لخّصلي

لقــد كان األمــر الصغــر يتواجــد يف املنطقــة التــي تتواجــد فيهــا الكواكــب التاليــة: 325 و326 و327 و328 و329 و330 . فبدأ بزيارهتا بحثا عن مهنة، وحتى يكتسب معرفة. ـك جيلــس عــى عــرش بســيط،
الكوكــب األول كان يســكنه م
ويرتــدي األرجــوان وفــرو القاقــم. ولكنــه رغــم بســاطته كانــت معــامل
ُ األهبــة واجلــال تظهــر عليــه، وعندمــا رأى امللــك َ األمــر ً صــاح قائــا:
هــذا مــن أبنــاء رعيتــي.
ّف ع ّيل َّ مع أنه مل يرين من قبل؟
قال األمري يف نفسه: كيف تعر
ّ مل يــدرك األمــر الصغــر بــأن العــامل بالنســبة إىل امللــوك بســيط
جــد ّ ا. وكل النــاس رعايــا.
ًّ
قـال امللك، وعليـه الكرب ّ يـاء إىل حد كبري ً لكونـه ملكا ألحـد الرعايا:
أدن منـي حتـى أراك رؤية أفضل.
بحـث األمي ّ ر بعينيـه عـن مـكان للجلـوس، ولكـن الكوكـب كله
كان قـد امتلأ باملعطـف الرائـع املصنـوع مـن فـرو القاقـم؛ رداء امللـك.
لذلـك بقـي األمي ً ر واقفـا وكان قـد تعـب فتثـاءب.
68
قـال امللـك: ليـس مـن األدب أن تتثـاءب بحضرة امللـك، أنـا
أمنعـك مـن التثـاؤب.
أجـاب األمير الصغير بخجـل كبير: ال أسـتطيع أن أمنـع نفيس،
قـد كانـت رحلتـي طويلـة ومل أنم.
قـال امللـك: يف هـذه احلالـة أنـا آمـرك بالتثـاؤب، منـذ سـنني َ مل أر
ً شـخصا يتثـاءب، التثـاؤب بالنسـبة يل موضوع يثير الفضول، هيـا تثاءب
ّ ثانيـة إنـه أمر.
69
متتـم األمير الصغير وقـد امحـر وجهـه مـن اخلجـل: أنـا متعـب
اآلن.. ال أسـتطيع التثـاؤب يف هـذه اللحظـة.
َ : إذن يف هـذه احلالـة
ـر
ُّ
َّ أجـاب امللـك، وهـو يتمتـم ويبـدي التَذم
ّ ّ ة أن متتنـع؛ وذلـك ألن ُ امللـوك حتـرص
ّ ة أن تتثـاءب وآمـرك مـر
آمـرك مـر
ًا على أن ُتترم هيبتهـم وسـلطاهنم، فلا يتسـاهلون يف أمـر الطاعـة.
دائم
وكان هـذا امللـك مطلـق السـلطان، غير أنـه كان طيـب النفـس فال
يأمـر إال بما هـو معقول.
ًا َ : إذا أصـدْر ُت ً قـرارا جلنرال أن يتحـول إىل طائر من
كان يقـول دائم
طيـور البحـر ومل يطعني، مل يكـن ذلك ذنبه بـل ذنبي.
استفرس األمري الصغري بخجل: هل تسمح يل باجللوس؟
ُ َك ّ باجللـوس فاجلس. وجـذب إليه بعـزة وجالل
قـال امللـك: إين آمـر
ذيلًا من ذيـول معطفـه املصنوع مـن فـرو القاقم.
وكان األمير يعجـب مـن صغـر هـذا الكوكـب ويقـول: على مـن
حيكـم امللـك يف هـذا الكوكـب الصغير؟
ثم سأل امللك قائًل: أستميحك العذر يف أن أطرح عليك سؤاًل.
فبادر امللك قائًل: إين آمرك أن تسألني.
قال األمري: سيدي أنت من حتكم؟
70
أجاب امللك ببساطة: أحكم كل يشء.
قال األمري: كل يشء!
بإشـارة هادئـة أشـار امللـك إىل كوكبـه وإىل الكواكـب األخـرى
وكل النجـوم.
سأل األمري َّ : كل ذلك؟
َّ أجاب امللك: كل ذلك.
ًّا.
ِ ً فحسب، بل كان ملكا كوني
ُ َطلَق السلطان
فهو مل يكن م
قال األمري: وهل تطيعك النجوم؟
قـال امللـك: بالتأكيـد. إهنـم يطيعـون عـى الفـور، فأنـا ال أتسـامح
مـع الفـوىض.
فعجـب األمير الصغير مـن هـذه السـلطة، وقـال يف نفسـه: لـو
كنـت على يشء مـن هـذا لشـهدت يف اليوم اثنني وسـبعني غروب شـمس
ِّ ك
ال أربعـة وأربعين فقـط، بـل شـهدت منهـا مئـة ومئتين دون أن أحـر
ً مقعـدي أبدا.
وشــعر بكآبــة تغمــر نفســه عندمــا تذكــر كوكبــه الصغــر الــذي
ّ أَ عــى طلــب معــروف مــن امللــك فقــال:
ّ هجــره، ثــم جتــر
ّ أريــد أن أشــاهد غــروب الشــمس.. تكــرم عــي هبــذا الفضــل،
أطلــب إىل الشــمس أن تغــرب.
71
ُ فقـال امللـك: لـو أمـرت جنـراًل أن يطـر مـن زهـرة إىل زهـرة كـا
تفعـل الفراشـات، أو أن يؤلـف مأسـاة، أو أن يتحـول إىل طائـر مـن طيـور
البحـر ومل ينفـذ أمـري، أينـا سـيكون املخطـئ أنـا أم هـو؟
فقال األمري بكل ثقة: ستكون أنت.
فقال امللك: بالضبط..
فليـس مـن احلكمـة أن تطلـب مـن أحـد إال مـا يسـتطيع أن يقـدم،
ّ إن أول أركان السـلطة العقـل.
ّ إن طلبــت إىل شــعبك أن يلقــي نفســه يف البحــر فإنــه ســيقوم
ّ بالتمــرد والثــورة عليــك، وهلــذا فلــدي احلــق أن أطلــب الطاعــة عندمــا
تكــون أوامــري معقولــة.
ّذك َ ـره األمـر الصغـر عـن سـؤال طرحـه ومل ينس ُـه فقـال: وغروب
ا لشمس ؟
ّ قـال امللـك: إن طلبـك لغـروب الشـمس فسـيكون. سـألح عليـه،
ولكنـي سـأنتظر الوقـت املالئـم حتـى تكـون الـروط مواتيـة.
فقال األمري: متى ستكون؟
أجـاب امللـك بعـد أن نظـر يف تقويـم ضخـم: سـيكون يف .. يف
حـوايل السـاعة السـابعة وأربعي ّ ن دقيقـة! ثـم سترى كيف سـأطاع.
72
تثـاءب األمير الصغير، وهـو يتأسـف عىل ضيـاع غروب الشـمس
ّ الـذي فاتـه، وقـال للملـك: ليـس لـدي أي يشء آخـر أفعلـه هنـا، لذلـك
ًا!
سـأنرصف ذاهب
ً وكان امللـك فخـورا بـأن يكـون لديـه أحـد الرعايـا. فقـال لـه: ال
ً ا!
ِّنك وزيـر
تنصرف .. ال تنصرف، سـأعي
فقال األمري الصغري: وزير ماذا؟
قال امللك: وزير عدل!
قـال األمري الصغري: ولكن ال يوجد هنا أحد ألحاكمه!
قـال امللـك: ال أدري، أنـا مل أقـم بجولـة كاملـة يف مملكتـي. إننـي
عجـوز جـدا، وليس هنـا مكان يتسـع ملركبة أركبهـا، أما امليش فلا أطيقه.
ًّ
قـال األمير بعـد أن ألقـى نظـرة إىل اجلهـة األخـرى مـن الكوكب:
ً قـد نظـرت إىل جهـات الكوكـب مجيع َ ـا فلـم أر ً أحدا.
ّ أجـاب امللـك: يف هـذه احلالـة فإنـك سـتحكم على نفسـك مـن
ّ نفسـك، وهـذا أصعـب مـا يكـون. إن مقاضـاة الشـخص نفسـه ألصعب
مـن مقاضـاة غيره. إذا نجحـت يف إصـدار حكم عـادل عىل نفسـك فهذا
حقا.
ًّ
ًا
ًـا حكيم
ّ يعنـي أنـك أصبحـت قاضي
قـال األمير الصغير: أنـا أسـتطيع أن أحكـم على نفسي يف أي
مـكان، وهلـذا فـإين ال أحتـاج إىل أن أعيـش يف هـذا الكوكـب.
73
َ قـال امللـك وهو يتمتـم ويبدي الك َـدَر: أعتقـد أنه يوجد فـأر عجوز
يف مـكان مـا مـن مملكتـي أسـمعه يف الليـل من وقت آلخـر. إنك تسـتطيع
أن حتاكمـه، وأن حتكـم عليـه باإلعـدام. وهكـذا سـتصبح حياتـه رهنًـا
حلكمـك، وستسـاحمه يف كل مـرة لتبقيـه يف الكوكـب فليـس فيـه غريه.
قـال األمير الصغير: أنـا ال أحـب أن أحكـم على أحـد باملـوت،
أعتقـد فعلًا أنـه جيـب عل ّي أن أذهـب.
قال امللك: ال.
وبعـد أن تأهـب األمير الصغير للذهـاب، مل يـرد أن ينغـص امللـك
الشـيخ بعصيـان ألوامـره فقال:
ً ا أسـتطيعه كأن
َ إذا شـئت يـا سـيدي أن تطـاع مبـارشة فمـرين أمـر
ُ َك أن تذهـب خلال دقيقـة، ويبـدو يل أن الظـروف مواتيـة.
تقـول: آمـر
َّ تـردَد األمير الصغي ّ ر أمـام عـدم إجابـة امللـك يف البدايـة، ثـم تنهد
ّنك سـف ًريا.
واسـتأذن ، فبـادر امللـك وصـاح بـه قائلًا: سـأعي
ّ وكان يبدو كأن له سلطة كبرية.
قال األمري ّ يف نفسه وهو يتابع رحلته: إن شأن الكبار لغريب