خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
سقوط الجمهورية الرومانية: دراسة في مراحل
أولاً: يوليوس قيصر وإصلاحاته:
ولد قيصر في روما عام 102 ق.م، وتزوج كورنيليا بعمر السابعة عشر، معلناً تمسكه بالعامة. رفض طلاقها رغم ضغط سولا، ففر إلى الشرق. بعد وفاة سولا عام 78 ق.م، عاد قيصر إلى روما وبرز بفصاحته، متهماً دولابيلا بالابتزاز في مقدونيا. توفيت كورنيليا وجوليا (عمته) عام 68 ق.م، فاستغلّ قيصر جنازة عمته لكسب شعبية، معرّضاً صور ماريوس متحدياً مجلس الشيوخ. أشاد في خطابه بأصل عمته، رابطاً أسرته بالملك أنكوس والإلهة فينوس، مُبرّزاً نقاء سلالته وميوله الشعبية. ثمّ توجه إلى إسبانيا. انتخب قيصر كاهناً، وتعاون مع كراسوس ضدّ بومبي، مُقاماً احتفالات ضخمة. أعاد نصب تذكارات انتصارات ماريوس، وتولى أمانة الأبنية. اقترح كراسوس تحويل مصر لولاية رومانية تحت قيادة قيصر، لكنّ النبلاء، وشيشرون خصوصاً، عارضوا ذلك. أصبح قيصر كاهناً أكبر عام 63 ق.م، وانتخب برايتوراً عام 62 ق.م. رشّح نفسه قنصلاً عام 59 ق.م، مُعارضاً النبلاء، وطالب بإخضاع مصر، لكنّ المجلس رفض. تحالف مع كراسوس وبومبي في "الحلف الثلاثي"، حيث كان قيصر العقل المدبر، مُضللاً بومبي بأنه الرئيس. أصدر قيصر قوانين: قانون الأراضي (توزيع أراضٍ لجنود بومبي)، وقانون أرض كمبانيا، وتنظيمات بومبي في الشرق، وخفض ضرائب آسيا، والاعتراف ببطليموس الثاني عشر ملكاً على مصر، وإسناد ولاية غاليا لقيصر لخمس سنوات بثلاث فرق عسكرية. خلال ثماني سنوات، خضّع قيصر غاليا، صدّ الجرمان، وجعل الراين حدوداً لولايته، وغزا بريطانيا حتى نهر التايمز، مُضيفاً فرنسا وبلجيكا للإمبراطورية. مدّدت ولايته لخمس سنوات أخرى عام 55 ق.م. توفيت جوليا (زوجة بومبي) عام 54 ق.م، وقتل كراسوس عام 53 ق.م، مُحوّلاً الحلف الثلاثي لحلف ثنائي مع بومبي. عام 52 ق.م، رشّح نفسه للقنصلية وهو غائب، مُستخدماً استثناءً من بومبي. خشي مجلس الشيوخ من عودة قيصر، فمال لبومبي، مُبدئاً خلافاً بينهما. حاول قيصر المصالحة، لكنّ المجلس طلب تسريح جيشه. زحف قيصر على روما عام 49 ق.م، ففرّ بومبي وأعضاء مجلس الشيوخ. سيطر قيصر على إسبانيا بسرعة عام 49 ق.م، دون قتال.
ثانياً: سقوط الجمهورية الرومانية:
الحرب الأهلية الثانية:
استعدّ بومبي للعودة لإيطاليا، لكن قيصر عاد من برنديزي إلى إبيروس، مُباغتاً خصومه. دارت معركة فارسالوس عام 48 ق.م، مُهزماً بومبي. فرّ بومبي لمصر وقتل هناك. وجد قيصر كليوباترا وبطليموس الثالث عشر مُتنازعين. انتصر قيصر في معركة الأسكندرية عام 48 ق.م، وأقرّ كليوباترا ملكةً مع بطليموس الرابع عشر. غزا بونطوس، مُنتصراً على ميثراداتيس، قائلاً "جئت، رأيت، غلبت". عاد لروما، ثمّ حارب سكيبيو في أفريقيا، مُهزماً إياه عند تابسوس. حارب من تبقى من أتباع بومبي في إسبانيا عام 45 ق.م، مُنتصراً في موندا. أصبح قيصر دكتاتوراً لمدة 11 يوماً فقط، ثمّ تخلى عن المنصب. انتخب قنصلاً للمرة الثانية عام 48 ق.م، ثمّ دكتاتوراً لمدة عشر سنوات عام 46 ق.م، وقنصلاً للمرة الرابعة عام 45 ق.م. أصبح تريبوناً، ولبس الأثواب الأرجوانية، وأقيمت له تماثيل. رفض لقب ملك، لكنّ عُيّن دكتاتوراً مدى الحياة عام 44 ق.م. لم ينتقم من أعدائه، لكنّ سلطته أثارت المخاوف، فقتلوه في الخامس عشر من مارس عام 44 ق.م. كانت إصلاحاته عظيمة: تصحيح التقويم، والحد من البذخ، وتشديد العقوبات، ومنح حقوق للمدرسين والأطباء الأجانب، وحل مشكلة الديون، وفرض المكوس، وزيادة عدد الحكام، وزيادة أعضاء مجلس الشيوخ، وإقامة منشآت عمرانية في روما، وتجفيف المستنقعات، وشق الطرق، وإنشاء مستعمرات، ومنع الابتزاز في الولايات.
الحرب الأهلية الثالثة:
أعقب اغتيال قيصر فوضى، وظهور أنطونيوس وأوكتافيوس.
أولاً: أنطونيوس:
فرّ أعضاء مجلس الشيوخ بعد مقتل قيصر. اجتمع أنطونيوس والقتلة، وطالب البعض بمكافأة القتلة، بينما حذّر أنطونيوس من إلغاء أحكام قيصر. نصح شيشرون بالاعتدال. امتنع مجلس الشيوخ عن محاكمة القتلة، لكنّهم أقرّوا بأحكام قيصر. تبنى قيصر أوكتافيوس، فانهارت آمال أنطونيوس. استغلّ الحوادث، وصالح القتلة، وتقرب لأتباع قيصر، وحافظ على النظام الجمهوري. سعى للحصول على جيش بتولي ولاية. طالب الشعب بإعدام القتلة في جنازة قيصر. هرب بروتوس وكاسيوس. حصل أنطونيوس على القنصلية، وأرضي مجلس الشيوخ بمنحه حكومة مقدونية ودولابيلا ولاية سوريا. وزّع أنطونيوس أراضٍ على جنود قيصر، ومنح الصقليين حقوق مواطنة، وأعطى ديوتاروس حكم أرمينيا الصغرى، وأدخل أنصاره لمجلس الشيوخ. شكّ مجلس الشيوخ في أنطونيوس.
ثانياً: أوكتافيوس:
هو ابن آتيا (ابنة جوليا أخت قيصر) وجابيوس أوكتافيوس. اتخذ اسم جايوس يوليوس قيصر أوكتافيوس. عاش في أبولونيا، وعاد لروما بعد مقتل قيصر. أعلن اسمه الجديد، وطالب بحقه كوارث. عرقل أنطونيوس مساعيه، لكن أوكتافيوس لم ينتظر الموافقة. استخف أنطونيوس بأوكتافيوس. استمال أوكتافيوس جنود قيصر في كمبانيا، وانضمّ إليهم نصف جنود مقدونيا. حارب أنطونيوس ديكيموس بروتوس في موتينا. ساعد مجلس الشيوخ أوكتافيوس ضدّ أنطونيوس. أعطى مجلس الشيوخ أوكتافيوس السلطة المطلقة. انتصر أوكتافيوس على أنطونيوس عند الفوروم جالورم. تمرد جنود ديكيموس وانضموا لأوكتافيوس. طالب جنود أوكتافيوس بانتخابه قنصلاً. وافق مجلس الشيوخ على ذلك، وانتخب لبيدوس قنصلاً عام 43 ق.م.
حكم الثلاثة:
تفاهم أنطونيوس مع لبيدوس وبلانكوس. قتل ديكيموس بروتوس. قرّر أنطونيوس القضاء على بروتوس وكاسيوس. تفاهم أوكتافيوس مع أنطونيوس ولبيدوس في بونونيا، مُشكّلين حكومة ثلاثية.
قيام الائتلاف الثلاثي الثاني عام 43 ق.م:
أملت الجيوش إرادتها على السناتوس. كانت المعارك قليلة بسبب عزوف الجنود ورغبتهم في المصالحة. ظهر ذلك بعد مقتل قيصر. ابتعد الجنود عن القتال بين جنرالات قيصر. تكرّر ذلك عندما واجه جنود قيصر بعضهم بعضاً. أجبروا زعمائهم على المصالحة. انضمّت جيوش أسبانيا وغالّيا للاتحاد الجديد. التقت الجيوش الثلاثة في بونونيا لتكوين تحالف ثلاثي لإعادة بناء الجمهورية لخمس سنوات. أصدر أحد الترابنة قانوناً يجعل الائتلاف شرعياً. منح الائتلاف سلطة الأمبريوم، وحق ترشيح القناصل. قسّم القادة ولايات أوروبا الغربية. استقال أوكتافيوس من منصب القنصل. حاربوا بقايا الجيوش الجمهورية في فيليبي بمقدونيا عام 42 ق.م. هُزم بروتوس وكاسيوس، وانتحرا.
بروتوس:
كان بروتوس آخر سيناتور جمهوري، مخلصاً لحزبه، مُعتزاً بأصوله الإرستقراطية. رفض المصالحة مع أنطونيوس رغم أنه كان ينحدر من سلالة عريقة. ضغط على الفقراء في آسيا الصغرى للحصول على أموال. كان يقرض أمواله بفائدة عالية.
انهيار التحالف الثلاثي الثاني:
بداية التحرش السياسي بين أنطونيوس وأوكتافيوس:
انتهت مدة التحالف عام 33 ق.م. طلب أنطونيوس تقسيمات في الشرق، وعرض التنازل عن سلطاته. رفض القنصلان الإفصاح عن رسالته. قام أوكتافيوس بحملات ضدّ القبائل الأليرية. غضب أوكتافيوس من أنطونيوس لإساءته لأخته أوكتافيا، ومن إغداقه على أبناء كليوباترا. طلب أنطونيوس قوات وأراضٍ، لكن أوكتافيوس لم يرد. اندلعت الحرب الدعائية بينهما. شوهت دعاية أوكتافيوس صورة أنطونيوس. أثار عرض أنطونيوس بالتنازل عن سلطاته مجلس الشيوخ. هاجم أحد القنصلين أوكتافيوس. استخدم أوكتافيوس حق الاعتراض. اقتحم أوكتافيوس مجلس الشيوخ بقواته، وهدّد بالويل. أفهمهم أنه سيستخدم سلطات أخرى. اقتحم معبد فيستا، وسرق وصية أنطونيوس، ونشرها. ردّ أنطونيوس بطلاق أوكتافيا. استخدمت دعاية أوكتافيوس وصية أنطونيوس لتشويه صورته. فتح أنطونيوس أبواب معسكره للسياسيين الفارين. ركزت دعاية أوكتافيوس على كليوباترا. أمن أوكتافيوس جبهته الداخلية بتوحيد الشعب. ألغى الأحزاب، ووزّع مندوبيه في أجهزة الدولة. أقسم الناس له يمين الطاعة. جرد أوكتافيوس أنطونيوس من سلطة الأمبريوم. أعلن أوكتافيوس الحرب على كليوباترا وليس أنطونيوس.
المواجهة النهائية:
عبأ أنطونيوس وكليوباترا الجيوش في إفيسوس. نصح مستشارو أنطونيوس بعدم ظهور كليوباترا، لكنها ممولة للحرب. أبحر أنطونيوس عبر البحر الإيجي. عبر أوكتافيوس البحر الأدرياتيكي عام 31 ق.م. واجه الجيشان بعضهما عند أكتيوم. قطع أجريبا طرق الإمداد عن أنطونيوس. انسحبت سفن كليوباترا فجأة. لحق أنطونيوس بالسفن المصرية. استسلم جيش أنطونيوس. أبحر أوكتافيوس لمصر عام 30 ق.م. دافع أنطونيوس عن مصر، ثمّ مات. انتحرت كليوباترا. ذبح أوكتافيوس قيصرون. نهب أوكتافيوس خزائن مصر. وزّع هبات على جنوده. أعاد النظر في تعديلات أنطونيوس. أقيم له مهرجان نصر كبير. أصبح أوكتافيوس بلا منافس. انتهى العصر الجمهوري، وبدأ عصر الإمبراطورية عام 27 ق.م.
سقوط الجمهورية الرومانية
أولاً: يوليوس قيصر وإصلاحاته.
ولد جايوس يوليوس قيصر في روما عام 102 ق.م و تزوج وهو في سن السابعة عشر من عمره، من سيدة تدعي كورنيليا، معلنا تمسكه باهداف العامة وليس النبلاء، فأوحي إليه سوللا بالطلاق، إلا أنه رفض، وفر إلى الشرق، وعند وفاة سوللا عام 78 ق.م، عاد يوليوس قيصر إلى روما وعمل بالسياسة، فلفت الأنظار بفصاحته وقوة حجته عندما إتهم دولا بيلا بإبتزاز الأموال في مقدونيا.
وتشاء الظروف في عام 68 ق.م، أن توفت كورنيليا زوجة يوليوس قيصر، وجوليا أرملة ماريوس عمته في أثناء تأهبه للذهاب إلى أسبانيا ليتولى عمله في ولاية أسبانيا القاصية بوصفه كوايستوراً، فانتهز فرصة تشييع جنازة عمته، جوليا، ليكسب لنفسه شعبية كبيرة تفيده في بناء مستقبله السياسي، فعرض في موكب الجنازة صور البطل الشعبي ماريوس، فكان عمله هذا تحدياً لمجلس السناتوس، وإعلاناً صريحاً عن ميوله واتجاهاته الشعبية لاكتساب رضاء أعضاء السناتوس الذين كانوا لا يزالون من أنصار ماريوس، وفي خطاب التأبين الذي ألقاه قيصر أشاد بأصل عمته للإشادة بأصل أسرته، فذكر أنها تنحدر من ناحية الأم عن الملك أنكوس أحد ملوك روما القدماء، ومن ناحية الأب عن الإلهة فينوس، والدة المؤسس الأسطوري لمدينة روما، وكان يقصد من وراء ذلك إبراز أمرين، أولهما: الفارق بين سلالة أسرة يوليوس قيصر وبين سلالات الأسر الأخرى العريقة التي أوغلت في الفساد، وثانيهما: هو أن ميول أسرة يوليوس قيصر كانتميولاً شعبية على عكس غيرها من الأسر العريقة، ولم يكن آنذاك أحب إلى الشعب من رجل عريق الأصل شعبي الميول وفوق مستوى الشبهات، ثم
انصرف إلى إسبانيا في أول مهماته السياسية الرسمية. بعد ذلك انتخب يوليوس قيصر عضواً في جماعة الكهنة، وتعاون مع الكنسور كراسوس لمواجهة بومبي بعدما أصبح قيصر أيدليس لعام 65 ق.م، فشهدت روما من الحفلات والمآدب ما لم تر له مثيلاً من قبل، ويعود الفضل في ذلك كله إلى يوليوس قيصر، وازدادت محبتة وشعبيتة بين العامة لأنه أعاد إقامة الأنصاب التذكارية لانتصارات ماريوس على يوجورتا والتيوتون والقيمبري، والتي كان سوللا قد أمر بإزالتها، وتولى أمانة الأبنية العمومية في عام 64 ق.م. كما تقدم كراسوس بإيحاء إلى أحد ترابنة العامة، بمشروع قانون يقضي بتحويل مصر إلى ولاية رومانية وإسناد هذه المهمة إلى يوليوس قيصر وجعلها قاعدة عسكرية ضد بومبي أو على الأقل لاستخدامها في المساومةمعه، فوقف بعض النبلاء وشيشرون بصورة خاصة ضد هذا المشروع لأنه كان صديقاً لبومبي ومن أقوى مؤيديه، فضلاً عن كونه ينتمي إلى طبقة
الفرسان الذين عارضوه أيضاً. وتمكن يوليوس قيصر بفضل ذكائه أن يصير كاهناً أكبر بعد ما توفى الكاهن الأكبر وخلي المركز الذي كان يشغله كوينتوس بيوس في عام 63 ق.م، ثم لم يلبث أن نجح يوليوس قيصر بفضل الرشوة في الانتخابات لوظيفة البرايتورية لعام 62 ق.م ولما رجع يوليوس قيصر من إسبانيا رشح نفسه لقنصلية عام 59 ق.م، فانتخب قنصلاً على الرغم من معارضة النبلاء وبعض الفرسان، ومن ثم طالب مجلس السناتوس الروماني السماح له بإخضاع مصر وتحويل دخلها السنوي إلى خزانة روما، لكن المجلس رفض السماح له بتحقيق ذلك، مما أدى به إلى التحالف مع كراسوس وبومبي، فنشأ بينهم ما سمي بالحلف الثلاثي، الذي كان فيه يوليوس قيصر العقل المدبر والرئيس الحقيقي، بينما إرضاءاً لغرور بومبي أوهمه قيصر بأنه الرئيس وصاحب الأمر والنهي، وقد أصدر يوليوس قيصر في قنصليته الأولى عام 59 ق.م، التشريعات الآتية:-
1- قانون الأراضي، والذي يقضي بتوزيع أراض صالحة للزراعة على جنود بومبي بعد عودتهم من حملته علي الشرق.
2 قانون أرض كمبانيا، والذي يقضي بتوزيع الأرض العامة في كمبانيا.
3-إقرار تنظيمات بومبي في الشرق.
4- خفض المبلغ الذي تعاقدت عليه شركة جباية ضرائب ولاية آسيابمقدار الثلث
5- الاعتراف ببطلميوس الثاني عشر ملكاً على مصر.
6- إسناد حكم ولاية غاليا إلى قيصر، ولمدة خمس سنوات ووضع ثلاث فرق عسكرية تحت إمرته.
تمكن يوليوس قيصر في خلال ثماني سنوات قضاها في الزحف على الغاليين البرابرة، من إخضاع غاليا وراء الألب وفتحها من حدود المحيط الأطلسي وبحر المانش حتى نهر الراين، ثم صد القبائل الجرمانية من غاليا، فعادوا إلى بلادهم بعد أن تكبدوا خسائر جمة، وقد جعل يوليوس قيصر الراين حداً لولايته الجديدة، وغزا أيضاً بريطانيا حتى نهر التايمز، فأضاف إلى الإمبراطورية الرومانية مملكة واسعة شملت كل فرنسا الحديثة وبلجيكا. وكما جاء في القانون الذي أصدره التريبون بوبيليوس فاتينيوس في عام 59 ق.م، كانت مدة ولايه قيصر على غاليا وأليريا خمس سنوات، لكن عندما تولى بومبي وكراسوس القنصلية في عام 55 ق م، مدا ولايته عليها خمس سنوات أخرى، ثم توفيت جوليا ابنة يوليوس وزوجة بومبي في عام 54 ق.م، وقتل كراسوس في السنة التالية أي في عام 53 ق.م، علي أيدي البارثيين، مما أدى إلى حل التحالف الثلاثي الذي قام بين يوليوس قيصر وبومبي وكراسوس في عام 60 ق.م، واقتصر على الأول والثاني فأصبح ثنائياً وعرف باسم الحلف الثنائي.
فاستفاد يوليوس قيصر من تحالفه الثنائي مع بومبي، لأنه في عام 52 ق.م، وفي أثناء غيابه أوحي إلى مناصريه بتأييده في انتخابه للقنصلية، بينما أصدر من جهته قنصل هذا العام حليفه بومبي إستثناء خصوصياً يسمح ليوليوس قيصر بترشيح نفسه للقنصلية وهو غائب عن روما إلا أن مجلس السناتوس الروماني خشي من عاقبة مجيء يوليوس قيصر إلى روما وترشيح نفسه للقنصلية، فبدأ يفتش عن رجل قوي يقف في وجهه، فوجد ضالته في بومبي الذي أغرته القيادة العسكرية، فمال إلى مجلس السناتوس وشرع في ترويج مبادئه، فكان ذلك بداية الخلاف بينهما، كما قام النزاع قبل ذلك بنصف قرن بين ماريوس وسوللا، حاول يوليوس قيصر أن يصالح مجلس السناتوس عبر وسطاء لكن جواب الأخير كان أمراً بتسريح الجيش الذي معه، فلم يتردد يوليوس قيصر بعد أقل من ساعة على وصول جواب المجلس بالإشارة إلى فرقة من جنوده في الزحف من وادي البو إلى روما في عام 49 ق.م، وبما أن المجلس لم يكن على استعداد لهذا الجواب السريع ألجأته الضرورة إلى مفاوضة بومبي في الأمر الواقع، فكان جواب الأخير أن القوات الحربية التي تحت إمرته ليست كافية لصد يوليوس قيصر عن روما، ولما اقترب يوليوس قيصر من روما فر بومبي وجيشه منها مع معظم أعضاء مجلس السناتوس وعدد كبير من الوجوه والأعيان. وحتى لا يفكر مجلس السناتوس أو بومبي في تعبئة الجيوش وتدريبها للهجوم على روما وسحق يوليوس قيصر، عقد قيصر النية على تنظيف الغرب من الجيوب الموالية للمجلس أو لبومبي، وبخاصة في إسبانيا التي بلغها بسرعة مدهشه في عام 49 ق.م، فتمكن بعد بضعة أسابيع من أن يقطع عن الجيش فيها المؤن والذخيرة، وأكرههم بعد ذلك على التسليم دون أن تنشب بينه وبينهم معركة واحدة.
ثانياً: سقوط الجمهورية الرومانية.
الحرب الأهلية الثانية.
أثناء غياب يوليوس قيصر في إسبانيا استعد بومبي وأعوانه ليعبروا إلى إيطاليا، لكن يوليوس قيصر تمكن من العودة بحراً من برنديزي ونزل في إبيروس على الرغم من أن السيادة البحرية كانت لا تزال بيد مجلس السناتوس وبومبي، فأثارت هذه المباغته نفوس أخصام يوليوس قيصر وتولتهم الحيرة لفراره من مراكبهم الحربية، ثم نشبت بين الطرفين معركة في فارسالوس في بلاد اليونان في عام 48 ق.م، أسفرت عن هزيمة بومبي ومجلس السناتوس ولجوء هؤلاء إلى الاستسلام.
ففر بومبي بنفسه إلى مصر، ولحق به يوليوس قيصر بقوة صغيرة من جيشه، فوجده مقتولاً هناك، كما وجد كليوباترا السابعة وأخاها بطليموس الثالث عشر يتنازعان علي السلطة والزعامة كما وجد أيضاً الفوضى منتشرة في مصر بسبب هذا النزاع بين الأخوين، وكان يوليوس قيصر قد وصل إلى مصر بفرقتين وثماني مائة فارس، فأراد أن يأخذ دخلها العظيم بالسياسة والدهاء، وليس بالعنف والقوة، وانتصر في معركة الأسكندرية عام 48 ق.م، ثم أقر كليوباترا على العرش على أن يشاركها أخاها بطلميوس الرابع عشر في الحكم، بعد وفاة بطلميوس الثالث عشر أثناء عبوره لنهر النيل بعد معركة الأسكندرية، ثم غادر يوليوس قيصر مصر إلى انطاكية ومنها إتجه إلى مملكة بونطوس معقل الملك ميثراداتيس وابنه فرانسيس وانتصر عليه في بلدة زيلة، ثم فر الابن هائماً على وجهه عام 47 ق.م، وقال يوليوس قيصر قوله الخالد فيني فيدي فيتشي أتيت فرأيت فإنتصرت. ثم عاد يوليوس قيصر إلى روما، وأعاد الثقة والطمأنينة إلى بعض صفوف الجيش، ثم انصرف نحو أفريقيا لمحاربة سكيبيو وجيشه لإخضاعه،فهزمه بضربة قاضية عند تابسوس، وعاد بعد أربعة أشهر إلى إيطاليا، وفيعام 45 ق.م غادر إلى إسبانيا لمحاربة من تبقى من أتباع بومبي ولا بيانوس فانتصر عليهم في موندا استمرت حروب قيصر هذه من عام 49 : 45 ق.م، وكان مسرحها جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية، وقد خرج منها جميعها يوليوس قيصر منتصراً، وحين عاد إلى روما عام 48 ق.م، حذا حذو سوللا من قبل، إذ استصدر البرايتور لبيدوس، وهو الذي كان قيصر أسند إليه حكم مدينة روما مؤقتاً، في أثناء وجود يوليوس قيصر في ماسيليا أو مارسيليا حالياً، قانوناً بإقامته دكتاتوراً، لكن قيصر بعد عودته لم يشغل منصب الدكتاتور إلا أحد عشر يوما فقط ثم بادر بالتخلي عن هذا المنصب بعدما أقام الحفل اللاتيني، وأجرى الانتخابات ففاز بالقنصلية للمرة الثانية لعام 48 ق.م، وعين الحكام للولايات الرومانية الموالية له وعندما وصل أنطونيوس إلى روما على رأس الفرق التي قرر قيصر إعادتها إلى إيطاليا، حاملاً معه رغبة يوليوس قيصر بتعيينه دكتاتوراً، مرة ثانية لمدة سنة من أول أكتوبر عام 48 ق.م، انتخب بنهايتها قنصلاً للمرة الثالثة عام 46 ق.م، ثم جعل دكتاتوراً لمدة عشر سنوات في عام 46 ق.م، كما انتخب قنصلاً للمرة الرابعة بنهاية عام 46 ق.م، لقنصلية عام 45 ق.م، بعدها أصبح تريبوناً لا تخرق حرمته، ولبس الأثواب الأرجوانية، كما أقيمت له التماثيل، وشيد هيكل لرأفته، وظهرت صوره على المسكوكات عام 45 - 44 ق.م، لكنه لم يؤله بعد وفاته، ورفض لقب ملك، عندما قدم له عام 44 ق.م فعين دكتاتورا لمدى الحياة في منتصف فبراير من عام 44 ق.م لم ينتقم يوليوس قيصر من أعدائه، ولم يقتل أحدا لمجرد عداوته له، بل عامل الجميع بالرفق واللين، وحقن دم عدوه اللدود شيشرون الخطيب، فحاز بذلك رضى الطبقة الاستقراطية، لكن سلطته الواسعة والمطلقة، وسيطرته في الانتخابات والتعيينات وعظمة ألقابه النادرة أثارت المخاوف، وقلقت مضاجع جماعات من حزبه، فكان أن خر صريعاً يوم الخامس عشر من شهر مارس عام 44 ق.م، عند تمثال بومبي على أيدي بروتوس وكاسيوس فأتيحت للجمهورية فرصة أخيرة قبل أن تلقى المصير الذي كانت تسعى إليه على يد النبلاء.
كان قيصر رجلاً من الطراز الأول أتيحت له الفرصة لبعث الحياة في الجمهورية الرومانية من جديد بعدما تسرب الضعف إلى جسمها، فشرع في إصلاحاته التي أنجزها وتلك التي وضع خطتها وتم تنفيذها بعد مقتله كانت عظيمة الشأن أيضاً، ومن هذه الاصلاحات إصلاحات عامة تتمثل في الأتي:
-1- تصحيح التقويم استخدام السنة الشمسية بدلاً من السنة القمرية.
2 محاولة الحد من البذخ والإسراف وبخاصة في المآكل وفيما يخص القانون والقضاء، فقد أمر بتشديد العقوبات على مثيري الشغب وحل الجمعيات والمنتديات الجديدة.
-4- منح حقوق المواطنة الرومانية للأطباء والمدرسين الأجانب الذين استقروا في روما والولايات.
5-عالج مشكلة الديون لتخفيف ضائقة المدينين دون ضياع حقوق الدائنين.
-6- فرض المكوس الجمركية في الموانئ بعد أن ألغيت في عام 60 ق.م.
-7- زاد عدد الحكام البرايتورس إلى عشرة ثم إلى ستة عشر والأيديليس إلى أربعة.- زاد عدد أعضاء مجلس السناتوس الروماني إلى 900 عضو ثم إصلاحات خاصة بمدينة روما، فأمر باقامة العديد من المنشأت العمرانية
والاصلاحات الحياتية والاجتماعية. وإصلاحات خاصة بإيطاليا، إذ أنه أمر بتجفيف المستنقعات، وشق الطرق
وتعبيدها وتعديل بعض القوانين، وإنشاء مستعمرات في إيطاليا والولايات. وأخيراً إصلاح حال الولايات، فأمر بمنع ابتزاز الأموال وحقوق المواطنة
الكاملة
الحرب الأهلية الثالثة. لم تعطي هذه الفرصة للنظام الجمهوري مجالاً لإثبات وجوده لأنها كانت مجرد امتداد زمني شهد مزيداً من الصراع على السلطة بين القاده الطامحين، فقد أعقبت اغتيال يوليوس قيصر فترة من الفوضى السياسية والعسكرية، وظهور قائدين يتمتعان بشخصية قوية، وهما: جديدين أنطونيوس الذي كان الساعد الأيمن ليوليوس قيصر، وأوكتافيوس الذي كان س قيصر، وأركتابيو
ابناً بالتبني لقيصر نفسه.
أولاً: أنطونيوس.
بعد مقتل يوليوس قيصر الدكتاتور، في الخامس عشر من مارس عام 44 ق.م، فر أعضاء مجلس السناتوس مذعورين، وامتنع القنصل أنطونيوس في بيته، وعبر لبيدوس كبير الفرسان نهر التيبر، أما القتلة الفائزون انطلقوا وحدهم من قاعة المجلس منادين بالحرية، قد اضطروا إلى اللجوء إلى الكابيتول بضغط من الشعب عندما انتشرت الأخبار، وبات زعماء السياسة يترقبون إعلان هؤلاء عن موقفهم، وجرت اتصالات في السابع عشر من الشهر ذاته بين أنطونيوس والقتلة، كما اجتمع مجلس السناتوس في هيكل بالقرب من بيت أنطونيوس، حيث طالب تيبريوس نيرون وكان جمهورياً
بمكافأة القتلة الذين أنقذوا روما من يد المغتصب المستبد، في حين قال غيره، بإلقاء جثته في نهر التيبر، وذكر أنطونيوس أن إلغاء أحكام يوليوس قيصر سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وإلى تنازل كثير من أعضاء مجلس السناتوس عن مقاعدهم فيه، بينما نصح شيشرون بالاعتدال فأيده كثيرون وامتنع مجلس السناتوس عن محاكمة القتلة، واعترف في الوقت ذاته، بأحكام قيصر واوجب تنفيذ وصيته والاحتفال بدفن جثمانه احتفالاً رسمياً،وبعد الاحتفال دعا أتباع قيصر القتلة إلى عشاء مشترك. ولما تليت الوصية في بيت أنطونيوس، وتبين منها أن يوليوس قيصر كان قد تبنى أوكتافيوس وأوصى له بما عنده، واكتفى بذكر أنطونيوس بين الورثة الثانويين انفصمت عرى آماله و تقوضت حصونها، ولكنه رأى الظرف مناسباً والفرصة سانحة لتسلم المراتب العالية، فاندفع يستغل الحوادث لصالحه، فصالح القتلة، وتقرب وتودد إلى أتباع قيصر، وإرتضى مجلس الشيوخ بالمحافظة على النظم الجمهورية والتقاليد، وسعى أن يكون تحت إمرته جيش يقاتل به عند الضرورة، وذلك بتسلم مقاليد الحكم في إحدى الولايات القريبة من إيطاليا. يد الحكم وما أن علم الشعب بوصية يوليوس قيصر، وأنه وهبه جنائنه التي وراء نهر التيبر حتى هاج، وطالب بإعدام القتلة في الاحتفال بجنازته في العشرين من مارس، وبعد تلاوة القرارات باحترامه وإكرامه، وعرض رداءه الملوث بالدم، الأمر الذي اضطر بروتوس وكاسيوس إلى الهروب خارج المدينة، ولم يعارض دولابيلا القيصري وصول أنطونيوس إلى القنصلية، ولا لبيدوس القيصري في الوصول إلى رتبة الحبر الأعظم واسترضى مجلس السناتوس باتخاذ قرار ألغى به الدكتاتورية، وأظهر
المجلس الرضى بمنح أنطونيوس حكومة مقدونية، ودولابيلا ولاية سوريا لكن أنطونيوس لم يكتف بهذا القدر من السلطة، فلجأ إلى استمالة الجنود الذين كانوا يحاربون مع يوليوس قيصر بتوزيع الأراضي عليهم، ومنح الصقليين حقوق المواطن الروماني، وأعطى ديوتاروس حكم أرمينيا الصغرى، وأدخل أنصاره في مقاعد مجلس السناتوس، وغض النظر عن عودة كليوباترا وابنها الصغير إلى مصر، فشك مجلس السناتوس والإرستقراطيون في أمره، وقال شيشرون إن الدكتاتورية لا تزال حية على الرغم من وفاة الديكتاتور، وشاع خبر وصول أوكتافيوس إلى روما، فأسرع أنطونيوس بالمجئ إليها.
ثانياً: أوكتافيوس.
هو جايوس أوكتافيوس ابن آتيا ابنة جوليا أخت يوليوس قيصر، وابن جابيوس أوكتافيوس الذي ينحدر من أسرة محترمة، وعند الاطلاع على نص وصية خاله الكبير يوليوس قيصر ، اتخذ أوكتافيوس لنفسه اسم: جایوس يوليوس قيصر أوكتافيوس، فعرف بهذا الاسم حتى عام 27 ق.م، ثم اشتهر بعد ذلك بلقب أغسطس، ولد في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر عام 63 ق.م، وتوفي والده وهو لا يزال في الرابعة من عمره، ومع أن والدته تزوجت من مارفيوس فيليبوس، فإنها عنيت عناية فائقة بتربية ولديها: أوكتافيوس وأوكتافيا تربية صالحة، وبتهذيبهما أيضاً، ثم نال أوكتافيوس قسطاً وافراً من العلوم على يد أشهر الأساتذة كأبولو ذوروس البرجامي وأريوس السكندري. أرسله خاله الذي أحبه وشمله بعطفه إلى أبولونيا عام 45 ق.م، ليكمل علومه، ويختبر الحياة العسكرية مع الضباط والجنود الذين كانوا يتدربونفيها، ولكن أوكتافيوس تلقى في أواخر عام 44 ق.م، وهو في أبولونيا، رسالة من والدته تخبره فيها بمقتل خاله يوليوس قيصر ، فأسرع بالعودة إلى روما، وأكد له الضباط استعدادهم للزحف معه، مع بعض الرفاق، وعند وصوله إلى روما عن طريق برنديزي أعلن اسمه الجديد جايوس يوليوس قيصر أوكتافيوس وطالب بصفته ابن يوليوس قيصر ووريثه بالإرث المتروك وكان لابد من موافقة مجلس الأحياء أو العشائر على الاسم الجديد قبل اتخاذه رسمياً، فعرقل أنطونيوس هذا السعي مدة من الزمن، ولكن أوكتافيوس لم ينتظر صدور الموافقة ومضى يتكلم ويطالب وكأنه الوريث الوحيد ولم يهتم أنطونيوس في البداية بمقاومة أوكتافيوس واستخف به لصغر سنه وقلة خبرته، فكان يشير إليه بلفظ الولد، ولم يعلم أنه كان يحمل رأس شيخ حنكته السنون.
وفي الوقت نفسه الذي خرج فيه أنطونيوس من روما ليلاقي الجيش القادم من مقدونيا، إتجه أوكتافيوس إلى كمبانيا يستميل جنود قيصر المدربين الأبطال، فالتفوا حوله، وانضم إليهم نصف الجنود القادمين من مقدونيا، وهكذا وجد أنطونيوس نفسه قبل انتهاء عام 44 ق.م، بين عدويين وهما ديكيموس بروتوس في الشمال، وأوكتافيوس في الجنوب، فقرر محاربة ديكيموس بروتوس أولاً، فانتقل إلى وادي البو على رأس ما تجمع لديه من جنود، وخشي ديمكيوس تفوق جنود أنطونيوس، فعسكر في موتينا مودينا حالياً، فاضطر أنطونيوس أن يحاصره فيها، واستمر الحصار حتى نهاية عام 44 ق.م، حتي تم انتخاب القناصل الجدد، فنجح كل من هورتيوس ونبسا، الذين رشحهما يوليوس قيصر قبل مقتله.أقلقت مطامع أنطونيوس مجلس السناتوس الذي احتار في كيفية مساعدة ديكيموس، فلم يجد لدى القنصلين الجديدين من القوة العسكرية ما يكفي المواجهة أنطونيوس، فاضطر إلى قبول المساعدة من أوكتافيوس، بالرغم من كرههم إلى قبول مساعدة من رجل يحمل اسم يوليوس قيصر، الذي انتصر شيشرون عليه داخل المجلس واكتسح الموقف المؤيد له، فأعطى مجلس السناتوس السلطة المطلقة أو الإمبريوم لأوكتافيوس وأعطوا له حق تجنيد الجيوش والتعاون مع القنصليين لرفع الحصار عن موتينا، وسار الجميع إلى الشمال فكانت موقعة حاسمة عند الفوروم جالورم، أدت إلى انسحاب أنطونيوس من ميدان القتال في إيطاليا واتجاهه إلى غاليه نفسها لاستمالة لبيدوس وجيوشه.
عاش مجلس السناتوس نشوة الفرح، ولم يملكوا أنفسهم، فاعتبروا أنطونيوس وجنوده مجرمين لا يؤخذ أحد على قتلهم، ووقفوا من جنود أوكتافيوس وضباطه موقف الحذر، وكان القنصلان هورتيوس ونبسا قد توفيا في ميدان القتال، فحول السناتوس قيادة جيوشهما إلى ديكيموس، فتمرد هؤلاء الجنود، والتحقوا بجيش أوكتافيوس، وطالب جنود أوكتافيوس بإشراكه في لجنة التحقيق في أعمال أنطونيوس، وانتخابه أي أوكتافيوس قنصلاً حتى آخر العام فرد مجلس السناتوس بأن أوكتافيوس غير مكتمل الشروط، مما أدى إلى زحف الأخير على رأس جيشه إلى روما، واستفاق أعضاء السناتوس مستدركين سوء العاقبة، وفاوضوا على أساس مطالب الجند، ثم ترددوا على أثر وصول الجنود من أفريقيا، ولكن إعلان هؤلاء عن انضمامهم أيضاً إلى صفوف أوكتافيوس، جعل أعضاء السناتوس يوافقون على انتخابه قنصلاً، وكذلك انتخاب لبيدوس أحد أنسابئه في عام43 ق.م، ثم اتخذ مجلس العشائر قراراً اعترف بموجبه ببنوة يوليوس قيصر لأوكتافيوس، ولم يلبث القنصل الجديد طويلاً في روما بعد أن أصدر مجلس السناتوس قانوناً يوجب إنزال العقاب بقتلة يوليوس قيصر، واتجه صوب الشمال لينهي قضية أنطونيوس.
. حكم الثلاثة.
تمكن أنطونيوس من التفاهم مع لبيدوس قائد الجيش في إسبانيا، وبلانكوس قائد القوات في غاليه، فأصبح بعد ذلك سيد الموقف في الغرب، واستمال الجنود الذين كانوا لا يزالون تحت إمرة ديكيوس بربرونتس حيث فر هارباً، لكن أمير غاليه ألقى القبض عليه بإشارة من أنطونيوس وقتله، فقرر أنطونيوس آنذاك القضاء على بروتوس زعيم المؤامرة على حياة يوليوس قيصر، ولونجينوس كاسيوس شريكه فيها، وقد أصبح سيد الموقف في الشرق، ومن أجل الوصول إلى غايته تلك تودد إلى أوكتافيوس الذي وجد أن مصلحته تقضي بالتفاهم مع أنطونيوس لا باللجوء إلى العنف، فلما زحف أوكتافيوس على رأس جيشه من روما إلى الشمال التقى بأنطونيوس ولبيدوس في بونونيا بوادي البو ففاوضهما واتفق معهما على إنشاء حكومة ثلاثية تنظم أمور الجمهورية وتضبطها.
قيام الائتلاف الثلاثي الثاني عام 43 ق.م.
من أهم التغيرات التي طرأت علي الجمهورية الرومانية هو قيام الجيوش بإملاء إرادتها علي السناتوس وعلي الأمة، بل وعلي القادة، وبالرغم من كثرة الحروب الأهلية ومواقف المواجهة، إلا أن المعارك الحاسمة كانت قليلة، وذلك لعزوف الجنود وتراخيهم في القتال، ولرغبتهم في المصالحة بدلاً من المواجهة، خاصة وأنه لا يوجد عدو خارجي بل أن جميع المتقاتلينرومان مثلهم، وقد ظهر هذا الاتجاه بصفة خاصة بعد مقتل قيصر إذ ابتعد الجنود عن تشجيع القتال بين جنرالات قيصر ، لأن غالبية الجنود كانوا جنود قيصر القدامي الذين كانوا يريدون المحافظة على رسالة قائدهم الراحل، كما كان عدد كبير من الجنود حديث التجنيد وهذا الفريق من الجند فضل عدم
الدخول في حروب ضد الجنود القدامي المحنكين في فنون القتال. ولقد اتضح هذا التراخي أثناء هجوم أوكتافيوس علي إيطاليا عام 44 ق.م، ومحاولته الاستيلاء علي روما، ومنع ذلك حدوث مذبحة وحرب أهلية وتكرر هذا الموقف عندما وجد جنود قيصر أنفسهم يواجهون أنفسهم، فريق مع أنطونيوس وفريق مع لبيدوس حاكم بلاد الغال، والذي ذهب لمساعدة بروتوس حسب تعهده للسناتوس، وبدلاً من أن يتبادل الجيشان الحراب والسهام تبادلاً التحيات والعواطف، وأجبرا زعيميهما على المصالحة تحت
لواء وحدة الحزب القيصري. وما أن سمعت الجيوش التي كانت في أسبانيا وباقي بلاد الغال حتى سلكا مسلكيهما، وهجرت القوات الحكومية التي كانت في بلاد الغال بقيادة بلانكوس ديكيموس بروتوس، وتركته وحيداً يتجول متخفيا حتى قتل، وانضمت إلى الاتحاد الجديد بين لبيدوس وأنطونيوس، وفي الوقت نفسه سار أوكتافيوس بجيش كبير جداً لحماية شمال إيطاليا، وتحت الحاح الجنود التقت الجيوش الثلاثة، جيش أنطونيوس ولبيدوس مع جيش أوكتافيوس في احتفال عام، وعلي مشهد من الجنود والضباط التقت القوات في جزيرة تتوسط نهر رينوس نهر لافينو الحالي بالقرب من مدينة بونونيا في مؤتمر مصالحة كبير لتكوين تحالف ثلاثي بغرض الاتحاد والتعاون من أجل تكوينجبهة للوقوف في وجه عدوهم المشترك، ومن أجل إعادة بناء الجمهورية
لمدة خمس سنوات. وعلي العكس من التحالف الثلاثي الأول الذي كان بين قيصر وبومبي وكراسوس، والذي كان سرياً وخاصاً أي غير قانوني أو شرعي قام التحالف الثلاثي الثاني علي أساس قانوني إذا أصدر أحد الترابنة قانوناً في عام 43 ق.م، يجعل منه ائتلافاً شرعياً، وقد عرف هذا القانون بقانون تيتوس
ويسري مفعوله لمدة خمسة سنوات قابلة للتجديد. وبمقتضي هذا القانون منح هذا الائتلاف سلطة الأمبريوم، وحق ترشيح القناصل والموظفين دون اللجوء إلى موافقة مجلس السناتوس، كما قسم القاده الثلاثة، ولايات أوروبا الغربية فيما بينهم، فمنح أنطونيوس ولايات بلاد الغال، بينما منح لبيدوس ولاية غاليه التربونية وولايتي أسبانيا القريبة والبعيدة، أما أكتافيانوس فقد حكم ولايات سردينيا وصقلية وإفريقيا. وبناء علي السلطة الجديدة استقال أكتافيوس من منصب القنصل كما تعهد بالاشتراك مع أنطونيوس للقيام بحملة ضد بقايا الجيوش الجمهورية في
الشرق بينما يبقى لبيدوس في روما يقوم على إدارة شئونها. وفي عام 42 ق.م، تقابل الجيش الجمهوري مع جيش الائتلاف الثلاثي الثاني في معركة فيليبي بمقدونيا، ودارت بينهما أعنف معركة عرفها تاريخ روما الجمهورية، وكان الجيش الجمهوري يتكون من ثمانين ألف مقاتل روماني بخلاف القوات المتحالفة معه، واتخذ هذا الجيش مواقعة علي الهضاب الواقعة بين تراقيا ومقدونيا في انتظار جيوش الحكومة الثلاثية التي بدأت تعبر البحر الأدرياتيكي في صيف عام 42 ق.م، ودون أن تقيم أي اعتبار للقوات البحرية التي كان يمتلكها أعداؤهم، وبدأت المعركة بالتحاماتمحدودة استطاع بروتوس أن يهزم قوات أكتافيوس فيها لمرض أوكتافيوس في ذلك الوقت، بينما ألحق أنطونيوس الهزيمة بقوات كاسيوس الذي تشاء ممن سير المعارك مستقبلاً فغمرته موجة من اليأس والقنوط انتهت بانتحاره على الطريقة الرومانية، وبقي بروتوس وحيداً وبعد ثلاث أسابيع من انتحار كاسيوس التقي الجيشان ودارت معركة فاصلة وعنيفة انتهت
بهزيمة بروتوس وانتحاره أيضاً.
لقد كان لبروتوس دوره الكبير في أحداث التاريخ الروماني القديم، ولا يملك المؤرخ المتابع لسيرة عظماء الرومان إلا أن يحس بالحسرة لذهابه إذ أنه كان آخر الرومان الحقيقيين. فلقد كان بروتوس آخر سيناتور جمهوري في أيام الجمهورية الأخيرة فقد كان مخلصاً إخلاصاً أعمي لقضية حزبه السياسي، كما كان معتزاً بدمائه الإرستقراطية حتى أن امتنع عن مصاحبة شيشيرون نفسه، لأنه ينحدر من أصول برجوازية جديدة، وهي نفس النظرة التي نظرها إلي أكتافيوس، ومما جعله يفكر في المصالحة الوطنية التي كان يمكن تحقيقها مع أنطونيوس، هو أن هذا أنطونيوس كان ينحدر من سلالة عريقة كالسلالة التي انحدر منها بروتوس نفسه، ولكن كبريائه منعه من اتخاذ مثل هذه الخطوة بالرغم من أنه استنكر في أكثر من موقف أن يرفع الروماني السلاح في وجه روماني، وكان يتمني من أعماق نفسه إلى وقف رحي الاقتتال لو أن البادرة جاءت من الطرف الآخر وخاصة من المعتدلين
من حزب قيصر. لقد وضع بروتوس همه كله في الصمود ومقابلة العنف بالعنف، ولم يتواني في أن يضغط على الفقراء من سكان آسيا الصغرى من أجل الحصول على أكبر قدر من الأموال اللازمة لتجنيد الرجال والإنفاق علي الجيوش، كما كان يلجأ في أيامه المبكرة إلى قرض أمواله لبعضالولايات المفلسة بفائدة غاية في الجشع، فمثلاً بلغت الفائدة علي ديونه لأهل مدينة سلاميس في قبرص %48% ، وكان غرضه هو جمع الثراء من أجل أن يحيا في رغد من العيش والنعيم عملاً بتعاليم فلسفته الابيقورية.
هكذا بموت بروتوس اختفي من علي مسرح الأحداث آخر فئة جمهورية محافظة متعصبة لرومانيتها أكثر من تعصبها لمبادئها السياسية، لقد كان بروتوس آخر هؤلاء العظام ذوي النظريات السياسية والفكرية، كما كان منجماً للثقافة ورمزاً لشخصية الروماني المحافظ القديم الجامد الفكر والذي
يرفض بعنف تقبل الجديد
انهيار التحالف الثلاثي الثاني.
بداية التحرش السياسي بين أنطونيوس وأكتافيانوس.
نافيانوس.
لقد انتهت المدة القانونية للتحالف الثلاثي في نهاية عام 33 ق.م، ولم يبدأ أي من الشريكين السابقين، أنطونيوس وأكتافيوس أي رغبة في تجديد مدتها مرة أخرى، بل كتب أنطونيوس إلي القنصلين طالبا الموافقة على تقسيماته في الشرق، وعرض رغبته علي السناتوس في التنازل عن سلطانه كعضو في الحكومة الثلاثية من أجل استعادة النظام الجمهوري القديم، وتلقا قنصلاً عام 32 ق.م، اللذان كانا من أتباع أنطونيوس رسالته، ولكنهما رفضا الإفصاح عما بداخل الخطاب خوفاً من شدة العداء ضد أنطونيوس التي أثارتها دعاية أوكتافيوس القوية.
كان أوكتافيوس قد قضي المدة ما بين عامي 35 و 33 ق.م، منهمكا بحملات تأديبية ضد القبائل الأليرية شرق البحر الأدرياتيكي، وكان قصده بهذه الحملات تسخين قواته والاحتفاظ بنشاطها القتالي وضرب المثل الأعلي للجنود بشجاعته وأقدامه وأصالة قيادته. وكانت الأنباء قد جاءته عام33 ق.م، وهو في معسكره بأن أنطونيوس قد أغدق بالممالك والمدن علي ابن يوليوس قيصر وأبنائه من الملكة المصرية كليوباترا، فانفجر أوكتافيوس غضباً، وكان قبل ذلك قد أعلن سخطه على أنطونيوس لإساءته معاملة أخته أوكتافيا، وفي نفس الوقت أرسل أنطونيوس إليه ملحاً في طلب مزيد من قوات الجيش الروماني، وفي طلب مزيد من الاقطاعيات الزراعية لتوزيعها علي قدامي جنوده، أو الذين تقدمت بهم السن، ولم يعودوا قادرين علي القتال، ولم يعطه أكتافيوس رداً مقنعاً، لهذا الطلب، ومن ثم اندلعت الحرب الدعائية بين معسكري أوكتافيوس وأنطونيوس وأخذ كل منهما يشهر بالآخر ويحمله مسئولية ما يحدث وأصبح لكل من القائدين فريق وأتباع ومعسكر حتى داخل السناتوس ولقد كثرت الاتهامات والإدعاءات حتى ضاعت الحقيقة، ولذا فهي فترة مليئة بالمتناقضات والملابئات، مما تجعل مهمة المؤرخ لها غاية في الصعوبة ومن أقبح ما فعلته دعاية أوكتافيوس القوية أنها شوهت صورة أنطونيوس الحقيقية، ونجحت في دمغة كرجل مهرج مستهتر، لا يكاد يفيق من سكره أو يرغب في مغادرة فراش عشيقته وبالطبع ليس هذا إلا دعاية وتشهير. 54
ومن الواضح أن عرض أنطونيوس بالتنازل عن سلطاته كعضو في التحالف الثلاثي الثاني أثار شهية أعضاء مجلس السناتوس وتجرأ أحد القنصلين وهاجم أوكتافيوس، وكاد مجلس السناتوس أن يصدر قراراً يطالب فيه أوكتافيوس بتسليم سلطاته على الفور، لولا استخدام أحد ترابنه العامة وكان صديقاً لأوكتافيوس حق الاعتراض وأبطل هذا المشروع. ونتيجة ذلك أن اقتحم أوكتافيو سالسناتوس بقواته، وبث الذعر داخل أروقته، وخطب مهدداً بالويل والوعيد وعظائم الأمور إذا ما وافقوا علي طلب أنطونيوس بإنهاء سلطة الحكومة الثلاثية، لأنه سيصبح هو نفسه بدون سلطات وشهر في وجوههم بالسلاح كما شهر سلاح الدعاية السياسية من قبل وأفهمهم بأنه سوف يلجأ لسلطات أخرى إذا ما وقف الدستور عقبة في وجهه.
ولم يكتف أوكتافيوس بتحدي سلطات القنصلين اللذان فرا ومعهما ما يزيد عن ثلث أعضاء مجلس السناتوس إلى معسكر أنطونيوس في الشرق، بل ذهب إلى حد اقتحام معبد الربه فيستا، وأرهب راهباتها، وانتزع وصية أنطونيوس من خزائن المعبد، ونشرها علانية علي الناس ليفضح غريمة ولا نستبعد تزويره ودسة أموراً علي نصوص الوثيقة الأصلية، إمعاناً في التشهير بأنطونيوس وخاصة أن الوصية تضمنت رغبة أنطونيوس في أن يدفن بمدينة الأسكندرية، كما تضمنت طلبه برعاية أولاده من الملكة
المصرية كيلوباترا، وهو أمر من المستبعد أن يكون انطونيوس قد فعله. وفي الحقيقة أن أوكتافيوس قد نشر نصوص هذه الوصية سواء حقيقية كانت أم مدسوسة كرد فعل علي إرسال أنطونيوس وثيقة طلاق رسمية لأخته أوكتافيا، والذي فسره أوكتافيوس علي أنه إعلان للحرب عليه، وقد أجاد خبراء الدعاية التابعين لأوكتافيوس استخدام نصوص هذه الوثيقة في التشهير بأنطونيوس. وقد ترتب علي ذلك أن فتح أنطونيوس أبواب معسكرة علي مصراعيها لاستقبال السياسيين الفارين من بطش وانتقام أوكتافيوس وكان معظمهم من كبار رجالات الحزب القيصري، وكبار أعضاء السناتوس المحافظين، وغيرهم من أصدقاء أنطونيوس حتى كادت كفة الميزان أن ترجح في صفه، ولكن أوكتافيوس وخبراء الدعاية ركزوا علي الهجوم علي كليوباترا والحرص على ذكر اسمها كلما ذكر اسم أنطونيوس
حتى يجندوا كراهية الرومان لها وللبطالمةوبعد أن تأكد أوكتافيوس أن دعايته قد وصلت إلي كل بيت روماني بدأ في عام 32 ق.م، في تأمين جبهته الداخلية بتوحيد وتكتل كافة فئات الشعب الروماني من خلفه، كما منح المخلصين من رجاله وأتباعه سلطات وملأ بهم أجهزة الدولة، كما ألغي كافة الأحزاب والتكتلات السياسية الأخرى، ووزع مندوبيه في كافة أجهزة الدولة ثم أحيا تقليداً قديماً، وهو أن يقسم الناس له يمين الطاعة والولاء كقائد أوحد لكافة التكتلات والتنظيمات السياسية في إيطاليا كلها، ويرجع تاريخ قسم الولاء إلى عام 494 ق.م، عندما انفجر عامة الشعب الروماني بثورة كبرى لسوء أحوالهم الاقتصادية ولحرمانهم من الحقوق السياسية، وقاموا بالانسحاب كاملاً من الدولة إلى سفح تل مقدس قريب من روما اسمه التل المقدس وظلوا هناك حتى استجابت الدولة لهم
ووافقت علي منحهم حق مندوبين عنهم، وهم الترابنة . لقد كان قسم الولاء بالنسبة لأوكتافيوس هو بمثابة السلطة الشعبية المطلقة لأن التحالف الثلاثي كان قد تعطل، وتوقفت سلطاته، ولما تأكد أوكتافيوس أنه قد ضمن القاعدة الشعبية تحت سيطرته، تجرأ وجرد أنطونيوس من سلطة الإمبريوم، وحذف اسمه من قائمة المرشحين للقنصلية لعام 31 ق.م، في هذه الأثناء كان خبراء دعايته قد مهدوا الجماهير معنوياً لحرب جديدة
مقدسة يقودها زعيم مقدس تقي ورع ضد آلهة النيل المتوحشة البربرية. ومن الواضح أن أوكتافيانوس لم يذكر اسم أنطونيوس عند إعلان الحرب بل أعلن الحرب ضد كليوباترا حتى لا يتهم بأنه أشعل حرباً أهلية أراق فيها دماء الأخوة الرومان، ومن ثم أعلن أنها حرب مشروعة ضد الملكة المصرية حتى تبدو معركته وكأنها دفاعاً عن كرامة الشعب الروماني وحقوقه، وأنها ليست حرباً عدائية أو مستعدية بل حرباً عادلة دفاعية لنصرةآلهة التيبر، ورد اعتبارها وكرامتها، وبدأ الإعداد لأسطول كبير لكي يغزو الشرق ويضم آخر مملكة هيللينستية إلى حوزة روما.
وفي الشرق بدأ أنطونيوس وكليوباترا يعبأن الجيوش في مدينة إفيسوس علي ساحل آسيا الصغرى، أنطونيوس يدرب وينظم، وكليوباترا تدفع وربما فسر ذلك إصرار أنطونيوس علي بقائها وسط الجند بالرغم من إعتراض زعماء وقادة الرومان علي ظهورها بين الجنود قائلين لأنطونيوس أن مثل هذا الشيء قد يدعم من دعاية أوكتافيوس السياسية، ويجعلها أقرب إلى التصديق، كما نصحوه بأن ظهور الملكة المصرية في قيادة الجيش الروماني سيهبط من الروح المعنوية للجنود لأنهم سوف يشعرون أنهم يحاربون لتحقيق مطامع الإسكندرية، وليس العظمة روما، ولكن لكون كليوباترا هي الممولة لهذه الحرب الكبرى، فكيف لها أن تترك مشروعاً تستثمر فيه أموالها؟ ومن إفيسوس استطاع أنطونيوس أن يجند جيشاً قوامه تسعين ألفا من الرجال وأسطول يبلغ تعداد سفنه خمسمائة سفينة حربية وأبحر بهم عبر البحر الإيجي، ولم يغامر أنطونيوس بالهجوم مرة واحدة علي روما بل فضل أن يقضي فترة شتاء عام 31 / 30 ق.م، غرب بلاد اليونان في مواجهة الساحل الإيطالي.
وفي عام 31 ق.م عبر أوكتافيوس البحر الأدرياتيكي ومعه هيئة قيادته وقائد قواته الجنرال أجريبا وفي صحبتهم قوة عسكرية مماثلة لقوة أنطونيوس وواجهة الجيشيان كل منهما الآخر عند مدينة أكتيوم غرب بلاد اليونان وبدأت العبقرية العسكرية للقائد العسكري أجريبا صديق أوكتافيوس في الظهور، إذ بدأ يقطع الطريق علي سفن الإمداد التي كانت تحمل المؤن والعتاد لجيش أنطونيوس، كما احتل مراكز إستراتيجية هامة على الساحلوبذلك زعزعت هذه الضربة مركز أنطونيوس العسكري، وخاصة أن ما نصح به مستشاروا أنطونيوس قد حدث إذ بدأت الجنود تهجر معسكر أنطونيوس إلى معسكر أو اكتافيوس إعتراضاً علي ظهور كليوباترا، ومن المحتمل أن أنطونيوس لم يطق الحصار حوله فقرر كسره وقبول المغامرة الكبرى بمواجهة أوكتافيوس مرة واحدة، وذلك بالدخول في معركة بحرية لم تستمر طويلاً. وفي الوقت الذي كان أسطول أنطونيوس يقاتل ضد أسطول أجريبا، انسحبت سفن كليوباترا فجأة وبدون توقع لسبب غير معروف، ربما أن مستشاريها نصحوا بأنها تراهن على فرس خاسر، ولم يطق أنطونيوس أن يبقي وحده في البحر فلحق بالسفن المصرية المنسحبة، والتي استطاعت أن تتسلل عائدة مخترقة سفن أجربيا إلى ميناء الإسكندرية، وبذلك يكون أنطونيوس قد ترك جنوده لقدرهم وهو أكبر خطأ ارتكبه أنطونيوس فاستسلم جيشه وانضم لجيش أوكتافيوس وبذلك انهارت كل خطط أنطونيوس العسكرية.
ولما أدرك أوكتافيوس النصر، تأني ولم يتعجل، ولعله كان يفكر فيما يجب عمله بعد انتصاره الساحق، ولم يستأنف الحرب إلا في صيف عام 30 ق.م، حيث أبحر أسطوله إلي مصر بقصد احتلالها، ووضع نهاية لحكم أسرة البطالمة التي سببت أرقاً وقلقاً لروما خلال القرن الأخير قبل الميلاد. وحاول أنطونيوس الدفاع عن مملكة زوجته المصرية، ولكن هيهات، ومن ثم استقبل الموت بشجاعة الروماني، ويقال أنه فعل ذلك عندما أشيع أن كليوباترا قد أخذت حياتها بيديها، ويقال أن كليوباترا هي التي أشاعت أنها قد انتحرت لكي تتخلص من أنطونيوس، بعد أن انتهي دوره وحتى تتصل بأوكتافيوس طلباً للصلح، ودخلت قوات أوكتافيوس مصر في اليوم الأولمن الشهر الثامن عام 30 ق.م. أما كليوباترا فقد أمر أوكتافيوس، بالإبقاء عليها لكي يسير بها في موكب نصره في روما، وأي موكب نصر ذلك الذي تظهر فيه كليوباترا العظمية أسيرة ذليلة تتعرض للشماتة والتهكم عن يمينها ويسارها، وكان من المتوقع أن تنتحر كليوباترا، ولكن حبها للحياة، أو من أجل أولادها حاولت فتح باب التفاهم والتفاوض والمزايدة مع أوكتافيوس ولما صدها عن ذلك وأدركت أنه فولاذي الإرادة والعزيمة، لا ينثني عن عزمه استقبلت الموت باحتضائها حية الكوبرا رمز التاج الفرعوني، حتى تموت كما عاشت ملكة مصر.
ويبدو أن اوكتافيوس حزن لموتها، وأعلن أنه برئ من دمها ولم يتردد أوكتافيوس عن ذبح قيصرون ابن يوليوس قيصر ، لأنه أدرك أن في وجوده تحد لسلطته، وأنه قد يثير القلاقل يوماً ما، أما أبناء كليوباترا من أنطونيوس وهما الإسكندر هليوس (الشمس) وشقيقته كليوباترا القمر فقد سيقا أما عربة أوكتافيوس أثناء موكب نصره الذي أقيم في 13 14 15 من شهر أغسطس عام 29 ق. م، والذي فيه حملت صورة لأمهما كليوباترا، رمزاً لوجودها أسيرة في هذا الموكب، وبعد ذلك لا نسمع عن الإسكندر هليوس شيئاً، أما كليوباترا القمر ، فقد تزوجت من ملك موريتانيا، وأصبحت ملكة على تلك الإمارة الصغيرة.
هكذا وجد أوكتافيوس تاج البطالمة محطماً، ومصر ملقاة تحت قدميه وخزائنها مفتوحة له ، فنهب منها ما استطاع أن ينهب، وغطي من ذهبها تكاليف حملاته العسكرية السابقة ثم وزع علي جنوده الهبات والمكافآت وأدرك أن مملكة بمثل هذا الرخاء والثراء يجب ألا تكون لأحد سواه، ووضعها تحت إدارته الشخصية. كما أنه لم يتردد في أن يعيد النظر في التعديلات التي كان أنطونيوس قد قام بها في الولايات الشرقية، وبعد ذلك عاد إلى روما عودة الابن الظافر إلى صدر الأم الفخور، وهبت الدولة بأكملها للترحيب به وأقيم له مهرجان نصر كبير استمر ثلاثة أيام متتالية استعرض فيها انتصاراته علي الشعوب غير الرومانية في أوروبا وآسيا
وإفريقيا. وبذلك وجد أوكتافيوس نفسه وهو لم يبلغ الثالثة والثلاثون من عمره يعد وحيداً لا ينافس، وتحت أقدامه إيطاليا كلها، ومعها ممتلكاتها مماثلة لإرادته، فلا أحد يستطيع أن ينكر عليه حقوق في وراثة يولويوس قيصر أبيه كما أنه أنهي بانتصاره الحاسم فصلاً مظلماً من الحروب الأهلية التي بدأت منذ أيام تيبريوس جراكوس. كما أن الناس تنفسوا الصعداء فقد قصمت ويلات الحرب وضرائبها ظهورهم، ولم يكن الرومان وحدهم هم الذين تحملوا عبء الحرب، بل عاني معهم فيها أهل بلاد اليونان ومقدونيا وآسيا
الصغرى لدرجة مجحفة، وكانت روما وولاياتها على مقربة من الإفلاس. كما أحس أوكتافيوس بحاجة الناس الماسة إلى السلام، ونبذ القتال والاقتتال، وأن الناس على استعداد لأن يعبدوه كرسول للسلام إذا ما حقق لهم وللعالم هذا الحلم. وهلل الأدباء والشعراء لرسول السلام المنتظر وتغنوا بعهده الذهبي، ورخاء الحال علي يديه عندئذ، ومن هذه اللحظة، أدرك أوكتافيوس أن عليه رسالة كبرى، وهي أن يصنع روما من جديد,وهكذا انتهي العصر الجمهوري في روما، وبدأ عصر جديد وهو عصر الإمبراطورية الرومانية منذ عام 27 ق.م
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
عام. يمكن القول إن نظام المعلومات يعزز شفافية السوق من خلال توفير المعلومات اللازمة ويعزز تداولية ال...
In this presentation, I will focus on main points: First, I will provide a definition of the concep...
في خسائر فادحة للذرة، والمحاصيل السكرية، والأعلاف النجيلية، والكينوا. لمواجهة هذه التحديات بفعالية،...
أدى الإنترنت والتطور الرقمي إلى إحداث تحول جذري في أساليب التواصل وتبادل المعلومات بين الأفراد. فنحن...
تم في هذا المشروع تطبيق مكونات الواجهة الأمامية (Front-end) والواجهة الخلفية (Back-end) الشائعة لضما...
تُعد عدالة الأحداث من أهم القضايا التي تشغل الأنظمة القانونية والاجتماعية في مختلف دول العالم، نظرًا...
كان تحالف ديلوس في البداية قوة دفاعية ناجحة، لكنه تحول مع الوقت إلى أداة للسيطرة الأثينية، مما أدى إ...
--- ### **التعريف:** عوائق التعلم التنظيمي هي **عوائق إدراكية، أو ثقافية، أو هيكلية، أو شخصية** تم...
أولا شعر الحزب الزبيري بدا يتنصيب عبد الله بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز، واستمر تسع سنوات، وانته...
ث- الصراع: يعتبر من المفاهيم الأقرب لمفهوم الأزمة، حيث أن العديد من الأزمات تنبع من صراع بين طرفين...
تعرض مواطن يدعى عادل مقلي لاعتداء عنيف من قبل عناصر مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي أمام زوجته، في محافظة...
زيادة الحوافز والدعم المالي للأسر الحاضنة لتشجيع المشاركة. تحسين تدريب ومراقبة العاملين الاجتماعيين...