لخّصلي

✓ الحياة الدينية
إن الحديث عن علاقة الأدارسة بجيرانهم المبتدعة من الخوارج، هو في الحقيقة محاولة لمعرفة موقفهم الديني
لا توجد أية دراسة جدية في هذا الصدد، لهذا لا يمكننا فعل أي شيء سوى طرح بعض الأسئلة.
فقد جعل الإخباريون المتأخرون ورواية العوام من الأدارسة، وخاصة من إدريس الأول والثاني بطلي الإسلام الحقيقيين، فقدموهما لنا وهما ينشران الدين كرها ويبيدان بالقتل والسبي من أبى الإسلام من النصارى واليهود والمجوس، وأصبح قبراهما
مزارين يتبرك بهما. تعبر هذه النظرة التقليدية بشكل جيد عن أمر لايقبل الجدل، ويتمثل ذلك في كون الإدارسة هم من اضطلعوا بالمسؤولية الثقيلة في نشر الإسلام. وأن عملهم هذا لم يتم كله بالسيف وإنما بالتلاقح انطلاقا من مواطن الإسلام التي مثلتها المدن، وهو شيء لن يغير من أساس الأمر فتيلا. ولكن الحروب التي خاضها الأدارسة ضد جيرانهم من الخوارج أوضد برغواطة كانت نادرة كما لاحظ الدارسون فهل كان هذا الأمر احترازا سياسيا؟ أم تجنبا لذهاب ريح التضامن الإسلامي؟ أم تجنبا للفرقة والوهن أمام العدو العباسي المشترك؟ ويمكن أن نتساءل أيضا عما إذا كان الفرق بين الفرق المذهبية يظهر أكثر خطورة، ويمكن أن يخلق القطيعة بين المسلمين، الذين كانوا متفقين حول ما هو أساسي في الدين. وكان الانطباع الراجح هو أن عدم الوضوح كان
مخيما، وأن الحدود بين النحل لم تكن واضحة أيضا كما كان عليه الأمر . المشرق ما هي الأفكار التي دعا إليها الأدارسةة فإذا كنا قد جعلنا منهم أناسا مصممين دينهم فإن بعض دلائل الإثبات في مصادرنا القديمة وبعض الأحداث يتعذر فعلا شرحها لما أهلت إدريس أصلا من مذبحة فخ، ساعده الشيعة في هروبه، إلا أن المصادر لا تسمح بمعرفة ما إذا كان إدريس النازل بالمغرب الأقصى قد دعا إلى التشيع فيه ويعتز الأدارسة جهارا بانتمائهم في عقب علي، ويبرز اسم علي في كل عملاتهم بعد البسملة وذكر النبي، كما حملت عاصمتهم اسم "العالية. أما لقب الإمام الذي يحمله أحيانا بعض أمرائهم، فقد يعني أنهم فقط زعماء دينيون، ولا نعرف باسم من أقاموا الصلاة وبالمقابل تعلم بوجود عملة لإدريس الثاني تحمل عبارة محمد رسول الله والمهدي إدريس بن إدريس علي، وهو ما يعتبر قرينة صادقة جدا على التشيع تتهم نصوص بعض الجغرافيين المشارقة صراحة الأدارسة بالتشدد لكن يجب أن نتساءل عما إذا كان الأمر هنا يتعلق فقط بقريات موجهة للمس بمصداقيتهم. كالقول بانحدارهم من أبي تليد وليس من علي ويقول المقدسي، وكان مايزال على قيد الحياة في نهاية القرن الخامس (العاشر): وهذه الأصول مذاهب الإدريسية وغلبتهم بكورة السوس الأقصى وهي قريبة من مذاهب القرامطة والقرامطة شيعة مصممون في نحلتهم - وهي شكل من أشكال الشيوعية الدينية - زعزعت حركتهم الشعبية أركان الإمبراطورية العباسية إن تشبيه الأدارسة بالقرامطة، يمكن أن يكون جهلا أو سوء نية، ويؤكد كاتب آخر عاش في بداية القرن العاشر، ويدعى الهمداني أن إسحاق صاحب إدريس بن إدريس كان على وفاق معه في الدعوة إلى مذهب الإعتزال : لم يكن المعتزلة من وجهة النظر الفكرية يرمون دوما بالرغبة عن دينهم بل مثلوا، في ظل الخليفة المامون الإسلام الرسمي واستعملوا مناهج فلاسفة اليونان للدفاع عن فكرة خلق القرآن وكانت منهم في القرن التاسع بالمغرب الأقصى طوائف حسن جيرتهم تسك النقود بتدعة ..... وبها أيضا سك الأدارسة في نفس الوقت دراهمهم وهو ما يؤكد
لا يمكن أن نعرف جيدا ماهية نحل الأدارسة إلا بدراسة أكثر عمقا للوثائق، ولا يسعنا هنا إلا طرح القضية، وإذا كان لا بد من خلاصة ، فنقول: إن كان التشيع نحلة للأدارسة عندما نزلوا المغرب أول مرة، فإن هذه العقيدة لم تبرز من بعد إلا نادرا وأن ما ميزهم في المعارضة السياسية لبغداد وهو موقف يتفقون فيه والموقف العام الذي ساد انذاك المغربين الأقصى والأوسط

وعلى كل حال، فلا برغواطة اختفت ولا الخوارج اندثروا فكل انواع اللبس الديني ظلت ممكنة، كما تبين مع حاميم متنبئ الريف الذي تحدث عنه البكري وكان حمل الناس كافة على الإسلام أمرا مايزال بعيد المنال ولا يمكن القبول بوجهة النظر التبسيطية لبعض الإخبارين الذين اعتقدوا منذ هذا الوقت بسيادة الإسلام بكل نقائه على بلاد المغرب دون أن يقاسمه الأمر دين آخر.

ويبدو أن الحياة الدينية في المغرب كانت ذات خصوصية كبيرة لبعده عن بغداد والقيروان واستقلاله عن قرطبة، لذلك كان يمستطاع النحل والأهواء أن تنشط فيه دون خوف أصحابها من المتابعة كما كان الشأن في الشرق، الذي كان الغليان فيه

قويا رغم وجود سلطة الخلافة حصرنا اهتمامنا وركزناه على إحدى السلالات، وكانت سلطة هذه السلالة قد اقتصرت على جزء من المغرب الأقصى سيتقلص هذا الجزء بدوره خلال القرنين التاسع والعاشر، فكان من الواجب الاحتراز من إبلائه الحظ الأوفى لذلك اخترنا في حدود هذه الدراسة عدم تشتيت جهودنا فتجاهلنا إمارتي النكور وسجلماسة وغيرها لقلة ذات اليد عنها ، ولم نتحدث مطلقا عن الإمارات التي أقامها الزناتيون في القرن العاشر، لأن الزمان كان قد تكفل يمحوها من الذاكرة، بينما برز الأدارسة قليلا وكأنهم يحتلون قصب السبق. لقد حبلت هذه الفترة بما أحدث فيها من مدن وما نُظم من دول، وتَطَوّر الاقتصاد خلافا للفترة القديمة التي لم يسد فيها إلا على هامش صغير، بل ذهب بعيدا إلى أن بلغ المناطق البعيدة من البلاد واقيمت علاقات جديدة مع بلدان بعيدة وكان الإسلام قاسما مشتركا بين هذه المجموعات البشرية المفتتة بين القبائل أن كل الانقسامات لم تكن قد تلاشت مرة واحدة، لكن وحدات صحيح المتنافسة.

كان المرابطون قد أخذوا عن الشرق إسلاما متشددا حاربوا في رعاياهم كل أنواع العوائد السيئة، واهتموا بإصلاح الإسلام أكثر من اهتمامهم وقتها بدعوة غير المسلمين إليه والذين كانوا وقتها قلة قليلة فخلال هذه المرحلة المظلمة إذن، يتضح حصول إعتناق أغلبية السكان للإسلام جهوية كانت قد تشكلت، وعليها يمكن أن يقوم صرح أكثر اتساعا لم تعد موريطانيا الطنجية في القرن الأول (7م) إلا ذكرى من الماضي، وشكل المغرب الأقصى في نهاية القرن الثالث (9م) مكانا تجمعت فيه القوى التي ستسفر فيما بعد عن الامبراطورية المغربية ) امبراطورية مراكش ).