لخّصلي

/ حلب (المنطقة الزرقاء)، ولبـريطـانيـا في العراق الأدنى جنوبي بغـداد
(المنطقة الحمراء) بإقامة إدارة مباشرة (أي سيطرة أجنبية مباشرة) .
(۳) تقام إدارة دولية في فلسطين (المنطقة البنية) .
(٤) تحصل بريطانيا على ميناءي حيفا وعكا .

ولقد كانت هذه الاتفاقية طعنة للشريف حسين وللعرب، فهي مناقضة
لما فهمه الشريف من اتفاقه مع بريطانيا، كما أن اتفاقية سايكس بيكو مزقت
منطقة الشرق العربي للحيلولة دون تقدمها ووحدتها واستقلالها، وعندما
علم الشريف حسين بأمر الاتفاقية واستفسر من حليفته لم تعـدم هذه وسيلة
للتهرب والخداع ، فاستمر في ثقته ببريطانيا معتقداً أنها ستقف إلى جانبه بعد
الحرب ، وكـان ممثلو بريطانيا في الشرق العربي، وعلى رأسـهـم لورنس
يغذون هذا الشعور .
ولم تكن اتفـاقـيـة سايكس بيكو هي الطعنة الوحيدة التي وجهتها
بريطانيا لعرب المشرق، بل وجهت إليهم طعنة أخرى دامية لا تزال الدماء
تنزف من جرحها حتى اليوم، وذلك عندما أصدر وزير خارجية بريطانيا في
۲ من نوفمبر (تشرين ثان) سنة ١٩١٧ تصريح بلفور Balfour، الذي وعدت
فيه الحكومة البريطانية الصهيونية العالمية بأنها ستعمل على إنشاء وطن قومي
لليهود في فلسطين
(1).
وليس هنا مجال بحث الأسباب التي دفعت بريطانيا إلى إصدار هذا
التصريح، ولكن يهمنا أمران : أولهما أن هذا التصريح كان يتعارض مع
اتفاق بريطانيا مع الشريف حسين، فمما لا شك فيه أن فلسطين كانت ضمن
المنطقة التي وعدت بريطانيا بالاعتراف باستقلال العرب فيها، ولم تكن
فلسطين ضمن المنطقة المستثناة من منطقة الاستقلال العربي، وإذا كـان
البـريـطـانـيـون بعـد ذلك ادعـوا أن فلسطين كـانـت ضـمـن المنطقة المستثناة ،
باعتبارها تقع غرب مناطق دمشق/ حمص / حـمـاة / حلب ، فإن المنطقة الـواقـعـة غـرب خط دمشق/ حمص / حماة/ حلب هي الساحل السوري
(لبنان) وليست فلسطين
(1)
أما الأمر الثاني فهو موقف الزعامة العربية الممثلة في الشريف حسين من
هذا التصريح، إذ يلاحظ أنه مثلـمـا جـازت عليه من قبل خـدعـة «العظمة
البريطانية» بشأن اتفاقية سايكس بيكو، فقد جازت عليه خديعتها مرة
أخرى مع الفارق ، واستخدمت معه بريطانيا سلاح الترهيب والترغيب
لإسكاته وإرغامه على قبول الأمر الواقع، وبخاصة أنه كان يجهل تماماً
حقيقة الصهيونية ونواياها، فاستمر يثق ثقة تامة في كل ما تقرره «العظمة
البريطانية»، حتى لقد أوصى أتباعه وقواته المشتركة في القتال بالاستمرار في
الثقة بوعود بريطانيا، ودعا الشعب العربي في فلسطين إلى الترحيب باليهود
كإخوة والتعاون معهم من أجل الصالح العام .
وهكذا نرى أن بريطانيا كانت تتبع في أثناء الحرب سياسة متناقضة لها
أكثر من وجه : فهي تتفق مع العرب ، ثم تتفق مع فرنسا (سايكس بيكو)
على اقتسام الشرق العربي فيما بينهما كمناطق نفوذ، وهذا يتعارض مع
الاتفاق مع العرب ، ثم تمنح للصهيونية وعـداً يتعارض مع هذا وذاك، وفي
محاولة من البعض لتفسير هذا الموقف من بريطانيا وتسويفه، يذهبون إلى
أنه كانت هناك قوى عدة يهم بريطانيا إرضاءها .
وكانت أهداف هذه القـوى متعارضة تماماً، فتحالفت مع العرب من
أجل إحلال الهزيمة بالدولة العثمانية، وإقامة حكومات عربية في بعض
مناطق الشرق العربي، بحيث تكون تحت حمايتها، وفي الوقت نفسه كان على بريطانيا أن تدخل في حـسـابـهـا أطـمـاع فـرنسـا في الشام، وادعـاءات
الحركة الصهيونية في فلسطين، ورغبة حكومة الهند في السيطرة على العراق
كخط
ط دفاع أمـامي عن الهند، وحـمـايـة آبار النفط بالسيطرة على رأس
الخليج، وفي الوقت نفسه ، لم تكن بريطانيا راغبة في تشجيع الحركة القومية
العربية إلى الدرجة التي تصبح فيها خطراً على مركز بريطانيا ذاتها في مصر ،
فحاولت بريطانيا إرضاء الأطراف المختلفة ، بأن تعد كل طرف بما يصبو إليه
على أمل أن يصير من المحتمل التوفيق بطريقة ما بين المطالب المتعارضة فيما
بعد، وبعـد أن تضع الحرب أوزارها، وإلى جانب ذلك لا بد أن نضع في
اعتبارنا أنه لم تكن هناك هيئة بريطانية واحدة تخطط السياسة البريطانية في
منطقة الشرق العربي، فانعدم التنسيق بين وزارات الحربية والخارجية ودار
المندوب السامي في القاهرة وحكومة الهند
(1)
الاضطراب في الشرق العربي بعد الحرب
وكان من الطبيعي أن يترتب على سياسة بريطانيا المتناقضة إزاء الشرق
العربي في أثناء الحرب ، أن يغشى المنطقـة اضطراب شـديـد بعـد انـتـهـاء
الحرب، إذ أصبح يساور بريطانيا شعور بأنه من الممكن التحلل إلى حد ما
من تعهداتها لفرنسا لمصلحة العرب أو بالأحرى لمصلحتها هي، ويتضح
بوضوح في أثناء انعـقـاد مـؤتمر الصلح بباريس في يناير (كانون ثان) سنة
۱۹۱۹، والذي حضره فيصل نيابة عن والده ، بعد أن شكل حكومة عربية
في داخلية الشام (دمشق) في 5 من أكتوبر (تشرين أول) سنة ١٩١٨ .