لخّصلي

1- الإحالة الزمنية لأدوات النفي

فضلا عما تعبر عنه الأفعال من تمايزات زمنية ، فإن اللغة تعبر بالوظيفة النحوية عن المفاهيم

والتصورات البشرية، وعن كيفية بنائها في الأذهان، وعلى اللساني أن يرصد هذه المفاهيم وينسبها إلى اللغة الطبيعية من خلال مسألة تعبيراتها، واقتراح أنساق علائقية مبررة بين الوظيفة النحوية وما يقابلها من تصورات. وفي هذا المجال، يستدعي البحث عن الإحالة الزمنية تحليل مكونات التعبير عن الزمن و دراسة هذه الإحالة في تنوعها ونسقيتها، ورصد تنوع أشكال التعبير الزمني، وربط الأشكال النحوية

بالتصور الزمني. من هنا ينصب اهتمامنا على مشاكل الإحالة الزمنية وعلى توضيح ارتباطها بمفهوم الزمنية كما تعبر عنه اللغات عموماً، ومن ثم فإن منظورنا سينحصر في ما يمكن أن تحيل إليه أدوات النفي من مراتبزمنية بصفتها قرائن لفظية ومعنوية لها تأثيرها على الدلالة الزمنية للتركيب مستأنسين بما يمكن مقارنته

في لغات أخرى أجنبية خضعت معطياتها للوصف واعتمدت في اقتراح افتراضات أساسية. تعد الإحالة على الزمن وتحديد مقاديره ، من أهم المقاييس الدالة على ارتقاء اللغة، سواء أكان ذلك بالصيغ الفعلية كما هو الشأن في اللغات الأجنبية كالفرنسية والإنجليزية وباقي اللغات الهندية الأوروبية أو بوسائلها المختلفة وسائر ألفاظها الدالة على المقادير الزمنية المتنوعة مثلما هو الشأن في اللغة العربية

إلى جانب الصيغ الفعلية والمشتقات التي تجري مجرى الأفعال في معناها وإحالاتها الزمنية . اهتم العرب كغيرهم من الأمم منذ جاهليتهم بحساب الزمن والتعبير عن جزئياته وفروقه النسبية بصيغ متنوعة وأساليب مختلفة وألفاظ خاصة للإحالة على وحدات زمنية معينة كالسنة والشهر واليوم

والساعة وفروعها.

لقد اهتموا بتقدير كل لحظة من لحظات الزمن في الليل والنهار، في الماضي والحاضر والمستقبل، وإن ما تزخر به بطون كتب النحو واللغة والمعاجم المختلفة من ثروة هائلة من الألفاظ المحيلة على الزمن لدليل على مدى اهتمام العرب بعنصر الزمن .

فالزمن أو الزمان عندهم اسم لقليل من الوقت وكثيره وفي المحكم الزمن والزمان: العصر والجمع أزمن وأزمنة وأزمان. ويرى أناس أن الدهر والزمان واحد ، غير أن الزمن يقع على الفصل من فصول

السنة وعلى مدة معينة من الوقت قد تكون شهرين إلى ستة أشهر كما قال أبو الهيثم . والدهر لا ينقطع.

وفي الحديث " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن عجوز تحفى (1) بها في السؤال: { كانت تأتينا

أزمان خديجة } أراد حياتها (2)

و قد ورد لفظ الدهر بهذا المعنى في قوله : صلى الله عليه وسلم - من صام رمضان وأتبعه ستا من

شوال كان كصيام الدهر ) (3) الحديث .

قال جرير :

أنا الدهر يفنى الموت والدهر خالد . فجئني بمثل الدهر شيئا يطاول (1)والزمان في عرف المتكلمين: مجموعة من الآنات نستطيع بواسطتها أن نعين وقوع حدث غير معلوم أما الوقت، فهو الحال" في عرف الصوفية وهو "الآن" الذي يكون فيه أي شيء على ما هو عليه (1)

فالزمن مفهوم لغوي يرتبط أساسا بحركية الإنسان في الحياة، فهو من أكثر الظواهر اللغوية تعقيدا؛ لأن الإنسان لا يحكمه في هذه الحياة زمن واحد دائما، ولكنه يدور في فلك أنواع من الأزمنة المتداخلة في محيطه اللغوي وغير اللغوي، نحو: الزمن الفلكي الوجودي والزمن الذاتي (النفسي)، والزمن الواقعي، والزمن السردي والزمن البيولوجي، والزمن الفلسفي، والزمن اللغوي بأنواعه... الخ.

ولا يصبح الكلام الملفوظ نصا إلا بترابط عناصره بعدة روابط أبرزها الزمن، فالزمن ظاهرة تتمركز

حول الذات البشرية وما يعتريها من تغير وتعقيد وتداخل.

ولا يفهم القول أو التركيب إلا بفهم إحالته الزمنية، ذلك أن الإحالة الزمنية مفهوم لغوي لا يتم إلا في تركيب وفي إطار نسق معين من الربط بين الألفاظ والجمل والفقرات ....

والزمن بهذا المفهوم، لا يكتسب محتواه وقيمته إلا في إطار علاقات تركيبة. وقد أثبت الأزهر الزناد

أن هناك اتساقا وتناظراً بين قواعد الربط الزمني والربط التركيبي.

لقد كان لسطوة الاقتران بين الصيغة والزمن في تراثنا العربي أثر كبير في قصر وظيفة الزمن الصرفي أو القاعدي على التمييز بين ما قبل الأحداث وما بعدها في منظومة تختلف تماما عما يراد بالإحالة الزمنية في إطار فك الارتباط بين الصيغة والزمن، واعتماد السياق أصلاً وليس فرعا، ولهذا فليست الغاية في تناول الإحالة الزمنية بالدراسة رصد الأزمنة المقررة سلفا للأفعال أو الأدوات في العربية ثم تأويل ما يخالف ذلك في إطار التوسع والمجاز وحكاية الحال، وإنما ينبغي أن تكون الغاية من دراسة الإحالة الزمنية رصد الزمن بوصفه أبرز وسائل التماسك النصى، وذلك للكشف عن طريقة الانتقال الزمني من زمن لآخر، فربما لم يكن الزمن نفسه هدفًا رئيساً عند المتكلم، ولكنه وسيلة للترابط النصي كما في الأفعال الإيقاعية الإنجازية، وصيغ الأمر والنهي وغيرها من الصيغ الدالة على الحقائق والأحكام

والمواعظ والأمثال ... الخ.وفي هذا الإطار، يرى أحد الباحثين أنه يجب علينا ألا تلزم أنفسنا بما ألزم النحاة أنفسهم به من الربط المطلق بين الزمن الفلكي والزمن الصرفي القائم على الصيغة، بل لا بد من التحرر من هذا القيد وما تبعه من تأويلات متعددة إلى فضاء الزمن السياقي.

وبهذا فلا ينبغي أن تحصر أنفسنا في فلك الصيغ والدلالات الزمنية، بل لا بد من فصل القيم

والدلالات الزمنية عن الصيغ، والاهتمام بالزمن السياقي، وجعله أصلاً لا فرعا، وإبعاد فكرة اشتراط الدلالة الزمنية للأفعال ، لأنها قد تنعدم فيها الدلالات الزمنية، وتصبح دلالاتها الزمنية حينئذ صفرية آنية

لا إحالة فيها، وإنما سيقت من أجل الربط والتماسك النصي لا غير ......