لخّصلي

‎قال الأمير الصغير : الناس يتدافعون في القطارات السريعة، ولكنهم لا يعرفون قط ما يبحثون عنه، ولذلك يهتزّون ويدورون في
‎حلقة مفرغة.
‎أضاف: إنه لا يستحق ذلك العناء.
‎كانت البئر التي وصلنا إليها لا تشبه الآبار الصحراوية، الآبار الصحراوية حفر بسيطة في الرمل، أما البئر التي وجدناها فهي أشبه
‎بآبار القرى، على أنه لم يكن من قرية هناك، ظننت نفسي في حلم.
‎قلت للأمير الصغير : إنه أمر غريب، كل شيء جاهز وينتظر :
‎البكرة والدلو والحبل.
‎ضحك الأمير الصغير ولمس الحبل وقام بتحريك البكرة، فأنت البكرة كما تئن دوارة الهواء القديمة إذا هبت عليها الريح بعد سكون طويل.
‎وقال الأمير الصغير : هل تسمع ؟ لقد أيقظنا هذه البئر فأخذت
‎في الغناء.
‎لم أكن أريده أن يتعب نفسه فقلت له : أتركه لي، إنه ثقيل جدا
‎عليك .

‎الدلو ببطء إلى الحافة وبحرص وضعتُه. كان غناء البكرة لا
‎يزال يرن في أذني، وكان يرى أشعة الشمس تهتز في الماء.
‎قال الأمير الصغير : كم أتوق لهذا الماء؟ ناولني أشرب منه.
‎وفهمت ما كان يبحث عنه.
‎رفعت الدلو إلى شفتيه فشرب وعيناه مغمضتان. كان مشهدًا يفرح القلب، فإن هذا الماء لم يكن مجرد شراب، تولدت حلاوته من سرانا تحت النجوم، ومن غناء البكرة، ومن تعب ذراعي، فهو لذيذ على القلب، يتلقاه القلب كما يتلقى الهدية. وذكرت أني لما كنت طفلا صغيرًا وكانت تُقدَّم إلى الهدايا، وكانت لطافة ابتسامات الأهل
‎والأقارب، تشع في تلك الهدايا، وتجعل منها شيئًا ثمينا.
‎قال الأمير الصغير : إن الناس عندكم يزرعون خمسة آلاف وردة
‎في حديقة واحدة، ولا يجدون فيها ما يطلبون.
‎قلت: لا يجدون ما يطلبون.
‎قال: ولكن مع ذلك، فإن ما يطلبون قد يكون في وردة واحدة
‎أو في قليل من الماء.
‎أجبته: هذا صحيح.
‎أضاف: لكن العيون عمياء، يجب على المرء أن ينظر بقلبه.

‎وكنت قد شربت حتى ارتويت، وانشرح صدري، فسهل تنفسي، وكان لون الرمال عند ارتفاع النهار يشبه لون العسل، فكنت مغتبطا أيضًا بهذا اللون على أني كنت كثيبًا أيضًا لا أدري لماذا .
‎قال الأمير الصغير برفق بعد أن جلس بجانبي ثانية:
‎يجب عليك أن تفي بوعدك.
‎قلت : أي وعد؟
‎قال: أن ترسم لي كمامة الخروفي، فإني مسؤول عن تلك الزهرة. فأخرجت من جيبي المسودات من الرسومات، فنظر إليها الأمير
‎وقال ضاحكا: أشجارك من الباوبات تبدو مثل الملفوف.
‎قلت: أوه!
‎وكنت فخورا جدا بأشجار الباوبات!
‎قلت: أذنا ثعلبك تبدوان مثل القرون أكثر من أي شيء آخر،
‎إنهما طويلتان جدا.
‎وأخذ يضحك.
‎فقلت: إنك لجائر في حكمك يا صديقي الصغير. أنا لا أعرف
‎أن أرسم سوى ظاهر الثعابين وباطنها.
‎فقال : آه ! لا بأس في ذلك، فالصغار يدركون ما تعني.

‎وخربشت له كمامة ودفعتها إليه وقلبي منكمش، وقلت: إنك
‎عازم على أمر لا أدري ما هو .
‎واحد
‎فلم يجب عن سؤالي، وقال:
‎أتعلم أن غدًا ذكرى نزولي إلى الأرض وقد مر عليه سنة كاملة.
‎ثم تابع قائلا بعد صمت : قد هبطت قريبا من هذا المكان.
‎واحمر وجهه خجلا.
‎فعاودتني كآبة غريبة لم أدر ما سببها. ومع هذا خطر ببالي سؤال
‎لم تكن إذن مصادفة في ذلك الصباح الذي عرفتك فيه عندما قابلتك قبل أسبوع تمشي وحيدًا على بعد ألف ميل عن كل بلد معمور.
‎فإنك كنت في طريقك لتعود إلى المكان الذي هبطت فيه.
‎احمر وجه الأمير الصغير مرة أخرى.
‎فأضفت مترددًا : قد تكون الذكرى حملتك على العودة إلى هنا؟ لم يرد على الأسئلة غير أنه احمر وجهه، ولكن احمرار وجهينا من
‎الخجل جواب بالإيجاب. أليس كذلك ؟
‎قلت له: آه ! إني متخوف.

‎وخربشت له كمامة ودفعتها إليه وقلبي منكمش، وقلت: إنك
‎عازم على أمر لا أدري ما هو .
‎واحد
‎فلم يجب عن سؤالي، وقال:
‎أتعلم أن غدًا ذكرى نزولي إلى الأرض وقد مر عليه سنة كاملة.
‎ثم تابع قائلا بعد صمت : قد هبطت قريبا من هذا المكان.
‎واحمر وجهه خجلا.
‎فعاودتني كآبة غريبة لم أدر ما سببها. ومع هذا خطر ببالي سؤال
‎لم تكن إذن مصادفة في ذلك الصباح الذي عرفتك فيه عندما قابلتك قبل أسبوع تمشي وحيدًا على بعد ألف ميل عن كل بلد معمور.
‎فإنك كنت في طريقك لتعود إلى المكان الذي هبطت فيه.
‎احمر وجه الأمير الصغير مرة أخرى.
‎فأضفت مترددًا : قد تكون الذكرى حملتك على العودة إلى هنا؟ لم يرد على الأسئلة غير أنه احمر وجهه، ولكن احمرار وجهينا من
‎الخجل جواب بالإيجاب. أليس كذلك ؟
‎قلت له: آه ! إني متخوف.