لخّصلي

تُقامُ العَديدُ مِنَ المِهْرَجاناتِ سَنويًّا في لُبْنانَ، وَطَنِ الحَضاراتِ المُخْتَلِفَةِ، الّذي يَمْتازُ بِثَوْبِهِ الأَبْيَضِ والأَخْضَرِ عَلى مَدارِ الفُصولِ؛ وبشواطِئِهِ الّتي عَرَفَتْ أولى الحَضاراتِ وأَسْماها، والَّتي نَثَرَتِ المعرفةَ في العالَمِ، وحَمَلَتْ عَلى السُّفُنِ الماخِرَةِ مياهَ المُتوسِّطِ حَرْفًا صارَ لُغَةَ الشُّعوب؛ وبِجِبالِهِ الشّامِخَةِ أبدًا؛ وبِأبْنائِهِ الَّذين حَفَروا تراثَهُمْ بأَيْديهِمْ ومَعاوِلِهِمْ، وبَنَوا مِنَ الصُّخورِ بُيوتَهُمْ، وتَرَكوا بَصَماتِهِمْ في كُلِّ وادٍ وفي كُلِّ سَفْحٍ.

مِنْ هذِهِ المِهْرَجاناتِ ما يَحْمِلُ الطّابعَ الثَّقافيَّ، فَتُبْرِزُ أَهَمَّ عُلَمائِهِ ومُفَكِّريهِ وكُتّابِهِ، وتُظْهِرُ ما تَرَكوهُ مِنْ نِتاجٍ فِكريٍّ وَأَدَبيٍّ كانَ لَهُ الوَقْعُ المُدَوّي في البيئَةِ الثَّقافيَّةِ المَحَلّيَّةِ والعالَميَّةِ؛ وَمِنْها ما يَحْمِلُ الطّابعَ الفَنّيَّ، فَتُبْرِزُ أَهَمَّ الرّياضيّينَ وَالفنّانينَ فيهِ، وتُسَلِّطُ الضَّوءَ عَلى إبْداعاتِهِمْ في مُخْتَلفِ مجالاتِهِمْ، وتُحاوِلُ، مِنْ خِلالِهِمْ، إظهارَ قُدرَةِ أبْناءِ الوَطَنِ على الإسْهامِ في خَلقِ الجَمالِ المُتَمَيِّز. تُمَثِّلُ هذِهِ المِهْرَجاناتُ عاداتِ هذا البَلَدِ الأمينِ وتَقاليدَهُ، وتُحافِظُ على تُراثِهِ، وتَنْقَسِمُ نَوْعَيْن: مِهْرَجاناتٍ عالميَّة، ومِهْرجاناتٍ مَحَلّيَّة.



المِهْرَجاناتُ العالَميَّةُ تُغْني التُّراثَ الوَطَنيَّ في العالَمِ، وتُشَكِّلُ آليَّةَ عَرْضٍ للتّاريخِ والتُّراثِ اللُّبْنانيِّ، وتُشَكِّلُ مَصْدَرًا جاذِبًا لِلسُّيّاحِ مِنْ مُخْتلفِ أَرْجاءِ العالمِ، وتُفَعِّلُ، الحَرَكَةَ السّياحيَّةَ ومُخْتلفَ قِطاعاتِها الخَدَماتيَّةِ، مِنْ فَنادِقَ ومَطاعِمَ ومُنْتَجَعاتٍ وأسْواق... ومِنْ هذِهِ المِهْرَجاناتِ: مِهْرَجاناتُ بيبْلوس، وَمِهْرجاناتُ بَعْلَبَكَّ الدّوَليَّةُ، وَمِهْرَجاناتُ بَيْتِ الدّينِ، وغَيْرُها مِنَ المِهْرَجاناتِ العالميَّة.



أَمّا المَحَلّيَّةُ مِنْها فَتُبْرِزُ عاداتِ الوَطَنِ وَتَقاليدَهُ، فَفي القُرى اللُّبنانيَّةِ حِرَفٌ وموسيقى وكُتّابٌ ومُنْتَجاتٌ ورَقْصٌ وأَزْياءُ تَقْليديَّةٌ وأَساليبُ حياةٍ وأنماطُ بناءٍ، كُلُّها تُشَكِّلُ "فولْكلورًا" تَشْتَهِرُ بِه المناطِقُ اللُّبنانيَّةُ، فتُعْطيها هُويَّةً خاصَّةً وفَريدَةً تُمَيِّزُ لُبْنانَ مِنْ سائِرِ البُلْدانِ. ومِنْ هذِهِ المِهْرَجاناتِ: مِهْرَجانُ مَرْجِعْيونَ في جَنوبِ لُبْنانَ، وَمِهْرَجانُ العِنَبِ في بْسابا الشّوف، وَمِهْرَجانُ "وَقْت النَّومِ" في وسطِ بَيْروتَ، وَمِهْرَجانُ انْتِخابِ مَلِكَةِ جَمالِ قَضاءِ البَتْرون في شمالِ لُبْنانَ، وَغَيْرُها مِنَ المِهْرَجاناتِ الَّتي تَهْدِفُ إلى إغْناءِ التُّراثِ الإنْسانيِّ والتّاريخيِّ والفِكْريِّ والفَنّيِّ والوَطَنيِّ اللُّبنانيِّ.



لَعَلَّ أَبْرَزَ ما نَلْحَظُهُ اليَوْمَ، هُوَ كِثْرَةُ المِهْرَجاناتِ المَحَلّيَّةِ في مُعْظَمِ القُرى وَالمَناطِقِ اللُّبْنانيَّةِ في البِقاعِ والجنوبِ والشّمالِ وجبلِ لُبْنانَ، وازْدِيادُ الإقبالِ عَلَيْها، وذلِكَ لِتَوَفُّرِ وَسائِلِ الاِتِّصالِ والتَّواصُلِ الحَديثَةِ الَّتي سَهَّلَتْ عَمَليَّةَ دَعْوَةِ كُلِّ قَرْيَةٍ إلى مِهْرَجانِها، والإعْلانِ عَنْ ميزاتِها الطَّبيعيَّةِ والبشريَّةِ، وعَرْضِ مُنْتَجاتِها وتُراثِها. كَما لا يَخْفى عَلى أَحَدٍ الاِهْتِمامُ اللّافِتُ للمُسْتَثْمِرينَ والجَمعيّاتِ، والمشارَكَةُ الفاعِلَةُ في دَعْمِها، ومُحاوَلَةُ اسْتِقْطابِ المؤسَّساتِ الكُبْرى لتكونَ الرّاعيَ الرّسميَّ لها، وذلكَ نَظَرًا إلى ما شَهِدَتْهُ في الآونَةِ الأخيرَةِ مِنْ نَجاحاتٍ، وإلى نَيْلِها إِعْجابَ النّاسِ وَمَحَبَّتَهُمْ، وإلى جذْبِ الأنظارِ إليْها ممّا جَعَلَها مَرْغوبَةً بِشِدَّةٍ، بِخاصَّةٍ لَدى المُغْتَربينَ، وفي فَصْلِ الصَّيْفِ تَحْديدًا...



لا بُدَّ مِنْ أَنَّنا سَنَشْهَدُ في السَّنَواتِ المُقْبِلَةِ تَطَوُّرًا جدّيًّا في نِسْبَةِ هذِهِ المِهْرَجاناتِ، وَقَدْ تُشَكِّلُ مَصْدَرًا لا يُسْتَهانُ بِهِ لِجَذْبِ السُّيّاحِ، وبخاصَّةٍ أنّها باتَتْ تَمْتَدُّ على فصولِ السَّنَةِ الأَرْبَعَةِ كَما في مِهْرَجاناتِ "إهدِن"... فَهَلْ سَتَتَغَلَّبُ المِهْرَجاناتُ المَحَلّيَّةُ عَلى العالميَّةِ مِنْها في المُسْتَقْبَلِ القَريب؟