لخّصلي

يُؤكد النص على إتمام الحج والعمرة لله، موضحاً أن من عُوقِ بمنعٍ يستعيض بما تيسر من الهدي. و يُبيّن أن من مرض أو أصيب بأذى في رأسه يُجزيه فدية من صيام أو صدقة أو نُسك. بعد الأمن، من تمتع بعمرة إلى حج، فعليه ما تيسر من الهدي، ومن لم يجد، يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة عند الرجوع. هذا خاص بمن لم يكن أهله حاضرين المسجد الحرام. وينهي بوجوب اتقاء الله. يُناقش النص كذلك انتقال القرآن السلس بين المواضيع المختلفة، رابطاً بين الصيام والقتال والحج بالأهلة والأشهر. يُفسر "وأتموا الحج والعمرة لله" بضرورة إتمام ما بُدئ به من هذه العبادات، وأنها يجب أن تكون لله وحده، داعياً إلى إخلاص النية، ورفض الرياء والاستثمار. يُشير إلى أن الآية عزّزت مكانة الحج والعمرة، وأنهت حرج الصحابة من بعض الشعائر، مُشدداً على التمسك بالشعائر الأصلية دون إضافة بدع، حتى لو مارسها الكفار.

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦)

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) أول أمر نتساءل عنه، كيف يستطيع القرآن أن يقفز بنا من الصيام للقتال للحج بكل سهولة مع أنها موضوعات مختلفة تماماً عن بعضها؟!
عندما نقود السيارة على جسر فالإطارات تصدر صوتاً في أثناء سيرها فوق لحامات الإسفلت، فتسمع تك تك تك، فتشعر دائماً بالانتقال بين جزء وآخر، لكن وأنت تقرأ القرآن ينقلك من موضوع لموضوع لآخر، ولا تشعر باللحامات التي بين الموضوعات، وكأنك تقود السيارة على طريقٍ كالحرير لا يوجد مطبات، فكيف فعل القرآن هذا؟! وهذا يسمى حُسن التخلص، وكأن فيه خيطاً يمسك حبات السبحة وأنت لا تراه، وصحيح أنّ كل حبة منفصلة عن الحبات الأخريات، لكن في نهاية الأمر الحبات كلهن متماسكة في بعض. فتجد أنّ الصيام والحج ما يمسكهما هي الأهلة، ونجد بعد آيات الصيام وشهر رمضان تأتي الآية ١٨٨ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) وبعدها آيات الحج، وبعدها لم يتكلم عن الحج، بل تكلم عن القتال، لكن في القتال تكلم عن الأشهر الحرم التي أدخلت معها الحج، إذن ربط بين الصيام والقتال والحج بالأهلة وبالأشهر، كلمة شهر وأشهر تجدها مع الصيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ (١٨٥) وتجدها مع القتال (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ (١٩٤) وتجدها في الحج (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ (١٩٧) شيء مذهلاً كأنك تسلم نفسك للقرآن وهو يقودك.
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الحج فرض على المستطيع مادياً وجسمانياً مرة واحدة في العمر، والعمرة سُنة على أكثر المذاهب، وهناك من اعتبرها فرض مرة واحدة في العمر. والحج ثاني مرة وثالث مرة أكيد ليس فرضاً، بل نافلة -زيادة- فلماذا جاءت كلمة وأتموا؟ أي أن الإنسان إذا بدأ عمرة أو حجاً، وأحرم يجب عليه أن يتمهما، ولو حصل شيء منعه من إتمامها، فعليه أن يقضيها، لأنه طالما بدأت هذه العبادة لله، فيجب أن تتم لذلك، وحتى صوم النافلة إذا بدأت صيام أي يوم في غير رمضان، ثم قررت أن تُفطر فأنت حر، فالصائم أمير نفسه إن شاء أتم وإن شاء أفطر. ولكن إذا ذهبت زيارة عند صديق، وأصرّ عليك أن تأكل عنده، وأراد أن تُفطر -في صيام النافلة- وعدم أكلك عنده يُدخل عليه الحزن فالسنة أن تُفطر، لكن في الفرض (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) إذا أفطرت فعليك قضاء هذا اليوم.

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)
أولاً: الله يعلم أن هناك من سيحُج ليقال له يا حاج كلقب، وهناك من يحج أو يعمل عمرة رياء وادعاء للتدين، وهناك من يحج ليستثمر أمواله، فالقرآن يؤكد إخلاص النية، وأن تكون لله.
ثانياً: لأن الصحابة كانوا يتحرجون من عبادة الحج، ومن أي عبادة للكفار، فالكفار كانوا يحجون ويعتمرون، فهذه العبادات مرتبطة بإبراهيم، ولكن عباداتهم مخالفة، فجاء القرآن يعزز مكانة الحج والعمرة، ويبين الصح والخطأ في العبادتين، فمثلاً تحرج الصحابة من الطواف بين الصفا والمروة، فقال الله (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) هذه الآية أنهت هذا الحرج لدى الصحابة، فلا حرج من السعي بين الصفا والمروة، حتى لو رأيتم المشركين يفعلون ذلك، ووضعوا صنماً على الصفا وصنماً على المروة، ارفعوا هذه الأصنام وانتهى الأمر. ونجد الآية (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا (١٨٩) لا علاقة لنا بالبدع التي زادت على شعائر الحج الأصلية من بعد إبراهيم ﷺ فلا ندع الحج والعمرة بسبب ممارسات الكفار (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وفي هذه الآية يؤكد مكانة الحج والعمرة، وأتموا الحج والعمرة لله، حتى لو كان المشركون يمارسونها فهي في الأصل من ملة إبراهيم، ومن الدين الإسلامي.lakhasly.com