لخّصلي

فيقول في نفسه : و كأنه ما لبس جلباب هرم ، لا أبا لك يسأم لا يحسن منهم العمل ؟ و كنت مؤمنا بالله العظيم . فمن تعلقبهمن سكان الأرض سلم فعلمت أنه أمر من أوامر الله ، فأوصيت بني و قلت لهم عند الموت : إن قام قائم يدعوكم إلى عبادة الله فأطيعوه . و مهما يكتم الله يعلم و إنها المنزلة بالقدم و كم أهلكت مثلك ،

و ينتظر الشيخ ( ابن القارح ) في رياض الجنة فيرى قصرين منيفين ، فيقول في نفسه :
لأبلغن هذين القصرين لمن هما ؟
فإذا قرب لأحدهما ، رأى مكتوب عليه : 《 هذا القصر لزهير بن أبي سلمى المنزني 》
و على الآخر : 《 هذا القصر لعبيد بن الأبرص الأسدي 》
و يلتمس لقاء الشاعرين ليسألهما بم غفر لهما ؟
فيبتدئ بزهير ، فيجده شابا كالزهرة الجنية ، قد وهب قصرا ، و كأنه ما لبس جلباب هرم ، و لا تأفف من الهرم و كأنه لم يقل الميمية :
سئمت تكاليف الحياة و من يعش * ثمانين حولا ، لا أبا لك يسأم
و لم يقل في الأخرى :
الم ترني عمرت تسعين حجة * و عشرا تباعا عشتها و ثمانيا
فيقول : جير ، جير ! انت أنت أبو كعب و بجير ؟ فيقول : نعم . فيقول : بم غفر لك ؟ و قد كنت في زمان الفترة و الناس همل ، لا يحسن منهم العمل ؟
فيقول : كانت نفسي من الباطل نفورا ، فصادفت ملكا غفورا ، و كنت مؤمنا بالله العظيم . رأيت فيما يرى النائم حبلا نزل من السماء ، فمن تعلقبهمن سكان الأرض سلم
فعلمت أنه أمر من أوامر الله ، فأوصيت بني و قلت لهم عند الموت : إن قام قائم يدعوكم إلى عبادة الله فأطيعوه . و لو أدركت محمدا لكنت أول المؤمنين ، و قلت في الميمية :
فلا تكتمن الله في أنفوسكم * ليخفى ، و مهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر * ليوم في الحساب أو يعجل فينقم
فيطلع فيري 《 ابليس 》 _ لعنة الله _ و هو يضطرب في الأغلال و السلاسل و مقامع الحديد تأخذه تأخذه من يدي الزبانية ، فيقول : الحمد لله الذي أمكن منك يا عدو الله وعدو أوليائه ، لقد أهلكت من بني آدم طوائف لا يعلم عددها إلا الله . فيقول : من الرجل ؟ فيقول أنا فلان ابن فلان من أهل حلب كانت صناعتي الأدب ،أتقرب به إلى الملوك فيقول : بالصناعة إنها تهب غفر من العيش لا يتسع بها العيال ، و إنها المنزلة بالقدم و كم أهلكت مثلك ، فهنيئا لك إذا نجوت ، فأولى لك ثم أولى ، و إن لي إليك لحاجة فإن قضيتها شكرتك يد المنون .
فيقول إني لا أقدر لك على نفع ، فإن الآية سبقت في أهل النار أعني قوله تعالى : 《 و نادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيون أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ، قالوا إن الله حرمها على على الكافرين 》 فيقول : إني لا أسألك في شيئ من ذلك ، و لكن أسألك عن خبير تخبريني إن الخمر حرمت عليكم في الدنيا و أحلت لكم في الآخرة فيقول : و إن في الجنة لأشربه كثيرة غير الخمر فما فعل بشار بن برد ؟ فإن له عندي يدا ليست لغيره من ولد آدم ، كان يفضلني دون الشعراء و هو قائل :
ابليس أفضل من أبيكم آدم * فتبينوايا معشر الأشرار
النار عنصره ، و آدم طينة * و الطين لا يسمو سمو النارلقد قال الحق و لم يزل قائله من الممقوتين .
فلا يسكت من كلامه إلا و رجل في أصناف العذاب يغمض عينيه
حتى لا ينظر إلى ما نزل به من نقم ، فيفتحهما الزبانية بكلاليب من نار ، و إذا هو بشار بن برد قد اعطي عينين بعد العمى للنظر إلى ما نزل به من النكال
فيقول له : _ أعلى الله درجته _ يا أبت معاذ لقد أحسنت في مقالك و أسأت في معتقدك ، و لقد كنت في الدار العاجلة أذكر بعض قولك فأترجم عليك ظنا أن التوبة ستلحقك مثل قولك :
ارجع على سكن تعيش به * ذهب الزمان و أنت منقرد
ترجو غدا ، و غد كحاملة * في الحي لا يدرون ما تلد