراد وحسب، بل يتكون من الجماعات أيضاً، وذلك من خلال توفير فرص التعبير عن الذات الصالح الجماعات المضطهدة ثقافياً على الصعيد الداخلي. أما على الصعيد الخارجي، لذا، وذلك للاعتبار القائل إنه ليس في المستطاع جعل حقوق الأقليات موضوعاً للنقاش دون التساؤل عن سبب كون الأقليات مهمة سياسياً، ومرة أخرى، يعني ذلك أن الأقليات وحقوقها الجماعية تشكل أحد المواضيع الرئيسية في التعددية الثقافية، وقد عمل كيملكا من ناحيته على تصنيف الأقليات ويسميها أيضاً الجماعات Ethnic and Non-ethnic Identity Groups الهوية الإثنية وغير الإثنية على جماعات عدة ومتداخلة مثل السود، أي بسبب تباينهم (Difference). بصورة عامة، أن دعاتها نادراً ما يكونون من الأقليات المضطهدة، المؤسسات التشريعية أو التحدث عن مطالبها نيابة عنها، أي أن دعاتها اليوم، من الخبراء التربويين والمفكرين هم من العصبة المهيمنة داخل نطاق الطبقة المهيمنة، وذلك بهدف احتواء الحراك الاجتماعي المتزايد ومنع تفاقم طابعه السياسي خصوصاً، من خلال الدمج بين فكرتي الحقوق الفردية والحقوق الجماعية في بناء فكري موحد، حتى يتم جعل ذلك الحراك سلساً وسلمياً، وذلك عن اقتناع هذه النخب بأن مثل هذا التغيير الجذري يعني تهديد كيان الدولة – الأمة من قواعده وبعد هذا التوجه المتزايد في أوساط النخب الغربية إلى حد ما تراجعاً فكرياً نحو تبني الطروحات الليبرالية التي سادت في فترة ما بين الحربين العالميتين، أي من خلال التدخل في شؤونها الداخلية، لتعزيز التدابير يتمثل في شدة اغترابهم عن الثقافة الأوروبية – الأمريكية، فغدت الجماعات العرقية والنساء بؤرة نشاط ليبرالي في أواخر القرن العشرين وحقيقة الأمر هي أن هانتنغتون وشميت يركزان على عوامل ثانوية ساهمت في امتداد التعددية الثقافية وبلوغها النخب الحاكمة، مثل عامل الحسابات السياسية، أي شعورهم بعدم الانتماء إلى ثقافاتهم الغربية، فهي في كل حالاتها لا تزيد على كونها محاولات فكرية رامية إلى التعامل مع هذا الواقع من زاوية جديدة. الذي ركز اهتمامه على الوحدة والتطابق، خلافاً لذلك، بإيلاء التركيز على التجانس . قد توصلت إلى إقامة الدولة الحديثة على أساس من الوعي بالتباينات الثقافية بين ولضرورات البقاء واستمرار النمو والتقدم، وهو ما تم التعبير عنه بالدولة -الأمة، وذلك في سبيل تحقيق هدف مركزي هو أن يغدو المركز وأطرافه كلاً متجانساً وموحداً ثقافياً وسياسياً. فتمخضت عن هذه العملية ردود فعل عكسية من لدن تلك الثقافات فضلاً على تأثير الأخيرة في النظم الأخرى التي تتركب منها الحضارة الغربية التي باتت هي الأخرى تعاني الأزمة والتوتر في علاقات نظمها بعضها بالبعض الآخر. رافضة بذلك أيضاً فكرة الاندماج الكلي في ثقافة الأكثرية المهيمنة.


النص الأصلي

وبصورة عامة، فقد انعكس هذا التحول عملياً على الدراسات الأنثروبولوجية والثقافية عامة، ودراسات التعددية الثقافية خاصة. فالأخيرة كانت حتى الحرب العالمية الثانية امتداداً للدراسات الأنثروبولوجية والثقافية، وذلك لأن كلا النوعين من الدراسات يعمد إلى جعل الثقافة بمثابة المحور الرئيسي للاهتمام والتركيز، ليتم من خلاله تحليل وفهم تطور الجماعات وسلوكها وهوياتها ومطالبها، فضلاً على العلاقات في ما بينها، بحيث إن هذا التركيز اشتمل على كل من المستوى الكلي للثقافة ومستواها الجزئي أي الصعيد الداخلي لكل ثقافة، بيد أن ذلك لم يحدث إلا بعد الحرب العالمية الثانية.


ففي أعقاب أربعينيات القرن العشرين تهاوى العمل في حقل الثقافة داخل المجتمع الأكاديمي، وقل حجمه بشكل كبير خلال الستينيات والسبعينيات، ثم بدأ الاهتمام بالثقافة ينتعش من جديد خلال الثمانينيات بوصفها أحد المتغيرات في التفسير والتحليل، بحيث اتجه علماء الاجتماع بصورة متزايدة صوب إيلاء التركيز على العامل الثقافي لتفسير عمليات التحديث والدمقرطة السياسية وسلوك الجماعات الإثنية والانحيازات والصراعات بين الدول. وقد نجم ذلك عن اقتناع مؤداه أن الثقافة، وليست السياسة هي التي تحدد نجاح المجتمع»، وفقاً لتعبير هانتنغتون


لقد شمل ذلك الانخفاض في مستوى الاهتمام بالثقافة الحقل السياسي أيضاً، ولا سيما في مجال العلاقات الإثنية الثقافية، أي العلاقات ما بين الجماعات الإثنية داخل الدولة – الأمة، وذلك لأن الإثنية خصوصاً، والثقافة عموماً، كانت ترى من قبل الكثير من المنظرين السياسيين على أنها ظاهرة ثانوية، وستختفي تدريجياً بفعل التحديث. ولهذا كانت نتاجات تلك الدراسات المعنية قليلة الأهمية، إلى جانب قلة عدد العاملين في هذا المجال خلال الفترة المحصورة بين الأربعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين


ولو أمعنا النظر في طبيعة ذلك التحول النوعي في الدراسات الثقافية منذ أواخر الثمانينيات، فإننا سنكتشف أن الانتقال الذي شهدته هذه الدراسات من
المستوى الكلي إلى المستوى الجزئي لم ينشأ بذاته كلياً، وإنما نجم بفعل الدعم الرسمي الذي تلقته ضمن إطار المنافسة الدولية على المصالح، ولا سيما خلال فترة الحرب الباردة، بالإضافة إلى ازدياد الوعي بالتباين القومي والإثني ما بين المكونات الاجتماعية داخل الدولة - الأمة، سواء على صعيد الباحثين أو على صعيد تلك المكونات أنفسها.


وهذا الأمر لاحظته الباحثة داردير وزميلها توريس، وذلك بالإشارة إلى أن دراسات كل من حالة الآسيويين، وحالة الأمريكيين اللاتينيين، اللتين ظهرنا أول الأمر بصفتهما دراسات مناطقية (Area Studies) إبان فترة الحرب الباردة، كانت الغاية منهما خدمة المصالح الدولية للولايات المتحدة. أما دراسات كل من حالة الأمريكيين السود، وحالة أقلية الشيكانو (Chicano) اللاتينية مثلاً، فقد برزتا نتيجة لازدياد وعي الباحثين والدارسين أنفسهم بمكانتهم ضمن المكونات الاجتماعية والسياسية لحركة الحقوق المدنية والحركة المناهضة للحرب خلال عقد الستينيات


فدراسة الثقافات غير الغربية، كانت في حقيقتها أداة علمية فاعلة تم استغلالها من قبل الدول الغربية في محاولة منها لفهم وتحليل المجتمعات المستعمرة، بغية حكمها والهيمنة عليهاا أما على الصعيد الجزئي للثقافة، فإن ازدياد ذلك الوعي بالتباين القومي والإثني تمخض أصلاً بفعل شعور الأقليات بالحرمان وعدم المساواة، وإقصائها عن ممارسة النشاط السياسي، مما ساهم بدوره في دفع الحكومات الغربية إلى دعم الباحثين والأكاديميين من أجل دراسة تلك الأقليات وتحليل سلوكها. ومن ثم، فإن هذه الدراسات تعد من قبيل المحاولات الرامية إلى فهم الذات وتشخيص الداء بغية تحديد الدواء. أما دراسة الثقافات
الغربية، فهي تهدف إلى فهم الآخر من أجل حكمه والهيمنة على مقدراته.


ومثال الدعم الرسمي الذي تلقته تلك الدراسات، قيام الكونغرس الأمريكي في عام ۱۹۷۲ بإصدار قانون يسمح بإجراء دراسات الموروث الإثني للأقليات. وبموجب ذلك تم توفير التمويل الفدرالي اللازم الحكومات الولايات الأمريكية


ورب سائل يسأل: ما الذي حمل دراسات التعددية الثقافية على الذيوع والانتشار بصورة متزايدة منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين؟


٢ – التعددية الثقافية ومعاودة البروز


بعد الحرب العالمية الثانية أخذت دراسات التعددية الثقافية تزداد تبلوراً ونضوجاً، وذلك بفعل تفاعلها وامتزاجها بطروحات النسبية الثقافية ونظرية ما بعد الحداثة .


فقد نهلت من النسبية الثقافية فكرة النسبية في التعامل مع الثقافات، وهذه الفكرة تعني أنه لا يمكن تقييم ثقافة ما وتكوين تصور عنها إلا بصورة نسبية، ووفقاً لمعايير تلك الثقافة بذاتها، لا المعايير الخاصة بثقافة أخرى. وكذلك، أخذت عنها المنظور القائل إن السلوك الأخلاقي لثقافة ما هو سلوك نسبي من الناحية الثقافية، إذ لا يمكن تقييمه من قبل الذين لا ينتمون إلى الثقافة نفسها


ويعني ذلك، بعبارة أخرى، أن التعددية الثقافية قد استمدت فكرة المساواة بين الثقافات من النسبية الثقافية، لتجعلها قاعدة تتعامل بموجبها مع مختلف الجماعات، سواء أكانت من الأكثرية أم من الأقلية. ومن ثم، فقد تجاوزت التعددية الثقافية بذلك خاصية المركزية الغربية (Eurocentrism)، أي التمركز حول الذات الغربية، وإعلاء مكانة الثقافة الغربية حين مقارنتها بالثقافات الأخرى.


أما في ما يخص نظرية ما بعد الحداثة٠، فإنها برزت منذ السبعينيات من القرن العشرين، ويرتكز مبدأها الأساسي على فكرة التحول الاجتماعي، وكذلك التحول الثقافي والفكري من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، أي بمعنى أن المجتمعات الحديثة كانت ترى من زاوية كونها قد شيدت بواسطة التصنيع والتضامن الطبقي (Class Solidarity)، بحيث تم فيها تحديد الهوية الاجتماعية من خلال مركز المرء داخل نظام الإنتاج بذاته. أما مجتمعات ما بعد الحداثة، فهي مجتمعات معلوماتية (Information Societies)، إذ تتميز بكونها متشظية وتعددية، بحيث تحول الأفراد فيها من منتجين إلى مستهلكين واستبدلت النزعة الفردية فيها بالولاءات العرقية والدينية والإثنية


وبالرغم من صعوبة الإتيان بتعريف دقيق المفهوم ما بعد الحداثة، وذلك التشعب وتعدد اتجاهات النظر إليها، سواء من المنادين بها أو المعارضين لاتجاهاتها، غير أن بالإمكان تمييز الأفكار الرئيسية المتواترة فيها، وهي: إن من المستحيل الوصول إلى حقيقية موضوعية أو حقيقة ثابتة وغير قابلة للتغير على الصعيد الفكري وليست هناك حقائق أو أفكار غير قابلة للإدراك والفهم؛ وإن كل الأفكار تتسم بكونها ذات طبيعة مركبة اجتماعياً أو ثقافياً، وإن الحقائق أو الأفكار تكون صحيحة فقط إذا كانت تصب في صالح المضطهدين ، مما يعني أن الفكرة المركزية في هذه النظرية تتمثل في أنه ليس هناك من أمر يقيني ومؤكد. فالفكرة القائلة بوجود حقيقة مطلقة وشاملة هي فكرة ينبغي التخلص منها، باعتبارها ادعاء ينم عن تكبر وغطرسة


لذا، يمكن القول إن التعددية الثقافية لم تعزز وحسب من خاصيتها النسبية
المكتسبة وتركيزها على المساواة الثقافية بتأثير نظرية ما بعد الحداثة، بل استقت منها أيضاً فكرة نقد الذات، عبر التخلص من كل ادعاء ينم عن تكبر وغطرسة، أي المركزية الغربية، بعبارة أكثر تعبيراً، وانتهاج فكرة العمل لـ صالح المضطهدين، أي الأقليات التي سعت ثقافة الأكثرية المهيمنة إلى استيعابها ودمجها قسراً إبان مرحلة الحداثة، ومن ثم إفساح السبيل أمام بروز الولاءات القومية والإثنية والدينية.


وبحكم طبيعة هذا البناء الفكري، ظهرت التعددية الثقافية عادة بمظهر الموقف الانتقادي البالغ الشدة تجاه المعتقدات والدول الليبرالية، أي بمعنى أنها بالضد من أسس الليبرالية، والشعور القومي للأكثرية، والمواطنة والحقوق الفردية. ومن ثم، فقد أثارت بذلك انتقادات شديدة ضد رؤاها النسبية والتجزيئية (د، إذ إن دعاة التعددية الثقافية، ولا سيما منذ تسعينيات القرن العشرين لا ينظرون إلى التشرذم الثقافي للولايات المتحدة، مثلاً، على أنه يمثل مشكلة في حد ذاتها. فالمشكلة ليست في وجود الفوارق بل تكمن المشكلة في التعامل مع هذه الفوارق بازدراء، وعلى أنها انحرافات عما هو عادي ومألوف، إذ تفرض الثقافة السائدة للبيض الأنغلوسكسون معاييرها على الجماعات الأخرى، فيوصم بقية السكان بصفة أنهم مختلفون فهم ليسوا من البيض وليسوا من الطبقة المتوسطة، أو ليسوا من الذكور ... ففي حين تقترح وجهة النظر البديلة أن الأقليات جماعات مختلفة حقاً من وجهة نظر أعضائها، وأنهم على ما هم عليه، لأن لكل جماعة ثقافتها الخاصة، فإن الجماعة الحاكمة تضطهدهم برفض المساواة أو تكافؤ القيم والرموز الخاصة بثقافاتهم، كما ترفض الاعتراف باختلافهم أو تقلل من قيمته، وفقاً لتعبير آدم كوبر (Adam Kuper)


ينتشر هذا التوجه الفكري الجديد بشكل جد متزايد بحيث إنه تجاوز حقل السياسة ليشمل الصعيدين الفلسفي والتربوي أيضاً : فعلى الصعيد الفلسفي، برز منذ تسعينيات القرن العشرين اتجاه التعددية الثقافية الشاملة (Multicultural Inclusion) . ويتبنى الفكرة القائلة إن البحث الفلسفي عن الحقيقة ليس مقصوراً على الولايات
المتحدة وأوروبا واليونان القديمة، بل إنه موجود أيضاً في التراث الفكري لآسيا والهند وأفريقيا الجنوبية ... وتبعاً لذلك، يؤكد هذا الاتجاه أن أساس الفلسفة الأكاديمية الأمريكية لا بد من أن يعكس تنوعاً جغرافياً أكبر من ذي قبل، حيث إن الفلسفة الأوروبية الغربية تظهر ذاتها بمظهر العالمية (Universal). ولكن مع دمج الرؤى الفلسفية المتعددة ثقافياً في هذه الفلسفة، فإن نتيجة الاندماج ستعبر بصورة غير مباشرة عن أن الفلسفة الأوروبية الغربية نفسها هي ذات طابع محلي وليست ذات طابع عالمي، شأنها في ذلك شأن الفلسفات الأخرى


ومن أبرز دعاة هذا الاتجاه الفلسفي كل من جيمس ستيريا James) فهم .)Max Hallman وماكس هولمان ،)Scott Pratt( وسكوت برات ،Sterba يعمدون في يومنا الراهن إلى تكريس التعددية الثقافية في ما بينهم عملياً، وذلك من خلال زيادة التنوع العرقي والإثني في عضوية الجمعية الفلسفية الأمريكية (American Philosophical Association). وقد تم التعبير صراحة عن تبني الجمعية لهذا التوجه الجديد في بيانها الصادر عام ٢٠٠٣


أما على الصعيد التربوي، فنجد أن المثال البارز في هذا الخصوص هو الولايات المتحدة، إذ منذ أواخر السبعينيات من القرن العشرين يسعى أنصار التعددية الثقافية فيها إلى تضمين فكرة أساسية في المناهج الدراسية، وهي تبني إسهامات الشعوب غير الأوروبية في تاريخ الولايات المتحدة، ثم تعزز هذا التوجه التربوي عملياً ليشمل القيام بتغيير كافة المناهج الدراسية في المستويات الابتدائية والثانوية والجامعية، لكي تعكس تنوع المجتمع الأمريكي وتطور وعي الدارسين وتقديرهم للتأثير الذي مارسته الحضارات غير الأوروبية في الثقافة الأمريكية، ومن ثم يغدو الهدف من هذا التوجه متمثلاً في توسيع نطاق الهوية الأمريكية، وذلك
من خلال التسليم بفكرة أن الجماعات المحرومة هي مكونات اجتماعية متممة للكل الأمريكي، وعلى الصعيدين التاريخي والواقع المعيش. وقد تم العمل بهذا المنظور التربوي في عدة مؤسسات أكاديمية، مثل جامعة بروفيدنس، وجامعة ستانفورد وبصورة عامة تتراوح المقترحات المقدمة لإجراء هذا التغيير في مناهج التعليم الجامعي تحديداً، إما بإلزام الدارسين بأخذ فصول دراسية في مجالي الدراسة وذلك ،)Non-western Study( والدراسة غير الغربية )Women's Study( النسوية باعتبارهما جزءاً من متطلبات نيل الشهادة الجامعية، وإما باستبعاد كل من مادتي التاريخ والثقافة الغربية من المتطلبات الأساسية للمنهاج المقرر


وفي ضوء ما تقدم، نلاحظ أن تطبيقات التعددية الثقافية لم تعد تنحصر في الأبحاث والدراسات الثقافية والفلسفية، بل إنها قد تعدت ذلك إلى الجوانب التربوية والتعليمية، وذلك في محاولة من دعاة التعددية الثقافية لإحداث تغييرات عميقة في طريقة تفكير المجتمعات الغربية وتعاملها مع الأقليات القومية والإثنية والدينية، ثم تحويل طروحات المساواة الثقافية والنسبية الثقافية والحقوق الجماعية وغيرها إلى فلسفة عامة لهذه المجتمعات لتنعكس محتوياتها الفكرية على صعيد الحياة اليومية، أي بمعنى أن تصبح التعددية الثقافية بذاتها طريقة للحياة والتفكير، لا مجرد سبيل للاحتفاء بالتنوع الثقافي. هذا الهدف البعيد المدى لم يكن قد تبلور قبل الحرب العالمية الثانية، وإنما تبلور في مرحلة التراجع والكمون التي دخلتها التعددية الثقافية حتى ثمانينيات القرن العشرين، فقد كانت هذه المرحلة بمثابة المخاض الفكري والناجم عن التفاعل ما بين هذا التيار الفكري الجديد والنسبية الثقافية ونظرية ما بعد الحداثة فتولد عن ذلك تحول نوعي ملحوظ باتجاه البحث في المستوى الجزئي للثقافة الغربية نفسها ونقدها، الأمر الذي يقودنا إلى إبداء التساؤل التالي : ما هي أبعاد التطور الفكري الحالي للتعددية الثقافية؟



  • النقاش المعاصر حول التعددية الثقافية


استغرق التطور الراهن لأبعاد موضوع التعددية الثقافية ثلاث مراحل رئيسية من النقاش الفكري ما بين التعددية الثقافية وخصومها، ويمكن تبيان ذلك على النحو الآتي :
أ – المرحلة الأولى: التعددية الثقافية بصفتها تعبيراً عن النزعة


المجتمعاتية


تشمل هذه المرحلة الفترة السابقة لعام ۱۹۸۹ ، حيث اعتقدت القلة القليلة من المنظرين الذين ناقشوا موضوع التعددية الثقافية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين أن هذا الموضوع هو في الجوهر انعكاس للجدل الدائر ما بين الليبراليين والمجتمعاتيين، أي ما بين دعاة الفردية وأنصار الجماعية (Collectivists). وقد دار النقاش حول مسألة أولوية الحرية الفردية وأيهما يحظى بالأولوية، الفرد أم المجتمع ففي الوقت الذي عارض فيه الليبراليون فكرة التعددية الثقافية يوصفها غير ضرورية، وأنها بمثابة انحراف خطير عن الاهتمام القويم بالفرد اعتقد دعاة المجتمعاتية بالمقابل أن التعددية الثقافية هي الطريقة المناسبة الحماية المجتمعات (Communities) من تأثير الاستقلالية الفردية التي تسببت في تفتيت المجتمع وتفكيك أواصره، ومن ثم فهم يشددون على قيمة المجتمع (Community) وأهميته، وتبعاً للمنظور المجتمعاتي، فإن الأقليات الإثنية الثقافية خصوصاً تستحق الحماية لأنها معرضة للخطر، كما إنها ما تزال محتفظة بنمط حياة جماعي هو في حاجة إلى الحماية، ذلك لأن هذه الأقليات، وخلافاً للأكثرية، لم تستسلم بعد الهيمنة الفردية، واستطاعت المحافظة على نمط جماعي متماسك في الحياة (


ب – المرحلة الثانية : التعددية الثقافية داخل نطاق الليبرالية


تشمل هذه المرحلة الفترة ما بين نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من.القرن العشرين. وقد ازداد فيها الوعي بحقيقة أن نقاش المرحلة الأولى لا يجدي نفعاً في وضع تصور مجد المعظم مطالب التعددية الثقافية في الديمقراطيات الغربية، إذ إن معظم الجماعات الإثنية الثقافية تريد أن تغدو بمثابة شركاء متساوين بصورة كاملة للأكثرية في المجتمعات الليبرالية الحديثة، ويصدق ذلك على الجماعات المهاجرة التي تسعى إلى الانضمام والمشاركة التامة في الثقافات السائدة في تلك المجتمعات، كما يصح ذلك أيضاً على معظم الأقليات القومية مثل الكيبكيين والفلاميش والكتالونيين، ذلك لأن البعض من أفرادها فحسب لا أغلبيتهم، يرغبون في الاستقلال رسمياً


وتأسيساً على ذلك، فإن النقاش الدائر في هذه المرحلة لم يكن غالباً نقاشاً ما بين الأكثرية الليبرالية والأقليات المجتمعاتية، بل إنه جدال بين الليبراليين أنفسهم حول معنى الليبرالية بعبارة أخرى، إنه جدال ما بين أفراد وجماعات قد أقروا جميعاً أسس الإجماع الديمقراطي الليبرالي، بيد أنهم يختلفون على تفسير تلك الأسس الليبرالية في المجتمعات المتعددة الإثنية، ولا سيما بخصوص الدور المناسب للغة والقومية والهويات الإثنية في تلك المجتمعات. ومن ثم، فإن التساؤلات التي دار حولها النقاش في هذه المرحلة متمثلة في الآتي : هل تحتاج الأقليات إلى حقوق الأقلية، وهي تتقاسم أصلاً مع الأكثرية المبادئ الليبرالية الأساسية؟ وإذا كانت الجماعات ليبرالية حقاً، فلماذا يريد أعضاؤها نيل هذه الحقوق؟ ولماذا لا يكتفون بالحقوق التقليدية للمواطنة؟ ومن أبرز مفكري هذه المرحلة كل من جوزیف راز (Joseph Raz)، وديفيد ميلر (David Miller)، ويثيل تمیر (Yael Tamir)، وجيف سبينر (Jeff Spinner)، فضلاً على كيملكا. وهم برگزون جميعاً في نقاشهم لتلك المسائل على أهمية الانتماء الثقافي أو الهوية القومية بالنسبة إلى المواطنين في سعيهم إلى تحقيق الحرية والاستقلالية
الثقافية (Ethnocultural Neutrality) في التعامل مع هويات مواطنيها الثقافية ليكون ذلك علاجاً لمشكلة انبعاث الهويات الإثنية والقومية في الدولة - الأمة، أي بمعنى وجوب أن تتعامل الدولة الليبرالية مع الثقافة بالطريقة ذاتها التي تتعامل بموجبها مع الدين، وذلك بأن يتم اعتبار الثقافة أمراً يكون الناس فيه أحراراً، سواء في الاستمرار بممارسته في حياتهم الخاصة أو عدم ممارسته، بحيث لا تدخل الثقافة في اهتمامات الدولة ما دام الأفراد يحترمون حقوق بعضهم البعض. ومن ثم، مثلما تحول الليبرالية دون قيام دين رسمي للدولة. فإنه لا يمكن أن تكون هناك ثقافة رسمية يتم إيلاؤها مكانة شرعية تعلو على غيرها من الانتماءات الثقافية الأخرى وبعد والزر من أبرز دعاة هذا التوجه


وفي مقابل ذلك، يؤكد أنصار التعددية الثقافية أن فكرة كون الدول الديمقراطية الليبرالية دولاً حيادية من الناحية الإثنية الثقافية، إنما هي فكرة باطلة بصورة واضحة، وأن النموذج الديني عموماً نموذج مضلل لتفسير العلاقة ما بين تلك الدول والجماعات الإثنية الثقافية وآية ذلك أن جميع الدول الديمقراطية الليبرالية قد انخرطت أساساً في عملية بناء الأمة، أي بمعنى أنها قد دشنت عملية تعزيز لغة مشتركة وإحساس مشترك بالانتماء إلى المؤسسات الاجتماعية القائمة على أساس تلك اللغة، فضلاً على اعتمادها المساواة في الوصول إلى تلك المؤسسات والهدف من كل ذلك هو انشر ثقافة معينة في المجتمع بأسره، وتعزيز هوية قومية معينة قائمة على أساس المشاركة في هذه الثقافة المجتمعية . ونتيجة لذلك، رفضت الأقليات القومية خصوصاً فكرة الاندماج كلياً في هذه الثقافة المجتمعية ومؤسساتها، مما أوجد حاجة ماسة إلى معالجة هذه المشكلة التي أخذت تهدد بنيان الدولة – الأمة من قواعده، وبناء عليه، ففي هذه المرحلة الثالثة من النقاش الفكري حول التعددية الثقافية أصبح
التساؤل المركزي فيها هو : هل أن جهود الأكثرية في بناء الأمة تتسبب في ظلم الأقليات، وكيف


وتأسيساً على ما تقدم، يرى الباحث أن هذا النقاش الفكري يقع أصلاً داخل نطاق الفكر الليبرالي، ومنذ مرحلته الأولى، لأن المجتمعاتية هي في الجوهر اتجاه ليبرالي ناقد لليبرالية الفردية التي تمثل الاتجاه المهيمن في الفكر الليبرالي المعاصر، وكذلك الحال بالنسبة إلى التعددية الثقافية ونظرية ما بعد الحداثة والنسبية الثقافية، إلا أن ما يميز هذه الاتجاهات الجديدة هو تركيزها على أهمية الجماعات والولاءات الجماعية، فضلاً على نقدها الحاد لليبرالية الفردية وأسسها الفكرية.


إضافة إلى ذلك، نلاحظ أن مراحل النقاش الفكري قد اتسع فيها نطاق موضوع النقاش على نحو تدريجي. ففي المرحلة الأولى تم التركيز على نقد الأساس الفكري لليبرالية المتمثل خصوصاً فى الفردية ومفهوم الذات، وذلك من خلال إيلاء الاهتمام بالجماعة واعتبارها صاحبة المقام الأعلى مقارنة بالفرد، وقد تجسد الهدف من وراء ذلك في إصلاح الاختلال الحاصل في المجتمعات الغربية بالشكل الذي يحقق صالح الفرد والجماعة معاً، لا الفرد وحسب، ثم تطور موضوع النقاش في المرحلة الثانية ليشمل فكرة إمكانية التوفيق وتحقيق الانسجام ما بين الحقوق الجماعية والليبرالية، وإقامة الشراكة المتكافئة بين الأكثرية المهيمنة والأقليات. أما منذ تسعينيات القرن العشرين فيدور الجدال الفكري حول إعادة تقييم مشروع بناء الدولة - الأمة والكيفية التي يجب أن تتعامل بموجبها هذه الدولة مع الأقليات وأساس ذلك هو أن المساواة والحرية على المستوى الفردي لم تعودا كافيتين لإرضاء مطالب الأقليات، لأن الوعي بالتباين الثقافي لدى الأخيرة أصبح من القوة بمكان نتيجة السياسات المنتهجة في عملية بناء الأمة خصوصاً، ومشروع بناء الدولة – الأمة بصورة عامة.


وإذا أمعنا النظر في أبعاد موضوع النقاش ومراحله، سنجد أن الأمر في جله لا يخرج عن الجدال حول العدالة وكيفية تحقيقها عملياً، بمعنى أن دعاة التعددية الثقافية إنما يحاولون توسيع نطاق العدالة ليشمل المستوى الجماعي أيضاً إلى جانب مستواها الفردي، بخلاف الحال مع أنصار الليبرالية الفردية


الذين يفضلون بقاءها محصورة في النطاق الفردي. وهذا الموضوع، سواء من حيث مضامينه أو من حيث كيفية تحقيقه، سيكون مدار اهتمامنا في الفصل الثاني.


غير أنه من المهم الإشارة هنا إلى كون التركيز على فكرة العدالة في مستواها الجماعي بديلاً من العدالة في مستواها الفردي، يعني بالضرورة أن تيار التعددية الثقافية خصوصاً يعمل على نقد صميم الليبرالية وقواعد بنائها، اعتقاداً منها بعدم جدوى الليبرالية في صورتها الفردية المعاصرة، وذلك لعدم قدرتها على الانسجام مع التنوع الثقافي الذي تتميز بها المجتمعات الغربية، كما أنها تتجه علمياً صوب المزيد من التنوع في مكوناتها الثقافية، ولا سيما بفعل موجات الهجرة الدولية.


الشرعية منها وغير الشرعية.


واستناداً إلى ذلك، أليس هناك من سبيل إلى معرفة ماهية العلاقة ما بين التعددية الثقافية والليبرالية ؟



  • العلاقة ما بين التعددية الثقافية والليبرالية


في سياق تبيان طبيعة العلاقة بين التعددية الثقافية والليبرالية، نجد أنهما ترتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً وثيقاً ومعقداً، إذ إن كلتيهما تتقبلان فكرة كوننا نعيش في مجتمع متنوع، وأنه ليس هناك من سبيل واحد ليعيش المرء حياته، وحتى لو وجد مثل هذا السبيل الوحيد، فلا توجد هناك من وسائل وآليات لإقناع الآخرين بضرورة انتهاج هذا السبيل في الحياة، ومن ثم، فإن التنوع الثقافي هو في حقيقته تعبير عن التعددية في سبل الحياة، لكن هذا التوافق الفكري بين الليبرالية والتعددية الثقافية يعتمد بشكل وثيق الصلة على مقصد كل منهما بـ «التعددية. فإذا ما كنا نعني بالتعددية فكرة الاختلاف الجذري ما بين الأفراد بشأن الخير، فإن الانتماء والولاء للدولة حينئذ يفهم ببساطة على أنه الرضا أو التقبل لفكرة عدم فرض مفهومنا لـ «الخير» على


الآخرين ويُعرف هذا النوع بالنموذج التعددي، وهو الذي يتعامل مع الجماعات من زاوية كونها متصفة بخاصية الاستمرارية والدوام، وباعتبارها موضوعاً للحقوق الجماعية. ومن ثم، فإن النموذج التعددي يعمد إلى الاعتراف بمكانة الأفراد ضمن الجماعات الإثنية الثقافية التي ينتمون إليها، بحيث إنه يسعى جاهداً إلى حماية هذا الوضع والمحافظة على استمرار ويمثل ذلك الإطار العام المنظور دعاة التعددية الثقافية عن التعددية في المجتمعات الغربية.


أما إذا كان المقصود بالتعددية متمثلاً في أنها النتيجة الطبيعية لممارسة الإنسان لحريته، فستبرز عندئذ فكرة التسامح مع التصورات الأخرى عن الخير»، ويتم تبرير هذه الفكرة على أساس الخير بذاته الذي سيغدو معناه متجسداً في الاستقلالية الذاتية (Personal Independence) ( ويعرف هذا النوع من التعددية بتسمية النموذج الشامل (Cosmopolitan Model)، وهو الذي يتقبل فكرة التغيير في حدود الجماعة وسعتها، والانتماءات المتعددة والهويات المركبة، ويقوم جوهر هذا النموذج على أساس الحقوق الفردية (، وهو يمثل المنظور العام لليبرالية.


وفي ضوء ذلك، يمكن أن نلاحظ صدقية الفكرة القائلة إن التعددية الثقافية والمجتمعاتية هما من قبيل الاتجاهات الفرعية في الفكر الليبرالي التي تقع تحديداً ضمن إطار الليبرالية الاجتماعية إذ إن الأخيرة موزعة إلى اتجاهين رئيسيين :


الاتجاه الأول هو الاتجاه العام المهيمن الذي يمثله كل من جون راولز ويركز )Thomas Humphrey Marshall( وتوماس همفري مارشال )John Rawls( هذا الاتجاه على المعنى الثاني لمفهوم التعددية، أي النموذج الشامل، حيث يشدد بوضوح على فكرة المساواة بين المواطنين والحقوق المدنية والسياسية الأساسية.
الآخرين ويُعرف هذا النوع بالنموذج التعددي، وهو الذي يتعامل مع الجماعات من زاوية كونها متصفة بخاصية الاستمرارية والدوام، وباعتبارها موضوعاً للحقوق الجماعية. ومن ثم، فإن النموذج التعددي يعمد إلى الاعتراف بمكانة الأفراد ضمن الجماعات الإثنية الثقافية التي ينتمون إليها، بحيث إنه يسعى جاهداً إلى حماية هذا الوضع والمحافظة على استمراره ويمثل ذلك الإطار العام المنظور دعاة التعددية الثقافية عن التعددية في المجتمعات الغربية.


أما إذا كان المقصود بالتعددية متمثلاً في أنها النتيجة الطبيعية لممارسة الإنسان لحريته، فستبرز عندئذ فكرة التسامح مع التصورات الأخرى عن الخير»، ويتم تبرير هذه الفكرة على أساس الخير بذاته الذي سيغدو معناه متجسداً في الاستقلالية الذاتية (Personal Independence) ( ويعرف هذا النوع من التعددية بتسمية النموذج الشامل (Cosmopolitan Model)، وهو الذي يتقبل فكرة التغيير في حدود الجماعة وسعتها، والانتماءات المتعددة والهويات المركبة، ويقوم جوهر هذا النموذج على أساس الحقوق الفردية ، وهو يمثل المنظور العام لليبرالية.


وفي ضوء ذلك، يمكن أن نلاحظ صدقية الفكرة القائلة إن التعددية الثقافية والمجتمعاتية هما من قبيل الاتجاهات الفرعية في الفكر الليبرالي التي تقع تحديداً ضمن إطار الليبرالية ا إذ إن الأخيرة موزعة إلى اتجاهين رئيسيين :


الاتجاه الأول هو الاتجاه العام المهيمن الذي يمثله كل من جون راولز ويركز )Thomas Humphrey Marshall( وتوماس همفري مارشال )John Rawls( هذا الاتجاه على المعنى الثاني لمفهوم التعددية، أي النموذج الشامل، حيث يشدد بوضوح على فكرة المساواة بين المواطنين والحقوق المدنية والسياسية الأساسية.


أما الاتجاه الثاني، فيتمثل في الاتجاهات الفرعية، ويعبر عنها كل من بروس أكيرمان (Bruce Ackerman)، وتايلور، ووالزر، وكيملكا، إذ بالرغم من تباين اتجاهاتهم الفكرية، فإنهم يشتركون في تبني المعنى الأول للتعددية، أي النموذج التعددي، فهم يحاولون تسوية التباينات والاختلافات ما بين الأفراد داخل المجتمع، وذلك عبر توسيع نطاق العدالة والمساواة على نحو أكبر مما ينتهجه الاتجاه المهيمن


ويمكن توزيع هذه الاتجاهات الفرعية بدورها إلى نوعين من مستويات الالتزام بالتعددية : حيث يُعرف النوع الأول باتجاه التعددية الثقافية الصلبة، تلك التي يدافع عنها كيملكا وتايلور ووالزر، حيث يتم التشديد في ظل هذه التعددية الثقافية على حقوق المواطنة المتميزة أو الخاصة لصالح الأقليات، وذلك استناداً إلى الثقافة التي تنتمي إليها كل منها بعبارة أخرى أكثر وضوحاً، يعمد أنصار هذا النوع إلى الدفاع عن الحقوق الثقافية للأقليات، مع المحافظة على التزامهم بالليبرالية في الوقت ذاته، وكل تبعاً لا تجاهه الفرعي.


أما النوع الثاني، فهي التعددية الثقافية الرخوة، ويدافع عنها أكيرمان. فأنصار هذه التعددية الثقافية لا يناقشون فكرة حقوق المواطنة المتميزة، بل إنهم يسعون إلى تحقيق هدف آخر، يتمثل في توسيع آفاق مناهج التعليم وتطويرها على نحو يعكس إسهام الأقليات وإنجازاتها الثقافية، وعلى نحو ما لاحظناه مسبقاً في حالة الولايات المتحدة، على سبيل المثال . ومن ثم، فإن ما يوحد أولئك المفكرين، على اختلاف اتجاهاتهم الفرعية، إنما يتمثل في الاهتمام بفكرة وجوب مقاومة ضغوط الأكثرية المهيمنة الرامية إلى استيعاب أو مجانسة (Homogenizing) المجتمع بأسره، فضلاً على مقاومة نزعتها الأحادية المتجسدة في فكرة أن هناك سبيلاً واحداً لا غير لفهم وتنظيم مناحي وأنشطة الحياة


يمكن القول، إذن، إن التعددية الثقافية هي في الأصل مراجعة نقدية


لليبرالية والنزعة التعميمية أو العالمية للثقافة الغربية، إذ إنها تضع الجماعة في مكان الصدارة وفوق مستوى الفرد. ولكن لا تنال كل جماعة مثل هذه المكانة، فذلك يشمل وحسب الجماعة الاجتماعية التي تتميز بطريقة حياة أو تقاليد أو ممارسات ثقافية، أي الجماعة الثقافية فهذه الجماعة لا تنبثق في حقيقتها عن الاختيار، وإنما هي نتيجة عوامل لا يد للإنسان فيها. ومن ثم، فإن المجتمع وفقاً لهذا المنظور لا يتألف من الأفراد وحسب، بل يتكون من الجماعات أيضاً، وبذلك تصبح الغاية الرئيسية للتعددية الثقافية هي إماطة اللثام عن وهم عالمية الأكثرية المهيمنة ثقافياً، وذلك من خلال توفير فرص التعبير عن الذات الصالح الجماعات المضطهدة ثقافياً على الصعيد الداخلي. أما على الصعيد الخارجي، فنجد أنه في مقابل قيام الغرب بفعل نزعته العالمية بإخضاع باقي العالم الهيمنته، تؤكد التعددية الثقافية المكانة المعرفية المتناقصة للغرب بعد مواجهته لذلك الآخر الشرقي المتمرد


بالإضافة إلى ذلك، تولي التعددية الثقافية الاهتمام بالظروف الملائمة للعلاقة ما بين مختلف الجماعات الثقافية. فالمعايير التي تحكم مطالب كل منها لا يمكن أن تستمد من ثقافة واحدة، لأن كل جماعة منها تمتاز بمعاييرها الخاصة. لذا، ينبغي أن تستمد من خلال الحوار المفتوح والمتكافئ ما بين الجماعات ودون استثناء لأية منها، وذلك للاعتبار القائل إنه ليس في المستطاع جعل حقوق الأقليات موضوعاً للنقاش دون التساؤل عن سبب كون الأقليات مهمة سياسياً، من حيث كونها أقلبات، ولا بد من منحها حقوقها


ومرة أخرى، يعني ذلك أن الأقليات وحقوقها الجماعية تشكل أحد المواضيع الرئيسية في التعددية الثقافية، وذلك من منظور أخلاقي في المقام الأول، أي من زاوية أنها قد تعرضت للحرمان والاضطهاد بسبب الهيمنة الثقافية للأكثرية على الدولة – الأمة ومؤسساتها منذ تدشين مشروع بناء هذه الدولة.


وقد عمل كيملكا من ناحيته على تصنيف الأقليات ويسميها أيضاً الجماعات


الهوية Identity Groups)، وذلك بوضعها تحت صنفين رئيسيين: الصنف الأول هو الأقليات القومية، وتمت الإشارة إليه سابقاً. أما الصنف الثاني، فهو جماعات ويشتمل ،)Ethnic and Non-ethnic Identity Groups الهوية الإثنية وغير الإثنية على جماعات عدة ومتداخلة مثل السود، والنساء، والأقليات الدينية والمهاجرين، فضلاً على الشواذ والشاذات جنسياً ( إلا أن قاسمها المشترك هو أنه يتم إقصاؤها عن المشاركة الكاملة في الثقافة العامة للمجتمع، لا بسبب مكانة أعضائها الاجتماعية - الاقتصادية، وإنما بسبب هويتهم الاجتماعية -الاقتصادية، أي بسبب تباينهم (Difference). وعادة ما يكون أعضاء هذه الجماعات من المحرومين مادياً، بيد أن جعلهم يستفيدون من المنافع المادية لن يؤدي بالضرورة إلى ضمان اندماجهم في ثقافة المجتمع السائدة، ولن يقضي أيضاً إلى توليد الإحساس لديهم بالولاء العام للحضارة المشتركة التي ينتمون إليها


ومن جانب آخر، نجد أن المرحلة الراهنة للتعددية الثقافية قد حدث فيها تغيير جد ملحوظ في البنية الاجتماعية لدعاة التعددية الثقافية أنفسهم، إذ لاحظنا مسبقاً أن أوائل مفكريها في العالم الجديد كانوا من أبناء الأقليات. أما بعد الحرب العالمية الثانية، فتظهر سوسيولوجيا التعددية الثقافية، بصورة عامة، أن دعاتها نادراً ما يكونون من الأقليات المضطهدة، بل هم من النخبة الثقافية والسياسية. فالأخيرة هي التي تطالب هذه المرة بتمثيل تلك الجماعات في


المؤسسات التشريعية أو التحدث عن مطالبها نيابة عنها، أي أن دعاتها اليوم، من الخبراء التربويين والمفكرين هم من العصبة المهيمنة داخل نطاق الطبقة المهيمنة، بحيث ينزعون إلى تبنى المراجعة النقدية والتغيير الراديكاليين الأسس الليبرالية ذات الصلة منها تحديداً بالتعامل مع الجماعات الثقافية


وهو ما يوحي ربما إلى أن التعددية الثقافية هي في طريقها إلى أن تغدو الأيديولوجيا الجديدة للدولة والنخب الحاكمة في المجتمعات الغربية، فهذه النخب تحاول أن تتخذ من التعددية الثقافية وسيلة رئيسية لإحداث مراجعة نقدية للثقافة الغربية نفسها، وذلك بهدف احتواء الحراك الاجتماعي المتزايد ومنع تفاقم طابعه السياسي خصوصاً، من خلال الدمج بين فكرتي الحقوق الفردية والحقوق الجماعية في بناء فكري موحد، حتى يتم جعل ذلك الحراك سلساً وسلمياً، ومن ثم منعه من الوصول إلى مستوى التغيير الجذري لكافة أسس الليبرالية، وذلك عن اقتناع هذه النخب بأن مثل هذا التغيير الجذري يعني تهديد كيان الدولة – الأمة من قواعده وبعد هذا التوجه المتزايد في أوساط النخب الغربية إلى حد ما تراجعاً فكرياً نحو تبني الطروحات الليبرالية التي سادت في فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث تم فيها التركيز على حقوق الأقليات ومبدأ تقرير المصير، ولكن مع ملاحظة فارق مهم، وهو أن الغرض الرئيسي من ذلك إبان تلك الفترة كان متمثلاً في استخدام حقوق الأقليات أداة رئيسية لتفكيك الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية - المجرية، ثم الحؤول دون قيام مثل هذه الدول مجدداً، أي من خلال التدخل في شؤونها الداخلية، وتسييس أقلياتها، بهدف تصفية كيانها السياسي لاحقاً. أما في يومنا الراهن، فإن النخب الغربية تعمل على تبني التعددية الثقافية بهدف المحافظة على كيان الدولة – الأمة ومنعها من الانهيار.


وبناء على هذا المنظور، لا يتفق كاتب السطور مع ما يذهب إليه اليمين الليبرالي في تفسيره لأسباب بروز التعددية الثقافية التي يعتبرها أصلاً من قبيل الحركات التفكيكية، إذ يرى هانتنغتون أن الحسابات السياسية قد حفزت في بعض الأوقات بلا ريب المسؤولين المنتخبين الذين سينتخبون لتأييد التدابير التي افترضوا أنها ستروق لمجموعتهم الانتخابية السياسية ... وكان واضحاً أن ذلك لصالح القادة والقادة الطامحين في المجموعات الصغرى، لتعزيز التدابير


التي توفر المنافع، وتعزز من وضع مجموعاتهم وكذلك لا نتفق مع قول شميت إن سبب تمسك دعاة التعددية الثقافية بهذه الأيديولوجيا الخاطئة»، يتمثل في شدة اغترابهم عن الثقافة الأوروبية – الأمريكية، مما يدفعهم إلى التمسك بذلك المفهوم المعيب عن المساواة الثقافية . ونتيجة لذلك، نشأت هذه المعتقدات السياسية الليبرالية ما بين الأكاديميين والمثقفين، فضلاً على مشاعر أخرى من التعاطف والشعور بالذنب تجاه هؤلاء الذين رأوهم ضحايا الإقصاء والتمييز والقمع، فغدت الجماعات العرقية والنساء بؤرة نشاط ليبرالي


في أواخر القرن العشرين


وحقيقة الأمر هي أن هانتنغتون وشميت يركزان على عوامل ثانوية ساهمت في امتداد التعددية الثقافية وبلوغها النخب الحاكمة، مثل عامل الحسابات السياسية، وتوفير المكاسب المادية للناخبين، أو عامل الاغتراب الثقافي المفكري التعددية الثقافية، أي شعورهم بعدم الانتماء إلى ثقافاتهم الغربية، ولعل اعتماد اليمين السياسي لمثل هذا التفسير راجع أصلاً إلى قلقه الشديد من إمكانية حدوث تغير أيديولوجي مرتقب لدى النخبة السياسية التي يشكل اليمين ركنها الأساسي أصلاً. وفي مقابل ذلك، يمكن القول إن التعددية الثقافية والمجتمعاتية ونظرية ما بعد الحداثة هي اتجاهات فكرية في الفكر السياسي الليبرالي. فقد نشأت وتبلورت بسبب فشل نموذج الدولة – الأمة ومشروعها في التعامل مع الواقع المتنوع ثقافياً الذي تعيشه المجتمعات الغربية، فهي في كل حالاتها لا تزيد على كونها محاولات


فكرية رامية إلى التعامل مع هذا الواقع من زاوية جديدة.


وهذا هو ما أكده بيتر كيفستو (Peter Kivisto) بالقول إن تلك الاتجاهات الفكرية قد تمخضت عن فشل مشروع الدولة – الأمة، الذي ركز اهتمامه على الوحدة والتطابق، أي الهوية الموحدة، وذلك على حساب التنوع والتباين.... ففي الحين الذي تعمل فيه التعددية الثقافية على إضفاء القيمة والأهمية على التنوع الثقافي، تعمل الدولة – الأمة، خلافاً لذلك، بإيلاء التركيز على التجانس . ونتيجة لفشل هذا
المشروع الاستيعابي، الذي يُعرف أيضاً باسم نموذج الاستيعاب الأنغلوسكسوني، في أستراليا وكندا والولايات المتحدة، فقد عمدت مثل هذه الدول تدريجياً إلى تبني سياسة التعددية الثقافية ( وذلك للتعامل مع تنوع مجتمعاتها ثقافياً التي یزداد تنوعها بصورة جد كبيرة، ولا سيما بفعل تأثير الهجرة الدولية، ومن ثم، فإنها بموجب هذه السياسة لم تعد تسمح للمهاجرين بالاحتفاظ بمختلف مظاهر موروثهم الثقافي فحسب، بل إنها تشجعهم على ذلك أيضاً، من أجل أن يصبحالتمتع بالهوية الإثنية أمراً مقبولاً، وحتى طبيعياً، باعتباره جزءاً لا يمكن فصله من طبيعة الحياة في المجتمع


وفي ضوء كل ما تقدم، يمكن الخلوص إلى نتيجة مؤداها أن السلطة السياسية التي ورثت الحكومات الإقطاعية والملكيات المطلقة في أوروبا، قد توصلت إلى إقامة الدولة الحديثة على أساس من الوعي بالتباينات الثقافية بين


المركز المهيمن والقابض على القوة، وبين المراكز السلطوية الأخرى.


ولضرورات البقاء واستمرار النمو والتقدم، فقد كان من الطبيعي أن تعمد هذه المراكز إلى فرض الوحدة والانسجام الثقافي داخلياً من خلال القضاء على الاتجاهات التي تروم الإفلات من قبضة المركز. وهو ما تم التعبير عنه بالدولة -الأمة، وذلك في سبيل تحقيق هدف مركزي هو أن يغدو المركز وأطرافه كلاً متجانساً وموحداً ثقافياً وسياسياً. ويتم ذلك من خلال التخلص من الثقافات الأخرى ومؤسساتها التقليدية، سواء على الصعيد الداخلي للدولة أو على صعيدها الخارجي، فتمخضت عن هذه العملية ردود فعل عكسية من لدن تلك الثقافات
تجاه مشروع بناء الدولة - الأمة وسياساته عينه. وقد اتخذت ردود الفعل تلك شكل انبعاث عام للهويات الإثنية والقومية والدينية، مما أدخل الدولة - الأمة في حالة الأزمة، فضلاً على تأثير الأخيرة في النظم الأخرى التي تتركب منها الحضارة الغربية التي باتت هي الأخرى تعاني الأزمة والتوتر في علاقات نظمها بعضها بالبعض الآخر.


ويؤكد ذلك حقيقة غدت جلية، وهي أن الدولة - الأمة هي التي أشعرت الأقليات بذواتها الجماعية وتبايناتها الثقافية، سواء تجاه الأكثرية المهيمنة ثقافياً أو تجاه بعضها البعض، إذ إنها، حين تطالب بالحقوق الجماعية أو الخاصة، فهي إنما تدافع بذلك عن خصوصياتها وكياناتها المميزة، رافضة بذلك أيضاً فكرة الاندماج الكلي في ثقافة الأكثرية المهيمنة.


ومن أجل احتواء هذه الأزمة ومعالجتها، برزت اتجاهات فكرية عدة، لعل من أكثرها أهمية وتأثيراً هي التعددية الثقافية فهي تعمل على توجيه نقدها تجاه الثقافة الغربية عموماً، والليبرالية الفردية خصوصاً، باعتبار أن الأخيرة بحكم كونها المرجعية الفكرية لهذه الثقافة، فضلاً على نموذج الدولة - الأمة، فإنها هي السبب الرئيسي والأهم لهذه الأزمة، بحيث يحاول كل اتجاه منها طرح البديل الأمثل بحسب منظوره وبالرغم من اختلافاتها، إلا أنها تشترك في فكرة البحث عن نموذج ليبرالي مركب يجمع ما بين الفردية والجماعية.


إن الظاهرة السياسية هي في التحليل الأخير سلوك إنساني، موضوعة أو إطاره هو الحقل السياسي، سواء اتخذ ذلك السلوك شكل عملية كالثورة، أم شكل تنظيم كالدولة وعلى هذا الأساس، فإن أزمة نموذج الدولة – الأمة و مشروعها، كان السبب الارتكازي في انبعاث ظاهرة الهويات في غالبية الدول الغربية، وذلك لأن المرجعية الفكرية لهذه الدولة دفعتها صوب استيعاب الأقليات بالإكراه، ثم دمجها بالقسر عادة في الثقافة السائدة للأكثرية. ويبدو أن أزمة هذه الدولة لا تتمثل في وجود الأقليات بذاتها، بل إنها متمثلة في كيفية التعامل مع الأقليات، إذ حتى لو افترضنا جدلاً بأن الاستيعاب القسري قد شمل الجميع، وعلى قدم المساواة، بما في ذلك الأكثرية، فإن رد فعل الأقليات لا يكون متساوياً عادة مع رد فعل الأكثرية، لأن كل أقلية منها تتمتع أصلاً بذات جماعية خاصة بها تجعل من شعورها بالظلم والعين شعوراً مضاعفاً، ومن ثم سيكون رد فعلها متسماً بقوة مضاعفة حين مقارنتها بالأكثرية.


ودليل ذلك أن الأقليات نفسها لم تعد تكتفي في مطالبها بالحقوق الفردية الأساسية المدنية منها والسياسية، لأنها أصلاً تنظر إلى ذاتها من زاوية التباين والاختلاف الثقافي، سواء تجاه بعضها البعض أو تجاه ثقافة الأكثرية المهيمنة.


فالوعي بالتباين والاختلاف هو الذي أبقاها لقرون متتالية محافظة على هوياتها وثقافاتها المميزة، وهو الذي يدفعها بصورة متواصلة إلى تركيز اهتمامها على الحقوق الجماعية التي تعرف أيضاً بالحقوق الخاصة، ثم إن المطالبة بها هي من قبيل الضغوط الهادفة إلى دفع الأكثرية والنخب الحاكمة إلى الاعتراف بها شريكة مكافئة للأكثرية في الدولة – الأمة.


وبناء على ذلك، فإن استمرارية انبعاث الهويات تعد أيضاً سبباً رئيسياً دفع تيار التعددية الثقافية إلى التبلور، ثم التساؤل عن أسباب هذا الانبعاث، وإمعان الفكر في كيفية التعامل مع الأقليات، وذلك من خلال صياغة مشروع جديد للدولة – الأمة، يحافظ على كيانها من التفتت وفي الوقت ذاته يساعد الأقليات على الاحتفاظ بهوياتها وخصوصياتها الثقافية. ولذلك، فقد اتسم هذا التيار بنزعته النقدية والتفكيكية الحادة تجاه الثقافة الغربية، فهو يروم من ذلك نقد المرجعية الفكرية للدولة - الأمة. ومن ثم، فإنه إذا انصف بكونه من الحركات التفكيكية، بحسب ما يدعيه اليمين الليبرالي، فإنما ذلك لأنه يبتغي صياغة تركيبة فكرية جديدة قوامها التوازن ما بين الدولة - الأمة والأقليات، من خلال تفكيك الثقافة الغربية ونقدها.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

ان ضرورة معرفة ...

ان ضرورة معرفة القانون الواجب التطبيق والجهة القضائية المختصة يؤسس الدولة القانون ويضمن تطبيق القواع...

ويكمن فيما أودع...

ويكمن فيما أودع الله في كتابه من القوانين الّتي تشهد في استقامتها وعدلها وصلاحها لكلّ زمان أنّها من ...

وأبى جماعة من ا...

وأبى جماعة من الفقهاء هذا الفهم لمعارضته صريح المعقول ؛ إذ كيف ينقص التعويض حينما يزيد الضرر، فكان م...

الصفات العامة ل...

الصفات العامة للحضانات أو غرف النمو: 1- درجات الحرارة بها تتراوح من 2-40 ° م. 2- التحكم فى درجة ...

س/ تلخيص استقرا...

س/ تلخيص استقراء وتأملات في واقع الجاليات ومرتجاها:- يتبين من استقراء أوضاع الأقليات الإسلامية وأكث...

كان يا مكان،في ...

كان يا مكان،في مكان يدعى بغداد، كان هناك فتى يدعى سندباد وهو ابن لتاجر غني لكنه فقد ثروته، وكان سندب...

1. Creational D...

1. Creational Designs. These patterns address protest-oriented creation tools, striving to produce o...

من خلال ما سبق،...

من خلال ما سبق، يتبين أن نشاط تنشيط المبيعات، يهدف إلى تسريع المبيعات على المدى القصير من خلال تشجيع...

يقول "سارتر " "...

يقول "سارتر " "العدم لا يمكن أنْ يكون عدمًا إلّا إذا انعدم بحق بوصفه عدمًا للعالم؛ أي إذا كان في إعد...

Explaining the ...

Explaining the Behavior of Gases The kinetic-molecular theory helps explain the behavior of gases. F...

الاتصال (commun...

الاتصال (communication ) شيء نقوم به في كل زمان ومكان نلتقي فيه بأشخاص، أو نريد أن نوصل معلومة أو فك...

ونم /І السكان ف...

ونم /І السكان في العالم كان عدد السكان 1.7 ملیار نسمة سنة 1900ثم بلغ 2.5 ملیار سنة 1950 وبلغ 5.5 مل...