لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

تمهید
على الرغم من الاسهامات التي قدمتها الاتجاهات النظرية الكلاسيكية العامة الاتجاه المحافظ والاتجاه الراديكالي) لتفسير الواقع الاجتماعي الأوروبي خلال القرن التاسع عشر، وتلك الاتجاهات والتيارات الفكرية التي انبثقت عن هذين الاتجاهين والتي اهتمت بدراسة المدينة الأوروبية خلال تلك الفترة والمدينة الأمريكية في فترات لاحقة، إلا أن تلك الاتجاهات جميعها قد تعرضت للعديد من الانتقادات التي أشرنا إلى بعضها أنفا.قيمية وسياسية.ومن جانب آخر ، لا شك أن التطورات التي شهدتها المجتمعات سواء المتقدمة صناعياً، أو البلدان النامية خلال النصف الثاني من القرن العشرين على وجه التحديد، قد أفرزت مشكلات اجتماعية جديدة لم يعد بالامكان تفسيرها وتحليلها انطلاقا من المقولات النظرية للاتجاهات الكلاسيكية الأمر الذي تطلب تطوير تلك الاتجاهات النظرية والمنهجية لتتناسب وحجم هذه التغيرات العالمية من ناحية،الكلاسيكية العامة ( المحافظ والراديكالي من ناحية ثانية، وتلك الاتجاهات والمداخل التي اهتمت بالتحضر والمشكلات الحضرية من ناحية ثالثة. وانطلاقاً من ذلك، فإن فهم وتحليل الاتجاهات النظرية والمنهجية الحديثة العامة، وتلك التي اهتمت بقضايا التحضر والمدينة على الصعيدين العالمي والاقليمي يتطلب ضرورة التعرف على التغيرات التي تعرضت لها المدن
ويرجع ذلك إلى التطورات التي مرت بها العلوم الاجتماعية خلال العقود الأخيرة. حيث أصبحت المدينة موضوعاً لدراسة علوم كثيرة من أهمها الاجتماع والجغرافيا، والاقتصاد، والسكان، والسياسة، فضلا عن العلوم التطبيقية الأخرى كتخطيط المدن والهندسة المعمارية. ولقد صاحب هذا التخصص تطورات هامة طرأت على مناهج البحث وبخاصة سيطرة النزعتين الكمية والاجرائية. ناهيك عن إنشغال عدد من علماء الاجتماع الحضري خلال القرن العشرين وبخاصة في الولايات المتحدة بتصميم أدوات قياسية عديدة
من أجل فهم الظواهر الحضرية. وإذا كان هناك الآن اتجاهات نظرية متعددة ومتصارعة في دراسة المدينة فإن هذا التنوع والتباين يعكس التعدد في التصورات والرؤى السوسيولوجية
من ناحية،٠٠
١٦,٧٨,٤٣,٠٠
٦٣,٧٥,٠٠
٥٦,٨٢,٦٨,٥٩,٢٩,أفريقيا
آسيا
أمريكا الجنوبية
أمريكا الشمالية
أوروبا
أمريكا الوسطى
العالم
يتضح من البيانات السابق أن معدلات النمو الحضري خلال النصف
الثاني من القرن العشرين قد إتجهت إلى التزايد بشكل مستمر. فبينما كانت نسبة سكان المدن على مستوى العالم في بداية الخمسينيات ٢٩,٣% من إجمالي سكان العالم ارتفعت هذه النسبة خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات حتى بلغت في منتصف التسعينيات ٤٥,٢%، ومن المتوقع أن تصل نسبة السكان الحضريين على مستوى العالم خلال عام ٢٠١٠ إلى حوالي ٥٩,٥% من إجمالي السكان. وهذا يعنى أن معدلات النمو الحضري خلال النصف الثاني من القرن الماضي قد شهدت ارتفاعاً متزايداً على
المستوى العالمي. ولاشك أن ذلك النمو جاء انعكاساً لمجموعة من العوامل والظروف التي سوف تتحدث عنها بمزيد من التفصيل عندما تتناول الفروق والاختلافات بين النمو الحضري الذي شهدته البلدان المتقدمة صناعيا، وذلك
وتؤكد بيانات إحصائية أخرى على أن معدل نمو السكان الحضريين على مستوى العالم يتزايد بشكل مستمر، حيث يصل هذا المعدل إلى أربعة أضعاف معدل النمو السكاني في الريف. فما بين عام ( ١٩٩٠-٢٠٢٥) من المتوقع أن يصل عدد الأشخاص الذين يعيشون في مناطق حضرية إلى الضعف، أى ما يزيد عن خمسة بلايين نسمة، وأنه لو حدث ذلك،وإزاء تلك التغيرات التي شهدها العالم بشكل عام، والمجتمعات الحضرية بخاصة، وذلك لفهم هذه التغيرات المجتمعية، وتشخيص وتحليل ما أفرزته تلك التغيرات من مشكلات في مختلف المجالات وعلى الرغم من أن معظم الاتجاهات النظرية الحديثة قد انطلقت من مفاهيم وتصورات كلاسيكية، إلا أنها سعت إلى تطوير تلك التصورات بما يتناسب وطبيعة التغيرات العالمية الجديدة من ناحية، وطبيعة وحجم المشكلات الناجمة عن تلك التغيرات من ناحية أخرى.ونتيجة لتطور الاتجاهات النظرية والمنهجية في ميدان علم الاجتماع العام فقد ظهرت أيضاً اتجاهات ورؤى ومداخل نظرية ومنهجية حديثة في ميدان علم الاجتماع الحضري باعتباره فرعاً متميزاً من فروع علم الاجتماع العام. ولكن أيضاً وبصورة أكثر وضوحاً على مستوى البلدان النامية بشكل عام. ومن ثم فالأمر يتطلب منا أن نقدم عرضاً تفصيليا لأهم الاتجاهات والمداخل النظرية والمنهجية التي اهتمت بدراسة وتحليل الواقع الحضري والمشكلات الحضرية التي أفرزها النمو الحضري المتزايد خلال النصف الثاني من القرن الماضي
على وجه الخصوص.أولاً: الاتجاهات النظرية والمنهجية الحديثة ملامح التطور
لقد تزامن حصول العديد من البلدان النامية على استقلالها السياسي منذ بداية الخمسينيات وخلال الستينيات مع ظهور الحرب الباردة والتي طبعت العلاقات بين الشرق والغرب بالتوتر والنزاع فعلى الرغم من انحسار الاستعمار التقليدي (العسكرى)، إلا أن البلدان النامية قد دخلت في اطار نمط جديد من العلاقات غير المتكافئة حيث خضعت تلك البلدان السياسات الاستقطاب سواء من جانب القوى الأمريكية أو من جانب القوى السوفيتية. ومن ثم أصبحت تلك البلدان مسرحاً للعديد من مظاهر الصراع الدولي الذي اتخذ أشكالاً وأنماطاً جديدة غير تلك التي كانت سائدة خلال المرحلة الاستعمارية التقليدية بالاضافة إلى أن اهتمام الولايات المتحدة والاتحاد
السوفيتي بالبلدان النامية لأسباب عديدة اقتصادية وسياسية واستراتيجية
القوتين الأمريكية والسوفيتية. أصبحت البلدان النامية تواجه بعد حصولها على استقلالها السياسي تحديات على الصعيدين الدولي والداخلي. حيث تمثلت التحديات الداخلية في التغيرات السريعة التي تعرضت لها البني الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه المجتمعات بشكل عام، والبني
الحضرية بصفة خاصة.ولقد حظيت ظاهرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلدان النامية على اهتمام مفكرى العلوم الاجتماعية بصفة عامة، ومن ثم نمت حيث ،Modernization & Development Theories نظريات التحديث والتنمية اهتم المتخصصون في الجامعات ومراكز البحوث الغربية بتطوير هذا الحقل الأكاديمي الجديد. وقد كان الهدف المعلن لهذا القل الجديد يتمثل في دراسة أوضاع البلدان حديثة الإستقلال، ومساعدتها على اختيار الأسلوب الأمثل لتحقيق تنميتها بينما كان الهدف الحقيقي الكامن وراء تطوير هذا الحقل والذي يتضح من خلال المفاهيم التحديثية التي طرحها هؤلاء المنظرون جميعا يتمثل في الترويج للمفاهيم والطرق الغربية بغرض نشرها بين أفراد الفئة المثقفة من صانعي القرار في البلدان التي أطلق عليها مصطلح البلدان المتخلفة Underdevelopment، ذلك المصطلح الذي تم تغييره بعد ذلك للتخفيف من حدته وحساسيته، فقد أفرزت تلك التطورات أيضا ظهور نظريات التبعية Dependency Theories لفهم وتفسير ظاهرتي التخلف والتنمية، وكذلك تحديد
الأسلوب الأمثل لتنمية تلك المجتمعات.منذ الخمسينيات.ومن جانب آخر، فقد تبنت مدرستا التحديث والتبعية منهجين مختلفين تمام الاختلاف في معالجتهما لأسباب وعوامل التخلف وامكانيات التنمية في البلدان النامية. فبينما ترى نظريات التحديث أن مشكلة التخلف هي نتاج العوامل وظروف داخلية، تركز نظريات التبعية على النظام الرأسمالي الدولي وتعتبره مسئولا بشكل أساسي عن تخلف البلدان النامية. وفي حين تتبنى نظريات التحديث الأيديولوجيا الليبرالية أو الرأسمالية، تنطلق معظم نظريات
التبعية من الأيديولوجيا الماركسية - اللينينية.وانطلاقا من تلك الخلفية، يمكننا أن نعرض بإيجاز لأهم المسلمات الفكرية التي انطلقت منها نظريات التحديث، ونظريات التبعية في تفسير ظاهرتي التخلف والتنمية في البلدان النامية. وأهم الانتقادات التي وجهت لكل منها. ثم نتعرف على الاسهامات التي قدمتها تلك النظريات لفهم وتفسير الواقع الاجتماعي الحضري المتغير والمشكلات الحضرية التي يعاني منها. فليس
ثمة شك في أن النمو الحضري المتزايد الذي شهدته البلدان النامية خلال النصف الثاني من القرن الماضي كان ولا يزال يمثل أحد أهم التحديات والمشكلات البنائية التي تواجه تلك المجتمعات، وذلك بسبب تفاقم المشكلات الاجتماعية والحضرية المعقدة والمتنامية التي أفرزها ذلك النمو الحضري ليس فقط على مستوى البني الحضرية، فضلا عن أن تلك المشكلات الحضرية المتنامية قد أسهمت بدرجات متباينة في تجسيد واقع التخلف الذي تعانى منه البلدان النامية، كما أنها تمثل في الوقت ذاته أحد أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق التنمية في هذه المجتمعات.وفيما يلى عرض موجز النظريتي التحديث والتبعية 1- نظرية التحديث المسامات الأساسية وأهم الانتقادات التي تعرضت لها.تنحدر نظريات التنمية والتحديث الغربية من منحدرين أساسيين في علم الاجتماع الغربي أحدهما يركز على البعد الثقافي، بينما يهتم الثاني بالبعد البنيوي للمجتمع. ونظراً لضخامة أدبيات هذه المدرسة الفكرية، فلقد قسمت نظرياتها وفق اهتماماتها المختلفة إلى عدد من المداخل المنهجية التحليلية منها المدخل الثقافي والمدخل البنيوي الوظيفي، والمدخل التاريخي التطوري، وغيرهم).وتقع معظم نظريات التحديث والتنمية باستثناء عدد محدود منها ضمن اطار الثنائيات، والتي تقوم على فرضية أساسية مؤداها وجود نمطين متباينين من المجتمعات هما مجتمعات تقليدية، ومجتمعات حديثة، وأن لكل
وأن العلاقة بين التقليدي والحديث هي علاقة صراع في طبيعتها، تحاول فيها القوى التقليدية مقاومة المظاهر الحديثة في مختلف المجالات والقطاعات وأن التنمية هي التقدم
باتجاه واحد من النمط التقليدي إلى النمط الحديث المتقدم (۳). ويعتبر المدخل البنائي الوظيفي من الأساسيات النظرية العلم الاجتماع الحضري بين العلماء الأمريكيين، وقد أصبح هذا المدخل ذات قيمة أساسية العلم الاجتماع الحضري. وثمة أمور كثيرة تؤكد على الاتصال الفكري الواضح بين النظريات الحضرية والنظريات السوسيولوجية العامة في علم الاجتماع منها ما ذهب إليه سيجوبرج" من أن الأطر النظرية التي تقوم على متغيرات البيئة أو المدينة أو التكنولوجيا أو القيم الثقافية أو القوة، لا يمكن أن تقوم بوظيفتها في التوجيه السليم لمسار البحث العلمي في المجتمع الحضري إلا إذا كان هناك اهتمام من علماء الاجتماع الحضري بالنظريات السوسيولوجية العامة، لأن ذلك يمكنهم من إيضاح الرؤية بأبعاد الواقع الحضري (٤).ومن ثم تأثر كثير من علماء الاجتماع بالأفكار النظرية التي قدمتها البنائية الوظيفية وبخاصة الاطار الفكرى الذي قدمه " بارسونز" والذي يتعلق بتأثير القيم على البناء الاجتماعي للمجتمع.ولقد انطلقت نظريات التحديث والتنمية من مجموعة من المسلمات الفكرية في رؤيتها وتحليلها لظاهرتي التخلف والتنمية، تلك النظريات قد جاءت امتداداً وتطويراً للاتجاهات الكلاسيكية الغربية من ناحية، واستجابة للتطورات والتغيرات التي شهدها العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي من ناحية أخرى. ومن أهم تلك المسلمات التي شكلت محور اهتمام
منظرى هذه النظريات ما يلي:
التركيز على دراسة تحول البلدان النامية من المظاهر والسمات التقليدية إلى الخصائص والسمات العصرية التي تحققت في البلدان الغربية الرأسمالية
المتقدمة صناعياً.أن ثمة خصائص تميز المجتمعات التقليدية منها أنها مجتمعات زراعية يغلب عليها الطابع الريفي، وتتميز أيضاً بسيادة العلاقات الأولية الشخصية والتدين والتجانس، وانتشار نمط الأسرة الممتدة Extended Family، وسيادة نمط الاقتصاد المعيشي، وانخفاض
معدلات الحراك الاجتماعي بينما تتميز المجتمعات الحديثة المتقدمة بخصائص وسمات أخرى مختلفة منها التصنيع Industrialization والتحضر، وتقسيم العمل والعلمنة Secularization وانتشار نمط الأسرة النووية، وزيادة معدلات الحراك الاجتماعي، والتغير الاجتماعي
السريع (٦). وانطلاقاً من مقولة الثنائيات، حيث تنتشر في المجتمعات النامية القيم التقليدية التالية: الانتشار Diffuseness، والعزو Ascription، والطقوسية Ritualism
والخصوصيات Particularism، والتقديس Sacrediess. أما القيم التي تميز المجتمعات الحديثة المتقدمة فتتمثل في النوعية Specificit و العلمنة، Universalism العموميات Rationality والعقلانية ، Achievement والانجاز ومن ثم يؤكد منظرو التحديث على أن انتشار القيم الحديثة في البلدان المتقدمة تمثل عاملا أساسياً من عوامل تقدمها. ولذلك فالتحديث من وجهة نظرهم يشير إلى مجموعة من العمليات المتزامنة التي تتحول بواسطتها المجتمعات التقليدية الزراعية الفقيرة إلى مجتكعات صناعية. وأن التصنيع بعد عاملا أساسيا للتحديث وأن ذلك سيؤدى إلى التحول من القيم التقليدية
إلى القيم الاجتماعية الحديثة (7). وترى أنه لكي يصبح المجتمع حديثا فإنه لابد من التصنيع أولا. ويعتقد العلماء الذين يؤيدون نظرية التحديث أن المجتمعات الغنية تملك الثروة الآن، لأنها نجحت في تبنى مفهوم التحديث، ومن ثم يقترح هؤلاء أن نشأة النظم الرأسمالية في البلدان النامية يمثل المفتاح لتحويل تلك المجتمعات التقليدية إلى النمط الحديث وأن المجتمعات الفقيرة الآن هي فقيرة لأنها لم تتمكن من التخلى عن الطرق التقليدية في تنظيم المجتمع. ونتيجة لذلك فأنها لم تتمكن من تأسيس وتطوير النظم الرأسمالية الحديثة. وتفترض تلك النظريات أنه إذا ما أرادت البلدان النامية أن تحقق تنميتها، فإن عليها أن تحاكي Emulate التجربة الغربية في التنمية.أيديولوجية، فضلا عن الاعتماد على التكنولوجيا الغربية. هذه الأمور تمثل الخيار الوحيد أمام تلك المجتمعات لتحقيق التنمية والتقدم (۸).ه كما تؤكد نظريات التحديث أيضا على أن تخلف دول العالم الثالث وتأخرها لا يعد راجعا إلى تمفصلها القهرى Forcefully Articulated عن طريق اعتبارها موقعاً تابعاً للاقتصاد الرأسمالي العالمي، ووقوعها في نطاق الرأسمالية المحيطية Peripherial Capitalism، وانما يرجع هذا التقهقر إلى أن تلك المجتمعات لم تستطع التعرف على طريقها الصحيح للتحديث
الرأسمالي (1).نقد وتعقيب
على الرغم من أهمية التحليلات والاسهامات النظرية التي قدمتها نظريات التحديث والتنمية الغربية في تفسيرها لظاهرتي التخلف والتنمية في البلدان النامية خلال الخمسينيات والستينيات، إلا أن هذه النظريات رغم تنوع مداخلها النظرية وتعدد أساليبها المنهجية قد تعرضت للعديد من الانتقادات
من أهمها:
1- أن مشكلة التخلف لا تكمن فقط في عدم قدرة البلدان الفقيرة على تحطيم خصائصها التقليدية، الأمر الذي أفرز التناقضات الطبقية " الأغنياء والفقراء" داخل البنى الاجتماعية لتلك المجتمعات. وعلى الصعيد الخارجي من جانب القوى الرأسمالية الاستعمارية خلال المرحلة الاستعمارية، ومن جانب ذات القوى
الرأسمالية العالمية من خلال علاقات التبعية
بأشكالها المختلفة وبخاصة في
مراحل ما بعد الاستقلال
لقد تعرض نموذجا " التقليد -2 والتحديث لانتقادات كثيرة من أهمها وصف هذين النموذجين بأنهما نموذجان مجردان إفتراضيان لا يعطيان صورة حقيقية وواقعية سواء بالنسبة للبلدان النامية أو البلدان المتقدمة. وأن تطبيق هذين النموذجين يعد مسألة نسبية، ومن ثم فإن واقع البلدان النامية في كثير من الحالات كان مخالفاً للافتراضات النظرية التي انطلقت منها هذه النظريات. فإذا كانت المجتمعات المتقدمة تتميز بتوجهات الانجاز، فليس
أن العلاقة بين التقليدي والحديث ليست -3 بالضرورة علاقة صراع دائم تتسم بوجود كامل أو نفي كامل لأحدهما أو للآخر فمن الممكن للمظاهر والعناصر والمكونات التقليدية أن تتزامن وتتعايش في المجتمع الواحد خلال مرحلة معينة. كما أن المكونات الحديثة غالباً ما تحافظ على وجود العناصر والمكونات التقليدية وتضيف اليها، ولكنها لا تنفيها تماماً أو تحل محلها. ولقد أظهرت العديد من الكتابات والتحليلات التي تناولت التكوينات الاجتماعية النامية أن تلك التكوينات تضم بداخلها أنماطاً وعناصر تقليدية وأخرى حديثة تتميز بالتعايش والتمفصل Articulation وأنه يمكن الكشف عن ذلك من خلال تحليل البنى الاقتصادية الاجتماعية والسياسية والثقافية لتلك التكوينات بشكل عام، فالمدينة في تلك البلدان تضم عناصر ومكونات وخصائص تقليدية وأخرى حديثة، وأن العلاقة بين تلك العناصر والمكونات تتميز بالتداخل والتعايش على الرغم من التباين والتنوع القائم بينها جميعاً.تضم أيضا إلى جانب العناصر والخصائص الحديثة عناصر وسمات أخرى
تقليدية تعبر عن مراحل تاريخية مختلفة
تبدو الصبغة الأيديولوجية -4 لنظريات التحديث الغربية أكثر وضوحاً في تفسيرها لأسباب التخلف في البلدان النامية. حيث اعتبرت تلك المشكلة نتاجا لعوامل وظروف داخلية تتعلق بطبيعة البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لهذه المجتمعات. وأنها لا تمتلك المصادر والمقومات لتحقيق التنمية، الخصائص القيمية . ه إن التحليل المتعمق للأطروحات التي قدمها -5 منظرو التحديث يكشف عن تعصب هؤلاء للأسلوب الرأسمالي الليبرالي باعتباره النموذج المثالي للتنمية. مما أدى إلى تبسيط عملية التحديث وجعلها عملية ميكانيكية تعتمد على الانتقال التلقائي الأطرادي من مرحلة لأخرى وصولاً إلى المرحلة النهائية وهي التقدم والتنمية دون مراعاة للخصوصية البنائية والثقافية لهذه البلدان النامية.6-وعلى الصعيدين النظري والتطبيقي، فقد حصرت تلك النظريات عملية تحديث البلدان النامية في اتجاه يكرس تبعيتها واعتمادها على المجتمعات الغربية المتقدمة صناعيا، وذلك بتركيزها على فكرة التفوق الغربي الذي لا يمكن منازعته. ومن ثم حث البلدان النامية على اتباع النموذج الغربي للتحديث والذي يضمن أن نمو هذه المجتمعات لا ينبغي أن يتخطى اسس
نموذجه الأمر الذي يكفل للمجتمعات الغربية استمرار التفوق المطلق على
لم تستطع نظريات التحديث أن تقدم تفسيرا شموليا لبعض معطيات الواقع الحضري في البلدان النامية مثل: استمرار الفقر بعامة، والفقر الحضري Urban Poverty وتزايد معدلاته وأن هناك عوامل خارجية أسهمت خلال مراحل مختلفة في استمرارية الفقر العالمي Global poverty وذلك من الطلاقا من أن العالم الأول تم تحديثه من موقع القوة العالمية Global Strength وأن دول العالم الثالث لا يمكن أن تدخل مجال التحديث من موقع الضعف العالمي Global Weakness ومن ثم ركزت هذه النظريات على أن أسباب الفقر العالمي تكمن في داخل المجتمعات الفقيرة ذاتها بدلا من تحليل أسباب
اللامساواة العالمية (١٠). وثمة انتقادات أخرى تتمثل في أن المجتمعات التقليدية أو الغربية المتقدمة لا يمكن النظر إليها على أنها مجتمعات متجانسة داخليا. ومن ناحية أخرى ليس بالضرورة أن يكون نموذج التحديث وفقا لأطروحات هذه النظريات نموذجا ناجح دائماً. فالتغيرات ليست باستمرار تغيرات تنموية، فقد تكون تغيرات حادة ذات نتائج سلبية، وأن التقهقر التاريخي Historical Regression عادة ما يكون محتملا (۱۱). وأنه إذا كان التغير الاجتماعي يعد ظاهرة عامة، فلاشك أن معدلاته وسرعته واتجاهاته ومن ثم اثاره تختلف من مجتمع لآخر ومن مرحلة الأخرى، وذلك وفقا الظروف كل مجتمع من جانب، ومدى انفتاحه على العالم الخارجي من جانب
آخر، ومدى تقبل المجتمع لتلك التغيرات وتفاعله معها أو رفضها ومقاومتها
من جانب ثالث. وينتقد بعض المحللين نظريات التحديث في استخدامها لمفهوم التحديث والخلط بينه وبين مفاهيم أخرى مثل " التصنيع والتحضر. حيث يؤكدون على أنه إذا كان التحديث وفقا لتلك النظريات لا يعنى أكثر من نمو المدينة أو زيادة التصنيع، فإنه يعد مفهوماً مضللا، وأن المجتمع غير الحديث من وجهة نظر منظرى التحديث يعد مجتمعاً بدائيا، وأن هذا الاستخدام يدفعنا إلى أن تطلق على بعض المجتمعات بأنها مجتمعات " بربرية" Barbarian دون أن نستخدم هذا المصطلح القبيح gly Term(۱۲) ومن ثم يعد كل من التحضر والتحديث عمليتان منفصلتان غير أن الواقع يشير إلى أن ثمة علاقة بين النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات الناتج القومي لمجتمع ما عن طريق تطور التقنيات والذي يحدد التغير الأساسي في الطريقة التي ينظم بها المجتمع
ومشكلات حضرية بشكل خاص.يبقى القول، أنه إذا كانت نظريات التحديث قد تعرضت لكل هذه الانتقادات،أخرى منها تقلص الصراع بين العمل ورأس المال (١٤). وعلى صعيد آخر، فإن نظريات التحديث قد استطاعت من خلال تحديدها. لكيفية تأثير عملية التصنيع على الأبعاد الأخرى من الحياة الاجتماعية أن تفسر كيف ولماذا يغير التصنيع من المجتمع. ومن جانب آخر، كان لتلك النظريات تأثير هام بالنسبة للحكومات لعدة عقود، حيث ساهمت في تشكيل
السياسة الخارجية في الولايات المتحدة ودول العالم الأول الأخرى (١٥). وعلى الرغم من ذلك، فإن تطبيق مقولات وأطروحات نظريات التحديث على المجتمعات غير الغربية دون الوضع في الاعتبار خصوصية تلك المجتمعات يعد مسألة غير دقيقة، ويتنافي مع الحقائق التاريخية والمعاصرة الخاصة بتلك المجتمعات وبخاصة النامية. وربما كانت تلك الانتقادات التي وجهت لهذه النظريات من أهم العوامل التي أدت إلى ظهور اتجاه نظرى آخر سعى إلى تقديم تفسيرات وتحليلات أخرى لقضيتي التخلف والتنمية في مجتمعات العالم الثالث. وقد تمثل هذا الاتجاه الفكرى في نظريات التبعية. ومن ثم فإن الأمر يتطلب أن نقدم تحليلاً موجزاً لأهم الاسهامات الفكرية التي
قدمتها، والأساليب المنهجية التي اعتمدت عليها في تفسير هذه الاشكاليات
وأهم الانتقادات التي وجهت إليها.نظريات التبعية المسلمات الأساسية وأهم الانتقادات التي وجهت اليها: على أثر الانتقادات التي تعرضت لها نظريات التحديث والتنمية من جانب وكنتيجة لتطور الأفكار والأطروحات النظرية والأساليب المنهجية للماركسية من جانب آخر ظهرت نظريات التبعية التي تلتقى في اطار عام يتميز برفض المفاهيم والافتراضات التي انطلقت منها نظريات التحديث، وتقديم مفاهيم وتفسيرات أخرى في تحليل الاقتصاد السياسي للتنمية. وضمن هذا الاطار ثمة اختلافات وتباينات أساسية بين نظريات التبعية
ومن ثم التفسيرات المختلفة التي قدمها منظر و تلك النظريات الأمر الذي دفع البعض إلى القول بأنه ليس هناك نظرية عامة واحدة تجمع أدبيات التبعية المتصفة
بالتعددية.وثمة اتفاق بين معظم المحللين الذين ينتمون إلى هذه المدرسة الفكرية على أن التبعية هي الحالة التي يكون فيها اقتصاد دولة معينة متوقفا على التطور والتوسع لاقتصاد آخر يكون الأول خاضعا له ومن ثم فالتبعية هي علاقة بين دولتين احداهما مسيطرة اقتصادياً، والثانية خاضعة لها. ولقد ربط بعض منظرى التبعية علاقة التبعية بالنظام الرأسمالي العالمي الذي يؤدى إلى تخلف وافقار المجتمعات التابعة. ومن ثم ميزوا بين دول المركز وهي الدول
الرأسمالية المسيطرة على الاقتصاد العالمي والدول المحيطية وهي الدول
ولقد واجه الكتاب الماركسيين العديد من المشاكل عند محاولاتهم تطبيق المنظور الماركسي لفهم الكثير من القضايا والمسائل الحضرية. ومن ثم نجد أنه حتى أواخر الستينيات، إلا أنه لم تكن هناك أعمالاً إمبريقية يمكن أن يقال عنها أنها قدمت نظرة متعمقة في محاولة فهم عمليات التطور والنمو الحضري. وبداية تدخل الدولة في توجيه العمليات الاجتماعية الحضرية. ولقد اكتفي الكتاب الماركسيين في علم اجتماع ما بعد الحرب بالتأكيد وبطريقة مجردة بحتة على ضرورة أن ينظر للمدينة على أنها مرأة تعكس كل من الثقافة والصراع الطبقي، ولكنهم لم يوضحوا على أي نحو يمكن أن شهم هذه النظرة في ايجاد تفسيرات جديدة للظواهر الاجتماعية
الحضرية (۱۷). وفي أوائل السبعينيات ظهرت تأكيدات جديدة حول البحث في بناء المدن أو البناء الحضري بوجه عام، وقد دعم هذا المجال بعدد من الأفكار الجديدة إلى جانب مجموعة من الانتقادات التي وجهت للأفكار المبكرة أو القديمة. ولقد كان من بين هذه الاهتمامات النامية بدراسة السياسات الحضرية والتي كانت تمثل استجابة حية لادراك حقيقة أن القصور الواضح في تأثير البحث
الحضري على التطور السياسي يرجع في جانب منه إلى الفهم الناقص والمبتور لكيف تعمل المدينة ذاتها، وبصفة خاصة كيف يعمل الجهاز السياسي للمدينة؟. ومن هنا ظهرت عناصر حديثة في التراث حاولت قياس تأثيرات المجتمع المحلي وتأثيرات التحضر على السياسات الحكومية. وكان ذلك يعد بمثابة اعترافاً متزايدا بأن النمو الحضري هو عملية سياسية بقدر ما هو عملية اجتماعية واقتصادية
وفيزيقية (۱۸).ومن جانب آخر، فقد ظهر مدخل الاقتصاد السياسي في أعمال كل من هار في D. Harvey و كاسل M. Castells ، وتاب Taab . وغيرهم)، حيث انطلق هؤلاء من المنظور الماركسي بعد تطوير مقولاته النظرية الكلاسيكية. كما قدم باحثون آخرون تصورات نقدية عند دراستهم وتحليلهم لبعض المشكلات الحضرية مثل: الأزمات الحضرية الفيزيقية، والتدهور الحضري، ومشكلات الاسكان.


النص الأصلي

تمهید


على الرغم من الاسهامات التي قدمتها الاتجاهات النظرية الكلاسيكية العامة الاتجاه المحافظ والاتجاه الراديكالي) لتفسير الواقع الاجتماعي الأوروبي خلال القرن التاسع عشر، وتلك الاتجاهات والتيارات الفكرية التي انبثقت عن هذين الاتجاهين والتي اهتمت بدراسة المدينة الأوروبية خلال تلك الفترة والمدينة الأمريكية في فترات لاحقة، إلا أن تلك الاتجاهات جميعها قد تعرضت للعديد من الانتقادات التي أشرنا إلى بعضها أنفا. فضلا عن هذه التيارات الفكرية المتباينة لم تكن تخلو من مضامين أيديولوجية وتحيزات


قيمية وسياسية.


ومن جانب آخر ، لا شك أن التطورات التي شهدتها المجتمعات سواء المتقدمة صناعياً، أو البلدان النامية خلال النصف الثاني من القرن العشرين على وجه التحديد، قد أفرزت مشكلات اجتماعية جديدة لم يعد بالامكان تفسيرها وتحليلها انطلاقا من المقولات النظرية للاتجاهات الكلاسيكية الأمر الذي تطلب تطوير تلك الاتجاهات النظرية والمنهجية لتتناسب وحجم هذه التغيرات العالمية من ناحية، ولتفادى الانتقادات التي وجهت للاتجاهات


الكلاسيكية العامة ( المحافظ والراديكالي من ناحية ثانية، وتلك الاتجاهات والمداخل التي اهتمت بالتحضر والمشكلات الحضرية من ناحية ثالثة. وانطلاقاً من ذلك، فإن فهم وتحليل الاتجاهات النظرية والمنهجية الحديثة العامة، وتلك التي اهتمت بقضايا التحضر والمدينة على الصعيدين العالمي والاقليمي يتطلب ضرورة التعرف على التغيرات التي تعرضت لها المدن


وما صاحبها من مشكلات حضرية سواء في المجتمعات المتقدمة صناعيا أو


في مجتمعات العالم الثالث.
وتؤكد معظم التحليلات على أن الاهتمام بدراسة المدينة خلال القرن العشرين قد إتجه نحو مزيد من التحديد والتخصص، ويرجع ذلك إلى التطورات التي مرت بها العلوم الاجتماعية خلال العقود الأخيرة. حيث أصبحت المدينة موضوعاً لدراسة علوم كثيرة من أهمها الاجتماع والجغرافيا، والاقتصاد، والسكان، والسياسة، فضلا عن العلوم التطبيقية الأخرى كتخطيط المدن والهندسة المعمارية. ولقد صاحب هذا التخصص تطورات هامة طرأت على مناهج البحث وبخاصة سيطرة النزعتين الكمية والاجرائية. ناهيك عن إنشغال عدد من علماء الاجتماع الحضري خلال القرن العشرين وبخاصة في الولايات المتحدة بتصميم أدوات قياسية عديدة


من أجل فهم الظواهر الحضرية. وإذا كان هناك الآن اتجاهات نظرية متعددة ومتصارعة في دراسة المدينة فإن هذا التنوع والتباين يعكس التعدد في التصورات والرؤى السوسيولوجية


من ناحية، وتنوع وتباين الواقع الحضري من ناحية أخرى. ولاشك أن التغيرات التي شهدها العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي على كافة الأصعدة والمستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والإيكولوجية تفوق كثيراً تلك التي شهدها خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين وعلى الرغم من وجود فروق جوهرية بين المجتمعات المتقدمة صناعيا والبلدان النامية من حيث معدل النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتكنولوجي، الأمر الذي يعكس التمايز البناني بين النمطين، إلا أن الظاهرة اللافتة للنظر تتمثل في أن تلك التغيرات قد ارتبطت بإرتفاع معدلات التحضر ونمو أحجام المدن خلال هذا القرن بشكل لم يسبق له مثيل ليس فقط على مستوى البلدان المتقدمة صناعيا،
ولكن أيضاً بالنسبة للبلدان النامية بصفة عامة، الأمر الذي أدى إلى أن بعض الباحثين قد أطلق على القرن العشرين بأنه قرن التحضر وتؤكد البيانات


الاحصائية الواردة في الجدول التالي هذه الحقيقة.


جدول رقم (1)


نسبة سكان المدن إلى اجمالي السكان


في قارات العالم في سنوات مختلفة (1)


٢٠١٠


%١٩٥٠


٥٣,١


٣٤,٧


١٤,٥


٣٤,٠٠


١٦,٤


٧٨,٠٠


٤٣,٢


٨٥,٠٠


٧٦,٤


٦٣,٩


٧٥,٠٠


٥٦,٢


٨٢,٣


٦٨,٣


٣٩,٧


٥٩,٢


٢٩,٢


الاقليم / القارة


أفريقيا


آسيا


أمريكا الجنوبية


أمريكا الشمالية


أوروبا


أمريكا الوسطى


العالم


يتضح من البيانات السابق أن معدلات النمو الحضري خلال النصف


الثاني من القرن العشرين قد إتجهت إلى التزايد بشكل مستمر. فبينما كانت نسبة سكان المدن على مستوى العالم في بداية الخمسينيات ٢٩,٣% من إجمالي سكان العالم ارتفعت هذه النسبة خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات حتى بلغت في منتصف التسعينيات ٤٥,٢%، ومن المتوقع أن تصل نسبة السكان الحضريين على مستوى العالم خلال عام ٢٠١٠ إلى حوالي ٥٩,٥% من إجمالي السكان. وهذا يعنى أن معدلات النمو الحضري خلال النصف الثاني من القرن الماضي قد شهدت ارتفاعاً متزايداً على
المستوى العالمي. ولاشك أن ذلك النمو جاء انعكاساً لمجموعة من العوامل والظروف التي سوف تتحدث عنها بمزيد من التفصيل عندما تتناول الفروق والاختلافات بين النمو الحضري الذي شهدته البلدان المتقدمة صناعيا، وذلك


النمو الذي شهدته وماتزال - البلدان النامية بصفة خاصة. وتؤكد بيانات إحصائية أخرى على أن معدل نمو السكان الحضريين على مستوى العالم يتزايد بشكل مستمر، حيث يصل هذا المعدل إلى أربعة أضعاف معدل النمو السكاني في الريف. فما بين عام ( ١٩٩٠-٢٠٢٥) من المتوقع أن يصل عدد الأشخاص الذين يعيشون في مناطق حضرية إلى الضعف، أى ما يزيد عن خمسة بلايين نسمة، وأنه لو حدث ذلك، فإن ثلثى سكان العالم سيقطنون المدن وأن 90% من هذه الزيادة سوف تحدث في البلدان النامية.


وإزاء تلك التغيرات التي شهدها العالم بشكل عام، والمجتمعات الحضرية بخاصة، كان لابد وأن يشهد علم الاجتماع تطوراً على الصعيدين النظري والمنهجي، وذلك لفهم هذه التغيرات المجتمعية، وتشخيص وتحليل ما أفرزته تلك التغيرات من مشكلات في مختلف المجالات وعلى الرغم من أن معظم الاتجاهات النظرية الحديثة قد انطلقت من مفاهيم وتصورات كلاسيكية، إلا أنها سعت إلى تطوير تلك التصورات بما يتناسب وطبيعة التغيرات العالمية الجديدة من ناحية، وطبيعة وحجم المشكلات الناجمة عن تلك التغيرات من ناحية أخرى.


ونتيجة لتطور الاتجاهات النظرية والمنهجية في ميدان علم الاجتماع العام فقد ظهرت أيضاً اتجاهات ورؤى ومداخل نظرية ومنهجية حديثة في ميدان علم الاجتماع الحضري باعتباره فرعاً متميزاً من فروع علم الاجتماع العام.
تلك الاتجاهات قد اهتمت بدراسة الواقع الحضري المتغير والمشكلات المصاحبة لتلك التغيرات والتي اختلفت من حيث أنماطها ومعدلاتها وآثارها عن تلك التي كانت سائدة خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين حيث أصبحت المدن وبخاصة العواصم والمدن الكبرى تعانى من تلك المشكلات ليس فقط على مستوى البلدان المتقدمة صناعيا، ولكن أيضاً وبصورة أكثر وضوحاً على مستوى البلدان النامية بشكل عام. ومن ثم فالأمر يتطلب منا أن نقدم عرضاً تفصيليا لأهم الاتجاهات والمداخل النظرية والمنهجية التي اهتمت بدراسة وتحليل الواقع الحضري والمشكلات الحضرية التي أفرزها النمو الحضري المتزايد خلال النصف الثاني من القرن الماضي


على وجه الخصوص.


أولاً: الاتجاهات النظرية والمنهجية الحديثة ملامح التطور


لقد تزامن حصول العديد من البلدان النامية على استقلالها السياسي منذ بداية الخمسينيات وخلال الستينيات مع ظهور الحرب الباردة والتي طبعت العلاقات بين الشرق والغرب بالتوتر والنزاع فعلى الرغم من انحسار الاستعمار التقليدي (العسكرى)، إلا أن البلدان النامية قد دخلت في اطار نمط جديد من العلاقات غير المتكافئة حيث خضعت تلك البلدان السياسات الاستقطاب سواء من جانب القوى الأمريكية أو من جانب القوى السوفيتية. ومن ثم أصبحت تلك البلدان مسرحاً للعديد من مظاهر الصراع الدولي الذي اتخذ أشكالاً وأنماطاً جديدة غير تلك التي كانت سائدة خلال المرحلة الاستعمارية التقليدية بالاضافة إلى أن اهتمام الولايات المتحدة والاتحاد


السوفيتي بالبلدان النامية لأسباب عديدة اقتصادية وسياسية واستراتيجية
وعسكرية وأيديولوجية قد جعل تلك البلدان أكثر عرضة للتدخل من جانب


القوتين الأمريكية والسوفيتية.


وفي ظل هذه الظروف الدولية المتغيرة والقائمة على سياسات التوازن الدولي بين القوى الدولية الكبرى، أصبحت البلدان النامية تواجه بعد حصولها على استقلالها السياسي تحديات على الصعيدين الدولي والداخلي. حيث تمثلت التحديات الداخلية في التغيرات السريعة التي تعرضت لها البني الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه المجتمعات بشكل عام، والبني


الحضرية بصفة خاصة.


ولقد حظيت ظاهرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلدان النامية على اهتمام مفكرى العلوم الاجتماعية بصفة عامة، ومن ثم نمت حيث ،Modernization & Development Theories نظريات التحديث والتنمية اهتم المتخصصون في الجامعات ومراكز البحوث الغربية بتطوير هذا الحقل الأكاديمي الجديد. وقد كان الهدف المعلن لهذا القل الجديد يتمثل في دراسة أوضاع البلدان حديثة الإستقلال، ومساعدتها على اختيار الأسلوب الأمثل لتحقيق تنميتها بينما كان الهدف الحقيقي الكامن وراء تطوير هذا الحقل والذي يتضح من خلال المفاهيم التحديثية التي طرحها هؤلاء المنظرون جميعا يتمثل في الترويج للمفاهيم والطرق الغربية بغرض نشرها بين أفراد الفئة المثقفة من صانعي القرار في البلدان التي أطلق عليها مصطلح البلدان المتخلفة Underdevelopment، ذلك المصطلح الذي تم تغييره بعد ذلك للتخفيف من حدته وحساسيته، حيث أصبح يُطلق على هذه البلدان
وعلى صعيد آخر، فقد أفرزت تلك التطورات أيضا ظهور نظريات التبعية Dependency Theories لفهم وتفسير ظاهرتي التخلف والتنمية، وتحديد العوامل المسئولة عن تخلف جزء من العالم (أسيا وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية)، وتقدم الجزء الآخر أوروبا الغربية وأمريكا). وكذلك تحديد


الأسلوب الأمثل لتنمية تلك المجتمعات. وإذا كانت نظريات التحديث والتنمية الغربية قد انتشرت في أمريكا مع بداية الخمسينيات، فإن نظريات التبعية لم تتبلور في الولايات المتحدة وأوروبا باللغتين الانجليزية والفرنسية إلا في منتصف السبعينيات، على الرغم من أن تلك النظريات قد ظهرت في لغاتها الأصلية في أمريكا اللاتينية


منذ الخمسينيات.


ومن جانب آخر، فقد تبنت مدرستا التحديث والتبعية منهجين مختلفين تمام الاختلاف في معالجتهما لأسباب وعوامل التخلف وامكانيات التنمية في البلدان النامية. فبينما ترى نظريات التحديث أن مشكلة التخلف هي نتاج العوامل وظروف داخلية، تركز نظريات التبعية على النظام الرأسمالي الدولي وتعتبره مسئولا بشكل أساسي عن تخلف البلدان النامية. وفي حين تتبنى نظريات التحديث الأيديولوجيا الليبرالية أو الرأسمالية، تنطلق معظم نظريات


التبعية من الأيديولوجيا الماركسية - اللينينية.


وانطلاقا من تلك الخلفية، يمكننا أن نعرض بإيجاز لأهم المسلمات الفكرية التي انطلقت منها نظريات التحديث، ونظريات التبعية في تفسير ظاهرتي التخلف والتنمية في البلدان النامية. وأهم الانتقادات التي وجهت لكل منها. ثم نتعرف على الاسهامات التي قدمتها تلك النظريات لفهم وتفسير الواقع الاجتماعي الحضري المتغير والمشكلات الحضرية التي يعاني منها. فليس
ثمة شك في أن النمو الحضري المتزايد الذي شهدته البلدان النامية خلال النصف الثاني من القرن الماضي كان ولا يزال يمثل أحد أهم التحديات والمشكلات البنائية التي تواجه تلك المجتمعات، وذلك بسبب تفاقم المشكلات الاجتماعية والحضرية المعقدة والمتنامية التي أفرزها ذلك النمو الحضري ليس فقط على مستوى البني الحضرية، ولكن أيضاً على المستوى القومي. فضلا عن أن تلك المشكلات الحضرية المتنامية قد أسهمت بدرجات متباينة في تجسيد واقع التخلف الذي تعانى منه البلدان النامية، كما أنها تمثل في الوقت ذاته أحد أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق التنمية في هذه المجتمعات.


وفيما يلى عرض موجز النظريتي التحديث والتبعية 1- نظرية التحديث المسامات الأساسية وأهم الانتقادات التي تعرضت لها.


تنحدر نظريات التنمية والتحديث الغربية من منحدرين أساسيين في علم الاجتماع الغربي أحدهما يركز على البعد الثقافي، بينما يهتم الثاني بالبعد البنيوي للمجتمع. ونظراً لضخامة أدبيات هذه المدرسة الفكرية، فلقد قسمت نظرياتها وفق اهتماماتها المختلفة إلى عدد من المداخل المنهجية التحليلية منها المدخل الثقافي والمدخل البنيوي الوظيفي، والمدخل التاريخي التطوري، والمدخل المؤسسي والادارى. وثمة مجموعة من العلماء قدموا اسهامات واضحة في هذه المجالات المختلفة منهم على سبيل المثال (سملر، بارسونز برجر لینسکی، روستو ... وغيرهم).


وتقع معظم نظريات التحديث والتنمية باستثناء عدد محدود منها ضمن اطار الثنائيات، والتي تقوم على فرضية أساسية مؤداها وجود نمطين متباينين من المجتمعات هما مجتمعات تقليدية، ومجتمعات حديثة، وأن لكل
نمط منهما خصائص وسمات تميزه عن الآخر. وأن العلاقة بين التقليدي والحديث هي علاقة صراع في طبيعتها، تحاول فيها القوى التقليدية مقاومة المظاهر الحديثة في مختلف المجالات والقطاعات وأن التنمية هي التقدم


باتجاه واحد من النمط التقليدي إلى النمط الحديث المتقدم (۳). ويعتبر المدخل البنائي الوظيفي من الأساسيات النظرية العلم الاجتماع الحضري بين العلماء الأمريكيين، وقد أصبح هذا المدخل ذات قيمة أساسية العلم الاجتماع الحضري. وثمة أمور كثيرة تؤكد على الاتصال الفكري الواضح بين النظريات الحضرية والنظريات السوسيولوجية العامة في علم الاجتماع منها ما ذهب إليه سيجوبرج" من أن الأطر النظرية التي تقوم على متغيرات البيئة أو المدينة أو التكنولوجيا أو القيم الثقافية أو القوة، لا يمكن أن تقوم بوظيفتها في التوجيه السليم لمسار البحث العلمي في المجتمع الحضري إلا إذا كان هناك اهتمام من علماء الاجتماع الحضري بالنظريات السوسيولوجية العامة، لأن ذلك يمكنهم من إيضاح الرؤية بأبعاد الواقع الحضري (٤).


ومن ثم تأثر كثير من علماء الاجتماع بالأفكار النظرية التي قدمتها البنائية الوظيفية وبخاصة الاطار الفكرى الذي قدمه " بارسونز" والذي يتعلق بتأثير القيم على البناء الاجتماعي للمجتمع. واستخدموا مقولات هذا الاطار في تحليل نماذج من المجتمعات المعاصرة والمجتمع الأمريكي بصفة خاصة الأمر الذي دفع وليم كولب إلى القول بأن الاطار الذي قدمه بارسونز يناسب الدراسات المقارنة للبناء الاجتماعي الحضري (٥).
ولقد انطلقت نظريات التحديث والتنمية من مجموعة من المسلمات الفكرية في رؤيتها وتحليلها لظاهرتي التخلف والتنمية، تلك النظريات قد جاءت امتداداً وتطويراً للاتجاهات الكلاسيكية الغربية من ناحية، واستجابة للتطورات والتغيرات التي شهدها العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي من ناحية أخرى. ومن أهم تلك المسلمات التي شكلت محور اهتمام


منظرى هذه النظريات ما يلي:


التركيز على دراسة تحول البلدان النامية من المظاهر والسمات التقليدية إلى الخصائص والسمات العصرية التي تحققت في البلدان الغربية الرأسمالية


المتقدمة صناعياً.


أن ثمة خصائص تميز المجتمعات التقليدية منها أنها مجتمعات زراعية يغلب عليها الطابع الريفي، وتتميز أيضاً بسيادة العلاقات الأولية الشخصية والتدين والتجانس، وانتشار نمط الأسرة الممتدة Extended Family، وبطء معدلات التغير الاجتماعي، وسيادة نمط الاقتصاد المعيشي، وانخفاض


معدلات الحراك الاجتماعي بينما تتميز المجتمعات الحديثة المتقدمة بخصائص وسمات أخرى مختلفة منها التصنيع Industrialization والتحضر، وتقسيم العمل والعلمنة Secularization وانتشار نمط الأسرة النووية، وزيادة معدلات الحراك الاجتماعي، والتغير الاجتماعي


السريع (٦). وانطلاقاً من مقولة الثنائيات، يحدد مفكرو نظريات التحديث مجموعة من القيم التقليدية الأكثر انتشارا في المجتمعات التقليدية " النامية وأخرى حديثة تميز المجتمعات الحديثة " المتقدمة. حيث تنتشر في المجتمعات النامية القيم التقليدية التالية: الانتشار Diffuseness، والعزو Ascription، والطقوسية Ritualism
والخصوصيات Particularism، والتقديس Sacrediess. أما القيم التي تميز المجتمعات الحديثة المتقدمة فتتمثل في النوعية Specificit و العلمنة، Universalism العموميات Rationality والعقلانية ، Achievement والانجاز ومن ثم يؤكد منظرو التحديث على أن انتشار القيم الحديثة في البلدان المتقدمة تمثل عاملا أساسياً من عوامل تقدمها. ولذلك فالتحديث من وجهة نظرهم يشير إلى مجموعة من العمليات المتزامنة التي تتحول بواسطتها المجتمعات التقليدية الزراعية الفقيرة إلى مجتكعات صناعية. وأن التصنيع بعد عاملا أساسيا للتحديث وأن ذلك سيؤدى إلى التحول من القيم التقليدية


إلى القيم الاجتماعية الحديثة (7). ومن جانب آخر، تركز نظريات التحديث على الخبرة الصناعية للمجتمعات الغنية والتي قطعت مرحلة طويلة نحو تحقيق التحديث، وترى أنه لكي يصبح المجتمع حديثا فإنه لابد من التصنيع أولا. ويعتقد العلماء الذين يؤيدون نظرية التحديث أن المجتمعات الغنية تملك الثروة الآن، لأنها نجحت في تبنى مفهوم التحديث، ومن ثم يقترح هؤلاء أن نشأة النظم الرأسمالية في البلدان النامية يمثل المفتاح لتحويل تلك المجتمعات التقليدية إلى النمط الحديث وأن المجتمعات الفقيرة الآن هي فقيرة لأنها لم تتمكن من التخلى عن الطرق التقليدية في تنظيم المجتمع. ونتيجة لذلك فأنها لم تتمكن من تأسيس وتطوير النظم الرأسمالية الحديثة. وتفترض تلك النظريات أنه إذا ما أرادت البلدان النامية أن تحقق تنميتها، فإن عليها أن تحاكي Emulate التجربة الغربية في التنمية. وأن تحقيق ذلك لن يتم إلا من خلال نقل النظام الرأسمالي للإنتاج بكل ما يحمله من مضامين وقيم ثقافية وتوجهات
أيديولوجية، فضلا عن الاعتماد على التكنولوجيا الغربية. هذه الأمور تمثل الخيار الوحيد أمام تلك المجتمعات لتحقيق التنمية والتقدم (۸).


ه كما تؤكد نظريات التحديث أيضا على أن تخلف دول العالم الثالث وتأخرها لا يعد راجعا إلى تمفصلها القهرى Forcefully Articulated عن طريق اعتبارها موقعاً تابعاً للاقتصاد الرأسمالي العالمي، ووقوعها في نطاق الرأسمالية المحيطية Peripherial Capitalism، وانما يرجع هذا التقهقر إلى أن تلك المجتمعات لم تستطع التعرف على طريقها الصحيح للتحديث


الرأسمالي (1).


نقد وتعقيب


على الرغم من أهمية التحليلات والاسهامات النظرية التي قدمتها نظريات التحديث والتنمية الغربية في تفسيرها لظاهرتي التخلف والتنمية في البلدان النامية خلال الخمسينيات والستينيات، إلا أن هذه النظريات رغم تنوع مداخلها النظرية وتعدد أساليبها المنهجية قد تعرضت للعديد من الانتقادات


من أهمها:


1- أن مشكلة التخلف لا تكمن فقط في عدم قدرة البلدان الفقيرة على تحطيم خصائصها التقليدية، ولكنها تكمن أساساً في علاقات الاستغلال الذي تعرضت له هذه المجتمعات على الصعيدين الداخلي والخارجي على الصعيد الداخلي من جانب الطبقات والصفوات المسيطرة سياسياً واقتصاديا وأيديولوجيا، الأمر الذي أفرز التناقضات الطبقية " الأغنياء والفقراء" داخل البنى الاجتماعية لتلك المجتمعات. وعلى الصعيد الخارجي من جانب القوى الرأسمالية الاستعمارية خلال المرحلة الاستعمارية، ومن جانب ذات القوى
الرأسمالية العالمية من خلال علاقات التبعية
بأشكالها المختلفة وبخاصة في
مراحل ما بعد الاستقلال


لقد تعرض نموذجا " التقليد -2 والتحديث لانتقادات كثيرة من أهمها وصف هذين النموذجين بأنهما نموذجان مجردان إفتراضيان لا يعطيان صورة حقيقية وواقعية سواء بالنسبة للبلدان النامية أو البلدان المتقدمة. وأن تطبيق هذين النموذجين يعد مسألة نسبية، ومن ثم فإن واقع البلدان النامية في كثير من الحالات كان مخالفاً للافتراضات النظرية التي انطلقت منها هذه النظريات. فإذا كانت المجتمعات المتقدمة تتميز بتوجهات الانجاز، فليس

بالضرورة أن تتميز المجتمعات النامية بالعزو والأنساب.
أن العلاقة بين التقليدي والحديث ليست -3 بالضرورة علاقة صراع دائم تتسم بوجود كامل أو نفي كامل لأحدهما أو للآخر فمن الممكن للمظاهر والعناصر والمكونات التقليدية أن تتزامن وتتعايش في المجتمع الواحد خلال مرحلة معينة. كما أن المكونات الحديثة غالباً ما تحافظ على وجود العناصر والمكونات التقليدية وتضيف اليها، ولكنها لا تنفيها تماماً أو تحل محلها. ولقد أظهرت العديد من الكتابات والتحليلات التي تناولت التكوينات الاجتماعية النامية أن تلك التكوينات تضم بداخلها أنماطاً وعناصر تقليدية وأخرى حديثة تتميز بالتعايش والتمفصل Articulation وأنه يمكن الكشف عن ذلك من خلال تحليل البنى الاقتصادية الاجتماعية والسياسية والثقافية لتلك التكوينات بشكل عام، ومجتمعاتها الحضرية على وجه الخصوص. فالمدينة في تلك البلدان تضم عناصر ومكونات وخصائص تقليدية وأخرى حديثة، وأن العلاقة بين تلك العناصر والمكونات تتميز بالتداخل والتعايش على الرغم من التباين والتنوع القائم بينها جميعاً. فضلا عن أن المجتمعات الحديثة أو المتقدمة ذاتها
تضم أيضا إلى جانب العناصر والخصائص الحديثة عناصر وسمات أخرى
تقليدية تعبر عن مراحل تاريخية مختلفة
وعلى صعيد آخر، تبدو الصبغة الأيديولوجية -4 لنظريات التحديث الغربية أكثر وضوحاً في تفسيرها لأسباب التخلف في البلدان النامية. حيث اعتبرت تلك المشكلة نتاجا لعوامل وظروف داخلية تتعلق بطبيعة البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لهذه المجتمعات. وأنها لا تمتلك المصادر والمقومات لتحقيق التنمية، كما أنها تفتقر كذلك للطاقات والقدرات اللازمة التجاوز التخلف وتحقيق التنمية ومن ثم جاءت معالجة هذه النظريات لتلك المشكلة المعقدة معالجة غير دقيقة بسبب تحيزها وعموميتها وغموض العلاقات والمتغيرات التي ناقشتها التقليد الثقافة الأبعاد النفسية، الخصائص القيمية ... الخ.
ه إن التحليل المتعمق للأطروحات التي قدمها -5 منظرو التحديث يكشف عن تعصب هؤلاء للأسلوب الرأسمالي الليبرالي باعتباره النموذج المثالي للتنمية. مما أدى إلى تبسيط عملية التحديث وجعلها عملية ميكانيكية تعتمد على الانتقال التلقائي الأطرادي من مرحلة لأخرى وصولاً إلى المرحلة النهائية وهي التقدم والتنمية دون مراعاة للخصوصية البنائية والثقافية لهذه البلدان النامية.


6-وعلى الصعيدين النظري والتطبيقي، فقد حصرت تلك النظريات عملية تحديث البلدان النامية في اتجاه يكرس تبعيتها واعتمادها على المجتمعات الغربية المتقدمة صناعيا، وذلك بتركيزها على فكرة التفوق الغربي الذي لا يمكن منازعته. ومن ثم حث البلدان النامية على اتباع النموذج الغربي للتحديث والذي يضمن أن نمو هذه المجتمعات لا ينبغي أن يتخطى اسس
نموذجه الأمر الذي يكفل للمجتمعات الغربية استمرار التفوق المطلق على
غيرها من المجتمعات. لم تستطع نظريات التحديث أن تقدم تفسيرا شموليا لبعض معطيات الواقع الحضري في البلدان النامية مثل: استمرار الفقر بعامة، والفقر الحضري Urban Poverty وتزايد معدلاته وأن هناك عوامل خارجية أسهمت خلال مراحل مختلفة في استمرارية الفقر العالمي Global poverty وذلك من الطلاقا من أن العالم الأول تم تحديثه من موقع القوة العالمية Global Strength وأن دول العالم الثالث لا يمكن أن تدخل مجال التحديث من موقع الضعف العالمي Global Weakness ومن ثم ركزت هذه النظريات على أن أسباب الفقر العالمي تكمن في داخل المجتمعات الفقيرة ذاتها بدلا من تحليل أسباب


اللامساواة العالمية (١٠). وثمة انتقادات أخرى تتمثل في أن المجتمعات التقليدية أو الغربية المتقدمة لا يمكن النظر إليها على أنها مجتمعات متجانسة داخليا. وأن مفهومي التقليدي والحديث لا يمكن استخدامهما دون أن نضع في الاعتبار الخصوصية البنائية التاريخية والمعاصرة لكلا النمطين من المجتمعات. ومن ناحية أخرى ليس بالضرورة أن يكون نموذج التحديث وفقا لأطروحات هذه النظريات نموذجا ناجح دائماً. فالتغيرات ليست باستمرار تغيرات تنموية، فقد تكون تغيرات حادة ذات نتائج سلبية، وأن التقهقر التاريخي Historical Regression عادة ما يكون محتملا (۱۱). وأنه إذا كان التغير الاجتماعي يعد ظاهرة عامة، فلاشك أن معدلاته وسرعته واتجاهاته ومن ثم اثاره تختلف من مجتمع لآخر ومن مرحلة الأخرى، وذلك وفقا الظروف كل مجتمع من جانب، ومدى انفتاحه على العالم الخارجي من جانب
آخر، ومدى تقبل المجتمع لتلك التغيرات وتفاعله معها أو رفضها ومقاومتها


من جانب ثالث. وينتقد بعض المحللين نظريات التحديث في استخدامها لمفهوم التحديث والخلط بينه وبين مفاهيم أخرى مثل " التصنيع والتحضر. حيث يؤكدون على أنه إذا كان التحديث وفقا لتلك النظريات لا يعنى أكثر من نمو المدينة أو زيادة التصنيع، فإنه يعد مفهوماً مضللا، وأن المجتمع غير الحديث من وجهة نظر منظرى التحديث يعد مجتمعاً بدائيا، وبالتالي فالمجتمع الحديث وفقا لهذا التصور هو النموذج الأفضل. وأن هذا الاستخدام يدفعنا إلى أن تطلق على بعض المجتمعات بأنها مجتمعات " بربرية" Barbarian دون أن نستخدم هذا المصطلح القبيح gly Term(۱۲) ومن ثم يعد كل من التحضر والتحديث عمليتان منفصلتان غير أن الواقع يشير إلى أن ثمة علاقة بين النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات الناتج القومي لمجتمع ما عن طريق تطور التقنيات والذي يحدد التغير الأساسي في الطريقة التي ينظم بها المجتمع


نفسه (۱۳) والواقع أن التحديث والتصنيع والتحضر تمثل عمليات اجتماعية متداخلة ومتشابكة، وأن كلا منها يؤثر في الآخر ويتأثر به من ناحية، وأن هذه العمليات يتوقف نموها وتأثيرها على درجة النمو الاقتصادي ومعدلاته من ناحية أخرى وأن نمو وتطور كل منها يحدد مستوى ودرجة التغير الاجتماعي المجتمع معين في مرحلة معينة، وما يعكسه ذلك التغير من مشكلات اجتماعية بشكل عام، ومشكلات حضرية بشكل خاص.
يبقى القول، أنه إذا كانت نظريات التحديث قد تعرضت لكل هذه الانتقادات، قلمة تساؤل مؤداه لمإذا حصلت تلك النظريات على هذا الذيوع والانتشار في العلوم الاجتماعية في الولايات المتحدة في الستينيات؟. للاجابة على هذا التساؤل تؤكد بعض التحليلات أن من العوامل المسئولة عن انتشار تلك النظريات أنها تناولت موضوعات مثل: التحضر الفرعي Suburbanization، وتقلص المجتمعات الحضرية المتماسكة ثقافيا وكذلك انخفاض النزعة العرقية في الحياة الأمريكية فضلا عن موضوعات


أخرى منها تقلص الصراع بين العمل ورأس المال (١٤). وعلى صعيد آخر، فإن نظريات التحديث قد استطاعت من خلال تحديدها. لكيفية تأثير عملية التصنيع على الأبعاد الأخرى من الحياة الاجتماعية أن تفسر كيف ولماذا يغير التصنيع من المجتمع. ومن جانب آخر، كان لتلك النظريات تأثير هام بالنسبة للحكومات لعدة عقود، حيث ساهمت في تشكيل


السياسة الخارجية في الولايات المتحدة ودول العالم الأول الأخرى (١٥). وعلى الرغم من ذلك، فإن تطبيق مقولات وأطروحات نظريات التحديث على المجتمعات غير الغربية دون الوضع في الاعتبار خصوصية تلك المجتمعات يعد مسألة غير دقيقة، ويتنافي مع الحقائق التاريخية والمعاصرة الخاصة بتلك المجتمعات وبخاصة النامية. وربما كانت تلك الانتقادات التي وجهت لهذه النظريات من أهم العوامل التي أدت إلى ظهور اتجاه نظرى آخر سعى إلى تقديم تفسيرات وتحليلات أخرى لقضيتي التخلف والتنمية في مجتمعات العالم الثالث. وقد تمثل هذا الاتجاه الفكرى في نظريات التبعية. ومن ثم فإن الأمر يتطلب أن نقدم تحليلاً موجزاً لأهم الاسهامات الفكرية التي
قدمتها، والأساليب المنهجية التي اعتمدت عليها في تفسير هذه الاشكاليات


وأهم الانتقادات التي وجهت إليها.


نظريات التبعية المسلمات الأساسية وأهم الانتقادات التي وجهت اليها: على أثر الانتقادات التي تعرضت لها نظريات التحديث والتنمية من جانب وكنتيجة لتطور الأفكار والأطروحات النظرية والأساليب المنهجية للماركسية من جانب آخر ظهرت نظريات التبعية التي تلتقى في اطار عام يتميز برفض المفاهيم والافتراضات التي انطلقت منها نظريات التحديث، وتقديم مفاهيم وتفسيرات أخرى في تحليل الاقتصاد السياسي للتنمية. فضلا عن ابراز تأثير الرأسمالية العالمية في استمرار تخلف البلدان النامية إلى جانب التركيز على الحل الاشتراكي الثورى واعتباره أساساً لمعالجة مشكلات البلدان المتخلفة. وضمن هذا الاطار ثمة اختلافات وتباينات أساسية بين نظريات التبعية


وذلك من حيث مستويات اهتماماتها ومناهجها وأساليبها التحليلية، ومن ثم التفسيرات المختلفة التي قدمها منظر و تلك النظريات الأمر الذي دفع البعض إلى القول بأنه ليس هناك نظرية عامة واحدة تجمع أدبيات التبعية المتصفة


بالتعددية.


وثمة اتفاق بين معظم المحللين الذين ينتمون إلى هذه المدرسة الفكرية على أن التبعية هي الحالة التي يكون فيها اقتصاد دولة معينة متوقفا على التطور والتوسع لاقتصاد آخر يكون الأول خاضعا له ومن ثم فالتبعية هي علاقة بين دولتين احداهما مسيطرة اقتصادياً، والثانية خاضعة لها. ولقد ربط بعض منظرى التبعية علاقة التبعية بالنظام الرأسمالي العالمي الذي يؤدى إلى تخلف وافقار المجتمعات التابعة. ومن ثم ميزوا بين دول المركز وهي الدول
الرأسمالية المسيطرة على الاقتصاد العالمي والدول المحيطية وهي الدول


المتخلفة التابعة لها (١٦).


ولقد واجه الكتاب الماركسيين العديد من المشاكل عند محاولاتهم تطبيق المنظور الماركسي لفهم الكثير من القضايا والمسائل الحضرية. ومن ثم نجد أنه حتى أواخر الستينيات، ورغم أن البعض تمكن من تفسير عدد من الظواهر الحضرية باستخدام المقولات الماركسية، إلا أنه لم تكن هناك أعمالاً إمبريقية يمكن أن يقال عنها أنها قدمت نظرة متعمقة في محاولة فهم عمليات التطور والنمو الحضري. ولقد تبنت بعض الكتابات التاريخية اطاراً ماركسيا الوصف التغيرات الحضرية التي عايشتها المدن خلال القرن التاسع عشر، إلا أن السياق الذي تم تحليله في هذه الدراسات كان يقع - إلى حد كبير جدا خارج الفترة الزمنية التي شهدت وجود الأنساق السياسية الليبرالية الديموقراطية، وبداية تدخل الدولة في توجيه العمليات الاجتماعية الحضرية. ولقد اكتفي الكتاب الماركسيين في علم اجتماع ما بعد الحرب بالتأكيد وبطريقة مجردة بحتة على ضرورة أن ينظر للمدينة على أنها مرأة تعكس كل من الثقافة والصراع الطبقي، ولكنهم لم يوضحوا على أي نحو يمكن أن شهم هذه النظرة في ايجاد تفسيرات جديدة للظواهر الاجتماعية


الحضرية (۱۷). وفي أوائل السبعينيات ظهرت تأكيدات جديدة حول البحث في بناء المدن أو البناء الحضري بوجه عام، وقد دعم هذا المجال بعدد من الأفكار الجديدة إلى جانب مجموعة من الانتقادات التي وجهت للأفكار المبكرة أو القديمة. ولقد كان من بين هذه الاهتمامات النامية بدراسة السياسات الحضرية والتي كانت تمثل استجابة حية لادراك حقيقة أن القصور الواضح في تأثير البحث
الحضري على التطور السياسي يرجع في جانب منه إلى الفهم الناقص والمبتور لكيف تعمل المدينة ذاتها، وبصفة خاصة كيف يعمل الجهاز السياسي للمدينة؟. كما كان يرجع في جانب منه إلى الوعى المتزايد بأهمية الأدوار التي تلعبها السياسات الحكومية والأجهزة العامة والمنظمات والدولة وأهمية السلوك السياسي في تشكيل طابع وحياة المدن. ومن هنا ظهرت عناصر حديثة في التراث حاولت قياس تأثيرات المجتمع المحلي وتأثيرات التحضر على السياسات الحكومية. وكان ذلك يعد بمثابة اعترافاً متزايدا بأن النمو الحضري هو عملية سياسية بقدر ما هو عملية اجتماعية واقتصادية


وفيزيقية (۱۸).


ومن جانب آخر، فقد ظهر مدخل الاقتصاد السياسي في أعمال كل من هار في D. Harvey و كاسل M. Castells ، وتاب Taab .... وغيرهم)، حول التحضر والبناء المكاني الحضري، حيث انطلق هؤلاء من المنظور الماركسي بعد تطوير مقولاته النظرية الكلاسيكية. كما قدم باحثون آخرون تصورات نقدية عند دراستهم وتحليلهم لبعض المشكلات الحضرية مثل: الأزمات الحضرية الفيزيقية، والتدهور الحضري، ومشكلات الاسكان... وغيرها من المشكلات الأخرى. وقد أكد هؤلاء على أن المشكلات الحضرية هي انعكاس للتناقضات داخل النظام الرأسمالي ذاته، وأن الحل الوحيد لتلك المشكلات يتمثل في


تغيير النظام (۱۹).


وعلى الرغم من تعدد وتباين وجهات نظر المفكرين الذين ينتمون إلى مدرسة التبعية، إلا أن ثمة مجموعة من المسلمات الأساسية التي شكلت رؤيتهم النظرية واطارهم المنهجي في تناول قضية التخلف من حيث عواملها
وأبعادها والمشكلات المصاحبة لها من جانب، وكذلك تصوراتهم حول


الأسلوب الأمثل للتنمية من جانب آخر.


ويمكننا ايجاز تلك المسلمات والأفكار الأساسية فيا يلى: أكدت نظريات التبعية على أن التخلف ظاهرة من صنع الاستغلال الذي مارسته القوى الرأسمالية والتي تمثل العالم الأول على بلدان العالم الثالث المحيطية. وأن طبيعة النظام الرأسمالي العالمي تؤدى إلى تحقيق التطور الاقتصادي في بعض أجزائه المراكز، وإحداث التخلف في أجزائه الآخر المحيطات أو الهوامش. ومن ثم فالتخلف كما نعرفه اليوم في البلدان النامية والتقدم الذ تشاهده ف البلدان الصناعية هما وجهان لعملة واحدة، ونتيجتان متزامنتان ومتداخلتان لتطور النظام الاقتصادي الرأسمالي المتكامل. وأن دول المركز كما يذكر فرانك Frank لم تكن في السابق دولا متخلفة كما هو الوضع الحالي لدول الهامش، ولكنها كانت دولا غير متطورة Undeveloped


في حين بليت دول الهامش بظروف التخلف (۲۰)


تؤكد نظريات التبعية أيضاً على أن التخلف بكل ما يعكسه من مشكلات اجتماعية وحضرية على وجه الخصوص له جذور تاريخية ارتبطت بالعلاقات غير المتكافئة بين القوى الرأسمالية العالمية والمستعمرات (آسيا، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأن تلك العلاقات غير المتكافئة قد أدت بالمستعمرات إلى أن تتخذ موقعاً تابعاً في التقسيم الدولي للعمل، الأمر الذي أدى إلى افقارها، حيث إعتبرت مزرعة لإنتاج المواد الخام اللازمة للصناعة الأوروبية من جانب، وسوقا لتصريف المنتجات الأوروبية المصنعة من جانب آخر. ومن ثم أدت تلك الأوضاع إلى ظهور قوى اجتماعية جديدة في
المستعمرات ارتبطت مصالحها بمصالح القوى الاستعمارية واستفادت من


وجودهم (۲۱).


ومن ناحية أخرى، تؤكد نظريات التبعية على أن علاقات الاستغلال التي تعرضت لها البلدان النامية من قبل القوى الرأسمالية العالمية قد اتخذت أشكالا جديدة بعد حصول تلك الدول على استقلالها السياسي منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، وبخاصة خلال الخمسينيات والستينيات. وقد تمثلت في التبعية الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والثقافية، الأمر


الذي أدى إلى استمرار التخلف على كافة الأصعدة والمستويات (۲۲). لقد نجحت نظريات التبعية في تحويل الدراسات الأكاديمية نحو تساؤلات جديدة، وتمكنت من طرح مفاهيم نظرية متميزة لفهم طبيعة التخلف والتنمية في البلدان النامية. وأصبحت مصطلحات مثل دول الهامش والدول التابعة تستخدم على قدم المساواة وتفوق أحيانا مصطلحات المجتمعات التقليدية


والعالم الثالث التي استخدمتها نظريات التحديث والتنمية الغربية. ه لقد تجنب منظرو التبعية بشكل عام استخدام مصطلحى التقليدي الحديث في دراساتهم وتحليلاتهم المشكلات التخلف في دول الهامش. ومن ثم لم يهتموا بدراسة ما يوصف بازدواجية الأنماط العصرية في المدن، والأنماط التقليدية في الريف، ولكنهم يفضلون البحث في ازدواجية الأنماط الرأسمالية في المدن مع المظاهر الاقطاعية في الريف أو استغلال صفوة المدن من البرجوازية لسكان الريف من المزارعين الفقراء وانطلاقا من ذلك هناك من يرى أن خضوع دول الهامش للاستعمار في مراحل تطورها التاريخية السابقة قد أدى - وبخاصة في أمريكا اللاتينية إلى نشوء مجتمعين أحدهما اقطاعي ومتخلف في المناطق الريفية، والآخر رأسمالي وأكثر تقدما في المدن في حين يكتفي البعض الآخر بالتركيز على توضيح كيفية خضوع الريف " هامش الهامش السيطرة صفوة المدن مراكز الهامش والتي قامت باستغلال الريف لتحقيق مصالحها من ناحية ومصالح القوى الخارجية الاستعمارية من ناحية أخرى دون الاهتمام بتنميته (۲۳).


وعلى الصعيد المنهجي، فقد أكد منظرو التبعية (فرانك، والرشتاين، سنكل سمير أمين حمزة علوى... وغيرهم على الدور الذي يلعبه النظام الرأسمالي العالمي في نشأة حالة التبعية واستمرارها. ومن ثم فإن وحدة التحليل الأساسية من وجهة نظرهم في النسق العالمي، وعدم اعطاء أهمية المفهوم الدولة والمجتمع القومي كوحدتين لتحليل أسباب التخلف الذي تعانى منه البلدان المحيطية أو النامية. وعلى الرغم من ذلك فإن التكوين التاريخي للطبقات الاجتماعية يعد نقطة انطلاق هامة يمكن من خلالها ربط الخصوصيات القومية بالعموميات العالمية. غير أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن ثمة تجانساً وتشابها في بنى البلدان النامية، بحيث يمكننا التوصل إلى تعميمات وأحكام مطلقة، وإنما ينبغى أن يراعى في التحليل الاختلافات الجوهرية والخصوصيات التي تميز البنية الاجتماعية لكل مجتمع نام، فضلا عن ظروفه التاريخية وموقعه داخل الاقتصاد العالمي (٢٤). - استخدم بعض منظرى التبعية مقولة التكوين الاجتماعي وتمفصل الأساليب الإنتاجية لتفسير واقع التخلف الذي تعيشه البلدان النامية من ناحية وكرد فعل لمقولة " الازدواجية Dualism التي تمثل أحد المفاهيم الأساسية التي اعتمدت عليها نظريات التحديث من ناحية أخرى وأنه إذا كانت الازدواجية أو الثنائية في التراث الغربي تعنى وجود كيانين منفصلين ومستقلين عن بعضهما، وليس بينهما تفاعل أو تداخل، فإن التكوين الاجتماعي يشير إلى بنية اجتماعية تتكون من الأساليب الإنتاجية المتباينة والتي تتميز بسيطرة أحد الأساليب الإنتاجية على الأساليب الأخرى، والتي تظل متفاعلة ومتعايشة مع هذا الأسلوب المسيطر. وأن كلا من هذه الأساليب التقليدية والحديثة) يرتبط ببنية اجتماعية وثقافية تعبر عنه وتدعم وجوده واستمراريته وفاعليته داخل التكوين الاجتماعي الاقتصادي. وأنه على الرغم من تباين الأساليب الإنتاجية، فإن العلاقة بينها ليست بالضرورة علاقة صراع دائم، كما أنها لا تعنى وجودا أو نفيا لأحدهما أو للآخر. ولكن الواقع يشير إلى أنه من الممكن للعناصر التقليدية والحديثة أن تتعايش وتتمفصل داخل التكوين الاجتماعي الواحد خلال مرحلة تاريخية معينة وأنه وفقا لذلك، فإن الواقع الاجتماعي الاقتصادي للتكوينات الاجتماعية للبلدان النامية بصفة عامة والتكوينات الحضرية بخاصة يؤكد على وجود أسلوب إنتاجي مسيطر وهناك أساليب إنتاجية تقليدية متفاعلة ومتداخلة، وأن التغيرات التي تعرضت لها هذه التكوينات التابعة لم تكن بحال من الأحوال تغيرات جذرية


شمولية (٢٥).


ومن جانب آخر، أكدت نظريات التبعية على أن التنمية ليست كما تبدو في التحول الخطى من النمط التقليدي إلى النمط الحديث. وأن ثمة عقبات تواجه عملية التنمية في البلدان النامية لا تتمثل في الثقافات التقليدية، ولكنها تتمثل بالدرجة الأولى في علاقات الاستغلال الرأسمالي لتلك المجتمعات. ومن ثم التأكيد على أن جوهر عملية التنمية وفقا لنظريات التبعية يتمثل في التنمية المعتمدة على الذات، أو التنمية بدون التبعية Without Dependency (٢٦)


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

Memory consists...

Memory consists of electronic components that store instructions waiting to be executed by the proce...

L'homme est un ...

L'homme est un omnivore; il a donc besoin d'aliments d'origine végétale et animale. Se nourrir exclu...

توجه ماثيو بقوا...

توجه ماثيو بقوادته البنية عبر الطريق الممتد لثمانية أميال، المؤدي إلى بلدة برايت ريفر، وكان الطريق س...

Le terrain de v...

Le terrain de volley-ball est un rectangle mesurant 18 mètres de longueur et 9 mètres de largeur, di...

الموضوع الأول ل...

الموضوع الأول لغة الإنسان مقدمة اللغة أو اللسان آية من آيات الله سبحانه وتعالى، ومعجزة من معجزاته في...

تقرير عن الحالة...

تقرير عن الحالة لاختبار رسم الرجل أولا: البيانات الأساسية للعميل الاسم السن الرمز: ثانياً: الد...

مطالبة المدعية ...

مطالبة المدعية اإلزام المدعى عليها إعادة الرسوم الجمركية التي قامت بسدادها على كمية الموز والأناناس ...

With the rising...

With the rising climate change and environmental sustainability concerns, numerous organizations are...

Branding plays ...

Branding plays an important role in enhancing any commercial performance and is a closed tool that ...

لما كان للمقاول...

لما كان للمقاول والمقاولاتية كل هذه الأهمية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، برزت العديد ...

هو علمٌ يقوم عل...

هو علمٌ يقوم على استقطاب واستخلاص البيانات والمعلومات من مصادرها، وذلك من مسافاتٍ بعيدة جداً، وعن طر...

لنلق نظرة على أ...

لنلق نظرة على أربع حالات استخدام محددة للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية يحسن الذكاء الاصطناعي...