لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (18%)

وبالفعل يتبين لنا من دراسة تطور العلم أنه كلما انتقل إلى مرحلة أدق، أي على الكلام عن الظواهر الطبيعية من خلال صفاتها التي تبدو للحواس المعتادة، وخلال ذلك كله لم يكن هناك علم طبيعي بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة . فيمكن القول أن النزاع لم يبت فيه بعد بين أنصار التعبير الكيفي والتعبير الكمي عن الظواهر البشرية. ومن ثم فان أساليب التعبير عن الثانية لا تصلح للأولى، على حين أننا إذا أردنا أن ننتقل إلى المرحلة العلمية في دراسة الإنسان فلا بد أن نتبع نفس الأساليب التي اتبعت بنجاح في بقية العلوم، وسرعان ما يصبح من الضروري أن نعوده كيف يتعامل مع الرقم ثلاثة» ناسيا أنه يعبر عن ثلاث بليات أو ثلاث برتقالات. وتلك التجريدات العقلية التي نفهم من خلالها الظواهر الطبيعية، على حين يزداد العلم إيغالا في عالم الرموز والتجريدات الذي خلقه بنفسه، ويصبح القدر الأكبر من التعامل الذي يقوم به العالم، هو تعامله مع تلك الكيانات الفعلية التي استحدثها لكي يفهم بواسطتها الظواهر . ومن هنا كان ذلك الاتهام الذي وجهه البعض إلى العلم بأنه يفصلنا عن منابع الحياة العينية الملموسة، ويقيم عالما مصطنعا أشبه بالهيكل العظمي الذي خلا من اللحم والدم والحيوية، ولكن الأمر الذي نود أن نوجه إليه نظر القارئ هو أن تطور العلم نحو التجريد كان أمرا تحتمه مصلحة العلم ذاته، إذ أن الفرق هائل من حيث الدقة، وفضلا عن ذلك فإن هذا التحديد الكمي يسمح بالمقارنة بين الظواهر إذ تتحول الألوان مثلا من صفات كيفية إلى أرقام تعبر عن موجات ضوئية معينة، أن هذه الصفة، وتتيح له فهما أفضل لقوانينه فالعلم المعاصر الذي تبدو كتبه وأبحاثه كما لو كانت تعيش متقوقعة في عالمها الخاص المليء بالرموز والمعادلات والأشكال الهندسية هذا العلم هو الذي يتمكن عن طريق هذه الرموز المجردة ذاتها، من أن يقدم إلينا في كل يوم كشفا واختراعا جديدا يجعلنا نسيطر على نحو أفضل على ظروف معيشتنا ويرفع مستوى حياتنا اليومية ذاتها بلا انقطاع.


النص الأصلي

في حياتنا المعتادة نستخدم في أحيان كثيرة عبارات تتسم بالغموض وتبتعد عن الدقة، كأن يقول شخص: «قلبي يحدثني بأنه سيحدث كذا ..... وأمثال هذه التعبيرات ليست مرفوضة في الأحاديث اليومية المألوفة، بل أنها قد تؤدي فيها وظيفة هامة، هي الإيحاء بشيء معين دون تحديد دقيق له. أما في العلم فمن غير المقبول أن تترك عبارة واحدة دون تحديد دقيق أو تستخدم قضية يشوبها الغموض أو الالتباس. بل انه حتى في الحالات التي لا يستطيع فيها العلم أن يجزم بشيء ما على نحو قاطع، وإنما يظل هذا الشيء «احتماليا» في ضوء أحدث معرفة وصل إليها العلم حتى في هذه الحالات يعتبر العلم عن هذا الاحتمال بدقة، أي بنسبة رياضية محددة، وبذلك فانه يحدد بدقة درجة عدم الدقة، إذا جاز لنا أن نستخدم تعبيرا فيه مثل هذه المفارقة والوسيلة التي يلجأ إليها العلم من أجل تحقيق صفة الدقة هذه هي استخدام لغة الرياضيات. وبالفعل يتبين لنا من دراسة تطور العلم أنه كلما انتقل إلى مرحلة أدق، أصبح من المحتم عليه أن يستخدم الصيغ الرياضية على نطاق أوسع، وبالعكس تظل العلوم غير دقيقة مادامت تعبر عن قضاياها باللغة المادية. ومن هنا كنا نجد بعض مؤرخي العلم يفرقون في تاريخ أي علم بين مرحلتين: المرحلة قبل العلمية pre-scientific التي يستخدم فيها لغة الحديث المعتادة، والمرحلة العلمية scientific التي يتوصل فيها إلى استخدام اللغة والأساليب الرياضية. والمثل الواضح على ذلك علم الطبيعة : فمنذ العصور القديمة كانت هناك محاولات لدراسة الطبيعة على أسس علمية، ولكن كان يعيب هذه المحاولات اعتمادها على لغة «كيفية»، أي على الكلام عن الظواهر الطبيعية من خلال صفاتها التي تبدو للحواس المعتادة، كالحار والبارد والثقيل والخفيف، أو من خلال الصفات التي ينسبها إليها العقل الفلسفي، كالمادة والصورة والقوة والفعل. وخلال ذلك كله لم يكن هناك علم طبيعي بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة . ولميبدأ ظهور هذا العلم إلا على أيدي أقطاب الفيزياء في أوائل العصر الحديث وعلى رأسهم جاليليو: إذ استطاع هؤلاء الأقطاب أن يطبقوا الرياضيات على البحث الطبيعي، ويطبقوا لغة الكم في التعبير عن الظواهر الطبيعية. وبالمثل ظلت الكيمياء تستخدم اللغة الكيفية طويلا، وتجمعت لديها خلال ذلك كمية لا بأس بها من المعلومات، وخاصة في الوقت الذي كان فيه الكيمائيون القدامى يبحثون بلا جدوى عن وسائل تحويل المعادن الرخيصة (كالنحاس) إلى ذهب. فخلال فترة الهوس» الطويلة هذه، عرفت أشياء كثيرة عن خواص الأجسام وتفاعلاتها، ولكن هذه المعرفة كانت خبرات متوارثة، أو تجارب عشوائية، ولم تكن علما، لأنها لم تكن تستخدم إلا لغة الكيف. ولم تبدأ الكيمياء دخول المرحلة العلمية إلا في القرن الثامن عشر عندما طبقت فيها المناهج الكمية، واستخدمت في التعبير عن حقائقها النسب والمعادلات الرياضية.


أما في مجال العلوم الإنسانية، فيمكن القول أن النزاع لم يبت فيه بعد بين أنصار التعبير الكيفي والتعبير الكمي عن الظواهر البشرية. إذ لا تزال توجد حتى يومنا هذا مدارس تؤكد أن الظاهرة الإنسانية مختلفة، من حيث المبدأ، عن الظاهرة الطبيعية، ومن ثم فان أساليب التعبير عن الثانية لا تصلح للأولى، وإنما يجب أن نحتفظ للإنسان بمكانته الخاصة، ونعترف بطبيعته شديدة التعقيد، فلا نفرق في تبسيطها باستخدام لغة الرياضيات. وفضلا عن ذلك فان الإنسان كائن فريد، وأهم ما في أي فرد هو العناصر التي يختلف فيها عن الآخرين، لا تلك التي يشترك فيها معهم، ومن هنا كان استخدام لغة الرياضيات يعني إزالة أهم مميزات الإنسان، واستبقاء أقل الأشياء أهمية، أعني تلك العناصر المشتركة التي تقبل التعبير عنها بلغة عددية. وفي مقابل ذلك يؤكد غيرهم أن مسار المنهج العلمي ينبغي أن يكون واحدا في جميع المجالات، وأن الدراسة الفردية للإنسان تعود بنا إلى عهد التعبير الفلسفي أو الفني أو الشعري عن مشاكله، على حين أننا إذا أردنا أن ننتقل إلى المرحلة العلمية في دراسة الإنسان فلا بد أن نتبع نفس الأساليب التي اتبعت بنجاح في بقية العلوم، مع عمل حساب الفوارق المميزة بين موضوع الدراسة الإنسانية وموضوع الدراسة الطبيعية. ويمكن القول


أن هذا الرأي هو الذي ترجح كفته حاليا في ميدان العلوم الإنسانية، وانكانت هناك مدارس لا يمكن تجاهلها ما زالت متمسكة بالرأي الأول. والرياضة بطبيعتها علم مجرد، أي أنه لا يتحدث عن أشياء ملموسة. فحين نقول أن 523 يكون المقصود من هذا أية ثلاثة أشياء محددة وإنما المقصود هو العلاقة المجردة بين حدود معينة، بغض النظر تماما عما إذا كانت هذه الأرقام تعبر عن بشر أو فاكهة أو كتب الخ... وتلك حقيقة يعرفها تلميذ المدرسة الابتدائية، الذي نعوده التجريد منذ مرحلة مبكرة من عمره، بعد أن يكون قد بدأ يلم بحقائق الحساب البسيطة في بداية مرحلته التعليمية، بصورة ملموسة، عندما نقدم إليه فكرة الجمع والطرح عن طريق البلى الملون الذي نجمعه أو نطرحه على أسلاك حديدية. ففترة التعليم من خلال أمثلة ملموسة كهذه لا تستمر طويلا، وسرعان ما يصبح من الضروري أن نعوده كيف يتعامل مع الرقم ثلاثة» ناسيا أنه يعبر عن ثلاث بليات أو ثلاث برتقالات. وعندما ينتقل إلى المرحلة التعليمية التالية، نعوده على مزيد من التجريد حين نقدم إليه حقائق الرياضة في صورة رموز جبرية، فيعرف أن المعادلة س ص ص س تظل صحيحة مهما كانت القيم العددية للحرفين س وص، أي أن التجريد هنا أصبح يسري على الأرقام ذاتها .


ومن هنا كان التجريد صفة ملازمة للعلم : سواء تم ذلك التجريد عن طريق الرياضة وهو الأغلب أو عن طريق أي نوع آخر من الرموز أو الأشكال. فحين يتحدث عالم الفلك مثلاً عن المدار البيضاوي لكوكب معين لا يعني بذلك أن هذا الكوكب يرسم وراءه مدارا محددا في السماء، وإنما يعني ذلك الخط الذي نتصور، بناء على تتبع حركة الكواكب، انه يسير فيه . وحين يتحدث عالم الجغرافيا عن خط الاستواء، أو خط جرينتش لا يقصد خطأ عرضيا أو طوليا مرسوما على صفحة الكرة الأرضية، بل يقصد خطا تخيليا نرمز به إلى الأماكن والمواقع على سطح هذه الأرض. وهذه الخطوط ومعها مختلف الرموز التي نستخدمها في العلم، هي عالم مصطنع يخلقه العالم، ولا وجود له في الطبيعة، بل أن وجوده ذهني فحسب. هذا العالم المصطنع الذي نستحدثه في أبحاثنا العلمية، وتلك التجريدات العقلية التي نفهم من خلالها الظواهر الطبيعية، تباعد بيننا وبين عالم التجربة اليومية بالتدريج. ولو تتبعنا مسار العلم لوجدنا أن نصيب هذهالتجربة المألوفة يتضاءل فيه على الدوام، على حين يزداد العلم إيغالا في عالم الرموز والتجريدات الذي خلقه بنفسه، ويصبح القدر الأكبر من التعامل الذي يقوم به العالم، هو تعامله مع تلك الكيانات الفعلية التي استحدثها لكي يفهم بواسطتها الظواهر . ومن هنا كان ذلك الاتهام الذي وجهه البعض إلى العلم بأنه يفصلنا عن منابع الحياة العينية الملموسة، ويقيم عالما مصطنعا أشبه بالهيكل العظمي الذي خلا من اللحم والدم والحيوية، ويكتفي بالعلاقات المجردة بين الظواهر، وهي دائما علاقات خارجية لا تنفذ أبدا إلى صميم الواقع. ولسنا في حاجة إلى مناقشة هذا الاتهام، ما دمنا قد رددنا عليه في موضع آخر (3) . ولكن الأمر الذي نود أن نوجه إليه نظر القارئ هو أن تطور العلم نحو التجريد كان أمرا تحتمه مصلحة العلم ذاته، وبالتالي يحتمه تقدم المعرفة وتقدم الإنسان. فاستخدام الرموز الرياضية، ولغة الكم، يساعد كما قلنا على التعبير عن حقائق العلم بمزيد من الدقة، إذ أن الفرق هائل من حيث الدقة، بين قولنا أن الحديد ساخن كما كان يقول القدماء، بمن فيهم من العلماء، حتى أوائل العصر الحديث، وبين قولنا أن درجة حرارة الحديد 350 درجة مئوية مثلا . وفضلا عن ذلك فإن هذا التحديد الكمي يسمح بالمقارنة بين الظواهر إذ تتحول الألوان مثلا من صفات كيفية إلى أرقام تعبر عن موجات ضوئية معينة، فيسهل المقارنة بينها على حين أن النظرة الكيفية تقيم بين كل لون وآخر حواجز لا يمكن عبورها . وأخيرا فان التعبير الكمي يتيح لنا أن نتخطى النطاق المحدد للحواس البشرية، أو لقدراتنا بوجه عام. فهناك أصوات أعلى وأصوات أكثر انخفاضا مما تستطيع الأذن البشرية سماعه، وهذه الأصوات يمكن تحديد ذبذباتها كميا، وان لم يكن من الممكن التعبير عنها باللغة الكيفية المألوفة. كذلك فان درجات الحرارة التي يتسنى لنا تحملها هي درجات محدودة، وإذا ارتفعت الحرارة عن درجة معينة ولتكن 50 مئوية مثلا)، قلنا عن الجسم انه ساخن، ولأننا لا نستطيع أن نلمسه فان الساخن بدرجة 60 لا يختلف، في ضوء النظرة الكيفية، عن الساخن بدرجة 600، ولكن التحديد الكمي والرياضي هو الذي يمكنا مع الاستعانة بأجهزة القياس المرتبطة به من تحديد الدرجات التي تعجز الحواس البشرية عن التعبير عنها، كما يعبر عن الفوارق الجزئية الضئيلة التي لا تستطيع حواسنا العادية تمييزها .ولنذكر أخيرا، في صدد صفة التجريد هذه، أن هذه الصفة، التي يبدو أنها تباعد بين العلم وبين الحي الملموس، هي التي تكسب الإنسان مزيدا من السيطرة على هذا الواقع، وتتيح له فهما أفضل لقوانينه فالعلم المعاصر الذي تبدو كتبه وأبحاثه كما لو كانت تعيش متقوقعة في عالمها الخاص المليء بالرموز والمعادلات والأشكال الهندسية هذا العلم هو الذي يتمكن عن طريق هذه الرموز المجردة ذاتها، من أن يقدم إلينا في كل يوم كشفا واختراعا جديدا يجعلنا نسيطر على نحو أفضل على ظروف معيشتنا ويرفع مستوى حياتنا اليومية ذاتها بلا انقطاع. وتلك هي الصفة الفريدة حقا في العلم أن طريقته في السيطرة على العالم الملموس والتغلغل فيه هي أن يبتعد عنه ويجرده من صفاته العينية المألوفة.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

(٣) أسرار نجاح ...

(٣) أسرار نجاح العمل أما نجاح العمل فيتوقف على بذل القوى في محالِّها وأوقاتها الملائمة بالحكمة وحسن ...

بدايات سورة الح...

بدايات سورة الحج تتحدث عن من يصد عن سبيل الله تتحدث عن من جعل أهم هدف وغاية له الصد عن سبيل الله سبح...

أفادت مصادر طبي...

أفادت مصادر طبية بمقتل 78 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على غزة منذ فجر اليوم بينهم 38 من منتظري المساعدا...

الفصل الأول: ال...

الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للمدن الذكية شهدت المدن تطورا تاريخيا كبيرا بدأ منذ نشأتها كمدن كلاسيك...

1. قانون منع سو...

1. قانون منع سوء معاملة الأطفال ومعالجته (CAPTA) – 1974: يوفر إطارًا لفحص وإبلاغ ومتابعة حالات إساءة...

ان تعاطي المخدر...

ان تعاطي المخدرات من التحديات الاجتماعية و الصحية الواسعة التي ينظر إلي من زاوية أخلاقية أو قانونية...

دشن وكيل محافظة...

دشن وكيل محافظة حضرموت لشئون مديريات الوادي والصحراء الاستاذ عامر سعيد العامري اليوم الحميس الموافق ...

دراسة ظاهرة الم...

دراسة ظاهرة المقاومة المكتسبة فى الفطريات نتيجة استخدام المبيدات الفطرية دراسة تأثير نظم الرى المختل...

(٥) المعرفة الك...

(٥) المعرفة الكمالية ثبت مما تقدم أن المعارف العلمية والاختبارية والخاصة لازمة للإنسان كل اللزوم؛ لأ...

Morocco has rec...

Morocco has recently been making huge preparations to host the African Cup of Nations in 2025 and th...

The Romantic mo...

The Romantic movement, which emerged in the late 18th and early 19th centuries, transformed literatu...

تتركز رؤية القس...

تتركز رؤية القسم على تطوير تقنيات متقدمة للتشخيص المبكر والدقيق للأمراض البكتيرية النباتية، بالاستفا...