خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
على أن العيب الأكبر في الاستغلال التجاري للعلم هو المبدأ نفسه أعني إخضاع البحث العلمي للاعتبارات التجارية. بل انه يرتكز في الواقع على جهد جميع العلماء السابقين في ميدانه، ولو حاولنا أن نحصره في شخص مكتشفه لاعترضتنا في هذه الحالة صعوبات أخرى: إذ أن العمل العلمي الجاد لا يستغرق من حياة العالم أوقاتا معينة، ففي نفس الوقت الذي يؤكد فيه الناس عالمية العلم، إلى تقدم الإنجليز والأمريكيين عليهم في هذا المجال. فهناك حرص شديد على تأكيد الدور الرائد لعلماء ومخترعين ربما لم يكن العالم الخارجي يعرف عن كشوفهم إلا أقل القليل مثل بنجامين فرانكلين وكان هذا تحديا جريئا حتىالمبدأ التخصص ذاته، بل لان ظهور نظرية كهذه يحتاج إلى تطور معين في العلم، من هذه الأمثلة كلها يتبين لنا بوضوح أن النزعات القومية أو الأيديولوجية ما زال لها تأثيرها القوى حتى في أرقى المجتمعات المعاصرة، وأن حكمنا عليه ينبغي أن يكون موضوعيا وأن العالم الكبير مواطن للعالم كله، هكذا يمكن القول أن كثيرا من مظاهر العلم ما زالت تتأثر بنزعات وتتشابه فيه الأفكار والعادات وتهدم فيه بالتدريج كل الحواجز التي تفرق بين البشر . ولا بد أن يأتي اليوم الذي تستغل فيه هذه الإمكانات الهائلة من اجل نشر ثقافة ذات مستوى إنساني رفيع على نطاق العالم كله .
حين نتأمل بعمق مسار التفكير العلمي عبر العصور، وحركته التي تزداد توثيا ونشاطا في عصرنا هذا على وجه التخصيص، وحين نمعن الفكر في السمات التي يكتسبها العقل البشري نتيجة للتقدم العلمي المتلاحق، ونحاول أن نستشف شكل العالم الذي سيؤدي إليه استمرار هذا التقدم في المستقبل، إذا لم يقدر لعالمنا هذا أن ينتحر عن طريق العلم نفسه، في حرب نووية أو بيولوجية لا تبقي ولا تذر حين نمتد بأنظارنا إلى هذه اتفاق المقبلة للعالم في ظل التقدم العلمي، فان المرء لا يملك إلا أن يرى أمامه في المستقبل، صورة عالم متحد، تختفي فيه كثير من الفواصل التي تفرق بين البشر في وقتنا الحالي، وتجمعه أهداف وغايات واحدة، وان لم تتلاشى مظاهر التنوع الخصب التي لا بد منها لكي تكتسب حياة الإنسان ثراء وامتلاء.
وحين نقول أن النتيجة التي يؤدى إليها مسار هذا التفكير العلمي، في رحلته الطويلة الشاقة هي توحيد الإنسانية، فنحن نعلم تمام العلم أن هذه النتيجة ما زالت بعيدة عن أن تتحقق. ولكن الأمر الذي نود أن نؤكده هو أن كل العوامل التي تقف حائلا دون هذا التوحيد تتعارض مع الطبيعة الحقيقية للعلم، ومن ثم فان تقدم التفكير العلمي
ينبغي أن يزيحها جانبا آخر الأمر. ولكن ما هي هذه العوائق التي تقف في وجهاستخدام العلم لصالح الإنسانية جمعاء، بدلا من أن يُستخدم كما هو حادث في الوقت الراهن أداة للتفرقة بين البشر وزيادة قوة فئات أو مجتمعات معينة على حساب الباقين؟ إن من المعترف به أن العلم كان منذ بداية تقدمه في العصر الحديث، يخدم شتى أنواع المصالح والجماعات البشرية ولكننا اليوم نستطيع أن نشير إلى طريقتين واضحتين في استخدام العلم تؤدى كل منهما، بطريقتها الخاصة، إلى إرجاء اليوم الذي سيصبح فيه العلم قوة موحدة تخدم أرجاء بلا تفرقة هاتان هما : النزعة التجارية
والنزعة القومية في استخدام العلم. إن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن العلم في كثير من المجتمعات المعاصرة
مازال يستخدم استخداما تجاريا، وما زال البحث العلمي فيها يعد سلعة تخضع لمتطلبات السوق وتخدم أغراضه. بل أن بعض العلماء، ممن يقعون فريسة لأوهام الاقتصاد الحر على النحو الذي كان يدعو إليه آدم سميث
في القرن الثامن عشر ما زالوا يؤمنون بأن هذا الطابع التجاري للعلم هو خير وسيلة للنهوض به، إذ يؤدي الإنسانية احتدام المنافسة بين المؤسسات التجارية التي تقوم بتشغيل العلماء، مما يوفر للعلماء شروطا أفضل تعينهم
على التقدم في بحوثهم، ومن ثم تكون الحصيلة النهائية مزيدا من الكشوف العلمية الناتجة عن هذا التنافس.
ولكن، مثلما تبين بعد وقت غير طويل، أن نظام الاقتصاد الحر»، إذا
ترك يسير تلقائيا دون ضابط، يؤدى الإنسانية عكس الغرض الذي كان يتصوره مفكروه وفلاسفته الأوائل»، ويوقع الإنسان فريسة للاستغلال بدلا من أن يخدم مصالحه المادية، فكذلك اتضح أن للاستخدام التجاري للعلم عيوبا فادحة، أوضحها تشتيت جهود العلماء وتبديدها . ذلك لأن المشكلة
العلمية الواحدة قد تصبح عندئذ موضوعا للبحث في عدة مؤسسات تتنافس فيما بينها، وتسعى كل منها الإنسانية أن تسبق الأخريات، فتضيع بذلك
جهود عدد كبير من العلماء في بحوث متقاربة، وربما متكررة، ولو كان هناك تخطيط موحد لأمكن تركيز الجهود على نحو أفضل من أجل الوصول
الإنسانية أفضل وأسرع حل للمشكلة. وفضلا عن ذلك فان العلم، في ظل
الاستغلال التجاري، يمكن أن يصبح موضوعا للاحتكار، فنظام براءات الاختراع يعطى المؤسسة التي تشتري حق استغلال كشف معين، الحرية فياستخدام هذا الاختراع أو عدم استخدامه، وقد يظهر كشف علمي إلى تكنولوجي هام، دون أن يعلن على الملأ ودون أن ينتشر بين الناس، لأن في نشره إضرارا بمصالح تجارية ضخمة. وهكذا تحدد المؤسسات التجارية توقيت الانتفاع من عدد كبير من الكشوف الجديدة، وربما اشترت حق الانتفاع بها كيما تحجبها نهائيا عن الظهور، إذا كانت تهدد استثماراتها الكبرى، أي أنها تشترى الاختراع لكي تخنقه، إلى تعلنه في الوقت الذي تقتضيه مصالحها هي لا حاجة المجتمع إليه. ومن هذا القبيل ما أشيع وقتا ما من أن محركا جديدا للسيارات ابسط وأقل تكلفة بكثير من المحركات الحالية، قد اخترع واشترته شركة كبرى لكي تحجبه وتحمي استثماراتها الهائلة المبنية على نظام المحركات الحالي.
على أن العيب الأكبر في الاستغلال التجاري للعلم هو المبدأ نفسه أعني إخضاع البحث العلمي للاعتبارات التجارية. ذلك لان العمل العلمي الكبير شيء أعظم وأشرف من أن يقوم ويخضع للمقاييس التجارية بالمال بل إن هذا التقويم المالي يكاد يكون من الوجهة العملية، مستحيلا : ذلك لان كل عمل علمي لا يقتصر الفضل فيه على صاحبه فحسب، بل انه يرتكز في الواقع على جهد جميع العلماء السابقين في ميدانه، ولو حاولنا أن نحصره في شخص مكتشفه لاعترضتنا في هذه الحالة صعوبات أخرى: إذ أن العمل العلمي الجاد لا يستغرق من حياة العالم أوقاتا معينة، هي تلك التي يقضيها في معمله أو مكتبه، وإنما يستغرق تفكيره كله، وربما حياته السابقة بأكملها، التي كانت كلها إعدادا وتهيئة لهذا الكشف. ومن هنا كان من العسير حساب وقت العمل اللازم له، على عكس الحال في أنواع الإنتاج
الأخرى التي تخضع للتقويم المادي. إن من الصحيح بالفعل دون أية محاولة للكلام بلغة إنشائية أو لتملق المشاعر بطريقة بلاغية أن هناك أمورا أسمى وارفع من أن يعبر عنها بلغة التجارة والمال. فالكشف العلمي الذي تعم نتائجه الإنسانية كلها، شأنه شأن العمل الفني الرفيع الذي يسعد الإنسان ويسمو به في كل مكان، هي نواتج للعبقرية البشرية لا يصح أن تقاس بالمقاييس المادية، ومع ذلك فان الحقائق المريرة في عالمنا المعاصر تقول بعكس هذا، وتؤكد أن العلم يستغل ويقوم تجاريا، وانه يستخدم لتحقيق أرباح المؤسسات معينة، تجني منهأضعاف أضعاف ما أنفقت عليه، وتستخدمه لتحقيق أهداف مضادة لتلك التي يتجه إليها عقل العالم، ذلك العقل الذي لا يحركه إلا السعي لخدمة
البشرية كلها لتحقيق مصلحة فئة واحدة من فئاتها . أما النزعة القومية في العلم فربما كانت أشد خفاء من النزعة التجارية التي تعلن عن نفسها صراحة وبلا مواربة. ذلك لان دول العالم المعاصر وأوساطها العلمية، لا تكف عن ترديد القول أن العلم لا وطن له، وأنه
يتخطى الحدود القومية، مثلما يتخطى الحواجز السياسية والعقائدية.
فمن المستحيل أن نتصور، مثلا ، كيمياء رأسمالية أو فيزياء اشتراكية، مثلما
أن علم الأحياء الإنجليزي لا يمكن أن يكون في أسسه الرئيسية، مختلفا
عن علم الأحياء الصيني. فالحقيقة العلمية تفرض نفسها على العقل، في
أي مكان أو زمان بقوة المنطق والبرهان وحدها، أي أن هذه الحقيقة
بطبيعتها عالمية، ولا مجال فيها للتفرقة القائمة على أسس قومية. ولكن إذا كان هذا هو ما يعلنه الجميع، فان الممارسات الفعلية تختلف عن ذلك في كثير من الأحيان اختلافا بينا . ففي نفس الوقت الذي يؤكد فيه الناس عالمية العلم، تظهر لديهم اتجاهات تتحدى هذا الاعتقاد الأساسي وتؤكد أن النزعة القومية ما زالت مسيطرة على عقول الناس في هذا المجال بدوره. ويظهر ذلك بوضوح قاطع حين نقرأ الكتب التي تصدر عن مؤلفين ينتمون إلى الدول المتقدمة علميا : فالأمثلة التي يضربها المؤلف الفرنسي لعلماء أو لاكتشافات علمية هامة، نجد أغلبها مستمدا من علماء فرنسيين، وحين يتحدث الإنجليزي عن تاريخ العلم فكثيرا ما يبدو للقارئ كما لو كان هذا التاريخ قد كتب على أيدي العلماء الإنجليز، وقل مثل هذا عن الألمان، وربما عن الأمريكيين، وهلم جرا . وكثيرا ما لاحظت أن علماء ومؤرخي الدول الغربية، حين يتحدثون عن الهندسة اللاإقليدية، يبرزون دور ریمان Riemann الألماني ويقللون من دور لوبا تشفسكي Lobatchevsky» على حين أن الروس يرفضون حتى أن يوضع هذا الأخير على قدم المساواة
مع الأول، لأن مواطنهم كان أسبق من زميله زمنيا، ومن ثم فان له في نظرهم الفضل الأول في وضع هذه الهندسة.
وكم من مرة قرأت كتابا فرنسيا فوجدته حين يعرض لنظرية التطور يتحدث عن بيفون Buffon ولا مارك Lamarck أكثر مما يتحدث عن دارونوحين يتكلم عن الكيمياء، فإن الافوازييه» يحجب عنده أية شخصية أخرى
وربما تكلم في الفيزياء عن باسكال أكثر مما يتكلم عن نيوتن.
وفي عصرنا الحاضر تختلط النزعة القومية بالانحياز الأيديولوجي
فيدافع الكتاب الاشتراكيون عن العلم الذي يظهر في ظل أيديولوجية
اشتراكية، أو على يد عالم له اتجاهات اشتراكية، بينما يميل علماء البلاد
الرأسمالية إلى الإقلال من دور هؤلاء الأخيرين، وتأكيد فضل نظامهم على
العلم. فمنذ العهد النازي في ألمانيا نجد العلماء الألمان يتجاهلون فيزياء
أينشتي زمنا طويلا، لأنه غادر ألمانيا هاربا من النظام، وأدى هذا التجاهل
إلى تقدم الإنجليز والأمريكيين عليهم في هذا المجال. وفي العهد الستاليني
كان عالم الأحياء المشهور ليسنكو Lyssenko هو الحاكم بأمره في ميدانه
لأنه عرف كيف يوفق، بطريقة لا تخلو من التلاعب بين النظريات البيولوجية
وبين الفلسفة المادية الديالكتيكية، ولذلك كانت نظرياته مدعمة بسلطة
الدولة، وكان خصومه على المستوى العلمي البحت خصوما للدولة، ومعرضين
لكل ضروب الاضطهاد . وما زلنا نجد في الاتحاد السوفيتي اهتماما كبيرا
بأفكار تسيولكوفسكي Tsiolkovsky الذي تحدث عن الصواريخ وغزو
الفضاء بإسهاب منذ أوائل القرن العشرين، كما نجد من يؤكد أن اختراعات
كثيرة، منها التليفزيون مثلا ، كان أول من توصل إليها روسيا، أما في أمريكا
فهناك حرص شديد على تأكيد الدور الرائد لعلماء ومخترعين ربما لم يكن
العالم الخارجي يعرف عن كشوفهم إلا أقل القليل مثل بنجامين فرانكلين
وفولتون Fulton. ولا ننسى أن سفن أبولو» التي هبطت مركباتها على سطح
القمر قد حرصت على أن تغرس في تربته العلم الأمريكي.
ويصل اصطباغ العلم بالصبغة الأيديولوجية في الصين إلى حد أن العقيدة الماوية تحكمت في شروط اختيار المشتغلين بالعلم، وفي ظروف عمل العلماء. ففي الصين المعاصرة ظهرت منذ سنوات قليلة، حملة عنيفة ضد العلماء المتخصصين المتفرغين الذين وصفوا بأنهم يكونون «صفوة» متعالية، لا تعرف كيف تجمع بين نظرياتها العلمية وبين ظروف حياة الشعب. واتجهت الدعوة بجدية شديدة، إلى السماح للإنسان الإشتراكي العادي بدخول الجامعات ومعاهد البحث، مؤكدة قدرته على تحصيل العلم الرفيع والوصول إلى كشوف جديدة فيه، وكان هذا تحديا جريئا حتىالمبدأ التخصص ذاته، الذي يبدو لنا مبدأ مستقرا منذ بداية العصر الحديث. وعلى الرغم من غرابة فكرة اشتغال العامل العادي أو الفلاح البسيط بالأبحاث العلمية الرفيعة، فإنها تؤخذ هناك بجدية شديدة، وقد كانت واحدة من الأسباب التي أدت إلى تغييرات أساسية في مناصب الدولة
الكبرى وقتا ما .. أما إذا انتقلنا إلى عالمنا العربي، فإنا نجد كتابنا حريصين بطبيعة
الحال على تأكيد الدور الذي قام به العالم العربي في العصور الوسطى ويصل هذا الحرص إلى حد تأكيد ريادة كثير من العلماء العرب في ميادين علمية غير قليلة. وربما بالغ البعض فأكدوا أن أصول عدد من النظريات المعاصرة، كنظرية النسبية مثلا ، موجودة لدى العرب في العصور الوسطى وهو تأكيد واضح البطلان، لا لأن العرب كانوا أقل من غيرهم، بل لان ظهور
نظرية كهذه يحتاج إلى تطور معين في العلم، ولا يمكن تفسيره إلا في ضوء ظروف عمر معين كان العصر الذي ظهر فيه العلم العربي مختلفا عنه كل الاختلاف.
من هذه الأمثلة كلها يتبين لنا بوضوح أن النزعات القومية أو الأيديولوجية ما زال لها تأثيرها القوى حتى في أرقى المجتمعات المعاصرة، في نظرتنا إلى العلم. ونحن لا نعنى بذلك التنديد بتدخل هذه النزعات في العلم: إذ
أن من المشروع، في بعض الحالات على الأقل، أن يفخر شعب أو نظام أيديولوجي معين، بعلمائه، ويهتم بتأكيد الدور الذي قاموا به أكثر مما يهتم بدور الآخرين، ولكن ما نعنيه من إيراد هذه الأمثلة هو أننا جميعا نعلن على الملأ أن العلم ملك للإنسانية كلها، وأن حكمنا عليه ينبغي أن يكون موضوعيا
ونزيها، وأن العالم الكبير مواطن للعالم كله، لا لوطنه فحسب، ولكننا نتصرف عمليا على نحو مغاير، ونحتفظ في أحكامنا على العلماء وعلى إنتاجهم بكثير من الأفكار التي تنتمي إلى الإطار القومي أو الأيديولوجي، وهو إطار بعيد كل البعد عن النزعة العالمية التي تتجاوز حدود الأوطان أو المذاهب
الفكرية.
هكذا يمكن القول أن كثيرا من مظاهر العلم ما زالت تتأثر بنزعات
مضادة للنزعة العالمية، ومع ذلك فان العالم يتجه، رغما عن كل شيء، إلى مزيد من التوحد بفضل العلم. فالتكنولوجيا الحديثة التي هي نتاج مباشرللعلم، خلقت عالما تتقارب فيه المسافات، وتتشابه فيه الأفكار والعادات وتهدم فيه بالتدريج كل الحواجز التي تفرق بين البشر . ويوما بعد يوم يزداد تأثير تلك الثقافة العالمية»، التي خلقتها وسائل الإعلام الحديثة، والتي تجعل الشاب في الشرق الأقصى لا يختلف في مظهره وفي هواياته عن نظيره في غرب أوروبا، والتي تنشر في العالم كله ألوانا متقاربة من الفنون
الجماهيرية تزيل الفوارق بين الأذواق إلى حد بعيد . ولقد عاب الكثيرون على هذه الثقافة العالمية سطحيتها وابتذالها ونزعتها التجارية، وكانوا على حق في ذلك. ولكن إذا كان مضمون هذه الثقافة مبتذلا، نتيجة لظروف المرحلة الراهنة من تطور العالم، فان ما يهمنا هو المبدأ نفسه أعني وجود ثقافة على مستوى عالمي. ولا بد أن يأتي اليوم الذي تستغل فيه هذه الإمكانات الهائلة من اجل نشر ثقافة ذات مستوى إنساني رفيع على نطاق العالم كله . وهذا ما تنبهت إليه الهيئات الدولية، وعلى رأسها منظمة اليونسكو، التي تمثل هي نفسها مظهرا هاما من مظاهر التوحيد الثقافي بين البشر، والتي تبذل جهودا كبيرة من اجل صبغ الثقافة العالمية بصبغة ارفع من تلك التي تتسم بها الثقافة التجارية
الحالية. أن توحد العالم بفضل التقدم العلمي ليس هدفا مرغوبا فيه فحسب
بل هو هدف لا غناء عنه من أجل بقاء البشرية. وقد بينا، عند الحديث عن الأبعاد الاجتماعية للعلم المعاصر، كيف أن المشكلات الخطيرة التي يواجهها العالم في الوقت الراهن تشير كلها إلى اتجاه واحد للحل، هو الاتجاه العالمي. وعلى العكس من ذلك فان تجاهل الحلول التي تتم على مستوى عالمي، أو إرجاءها، لا بد أن يؤدى إلى كارثة للبشرية. وهذه حقيقة أدركها كثير من المفكرين المعاصرين الذين رفع بعضهم شعار : أما عالم واحد، أو لا
عالم على الإطلاق
ولكن هل يعنى ذلك أن العلم وحده، وبقواه الخاصة، هو الذي سيؤدى إلى هذا التوحيد؟ إن الكثيرين، ولا سيما في المعسكر الغربي، يؤمنون بذلك. فهم يعتقدون أن التقدم العلمي والتكنولوجي يستطيع، هو وحده، أن يقرب بين الاتجاهات المتباينة في هذا العالم، حتى في اشد الحالات تنافرا كما هي الحال في التضاد الأيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية. ففيرأي هؤلاء أن حرص الدول التي تأخذ بهذين النظامين المتعارضين على اتباع احدث الأساليب العلمية والتكنولوجية، هو في ذاته كفيل بأن يحقق تقاربا بينها قد يؤدى آخر الأمر إلى إلغاء التعارض المذهبي بينها . أي أنهم يرون أن الصراع الأيديولوجي سيخلى مكانه في النهاية للتقدم العلمي، ولما كان هذا التقدم متشابها في الحالتين، فان الأمر سينتهي بهذه المجتمعات المتعارضة إلى التقارب. غير أن مفكري المعسكر الاشتراكي لا يميلون إلى هذا الرأي، لأن الصراع الأيديولوجي هو الذي يقرر في النهاية حسب رأيهم مصير العالم. صحيح انهم يعترفون بالأهمية القصوى للتطورات العلمية والتكنولوجية المعاصرة، غير أنهم يرون أنها ليست هي الحاسمة بل إنها تخضع للأيديولوجيا التي تعطي هذه التطورات اتجاهها ومعناها ويؤكدون أن نظرية التقارب القائم على أساس العلم والتكنولوجيا إنما هي محاولة عن المفكرين الغربيين للتستر على الفوارق الأيديولوجية الأساسية بين النظامين العالميين، ولتمييع الصراع الحاسم بينهما .
وأيا ما كان الأمر، فمن المؤكد أننا لا نستطيع في عصرنا الحاضر أن نفصل على نحو قاطع بين العوامل الأيديولوجية والعوامل العلمية والتكنولوجية، لأن التأثير بين الطرفين متبادل. فالعلم يتأثر بالاتجاه الأيديولوجي للمجتمع، إذ تتحدد في ضوء هذا الاتجاه أهداف العلم والأولويات التي تعطى للأبحاث العلمية، كما يتحدد في ضوئه مركز العلم وسط أنواع النشاط الأخرى التي يقوم بها المجتمع. ولكن الأيديولوجيا ذاتها تتأثر بالعلم، لأن نوع الصراع الأيديولوجي الدائر في عصرنا الحاضر يتحدد إلى مدى بعيد بالشكل الذي وصلت إليه المجتمعات المعاصرة بفضل العلم، ولا سيما في ميدان الإنتاج، وهو الميدان الرئيسي الذي يدور فيه الصراع الأيديولوجي.
وهكذا نستطيع أن نقول، مرة أخرى، أن العالم يتجه إلى التوحد بفضل العلم، حتى لو أخذنا بالرأي القائل أن هذا التوحد لن يقرره إلا الصراع الأيديولوجي، وحين نتأمل صورة الإنسانية في المستقبل، فلن يملك المرء إلا أن يتصورها وهى تفكر بعقلية عالمية، وتراعي مصلحة الإنسان في كل مكان، بغض النظر عن فوارق اللون والجنس والوطن والعقيدة. وعندئذ فقط سيكون التفكير العلمي لدى البشر قد استعاد طبيعته الحقة، بوصفهبحثا موضوعيا نزيها عن الحقيقة، يعلو على كل ضروب التحيز والهوى ويزن كل شيء بميزان واحد، هو ميزان العقل.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
صنعاء.. محكمة حوثية تقضي بإعدام قاصر قتل مشرفًا حاول الاعتداء عليه 2025/07/04 الساعة 12:44 مساءاً (...
"النمنم" حسب قصص الجدات والأهل، شخصية الرعب الأخطر، وهو يظهر بين آونة وأخرى، آكل لحوم بشرية من طراز ...
لقد حقق قسم بحوث أمراض البذور إنجازات بارزة تعزز من الأمن الغذائي وتدعم القطاع الزراعي في مصر. فقد ت...
Introduction Global warming is one of the most pressing environmental issues of our time. It refers ...
في إيطاليا، سبق عصر النهضة الأصلي "نهضة ما قبل النهضة" الهامة في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن...
لاحظات هامة: • لا تنقضي شركة التوصية البسيطة بوفاة أحد الشركاء الموصين (غير المتضامنين) أو بالحجر عل...
يطلق مصطلح الفن الإسلامي على جميع الفنون التي تم إنتاجها في البلدان التي كان الإسلام فيها هو الدين ا...
This rule places minimum responsibility on the seller, who merely has to make the goods available, s...
Macbeth, set primarily in Scotland, mixes witchcraft, prophecy, and murder. Three "Weïrd Sisters" ap...
يشارك القسم بشكل فعال مع مكون تربية الأرز بمعهد المحاصيل الحقلية في تطوير أصناف أرز متحملة للأمراض، ...
(٣) أسرار نجاح العمل أما نجاح العمل فيتوقف على بذل القوى في محالِّها وأوقاتها الملائمة بالحكمة وحسن ...
بدايات سورة الحج تتحدث عن من يصد عن سبيل الله تتحدث عن من جعل أهم هدف وغاية له الصد عن سبيل الله سبح...