لخّصلي

بدأت العلاقات الألمانية الأفريقية خلال فترة التنافس الاستعماري، التي توجت بمؤتمر برلين (1884-1885) الذي دعَت إليه ألمانيا رغم عدم امتلاكها آنذاك لأي موطئ قدم في القارة. فعلى الرغم من ذلك، كان للألمان كأفراد، مستكشفين، وتجار، نشاط ملحوظ في أفريقيا قبل 1884. بعدها، انخرطت الحكومة والشعب الألماني في الاستعمار، مدفوعين بنشاط البعثات التبشيرية الألمانية، ورحلات الاستكشاف والتجارة مع غرب أفريقيا منذ القرن السابع عشر. فقد أسست شركة هامبورغ التجارية في 1861م، مع نشاط آخر في شرق أفريقيا، مما دفع التجار الألمان إلى المطالبة بمستعمرات ألمانية. في عام 1878م، أسست الجمعية الألمانية للدراسات الأفريقية في برلين. وكان هذا النشاط مدفوعًا أساسًا بالتجار، الرأسماليين، رجال البعثات الدينية البروتستانتية، والمستكشفين، وليس الحكومة، حيث عارض بسمارك في البداية السياسة الاستعمارية. لكن سرعان ما تغير الوضع، متسائلين عن أسباب هذا التحول المفاجئ. أدت عدة عوامل إلى ذلك، أهمها: قوة الرأي العام الألماني الممثل بالتجار، رجال المال، والبعثات الدينية، حيث ركزت ألمانيا أقدامها في توجو، الكاميرون، جنوب غرب أفريقيا، وشرق أفريقيا، وهي نفس المناطق التي كانت لها علاقات تجارية ألمانية قوية، مثل شركة هامبورغ التي واجهت صعوبات مالية، مهددة ببيعها لبريطانيا إن لم تتدخل الحكومة. في جنوب غرب أفريقيا، واجه تاجر ألماني صعوبات، فطلب حماية حكومية وحصل عليها من بسمارك في 1883م. وفي الكاميرون، لعب تاجر من هامبورغ دورًا رئيسيًا. ثانيًا، الحاجة إلى المواد الخام، الأسواق، وحل مشكلة البطالة، بسبب التقدم الصناعي السريع في ألمانيا، ونقص المواد الخام، وزيادة البطالة. ثالثًا، الوضع السياسي الداخلي في ألمانيا، مع انتشار الحركات الاشتراكية وتخوف الحكومة من ذلك. رابعًا، نزعة هجرة الشباب الألماني للخارج، مما دفع الحكومة إلى إنشاء مستعمرات لتشجيع الهجرة إليها. خامسًا، سياسة الدول الأوروبية الأخرى، والتنافس الاستعماري، خاصة سياسة ليوبولد الثاني في الكونغو. سادسًا، اعتبر بعض الكتاب أن خروج ألمانيا للاستعمار جاء بعد استكمال وحدتها الداخلية، متبعًا نظرية أن الوحدة الداخلية يتبعها دائمًا التوسع الخارجي. امتد النفوذ الألماني الاستعماري في أفريقيا إلى جنوب غرب أفريقيا، حيث بدأت البعثات التبشيرية نشاطها في السبعينيات من القرن التاسع عشر، متبوعة بالتجار، مما دفع الحكومة للتدخل. وفي توجو والكاميرون، كان للتجار الألمان نشاط كبير، مما دفعهم للضغط على الحكومة الألمانية لتعزيز وجودها هناك. أرسلت ألمانيا الدكتور ناخيتيجال، الذي عقد اتفاقات مع الزعماء المحليين وأعلن قيام محمية توجو الألمانية، ثم فعل الشيء نفسه في الكاميرون، مما أدى إلى خلاف مع فرنسا، انتهى باتفاق عام 1911م.

بدأت علاقات ألمانيا في أفريقيا في الفترة التي أطلق عليها فتره التكالب الاستعماري على أفريقيا والتي أسفرت عن عقد المؤتمر الكبير في برلين الى ١٨٨٤ ١٨٨٥م والتي دعت إليها ألمانيا وقتها ولعل الملاحظة التي تستحق التسجيل هنا هي أن الدولة الداعية لهذا المؤتمر (ألمانيا) ظلت خلال تلك الفترة لا تمتلك في أفريقيا موضع قدم .

لكن رغم أن الحكومة الألمانية لم يكن لها حتى عام ١٨٨٤ م وهو العام الذي عقد في برلين أي مستعمرات محددة في أفريقيا فإن الألمان كأفراد أو كمستكشفين أو تجار كان لهم نشاط ملحوظ في أفريقيا قبل ذلك التاريخ. بعد ذلك اندفعت الحكومة الألمانية والشعب الألماني في تيار الاستعمار.

وكانت البعثات التبشيرية الألمانية بالإضافة إلى الرحلات بقصد المغامرة أو الكشف الجغرافي ثم بغرض التجارة قد نشطت مع غرب أفريقيا منذ القرن السابع عشر وفي عام ١٨٦١م أسس بعض الرأسماليين في ميناء همبرج الألماني شركه كان لها نشاط كبير مع ساحل أفريقيا الغربي ولم يقتصر نشاط الألمان على الساحل الغربي على القارة فقد كان لبعض الأسرفي هنوفر أيضا نشاط كثير في الساحل الإفريقي الشرقي واخذ ألقاب الألمان الذين اشتهروا بالصراحة يشعرون إلى ضرورة إيجاد مستعمرات ألمانية لترويج تجارتها أسوة بالدول الأوروبية الأخرى.

وفي عام ۱۸۷۸م أنشئت الجمعية الألمانية للدراسات الإفريقية في برلين وكان لهذه الجمعية نشاط كبير في القارة الأفريقية.

والملاحظ أن نشاط الألمان كله في هذه الفتره قام على أكتاف كبار التجار والرأسماليين ورجال البعثات الدينية البروتستانتية والمكتشفين وليس على أكتاف الحكومة الألمانية إذا أن الزعيم الألماني بسمارك ظل زمنا طويلا يعارض السياسة الاستعمارية ويعمل على تجنيب بلاده مشاكلها, ولكن لم يلبث أن تغير الوضع بسرعة تدعو للدهشة, فلقد انزلقت الحكومة الألمانية في تيار الاستعمار حتى إنه في غضون عام واحد تقريبا تساءل الكتاب عن الأسباب التي دفعت الحكومة الألمانية والشعب الألماني إلى الاندماج في تيار الاستعمار بعد هذا الرفض لعدة سنوات, وكانت هناك عدة عوامل أدت إلى تغير بسمارك من سياسة التجارة إلى الاستعمار منها :أولا قوه الرأي العام الألماني:

د. حمادة وهبة غنا...

ممثلا في التجارة ورجال المال والإرساليات الدينية فقد اشترك هؤلاء كما ذكرنا في النشاط الذي كان سائدا في ذلك الوقت, فكانت الاتفاقات والمعاهدات التي بنت على أساس الدول الاستعمارية حقوقا لها ولرعاياها ولشركاتها في البلاد الإفريقية.

والدليل على قوه هذا العامل إن الأماكن التي ركزت ألمانيا أقدامها فيها في توجو, والكاميرون, وأفريقيا الجنوبية الغربية, وأفريقيا الشرقية كانت هي نفس المناطق في عام ١٨٨٤م

التي كان لقوة التجارة ورجال المال الألمان علاقاتهم بها.

فقد كانت تجارة همبرج مثلا تجارة واسعة وتكونت شركة من كبار الرأسماليين في همبرج للتجارة مع هذه الجهات, وأصبت الشركة صعوبات ماليه وحاول المشرفون عليها حث الحكومة الألمانية على التدخل, وهددوا بيع الشركة في مؤسسة بريطانيه إذا لم تتدخل الحكومة, وتطورات هذه المشكلة لأنها أدت لمنع النفوذ الألماني على إفريقيا الشرقية الألمانية (تزجانيتا).وفيما يتعلق بجنوب غرب إفريقيا ، فقد كان النشاط الألماني التجاري فيها كبير أيضا في احد التجار يدعي برلمين الألماني, وقد نجح هذا الرجل في إنشاء محطة تجارية في جنوب غرب أفريقيا, وواجهت صعوبات عده فطلب من الحكومة الألمانية حماية مصالحه وحصل سنه ۱۸۸۳م على وعد من بسمارك بذالك. وفيما يتعلق بنفوذ الألمان في الكاميرون يرجع الفضل فيه أيضا إلى تاجر من كبار تجار همبرج يدعى ويرمن كان صديقا بسمارك, وقد قدم مذكرة عن أهميه هذه المنطقة وعن المسائل التي يرى ان تتخذها الحكومة الألمانية في الكاميرون, وكان أيضا المحرك لنشاط الحكومة الألمانية في توجو.

ثانيا : الحاجة كالمواد الخام والأسواق وحل ارمه البطالة:

التقدم السريع في الصناعة الألمانية ترتب عليه تراكم المصنوعات ورخص أثمنها, بل أدى إلى تعطل العمل وانخفاض الجودة, هذا بالإضافة إلى الرغبة بالحصول على منتجات البلاد التجارية اللازمة للصناعة. ومن ثم اتجه التفكير إلى ضرورة الحصول على المستعمرات لحل أزمة التعطيل ونقص الأجور والمواد الخام, وإيجاد أسواق للمصنوعات الألمانية.الوضع السياسي في ألمانيا ذاتها :

........ د. حمادة وهبة غنا...

كانت الحركة الاشتراكية قد أخذت أنتشر في ألمانيا وظهرت جماعه من الفلاسفة الألمان في أمثال / كارل ماركس الذين تبن هذه المبادئ وكتبوا عنها وقد خشيت الحكومة الألمانية.

نتائج انتشار هذه الحركات وأراد أن تجاره ألمانيا يميدان الاستعمار قد يفتح الباب إمام العمال ويحل بعض المشكلات الاقتصاديه ويواجه الأنظار إلى الخارج بدلا في التفكير عن المشاكل الداخلية التي قد تؤدي بالاصطدام بين الطبقات.

رابعا : كانت قد سرت بين الشباب الألماني نزعه الهجرة الى

الخارج

وقد هاجر فعلا إعدادا في الشباب الى الولايات المتحدة, وكندا واستراليا وقدر عدد هؤلاء المهاجرين بين عامي ۱۸۲۰م - ۱۸۷۰م للمليونين وثلاثة أرباع المليون لكن

شعرت الحكومة الالمانيه ان هذه الهجره ترتب عليها ان نخسر الوطن الأحلى لاستمرار زهره شبابه صيما كلب من وراء ذلك القوه الاستعمارية الأخرى التي ستتقن ألمانيا في استغلال هذه الجهات التي تجذب الشباب للهجرة إليها, ولذا فكان الحل لهذه المشكلة في وجه نظرا الحكومة الالمانيه ان توجد مستعمراتتابعه ولازم الكبرى ويشجع الشباب الألماني للهجرة إليها والعمل بها دون ان يعقد صلته وولائه لوطنه الأصلي.

خامسا : سياسة الدول الأوروبية الأخرى:

أدت هذه السياسة الاستعمارية إلى التكالب الاستعماري على القارة, ونذكر على الخصوص في هذا المجال سياسة ليوبولد الثاني ملك بلجيكا في يختص بالكنغو, فقد فتحتا عيون الدول الأوروبية الأخرى فأسرعت تأخذ كل دولة حصتها منها.

سادسا : يعتبر بعض الكتاب خروج ألمانيا إلى ميدان الاستعمار إلى أنها قد استكملت وحدتها الداخلية فكان لابد بعد قيام الاتجار الألماني وحل مشاكل ألمانيا الداخلية ان تواجه نظرها الى الخارج أي الى التوسع ويقول شار لوكس لقد ثبت تاريخيا صحة النظرية القائلة بان الوحدة في الداخل كان يتبعها دائما التوسع الي الخارج.

المناطق التي امتد إليها نفوذ ألمانيا الاستعمارية

في أفريقيا:

أولا: في جنوب غرب القاهرة

ذكرنا أن البعثات التبشيرية الألمانية كانت قد بدأت نشاطها في جنوب أفريقيا في المنطقة المتحدة شمال نهر الأورنج وذلك منذ السبعينات في القرن ۱۸ .ومع موجات المستبشرين جاءت أعداد من التجار الرأسماليين وكان هذه التجارة بنفوذهم يبدأ ثوره الصناعه في أوروبا لمصالحهم الاقتصاديه التي لهم حمايتها القوه التي دفعت الحكومة الألمانية بعد ذلك إلى ميدان الاستعمار في غرب أفريقيا وجنوبها الغربي.

وكانت التبشيرية والتجارة الألمانية تشكل في تعرض إفرادها للملاك دون وجود يمكن ان يقدم لهم العون, وحين شكلت لبسي من ذلك أرسل بالاتفاق مع البرتغال ولانجلترا خطط حدود المنطقة الخاضعة للنفوذ الألمان في أفريقيا الغربية تمتد شمالا حتى عدد الجولات البرتغالية وفي الجنوب حتى نهر اورانج وتحدها شرقا تشوانا البريطانية.

ثانيا في توجو والكاميرون :

كان للتجار الألمان نشاط تجاري مع ساحل أفريقيا الغربي وساحل غانا بصفة خاصة وكانوا يضغطون باستمرار على الحكومة الألمانية لدفعها لتثبيت أقدامها لهذه الجهات ووضع ممثلين لها فيها تساندهم قوات عسكرية حتى يضمن التجار مصالحهم المالية والتجاريةهناك وأرسلت الحكومة الألمانية الدكتور ناخيتيجال البحث الإمكانيات المتاحة لهذه الجهات لنشاط التجار أصحاب رؤوس الأموال الألماني

ووصل الدكتور ناخيتيجال في يوليو ١٨٨٤م الى المنطقة الواقعة الى الشرق من المستعمرة الانجليزية في ساحل الذهب بين ساحل الذهب وداهومي حيث استطاع أن يعقد اتفاقات مع الزعماء المحليين وأعلن قيام محمية توجو الألمانية. وبعد ذلك أبحر الدكتور ناخيتيجال صوب الكاميرون حيث كانت تجني من عدة مساومات مع احد الزعماء المحليين ليوقع على وثيقة تمنح الألمان حقوقاً في هذه الجهات مقابل هدية سخية وعده بها التجار الألمان, ونجح ناخيتيجال في مهمته ورفع العلم الألماني معلناً بسط النفوذ الألماني على هذه الجهات.

وقد أثار هذا العمل الخلاف بين ألمانيا وفرنسا وظل بين الدولتين قائماً حتى ظلت فرنسا تتجه لمد نفوذها إلى مراكش (المغرب) في شمال أفريقيا فوقفت ألمانيا في وجه الأطماع الفرنسية في هذه الجهات, لكن وصلت الدولتان في عام ۱۹۱۱م إلى اتفاق يطلق يد فرنسا في مراكش في مقابل أن تتنازل فرنسا لألمانيا عن ادعاءاتها في منطقتين الكاميرون و