لخّصلي

۲ - القصة
ونتوسع في هذه الموضوعات كلما تقدمنا في المرحلة الابتدائية، حيث تتحول المحادثة إلى تعبير له موضوعاته التي لا تخرج أيضا من دائرة محسوساته ومشاهداته ، حيث ينبغي أن نبعد التلميذ في هذه المرحلة عن الموضوعات المعنوية التي قد تبعد عن مجال محسوساته ومشاهداته، فلا يستطيع الحديث عنها.
ومن الممكن في الصفوف المتقدمة في هذه المرحلة أن تتخذ موضوعات من القراءة والأناشيد لتصبح مادة المحادثة والتعبير ، ويكون تكرار الحديث فيها بطرق متعددة وسهلة لتنمية اللغة وانطلاق العبارة.
ولاشك في أن التلميذ في المرحلة الابتدائية قد عايش اللغة في صورتها
الجمالية منذ السنة الأولى الابتدائية ، فهو قد تلقى المحفوظات وبعض قطع المطالعة ، ولاشك في أن كل ذلك قد أحيا في نفسه الإحساس بجمال الكلمة وجمال العبارة وجمال الأسلوب ، وتظهر ثمرة ذلك كله عندما يمارس التلميذ تجربة الأداء اللغوي في التعبير الجميل ، بعد أن عرف أن اللغة لها طريقان في الأداء ، طريق معتاد يتعامل به الناس في حياتهم العادية ، وطريق فني خاص ، يتمثل في الأداء الأدبي الذي يبدو لنا في صورته الشعرية او صورته النثرية - خطابة ومقاله وقصة وغيرها ......
إن كثيرا من المربين يخضعون حصة التعبير الشفوي لقواعد طرق التدريس الصارمة ، فيرون أن مبدأ التمهيد للدرس وإثارة الأشواق إليه تفرض أن يدخل التلميذ هذا الدرس وهو يجهل كل شيء عن عنوانه حتى لا تفوت مهارة المدرس في الإثارة التي توصل إلى العنوان المجهول ، وهذا أمر أبعد ما يكون عما نريده لهذا الدرس.
إن أيسر القواعد في القول تقتضي ألا يتحدث الإنسان إلا بعد أن يستجمع فكره ، وألا يخوض ميدان القول إلا بعد أن يستجمع عناصره. إن مبدا الارتجال في الخطابة والحديث والحوار قد مضى زمنه ، وإن كان ثم مجال له، فليس مع هؤلاء الصغار ، وإن هذه الدقائق التي يلقى فيها المدرس أسئلته ليفتح بها أبواب الحديث في موضوعه ، لا يمكن أن ترضي مزاج هذا التلميذ الممتلئ بالأخيلة المحلية والفكر الجامع.
وماذا علينا إذا جعلنا موضوع المشافهة في التعبير بعد أن نعدله تلاميذنا، إما من خلال موضوعات القراءة التي تدير الحوار فيها على كل وجوهه ، وإما باعتمادهم على أنفسهم بعد تعريفهم بمصادر البحث عن عناصر هذا الموضوع ، وإما بعد فراغهم من قراءة كتاب أو كتب قد سبق أن قدمت لهم إنهم بذلك يقدمون لنا ساعة في ( التحدث أو التعبير الشفوي ) ، حية المشاعر ، محلقة الأفكار ، غنية بالثراء اللغوي ، الذي ينم عن شخصية تلميذ استطاع أن يستفيد من تخطيط أستاذه لأسلوب المشافهة التربوية.
ولاشك في أن ساعة التعبير الشفوي - كما تشحذ قدرات التلميذ الذاتية بحسن التوجيه - فهي يمكن أن تكون سبيلا إلى اكتشاف موهبة التلميذ فی مجال الإبداع الأدبي بالوانه المختلفة.
إن قراءة موضوع صغير في كتاب القراءة أو في مطالعات المكتبة يمكن أن يكون مادة قصصية يشكلها التلميذ بخياله، ليحيا فيها بحسه ومشاعره ، بعد أن يحسن أستاذه توجيهه وإفساح المجال أمامه.
وهذا التلميذ الذي يمر بمرحلة انتقالية من حياته ، تجعله شديد التطلع إلى ما حوله ، وإلى المستقبل البعيد ، يجد من اللذة أن يقدم موضوعات يستوحيها من ذاته وحده ، ومن فكره وحده ، دون أن تملى عليه.
ومن هنا، فإنه من الممتع - حقا - أن يتيح الأستاذ لتلاميذه فرصة أن يقدموا أنفسهم بحرية عن طريق التعبير الذاتي ، الذي يقول فيه كل منهم ما يشاء بعد أن يطلب منهم أستاذهم أن يستعدوا لذلك في وقت معين ، وبعد فرصة مناسبة.
إن التعبير الشفوي هدف أساسي من أهداف تعليم اللغة ، لا نكل أمره الساعة هذا التعبير الدراسية ، وإنما هو ثمرة كل فروع اللغة ، بل هو الذي يثبت نجاح المدرسة في تحقيق أهداف اللغة الثلاثة فيها ؛ فهو مظهر سلامة اللغة في التعبير ، ومظهر تذوق اللغة في جمالها ، ومظهر اتصال التلميذ عن طريق اللغة بالمعارف المختلفة. إننا - إذ نفسح للتلميذ أن يعبر بطلاقة عما يدور في نفسه - إنما نیسر
له بذلك أن يحقق لنفسه هدفا من أهم أهداف حياته ، وهو الإبانة عما يدور
في فكره وخياله ؛ فالإنسان إنما يميز عن سائر الكائنات بقدرته على الإبانة والتعبير ، حتى أن المناطقة عندما ميزوا الإنسان عن غيره ، إنما ميزوه بالنطق فقالوا : - الإنسان حیوان ناطق ، وصدق الله العظيم ، إذ جعل من أعظم نعمه على الإنسان الإبانة والنطق " الرحمن (۱) علم القرآن (۲) خلق الإنسان (۳) علمه البيان (4) ( الرحمن 1-4).
لكن المهارة ، إذا اكتملت بعد أن تكون قد أخذت غذاءها من القراءات المختلفة ، ينبغي أن يظهر أثرها في الكتابة ، وهو ما اصطلح على تسميته بالتعبير