لخّصلي

ظلت حركة الاستشراق على امتداد تاريخها الطويل ترتقي مع كل مرحلة من مراحلها واتخذت خلالها العديد من الأشكال، وأخذت في كل قرن تطور من أساليبها بدقة متناهية، فقدمت أعدادًا ضخمة من الدراسات والمؤلفات، وكما وصف البعض حجم أنشطة الغربيين البحثية ونشرهم للكتب والمجلات ودوائر

المعارف للشعوب الشرقية والأمة الإسلامية والعلوم الإسلامية على مدى ما

تعرض له الشرق بصفة عامة، بأنها تمثل سطوة علمية وثقافية.

يقول الدكتور إدوارد سعيد

إن عدد الكتب التي ألفها المستشرقون عن الاستشراق منذ أوائل القرن التاسع وحتى منتصف القرن العشرين يصل إلى حوالي ستين ألف كتاب". يذكر بعض الباحثين أن ما يقرب من ثلاثمائة مجلة تصدر عن

الاستشراق في مختلف بلدان العالم، بالإضافة إلى ما يقرب من خمسمائة

إصدار آخر يتناول جزء منه الاستشراق كذلك".

وكما تدل الدراسات، فإن عدد المقالات التي كتبها المستشرقون خلال القرن العشرين في الفترة الزمنية الواقعة ما بين ۱۹۰٦ و ۱۹۹۱ كان أكثر من خمسة

وسبعين ألف مقالة.

ومن ناحية أخرى، يلاحظ المتخصصون في الدراسات الاستشراقية، أنه في

المرحلة التي انهمك فيها المستشرقون في تقديم هذا العدد الضخم من الدراسات

الاستشراقية في كافة الميادين المختلفة وكذلك الدراسات الموضوعية الإسلامية

كان المسلمون وعلماؤهم قد اهتموا بالأمور الفرعية والجزئية فضلاً عن عدم

معرفتهم بتقنيات وأنواع الأدوات الثقافية، مما جعلهم يعتمدون عليها ويستفيدون منها، ومن ثم، يتفق الباحثون على أن هذه الحركة قد تركت من الآثار سواء حركة الاستشراق وتوجهاتها بين الأمس والحاضر كانت إيجابية أو سلبية. خاصة وأن مجموعة كبيرة من المستشرقين على مدى تاريخهم الطويل قد ركز في دراساتهم حول الإسلام ودراسة القرآن والسنة والسيرة النبوية وغيرها من مسائل الفقه والعقيدة والأخلاق والفلسفة والتصوف ومن ثم، من الواجب التعرف على ظاهرة الاستشراق وتاريخه ورجالاته وأهم

أعمالهم وأهم موضوعاتهم ومن ناحية أخرى، يشير البعض إلى أن ما قدمته الدراسات العربية والإسلامية من دراسات نقدية للمستشرقين، كان ضئيلاً جدا في مقابل ضخامة ما قدمه هؤلاء المستشرقين من مؤلفات، الأمر الذي جعل د. إدوارد سعيد يرى بأن هذه الضالة ما هي إلا نوع من الرضوخ لرغبات الغرب ونزعاته، يقول د. إدوارد

سعيد

إن إحدى علامات الهيمنة الثقافية للغرب على الشرق هي أنه يوجد في

أمريكا منظمات ومؤسسات متعددة في ولايات مختلفة في مجال الدراسات

الشرقية والعربية والإسلامية، غير أنه لا توجد مؤسسة واحدة للدراسات

الأمريكية في كل أنحاء الشرق، على الرغم من أن أمريكا تتمتع بأكبر نفوذ

سياسي واقتصادي في كل هذه المنطقة، والأسوأ من هذا أيضا أنه لا توجد في

بلدان الشرق حتى مؤسسة واحدة للاستشراق. إلا أنه من وجهة نظري فإن كل هذه الأمور بالمقارنة بالعامل الثاني الذي ساعد على نجاح الاستشراق تعد شيئاً ضئيلاً ، ألا وهو : أن واقع النزعة الاستهلاكية في الشرق قد جذب العالم العربي والعالم الإسلامي إلى نظام استهلاك ما هو موجود في السوق الغربي ومن ثم ما زلنا . كما يشعر كثير من الباحثين . في حاجة إلى الكثير من تلك الدراسات النقدية تواجه ما قدمته هذه الحركة عبر تاريخها الطويل من دراسات متنوعة في مختلف العلوم الإسلامية. وهناك تناقض جلي آخر ، يتمثل بين مايقوم به الغرب من جهد من أجل النهوض بدراساته الاستشراقية، فلم يتوان عن إقامة العديد من المعاهد الاستشراقية التي يقال أنها تتجاوز المائة معهد، وهم يتنافسون فيما بينهم في تقديم دراساتهم المتعلقة بعقيدتنا وتاريخنا وحضارتنا ومن ناحية أخرى نفتقد نحن هذا الاهتمام وهذا الحرص الذي يقابل ضخامة الدراسات الاستشراقية الغربية، وقد نبه إلى هذا الأمر الكثيرون . من حيث افتقاد الشرق إلى وجود ولو معهد واحد يتخصص حتى في دراسة هذا الكم

الهائل من المؤلفات الإستشراقية.