لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (34%)

كانت مسألة الهوية قد ألقت بظلالها على الرواية العربية؛ فاتجهت الرواية إلى تناول إشكالية الأنا العربية في نظرتها إلى الآخر الغربي، كما شكلت مسألة المواجهة الحضارية بين الشرق والغرب أحد أهم المقتضيات التي عالجها السرد الروائى العربي. ثم عمل في الإذاعة البريطانية بلندن عام ١٩٥٣م، كما عمل مديرا عاما لوزارة الإعلام والثقافة في دولة قطر، وتزوج من سيدة أسكتلندية. حيث صورت الرواية المواجهة بين الشرق والغرب، والتي قام بها بطل الرواية مصطفى سعيد، والتي تناولها العديد من الروائيين العرب قبل الطيب صالح، وإن أهم ما يميز الرواية من بين مثيلاتها من الروايات التي صورت العلاقة بين الشرق والغرب، أو لنقل بطلي الرواية: (الراوي -
والأسئلة التي تدور حول علاقة بنية الرواية بخطابها، وصوت الراوي بما يروي عنه، إلى أن تجمع لدينا تراث نقدي ضخم متصل بهذه الرواية المثيرة للجدل أكثر من غيرها من الروايات العربية التي كتبت خلال نصف القرن الماضي. واختيرت من بين أفضل مائة رواية عالمية، وبذلك رفع الطيب صالح علم بلاده على رقعة واسعة من خريطة الرواية المعاصرة في كل من الوطن العربي والعالم حيث تناولت الرواية: موقف إنسان العالم الثالث من الصراع الحضاري بين الشرق والغرب من خلال شخصية (مصطفى سعيد) الممزقة بين هويته العربية الإفريقية وثقافته التي صاغها الغرب الاستعماري، وهو تمزق لا يتضح في الشخصية فحسب بل فيما تتركه خلفها من دمار في أي موضع تحل به لو شخصية تتماس معها في علاقة حب أو صداقة. فأصبحت تدل اللفظة على ما يكون به الشيء هو نفسه لا غيره؛ وقد كان من أهم أسباب تخبط (مصطفى سعيد) في مواجهته للحضارة الغربية عدم فهمه لهويته من ناحية، كلها مصطلحات تشير إلى مفهوم واحد، ومن ثم تبرز خصائص هويتها ولذلك سلط النقاد أنظارهم لدراسة التصور
العربي للغرب من خلال دراسة الإنتاج الأدبي: شعرا كان أم نثرا. قهوية الإنسان هي مرجعيته وذاتيته هي منظومة متكاملة من المعطيات المادية والنفسية والمعنوية والاجتماعية تنطوي على نسق من عمليات التكامل المعرفي، وتتميز بوحدتها التي تتجسد في الروح الداخلية التي تنطوي على خاصية الإحساس بالهوية والشعور بها. أما التشويش أو التشويه في الصورة النمطية عن الآخر الغربي فجعل (مصطفى) لا يحن اختيار أسلحته حيث انطلق - في تعامله مع الحضارة الغربية - من واقعه السياسي الذي كانت تعانيه بلاده بسبب وطأة الاستعمار الغربي، وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة المعلومات التي تتضمنها خلاصة هذه التجارب فهي تمثل بالنسبة لأصحابها واقعا صادقا ينظرون من خلاله إلى ما حولهم، ويفهمونه أو يقدرونه على أساسها. يضاف لذلك بعض الأعمال السنيمائية والكتابات الأدبية، ومن ناحية أخرى هناك تشويش
وقد صور الطيب صالح هذه الصورة على لسان أحد أبناء القرية في حواره مع
وسألني محجوب: هل بينهم مزارعون . فالصورة الذهنية التي صنعها العرب والغربيون أحدهما للآخر صورة مركبة، العربي). فالذاكرة الجماعية واللاشعور الجماعي لكل عربي يحمل عن العنف الأوروبي صور إحراق قرطاجنة على يد الرومانيين، وما تلاه من استعمار ألف عام للعرق السامي إلى أن حزره العرب على شواطئ المتوسط، مثلما يحمل ذكرى مائتي عام من تدمير الحضارة العربية على يد الصليبيين، ولم تمض أربعمائة عام حتى بدأ الاستعمار البرتغالي فالبريطاني والفرنسي للأرض العربية. ومع ذلك فلم تكن هذه هي الصورة النمطية الوحيدة؛ حيث انقسمت الرؤية العربية للغرب بين الأولى هذه، وهناك فريق يعد أكثر اعتدالا من النمطين هو الفريق الذي يأخذ من الحضارة الغربية ما يدفع به نحو الأمام، ويتعامل معه بواقعية وإيجابية، أزمة الهوية عند (مصطفى سعيد)
ومجتمع أهل القرية حوله اليسريد لهم أحداث رحلته، ومصور النسوة الثلاثي تعرف عليه، تصور الرواية الموصل في رحلته من السودان إلى القاهرة، وأنه لا يرقى لما هم عليه من حضارة وفكراً مما دفعه للانتقام من أجل إثبات
ولم يكن له من أهله سوى أمه فيقول:
كنا أنا وهي أهلا بعضنا لبعض
كنت أحس إحساسنا دافتا بأنني حر ليس ثمة مخلوق لا أب ولا أم يربطني كالوتد إلى
ان مصطفى - بافتقاده الرابطة بينه وبين أبيه أمه - يشعر بانشطار الذات، ولأكثر من مرة يصور مصطفى الفجوة بينه وبين أمه فيقول مصورًا ردة فعلتها حين علمت بخبر سفره
وأنت حر فيها . إن هذا القناع أو مجموعة الأقنعة التي كانت تحول بينه وبين أمه تمثل أزمة دفع ثمنها غاليا حين انفتح على الحضارة الغربية؛ فهو كالشجرة التي تقلبها الرياح ذات اليمين وذات
أو قناع بل مجموعة
وركبت القطار، لم يلوح لي أحد
أما في المشهد الآخر -
فيصور رحيله من الميناء الإسكندرية نحو لندن، مؤكدًا هذه الرابطة بينه وبين أناس من غير
قومه السيد (روبنسون) وزوجته، يقول:
واضعا يده على خصره
صفاء عينيه الزرقاوين . فيقول:
ريتت على رأسي وقالت: لا تبك يا طفلي
ويقول:
وكان الكاتب يريد أن يحطم الصورة النمطية بين الشرق والغرب، والذي كان كثيرا ما يطوف بمصطفى حول الأزهر الشريف، ودفن في مقبرة الإمام الشافعي، ما دفعهم
من أجل الدراسة. ولكنه مع كل ذلك بدأت تتفجر عنده أسئلة الهوية؛ كيف قيضت الصدف لي قومًا ساعدوني وأخذوا بيدي في كل مرحلة، كأنها واجب يقومون به نحوي. متفوق، يقول:
تذهب للكنيسة صباح كل أحد بانتظام
وتساهم في جمعيات البر
صيدا
عمتها زوجة نائب في البرلمان". وقد عرفتها وهي دون العشرين فخدعتها وغررت بها وقت لها نتزوج زواجًا يكون جسرا بين الشمال والجنوب، لم يكن الأمر صعبا على البطل، وكان يظن نفسه محاربًا أو صيادا كان يريد أن يثار
لبلاده التي اغتصبها الاستعمار، وهذا النوع من العلاقات يذكرنا ولا شك بالعلاقات بين الاستعمار والبلاد المحتلة، فالاستعمار يستغل بلدا من البلدان
إن الجنس بالنسبة له سلاح، عامل هدم وذل. فهو في هذه الرواية عبارة عن مشروع انتقام، بدلا من أن يكون عامل بناء وبقاء؛ بل إن الجنس هذا هو معادل للموت، إنه أقصى درجات العنف في هذا الصراع الأزلي بين الشرق والغرب في الرواية العربية الحضارية كانت رجولته وفحولته - في نظره - وسيلته المجدية الوحيدة لمواجهة الغرب
يقول:
وجمعيات الكويكرز، فاستغراقا في تأكيد الصدام، لقد ترددت فكرة الصيد والفريسة في هذا اللقاء بالمرأة الرابعة، ليس تأكيدا للفكرة، يقول مصطفى:
وسجنه. يقول مصطفى:
يأخذ فيه دور المهزوم
إن الحرب هنا معنوية أسلحتها أكثر فتكا، ونتائجها أصعب جرحا
أو حرق بحث لم يخرج إلى النور هكذا كانت تعبر عن غضبها، يقول مصطفى:
وأعز هدية على قلبي قالت: تعطيني هذه أيضا ثم تأخذني. فأخذت المصلاة
فهو لم يستطع فرض هويته على الآخر الغربي، تنتهي فيها حياته في صورة غامضة. حسنة بنت محمود) والتي تمثل الوطن؛ فبعد أن عاد مصطفى إلى وطنه، فهو بعد كل هذه اللقاءات
فلن يكون إلا الراوي، لكنه مع ذلك
حاولت هي بكل قواها أن ترفض غيره. لكنه أصابته نيران ثورة (حسنة) فقتلته ثم قتلت نفسها، وفق رؤى ومنهجيات شتى، وقد سعت الدراسة الحالية إلى إبراز الصورة النمطية بين الشرق


النص الأصلي

كانت مسألة الهوية قد ألقت بظلالها على الرواية العربية؛ فاتجهت الرواية إلى تناول إشكالية الأنا العربية في نظرتها إلى الآخر الغربي، ومحاولة تمثل هويته؛ وذلك لأن مما يؤرق أي إنسان سؤال الهوية؛ وإن إشكالية الأنا والآخر تعد انعكاسا لهذا الأرق؛ فالإنسان لا يدرك هويته إلا إذا واجه الآخر، وقد استمرت أسئلة الهوية تتردد في أدبيات الفكر المعاصر، كما شكلت مسألة المواجهة الحضارية بين الشرق والغرب أحد أهم المقتضيات التي عالجها السرد الروائى العربي.
الطيب صالح (۱۹۲۹-۲۰۰۹)
روائي وقاص سوداني، ولد في قرية (الدبة) في منطقة (مروي)، المديرية الشمالية بالسودان، تلقى تعليمه في وادي سيدنا، وفي كلية العلوم بالخرطوم، ثم انتقل إلى التعليم في بريطانيا، ومارس التدريس، ثم عمل في الإذاعة البريطانية بلندن عام ١٩٥٣م، ونال شهادة في الشئون الدولية بإنجلترا، ثم شغل منصب ممثل اليونسكو في الخليج، ومقره الدوحة، في الفترة من ۱۹۸) إلى ۱۹۸۹م، كما عمل مديرا عاما لوزارة الإعلام والثقافة في دولة قطر، وتزوج من سيدة أسكتلندية.
وتعد رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) (١٩٦٦م) للروائي السوداني الطيب صالح) رحلة بحث عن الذات في صراعها مع الآخر الغربي؛ حيث صورت الرواية المواجهة بين الشرق والغرب، وأثرها في الصدام الحضاري) من خلال الممارسات الفحولية ضد النساء الغربيات، والتي قام بها بطل الرواية مصطفى سعيد، الذي شعر بخطر يهدد وجوده؛ فحاول إثبات ذاته، وتأكيد هويته من خلال هدم هوية الآخر بالتغلب عليه؛ فاختار سلاح الجنس.
وقد قامت الرواية على مسألة مهمة، وهي علاقة الشرق بالغرب، والتي تناولها العديد من الروائيين العرب قبل الطيب صالح، منهم توفيق الحكيم (۱۸۹۸-۱۹۸۷م) في عصفور من الشرق) (۱۹۳۸م)، ويحيى حقي (۱۹۰۵-۱۹۹۲م) في قنديل أم هاشم) (١٩٤٤م)، واللبناني سهيل إدريس (۱۹۵۲-۲۰۰۸م) في الحي اللاتيني) (١٩٥٣م)، وإن أهم ما يميز الرواية من بين مثيلاتها من الروايات التي صورت العلاقة بين الشرق والغرب، أن الكاتب انطلق من أصوله السودانية فجعل بطل روايته، أو لنقل بطلي الرواية: (الراوي -
ومصطفى سعيد كلاهما صاحب أصول إفريقية، وبشرة سوداء.
ولذلك استطاعت موسم الهجرة إلى الشمال أن تستثير من التحليلات والقراءات الانطباعية والدراسات والنصوص السابرة المتفحصة، والأسئلة التي تدور حول علاقة بنية الرواية بخطابها، وصوت الراوي بما يروي عنه، إلى أن تجمع لدينا تراث نقدي ضخم متصل بهذه الرواية المثيرة للجدل أكثر من غيرها من الروايات العربية التي كتبت خلال نصف القرن الماضي.
وقد ترجمت (موسم الهجرة إلى الشمال إلى أكثر من ثلاثين لغة، واختيرت من بين أفضل مائة رواية عالمية، وبذلك رفع الطيب صالح علم بلاده على رقعة واسعة من خريطة الرواية المعاصرة في كل من الوطن العربي والعالم حيث تناولت الرواية: موقف إنسان العالم الثالث من الصراع الحضاري بين الشرق والغرب من خلال شخصية (مصطفى سعيد) الممزقة بين هويته العربية الإفريقية وثقافته التي صاغها الغرب الاستعماري، وهو تمزق لا يتضح في الشخصية فحسب بل فيما تتركه خلفها من دمار في أي موضع تحل به لو شخصية تتماس معها في علاقة حب أو صداقة.
والهوية: مشتقة من الضمير (هو)، وأضيفت الألف واللام وتاء التأنيث؛ فأصبحت تدل اللفظة على ما يكون به الشيء هو نفسه لا غيره؛ أي: هو هو، أما الفلاسفة فيرون أن الهوية لفظة مشتقة من الهو كما تشتق الإنسانية من الإنسان، وهوية الشيء عينيته وتشخصه، وخصوصيته التي ندركها بالجواب عن السؤال: ما هو ؟... أما الهوية الشخصية فهي التي تطلق على الشخص بكونه يبقى هو هو، مع ما قد يطرأ عليه من تغيرات خارجية.
فيهذا المفهوم تكون الهوية ضد الغيرية؛ فالهوية بمثابة العلامة التي تميز الفرد
عن غيره، أو مجموعة أفراد عن مجتمع آخر.
والهوية تعد من أكثر مفاهيم العلوم الاجتماعية أهمية وتعقيدًا في آن واحد؛ حيث إنها تخص كل مجتمع وتميزه عن غيره، وتكسبه خصوصية في اللغة والعرف والموطن والقيم، وهي من السمات التي تميز الأفراد بعضهم عن البعض في الاسم والجنسية والسن والحالة الاجتماعية والمعنية؛ وعليه فهي تستعمل للإشارة إلى المبدأ الدائم الذي يسمح للفرد بأن يبقى هو هو، وأن يستمر في كينونته عبر وجوده السرمدي على الرغم من التغيرات التي يعيشها
أو يعاينها.
وقد كان من أهم أسباب تخبط (مصطفى سعيد) في مواجهته للحضارة الغربية عدم فهمه لهويته من ناحية، ومن ناحية أخرى حالة الشويش التي تتصف بها الصورة النمطية عن الآخر الغربي عنده فعدم فهمه لهويته جعله غير مدرك لقدراته، وغير واع لأهميته،
وغير واثق في ذاته.
الصورة النمطية أو الشعور الجمعي، أو الصورة الذهنية، أو الذاكرة الاجتماعية، أو الذاكرة الجماعية، كلها مصطلحات تشير إلى مفهوم واحد، وهو ما تختزنه الذاكرة الجماعية عن الآخر، ويتسم بالسلبية والمبالغة، معتمدًا القصص والأخبار البعيدة عن الصواب، وترجع أهمية دراسة الصورة النمطية إلى أن تناول أي أمة لصورة الآخر فيه إبراز للجوانب التي
يخالفها فيه، ومن ثم تبرز خصائص هويتها ولذلك سلط النقاد أنظارهم لدراسة التصور
العربي للغرب من خلال دراسة الإنتاج الأدبي: شعرا كان أم نثرا.
قهوية الإنسان هي مرجعيته وذاتيته هي منظومة متكاملة من المعطيات المادية والنفسية والمعنوية والاجتماعية تنطوي على نسق من عمليات التكامل المعرفي، وتتميز بوحدتها التي تتجسد في الروح الداخلية التي تنطوي على خاصية الإحساس بالهوية والشعور بها.
أما التشويش أو التشويه في الصورة النمطية عن الآخر الغربي فجعل (مصطفى) لا يحن اختيار أسلحته حيث انطلق - في تعامله مع الحضارة الغربية - من واقعه السياسي الذي كانت تعانيه بلاده بسبب وطأة الاستعمار الغربي، واحتلال بلاده فعليه شعور الانتقام وانثار لبلاده من هذا المغتصب في عقر داره، وبمفرده.
فالصورة النمطية هي الناتج النهائي للانطباعات الذاتية التي تتكون عند الأفراد أو الجماعات إزاء شخص معين أو نظام ما، أو شعب أو جنس بعينه... وتتكون هذه الانطباعات من خلال التجارب المباشرة وغير المباشرة، وترتبط هذه التجارب بعواطف الأفراد واتجاهاتهم وعقائدهم، وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة المعلومات التي تتضمنها خلاصة هذه التجارب فهي تمثل بالنسبة لأصحابها واقعا صادقا ينظرون من خلاله إلى ما حولهم، ويفهمونه أو يقدرونه على أساسها.
ولذلك تتسم الصورة النمطية عند الغربي - في غالب الأمر - عن الشرق بالسطحية وقد ساعد على تكون هذه الصورة في المخيلة الغربية عن الشرق ما يروج له الإعلام العربي أحيانا كثيرة، يضاف لذلك بعض الأعمال السنيمائية والكتابات الأدبية، فأصبح العربي بالنسبة لهم البدوي الساذج المزواج المتهور الهمجي، ومن ناحية أخرى هناك تشويش
الصورة الغربي عند العرب.
وقد صور الطيب صالح هذه الصورة على لسان أحد أبناء القرية في حواره مع
الراوي العائد من بلاد الغرب، فيقول:
سالوني عن أوربا. هل الناس مثلنا أم يختلفون عنا؟ هل المعيشة غالية أم رخيصة؟ ماذا يفعل الناس في الشتاء؟ يقولون إن النساء سافرات يرقصن علانية مع الرجال. وسألني ود الريس: هل صحيح أنهم لا يتزوجون ولكن الرجل منهم يعيش مع المرأة في
الحرام .... وسألني محجوب: هل بينهم مزارعون .
بل وصل الأمر إلى قول (بنت مجذوب)
خفنا أن تعود إلينا بنصرانية غلقاء.
فالصورة الذهنية التي صنعها العرب والغربيون أحدهما للآخر صورة مركبة، ومتعددة الوجود إلى أبعد حد. إنها نتاج لتراكم طبقات مستمرة من العلاقات التاريخية والجغرافية والسياسية والعسكرية والثقافية بين الطرفين، منذ العصور الوسطى الأوروبية المسيحية زمن الحروب الصليبية على المشرق العربي والإسلامي وما بعدها؛ حيث ترسخت صورة العربي والمسلم.... الشهواني، البدائي، الحامل، النحاس، حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر في بداية القرن الواحد والعشرين، وما أعقبها من شرائم وجماعات تنشق عنها الأرض؛ حيث
ترسخت صورة العربي أصوليا، إرهابيا، شهوانيا، مصاصا للدماء.
ومن الزاوية الأخرى، جاءت صورة الغرب في المخيلة العربية - في غالبها - سلبية تجاهه، تصوره بأنه المستعمر الذي اغتصب الوطن، والذي لا يعرف حقوقاً للإنسان
(العربي).
فالذاكرة الجماعية واللاشعور الجماعي لكل عربي يحمل عن العنف الأوروبي صور إحراق قرطاجنة على يد الرومانيين، وما تلاه من استعمار ألف عام للعرق السامي إلى أن حزره العرب على شواطئ المتوسط، مثلما يحمل ذكرى مائتي عام من تدمير الحضارة العربية على يد الصليبيين، ولم تمض أربعمائة عام حتى بدأ الاستعمار البرتغالي فالبريطاني والفرنسي للأرض العربية.
ومع ذلك فلم تكن هذه هي الصورة النمطية الوحيدة؛ حيث انقسمت الرؤية العربية للغرب بين الأولى هذه، وبين الانبهار الشديد بالحضارة الغربية الذي قد يصل إلى حد الافتتان، وهناك فريق يعد أكثر اعتدالا من النمطين هو الفريق الذي يأخذ من الحضارة الغربية ما يدفع به نحو الأمام، ويتعامل معه بواقعية وإيجابية، لكن ليس على حساب الدين،
أو الهوية العربية.
أزمة الهوية عند (مصطفى سعيد)
تدور الأحداث على لسان الراوي، الذي لم يصرح الكاتب باسمه على طول الرواية. ومجتمع أهل القرية حوله اليسريد لهم أحداث رحلته، وهو وتشابه مع البطل في كثير من الأمور، منها سفرهما إلى الغرب فقد عاد الراوي من رحلة دراسية في لندن استمرت سبع سنوات (وهي المدة الزمنية نفسها التي قضاها مصطفى سعيد في السجن بعد قتل الفتاة). أما مصطفى فقد سافر بحثاً عن الكنوز المعرفية في الغرب المتقدم (علميا)، وقد حصل مصطفى على الدكتوراه في الاقتصاد، وقام بتدريسه في جامعات لندن، وقد حاول مصطفى اثبات هويته وفرضها على الغربيين، وقد استطرد الراوي في ذكر مغامراته النسائية، ومصور النسوة الثلاثي تعرف عليه، سواء أكان الانتحار أم القتل.
تصور الرواية الموصل في رحلته من السودان إلى القاهرة، وبعدها إلى لندن، ولكن الأزمة الأولى تمثلت في عدم الاعتراف به من الغربيين، أما الأزمة الثانية فهي محاولة إثبات الذات، من خلال معركة كان سلاحها المرأة، وبطلها مصطفى سعيد)، والذي لم يشق له عبار في هذا الميدان، ولكن الكاتب وصدم أفق توقع القارئ حين يسرد كيوة (مصطفى) عند ملاقاته بالمرأة الرابعة (جين) موريس)، وتمنعها عنه، والتي تعد (رمز الحضارة الغربية) حيث شكل هذا اللقاء بينهما قمة الصراع.
وبذلك يجمع مصطفي سعيد - في رؤيته للغرب - بين اتجاهين: الاتجاه الأول الذي ن بالغرب، وظن أنه سيجد فيه ضالته، بعد أن تم اختياره من بين أبناء قريته للسفر من أجل التعليم لنبوغه ونباهته، أما الاتجاه الآخر - فسرعان ما اكتشف نظرتهم له بأنه لا شيء، وأنه لا يرقى لما هم عليه من حضارة وفكراً مما دفعه للانتقام من أجل إثبات
هويته، وتأكيد غلبتها على حضارتهم.
يقول (زكي نجيب محمود كان أول ما عنيت به الشعوب المتحررة هو أن تتشبث بهويتها الخاصة، ولا تصان تلك الهوية الخاصة إلا بأن يتمسك الشعب بثقافته هو التي ورثها عن أسلافه في العقيدة وفي اللغة، وفي الفن، وفي الأدب، وفي كثير من النظم
الاجتماعية.
ولد مصطفى سعيد في السودان، وعاش بالقرب من الخرطوم، ومات أبوه قبل مولده،
ولم يكن له من أهله سوى أمه فيقول:
لم يكن لنا أهل، كنا أنا وهي أهلا بعضنا لبعض
كنت أحس إحساسنا دافتا بأنني حر ليس ثمة مخلوق لا أب ولا أم يربطني كالوتد إلى
بقعة معينة ومحيط معين
ان مصطفى - بافتقاده الرابطة بينه وبين أبيه أمه - يشعر بانشطار الذات، ولأكثر من مرة يصور مصطفى الفجوة بينه وبين أمه فيقول مصورًا ردة فعلتها حين علمت بخبر سفره
إلى القاهرة
حين أخبرني ناظر المدرسة بأن كل شيء أعد لسفري للقاهرة، ذهبت إلى أمي وحدثتها نظرت إلى مرة أخرى، تلك النظرة الغريبة، أفترت شفتاها لحظة كأنها تريد أن تبتسم، ثم أطبقتها، وعاد وجهها كعهده، قناعا كثيفا بل مجموعة أقنعة. ثم غابت قليلا، وجاءت بصرة وضعتها في يدي، وقالت لي: لو أن أباك عاش لما اختار لك غير ما اخترته لنفسك. افعل ما تشاء، سافر. أو ابق. أنت وشأنك، إنها حياتك، وأنت حر فيها ..
إن هذا القناع أو مجموعة الأقنعة التي كانت تحول بينه وبين أمه تمثل أزمة دفع ثمنها غاليا حين انفتح على الحضارة الغربية؛ فهو كالشجرة التي تقلبها الرياح ذات اليمين وذات
الشمال بل ألقت به إلى الشمال نفسه حيث الغرب، ليس له جذور يتشبث بها.يقول: " كنت أحس بأنني ... أنني مختلف اقصد أنني لست كيفية الأطفال في سني لا أتأثر بشيء، لا أبكي إذا ضربت لا أفرح إذا أثني علي المدرس في الفصل، لا أتألم لما
يتألم به الباقون ..
أن هذا النفي المتابع يعبر عن مرحلة اللاشعور التي يصورها مصطفى، والتي كانت نتيجة حتمية لافتقاده الأهل؛ فأبوه مات، وأمه هناك حاجز بينهما، أو قناع بل مجموعة
أقنعة.
ومن المفارقات التي تؤكد هذا التصدع تصويره لمشهدي رحيلة: الأول من بلدته إلى
القاهرة، والآخر - من القاهرة إلى لندن.
يقول في الأول
كان ذلك وداعنا، لا دموع، ولا قبل، ولا ضوضاء... وركبت القطار، لم يلوح لي أحد
بيده، ولم تنهمر دموعي الفراق أحد ...
أما في المشهد الآخر -
فيصور رحيله من الميناء الإسكندرية نحو لندن، مؤكدًا هذه الرابطة بينه وبين أناس من غير
قومه السيد (روبنسون) وزوجته، يقول:
وكانا على الرصيف حين أقلعت بي الباخرة من الإسكندرية. ورأيتها من بعيد وهي تتوج ال لي بمنديلها، ثم تجفف به الدمع من عينيها، وإلى جوارها زوجها، واضعا يده على خصره
وأكاد أرى، حتى من ذلك البعد، صفاء عينيه الزرقاوين ..
ويصور مصطفى إحساس الأمومة، حين التقت به زوجة روبنسون لأول مرة عند قدوم
القاهرة؛ فيقول:
لم أجد صدرا غير صدرها أسند رأسي إليه، ريتت على رأسي وقالت: لا تبك يا طفلي
العزيز .
ويقول:
أعذب امرأة عرفتها تضحك بمرح، وتحنو علي كما تحنو أم على ابنها .. هذا مع تأكيده لأكثر من مرة أنها لم ترزق أولادا، وهذا فيه تصوير الإنسانية الغربي، وكسر لأفق توقع المتلقي العربي ذي الصورة الانطباعية عن الغرب؛ فالأمر مختلف تماما بين إحساس البطل بأمه الحقيقية ذات القناع أو الأقنعة وبين المرأة الغريبة عنه، التي لم ترزق
أولادا.
ومن الواضح أن (إليزابيث) قد تدربت كثيرا حتى استطاعت أن تصل إلى هذا المستوى من العاطفة النقية الصافية، لقد عاشت في القاهرة طويلا مع زوجها، وتعلمت العربية وعاشرت الناس في الشرق وأحبتهم، لقد اكتشفت الشرق من جانبه الإنساني لا من جانبه الجسدي والمادي. ولذلك أحبت (مصطفى سعيد) ووجدت سعادة غامرة في هذا الحب، ولم تطلب من مصطفى شيئا بل كانت تساعده كلما احتاج إلى المساعدة.
وكان الكاتب يريد أن يحطم الصورة النمطية بين الشرق والغرب، فبمخالطة الأوروبية للشرقيين تتغير الصورة النمطية شيئًا فشيا، وكأن الكاتب يريد أن يمهد بهذه التفاصيل، والدقائق النفسية لمصطفى قبل أن ينتقل إلى المرحلة الأخرى نحو الغرب؛ فهو بعد أن تشكلت عنده ما يمكن تسميته (اختلاط الهوية من خلال لقائه بالسيد (روبنسن) وزوجته في القاهرة، هذا الرجل الإنجليزي الذي يحسن العربية، ويُعنى بالفكر الإسلامي والعمارة الإسلامية، والذي كان كثيرا ما يطوف بمصطفى حول الأزهر الشريف، وقد مات مسلما، ودفن في مقبرة الإمام الشافعي، إلى أن أنت مرحلة أخرى شكلت جزءا جديدًا من هويته
مرحلته انتقاله إلى الإنجليز، وتعليمهم له في مدارسهم، وإعجابهم بقدراته العلمية، ما دفعهم
إلى نقله مرة أخرى من القاهرة إلى لندن؛ من أجل الدراسة.
ولكنه مع كل ذلك بدأت تتفجر عنده أسئلة الهوية؛ فتساءل مستنكرا :
كيف قيضت الصدف لي قومًا ساعدوني وأخذوا بيدي في كل مرحلة، قوما لم أكن أحس تجاههم بأي إحساس بالجميل، كنت أتقبل مساعداتهم، كأنها واجب يقومون به نحوي.
الصدام بين مصطفى سعيد والغرب:
لم يقتصر دور البطل في أوروبا على استكمال الدراسة، بل أصبحت له مارب أخرى حيث أترك مصطفى أنه - مع ما وصل إليه من قدرات علمية عالية - لكنه ينظر إليه من الغربيين على أنه أفريقي أسود، قادم من الغابة - على حد أحد أساتذة القانون، إذ يوجه حواره إلى مصطفى سعيد قائلا: " أنت يا مستر مصطفى خير مثال على أن مهمتنا الحضارية في إفريقيا عديمة الجدوى فأنت بعد كل المجهودات التي بذلناها في تثقيفك كأنك تخرج من الغابة لأول مرة ..
فالكاتب عمد إلى تأكيد هذه الصورة النمطية، واختار طبقة ثقافية وعلمية راقية وكأنه يريد أن يؤكد عمومية هذه النظرة نحو الشرق؛ فإذا كان رجل القانون يرى ذلك فالأولى
بالشعب أن يسير على هذا الاتجاه.
وهذا ما دفع (مصطفى) للتعمق في إدراك الثقافة العربية بكونها هي الأصل، ومن
ناحية أخرى محاولة لفرض الذات على الآخر الغربي من خلال هذه الثقافة، والتي لم يجد
لها أهمية بينهم؛ فهم لم يعترفوا به، ولم تستوعب ثقافتهم أن يتفوق شرقي عليهم ..
وتبدأ مرحلة أخرى للبطل الشرقي مرحلة لقائه بفتيات غربيات؛ فقد كان اتجاه مصطفى في الرد على مثل هذه النظرة أن جعل له شعارا مغايرا لما يتوقعه المتلقي، الذي يسير معه من مرحلة تلو الأخرى، يراه فيها رجل علم، متفوق، يدرس في الغرب ثم يدرس في
جامعاتها، يقول:
إنني جئتكم غازيًا في عقر داركم. قطرة من السم الذي حققتم به شرايين التاريخ .
ويختار الكاتب ثلاث فتيات تحمل كل واحدة منهن دلالة مهمة: (شيلا غرويد ــ إيزابيلا سيمور - آن همند فالأولى من طبقة متوسطة الحال، قروية، تعمل خادمة في مطعم " أغراها بالهدايا والكلام المصول والنظرة التي ترى الشيء فلا تخطئه ...
أما الثانية فتحمل من الدلالات ما يؤكد فداحة الأمر، فهي: ناضجة في الأربعين ، زوجها جراح ناجح، لها من الأولاد: ابن وبنتان، كما أنها:
متزوجة قضت أحد عشر عاما في حياة زوجية سعيدة، تذهب للكنيسة صباح كل أحد بانتظام
وتساهم في جمعيات البر
وكانت مريضة بالسرطان، تنتظر الموت في أي لحظة، لكن مصطفى سعيد دخل حياتها .
للانتقام والثار - فعجلت هي بموتها - منتحرة
أما الثالثة فكانت شابة من أسرة أرستقراطية عريقة
أبوها ضابط في سلاح المهندسين، وأمها من العوائل الثرية في الفربول، كانت . صيدا
سهلا.... عمتها زوجة نائب في البرلمان".
كانت أن ابنته الوحيدة، وقد عرفتها وهي دون العشرين فخدعتها وغررت بها وقت لها نتزوج زواجًا يكون جسرا بين الشمال والجنوب، وحولت حذوة التطلع في عينيه .
الخضراوين إلى رماد ..
وماتت منتحرة بالغاز بعد أن كتبت له رسالة تلعنه فيها.
لم يكن الأمر صعبا على البطل، وكان يظن نفسه محاربًا أو صيادا كان يريد أن يثار
لبلاده التي اغتصبها الاستعمار، واستغل خيراتها، واستعبد شعبها، وأذل أهلها.
إن علاقة مصطفى سعيد بهؤلاء الفتيات ليست علاقة عاطفية إنسانية صحيحة قائمة على التوازن والمساواة بل هي علاقة حسية قائمة على الاستغلال، وهذا النوع من العلاقات يذكرنا ولا شك بالعلاقات بين الاستعمار والبلاد المحتلة، فالاستعمار يستغل بلدا من البلدان
ويستنزفها بقسوة لكي يستمتع بما فيها من ثروات وإمكانيات.
لم ينطلق مصطفى في علاقته بهؤلاء النسوة من دافع غريزي، لم يكن هو الشاب الذي خرج من مجتمع شرقي محافظ إلى مجتمع منفتح، وهو في ريعان شبابه، إن الأمر يحمل دلالات أكبر وأهم من ذلك، إن الجنس بالنسبة له سلاح، وسيلة ثار، طريقة رفض وانتقام
عامل هدم وذل.
إن الجنس في موسم الهجرة إلى الشمال يختلف عما هو موجود في الروايات الحضارية الأخرى؛ فهو في هذه الرواية عبارة عن مشروع انتقام، الجنس هو عامل هدم وإفناء للوجود، بدلا من أن يكون عامل بناء وبقاء؛ بل إن الجنس هذا هو معادل للموت، إنه أقصى درجات العنف في هذا الصراع الأزلي بين الشرق والغرب في الرواية العربية الحضارية كانت رجولته وفحولته - في نظره - وسيلته المجدية الوحيدة لمواجهة الغرب
والانتقام من الحضارة الغربية.
كان الأمر بالنسبة له متعة نفسية، يقول:
أفعل كل شيء حتى أدخل المرأة في فراشي، ثم أسير إلى صيد آخر، جلبت النساء إلى فراشي من بين فتيات جيش الخلاص، وجمعيات الكويكرز، ومجتمعات الغابيانيين ..
أما مسألة انتحار الفتيات الثلاثة فلا يمكن تصوره على أنه ندم أو إحساس بالذنب فهذا لا يتماشى مع الفكر الأوروبي وبخاصة عندهن ؛ فقد أتين إليه راغبات، وبذلك يكون
الانتحار رمزية لفكرة التصدع بين الشرق والغرب.
ثم تبدأ مرحلة أخرى في علاقته بالمرأة الغربية، فلم يستمر الأمر على شاكلته لم إن يصبح مصطفى ذلك الرجل الأفريقي الذي يضع فحولة ورجولة، ولم تصبح المرأة فريسة أو صيدا سهلا كما اعتاد المتلقي، لقد بدأت حدة الصراع تتسع حين التقي (جين موريس) والتي انتهت العلاقة هذه المرة بينهما بقتلها بيده، لا بيدها منتحرة كأخواتها، فاستغراقا في تأكيد الصدام، راح الكاتب يستطرد في تصوير فكرة (الرفض والتملع) من خلال (جين
موريس التي هزمته.
لقد ترددت فكرة الصيد والفريسة في هذا اللقاء بالمرأة الرابعة، ليس تأكيدا للفكرة، بل هدما لها، فقد تبدلت الأدوار، من صياد إلى فريسة في يد امرأة غربية، يقول مصطفى:


ولكن لم تكن لي حيلة. كنت صيادا فأصبحت فريسة.


ويعتمد الكاتب على الاستطراد في السردا ليؤكد حدود التوتر في علاقتهما التي تمثل
قمة الصدام، والذي أودى بحياتها على يده، وسجنه.
يقول مصطفى:


كانت الحرب تنتهي بهزيمتي دائما أصفعها فتصفعني وتنشب أظفارها في وجهى
ويتفجر في كيانها بركان من العنف فتكسر كل ما تناله يدها من أوان، وتمزق الكتب
والأوراق، كان هذا أخطر سلاح عندها، كل معركة تنتهي بتمزيق كتاب مهم أو حرق بحث
أضعت فيه أسابيع كاملة.
لم يجد مصطفى حرجًا في أن يصف لقاءه بها أنه حرب، يأخذ فيه دور المهزوم
دائما، ويشير إلى نوعية سلاحها، لم يكن آلة حرب غربية متطورة كالتي اعتاد وجودها فى بلاده زمن الاستعمار، إن الحرب هنا معنوية أسلحتها أكثر فتكا، ونتائجها أصعب جرحا
إن سلاحها طمس هويته من خلال تمزيق كتاب يقرأء، أو حرق بحث لم يخرج إلى النور هكذا كانت تعبر عن غضبها، ورفضها، وتمنعها، وقت غضبها.
يقول مصطفى:
فأشارت إلى زهرية ثمينة من الموجودة على الرف. قالت: تعطيني هذه وتأخذني. لو طلبت مني حياتي في تلك اللحظة ثمنا لقايضتها إياها. أشرت برأسي موافقا. أخذت الزهرية وهشمتها على الأرض وأخذت تدوس الشظايا بقدميها حتى حولتها إلى فتات. أشارت إلى مخطوط عربي نادر على المنضدة قالت: تعطيني هذا أيضا... أشرت برأسي موافقا أخذت المخطوط القديم النادر ومزقته وملأت فمها بقطع الورق ومضغتها وبصفتها كأنها مضغت كبدي، ولكنني لا أبالي أشارت إلى مصلاة من حرير أصفهان أهدتني إياها مسز روبنسن عند رحيلي من القاهرة. أثمن شيء عندي، وأعز هدية على قلبي قالت: تعطيني هذه أيضا ثم تأخذني... وهززت رأسي موافقا، فأخذت المصلاة


ورمتها في نار المدفأة ووقفت متلذذة إلى النار تلتهمها.


يشير هذا النص إلى فكرة الاحتفاظ بالتراث، ثم التفريط فيه، وعنف الآخر تجاهه، إن مصطفى بعد كل هذه الممارسات يعترف اعترافا صريحًا بهزيمته؛ فهو لم يستطع فرض هويته على الآخر الغربي، ولم يستطع إذلاله بل عرض نفسه للسجن الذي قضى فيه سبع سنوات، ثم خرج ليبدأ مرحلة أخيرة في بلده، تنتهي فيها حياته في صورة غامضة.
الزوجة / الوطن:
إن الرواية قدمت حلا مهما لأزمة الهوية بين الشرق والغرب، عن طريق المرأة / الزوجة، حسنة بنت محمود) والتي تمثل الوطن؛ فبعد أن عاد مصطفى إلى وطنه، تزوج منها وأنجبت ولدين: (سعيد - محمود)، مما يؤكد فكرة الخصوبة؛ فهو بعد كل هذه اللقاءات
لم يرزق ولدا واحدا.
بل إن الأمر يستمر حتى بعد موته، فقد رفضت (حسنة) الزواج مرة أخرى، وإن قدر لها الأمر، فلن يكون إلا الراوي، الذي ارتضاء زوجها أن يكون امتدادا له، لكنه مع ذلك
تخاذل الراوي في نصرتها، حاولت هي بكل قواها أن ترفض غيره.
ووصل الأمر إلى رفض ود الريس) الذي لم يصرح الكاتب باسمه، ود الريس) الذي يشير إلى السلطة وفرض سيطرتها، لكنه أصابته نيران ثورة (حسنة) فقتلته ثم قتلت نفسها، والأمر بعد رفضا للمفاهيم الشرقية السائدة وقتها؛ وفيه خروج عن العادات والتقاليد الظالمة
للمرأة الشرقية.
الخاتمة:
تعد (موسم الهجرة إلى الشمال من أكثر الروايات العربية إثارة للجدل؛ لما تحمله من تعدد أوجه التلقي والتأويل؛ فهي نص مفتوح يقبل الأخذ والرد، نص قابل للقراءات المختلفة، وفق رؤى ومنهجيات شتى، وقد سعت الدراسة الحالية إلى إبراز الصورة النمطية بين الشرق
والغرب، وأثرها في الصدام، وتصوير الرواية لهذه المسألة، ومعالجتها لها. وقد استطاع الطيب صالح) أن يعرض لأزمة الهوية من خلال الصراع الذي عاشه
(مصطفى سعيد) جراء الاحتلال الأوروبي، هذا البطل الذي جاء في صورة البطل الممزق، الذي ظل يبحث عن هويته محاولاً فرضها على الآخر الغربي، هذا البطل الذي مات في
صورة غامضة، وترك خلفه الراوي ليستكمل مسيرته؛ وليكون وصيا على أولاده من بعده،
وكأنه يمثل الجيل الجديد الذي يستفيد من هجرة من سبقه إلى الشمال.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

التدوين الوظيفي...

التدوين الوظيفي ونعني بها العملية التي همت صنفا من المجموعات التي قام بتدوينها باحثون متخصصون مغارب...

عقوبات أهل العل...

عقوبات أهل العلم والزهد اعظم المعاقبة ان يحس المعاقب بالعقوبة! وأشد من ذلك ان يقع السرور بما هو ع...

٦- الأسرة تعد و...

٦- الأسرة تعد وحدة للتفاعل الاجتماعي المتبادل بين افراد الأسرة من خلال تأديتهم للأدوار و الواجبات في...

• يوجد آلية لضم...

• يوجد آلية لضمان أن التقييمات تغطي جميع مخرجات المقررات يتم ذلك عن طريق اختيار وتصميم أسئلة الامتحا...

ولا تزال سياسة ...

ولا تزال سياسة الكنيسة ى! كانت» ولا أدل على ذلك من تلك القوائم التي تصدرها بأساء الكتب التي يمُنع ال...

ماهي الأنظمة ال...

ماهي الأنظمة المحاسبية ؟ هي الادوات تستخدم في إدارة الاعمال والشركات لتنظيم وتسجيل الأنشطة المالية ...

Dear Hiring Man...

Dear Hiring Manager, I am reaching out to express my keen interest in the Customer Service Agent pos...

عندما يتعلق الأ...

عندما يتعلق الأمر بالتسويق والتوزيع لآلة الأظافر، هناك عدة خطوات يمكن اتباعها: 1. تحديد السوق المست...

وتتكون من موضوع...

وتتكون من موضوعين : الموضوع الأول : تعريف تأريخ التشريع الإسلامي : التأريخ في اللغة : تعريف الوقت. ي...

تتمثل أهمية نشا...

تتمثل أهمية نشاط شركات رأس المال الاستثماري في تقديم الدعم المالي والفني والإداري ومرافقة المشاريع ا...

نظراً لعدم ثبات...

نظراً لعدم ثبات عوامل الموقع والتغيرات التي تواجه المنشآت الاقتصادية، سواء في حجمها أو في طبيعة علاق...

ة 1النظرية ٥٠ و...

ة 1النظرية ٥٠ والزوال بالفناء لها توحي قد ومتناقضاتها فها جاءت التي ومنطلقاتها الفكرية بيئتها لها نظ...