لخّصلي

الصناعة والطبقات الاجتماعية مسال
 
دارت كثير من المناقشات النظرية ، والبحوث الامبيريقية حول العلاقة بين الصناعة والطبقات الاجتماعية . وتعتبر النظرية الماركسية من أولى النظريات التي عالجت هذا الموضوع من خلال منظور تاريخي يفسر حركة المجتمعات وتطورها وانتقالها من نظام انتاجي معين الى نظام انتاجي آخر . م وقد بنى ماركس نظريته معتمدا على دراسته للأحوال الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع الانجليزي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ومن واقع التقارير التي كانت تصف أحوال الطبقة العاملة خلال المراحل الأولى للتصنيع، وعن طريق دراسته للتغيرات الاجتماعية التي شهدتها المجتمعات المختلفة في المرحل التاريخية السابقة
 
وقد فتحت النظرية الماركسية الباب على مصراعية لكثير من المناقشات النظرية التي تقف منها موقف التأييد أو المعارضة ، كما شجعت كثيرا من الباحثين على اجراء دراسات وبحوث امبيريقية للتحقق من مدى صحة القضايا والمفاهيم التي اشتملت عليها
 
ولما كانت النتائج التي يتوصل اليها الباحثون في هذا المجال تختلف باختلاف مفهوم كل منهم عن الطبقة ، والمعايير التي يأخذ بها في التفرقة بين مختلف الطبقات والموقف الأيديولوجى الذى يلتزم به ، فاننا نبدأ بتحديد ماهية الطبقة والمعايير التي يمكن استخدامها في تصنيف الطبقات ، ثم ننتقل الى مناقشة العلاقة بين الصناعة والطبقات الاجتماعية من خلال الكتابات التي تمثل مختلف الاتجاهات الفكرية والمذاهب الاجتماعية ، دون التقيد براي معين ، أو وجهة نظر بذاتها .
الأوربية ، وتعنى الصنف من الناس أو الاشياء ، (۱) غير أن الكلمة العربية أصدق في الدلالة على المعنى المقصود من الكلمات الأوربية ، لأن الطبقة توحى الى السامع معنى التفاوت الرأسي بخلاف الكلمات الأوربية التي قد تعبر عن التفاوت الأفقى الذي يكون بين الأشياء المتماثلة أو المتساوية في الطبقة .
 
والفرق بين التفاوت الراسي والتفاوت الأفقى أن الأول تفاوت من الأعلى الى الأدنى ، وأن الثاني تفاوت لا يلزم فيه الاختلاف بالدرجات العليا والدنيا سواء نظرنا الى ارتفاع الجاه والمظهر ، أو ارتفاع المركز والوظيفة ، أو ارتفاع المراتب في الثروات والارزاق (۲)
 
ولم يستخدم اللفظ بمعناه الاجتماعي في اللغات الأوروبية الا منذ عهد قريب نسبيا ، فنجده سنة ١٧٦٦ عند . تيرجو Turgot » ، كما نجده بعد ذلك عند سان سيمون سنة ١٨٢٥ ، ثم شاع استخدامه منذ أن وضع كارل
 
ماركس نظريته عن صراع الطبقات (۳) .
 
وقد حاول المفكرون المعاصرون تعريف الطبقة الاجتماعية ، فاعتمد بعضهم على معايير ذاتية في تحديد ماهيتها ، والتعريف بها بينما اعتمد البعض الآخر على معايير موضوعية كالثروة أو الدخل أو المهنة أو العلاقة بوسائل الانتاج
 
ويعتبر العالم الألماني « تيودور جايجر Theodor Geiger » ، من المتحمسين لاستخدام المعايير الذاتية في تحديد مفهوم الطبقة فيعرفها بأنها : فئة من أفراد المجتمع يمكن تحديد مركزها الاجتماعي ببعض المعايير الخارجية المشتركة ، ويتفاعل الأشخاص الذين ينتمون الى مثل هذه الفئات بأحوالهم . ومظهرهم ، وطرائق سلوكهم .
ويعرفها أنجوس مود في مقال نشرته له المجلة السياسية بعددها الصادر في ابريل سنة ١٩٥٣ بقوله :
 
ه انها جماعة من الأشخاص يشعرون بأن هناك صفات وعادات معينة تجمعهم ، ولكي يكون الفرد عضوا كاملا فى طبقة اجتماعية يجب أن يشعر بأنه كذلك ، ويجب أن يشعر به الآخرون أيضا ، (۱) .
 
ويعرفها أحد علماء النفس الأمريكيين بقوله : أن طبقة الفرد هي جزء من ذاته ، وشعور من جانبه بالانتماء الى شيء ما ، وارتباط بشيء أكبر من
 
نفسه (۲) .
 
وقد تبنى كثيرون من علماء الاجتماع في الولايات المتحدة الامريكية المفهوم الذاتي للطبقة بوصفها ظاهرة اجتماعية نفسية، نذكر من بين هؤلاء کولی Cooley » الذى يرى أن العلاقات بين طبقة المستخدمين والعمال اليدويين انما هي في المقام الأول وجهات نظر فردية (3) . وكذلك ويليام أو جبرن الذي يعرف الطبقة بأنها « الطريقة التي يصنف بها الأفراد أنفسهم » (٤) ، بمعنى أن الأفراد يعتبرون أعضاء في الطبقة التي يرون أنهم ينتمون اليها . ويرى سنترز Centers » أن الوعى بالطبقة هو العامل الحاسم في تحديد مفهوم الطبقة ، ويذهب الى أن الطبقة ظاهرة سيكلوجية أكثر مما هي شيء آخر (٥) وفى دراسة أجراها عن الأوضاع الطبقية بالولايات المتحدة طلب الى عينة من الأفراد أن يحددوا الطبقة التي ينتمون اليها من بين الطبقات التالية : العليا ، والوسطى ، والدنيا ، والطبقة العاملة ، فوجد أن % من العدد الكلى للأفراد الذين وجه اليهم السؤال أشاروا بأنهم ينتمون الى الطبقة العليا ، ٤٣ ينتمون الى الطبقة الوسطى 1 للطبقة الدنيا ، ٥١ للطبقة العاملة .
ويذهب وارتر في دراسته التي أجراها بمدينة يانكي سيتي الى أن الأوضاع الطبقية يمكن تحديدها باتباع الطريقة الذاتية ، وكذلك بالاستعانة ببعض المؤشرات الموضوعية مثل كمية الدخل ، ومصدره ، والتعليم ، والمهنة . ومحل الاقامة ، ونوع الرفاق . وقد تمكن عن طريق استخدامه لتقديرات الأفراد الذاتية من تقسيم المجتمع المحلى للمدينة الى ست طبقات هي : عليا العليا ، ودنيا العليا ، وعليا الوسطى ، ودنيا الوسطى ، وعليا الدنيا ، ودنيا
 
الدنيا (1) .
 
12
 
وقد أجرى معهد جالوب استفتاء في سنة ١٩٥٣ بين مجموعة من أفراد الشعب الانجليزي ، فطلب منهم أن يذكروا الطبقة التي يعتقدون أنهم ينتمون اليها ، فقال ما لا يقل عن ٤٩ % انهم من الطبقة المتوسطة ، على حين أن ٤٦ فقط قالوا انهم يعتقدون أنهم من الطبقة العاملة .
 
ويقول جون بونام . هناك جماعة من الأشخاص يقترب عددها من نصف مجموع الناخبين اذا سألتها عن الطبقة التي تنتمى اليها تقول على الفور : انها تنتمى الى الطبقة المتوسطة . وهذه الجماعة كان ينظر اليها على أنها جزء من الطبقة العاملة ، ولكنها تطلق على نفسها اسم «الطبقة المتوسطة » سواء كان ذلك لمصلحتها أو لغير مصلحتها ، أو بحثا عن اسم أفضل (۲) .
 
ومن الملاحظ أن المعايير الذاتية لا تعطى تقديرا صحيحا للاوضاع الطبقية لأن الناس قد لا يدركون الفوارق الدقيقة بين الطبقات الاجتماعية ، أو يكون لديهم تحيز لطبقة معينة ، وكذلك يفخرون بالانتماء اليها .. كما أن هذه المعايير تجعل مفهوم الطبقة مرادفا لمفهوم . الوعى بالطبقة ، مع أن الفرق كبير بين الاثنين ، فضلا عن أن المعايير الذاتية لا تزود الباحث بمادة موضوعية عن حقيقة الأوضاع الطبقية . وقد أشار عالم الاجتماع البريطاني « مارتن الى أن رأى الناس عن مكانتهم الطبقية لا ينطبق مع وضعهم