لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (79%)

لقد كان للتحليل النفسي "Psychoanalysis أهمية كبرى في فهم السلوك الإجرامي، إذ إن علم النفس أمدَّ المجتمع بنظريات كثيرة على جانب كبير من الأهمية حول دراسة الناحية النفسية للفرد واستعداداته الفطرية وما يعتريها من الانحرافات التي أضحت مؤشرات هامة في السلوك الإجرامي، وانحراف الغرائز تعد عوامل للإجرام. وقد قدمت العلوم النفسية تفسيرات متعددة لمختلف أنواع السلوك وحاولت وضع المقترحات التي من شأنها علاج أصناف المجرمين وفقاً للنتائج المستمدة من إجراءات التحليل النفسي، ودراسة أعماق النفس الإنسانية وسبر أغوارها لمختلف المركبات النفسية المكبوتة وعلاقتها بالسلوك الإجرامي وصولاً إلى دراسة الأسباب الدافعة لذلك السلوك ومحاولة إصلاح المجرم وإعادته إلى الهيئة الاجتماعية. وعندما يذكر المرء النفس الإنسانية لابد أن يتجه به الفكر إلى العالم النمساوي" فرويد " الذي يعد رائد هذا الاتجاه بلا منازع حيث حاول إماطة اللثام عن ذلك الجانب الخفي من الذات الإنسانية، وسنحاول في هذا المقام أن نوضح النظرية النفسية – الفرويدية واهم افتراضاتها وعلاقتها بالسلوك الإجرامي. مضمون نظرية التحليل النفسي تذهب " نظرية التحليل النفسي"Psycho Analysis Theory بزعامة العلامة "سيجموند فرويد" S. وندرك كُنْهَا وماهيتها مثل الحب والسرور والألم والغضب. الخ. على حين يمثل اللاشعور مجموعة الاستجابات الخفيّة التي لا ندرك نشاطها، والتي لها تأثير عميق على سلوكنا وأفكارنا وعواطفنا. واعتبر" فرويد " S. Freudوأتباعه، اللاشعور بأنه قرار النفس الذي تجتمع فيه الرغبات المكبوتة منذ زمن الطفولة، وتحتوي أيضاً على جميع المخاوف والشهوات والعواطف الجيّاشة والأماني غير المحققة والذكريات الماضية التي انفصلت عن الشعور واستقرت في اللاشعور. وهذه الذكريات المختلفة برغم اختفائها في اللاشعور إلاّ أنها تمثل طاقة نشطة في تفاعلها مع بعضها فتوجه سلوك الفرد دون علم أوإدراك منه. وإذا تأملنا في ذكرياتنا نجد أن بعضها يمكن تذكره بسهولة كلما أردنا ذلك مثل الحوادث التي لا تزال عالقة في أذهاننا إما لحداثتها أو لأهميتها أو لأنها تذكر دائماً، وهذا ما أطلق عليه "فرويد " ما قبل الشعورPreconscious، الذي يتميز عن اللاشعور بأن اللاشعور لا نتمكن من تذكر حوادثه إلاّ عن طريق منبه خارجي يوقظ فينا الذكريات المكبوتة. وهناك نوع من الذكريات يتعذر علينا أن نتذكرها من تلقاء أنفسنا، ولكنها تستيقظ في حالات أو ظروف معينة مثل حالة الهذيان أو الحمى، أو عن طريق التنويم المغناطيسي، أو عن طريق الأحلام أحياناً أو عن طريق إجراء تحليل نفسي عميق. ويطلق علماء النفس على هذه الذكريات اسم " الذاكرة المكبوتة" وهي تخضع لقوة نفسية ضاغطة أطلق عليها " فرويد" " قوة الكبت"، كما أنها تقع تحت رقابة خاصة مستمدة من الذات الشعورية اسماها " فرويد" الرقيب. بمعنى أن الرقيب أو الضمير هو السبب في عدم ظهور الذكريات المكبوتة بصورة مكشوفة وصريحة، لذلك ففي الحالات التي تضعف فيها سلطة الرقيب، ويلخص عبد الرحمن محمد عيسوي المظاهر التي تعبر بها الذكريات المكبوتة عن نفسها فيما يلي: 1- فلتات اللسان، 2- زلات القلم وذلك حين يكتب الفرد كلمات لا يرغب في كتابتها أو كلمات لها عكس المعنى الذي يرغب ظاهرياً في التعبير عنه. 3- نسيان تنفيذ المواعيد والأعمال، كأن تنسى لمدة طويلة أن تلقى بالخطاب الذي كتبته لأحد أفراد أسرتك، أو تنسى موعد اتخذته لمقابلة شخص ما. 4- فقدان الأشياء أو ضياعها لأسباب لا شعورية، مثل الرغبة في التخلص من هذه الأشياء، 5- الرسوم والأشكال التي يرسمها الفرد لا شعورياً تعبيراً عن بعض رغبات أو دوافع لا شعورية، مثل الرغبة في الحماية والأمن أو الرغبة في قتل شخص ما. 6- الأعمال القهرية التي يجد الفرد نفسه مضطراً للقيام بها رغم سخفها أو عدم أهميتها، مثل الذي يغسل يديه عشرات المرات يومياً أو مثل الذي يهتم بعدّ أعمدة النور أو مثل الذي يجد نفسه مضطراً لسرقة بعض الأشياء رغم علمه أن السرقة عمل مرذول. إن وظيفة قوة الكبت هي صد الذكريات والرغبات المكبوتة في أعماق النفس ومنع ظهورها إلى عالم الشعور، وهي التي تفصل بين الشعور واللاشعور. وقد بنى" فرويد " نظريته في العقل الباطن على أساس مبدأ الكبت في الذكريات الكامنة في اللاشعور، وعلى أساسها يقوم مبدأ التحليل النفسي الذي يحاول الوصول إلى أعماق النفس الإنسانية وكشف ما فيها من عقد ومركبات نفسية مكبوتة وبكل حرية. وبناءاً على ذلك فقد ذهب فرويد وأنصاره إلى أن الجريمة هي وليدة تغّلب غريزة التدمير على غريزة البناء مع سيطرة الأنانية على النفس وانعدام القدرة على ضبط التعبير، * الذات الدنيا Id: ويقصد بها تلك الطاقة التي تتضمن الدوافع الغريزية التي هي لا شعورية. ويعني هذا أنها ذلك الجزء من الشخصية الذي يوصف بالبدائية والغريزية، والذي يضم الدوافع غير المضبوطة، أو الدوافع الفجة والحيوانية والشهوانية والعدوانية. وتحتوي هذه الطاقة على الدوافع الفطرية الموروثة. فهي ذلك الجزء من الشخصية الذي يمتاز بكونه غير منطقي وبعيداً عن مبدأ الحقيقة، ويحكمه فوق ذلك مبدأ اللذة. وطبقاً لهذا المبدأ عندما تحرم الدوافع الأساسية من الإشباع فإن الإنسان يشعر بالتوتر، ولذلك فلابد من إزالة هذا التوتر عن طريق الإشباع المباشر والسريع لهذه الدوافع. ومثلتها بمنطقة مجهولة غير مرتادة، تشبه الحيوان في طبيعتها، وافترضت أيضاً وجود نوعين من هذه الدوافع: دوافع نحو الحب والحياة والبناء، ودوافع نحو العدوان والهدم والتدمير، وزعمت هذه النظرية أن هناك صراعاً محتدماً في اللاشعور بين الأنا الدنيا التي تريد أن تحقق مطالبها البدائية الفجة وبين الذات العليا التي تسعى لتحقيق مثاليتها الأخلاقية. ** الذات الوسطى- الشعوريةEgo : يقصد بها ذلك الجزء من الشخصية الذي يسعى شعورياً للتوافق مع الحقيقة من ناحية ومع الذات الدنيا والذات العليا من ناحية أخرى. وتمثل الجانب الاجتماعي والعاقل من الشخصية، لذلك فهي تحاول أن تقيم نوعاً من الانسجام والتآلف والتكيف بين الميول الفطرية أو الغريزية وبين العادات والتقاليد والتعاليم الدينية والقواعد الاجتماعية. أمّا الكيفية التي تتكون بها الذات الوسطى فإن الطفل في أثناء نموه يبدأ جزء من طاقته ودوافع الذات الدنيا في التحول لتكوين الذات الوسطى التي يصبح عليها مقابلة منطق الحقيقة والوفاء بمطالب العالم الواقعي الذي يعيش فيه الفرد من خلال إتباع منهج التفكير الواقعي بدلاً من التفكير الذاتي. والذات الوسطى تقف بين الدوافع البدائية للذات الدنيا وبين مقتضيات الواقع، فإذا كانت هذه الذات قوية استطاعت أن ترغم الذات الدنيا على الانتظار في إشباع دوافعها حتى تحين فرص الإشباع المقبولة اجتماعياً، ولكن مثل هذه الذات الوسطى الضعيفة تتحول بصاحبها إلى شخص عصابي. *** الذات العليا Super Ego: وتمثل الجانب المثالي من الشخصية الإنسانية، والعناصر الروحية المكتسبة من المثل العليا للفرد والمربين والعلماء والقادة وغيرهم، ووظيفتها مراقبة الأنا ومساءلتها ولومها ومحاسبتها عن أي تقصير في أداء وظائفها، بمعنى أنها القوة الداخلية التي تقوم بوظيفة الضمير. فالطفل يأخذ من والديه وعن الكبار عامة الذين أشرفوا على تربيته فكرتهم عن الخطأ والصواب، ويمتصها حتى تصبح مبادئه الذاتية، فالطفل عن طريق ما يلقاه من الوالدين من عقاب أو ثواب يتعلم الخطأ من الصواب، وبذلك يكَّون فكرته عن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه ذاته أو شخصيته. وبعد أن تتكون الذات العليا فإنها تتولى مهام الوالدين فيما يتعلق بعقاب الفرد وثوابه، وعلى ذلك فإذا أتى بشئ خطأ فإن ضميره سوف يؤلمه والعكس صحيح إذا قام بعمل خير فإن ضميره سوف يثني عليه. علماً أن الطفل في بداية حياته يقبل على قيم الآباء والكبار عامة قبولاً دون نقد أو تمحيص، ولكنه عندما يكبر قد يجد أن هذه القيم لا تناسبه ولذلك فإنه يعيد النظر فيها ويعدلها ويقبل بعضها ويرفض البعض الآخر. أن المهمة الكبرى التي تقوم بها الذات العليا هي قمع وتجاهل دوافع الذات الدنيا ولاسيما تلك الدوافع المتعلقة بالجنس والعدوان، كذلك تسعى إلى مراقبة عمل الذات الوسطى في مراقبتها للذات الدنيا، وتسعى أيضاً إلى إرغام الذات الوسطى إلى التنازل عن مبدأ الواقع وذلك إذا ما تعارض الواقع مع مثالية الذات العليا. وكثيراً ما تقسو الذات العليا في معاملتها فيؤدي هذا الإفراط في القسوة إلى تغّلب غريزة الموت وانتصارها على غريزة الحياة فيؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى ارتكاب جريمة الانتحار، ويذهب أغلب أساتذة علم النفس إلى أن الذات العليا يجب أن تعامل بحكمة وروّية وينبغي تجنب المغالاة في الاعتبارات الأدبية، أو النواهي تحاشياً لما قد ينتج من أخطار عن طريق التزمت والشدة. وإيضاحاً لعلاقة هذا التحليل بالسلوك الإجرامي ضرب"فرويد " مثلاً بما يحدث داخل جنبات النفس الإنسانية من صراعات واضطرابات لإشباع الغريزة الجنسية، أطلق عليها مصطلح"عقدة أوديب . Oedipus Complex وقد جاءت صياغة " فرويد " لعقدة أوديب" من حقيقة اكتشفها في بداية حياته المهنية، واعتقد أنه اكتشف في العمليات النفسية في اللاشعور عند مرضاه نسيجاً خيالياً من العلاقات الجنسية مع أحد الوالدين من الجنس الآخر. واعتقد في مرحلة لاحقة أن الطفل يكّون جاذبية جنسية مع أحد الوالدين من الجنس المضاد، وأن هذه الجاذبية تصطحب نوعاً من الغيرة عند الوالد الآخر. وهذا الأمر كما يرى يحدث لجميع الأطفال تحت سن الخامسة من العمر. وبعد سن الخامسة تكبت "عقدة أوديب" وتختفي من العقل الواعي بسبب اعتراف الفرد بعدم إمكانية إشباع هذه الرغبات الجنسية عند الإناث وأيضاً بسبب الخوف عند الذكور من الأب الذي يثأر لنفسه منهم، واعتقد "فرويد " أن عقدة أوديب هذه تشكل عاملاً جوهرياً في تطور شخصية كل طفل. لقد وجدت عقدة أوديب انشاراً واسعاً، وكتب عنها كثيراً، كما وجدت أيضاً معارضة قوية بسبب تأكيدها رغبة الطفل في التعامل الجنسي مع أحد الوالدين من الجنس المضاد، الذي يقود إلى غيرة الأب بسبب هذه العلاقة الجنسية، الأمر الذي ترفضه المجتمعات لأن الطفل فيها لا يملك أدنى فكرة عن العلاقات الجنسية في السنوات الأولى من العمر، لذلك رفضت هذه الأفكار حتى من قبل علماء التحليل النفسي أنفسهم بالرغم من قبولهم بعض نظريات وأفكار" فرويد" الأخرى. بالرغم من أن النظرية النفسية سلطت الأضواء على أهم جانب من جوانب الشخصية الإنسانية عن طريق التحليل النفسي، والوصول إلى العلاقة بينه وبين ارتكاب بعض الجرائم، إلا أنها تعرضت لموجة شديدة من النقد من جوانب عدة، لعل أهمها ما يأتي:

  • اعتمادها في تفسيرها للسلوك الإجرامي على فكرة الحتمية بين الخلل النفسي والجريمة، فليس جميع المرضى النفسيين يلجأون إلى السلوك الإجرامي. * قامت هذه النظرية على دراسة المرضى النفسيين لذا فإن تطبيقها على الأسوياء من الناس يعد تعميماً لا مبرر له. * قامت على دراسة المرضى من أبناء الطبقة الوسطى من - سكان ڤينّا- منذ قرن تقريباً وليس من الضروري أن تطبق على أبناء ثقافات وطبقات اجتماعية أخرى. * ذهابها مذهباً بعيداً في تبسيط الدوافع المؤدية للسلوك، فقد زعمت أن السلوك يرجع إلى غريزتي الحياة والموت وحديهما في حين أن السلوك ظاهرة معقدة تتأثر بالعديد من العوامل الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية والأخلاقية للإنسان. * اعتقادها أن معظم دوافع الناس دوافع لا شعورية كامنة أو غامضة أو خافية بالنسبة للإنسان، * حصرت هذه النظرية أسباب الجريمة في الأمراض النفسية وبذلك حولت المجرم إلى مريض يحتاج على العلاج أكثر من أنه مجرم يستحق الجزاء، ولقد أثبت لنا الدارسون في علم الجريمة أن كثير من المجرمين غير مرضى وأن الجريمة ليست كافية لأن تكون ظاهرة مرضية. * إن الاعتماد على طرق التحليل النفسي ينضوي على علاج طويل مرهق يحتاج إلى عدة جلسات أسبوعية ولمدة عام أو أكثر.


النص الأصلي

لقد كان للتحليل النفسي "Psychoanalysis أهمية كبرى في فهم السلوك الإجرامي، إذ إن علم النفس أمدَّ المجتمع بنظريات كثيرة على جانب كبير من الأهمية حول دراسة الناحية النفسية للفرد واستعداداته الفطرية وما يعتريها من الانحرافات التي أضحت مؤشرات هامة في السلوك الإجرامي، فالعقد النفسية، واختلال التوازن الانفعالي، وانحراف الغرائز تعد عوامل للإجرام. وقد قدمت العلوم النفسية تفسيرات متعددة لمختلف أنواع السلوك وحاولت وضع المقترحات التي من شأنها علاج أصناف المجرمين وفقاً للنتائج المستمدة من إجراءات التحليل النفسي، ودراسة أعماق النفس الإنسانية وسبر أغوارها لمختلف المركبات النفسية المكبوتة وعلاقتها بالسلوك الإجرامي وصولاً إلى دراسة الأسباب الدافعة لذلك السلوك ومحاولة إصلاح المجرم وإعادته إلى الهيئة الاجتماعية.
وعندما يذكر المرء النفس الإنسانية لابد أن يتجه به الفكر إلى العالم النمساوي" فرويد " الذي يعد رائد هذا الاتجاه بلا منازع حيث حاول إماطة اللثام عن ذلك الجانب الخفي من الذات الإنسانية، وسنحاول في هذا المقام أن نوضح النظرية النفسية – الفرويدية واهم افتراضاتها وعلاقتها بالسلوك الإجرامي.
مضمون نظرية التحليل النفسي
تذهب " نظرية التحليل النفسي"Psycho Analysis Theory بزعامة العلامة "سيجموند فرويد" S. Freud "1856-1939" إلى تقسيم النفس الإنسانية إلى الشعورConscious واللاشعورUnconscious والشعور يمثل مجموعة الاستجابات العقلية التي نشعر بها وقت حدوثها، وندرك كُنْهَا وماهيتها مثل الحب والسرور والألم والغضب..الخ. على حين يمثل اللاشعور مجموعة الاستجابات الخفيّة التي لا ندرك نشاطها، والتي لها تأثير عميق على سلوكنا وأفكارنا وعواطفنا. أو هي" ذلك المكان المجهول من الذات الإنسانية التي تحتوي على الدوافع التي لا يعترف بها الفرد.
واعتبر" فرويد " S. Freudوأتباعه، اللاشعور بأنه قرار النفس الذي تجتمع فيه الرغبات المكبوتة منذ زمن الطفولة، ويحتوي على الغرائز التي تصطدم مع قيم وتقاليد بعض المجتمعات، وتحتوي أيضاً على جميع المخاوف والشهوات والعواطف الجيّاشة والأماني غير المحققة والذكريات الماضية التي انفصلت عن الشعور واستقرت في اللاشعور. وهذه الذكريات المختلفة برغم اختفائها في اللاشعور إلاّ أنها تمثل طاقة نشطة في تفاعلها مع بعضها فتوجه سلوك الفرد دون علم أوإدراك منه.
وإذا تأملنا في ذكرياتنا نجد أن بعضها يمكن تذكره بسهولة كلما أردنا ذلك مثل الحوادث التي لا تزال عالقة في أذهاننا إما لحداثتها أو لأهميتها أو لأنها تذكر دائماً، وهذا ما أطلق عليه "فرويد " ما قبل الشعورPreconscious، الذي يتميز عن اللاشعور بأن اللاشعور لا نتمكن من تذكر حوادثه إلاّ عن طريق منبه خارجي يوقظ فينا الذكريات المكبوتة. وهناك نوع من الذكريات يتعذر علينا أن نتذكرها من تلقاء أنفسنا، كما لا يمكن للمنبهات الخارجية أن توقظها، ولكنها تستيقظ في حالات أو ظروف معينة مثل حالة الهذيان أو الحمى، أو عن طريق التنويم المغناطيسي، أو عن طريق الأحلام أحياناً أو عن طريق إجراء تحليل نفسي عميق. ويطلق علماء النفس على هذه الذكريات اسم " الذاكرة المكبوتة" وهي تخضع لقوة نفسية ضاغطة أطلق عليها " فرويد" " قوة الكبت"، كما أنها تقع تحت رقابة خاصة مستمدة من الذات الشعورية اسماها " فرويد" الرقيب. بمعنى أن الرقيب أو الضمير هو السبب في عدم ظهور الذكريات المكبوتة بصورة مكشوفة وصريحة، لذلك ففي الحالات التي تضعف فيها سلطة الرقيب، كما هو الحال في حالة التعب الشديد أو الإرهاق أو التخدير تظهر هذه الذكريات. ويلخص عبد الرحمن محمد عيسوي المظاهر التي تعبر بها الذكريات المكبوتة عن نفسها فيما يلي:
1- فلتات اللسان، فقد ينطق الفرد بعكس ما يريد أن ينطق به.
2- زلات القلم وذلك حين يكتب الفرد كلمات لا يرغب في كتابتها أو كلمات لها عكس المعنى الذي يرغب ظاهرياً في التعبير عنه.
3- نسيان تنفيذ المواعيد والأعمال، كأن تنسى لمدة طويلة أن تلقى بالخطاب الذي كتبته لأحد أفراد أسرتك، أو تنسى موعد اتخذته لمقابلة شخص ما. وقد يكون ذلك لرغبة لا شعورية في عدم رغبتك في اللقاء به.
4- فقدان الأشياء أو ضياعها لأسباب لا شعورية، مثل الرغبة في التخلص من هذه الأشياء، فقد يكون ضياع خاتم الخطوبة تعبيراً عن رغبة لا شعورية في فسخ الخطوبة.
5- الرسوم والأشكال التي يرسمها الفرد لا شعورياً تعبيراً عن بعض رغبات أو دوافع لا شعورية، مثل الرغبة في الحماية والأمن أو الرغبة في قتل شخص ما.
6- الأعمال القهرية التي يجد الفرد نفسه مضطراً للقيام بها رغم سخفها أو عدم أهميتها، مثل الذي يغسل يديه عشرات المرات يومياً أو مثل الذي يهتم بعدّ أعمدة النور أو مثل الذي يجد نفسه مضطراً لسرقة بعض الأشياء رغم علمه أن السرقة عمل مرذول.
إن وظيفة قوة الكبت هي صد الذكريات والرغبات المكبوتة في أعماق النفس ومنع ظهورها إلى عالم الشعور، وهي التي تفصل بين الشعور واللاشعور. وقد بنى" فرويد " نظريته في العقل الباطن على أساس مبدأ الكبت في الذكريات الكامنة في اللاشعور، وعلى أساسها يقوم مبدأ التحليل النفسي الذي يحاول الوصول إلى أعماق النفس الإنسانية وكشف ما فيها من عقد ومركبات نفسية مكبوتة وبكل حرية.
وبناءاً على ذلك فقد ذهب فرويد وأنصاره إلى أن الجريمة هي وليدة تغّلب غريزة التدمير على غريزة البناء مع سيطرة الأنانية على النفس وانعدام القدرة على ضبط التعبير، ويوضحون ذلك بالقول: إن الشخصية الفردية عبارة عن وحدة مركبة من ثلاث عناصر هي:



  • الذات الدنيا Id: ويقصد بها تلك الطاقة التي تتضمن الدوافع الغريزية التي هي لا شعورية. ويعني هذا أنها ذلك الجزء من الشخصية الذي يوصف بالبدائية والغريزية، والذي يضم الدوافع غير المضبوطة، أو الدوافع الفجة والحيوانية والشهوانية والعدوانية.
    وتبعاً للنظرية الفرويدية فإن شخصية الطفل الصغير تتكون من هذه القوى وحدها. وتحتوي هذه الطاقة على الدوافع الفطرية الموروثة. فهي ذلك الجزء من الشخصية الذي يمتاز بكونه غير منطقي وبعيداً عن مبدأ الحقيقة، ويحكمه فوق ذلك مبدأ اللذة. وطبقاً لهذا المبدأ عندما تحرم الدوافع الأساسية من الإشباع فإن الإنسان يشعر بالتوتر، ولذلك فلابد من إزالة هذا التوتر عن طريق الإشباع المباشر والسريع لهذه الدوافع. وعندما تعجز الذات الدنيا عن إشباع دوافعها بطريقة مباشرة فإنها تلجأ إلى إشباعها بطريقة الخيال أو الوهم مثل الأحلام النهارية أو الليلية.
    وافترضت نظرية فرويد وجود الذات الدنيا في كل شخصية منذ الولادة بوصفها طاقة غريزية عامة، ومثلتها بمنطقة مجهولة غير مرتادة، تشبه الحيوان في طبيعتها، ودوافعها تتميز بالقوة والعنف. وافترضت أيضاً وجود نوعين من هذه الدوافع: دوافع نحو الحب والحياة والبناء، وتتمثل في غريزة الحياة أو الغريزة الجنسية أو الرغبة في الحياة. ودوافع نحو العدوان والهدم والتدمير، وتتمثل في غريزة الموت. وزعمت هذه النظرية أن هناك صراعاً محتدماً في اللاشعور بين الأنا الدنيا التي تريد أن تحقق مطالبها البدائية الفجة وبين الذات العليا التي تسعى لتحقيق مثاليتها الأخلاقية.
    ** الذات الوسطى- الشعوريةEgo : يقصد بها ذلك الجزء من الشخصية الذي يسعى شعورياً للتوافق مع الحقيقة من ناحية ومع الذات الدنيا والذات العليا من ناحية أخرى. وتمثل الجانب الاجتماعي والعاقل من الشخصية، لذلك فهي تحاول أن تقيم نوعاً من الانسجام والتآلف والتكيف بين الميول الفطرية أو الغريزية وبين العادات والتقاليد والتعاليم الدينية والقواعد الاجتماعية. أمّا الكيفية التي تتكون بها الذات الوسطى فإن الطفل في أثناء نموه يبدأ جزء من طاقته ودوافع الذات الدنيا في التحول لتكوين الذات الوسطى التي يصبح عليها مقابلة منطق الحقيقة والوفاء بمطالب العالم الواقعي الذي يعيش فيه الفرد من خلال إتباع منهج التفكير الواقعي بدلاً من التفكير الذاتي.
    والذات الوسطى تقف بين الدوافع البدائية للذات الدنيا وبين مقتضيات الواقع، فإذا كانت هذه الذات قوية استطاعت أن ترغم الذات الدنيا على الانتظار في إشباع دوافعها حتى تحين فرص الإشباع المقبولة اجتماعياً، أما الذات الوسطى الضعيفة فإنها تحاول في يأس تقمع الذات الدنيا بغية أن يكتسب الفرد قبولاً اجتماعياً سهلاً، ولكن مثل هذه الذات الوسطى الضعيفة تتحول بصاحبها إلى شخص عصابي.
    *** الذات العليا Super Ego: وتمثل الجانب المثالي من الشخصية الإنسانية، وتشتمل على العناصر الموروثة من الحضارات والمدنيات، ومن قيم وآداب عامة وتعاليم دينية، والعناصر الروحية المكتسبة من المثل العليا للفرد والمربين والعلماء والقادة وغيرهم، ووظيفتها مراقبة الأنا ومساءلتها ولومها ومحاسبتها عن أي تقصير في أداء وظائفها، بمعنى أنها القوة الداخلية التي تقوم بوظيفة الضمير. وتنشأ هذه القوة أيضاً من طاقة الذات الدنيا مثلما فعلت الذات الوسطى، فالطفل يأخذ من والديه وعن الكبار عامة الذين أشرفوا على تربيته فكرتهم عن الخطأ والصواب، ويمتصها حتى تصبح مبادئه الذاتية، فالطفل عن طريق ما يلقاه من الوالدين من عقاب أو ثواب يتعلم الخطأ من الصواب، وبذلك يكَّون فكرته عن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه ذاته أو شخصيته. وبعد أن تتكون الذات العليا فإنها تتولى مهام الوالدين فيما يتعلق بعقاب الفرد وثوابه، وعلى ذلك فإذا أتى بشئ خطأ فإن ضميره سوف يؤلمه والعكس صحيح إذا قام بعمل خير فإن ضميره سوف يثني عليه.علماً أن الطفل في بداية حياته يقبل على قيم الآباء والكبار عامة قبولاً دون نقد أو تمحيص، ولكنه عندما يكبر قد يجد أن هذه القيم لا تناسبه ولذلك فإنه يعيد النظر فيها ويعدلها ويقبل بعضها ويرفض البعض الآخر.
    أن المهمة الكبرى التي تقوم بها الذات العليا هي قمع وتجاهل دوافع الذات الدنيا ولاسيما تلك الدوافع المتعلقة بالجنس والعدوان، كذلك تسعى إلى مراقبة عمل الذات الوسطى في مراقبتها للذات الدنيا، وتسعى أيضاً إلى إرغام الذات الوسطى إلى التنازل عن مبدأ الواقع وذلك إذا ما تعارض الواقع مع مثالية الذات العليا. وكثيراً ما تقسو الذات العليا في معاملتها فيؤدي هذا الإفراط في القسوة إلى تغّلب غريزة الموت وانتصارها على غريزة الحياة فيؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى ارتكاب جريمة الانتحار، لاسيما عند المرضى المصابين بالظواهر العصبية والنفسية الحادة. ويذهب أغلب أساتذة علم النفس إلى أن الذات العليا يجب أن تعامل بحكمة وروّية وينبغي تجنب المغالاة في الاعتبارات الأدبية، أو النواهي تحاشياً لما قد ينتج من أخطار عن طريق التزمت والشدة.
    ويذهب عالما الجريمة" ريك " Reic و"ريكمان "Reickman في تعليل السلوك الإجرامي إلى ضعف الأنا وتفكك روابطها المعنوية الناتجة عن أسباب الردع المضطربة والمتضادة في الهدف التي يتعرض لها الأطفال خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
    وإيضاحاً لعلاقة هذا التحليل بالسلوك الإجرامي ضرب"فرويد " مثلاً بما يحدث داخل جنبات النفس الإنسانية من صراعات واضطرابات لإشباع الغريزة الجنسية، أطلق عليها مصطلح"عقدة أوديب .Oedipus Complex
    وقد جاءت صياغة " فرويد " لعقدة أوديب" من حقيقة اكتشفها في بداية حياته المهنية، واعتقد أنه اكتشف في العمليات النفسية في اللاشعور عند مرضاه نسيجاً خيالياً من العلاقات الجنسية مع أحد الوالدين من الجنس الآخر. واعتقد في مرحلة لاحقة أن الطفل يكّون جاذبية جنسية مع أحد الوالدين من الجنس المضاد، وأن هذه الجاذبية تصطحب نوعاً من الغيرة عند الوالد الآخر. وهذا الأمر كما يرى يحدث لجميع الأطفال تحت سن الخامسة من العمر. وبعد سن الخامسة تكبت "عقدة أوديب" وتختفي من العقل الواعي بسبب اعتراف الفرد بعدم إمكانية إشباع هذه الرغبات الجنسية عند الإناث وأيضاً بسبب الخوف عند الذكور من الأب الذي يثأر لنفسه منهم، وفي هذه المرحلة يبدأ الفرد بتعريف ذاته من خلال الأب المماثل جنسياً " الفتاة مع الأم والفتى مع الأب"، واعتقد "فرويد " أن عقدة أوديب هذه تشكل عاملاً جوهرياً في تطور شخصية كل طفل.
    لقد وجدت عقدة أوديب انشاراً واسعاً، وكتب عنها كثيراً، كما وجدت أيضاً معارضة قوية بسبب تأكيدها رغبة الطفل في التعامل الجنسي مع أحد الوالدين من الجنس المضاد، الذي يقود إلى غيرة الأب بسبب هذه العلاقة الجنسية، الأمر الذي ترفضه المجتمعات لأن الطفل فيها لا يملك أدنى فكرة عن العلاقات الجنسية في السنوات الأولى من العمر، لذلك رفضت هذه الأفكار حتى من قبل علماء التحليل النفسي أنفسهم بالرغم من قبولهم بعض نظريات وأفكار" فرويد" الأخرى.
    النظرية النفسية في الميزان
    بالرغم من أن النظرية النفسية سلطت الأضواء على أهم جانب من جوانب الشخصية الإنسانية عن طريق التحليل النفسي، والوصول إلى العلاقة بينه وبين ارتكاب بعض الجرائم، إلا أنها تعرضت لموجة شديدة من النقد من جوانب عدة، لعل أهمها ما يأتي:

  • اعتمادها في تفسيرها للسلوك الإجرامي على فكرة الحتمية بين الخلل النفسي والجريمة، فليس جميع المرضى النفسيين يلجأون إلى السلوك الإجرامي.

  • قامت هذه النظرية على دراسة المرضى النفسيين لذا فإن تطبيقها على الأسوياء من الناس يعد تعميماً لا مبرر له.

  • قامت على دراسة المرضى من أبناء الطبقة الوسطى من - سكان ڤينّا- منذ قرن تقريباً وليس من الضروري أن تطبق على أبناء ثقافات وطبقات اجتماعية أخرى.

  • ذهابها مذهباً بعيداً في تبسيط الدوافع المؤدية للسلوك، فقد زعمت أن السلوك يرجع إلى غريزتي الحياة والموت وحديهما في حين أن السلوك ظاهرة معقدة تتأثر بالعديد من العوامل الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية والأخلاقية للإنسان.

  • اعتقادها أن معظم دوافع الناس دوافع لا شعورية كامنة أو غامضة أو خافية بالنسبة للإنسان، وعليه فإن الناس الأسوياء لا يستطيعون وصف دوافعهم وصفاً كاملاً.

  • حصرت هذه النظرية أسباب الجريمة في الأمراض النفسية وبذلك حولت المجرم إلى مريض يحتاج على العلاج أكثر من أنه مجرم يستحق الجزاء، ولقد أثبت لنا الدارسون في علم الجريمة أن كثير من المجرمين غير مرضى وأن الجريمة ليست كافية لأن تكون ظاهرة مرضية.

  • إن الاعتماد على طرق التحليل النفسي ينضوي على علاج طويل مرهق يحتاج إلى عدة جلسات أسبوعية ولمدة عام أو أكثر.

  • آراءها لا تخضع بسهولة للتجريب أو البحث أو التحقيق.

  • لم تستطع أن تقدم البراهين العلمية على صحتها، لذلك تهكّم عليها البعض بقولهم: إن من يجادل هذه النظرية لن يجد أصحابها دفاعاً عنها غير تحليل نفسيته هو بالقول: إنه يعاني من خلل نفسي يدفعه إلى نقدها. وبالرغم من ذلك فإننا لا نقلل من دور المرض النفسي في وقوع الجريمة لكننا نرفض القول بأنه العامل الوحيد الدافع لوقوعها.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

لم أستطع أن أُك...

لم أستطع أن أُكمل دراستي في تبوك لأني من الرياض، ولما بدأ الفصل الثاني دخلتُ فلم أجد خانة إدخال الطل...

إنجازات قسم بحو...

إنجازات قسم بحوث أمراض الذرة والمحاصيل السكرية لقد حقق قسم بحوث أمراض الذرة والمحاصيل السكرية، منذ إ...

الآليات التربوي...

الآليات التربوية أولا: الآليات القانونية القانون الإداري يعد القانون الإداري المغربي من الأدوات الرئ...

الموافقة على مخ...

الموافقة على مخاطر تكنولوجيا المعلومات. بناءً على حدود تحمل المخاطر الخاصة بتكنولوجيا المعلومات الم...

تقدر مصادر سياس...

تقدر مصادر سياسية إسرائيلية وجود مؤشرات على اختراق كبير قد يؤدي إلى تجديد المحادثات بين إسرائيل و"حم...

يتطلب تحليل عوا...

يتطلب تحليل عوامل الخطر التي تؤثر على صحة الأطفال في مختلف مراحل نموهم فهمًا لكيفية تفاعل النمو البد...

قال الخبير النف...

قال الخبير النفطي والاقتصادي الدكتور علي المسبحي ان الحديث عن التعافي الاقتصادي وعمليات الإصلاح لا ي...

The only comme...

The only comment is that the time of the doctor's availability is up to 430, 5 o'clock only However...

The only comme...

The only comment is that the time of the doctor's availability is up to 430, 5 o'clock only However...

They are servin...

They are serving a very dry steamed chicken breast and not tasty and the fish the should provide th...

A loop of wire ...

A loop of wire that forms a circuit crosses a magnetic field. When the wire is stationary or moved p...

تعد مهارة التوا...

تعد مهارة التواصل من المهارات المهمة التي يعتمد عليها الإنسان، سواء على الصعيد المهني او الشخصي. كما...