خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
يُبيّن النص أن أسلوب حياة الفرد، سواء كان إنساناً أو شجرة، يتحدد بتفاعله مع بيئته، ولا يمثل مجرد رد فعل آلي لها. يظهر أسلوب الحياة بوضوح في مواجهة الصعاب، بينما يصعب تمييزه في الظروف الملائمة. يُشدد الكاتب على أهمية دراسة أسلوب حياة الشخص لفهم سلوكه وتوقع مستقبله، حيث لا تكفي دراسة الغرائز والدوافع وحدها. يربط النص بين أسلوب الحياة وشعور النقص، وخطّة الحياة (التي استُبدل اسمها بأسلوب الحياة)، والتي تُمثّل الحركة المتناسقة نحو هدف ما. يُمكن استنتاج أسلوب حياة الفرد من حديثه عن ذكرياته، خاصةً تلك المبكرة، والتي تُشكّل أساس أسلوب حياته. يُناقش النص تصنيف الأفراد إلى أنماط، مؤكداً أنها أدوات ذهنية لتيسير البحث، ولا تعكس حقيقة التنوع البشري الفريد. يُقدم النص مثالاً لرجل غير متوافق اجتماعياً، يعاني من شعورٍ بالنقص، ويُخفيه وراء التردد والخوف من الفشل، مُشيراً إلى أن أسلوب حياته قد تبلور في سنواته الأولى نتيجةً لمأساة عائلية (كونه الطفل الأول الذي فقد مركزه المميز). يُحلل النص أيضاً حالة أخرى لرجل مصاب بداء السوداء، مربطاً إصابته بتدليله في الطفولة ثم حرمانه منه، مُبرزا تنوع استجابات الأفراد للظروف بمثال ثلاثة أطفال أمام أسد. يُختتم النص بالتأكيد على أهمية فهم أسلوب حياة الفرد، وتعديله بتوجيهه نحو أهدافٍ جديدة، وتعديل تصوراته الخاطئة عن ذاته وعن الآخرين، مع التركيز على أهمية التدريب على الاستقلالية منذ الطفولة لتفادي المشاكل النفسية.
إذا نظرت إلى شجرة صنوبر قائمة في أحد الوديان رأيتها تختلف في نموها عن شجرة مثلها في أعلى الجبل، وإن كانت الشجرتان شجرتي صنوبر من نوع واحد. وسبب الاختلاف أن هناك أسلوبين مختلفين لحياة هذه الشجرة. فأسلوب حياة الشجرة في أعلى الجبل يختلف عنه إذا نمت في الوادي، وأسلوب حياة شجرة ما هو فردية هذه الشجرة تعبِّر عن نفسها في بيئة ما.
ونحن يسهل علينا أن ندرك أسلوب الحياة للشجرة حين نشاهدها في بيئة ما مختلفة عما نتوقعه في هذه البيئة لأننا نتبين في هذه الحالة أن لكل شجرة طرازاً من الحياة خاصاً بها، وليست مجرد رد فعل آلي للبيئة التي هي فيها.
ويصدق هذا على بني الإنسان كما يصدق على الأشجار سواءً بسواء.
فنحن نرى أسلوب الحياة في أحوال معينة من البيئة؛ ومن واجبنا أن نحلل ما بين هذا الأسلوب وبين الظروف القائم فيها من علاقة، لأن عقل الإنسان يتبدل بتبدل البيئة التي حوله. وما دام الشخص في أحوال ملائمة له فإننا لا ستطيع أن نرى أسلوب حياته واضحاً جلياً؛ أما إذا وُجِد في ظروف جديدة يواجه فيها صعاباً، فإن أسلوب حياته يظهر واضحاً مميَّزاً عن غيره من الأساليب. وقد يكون في وسع العالمِ النفساني المجرِّب أن يفهم أسلوب حياة إنسان ما، حتى إذا كان في ظروف ملائمة، ولكن هذا الأسلوب يبدو واضحاً حتى لغير العلماء إذا وضع الشخص في أحوال صعبة أو غير ملائمة له. والحياة كما نعلم ليست مجرد لهو أو لعب، ولهذا فإنها لا تخلو من الصعاب، بل إن فيها على الدوام ظروفاً يجد الناس فيها أنفسهم أمام مشاكل.
وإذا أراد علماء النفس أن يدرسوا شخصاً ما ليتبينوا حركاته وخصائصه المميزة له وجب عليهم أن يدرسوه عندما يواجه هذه المشاكل. وقد قلنا من قبل إن أسلوب الحياة وحدة متصلة الأجزاء، لأنه نشأ من صعاب الحياة الأولى ومن العمل لبلوغ هدف ما.
ولكن أكثر ما نعنى به هنا هو المستقبل لا الماضي، وإذا شئنا أن نفهم ستقبل شخص ما وجب علينا أن نفهم أسلوب حياته، لأننا حتى إذا فهمنا غرائزه ومنبهاته ودوافعه وغيرها فإن ذلك لا يكفي لأن نتنبأ بما لا بد من حدوثه له. نعم إن بعض علماء النفس يحاولون أن يصلوا إلى نتائج بمراقبة بعض غرائز الشخص، أو ما ينطبع في ذهنه من الآثار، أو ما يظهر من الأعراض الغير العادية، ولكن البحث الدقيق يُظهر أن من وراء هذه العناصر كلها أسلوباً للحياة متناسقاً موافِقاً لها، وأن كل تنبيه خارجي لا ينبه إلا لينقذ ويثبت أسلوباً للحياة.
وكيف ترتبط فكرة أسلوب الحياة بالأمور التي بحثناها في الفصل السابق؟ لقد رأينا كيف يصاب بشعور النقص أو بعقدة النقص الأشخاص الضعاف الأجسام لأنهم يواجهون الصعاب ويشعرون بعجزهم أمامها، وإذ كان بنو الإنسان لا يطيقون الصبر على هذا طويلاً فإن شعورهم بالنقص ينبههم إلى أن يتحركوا ويعملوا، وهذا يؤدي إلى وجود هدف للشخص؛ وقد أطلق علم النفس الفردي على هذه الحركة المتناسقة التي تعمل لبلوغ هذا الهدف اسم خطة الحياة؛ ولكن هذه التسمية قد نتج عنها أخطاء بين الباحثين، ولذلك استبدل بها الآن اسم أسلوب الحياة.
ولما كان لكل شخص أسلوب للحياة خاص، فإن من الميسور أن نستدل على مستقبله من مجرد الحديث إليه وسماع إجابته عن بعض الأسئلة. فكأننا في هذه الحالة نشاهد الفصل الخامس من مسرحية -وهو الفصل الذي يكشف فيه عن جميع خفاياها-، وفي وسعنا بهذه الوسيلة أن نتنبأ بما سيكون لأننا نعرف كاكتوباتي
koto bat i
呵
مراحل الحياة وصفاتها ومسائلها. ففي وسعنا مثلاً بشيء من التجربة والعلم بقليل من الحقائق أن ننبئ بما سيحدث للأطفال الذين يعتزلون غيرهم على لدوام والذين يترقبون العون من غيرهم، والذين يُنَعمون ويدللون، والذين يترددون في معالجة الظروف الطارئة. فماذا يحدث مثلاً للشخص الذي يكون هدفه أن يعينه غيره من الناس؟ إن هذا الشخص يتردد ويفر من معالجة مسائل لحياة، أو يقف عاجزاً أمامها. ونحن نعرف أنه يتردد إذا واجهته الصعاب أو يقف أمامها أو يفر منها، لأننا قد رأينا هذا كله يحدث آلاف المرات؛ ونعرف أنه لا يريد أن يعمل بمفرده بل يريد أن يُنعَّم ويدلل، ويريد أن يبتعد عن مشاكل الحياة الكبرى ليشغل نفسه بما لا يفيد من الأمور، بدل أن يشغلها بالمفيد منها.
وليس هذا الطفل ما يعنى به اجتماعياً، ولذلك فقد يصبح طفلاً معضلاً أو مصاباً بمرض نفساني أو مجرماً، أو منتحراً، وهذا هو ملجأه الأخير من الصعاب. وقد أصبح علم هذا كله الآن معروفاً أكثر من ذي قبل.
وإذا أردنا أن نعرف أسلوب حياة شخص ما، فعلينا أن نتخذ أسلوب الحياة العادي أساساً نقيس عليه، فنجعل من الشخص المنسجم مع المجتمع قاعدة، ثم نقيس ما بينه وبين غيره من اختلاف.
وقد يكون مما يعيننا على إيضاح هذا الموضوع أن نبين للقارئ كيف يحدَّد الأسلوب العادي للحياة، وكيف نستعين به على معرفة الأخطاء والخواص الغريبة للناس. ولكن علينا قبل أن نبحث هذا الموضوع أن نذكر أننا لا نحصي في هذه الدراسة أنهاطاً من الناس، ولا نعد بني الإنسان أنهاطاً مختلفة لأن لكل واحد منهم أسلوباً للحياة خاصاً به. فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يحدد ورقتين من شجرة متشابهتين في كل صغيرة وكبيرة، فإنه لا يستطيع أن يجد شخصين متهاثلين في كل شيء، ذلك بأن الطبيعة غنية، وأن ما يصادف الشخص من بواعث وغرائز وأخطاء كثير العدد إلى حد يصعب معه وجود شخصين متماثلين في كل شيء. ولهذا فإننا إذا ذكرنا لفظ أنهاط فإنها نذكره على أنها وسيلة ذهنية نستعين بها على فهم ما بين الأفراد من تشابه. ذلك أن حكمنا يكون أصح إذا اعتبرنا صنفاً من العقول نمطاً قائماً بنفسه ودرسنا خواصه. على أننا إذا فعلنا ذلك لا نقيد أنفسنا باتباع التصنيف نفسه في جميع الأحوال، بل نستخدم من أنواع التصنيف أكثرها نفعاً في إيضاح ناحية معينة من نواحي التشابه. وأما الذين يتقيدون تقيداً شديداً بالتصنيفات، فإنهم إذا وضعوا شخصاً في صنف ما لا يدركون كيف يستطيعون أن يضعوه بعد ذلك في صنف آخر.
ولنضرب لذلك مثلاً يوضحه. إننا إذا تكلمنا على نمط من الناس غير متوافق مع المجتمع، فإننا نعني بهذا القول شخصاً يحيا حياة عقيمة ليس فيها أي اهتمام بالمجتمع. تلك طريقة من طرق تصنيف الأفراد، وقد تكون من أهم الطرق، ولكن انظر إلى حالة الفرد الذي يركز اهتهامه مهما يكن قليلاً على المرئيات وحدها. إن هذا الشخص يختلف كل الاختلاف عن الشخص الذي يركز معظم اهتمامه على الأشياء المنطوقة، ولكن كليهما قد يكون غير متوافق، ويرى أن من الصعب عليه أن ينشئ له صلات مع غيره من الناس. ومن هذا يرى أن تصنيف الناس أنماطاً منفصلة قد يكون مصدراً للاضطراب إذا لم ندرك أن الأناط ليست في الحقيقة إلا تجريدات ذهنية لا يقصد بها إلا تيسير البحث.
ولنعد بعدئذ إلى الرجل العادي الذي اتخذناه معياراً لقياس الاختلافات، فنقول إن هذا الرجل العادي فرد يعيش في مجتمع، وقد كيّف طريقة حياته بحيث يستفيد المجتمع من عمله فائدة ما، سواء أراد هو ذلك أو لم يرده. وهو عن الوجهة النفسية قد أوتي من النشاط والشجاعة ما يكفيه لمواجهة المشاكل والصعاب كلما عُرِضت له. وهاتان الصفتان معدومتان في الأشخاص المصابين بأمراض نفسية، فهم غير متوافقين من الناحيتين الاجتماعية أو النفسية مع واجبات الحياة اليومية. ولنضرب لذلك مثلاً رجلاً في الثلاثين من عمره كان يفر في آخر الأمر من حل الصعاب التي تواجهه؛ وكان له صديق ولكنه كان شديد الارتياب فيه، ومن ثم فإن هذه الصداقة لم تثمر ثمرة طيبة. والصداقة لا تنمو في مثل هذه الظروف لأن الشريك الثاني فيها يشعر بما في العلاقة بينه وبين الشريك الأول من توتر. ومن السهل علينا أن نعرف السبب في أن هذا الشخص لم يكن له أصدقاء على الرغم من أنه يتبادل الحديث مع عدد كبير من الناس. سبب ذلك أنه لم يكن ذا اهتمام كافٍ بالمجتمع، ولم يكن متوافقاً معه من الوجهة الاجتماعية توافقاً يكفي لأن يربطه مع الناس برباط الصداقة. والحق أن هذا الرجل لم يكن يحب المجتمعات، وكان دائم السكوت حين يود مع الناس، وكان يعلل هذا بأنه إذا وجد في المجتمعات لم تكن لديه أفكار قط، فلا يجد لديه ما يتحدث عنه.
وكان الرجل إلى ذلك حيياً، وكان أحمر البشرة، وكانت حمرته تزداد إذا تحدث، ولكنه كان إذا استطاع التغلب على حيائه تحدث أحسن الحديث. وكان الذي يحتاجه في الواقع أن يساعَد بعض المساعدة على أن يتغلب على حيائه وألا يُنتقَد. ولا حاجة إلى القول بأنه لم يكن في حالته هذه ظريفاً، كما أن جيرانه لم يكونوا يحبونه. وكان هو يشعر بهذا، ومن ثم فإن كرهه الحديث أخذ يزداد زيادة مطردة. وقد يكون في وسعنا أن نقول إن أسلوب حياته كان بحيث يجعله إذا اتصل بغيره من الناس في المجتمع لفت أنظارهم إليه.
ويأتي بعد الحياة الاجتماعية وفن الانسجام مع الأصدقاء، مشكلة مهنة الإنسان وعمله. وكان هذا الشخص الذي نحن بصدده يخشى على الدوام أن يفشل في مهنته، فواصل الدرس ليلاً ونهاراً، وأجهد نفسه فوق طاقته، وبسبب هذا الإجهاد نفسه صار عاجزاً عن حل مشكلة مهنته أيضاً.
وإذا بحثنا الطريقة التي عالج بها هذا المريض المشكلتين الأولى والثانية من مشاكل حياته رأينا أنه كان على الدوام في حالة من التوتر أشد مما ينبغي، وذلك دليل على أنه كان شديد الشعور بالنقص، فكان يحط من قدر نفسه، وينظر إلى غيره من الناس، وإلى الظروف الجديدة التي يوجد فيها، كأنهم وكأنها أشياء بينه وبينها عداء، فكان مسلكه مسلك المقيم في بلد معادٍ له.
ولقد تجمع لدينا بعد هذا الوصف من المعلومات ما نستطيع به أن نصور أسلوب حياة هذا الرجل. إن في وسعنا أن نرى أنه يود النجاح في الحياة، ولكن الطريق كان في الوقت نفسه مغلقاً أمامه، لأنه كان يخشى الهزيمة، فكان كالواقف أمام هوة سحيقة مجهودا متوتر الاعصاب، في وسعه أن يتقدم إلى الامام بشروط وفي ظروف خاصة، ولكنه يفضل أن يقبع في عقر داره ولا يختلط بغيره. وكانت المشكلة الثالثة التي واجهها هذا الرجل -وهي مشكلة ليس الكثيرون من الناس على استعداد تام لمواجهتها- هي مشكلة الحب. لقد تردد هذا الرجل في الاتصال بالنساء، فقد وجد أنه راغب في أن يحب ويتزوج، ولكنه كان شديد الخوف من مواجهة عواقب هذا الأمر لشدة ما يشعر به من النقص، فلم يستطع بلوغ غرضه فيه. وفي وسعنا بعد ذلك أن نلخص سلوكه كله وموقفه كله في هاتين الكلمتين ((نعم... ولكن))، فتراه يحب فتاة ثم يحب أخرى، وذلك أمر كثير الحدوث في حالة المصابين بالأمراض النفسية، لأن فتاتين أقل من فتاة في معنى من المعاني؛ وتلك حقيقة تفسر لنا أحياناً ميل بعض الرجال إلى تعدد الزوجات.
والآن فلنبحث عن أسباب هذا الأسلوب من أساليب الحياة. إن من وظيفة علم النفس الفردي أن يحلل سبب وجود أسلوب الحياة، وهذا الرجل قد حُدّد أسلوب حياته في الأربع أو الخمس السنين الأولى منها. فقد حدثت في ذلك الوقت مأساة صاغته وشكلته، ولهذا كان علينا أن نبحث عن هذه المأساة.
وفي وسعنا أن نحزر من أول الأمر أن شيئاً ما قد أفقده اهتمامه العادي بغيره، وطبع في نفسه أن الحياة ليست إلا مشكلة عظيمة، وأن اليأس من النجاح فيها بتاتاً خير من مواجهة الصعاب فيها على الدوام، ولهذا أصبح حَذِراً متردداً باحثاً عن طرق للفرار.
وحقيقة الأمر أن هذا الرجل كان هو الطفل الأول لأبويه، ولقد تحدثنا من قبل عما لهذا الأمر من أهمية كبرى، وأظهرنا أن أهم المسائل في حال الطفل الأول من أطفال الأسرة أنه يبقى عدة سنين موضع عنايتها، ثم ينزل عن هذا المركز السامي ويفضَّل عنه غيره. وإذا رأينا شخصاً حيباً يخشى التقدم في الحياة، كان السبب في كثير من الحالات أنه فُضَّل عنه غيره، ولهذا لم يكن من الصعب علينا في حالة هذا الشخص الذي نحن بصدده أن ندرك منشأ مشكلته.
وقد لا نحتاج في كثير من الحالات إلى أكثر من أن نسأل المريض: ((أ أنت أول أطفال الأسرة أم ثانيهم أم ثالثهم؟» فيكون في جوابه كل ما نحن في حاجة إليه. وفي وسعنا أيضاً أن نلجأ إلى وسيلة أخرى تختلف عن الوسيلة السابقة كل كاكتوباتي
koto bat i
11:44
الاختلاف. في وسعنا أن نسأله عن ذكريات له قديمة، وسنفصل القول في الذكريات في الفصل التالي من هذا الكتاب. وحسبنا أن نقول الآن إن هذه الطريقة جديرة بالعناية، لأن الذكريات أو الصور الأولى هي العناصر التي تألف منها أسلوب الحياة الأول، الذي سميناه من قبل المثال الأول وفي مقدور الباحث أن بعرف جزءاً من هذا المثال الأول عندما يذكر المسؤول شيئاً من ذكرياته القديمة. ذلك أن كل إنسان إذا نظر إلى ماضيه تذكر أشياء مهمة، لأن الذاكرة لا يبقى فيها دائماً إلا ما يهم. لا ننكر أن ثمة طوائف من علماء النفس يتخذون أساس عملهم عكس هذا الفرض، ويعتقدون أن ما نسيه الشخص أهم ما يجب أن نعنى به، ولكن الحقيقة أنه لا يوجد فارق كبير بين الرأيين، فلربما استطاع إنسان أن يحدثنا عن ذكرياته الواعية، ولكنه لا يدرك معناها ولا يعرف ما بينها وبين أعماله من صلة، ومن ثم تكون النتيجة واحدة سواء أكّدنا المعنى الخافي أو المنسي للذكريات الواعية، أو أكّدنا أهمية الذكريات المنسية نفسها.
وفي قليل من وصف الذكريات القديمة ما ينير لنا السبيل كل الإنارة، فقد يقول لك إنسان إن أمه قد أخذته إلى السوق ومعهما أخوه الأصغر منه، فيكون في هذا القول ما يغنينا عن كل شيء وما نعرف منه أسلوب حياته، فهو يرسم لنا صورة مكونة منه ومن أخ أصغر منه سناً، فيدل بذلك على أن وجود أخ صغير له كان أمراً يهمه. فإذا استدرجته بعد ذلك وصلت إلى حال شبيهة حال رجل تذكر أن المطر بدأ ينهمر في يوم ما، ثم أخذته أمه بين يديها ولكنها حين رأت أخاه الضغير تركته هو وحملت أخاه. ونستطيع من هذا أن نتصور أسلوب حياته. فهو دائماً يتوقع أن يُفضَّل عنه شخص آخر، ومن ثم يكون سبب الذي يمنعه من الكلام في المجتمعات أنه ينظر حوله على الدوام ليرى هل هناك شخص آخر يُفضَل عنه. وينطبق هذا نفسه على الصداقة، فهو يظن دائماً أن صديقه يفضّل عنه غيره، ولذلك لا يكون له قط صديق وفي، وهو يرتاب في الناس على الدوام، وينقب عن الأشياء التافهة التي تعكر صفو الصداقة.
وفي وسعنا أن ندرك أيضاً كيف عاقت المأساة التي حلّت به نمو اهتمامه الاجتماعي، فهو يذكر أن أمه حملت أخاه الأصغر بين ذراعيها، ويشعر أن هذا الطفل كان يلقى من عناية أمه أكثر مما يلقى هو، وهو يشعر أن أخاه الأصغر يفضّل عنه، ويبحث دائماً عما يؤيد هذه الفكرة، وهو مقتنع كل الاقتناع بأنه صيب في ظنه، وهو يرزح على الدوام تحت عبء الصعوبة الناشئة من سعيه للقيام بأعماله في الوقت الذي يكون فيه غيره مفضلاً عنه.
والحل الوحيد لمشكلة هذا الطفل المرتاب هو العزلة التامة حتى لا بضطر إلى منافسة غيره في وقت من الأوقات، وليكون كأنه الشخص الوحيد على ظهر هذه الأرض. والواقع أنه قد يبدو لخيال هذا الطفل أحياناً أن العالم كله قد تهدم، فلم يبقَ فيه إلا هو وحده، ولم يعد غيره يفضّل عنه. وهكذا نرى كيف يعالج كل الاحتمالات التي يستطيع أن ينقذ بها نفسه، ولكنه لا يتبع فيها سبيل الحق والمنطق والإدراك الفطري العام، بل يتبع سبيل الريبة ويعيش في عالم محدود تتملكه فيه فكرة خاصة للهرب منه؛ وهو مقطوع الصلة بغيره من الناس، ولا اهتمام له بأحد منهم؛ وليس لنا أن نلومه على ذلك لأننا نعلم أنه ليس في حقيقة أمره شخصاً سوياً.
ومن واجبنا أن نهيئ لهذا الشخص وأمثاله وسائل الاهتمام الاجتماعي الذي نتطلبه من شخص متوافق مع المجتمع. فكيف السبيل إلى ذلك؟ إن أصعب ما يعانيه أولئك الذين نشأوا هذه النشأة هو أنهم مجهَدون، وأنهم على الدوام يبحثون عما يؤيد أفكارهم الثابتة في عقولهم، ولهذا يستحيل علينا أن نبدل أفكارهم إلا إذا تيسر لنا بوسيلة ما أن ننفذ إلى شخصيتهم، وأن ننتزع منهم تصوراتهم الأولى، ولا بد للوصول إلى ذلك من الاستعانة ببعض الحيلة واللباقة. ومن أحسن الأشياء ألا يكون الناصح لهذا المريض وثيق الصلة به أو ممن يهمهم أمره، لأن الناصح إذا كان ممن يهمهم أمر المريض يجد على الفور أنه إنما يعمل لمصلحته الخاصة لا لمصلحة المريض نفسه، وتلك حالة لا تخفى على المريض بل يدركها وتداخله الريبة في الأمر.
وأهم ما في المسألة أن نقلل من شعور المريض بالنقص؛ وليس في الاستطاعة أن يستأصل هذا الشعور بأكمله، بل إنه ليس من المصلحة أن نستأصله كله، لأن الشعور بالنقص يمكن أن يُتخَذ أساساً صالحاً للبناء فوقه. كتوباتي
koto bat i
والذي يجب علينا أن نفعله هو أن نغيِّر الهدف. ولقد رأينا أن هدف هذا المريض هو الفرار لأن شخصاً آخر يفضَّل عنه، ولهذا يجب أن يكون عملنا موجها نحو هذه العقدة من الأفكار، فيجب أن نخفف من شعوره بالنقص بأن نُظهر له أنه في حقيقة الأمر يحط من قدر نفسه. وفي وسعنا أن ندلّه على ما في حركاته من متاعب ونوضح له ميله لأن يكون مكدوداً مجهوداً كأنه واقف أمام هوة سحيقة، أو كأنه في بلد معادٍ له يتهدده الخطر فيه على الدوام، وفي استطاعتنا أن نبين له أن خوفه من أن يفضَّل غيره عنه يحول بينه وبين إجادة عمله، ويمنعه أن يُحدِث خير الآثار التلقائية في غيره.
وإذا أمكن حمل هذا الشخص على أن يستقبل الضيوف، فيهيئ أسباب السرور لأصدقائه، وأن يبش لهم ويؤنسهم ويفكر في مصالحهم، فإن ذلك بصلح حاله كثيراً. ولكننا نرى أن هذا الشخص في الحياة الاجتماعية العادية بعجز عن أن يسر نفسه، وأنه ليست لديه أفكار، وهو من أجل هذا يقول لنفسه «أولئك أشخاص بلهاء، إنهم لا يسرونني، وليس في وسعهم أن يحملوني على الاهتمام بهم)).
وتنحصر المشكلة التي نواجهها في أمثال هذا الشخص في أنهم لا يفهمون ظروفهم بسبب عقليتهم الخاصة بهم ونقص إدراكهم الفطري العام، فكأنهم كما قلنا من قبل يواجهون على الدوام أعداء لهم، ويحيون كما يحيا الذئب المستوحش المنفرد بنفسه. وتلك الحياة شذوذ محزن في المجتمع الإنساني.
ولنبحث الآن حالة خاصة أخرى وهي حالة شخص مصاب بداء السوداء وهو مرض كثير الانتشار ولكنه ميسور العلاج. وفي مقدورنا أن نتعرف المصابين به في مستهل حياتهم. والواقع أننا نلاحظ كثيرين من الأطفال نبدو عليهم عندما يوجَدون في ظروف جديدة أعراض هذا الداء، وقد أصيب هذا الرجل الذي سنتحدث عنه الآن بعشر نوبات أو نحوها، وكانت هذه النوبات تحدث على الدوام عندما يُعيَّن في منصب جديد؛ وكانت حالته تبقى عادية تقريباً ما دام في منصبه القديم، وكل ما كان يبدو عليه من أحوال غير عادية أنه لم يكن يحب الخروج إلى المجتمعات، وأنه كان يرغب في السيطرة على غيره، ولهذا السبب لم يكن له أصدقاء، وظل من غير زواج حتى بلغ الخمسين من عمره.
والآن فلنرجع إلى أيام طفولته لندرس أسلوب حياته. لقد كان في طفولته شكساً شديد الحساسية، وكان على الدوام يسيطر على إخوته الكبار وعلى أخواته، مستعينا على ذلك بالمبالغة في آلامه وأسباب ضعفه. وحدث أن كان إخوته في يوم من الأيام يلعبون على الأريكة فدفعهم عنها دفعاً، فلما أنّبته عمته على عمله هذا قال لها ((إنك قد قضيت على حياتي كلها لأنك عبت عليّ عملي)) ولم يكن في هذا الوقت قد تجاوز السنة الرابعة أو الخامسة من عمره.
هكذا كان أسلوب حياته: كان على الدوام يحاول أن يسيطر على غيره ويشكو على الدوام من ضعفه ومما كان يعانيه، وقد أدت به هذه الصفات إلى أن بصاب في حياته المقبلة بالسوداء؛ وليس هذا الداء نفسه إلا إفصاحاً عن الضعف، ويكاد كل المصابين به ينطقون بهذه العبارة (إن حياتي كلها قد قضى عليها! لقد خسرت كل شيء) وكثيراً ما يكون هؤلاء ممن دُلِّلوا ثم حيل بينهم وبين تدليلهم فأثّر هذا في أسلوب حياتهم.
وبنو الإنسان في استجاباتهم لما يوجدون فيه من الظروف شديدو الشبه بأنواع الحيوان المختلفة. فالأرنب يستجيب استجابة تختلف عن استجابة الذئب أو النمر في الظروف المماثلة، وهذا شأن بني الإنسان أيضاً. وقد أخذ مرة ثلاثة أولاد من أنماط مختلفة إلى قفص فيه أسد ليُعلَم كيف يكون سلوكهم عندما يرون هذا الوحش المخيف أول مرة. فأما أولهم فقد لوى وجهه وقال:
«فلنعد إلى المنزل»، وأما الثاني فقال: (ما ألطفه!) وكان يتظاهر بالشجاعة، ولكنه وهو يقول هذا القول كان يرتعد فرقاً، فكان في الحقيقة جباناً. وقال الثالث: ((أيسمح لي بأن أبصق عليه؟». إن لدينا هنا ثلاث استجابات مختلفة، أي ثلاث طرق مختلفة للتأثر، وهي تدل فيما تدل عليه على أن بني الإنسان في معظم الأحوال يميلون إلى الخوف. وهذا الخوف إذا بدا في الأحوال الاجتماعية يكون من أكبر أسباب عدم التوافق مع المجتمع. ولنضرب لذلك مثلاً: كان رجل من أسرة عريقة في المجد لا يريد قط أن يجهد نفسه، بل يرغب على الدوام أن يعينه غيره، وكان يبدو ضعيفاً، ولم يكن في وسعه بطبيعة الحال أن يجد له عملاً. ولما ساءت حال أسرته المالية أخذ إخوته يعيرونه ويقولون له: ((لقد بلغ من غباوتك أنك لا تستطيع أن تجد لك عملاً، إنك لا تعقل شيئاً». ولذلك بدأ هذا الرجل يتعاطى المسكرات، ولم يمضٍ عليه إلا بضعة شهور حتى أصبح سكيراً مدمناً، وساءت حاله حتى وُضِع في ملجأ من الملاجئ بقي فيه سنتين، وتحسنت حاله بهذه الطريقة لكنها لم تنصلح صلاحاً دائماً، لأنه أعيد إلى المجتمع من غير أن يُعدَّ له، فلم يستطع أن يجد له عملاً غير عمل الفعلة، مع أنه كان من سلالة هذه الأسرة الكريمة المعروفة. ولم يلبث أن أصيب بالهذيان فظن أن شخصاً يظهر له ليعاكسه حتى لا يستطيع العمل... لقد كان في أول الأمر عاجزاً عن العمل لأنه سكير، ثم أصبح لا يستطيعه لهذيانه، ومن هذا نرى أن العلاج الناجع للسكير لا يقتصر على منعه من الشراب بل العلاج الناجع أن نعرف أسلوب حياته ونصححه.
ولما بحثت حالة هذا الرجل تبين أنه كان طفلاً مدللاً، يريد على الدوام أن يعينه غيره، وأنه لم يُعَدّ للعمل بمفرده، فكانت النتيجة ما رأينا. ومن ثم كان الواجب علينا أن نحرص على أن يُعوَّد الأطفال الاستقلال بأنفسهم؛ والسبيل الوحيدة إلى هذا هي أن ندلّهم على ما في أسلوب حياتهم من أخطاء. وقد كان من الواجب أن يُدرَّب هذا الطفل الذي نتحدث عنه على أن يعمل عملاً؛ ولو دُرِّب لنجا من هذا الموقف الذي كان يستحي منه عندما يجتمع بإخوته وأخواته.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
In Brazil, a boy was saved by his grandfather after being attacked by a 13-foot anaconda. The boy wa...
2.2. سوق رأس المال: هي تلك السوق التي تهتم بالاستثمارات طويلة الأجل، ومن الخصائص المميزة لهذه السوق ...
واذ قال ربك للملائكة اني جاعلفي الارض خليفة:الله خلقنا واستخلفنا فالارض وكلفنا بعمارتها /وعلم ادم ا...
Ⅰ-1-Introduction : Functionally Graded Materials (FGMs) exhibit a continuous variation of mat...
نظر بولس إلى المسيح والكنيسة في إطار الزوج والزوجة. في الواقع، نقل إلى العهد الجديد موضوعاً معروفاً ...
تتمثل المادة الخام في صناعة السياحة بعناصر الجذب السياحية و التي تعد المتطلب الأساس لقيام الاستثمار ...
عد مرافقة مانولين للشيخ لأكثر من 40 يوم منعه والداه من الاستمرار بالذهاب معه لأنه شيخ " سيء الحظ " ك...
أولا: السلطة التنفيذية. إن مفهوم السلطة التنفيذية يشمل كل الموظفين الذين يشاركون في تنفيذ القوانين ب...
مقدمة تتعدد صور التضامن، هناك تضامن مع الدائنين وهذا هو التضامن الإيجابي، وقد يكون التضامن بين المد...
Tesla has an organizational structure that supports continuous business growth. A company's organiza...
Simple Reflex Agent: • Acts immediately based on current situation. • No memory or thinking about ...
بالطبع! الصورة التي أرسلتها تحتوي على جزء أدبي وتحليل نقدي حول رمزية "الزهرة" عند الشعراء، مع تركيز ...