لخّصلي

وسائل التواصل الاجتماعي هي الفضاءات الافتراضية والتطبيقات التي تتيح للمستعملين إقامة تواصل وتبادل التجارب مع الآخرين على شبكة الإنترنت. تُسهم هذه الوسائل في تسهيل وتعجيل عملية التواصل، وتبادل البيانات بين الأشخاص فرادى والمجتمعات بلا قيود زمانية أو مكانية. تشتمل وسائل التواصل الافتراضية على منصات كالفيسبوك وتويتر والإنستغرام وسناب شات، وتوفر وظائف مختلفة مثل مشاركة التحديثات والصور والمقاطع المصورة، وكتابة الردود وإبداء الإعجاب والانخراط في المجموعات والحوارات. لقد بات استعمال وسائل التواصل الاجتماعي عنصرًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لعدد غير قليل من الأشخاص، أخذًا دورًا مؤثرًا في القيم الثقافية والسلوك الاجتماعي. (محمد، 2023).
وتلعب منصات التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في المجتمع، إذ تنمي التفاعل بين الأشخاص وتُصغّر الفواصل بين البلدان. من خلالها، بات التواصل وتبادل الآراء والتفاعل في النقاشات والمحادثات مع الآخرين أكثر يسرًا. تُتيح هذه الشبكات إمكانية اللقاء والمعرفة بأناس من مختلف الأوساط والثقافات، مما يُثري فهمنا للتباين الثقافي ويدعم التقبل المتبادل. وتُعد وسائل التواصل الاجتماعي كذلك منصة سريعة وكفؤة لنشر الأخبار والمعلومات، عاملةً في بناء وعي مجتمعي أوسع وإثراء القاعدة المعرفية والثقافية.
ولوسائل التواصل الاجتماعي أهمية بالغة وكبيرة فيما يخص موضوع تواصُل المستخدمين مع بعضهم البعض عبر هذه الوسائل، وذلك من خلال إمكانية التواصُل الفوري والمباشر مع الأشخاص وفي أي مكان حول العالم، وذلك عبر العديد من التطبيقات التي تتيح ذلك كفيس بوك أو تويتر وغيرها من التطبيقات الأخرى، بالإضافة إلى ميزة قدرة الوصول إلى أي مُستخدِم حول العالم عبر هذه الوسائل، وتعد سهولة الاتصال ميزة مُضافة لهذه الوسائل، فظهور هذه الوسائل أدى إلى إلغاء الاعتماد على خطوط الهواتف الأرضية، أو حتى استخدام البريد العادي، فكل ما يتطلبه الأمر للاتصال عبر هذه الوسائل هو وجود جهاز هاتف ذكي أو كمبيوتر يتم استخدام أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي عليه (Moreau, 2023).
الفيسبوك هو احد اهم مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، لا يعد شبكة اجتماعية فحسب، بل منصة تكنولوجية، يستطيع كل مستخدم ان يستخدمها بطريقة سهلة. يعرف قاموسDictionary of media and communications الفيسبوك بانه "موقع من مواقع شبكات التواصل الإجتماعي، تأسس عام 2004 ، ويمنح الفرصَ لتكوين ونشر الحساب والصفحة الخاصةDictionary of media and) Communication. 2009).
قدم المختصون والخبراء تعريفات مختلفة للشبكة الإجتماعية فيسبوك منذ بداية نشوئها والى الآن. احد اهم هذه التعريفات هو انه "اكثر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت شهرة والذي يستطيع جميع المستخدمون من خلالها تبادل المعلومات والحصول على الأصدقاء." (سعودي، 2014).
ينتمي الفيسبوك لشبكات التواصل الإجتماعي، يمكن عن طريقه المشاركة وتبادل المعلومات والتواصل مع الاخرين مجاناً، بحيث يستطيع مستخدموه المشاركة وتبادل الاراء والإطلاع على أعمال ونشاطات بعضهم البعض. بإمكان مستخدميه ايضاً مشاركة اصدقائهم، رسائلهم وصورهم ومقاطع الفيديو وإقامة العلاقات والتواصل بالصوت والصورة. يعد الفيسبوك موقعاً مهماً لتلقي وبث الصور الشخصية، اذ يتم يومياً تحميل وتنزيل ملايين الصور ومقاطع الفيديو. وتزداد يوما بعد اخر الأنشطة في شبكات التواصل الإجتماعي، لأنها منبر حر للتعبير عن الآراء وتبادل التعليقات والتفاعل حول الأحداث والتطورات المهمة. للفيسبوك دور وتأثير ملحوظ في الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية للمجتمعات، لأنه أعطى ابعاداً جديدة للعلاقات الإجتماعية بين افراد المجتمع (مراد، 2020).
أوضح Cumming Butler and Kraut, (2002) بانه طرأ تغيير على العلاقات الإجتماعية في زمننا الحالي، مما اثّر كثيراً على الحياة الإجتماعية للناس وبخاصة تلك العلاقات الإجتماعية السيبرانية التي يكونها الناس باستخدام شبكة الإنترنت. أكد Bargh & McKennna, (2004) على تأثير الإنترنت في الحياة الإجتماعية، واكد ان الإنترنت لعب دوراً كبيراً في إعادة بناء العلاقات الإجتماعية. وحول الإنترنت وتأثيره على الحياة الإجتماعية يرى Tyler, (2002) ان للإنترنت تاثيراً نسبياً على العلاقات الاجتماعية، فيما يخص اجراء بعض التغييرات عليها. ومع ذلك فكان له تاثيراً قليلا في نواحي اخرى كثيرة، ولكن بالنسبة للعلاقات الإجتماعية فهي احدى الأبعاد المهمة في حياة الإنسان التي طرا عليها في عصر العولمة ومِن خلال شبكات الإنترنت تغييراً كبيراً. اشار Shklovski and Kraut, (2006) الى ان الإنترنت والحاسوب والهواتف الذكية تركت اثارها على العلاقات الإجتماعية، ويرى انه قد انتهى عصر العلاقات الإجتماعية الواقعية التقليدية الى حد كبير لينشأ نوع اخر يسمى بالعلاقات الاجتماعية الافتراضية، ويجري تنظيم العلاقات والمناسبات الاجتماعية باستخدام الانترنيت.
بعد التدقيق والتمعن في اكثر الفرضيات والآراء حول الفيسبوك وتأثيره على العلاقات الإجتماعية، يتبين انه يوجد الآن إتجاهان مختلفان لتقييم تلك التأثيرات )العقبي، بركات، 2016).
الإتجاه الأول: اصبح الفيسبوك عاملاً في تمتين العلاقات الاجتماعية، اشار Barry في عام 2010 الى ان المجتمع الإفتراضي كشبكة للعلاقات الشخصية يتيح فرصة المساعدة والألفة، وتبادل المعلومات والشعور بالشخصية وامتلاك هوية اجتماعية.
يؤكد مجموعة من الباحثين ان للفيسبوك قوة ايجابية في العلاقات الإجتماعية بين الناس بناءاً على قول بعض المستخدمين، اذ استطاعوا بفضله تكوين علاقات جديدة ومتنوعة، بدون ان يكون للبعد الجغرافي والثقافي أي تأثير على تلك العلاقات. يعتقد معظم مستخدمي الفيسبوك أن الشبكة الإجتماعية أصبحت سبباً لديمومة العلاقات الإجتماعية السابقة او استعادتها.
الإتجاه الثاني: اصبح الفيسبوك عاملاً في إضعاف العلاقات الاجتماعية، بمعنى أَنَّ للفيسبوك دور مؤثر في انعزال الأفراد وتفكيك العلاقات الإجتماعية الحقيقية بين افراد المجتمع، لأنه جعل الأفراد يقضون معظم اوقاتهم في استخدام الفيسبوك او شبكات التواصل الاجتماعي الاخرى، ما يجعل العزلة علامة بارزة داخل فضاء العلاقات الإجتماعية فينتج عنها التشتت والتفكيك الإجتماعي.
بناءاً على ما ذكرناه اعلاه يتبيّن أن هناك جانب سلبي لاستخدام الفيسبوك وهو ان الأوقات التي يهدرها المستخدمون في استخدام الفيسبوك، تقتل فرصا لاقامة علاقات اجتماعية حقيقية مع الاخرين.
بناءاً على المصادر العلمية المشار اليها يمكننا القول ان للإنترنت بصورة عامة وشبكات التواصل الإجتماعي بصورة خاصة كالفيسبوك تاثيراً كبيراً على المجتمع ولها دور بارز في التغيرات التي طرأت على العلاقات الإجتماعية من النواحي الإيجابية والسلبية. (مراد، 2020).
يعيش الشباب اليوم في ظل عالم تقني ومجتمع افتراضيا يسيطر على اهتماماتهم، وأخذ الكثير من أوقاتهم ومن بين أبرز تلك الاهتمامات التواصل الاجتماعي التي توفرت لهم عن طريق شبكات الاجتماعية على الانترنت من قبل ” تويتر،ماسنجر، شات يوتيوب، والفيس بوك” ويعد هذا الأخير الأشهر على مستوى العالم و الأكثر تطورا ووصولا لأكبر الفئات والقطاعات في كافة أنحاء العالم، وكان لهذا العالم أثره الكبير على الهوية الاجتماعية والوطنية، الاجتماعي داخل المجتمع الواحد، وهناك إجماع بين العديد من الباحثين على أن تكنولوجيا الاتصال فتحت عصرا جديدا من عصور الاتصال والتفاعل بين سكان الكرة الأرضية وفي وفرة المعلومات والمعارف التي تقدمها لمستخدميها ولكن على الجانب الآخر هناك مخاوف من الآثار السلبية الجسدية والاجتماعية والثقافية التي قد تحدثها

فمن إيجابيات استخدام فيسبوك ما يلي:
1- تتيح فرصة للاتصال والمشاركة في دعم الحملات والنشاطات الخيرية عبر انضمام ﻟﻤﺠموعة معينة وتبين وتدعم مقدرة المجتمع لقبول الرأي العام لتلك الافكار، فالفيس بوك يعد أقرب وسيلة حديثة للتواصل فهو برنامج اجتماعي من الطراز الأول يتيح فرصا نادرة للتعارف و التواصل بين الأهل و الأصدقاء و التعارف دون التقيد بجغرافية الزمان والمكان (مدونة شمس النهضة، 2010).
2- قضاء الكثير من الوقت للتصفح والدردشة خلق ترابط بين الناس وتقوية الصلة الاجتماعية و التواصل بين الشخص البعيد عن أهله وأحبائه بسهولة ويسر بأقل تكلفة مالية…،هذا إلى جانب الصفحات العلمية والإخبارية و الطبية والثقافية و الرياضية التي تزود المتصفح بمعلومات قيمة ومفيدة. (مدونة شمس النهضة، 2010).
3- أصبح صوت من لا صوت له. يلعب دور أساسي في تعبئة الشباب ونشر التوعية السياسية. قضاء الوقت في التحدث مع المستخدمين الآخرين ، فرصة لترويج المنتوجات التقليدية وتسويقها حيث تكون وسائل الاعلام الاتجاه لدى الجمهور مع عدم اغفال الدور الانتقائي للفرد في تكوين الاتجاه لديه فضلا لهذا الاثر نظرية مستقله تحمل الاسم نفسه ، حيث ان وسائل الاعلام تبرز قضايا ، وتقوم بنفس الوقت باخفاء قضايا ، مما يشكل اهمية لدى الجمهور من جراء تسليط الضوء على الاعلام في قضية دون أخرى. (الدليمي، 2011).
ومن سلبيات استخدام فيسبوك ما يلي (الدليمي، 2011):
1- اكتساب عادات وتقاليد غربية بعيدة كل البعد عن عادات وتقاليدنا العربية.
2- انتهاك خصوصية مشتركيه، وإمكانية استخدام صوره وبياناته الشخصية من قبل الموقع دون إعلام صاحبها.
3- مصدر لنشر الأفكار المسيئة والصور الفاضحة و الفيديوهات المخلة للآداب، فهو سلاح ذو حدين، فضلا عن انشغال التلاميذ عن الدراسة مما أدى إلى تراجع مستوى التحصيل الدراسي وتدني العلامات المدرسية وانتشار الغش. ساهم موقع الفيس بوك في انحراف مستخدميه عن تقاليد وأخلاق معينة، والتأثير ببعض الأفكار المتطرفة المشجعة على الإرهاب والعنف .
4- الإدمان على مشاهدة المواقع الإباحية مما إنعكس سلبا على مجموعة من القيم والأخلاق وتسبب في تزايد الصراعات بين الأزواج وانتشار أفكار جديدة عن طريقة وطبيعة الزواج والأسرة.
5- التخلي عن المطالعة وتجاهل قيمة الكتب والاكتفاء في الإبحار عبر المواقع الالكترونية للوصول للمعلومة.
6- بات موقع الفيس بوك يؤرق الآباء والمربين في مؤسسات تربوية تحرص على تنشئة جيل مسلم . ، من خلال نشر المعلومات والصور التي تتيح مشاهدتها ،وقد تنحدر إلى الحضيض وانعدام الحياء.
7- تتيح لأي شخص وضع اسم مستعار وإضافة اسم عائلة يريد تشويه سمعتها ووضع معلومات أو صور مخلة بالآداب مما يؤدي إلى الكثير من المشاكل
8- إن التعرض لمشاهد العنف يصيب الفرد المتلقي بالخوف والقلق والرعب من الوقوع في هذه الاعمال ….الخ.
تمثل الهوية أهم القضايا التي أثارها استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فقد مكنت مواقع مثل (فيسبوك، تويتر، يوتيوب) من نقل بعض الرموز الثقافية عبر المجتمعات بصورة أسرع من الآليات التي كانت متبعة سابقا، حيث بدأت هذه المواقع تشكل تهديدا لمنظومات القيم والرموز الثقافية، وتغييرا في المرجعيات الوجودية، وأنماط الحياة من خلال ما تحمله من الرسائل، والعلامات المشبعة بقيم ومضامين متنوعة ومغايرة، وتحمل معها أبطالا ورموزا جديدة بدءا بعارضات الأزياء ونجوم الكرة، ووصولا إلى رموز الفن، والسينما والأطعمة، وأنماط السلوك، وموضات الملابس، علاوة على أنماط جديدة من العلاقات الإنسانية والسلوكيات الاجتماعية، كأنماط الزواج المختلفة، والصداقة، والصحبة (خيرة، 2017).
وبما أن ثقافة المواقع الاجتماعية المستمدة أصلا من ثقافة منشئيها، هي الثقافة الغربية الطاغية حاليا في العالم، وفق مبدأ طغيان ثقافة الأمة السائدة والمزدهرة في العالم، وتبعية ثقافة الشباب العربي المنقاد لها، ساهم كل ذلك بشكل رئيسي عبر مواقع التواصل، إلى الضياع التدريجي للهوية الثقافية العربية، وهو بارز بشكل واضح إذا نظرنا إلى لغة التواصل المستخدمة بين الشباب العربي، لنجد أن اللغة الإنجليزية هي السائدة أو لغة جديدة مبتكرة، وهي "العربيزي" نسبة لكونها لغة هجينة ما بين العربية والانجليزي، كتلك المستخدمة في رسائل الموبايل من قبل، فمثلا أصبحت كلمة "محمد" تكتب" mo7amed" ، وكلمة أخبار تكتب "a5bar" وهكذا (المقدادي، 2013).
هذا وتعد كثرة استخدام مواقع التواصل عبر الكتابات النصية، والأوامر الالكترونية، تؤدي إلى زعزعة منظومة المفردات اللغوية للفرد، بسبب عدم التواصل الطبيعي، وقلة النطق باللغة العربية؛ حيث يلاحظ أن مستخدمي التواصل الاجتماعي لا يتكلمون باللغة العربية لعدم وجود حوار شفهي، وإذا كتبوا النصوص يعتمدون لغة عربية غير صحيحة وفيها عبارات أجنبية (مركز الحرب الناعمة للدراسات، 2016)، وهو ما يزيد من ضعف اللغة العربية حيث يتجه مستخدمي المواقع إلى كتابة الكلمات العربية بحروف لاتينية ما ينتج لغة غريبة على لغتنا العربية، إذا لم يتم التصدي لها ستتحول اللغة العربية إلى مسخ مشوه من الكلمات الخليط بين العربية واللاتينية والأرقام غير المفهومة، واستحداث اختصارات العبارات عربية أصلا، مثل In Shaa Allah ISA اختصارا لـ"إن شاء الله العربية" (بلعزوي، 2019).
كما وساعدت مواقع التواصل الاجتماعي باعتمادها على ثقافة الصورة بدلا من ثقافة الكلمة على اختراق الحدود الثقافية، وترويج الثقافة السائدة ذات الطابع الغربي، واكتساح الفضاء الثقافي، وهيمنة الثقافات الغربية مهددة الثقافات الفرعية، وثقافة الجماعات الصغيرة، ومن ثمة الانزواء والاحتماء بالتاريخ والتراث، أو الذوبان في خضم الثقافة السائدة، والضياع في تيارها الجارف، ويظهر ذلك في تمثل الشباب وتقمصهم للأنماط الجديدة من الموضات، والأفكار، والقيم والأذواق، والعادات والتقاليد، والتي انعكست على كافة سلوكيات الشباب، مؤدية إلى تمييع الهوية المحلية (خيرة، 2017).
تؤثر أيضا مواقع التواصل الاجتماعي على غرار فيسبوك على بعض الأشخاص الذين يستخدمونه بشكل غير صحيح وغير لائق، خلال وجود الصفحات والجروبات، ونشر الصور والفيديوهات والروابط غير اللائقة والإساءة للأديان، وبعض الشخصيات الدينية وتشويه صورة الأديان (شفيق، 2018).
وربما يمكن اعتبار هذه الطامة الكبرى، فقد قام بعض المخربين بعمل ما يمكن تسميته بحرب بين الأديان على فيسبوك، وذلك عن طريق الإساءة لدين معين أو تشويه صورته بأي وسيلة تتاح، وكل ذلك يحصل لصالح نمط اتصال الكتروني مصمم من قبل شركات، لا صلة لها بهويتنا أو تقاليدنا العربية والإسلامية، حيث تحصل حالة من تفكيك الهويات الأصلية والحقيقية، وتشكل عصبيات وهويات افتراضية وهجينة ومركبة (مركز الحرب الناعمة للدراسات، 2016).