لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

الجزء الأول الأنظمة الديمقراطية مع الإشارة إلى بعض جوانب الأنظمة الديكتاتورية عموميات وحتى الدول . أن تصف نفسها بالديمقراطية. فالشيوعيون ينظرون إلى الديمقراطية بأنها المساواة الجماعية لا حرية الفرد ، وأن الديمقراطية تتحقق متى تم تشغيل كل أفراد الشعب وتوفير التعليم للجميع وإزالة الطبقات الاقتصادية. وفي المقابل ترى أن ما يقال عليه ديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ما هو إلا صراع على السلطة بين نخبة صغيرة. أما الدول الرأسمالية فترى أن الأنظمة الشيوعية التي تخضع لسيطرة حزب واحد ولا تعترف بالحقوق المدنية للأفراد بعيدة كل البعد عن الديمقراطية (1). كما أن بعض الدول الديكتاتورية غالباً ما تتدعي أنها ديمقراطية وأن الإجراءات التي قد تبدو معارضة لمبادئ الديمقراطية ما هي إلا إجراءات تهدف إلى تحقيق الأمن، ما هو إلا تطبيقاً لمبدأ حكم الشعب الذي أصر في الانتخابات على بقاء الحاكم في سدة الحكم، وإذا شاءت الظروف تدخل السلطة ، فإن ذلك نتيجة لضعف الرأي العام وأن الشعب في حاجة إلى وقت كاف لفهم الديمقراطية وممارستها. لذلك ليس أمامنا إلا العودة إلى أصل كلمة ديمقراطية للوقوف على معناها . يعود أصلها إلى كلمة ديموس كراتوس والشق الأول من الكلمة "ديموس" تعني الشعب ، وفي الحقيقة أن الديمقراطية لها معنيان: أحدهما شكلي والآخر جوهري، وبذلك يكون للديمقراطية منطقياً مثل هذين المعنين تماماً. الديمقراطية بمعناها الشكلي أو الاجرائي هي ديمقراطية إدارية تشدد على قواعد وأساليب إدارة الديمقراطية. وبالتالي تقتضي دراستها بحث كل ما يتعلق بشكل النظام الديمقراطي، ومن هذا المنطلق تعد الديمقراطية حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب . حتى لو كانت هذه المجموعة تمثل الأغلبية. فيجب أن تراعي القرارات أيضاً حقوق الأقلية التي لم تشاطر الأغلبية رأيها، لأنهم جزء من الشعب. وظاهر أن هذا المفهوم للديمقراطية يعتبر إرادة الشعب قيمة مركزية، لأن الشعب أي مجموع المواطنين في الدولة هو مصدر صلاحيات المؤسسات الحاكمة. ومع ولادتهم أعطي لكل فرد منهم حقوق طبيعية كالحق في الحياة والحرية والتملك. فهو لا يقنع بأن يكون الاعتياد المديد أو التقليد المستمر سبباً لتبرير شكل معين من أشكال الحكم السياسية وداعياً لبقائه . الذي يسيطر فيه قلة على مقدرات البلاد فترة طويلة. ويتفرع عن كون الانسان مخلوق عقلاني، وبالتالي يتعين على السلطة الحاكمة أن تحفظ للإنسان حقوقه وحرياته المرتبطة بعقلانيته واستقلاله. فلا تفرض من القواعد والتصرفات ما من شأنه أن يحط من كرامته أو يستخف بمقدرته على اتخاذ قرارات تخصه بقواه الذاتية. وعلى ذلك لم يقتصر الأمر في الديمقراطية الجوهرية على توافر المبادئ الشكلية للديمقراطية، وإنما يمتد الأمر إلى مقتضيات أخرى يتعين توافرها وهي حقوق الإنسان والمواطن، ومن أهمها التسامح والاعتراف للأقلية بحقوقها وثقافتها والتعامل معها وفقاً لمبدأ المساواة . الدولة الديمقراطية وتوجهاتها : على ضوء ما تقدم يمكن أن نقرر أن الدولة الديمقراطية هي الدولة التي يكون فيها الحكم للشعب وبواسطة الشعب ومن أجل الشعب. ودولة هذه طريقة إدارتها سنجد أن : الحكم فيها يدار وفق إرادة الأكثرية : للمواطنين سلطة المشاركة في العمليات السياسية والتأثير على نظام الحكم وإمكانية التعبير عن أفكارهم وطموحاتهم : كل من المواطن والسلطة متساويين أمام القانون وخاضعين له. على أن الغالب في العمل أن الدول الديمقراطية تختلف عن بعضها البعض في تطبيق المبادئ الديمقراطية . لهذا يمكن وضعها في تسلسل : في الطرف الأول نجد الدولة التي تكون فيها الديمقراطية شكلاً من أشكال الحكم ، وفي الطرف المعاكس نجد نموذج الدولة التي تكون فيها الديمقراطية جوهرية . في الدول التي تعني فيها الديمقراطية شكلاً من أشكال الحكم لا تعمل الديمقراطية إلا بالمفهوم الإداري الشكلي، أي لا تطبق في الدولة إلا المبادئ الضرورية لوجود النظام الديمقراطي ، مثل حكم الشعب وفصل السلطات وإجراء انتخابات ديمقراطية على فترات ثابتة والتنافس بين حزبين على الأقل واتخاذ القرارات بموجب مبدأ حسم الأغلبية وغلبة مبدأ سلطة القانون وتطبيق مبدأ الحريات. أما في الدولة التي تكون فيها الديمقراطية أسلوب حياة، فإنها تطبق المفهوم الجوهري وليس الشكلي للديمقراطية، لذلك نراها بجانب المبادئ السابقة تعترف بقيم التسامح والتعددية وحقوق الإنسان والمواطن، وتعمل على تطبيقها وحمايتها. حيث تطبق كل واحدة منها أو تشدد على القيم التي تهمها بحسب الطريقة التي تفهم بها الديمقراطية. ومن بينها النموذجين التاليين: التوجه الليبرالي والتوجه الديمقراطي الاجتماعي. والاختلاف بين التوجهين يظهر من خلال تشديد كل واحد منهما على إحدى القيمتين الأساسيتين في الديمقراطية وهما: الحرية والمساواة. ففقه التوجه الليبرالي يهتم بالحرية، لذلك فهو ينادي بالفردية، فإذا لم تتدخل السلطة بما يدور في الدولة في هذه المجالات فسينشأ في المجتمع تنافس حر بين أفراده يؤدي إلى أقصى حد من استغلال الطاقة الكامنة لدي الفرد. وفي الوقت الذي يطلق فيه الفرد العنان لطاقته لتحقيق ذاته يتمتع بحقوقه وحرياته كاملة. فإنه يولي المساواة السياسية أهميتها، ونقصد بالمساواة السياسية حق التصويت للجميع وصوت واحد مساو لكل فرد . فهذا التوجه يؤدي . موارد إضافية تكفي لتوفير تسوية مرضية للطرفين بحيث يكسب منها كل طرف شيئاً معينا (1) . وبحق - عمود أي نظام ديمقراطي وثابت من ثوابته . وأخيراً ، تضمن الليبرالية تحقيق الامركزية عدد كبير من القرارات الاقتصادية وتحويلها إلى أفراد ومؤسسات تتمتع باستقلالية نسبية ، يتجنب الحاجة إلى حكومة مركزية قوية أو حتى استبدادية (2). وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي مهبط الديمقراطية الليبرالية . ففي ظل هذا الدستور اهتم المشرع بوضع الحكومة الفيدرالية الوليدة والتي عهد إليها بكثير من الاختصاصات على حساب حكومات الولايات. إلا أن اعتراضات المعادين للفيدرالية دفعت الموقعين على الدستور بإضافة عدد منالتعديلات بعد إقرار الدستور مباشرة للحد من سلطات الحكومة الفيدرالية وحماية استقلال الولايات الذاتي (1) . من هنا كانت التعديلات العشرة الأولى على الدستور والتي كانت تسمى بوثيقة الحقوق ، وهو التعديل الذي يلزم الولايات بمنح جميع مواطنيها الإجراءات القانونية الواجبة والحماية المتساوية أمام القانون، من الديمقراطية الشكلية إلى الديمقراطية الجوهرية بإقرارها مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات للمواطنين . ورغم هذه التعديلات إلا أن الواقع السياسي كان يعطي الأهمية للديمقراطية الشكلية والتي كانت تقضي من ضمن بنودها أن الحكم للأغلبية . وبعد هذا الحكم توالت الأحكام الأخرى التي نقلت ساحة المعركة من المدارس إلى أماكن العمل ومراكز الاقتراع ووسائل المواصلات واختيار المحلقين ، كل ذلك اعتماداً على التعديل الرابع عشر من الدستور والذي أقر في عام 1868. ومنذ ذلك التاريخ يمكن القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى الديمقراطية الليبرالية رغم حدوث وقائع تبرز ظاهرة عدم التسامح بين البيض والسود من حين لآخر . وخشي أنصار التوجه الليبرالي بأن يعترض عليهم بأن فرض الحيادية على الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية سينشأ عنه وجود فجوات اجتماعية واقتصادية في المجتمع نتيجة لاختلاف قدرات الأفراد في كسب معيشتهم ، وتحسين وضع الفرد يعتبر من مسئولية الفرد نفسه ، وليس ذلك عن طريق تدخل الدولة. واذا أرادت الدولة أن تتدخل اقتصادياً واجتماعياً فيجب أن يكون في أضيق الحدود ومن أجل توفير الحاجات المعيشية الأساسية جداً لغير القادرين على تحصيلها بأنفسهم ، ومن أمثلة ذلك ما قررته حكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 23 ابريل 2020 من إقرار حزمة اقتصادية تقدر بإثنين تريليون دولار كمساعدات اقتصادية بسبب فيروس وتعد الولايات المتحدة الأمريكية هي مهبط الفكر الليبرالي (1) . وهذا الفكر الليبرالي نشأ عند فلاسفة القرن الثامن عشر، حيث اعتقدوا أن الدولة تستند في وجودها إلى عقد اجتماعي بمقتضاه رضى كل فرد بالانخراط في سلك الجماعة في مقابل التنازل عن جزء يسير من حريته الذاتية مع احتفاظه من حريته الفطرية بكل ما يتفق والحياة في المجتمع، وهذا القدر المحتفظ به من الحرية يتحلل إلى حقوق مطلقة لا سبيل للدولة إلى المساس بها إذ أنها سابقة على إنشائها. التوجه الديمقراطي الاجتماعي : مهدت النتائج السلبية للفكر الليبرالي وما صاحب الثورة الصناعية من انعكاسات غير مقبولة إلى ظهور التوجه الديمقراطي الاجتماعي في منتصف القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين. لذلك فإن للمساواة بين الأفراد في المجالين الاجتماعي والاقتصادي أهمية قصوى. لهذا فإن من يؤيد هذا التوجه يطمح إلى تطبيق مبادئ الديمقراطية ليس فقط على المستوى السياسي وإنما أيضاً على مستوى المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة. أعلن انصار هذا التوجه أن الدونية الاقتصادية والاجتماعية تجعل المواطنين يشعرون باللامبالاة السياسية وعدم الإيمان بقدرتهم على التأثير على الحياة السياسية . وكنتيجة لذلك يجب على الدولة أن تتدخل ليس فقط لمساعدة الفقراء على الحصول على أسباب العيش الأساسية ، حتى تقلص من الفجوات الاقتصادية بين المواطنين على نحو يهيئ من تحقيق تكافؤ الفرص بينهم. ومن قبيل هذا التدخل أن تخصص الدولة جزء من ميزانيتها للتعليم المجاني الجميع الأطفال وأن تعمل على تطوير العشوائيات وتوفير منظومة صحة على مستوى عالي. ورغم أن هذا التدخل من قبل الدولة قد يمس بحرية وأملاك أفراد آخرين في الدولة ذلك أن الميزانيات المخصصة للضعفاء اقتصادياً تجندها الدولة من الضرائب التي تجبيها من أجور الطبقات التي لا تعتبر في ضائقة، ستخلق في نفوسهم الإثرة المحدودة والأنانية الضيقة ، وللتخفيف من هذه الآثار، في كتابه الديمقراطية في أمريكا الذي نشره عام 1835، بضرورة العمل على إنماء جميع المؤسسات التي تغذي الحرية وتفيدها، وكل ما يتيح للإنسان - إذا ما انضم إلى أخيه الإنسان . اللامركزية التي تبعث الحياة والنشاط في الهيئات الإقليمية والجماعات المحلية التي تحمي الفرد من تجاوز الدولة . تأمين استقلال القضاء ، وبجانب النموذجين السابقين، يمكن أن نشير إلى نموذجين للديمقراطية من الناحية فإن الأغلبية والتوافقية يتعلقان بالإجابة على السؤالين التاليين: من الذي يحكم وفي حالة وجود اختلافات بين فئات الشعب فلمصلحة من تستجيب الحكومة ؟ وفقاً لمبدأ الديمقراطية ، أي أن الشعب بأكمله يحكم نفسه وهذه هي الديمقراطية المباشرة. فلا محيص من اللجوء إلى آلية الأغلبية ، فوجود أغلبية تحكم وتكون مسئولة أمام أغلبية أفضل وأقرب إلى الديمقراطية من حكم أقلية تكون مسئولة أمام أقلية. وفي مقابل ذلك توجد دول تتبنى فكرة أن يحكم أكبر عدد ممكن من الأفراد ، قديمقراطية الأغلبية تفترض . أننا بصدد مجتمع متجانس اجتماعياً وسياسياً ودينياً. أما الانقسامات الاجتماعية والاختلافات السياسية والدينية فهي في حاجة إلى ديمقراطية توافقية لتفادي تبعة عدم الاستقرار. هكذا تميل التوافقية إلى المشاركة في السلطة وتوزيعها والحد منها، فإن نموذج الأغلبية يميل إلى تركيز السلطة في يد حكومة الأغلبية المشكلة من حزب واحد، بينما تشكل الحكومات الائتلافية في النموذج التوافقي من أكثر من حزب في البرلمان . فإن نموذج الأغلبية هكذا تؤثر كل جماعة من القطاعات المتعددة في المجتمع في القرار السياسي بنسبة قوتها العددية. ويتفرع من هذه النتيجة أن التوافقية تسمح بتوزيع التعيينات في الإدارات العامة والموارد المالية على مختلف القطاعات المتعددة في المجتمع. أما في ديمقراطية الأغلبية فإن الرابح يأخذ كل شيء وفقاً لاستراتيجية كل شيء أو لا شيء . ونحن وإن كنا نسلم بأن الديمقراطية التوافقية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في مجمتع متعدد القوميات والقطاعات، فالحكومة الائتلافية التي تمتاز بها الديمقراطية التوافقية ستؤدي في كثير من الاحيان إلى بطء في صنع القرارات. ذلك أنه من الاسهل أن يتم اصدار القرار من حكومة ينتمي اعضائها الى فكر واحد حكومة الأغلبية بدلاً من اختلاف الانتماءات الفكرية الأعضاء الحكومة، حيث يميل إلى كل عضو إلى الدفاع عن وجهة نظره طبقاً لفكره السياسي، وهو ما سيؤدي إلى تأخر في إصدار القرار إلى حين التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف المختلفة من ناحية أخرى يؤدي الفيتو المتبادل إلى تجميد صنع القرارات حيث أن كل قطاع سيستخدم الفيتو متى كان القرار المزمع إصداره لا يحقق مصالح القطاع الذي يمثله، تعريف الأنظمة غير الديمقراطية : وإذا نحينا جانباً تعريف الدولة الديمقراطية، جوانبه وهذا التعريف يدفعنا إلى إبداء بعض الملاحظات التي من شأنها أن تكمل بعض أولاً) في الأنظمة غير الديمقراطية لا يلعب الشعب دوراً هاماً في اختيار أو إقالة القادة من مناصبهم. وليس لدينا شك في أن بعض الأنظمة غير الديمقراطية قد تستخدم بعض الوسائل الديمقراطية لإضفاء الطابع الديمقراطي على الحكم. فعلى سبيل المثال قد يلجأ النظام إلى الانتخابات لاختيار القادة السياسيين ولكن عبر انتخابات مزورة يتم من خلالها تزييف إرادة الأمة، أما المساواة فإن بعض الأنظمة غير الديمقراطية تحقق بعض التقدم في هذا المجال. ولكن بعض الأنظمة غير الديمقراطية الأخرى لا تسعى لا إلى الحرية ولا إلى المساواة. ثالثاً) تتعدد المصطلحات التي تشير إلى النظام غير الديمقراطي، فتارة ما يستخدم مصطلح حكومة الفرد المطلقة، وثالثة الدكتاتورية، ورابعة الحكم الاستبدادي، وخامسة الحكم الشمولي. فهل تؤدي هذه المصطلحات إلى نفس المعنى بحيث يصح استخدامها بطريقة متبادلة ومن دون تمييز ؟ في الحقيقة تعني حكومة الفرد المطلقة أن السلطة تتركز في يد فرد، فإذا كان أساس سلطة هذا الفرد أنها مستمدة من الله ، وأهم ما يميز الملكية المطلقة أو الاستبدادية أن الحاكم يأتي إلى سدة الحكم عن طريق الوراثة كالملكية الفرنسية ما قبل الثورة ، حيث يقبع على رأس السلطة ملك وراثي يمارس كل السلطات، وإرادته مصدر لجميع القوانين. فهو قد يكون ملكاً أو أميراً أو سلطاناً أو شيخاً أو إمبراطوراً. ولا يفهم من تركيز السلطة في يد فرد أنه لا توجد هيئات أخرى إلى جانبه. بل يكاد تتفق جميع الحكومات الفردية المطلقة على وجود هيئات تعاون الحاكم في أداء مهمته، طالما أن هذه الهيئات يتولى الحاكم تعيينها ومن ثم تستمد ولايتها من إرادته. هكذا فإن النقص في تمركز السلطات وتنوع السلطات الإدارية في الأقاليم ووجود هيئات ومنظمات تتوسط بين الملك ورعاياه ، تعد كلها من ضمن العوامل التي تقيد الملكية المطلقة . وتبرز الصورة الأولى إذا خضع الحاكم في أداء مهامه لسلطان القانون. حيث توزع السلطة بين أكثر من هيئة، ويتولى الملك الحكم وفقاً لقواعد الدستور. الحكومة الديكتاتورية تعني تركيز السلطة في يد شخص واحد أو هيئة واحدة، لا يتولى الحاكم الحكم بالوراثة، بل يصل إليه بكفايته الشخصية وقوته أو قوة أنصاره. ولا شك أن الحكومة الديكتاتورية تعني انفراد شخص واحد بالسلطة، ومع ذلك فالديكتاتور ولسنا بحاجة إلى القول بأن الديكتاتورية ليست لها صورة واحدة ، فبعضها قد يعتمد على أيديولوجية معينة كالفاشية الألمانية والشيوعية السوفيتية اللتان ترفضان الديمقراطية الليبرالية باعتبارها شكلاً متدنياً من التنظيم الاجتماعي، مثل نظام كيم يونغ أون في كوريا الشمالية. فجميع القرارات تصدر عن الحاكم غير مقيدة بمؤسسات سياسية، فالزعيم هو النظام. أما الديكتاتورية المؤقتة فهي ترتبط بمرور الدولة بأوقات أزمة استثنائية تتيح للحاكم أن يجمع في يده جميع السلطات. وفيها تتركز السلطة ، فإذا كانت الفئة التي تحوز على السلطة من الحكماء أو خيرة الأفراد كنا أمام حكومة أرستقراطية، الديمقراطي). الحكم الشمولي : هو نظام غير ديمقراطي يقوم في دولة شديدة المركزية وله أيديولوجية تسعى إلى تحويل ودمج مؤسسات الدولة والمجتمع والاقتصاد. ويغدو العنف أداة ضرورية لتدمير المؤسسات القائمة وإعادة تشكيلها حسب الصورة التي يريدها ويقررها الحاكم. ولا يقتصر الإرهاب أو العنف الذي يستخدمه الحكم الشمولي على التخلص من أعداءالحاكم من المعارضين، ومن أمثلة الدول الشمولية التي استطاعت أن تضع أيديولوجيتها موضع التنفيذ الاتحاد السوفيتي في ظل حكم ستالين، حيث أعيدت هيكلة معظم المؤسسات الداخلية وسيطرت الدولة عبر الحزب الشيوعي على معظم مناحي الحياة الخاصة، وتم سجن وإعدام الملايين في سبيل تلك الغايات. أما الآن فتعد كوريا الشمالية مثالاً للحكم الشمولي. تعد أنظمة الحكم الهجينة كمنطقة انتقالية بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة غير الديمقراطية. فهي غير ليبرالية من زاوية أنها لا تمأسس الحرية بشكل كامل. وهذه الأنظمة تستبيح لنفسها استعمال الأدوات الديمقراطية ولكن بتكييفات مختلفة. وهذا المبدأ يتم استخدامه في الأنظمة الهجينة ولكن سلطان القانون هنا ضعيف وليس له قوته في النظم الديمقراطية. ونتيجة لذلك جميع المؤسسات الديمقراطية التي تعتمد على حكم القانون تكون مأسسة بشكل ضعيف ولا يتم احترامها. لكن هذه المؤسسات والعمليات تكون مقيدة أو لا يمكن التنبؤ بها في طرق تتسق مع الديمقراطية. حتى أنالرؤساء في الأنظمة غير الليبرالية قد يعتمدون على الاستفتاءات لتجاوز الدولة وتأكيد السلطة التنفيذية". أما الهيئات التشريعية فتكون بدورها أقل قدرة على مراقبة السلطة التنفيذية، كذلك المؤسسات القضائية، ولا ينجى أنصار الأنظمة غير الليبرالية من اللوم أنهم يستخدموا نفس الوسائل الديمقراطية لسبغ الشرعية على نظام الحكم، كما أن الحكومة تحتكر المطبوعات ووسائل الإعلام الإلكترونية لحرمان المعارضة من منبر عام، فيما يتم استخدام المؤسسة القضائية لمضايقة هذه المعارضة. ويكفينا أن تؤكد على أن الحكومة غير الليبرالية قد تستخدم ما تحت يديها من قوات مسلحة وصناعات تديرها الدولة لإجبار الأفراد على التصويت أو التحرك حسب التوجيهات. وهكذا تصبح مؤسسة الانتخابات لعبة في يد النظام يحركها تارة بتغيير القوانين الانتخابية، وتارة بحرمان الأفراد من الترشح، وتارة أخرى بالترغيب عن طريق شراء الأصوات أو الترهيب. عوامل انتشار الديمقراطية: هناك عدة عوامل تساعد على انتشار الديمقراطية ، 1) : توزيع الثروات ( الطبقة الوسطى) : من العوامل التي تساعد على انتشار الديمقراطية حجم الطبقة الوسطى في الدولة. وهي في سبيل ذلك تمتلك من الموارد الاقتصادية والمعرفة ما يحقق لها مرادها. ولا يلفت انتباها من سياسات الحكومة إلا تلك التي تمس الوضع الاقتصادي. ولسنا نرى في طبقة الأغنياء أي مؤشر يدل على اهتمام أفرادها بمسألة الحرية بل على العكس، فمصالحها الاقتصادية تدفعها إلى دعم السلطة القائمة طمعاً في الحصول على تسهيلات اقتصادية أو تحرراً من رقابة قد تفرضها أنظمة ديمقراطية. لذلك تميل الدول غير الديمقراطية إلى القضاء على الطبقة الوسطى، ومن أمثلته الوضع في الهند، إلا أن الهند تعد من الدول الديمقراطية. وعلة ذلك أن المتنافسين على السلطة يسعون إلى السيطرة لإثراء أنفسهم وحسب، قد يتم إجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم فقط، والحرية (1). وهو ما لا يرغب فيه الديكتاتور . إلا أن هذا الوضع سيقوض الديكتاتورية مع مرور الزمن ، لأنه سينشئ مراكز قوة داخل الدولة يمكن لها أن تهدد عرش الديكتاتور سواء أكانوا من المدنيين المقربين له أو من رجال الشرطة أو رجال الجيش . أما بقية أفراد الشعب فليس لها عند حاكمها إلا الخبز والسيرك ؛ أما السيرك فلكي تلهو (1) . مما سيدفعه إلى بذل المزيد من الموارد في سبيل الابقاء على هذه الفئات وكسب ولاء هم مرة أخرى ، وهو ما يعني إهدار الكثير من موارد الدولة . ويعني ذلك أن أولئكالذين يسيطرون على السلطة لا يحتاجون إلى إزعاج انفسهم بالضرائب. فيمكنهم فعلياً تجاهل مطالبهم السياسية. والأمر الأسوأ هو أن الموارد الطبيعية تميل إلى إعاقة تطور اقتصاد حديث ونمو الطبقة الوسطى بما أن هذين الأمرين لا يشكلان مصدر قلق لمن يتربع على السلطة. والنتيجة هي أن الثروة تركز إلى درجة عالية في أيدي أولئك الذين يملكون السلطة. وهذا ما يسمى بنظرية "فخ الموارد". 2) : قوة المجتمع المدني : المجتمع المدني هو الجماعات والتنظيمات والنقابات التي تعمل أي يضم المؤسسات التي ساهم الناس في إنشائها، وتعمل بصورة تطوعية. كما أنه يقويهم للدفاع عن مصالحهم. كما يمكن تقييد الانضمام إلى عضويته أو ضرورة الحصول على تصريح من الحكومة لقيامه، أن تحل الجمعية أو المؤسسة، متى رأت من سياساتها أنها أصبحت مزعجة للنظام. 3) : العلاقات الدولية : لا شك أن المبادئ الديمقراطية يمكن لها أن تنتقل عبر شبكة العلاقات الدولية. فالديمقراطية يمكن أن تفرضها دولة ما على دولة أخرى كشرط لتقديم المساعدات لها. لذلك وجدنا انتشار الديمقراطية في كل من اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث فرض الحلفاء المحتلون الديمقراطية وبالمقابل فإن سيطرة الاتحاد السوفيتي على أوربا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية أدى إلى إنهاء الحركات الديمقراطية والقضاء عليها. بید آن دور المجتمع الدولي في نشر الديمقراطية يختلف باختلاف وضع الدولة. فإذا كانت الدولة منغلقة ومعزولة عن العالم مثل كوريا الشمالية، فإنه من الصعوبة الحديث عن نشر الديمقراطية بها. رغم ذلك وجدنا بعض مظاهر الحرب التجارية بين أمريكا والصين في بداية عام 2018، حيث فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوم جمركية على السلع الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة (1). فإن قدرة هذه الدولة على التحول نحو الديمقراطية يتوقف على نوعية أنظمة الدول التي تساعدها.


النص الأصلي

لخصرتب لهذه الموضوع بطريقه منظمه
الجزء الأول الأنظمة الديمقراطية


مع الإشارة إلى بعض جوانب الأنظمة الديكتاتورية
عموميات


تعريف الديمقراطية من الكلمات التي لها دلالة إيجابية عند الأفراد كلمة "الديمقراطية"، فالأمور الـ ديمقراطية جيدة ، والأمور الـ "غير ديمقراطية سيئة . ونتيجة لذلك يحاول الكثير من الأفراد والمؤسسات، وحتى الدول . أن تصف نفسها بالديمقراطية.


فالشيوعيون ينظرون إلى الديمقراطية بأنها المساواة الجماعية لا حرية الفرد ، وأن الديمقراطية تتحقق متى تم تشغيل كل أفراد الشعب وتوفير التعليم للجميع وإزالة الطبقات الاقتصادية. وفي المقابل ترى أن ما يقال عليه ديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ما هو إلا صراع على السلطة بين نخبة صغيرة.


أما الدول الرأسمالية فترى أن الأنظمة الشيوعية التي تخضع لسيطرة حزب واحد ولا تعترف بالحقوق المدنية للأفراد بعيدة كل البعد عن الديمقراطية (1).


كما أن بعض الدول الديكتاتورية غالباً ما تتدعي أنها ديمقراطية وأن الإجراءات التي قد تبدو معارضة لمبادئ الديمقراطية ما هي إلا إجراءات تهدف إلى تحقيق الأمن، كما أن بقاء الحاكم فترة طويلة في الحكم مما يبدو متعارضاً مع مبدأ تداول السلطة ، ما هو إلا تطبيقاً لمبدأ حكم الشعب الذي أصر في الانتخابات على بقاء الحاكم في سدة الحكم، وإذا شاءت الظروف تدخل السلطة ، فإن ذلك نتيجة لضعف الرأي العام وأن الشعب في حاجة إلى وقت كاف لفهم الديمقراطية وممارستها.


هكذا يفسر كل طرف معنى الديمقراطية وفقاً لمعايير خاصة به . لذلك ليس أمامنا إلا العودة إلى أصل كلمة ديمقراطية للوقوف على معناها .


فالديمقراطية لفظ يوناني المنبت ، يعود أصلها إلى كلمة ديموس كراتوس والشق الأول من الكلمة "ديموس" تعني الشعب ، أما الشق الثاني كراتوس" فتعني حكم أو سلطة. فالديمقراطية تعني حكم الشعب أو سلطة الشعب (2).وفي الحقيقة أن الديمقراطية لها معنيان: أحدهما شكلي والآخر جوهري، وبذلك يكون للديمقراطية منطقياً مثل هذين المعنين تماماً. وكل منهما يقتضي خطة للبحث جد مختلفة في أسلوبها بل وفي مضمونها عن الخطة الأخرى كما يلي :


الديمقراطية بمعناها الشكلي أو الاجرائي هي ديمقراطية إدارية تشدد على قواعد وأساليب إدارة الديمقراطية. وبالتالي تقتضي دراستها بحث كل ما يتعلق بشكل النظام الديمقراطي، ومن أهمها تحديد من بيده السلطة. ومن هذا المنطلق تعد الديمقراطية حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب .


فالشعب هو الذي يدير شؤون حياته إما بنفسه باعتباره صاحب السلطة والسيادة وإما من خلال ممثليه الذين اختارهم بواسطة انتخابات حرة تنافسية، على اعتبار أن هؤلاء الممثلين يستمدون صلاحيتهم من الشعب.


ويتعين أن يكون هذا الحكم من أجل الشعب، فلا تصدر القرارات إلا لمصلحة الشعب ككل وليس لمصلحة مجموعة بعينها، حتى لو كانت هذه المجموعة تمثل الأغلبية. فيجب أن تراعي القرارات أيضاً حقوق الأقلية التي لم تشاطر الأغلبية رأيها، لأنهم جزء من الشعب.


ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم لا تهتم فقط بمن هو صاحب السيادة والسلطة، وإنما تولي اهتمامها أيضاً بالمبادئ التي تعمل بحسبها مؤسسات الحكم حيث تمكنها من تطبيق الصلاحيات المعطاة لها من قبل الشعب. ومن قبيل هذه المبادئ نذكر الانتخابات الحرة والديمقراطية وتداول السلطة وحسم الأكثرية وفصل السلطات وسلطة القانون والمساواة أمام القانون ... الخ.


وظاهر أن هذا المفهوم للديمقراطية يعتبر إرادة الشعب قيمة مركزية، لأن الشعب أي مجموع المواطنين في الدولة هو مصدر صلاحيات المؤسسات الحاكمة.


المعنى الجوهري للديمقراطية: وهو الذي نبني عليه خطتنا في البحث، ومقتضاه أن ندرس الديمقراطية على أنها أسلوب حياة للشعب وللمؤسسات الحاكمة، وهو يقوم علىمنظومة من القيم في مركزها يوجد الإنسان، فالإنسان وفقاً للديمقراطية يعتبر قيمة قائمة بحد ذاتها .


ولهذه النظرة الجوهرية للديمقراطية نتيجتان عمليتان غاية في الأهمية وهما:


.. أن الإنسان يتمتع بحقوق طبيعية ترتبط به لكونه إنسان، ومن ثم لا يجوز المساس بها. فالبشر مولودون متساوون، ومع ولادتهم أعطي لكل فرد منهم حقوق طبيعية كالحق في الحياة والحرية والتملك.


.. أن الإنسان مخلوق عقلاني يسعى إلى استخدام عقله طوال حياته، طالما أن العقل هو الأداة الوحيدة للمعرفة. هذا فضلاً عن أن العقل غريم التجربة ، فهو لا يقنع بأن يكون الاعتياد المديد أو التقليد المستمر سبباً لتبرير شكل معين من أشكال الحكم السياسية وداعياً لبقائه . من هنا يرفض العقل الحكم المطلق ، الذي يسيطر فيه قلة على مقدرات البلاد فترة طويلة. ويتفرع عن كون الانسان مخلوق عقلاني، فإنه مخلوق مستقل، وبالتالي يتعين على السلطة الحاكمة أن تحفظ للإنسان حقوقه وحرياته المرتبطة بعقلانيته واستقلاله. فلا تفرض من القواعد والتصرفات ما من شأنه أن يحط من كرامته أو يستخف بمقدرته على اتخاذ قرارات تخصه بقواه الذاتية.


وعلى ذلك لم يقتصر الأمر في الديمقراطية الجوهرية على توافر المبادئ الشكلية للديمقراطية، وإنما يمتد الأمر إلى مقتضيات أخرى يتعين توافرها وهي حقوق الإنسان والمواطن، ومن أهمها التسامح والاعتراف للأقلية بحقوقها وثقافتها والتعامل معها وفقاً لمبدأ المساواة .


الدولة الديمقراطية وتوجهاتها : على ضوء ما تقدم يمكن أن نقرر أن الدولة الديمقراطية هي الدولة التي يكون فيها الحكم للشعب وبواسطة الشعب ومن أجل الشعب.


ودولة هذه طريقة إدارتها سنجد أن :


الحكم فيها يدار وفق إرادة الأكثرية :


الحكام فيها يتم تغييرهم على فترات محددة ومعروفة بطريقة سلمية وبحسب قواعد محددة سلفاً ؛للمواطنين سلطة المشاركة في العمليات السياسية والتأثير على نظام الحكم وإمكانية التعبير عن أفكارهم وطموحاتهم :


كل من المواطن والسلطة متساويين أمام القانون وخاضعين له.


على أن الغالب في العمل أن الدول الديمقراطية تختلف عن بعضها البعض في تطبيق المبادئ الديمقراطية . لهذا يمكن وضعها في تسلسل : في الطرف الأول نجد الدولة التي تكون فيها الديمقراطية شكلاً من أشكال الحكم ، وفي الطرف المعاكس نجد نموذج الدولة التي تكون فيها الديمقراطية جوهرية .


في الدول التي تعني فيها الديمقراطية شكلاً من أشكال الحكم لا تعمل الديمقراطية إلا بالمفهوم الإداري الشكلي، أي لا تطبق في الدولة إلا المبادئ الضرورية لوجود النظام الديمقراطي ، مثل حكم الشعب وفصل السلطات وإجراء انتخابات ديمقراطية على فترات ثابتة والتنافس بين حزبين على الأقل واتخاذ القرارات بموجب مبدأ حسم الأغلبية وغلبة مبدأ سلطة القانون وتطبيق مبدأ الحريات.


أما في الدولة التي تكون فيها الديمقراطية أسلوب حياة، فإنها تطبق المفهوم الجوهري وليس الشكلي للديمقراطية، لذلك نراها بجانب المبادئ السابقة تعترف بقيم التسامح والتعددية وحقوق الإنسان والمواطن، وتعمل على تطبيقها وحمايتها.


وبين هذين الطرفين نجد الدول الديمقراطية المختلفة، حيث تطبق كل واحدة منها أو تشدد على القيم التي تهمها بحسب الطريقة التي تفهم بها الديمقراطية. لذلك سنجد أمامنا نماذج مختلفة لتوجهات الدول الديمقراطية، ومن بينها النموذجين التاليين: التوجه الليبرالي والتوجه الديمقراطي الاجتماعي.


والاختلاف بين التوجهين يظهر من خلال تشديد كل واحد منهما على إحدى القيمتين الأساسيتين في الديمقراطية وهما: الحرية والمساواة.


ففقه التوجه الليبرالي يهتم بالحرية، لذلك فهو ينادي بالفردية، أي أن الفرد يعتبر العنصر الأساسي في المجتمع. وعندهم أن المجتمع السياسي يتألف من جمهور من الأفراد المولودين أحراراً والمتساوين، وبالتالي فمن حق كل فرد أن يختار ترتيبات حياتهحسب إرادته ورغبته. وهم يرتبون على ذلك نتيجة مزدوجة الأولى تدخل الدولة لحماية الحريات والحقوق الطبيعية للإنسان الثانية التماس الدولة الحياد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. فإذا لم تتدخل السلطة بما يدور في الدولة في هذه المجالات فسينشأ في المجتمع تنافس حر بين أفراده يؤدي إلى أقصى حد من استغلال الطاقة الكامنة لدي الفرد. وفي الوقت الذي يطلق فيه الفرد العنان لطاقته لتحقيق ذاته يتمتع بحقوقه وحرياته كاملة.


واذا كان التوجه الليبرالي يهتم بالحرية ، فإنه يولي المساواة السياسية أهميتها، ونقصد بالمساواة السياسية حق التصويت للجميع وصوت واحد مساو لكل فرد . أما الحقوق الاجتماعية والاقتصادية فلا تعتبر قيمة هامة توجب تدخل من الدولة .


وعلاقة التوجه الليبرالي بالديمقراطية لا يحتاج إلى بيان . فهذا التوجه يؤدي . على المدى الطويل - إلى نمو اقتصادي، والذي بدوره يفضي إلى تقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ومن ثم تقليص النزاعات الاجتماعية والسياسية. كما أن النمو الاقتصادي يقدم ، عند هبوب الأزمات ، موارد إضافية تكفي لتوفير تسوية مرضية للطرفين بحيث يكسب منها كل طرف شيئاً معينا (1) . علاوة على الموارد الفائضة التي يمكن للحكومات والمجموعات استخدامها لدعم التعليم وبالتالي رعاية مواطنين متعلمين . وأهم ما يقدمه النمو الاقتصادي هو إنشاء الطبقة المتوسطة في المجتمع والتي تعد . وبحق - عمود أي نظام ديمقراطي وثابت من ثوابته . وأخيراً ، تضمن الليبرالية تحقيق الامركزية عدد كبير من القرارات الاقتصادية وتحويلها إلى أفراد ومؤسسات تتمتع باستقلالية نسبية ، يتجنب الحاجة إلى حكومة مركزية قوية أو حتى استبدادية (2).


وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي مهبط الديمقراطية الليبرالية . فهذه الدولة لم تكن ظروفها مؤاتية لظهور هذا النوع من الديمقراطية أول الأمر ، واستمر الحال كذلك حتى بعد وضع الدستور عام 1787 . ففي ظل هذا الدستور اهتم المشرع بوضع الحكومة الفيدرالية الوليدة والتي عهد إليها بكثير من الاختصاصات على حساب حكومات الولايات. إلا أن اعتراضات المعادين للفيدرالية دفعت الموقعين على الدستور بإضافة عدد منالتعديلات بعد إقرار الدستور مباشرة للحد من سلطات الحكومة الفيدرالية وحماية استقلال الولايات الذاتي (1) . من هنا كانت التعديلات العشرة الأولى على الدستور والتي كانت تسمى بوثيقة الحقوق ، وتم التصديق عليها في 15 ديسمبر 1791. ثم اتسعت مظلة الحماية المقرر للأفراد وحرياتهم منذ التعديل الرابع عشر (3) والذي أضيف في اعقاب الحرب الأهلية ، وهو التعديل الذي يلزم الولايات بمنح جميع مواطنيها الإجراءات القانونية الواجبة والحماية المتساوية أمام القانون، وبهذا انتقلت الولايات المتحدة الأمريكية . على الأقل نظرياً . من الديمقراطية الشكلية إلى الديمقراطية الجوهرية بإقرارها مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات للمواطنين .


ورغم هذه التعديلات إلا أن الواقع السياسي كان يعطي الأهمية للديمقراطية الشكلية والتي كانت تقضي من ضمن بنودها أن الحكم للأغلبية . وطالما كان الأمر كذلك فإن الأغلبية استطاعت عن طريق قوانينها أن تقضي بالفصل العنصري بين الأمريكيين من أصحاب البشرة البيضاء عن نظرائهم من السود . واستمر الوضع كذلك إلى أن جاء عام 1954 حيث عرضت قضية براون ضد مجلس التعليم ومن خلالها قضت المحكمة العليا بأن استمرار المدارس العامة في الفصل بين التلاميذ البيض والسود في المرحلة الابتدائية والثانوية يحرم التلاميذ السود من الحماية المتساوية التي يكفلها التعديل الرابع عشر . وبعد هذا الحكم توالت الأحكام الأخرى التي نقلت ساحة المعركة من المدارس إلى أماكن العمل ومراكز الاقتراع ووسائل المواصلات واختيار المحلقين ، كل ذلك اعتماداً على التعديل الرابع عشر من الدستور والذي أقر في عام 1868.ومنذ ذلك التاريخ يمكن القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى الديمقراطية الليبرالية رغم حدوث وقائع تبرز ظاهرة عدم التسامح بين البيض والسود من حين لآخر . وهذه الظاهرة من شأنها أن تهدد الديمقراطية الجوهرية في عمقها ، ونقصد بذلك المساس بمبدأ التسامح والاعتراف بحقوق الأقلية .


وخشي أنصار التوجه الليبرالي بأن يعترض عليهم بأن فرض الحيادية على الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية سينشأ عنه وجود فجوات اجتماعية واقتصادية في المجتمع نتيجة لاختلاف قدرات الأفراد في كسب معيشتهم ، الأمر الذي سينعكس بالسلب على حرياتهم ومدى استعدادهم للمشاركة في الحياة السياسية. ولكي يسلموا من هذا النقد نبهوا الأذهان إلى أن تحسين وضع المجتمع سوف يتحقق من خلال تحسين وضع الفرد، وتحسين وضع الفرد يعتبر من مسئولية الفرد نفسه ، وليس ذلك عن طريق تدخل الدولة. واذا أرادت الدولة أن تتدخل اقتصادياً واجتماعياً فيجب أن يكون في أضيق الحدود ومن أجل توفير الحاجات المعيشية الأساسية جداً لغير القادرين على تحصيلها بأنفسهم ، ومن أمثلة ذلك ما قررته حكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 23 ابريل 2020 من إقرار حزمة اقتصادية تقدر بإثنين تريليون دولار كمساعدات اقتصادية بسبب فيروس


"كورونا". وتعد الولايات المتحدة الأمريكية هي مهبط الفكر الليبرالي (1) .


وهذا الفكر الليبرالي نشأ عند فلاسفة القرن الثامن عشر، حيث اعتقدوا أن الدولة تستند في وجودها إلى عقد اجتماعي بمقتضاه رضى كل فرد بالانخراط في سلك الجماعة في مقابل التنازل عن جزء يسير من حريته الذاتية مع احتفاظه من حريته الفطرية بكل ما يتفق والحياة في المجتمع، وهذا القدر المحتفظ به من الحرية يتحلل إلى حقوق مطلقة لا سبيل للدولة إلى المساس بها إذ أنها سابقة على إنشائها.التوجه الديمقراطي الاجتماعي : مهدت النتائج السلبية للفكر الليبرالي وما صاحب الثورة الصناعية من انعكاسات غير مقبولة إلى ظهور التوجه الديمقراطي الاجتماعي في منتصف القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين.


ويتلخص فقه هذا التوجه في أن المجتمع مسئول نحو الأفراد المنتمين إليه. لذلك فإن للمساواة بين الأفراد في المجالين الاجتماعي والاقتصادي أهمية قصوى. لهذا فإن من يؤيد هذا التوجه يطمح إلى تطبيق مبادئ الديمقراطية ليس فقط على المستوى السياسي وإنما أيضاً على مستوى المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.


وفي سبيل بيان فكرتهم ومدى العلاقة ما بين المجالين السياسي والاجتماعي ، أعلن انصار هذا التوجه أن الدونية الاقتصادية والاجتماعية تجعل المواطنين يشعرون باللامبالاة السياسية وعدم الإيمان بقدرتهم على التأثير على الحياة السياسية . وكنتيجة لذلك يجب على الدولة أن تتدخل ليس فقط لمساعدة الفقراء على الحصول على أسباب العيش الأساسية ، بل مساعدة أصحاب الدخول المحدودة ، حتى تقلص من الفجوات الاقتصادية بين المواطنين على نحو يهيئ من تحقيق تكافؤ الفرص بينهم.


ومن قبيل هذا التدخل أن تخصص الدولة جزء من ميزانيتها للتعليم المجاني الجميع الأطفال وأن تعمل على تطوير العشوائيات وتوفير منظومة صحة على مستوى عالي. ورغم أن هذا التدخل من قبل الدولة قد يمس بحرية وأملاك أفراد آخرين في الدولة ذلك أن الميزانيات المخصصة للضعفاء اقتصادياً تجندها الدولة من الضرائب التي تجبيها من أجور الطبقات التي لا تعتبر في ضائقة، رغم ذلك فإن انصار هذا التوجه لا يمانعونه طالما أن من شأنه تقليص الفجوات الاقتصادية في المجتمع. ومن قبيل الدول التي تتبنى هذا النهج الدول الإسكندنافية.


على أننا نستشعر بالحرج لما يثيره هذا النموذج الذي توحي به أفكاره من صعوبات عملية . فإقرار المساواة بين الأفراد يؤدي إلى طمس الإبداع الشخصي وفقدان الشخصية القوية . هذا فضلاً عن أن العمل على تحقيق المساواة يؤول إلى مركزية قوية تغدو معها كل محاولة لمقاومة الظلم متعذرة إن لم تكن مستحيلة . كما أن الرغبة في تحقيق المساواةلدي المواطنين والتي لا يرتوي ظمأها قط ، ستخلق في نفوسهم الإثرة المحدودة والأنانية الضيقة ، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى الطغيان والفوضى .


وللتخفيف من هذه الآثار، نادى المفكر الفرنسي توكفيل (1) ، ألمع ممثل للمذهب الحر، في كتابه الديمقراطية في أمريكا الذي نشره عام 1835، بضرورة العمل على إنماء جميع المؤسسات التي تغذي الحرية وتفيدها، وتتيح للإنسان أن يدفع بها عن نفسه كابوس السلطة".


ثم يوصي توكفيل بالآتي :


التضامن والتعاون وتوحيد الجهود ، وكل ما يتيح للإنسان - إذا ما انضم إلى أخيه الإنسان . أن يصبح أكثر قوة وأعز منعة .


اللامركزية التي تبعث الحياة والنشاط في الهيئات الإقليمية والجماعات المحلية التي تحمي الفرد من تجاوز الدولة . فالمدرسة الابتدائية للحرية هي الإقليم أو المحليات .


تأمين استقلال القضاء ، واحترام الأشكال والأصول التي تسمح للفرد أن ينافح عن حقه ضد السلطات.


وبجانب النموذجين السابقين، يمكن أن نشير إلى نموذجين للديمقراطية من الناحية


السياسية: نموزج الأغلبية ونموزج التوافقية.


وإذا كان التوجه الليبرالي والديمقراطية الاجتماعية يختلفان من زاوية الحرية والمساواة، فإن الأغلبية والتوافقية يتعلقان بالإجابة على السؤالين التاليين: من الذي يحكم وفي حالة وجود اختلافات بين فئات الشعب فلمصلحة من تستجيب الحكومة ؟


وفقاً لمبدأ الديمقراطية ، فإن الحكم للشعب ، أي أن الشعب بأكمله يحكم نفسه


بنفسه، وهذه هي الديمقراطية المباشرة. ولكن نظراً لاستحالة تطبيق هذا المفهوم في الوقت الحالي لكثرة عدد السكان وتباين المصالح بينهم وصعوبة فهم البعض لبعض المسائل الفنية في مجال الحكم، لجأت الدول إلى الديمقراطية التمثيلية أو النيابية أو غير المباشرة. وبمقتضاها يتوقف دور الشعب عند اختيار مجموعة من الأفراد عن طريق انتخابات ديمقراطية حرة ليقوم هؤلاء بممارسة السلطة نيابة عن الشعب ولمصلحته.


وسواء أكنا بصدد ديمقراطية مباشرة أو غير مباشرة ، فإن هناك اختلافات بين الأفراد تمنع من الحصول على الإجماع في كل المسائل المطروحة . وطالما تخلف هذا الإجماع ، فلا محيص من اللجوء إلى آلية الأغلبية ، فوجود أغلبية تحكم وتكون مسئولة أمام أغلبية أفضل وأقرب إلى الديمقراطية من حكم أقلية تكون مسئولة أمام أقلية. وهذا هو جوهر نموذج الأغلبية الديمقراطية.


وفي مقابل ذلك توجد دول تتبنى فكرة أن يحكم أكبر عدد ممكن من الأفراد ،


وهو ما يسمى بالديمقراطية التوافقية . وهو لا يختلف عن نموذج الأغلبية في قبول أن حكم الأغلبية هو أفضل من حكم الأقلية، لكنه يرضى بحكم الأغلبية كحد أدنى فقط: فبدلاً من الرضا بأغلبية ضئيلة تصنع القرار، يسعى إلى زيادة حجم هذه الأغلبية إلى أقصى حد (1).


قديمقراطية الأغلبية تفترض . حتى تكون مستقرة . أننا بصدد مجتمع متجانس اجتماعياً وسياسياً ودينياً. أما الانقسامات الاجتماعية والاختلافات السياسية والدينية فهي في حاجة إلى ديمقراطية توافقية لتفادي تبعة عدم الاستقرار.


هكذا تميل التوافقية إلى المشاركة في السلطة وتوزيعها والحد منها، بينما تعمل الأغلبية على تركيز السلطة السياسية في يد الأغلبية. وهذه النظرة المختلفة من شأنها أن تجعل نموذج الأغلبية يتسم بالحصرية والتنافسية وما تؤدي إليه من الخصومة، أما التوافقية فتتميز بالشمولية والمساومة والتراضي.


ولهذا التمييز بين النموذجين عدة نتائج، نجتزئ منها الآتي:في مجال السلطة التنفيذية، فإن نموذج الأغلبية يميل إلى تركيز السلطة في يد حكومة الأغلبية المشكلة من حزب واحد، بينما تشكل الحكومات الائتلافية في النموذج التوافقي من أكثر من حزب في البرلمان .


في مجال العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإن نموذج الأغلبية


يعمل على سمو السلطة التنفيذية، بينما يحافظ نموذج التوافقية على التوازن بينهما.


.. يتسم نموذج الأغلبية بقابليته لنظام ثنائي الأحزاب، في حين يعد النموذج التوافقي أرضاً خصبة لنظام تعدد الأحزاب.


ينشأ نموذج الأغلبية عن نظام انتخابي يعتمد الأغلبية ، بينما تنشأ التوافقية عن نظام التمثيل النسبي (1). هكذا تؤثر كل جماعة من القطاعات المتعددة في المجتمع في القرار السياسي بنسبة قوتها العددية. ويتفرع من هذه النتيجة أن التوافقية تسمح بتوزيع التعيينات في الإدارات العامة والموارد المالية على مختلف القطاعات المتعددة في المجتمع. أما في ديمقراطية الأغلبية فإن الرابح يأخذ كل شيء وفقاً لاستراتيجية كل شيء أو لا شيء .


ونحن وإن كنا نسلم بأن الديمقراطية التوافقية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في مجمتع متعدد القوميات والقطاعات، فليس مؤدى ذلك أنها بالفعل تستطيع أن تصل إلى هذا الهدف. فالحكومة الائتلافية التي تمتاز بها الديمقراطية التوافقية ستؤدي في كثير من الاحيان إلى بطء في صنع القرارات. ذلك أنه من الاسهل أن يتم اصدار القرار من حكومة ينتمي اعضائها الى فكر واحد حكومة الأغلبية بدلاً من اختلاف الانتماءات الفكرية الأعضاء الحكومة، حيث يميل إلى كل عضو إلى الدفاع عن وجهة نظره طبقاً لفكره السياسي، وهو ما سيؤدي إلى تأخر في إصدار القرار إلى حين التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف المختلفة من ناحية أخرى يؤدي الفيتو المتبادل إلى تجميد صنع القرارات حيث أن كل قطاع سيستخدم الفيتو متى كان القرار المزمع إصداره لا يحقق مصالح القطاع الذي يمثله، وبالتالي يتولد الركود وعدم الاستقرار اللذين صممت الديمقراطية التوافقية لتفاديهما، أما النسبية وما يعنيه ذلك من توظيف العاملين في الإدارات الحكوميةوتوزيع الوظائف على اعضاء كل قطاع فسيكون على حساب الفعالية الإدارية، لأن شغل الوظائف هنا سيعتمد في الأساس على الانتماء الطائفي وليس الكفاءة والمهارة.


تعريف الأنظمة غير الديمقراطية : وإذا نحينا جانباً تعريف الدولة الديمقراطية، فإن الأنظمة غير الديمقراطية تمارس فيها مجموعة صغيرة من الأفراد السلطة دون أن يكونوا مسؤولين دستورياً أمام المجتمع .


جوانبه وهذا التعريف يدفعنا إلى إبداء بعض الملاحظات التي من شأنها أن تكمل بعض


(أولاً) في الأنظمة غير الديمقراطية لا يلعب الشعب دوراً هاماً في اختيار أو إقالة القادة من مناصبهم. وأهم النتائج التي تترتب على ذلك هي أن القادة السياسيين يملكون حرية أكبر في صناعة سياسات تملي على الشعب ما يجب عليه أن يقوم به.


وليس لدينا شك في أن بعض الأنظمة غير الديمقراطية قد تستخدم بعض الوسائل الديمقراطية لإضفاء الطابع الديمقراطي على الحكم. فعلى سبيل المثال قد يلجأ النظام إلى الانتخابات لاختيار القادة السياسيين ولكن عبر انتخابات مزورة يتم من خلالها تزييف إرادة الأمة، أو أن يفرض على شخص آخر ليقوم بدور منافس للحاكم المستبد فتظهر الصورة وكأن النظام جاء عبر انتخابات تنافسية.


لذلك ليس هناك ما يحول دون تعريف النظام غير الديمقراطي عبر استخدام الديمقراطية كمعيار لذلك فنقول بأن الأنظمة غير الديمقراطية هي تلك التي تقبل مشاركة مقيدة ومنافسة مقيدة وحرية مقيدة.


(ثانياً) فيما يتعلق بالحرية والمساواة، فإن الأنظمة غير الديمقراطية لم تصن محارم الحرية بل خفرت قدسها ، وقصت من أطرافها وسندت إليها طعنات قاسيات. وتتميز هذه الأنظمة بأن الشعب لا يفتقر فقط إلى الحق في اختيار قادته، بل إلى الحريات الشخصية الأخرى التي قد ينظر إليها أولئك الذين يملكون السلطة أنها تهدد سلطتهم كحرية التعبير والاجتماع.


أما المساواة فإن بعض الأنظمة غير الديمقراطية تحقق بعض التقدم في هذا المجال. ففي ظل الشيوعية يتم الحد من الحرية الفردية لصالح تحقيق مساواة اجتماعيةأكبر، ولكن بعض الأنظمة غير الديمقراطية الأخرى لا تسعى لا إلى الحرية ولا إلى المساواة.


(ثالثاً) تتعدد المصطلحات التي تشير إلى النظام غير الديمقراطي، فتارة ما يستخدم مصطلح حكومة الفرد المطلقة، وتارة ثانية حكم القلة، وثالثة الدكتاتورية، ورابعة الحكم الاستبدادي، وخامسة الحكم الشمولي. فهل تؤدي هذه المصطلحات إلى نفس المعنى بحيث يصح استخدامها بطريقة متبادلة ومن دون تمييز ؟


.. في الحقيقة تعني حكومة الفرد المطلقة أن السلطة تتركز في يد فرد، فإذا كان أساس سلطة هذا الفرد أنها مستمدة من الله ، كنا بصدد ملكية مطلقة أو استبدادية. أما إذا كانت السلطة تجد سندها في ذات الحاكم كقوته وخبرته ودهائه وشخصيته كنا بصدد دكتاتورية.


وأهم ما يميز الملكية المطلقة أو الاستبدادية أن الحاكم يأتي إلى سدة الحكم عن طريق الوراثة كالملكية الفرنسية ما قبل الثورة ، حيث يقبع على رأس السلطة ملك وراثي يمارس كل السلطات، وإرادته مصدر لجميع القوانين. وليس هناك ما يمنع من تعدد الألقاب التي تطلق على الحاكم، فهو قد يكون ملكاً أو أميراً أو سلطاناً أو شيخاً أو إمبراطوراً.


ولا يفهم من تركيز السلطة في يد فرد أنه لا توجد هيئات أخرى إلى جانبه. بل يكاد تتفق جميع الحكومات الفردية المطلقة على وجود هيئات تعاون الحاكم في أداء مهمته، طالما أن هذه الهيئات يتولى الحاكم تعيينها ومن ثم تستمد ولايتها من إرادته.


هكذا فإن النقص في تمركز السلطات وتنوع السلطات الإدارية في الأقاليم ووجود هيئات ومنظمات تتوسط بين الملك ورعاياه ، كرجال الطبقة الارستقراطية وجمعيات الفنون والحرف والهيئات القضائية التي كانت تسمى قبل الثورة الفرنسية بالبرلمانات ، تعد كلها من ضمن العوامل التي تقيد الملكية المطلقة .


وحكومة الفرد قد تنشأ في ظل دولة قانونية أو غير قانونية. وتبرز الصورة الأولى إذا خضع الحاكم في أداء مهامه لسلطان القانون. وهذا الخضوع ليس من شأنه أن يصير النظام إلى نظام ديمقراطي، لأن القانون الذي يخضع له الحاكم يحمل بصماته سواء فيصنعه أو تعديله أو إلغائه. من هنا يُطلق على هذا النظام بأنه حكومة الفرد المطلقة، أي أن الحاكم يجمع في يده جميع مظاهر السلطة رغم خضوعه للقانون، طالما أن الحاكم يهيمن على صنع القانون وتعديله وإلغائه.


أما حكومة الفرد التي لا تخضع للقانون فهي حكومة استبدادية (حكم الطغيان) تتركز السلطة فيها في يد فرد لا يتقيد بأي قانون.


وبخلاف الصورتين السابقتين توجد صورة أخرى تسمى الملكية الدستورية، حيث توزع السلطة بين أكثر من هيئة، ويتولى الملك الحكم وفقاً لقواعد الدستور.


الحكومة الديكتاتورية تعني تركيز السلطة في يد شخص واحد أو هيئة واحدة، لا يتولى الحاكم الحكم بالوراثة، بل يصل إليه بكفايته الشخصية وقوته أو قوة أنصاره.


ولا شك أن الحكومة الديكتاتورية تعني انفراد شخص واحد بالسلطة، ولعل هذا هو ما حدا بالكثير من الفقهاء إلى معالجته بصدد الحكومة الفردية. ومع ذلك فالديكتاتور


يختلف عن الملكية المطلقة أو الاستبدادية من وجوه عدة أهمها : .


. أن مصدر السلطة في الملكية هي الوراثة دائماً، في حين أن الديكتاتوري غالباً ما يأتي للحكم عن طريق شخصيته وقوته وكفايته.


أن أساس السلطة في الملكية المطلقة هي الله، أما الديكتاتور فيعتمد على قوته


وشخصيته ليسند إليهما سلطته.


ولسنا بحاجة إلى القول بأن الديكتاتورية ليست لها صورة واحدة ، فبعضها قد يعتمد على أيديولوجية معينة كالفاشية الألمانية والشيوعية السوفيتية اللتان ترفضان الديمقراطية الليبرالية باعتبارها شكلاً متدنياً من التنظيم الاجتماعي، لذلك فهما تفضلان دولة قوية تضمن المساواة الجماعية وحريات فردية مفيدة.


والبعض الآخر من الديكتاتوريات قد لا يعتمد على أيديولوجية أو مذهب معين بل على العكس قد تكون معادية للإيديولوجية وتصر على أن الحاكم يتحدث نيابة عن الشعب. في هذا النوع من الديكتاتوريات يقوم الحكم على قاعدة السلطة من أجل السلطة والمنافع التي تجلبها. وفي هذه الحالات يغدو صعباً حتى الحديث عن نظام، وغالباً مايستخدم النقاد مصطلح نظام بمعنى تهكمي أو ازدرائي (1)، ويتم استخدام هذا المصطلح مع اسم الزعيم أو القائد، مثل نظام كيم يونغ أون في كوريا الشمالية. فجميع القرارات تصدر عن الحاكم غير مقيدة بمؤسسات سياسية، فالزعيم هو النظام.


والديكتاتورية قد تكون دائمة أو مؤقتة. ومن أمثلة الديكتاتوريات الدائمة تلك السائدة في كوريا الشمالية وبعض الدول العربية وإيطاليا الفاشية وألمانيا النازية، أما الديكتاتورية المؤقتة فهي ترتبط بمرور الدولة بأوقات أزمة استثنائية تتيح للحاكم أن يجمع في يده جميع السلطات. ومن أمثلة ذلك ما ورد في الدستور الفرنسي من خلال المادة 16 من صلاحيات يملكها رئيس الدولة حال تعرض البلاد لظروف استثنائية.


. حكومة القلة، وفيها تتركز السلطة ، بخلاف حكومة الفرد . في يد فئة قليلة من الأفراد يطلق عليها أوليجارشية أو أرستقراطية. فإذا كانت الفئة التي تحوز على السلطة من الحكماء أو خيرة الأفراد كنا أمام حكومة أرستقراطية، أما إذا كانت الفئة التي تحظى بالسلطة من غير الصالحين أو الأغنياء الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم الخاصة كنا بصدد حكومة أوليجارشية.


وتعتبر حكومة الأقلية مرحلة انتقالية من حكومة الفرد إلى حكومة الشعب الحكم


الديمقراطي).


الحكم الشمولي : هو نظام غير ديمقراطي يقوم في دولة شديدة المركزية وله أيديولوجية تسعى إلى تحويل ودمج مؤسسات الدولة والمجتمع والاقتصاد. أي أن أهم ما يميز الحكم الشمولي من أنظمة الحكم الغير الديمقراطية الأخرى أن هدفه هو استخدام السلطة لتحويل نسيج الدولة المؤسساتي حسب هدف إيديولوجي معين قد يكون راديكالي أو رجعي. ويغدو العنف أداة ضرورية لتدمير المؤسسات القائمة وإعادة تشكيلها حسب الصورة التي يريدها ويقررها الحاكم. فالأخير يرفض الوضع القائم وغالباً ما يرى أن التغيير الثوري أمر لا مفر منه، وينظر إلى العنف على أنه قوة ضرورية في سبيل ذلك الهدف. ولا يقتصر الإرهاب أو العنف الذي يستخدمه الحكم الشمولي على التخلص من أعداءالحاكم من المعارضين، بل أنه يدمر الإرادة الإنسانية ويحطم قدرة الأفراد على الإبداع ويضعف كثيراً تطلعهم إلى الحرية.


ومن أمثلة الدول الشمولية التي استطاعت أن تضع أيديولوجيتها موضع التنفيذ الاتحاد السوفيتي في ظل حكم ستالين، حيث أعيدت هيكلة معظم المؤسسات الداخلية وسيطرت الدولة عبر الحزب الشيوعي على معظم مناحي الحياة الخاصة، وتم سجن وإعدام الملايين في سبيل تلك الغايات. كذلك الأمر بالنسبة إلى ألمانيا النازية. أما الآن فتعد كوريا الشمالية مثالاً للحكم الشمولي.


(رابعاً) . تعد أنظمة الحكم الهجينة كمنطقة انتقالية بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة غير الديمقراطية. لذلك توصف بعدد من الأسماء مثل الأنظمة نصف ديمقراطية أو شبه ديمقراطية أو أنظمة غير ليبرالية أو هجينة. فهي غير ليبرالية من زاوية أنها لا تمأسس الحرية بشكل كامل. كما أنها أنظمة هجينة لأنها تستخدم المؤسسات والممارسات الديمقراطية وغير الديمقراطية ، أي تمزج بينهما. ومن قبيل هذه الأنظمة فنزويلا وبعض الدول العربية.


وهذه الأنظمة تستبيح لنفسها استعمال الأدوات الديمقراطية ولكن بتكييفات مختلفة. فمثلاً مبدأ سلطان القانون يعد من المبادئ الديمقراطية، وهذا المبدأ يتم استخدامه في الأنظمة الهجينة ولكن سلطان القانون هنا ضعيف وليس له قوته في النظم الديمقراطية. ونتيجة لذلك جميع المؤسسات الديمقراطية التي تعتمد على حكم القانون تكون مأسسة بشكل ضعيف ولا يتم احترامها. وهكذا يكون لدي الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية مجالات للسلطة تعمل فيها، ويتمتع الناس بحق التصويت وتجري الانتخابات على أساس منتظم وتنافس الأحزاب السياسية، لكن هذه المؤسسات والعمليات تكون مقيدة أو لا يمكن التنبؤ بها في طرق تتسق مع الديمقراطية.


وقد أفصحت هذه الأنظمة عن اتجاهها هذا من خلال الممارسة العملية لمؤسساتها المختلفة . فعادة ما يملك المسؤولون في الهيئة التنفيذية مستوى كبيراً من السلطة. وغالباً ما تتمركز السلطة في نظام رئاسي أو شبه رئاسي يحد من القدرة على إزالته، حتى أنالرؤساء في الأنظمة غير الليبرالية قد يعتمدون على الاستفتاءات لتجاوز الدولة وتأكيد السلطة التنفيذية".


أما الهيئات التشريعية فتكون بدورها أقل قدرة على مراقبة السلطة التنفيذية، كذلك المؤسسات القضائية، مثل المحاكم الدستورية، فغالباً ما تكون مكتظة بالمؤيدين لأولئك المتربعين على السلطة (1).


ولا ينجى أنصار الأنظمة غير الليبرالية من اللوم أنهم يستخدموا نفس الوسائل الديمقراطية لسبغ الشرعية على نظام الحكم، إذ أن الوسائل الديمقراطية المقول بها مثل الانتخابات والتنافس بين الأحزاب موجود فقط على الورق، فالأحزاب السياسية مقيدة أو على أحسن حال يُضيق عليها، كما أن الحكومة تحتكر المطبوعات ووسائل الإعلام الإلكترونية لحرمان المعارضة من منبر عام، فيما يتم استخدام المؤسسة القضائية لمضايقة هذه المعارضة.


ويكفينا أن تؤكد على أن الحكومة غير الليبرالية قد تستخدم ما تحت يديها من قوات مسلحة وصناعات تديرها الدولة لإجبار الأفراد على التصويت أو التحرك حسب التوجيهات. وهكذا تصبح مؤسسة الانتخابات لعبة في يد النظام يحركها تارة بتغيير القوانين الانتخابية، وتارة بحرمان الأفراد من الترشح، وتارة أخرى بالترغيب عن طريق شراء الأصوات أو الترهيب.


عوامل انتشار الديمقراطية: هناك عدة عوامل تساعد على انتشار الديمقراطية ، منها كيفية توزيع الثروات داخل المجتمع ومدى قوة المجتمع المدني وعلاقة الدولة بالمجتمع الدولي ونوعية الثقافة السياسية السائدة. وسنعرض فيما يلي لبيان أثر هذه العوامل الأربعة في انتشار الديمقراطية.


(1) : توزيع الثروات ( الطبقة الوسطى) : من العوامل التي تساعد على انتشار الديمقراطية حجم الطبقة الوسطى في الدولة. فهذه الطبقة بخلاف طبقة الأغنياء والفقراءترغب في التقدم والتطور، وهي في سبيل ذلك تمتلك من الموارد الاقتصادية والمعرفة ما يحقق لها مرادها.


أما طبقة الفقراء، فهي بسبب انشغالها اليومي والدائم للبحث عن لقمة العيش لا تبدي للعملية السياسية أي اهتمام، كما أن مسألة الحريات الفردية لا تحتل عندها أولوية ضرورية، فحيث يملك الناس القليل، يملكون القليل للقتال من أجله. لذلك لا يهمها ما يحدث على الساحة السياسية، ولا يلفت انتباها من سياسات الحكومة إلا تلك التي تمس الوضع الاقتصادي.


ولسنا نرى في طبقة الأغنياء أي مؤشر يدل على اهتمام أفرادها بمسألة الحرية بل على العكس، فمصالحها الاقتصادية تدفعها إلى دعم السلطة القائمة طمعاً في الحصول على تسهيلات اقتصادية أو تحرراً من رقابة قد تفرضها أنظمة ديمقراطية. علاوة على أن الأغنياء بسبب تراكم الثروة لديهم وخشيتهم من ضياعها قد يرون في أصوات الفقراء تهديداً محتملاً لمصالحهم، فيلجئون إلى إغراء الفقراء بالمال للتصويت في اتجاه ما أو التلاعب بالعملية الانتخابية.


لذلك تميل الدول غير الديمقراطية إلى القضاء على الطبقة الوسطى، بحيث لا يتبقى في الدولة إلا طبقتي الأغنياء والفقراء. فالأولى تضمن السلطة ولائها، والثانية لا تستطيع أن تطالب بأكثر من توفير الحد الأدنى من المعيشة، أما مظاهر الديمقراطية من الحريات والحقوق الأساسية فتعد ترفاً لا يجوز لها أن تطالب به.


وهذا الذي أشرنا إليه لا يمنع من وجود بعض الاستثناءات عليه، ومن أمثلته الوضع في الهند، فرغم اتساع طبقة الفقراء، إلا أن الهند تعد من الدول الديمقراطية.


ويرتبط بما سبق الوضع الاقتصادي للمجتمع فالمجتمعات التي تتسم بعدم المساواة بدرجة كبيرة أي توجد فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء) تعزز الحكم غير الديمقراطي. وعلة ذلك أن المتنافسين على السلطة يسعون إلى السيطرة لإثراء أنفسهم وحسب، ومن ثم تتحول الدولة في ظل هذه الظروف إلى أداة للاستيلاء على الموارد والحفاظ على السيطرة. ومع أخذ هذه المستويات المرتفعة من عدم المساواة في الحسبان فإن أولئك الذين يملكون السلطة ينفرون بشكل خاص من التنازل عن سلطتهم، ليس لأنه
قد يتم إجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم فقط، بل لأنهم ربما يخسرون حياتهم أيضاً. وقد يجعل تهديد الثورة هذه الأنظمة غير ميالة إلى توفير الكثير من المشاركة والمنافسة


والحرية (1).


من هنا نفهم لماذا تعمد الأنظمة الاستبدادية إلى إبقاء الوضع الاقتصادي لشعوبها غير مقبول . فالنمو الاقتصادي سيوفر بيئة مناسبة للرخاء مما يدفع الشعوب إلى المطالبة بالحرية أو المزيد منها ، وهو ما لا يرغب فيه الديكتاتور . كما أن التحسن في الاداء الاقتصادي وإن كان سيؤدي إلى انخفاض في مستوى القمع السياسي وزيادة ولاء الكثير من فئات الشعب للحاكم ، إلا أن هذا الوضع سيقوض الديكتاتورية مع مرور الزمن ، لأنه سينشئ مراكز قوة داخل الدولة يمكن لها أن تهدد عرش الديكتاتور


كما أن الموارد المتاحة لمثل هذا النوع من الأنظمة سيستغله الحاكم لتوزيعها على من يدينون له بالولاء ، سواء أكانوا من المدنيين المقربين له أو من رجال الشرطة أو رجال الجيش . أما بقية أفراد الشعب فليس لها عند حاكمها إلا الخبز والسيرك ؛ فالخبز لكي تبقى حيا ، أما السيرك فلكي تلهو (1) .


ويجب ألا يغرب عن الأذهان أن درجة الولاء الذي تبديه بعض فئات الشعب إذا كان ثابتاً على المستوى القصير ، إلا أن تصرفات الديكتاتور على المدى البعيد سيولد خصومات ونزاعات لدي من كان يدينون له بالولاء فينقص الأخير من رصيده ، مما سيدفعه إلى بذل المزيد من الموارد في سبيل الابقاء على هذه الفئات وكسب ولاء هم مرة أخرى ، وهو ما يعني إهدار الكثير من موارد الدولة ..


ويلاحظ هنا أن الدول الغنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز الطبيعي عادة ما تكون دولاً غير ديمقراطية. ويرجع ذلك إلى أن المصادر الطبيعية الموجودة في باطن الأرض توفر للقادة الثروة الضرورية لإدارة الدولة دون ضرائب، ويعني ذلك أن أولئكالذين يسيطرون على السلطة لا يحتاجون إلى إزعاج انفسهم بالضرائب.. وبما أنهم لا يحتاجون إلى فرض الضرائب على الناس ، فيمكنهم فعلياً تجاهل مطالبهم السياسية.


والأمر الأسوأ هو أن الموارد الطبيعية تميل إلى إعاقة تطور اقتصاد حديث ونمو الطبقة الوسطى بما أن هذين الأمرين لا يشكلان مصدر قلق لمن يتربع على السلطة. والنتيجة هي أن الثروة تركز إلى درجة عالية في أيدي أولئك الذين يملكون السلطة. وفي ظل هذه الظروف، يعزز الحكم غير الديمقراطي نفسه فعلياً، طالما أن الموارد مستمرة ولديها سوق (1). وهذا ما يسمى بنظرية "فخ الموارد".


(2) : قوة المجتمع المدني : المجتمع المدني هو الجماعات والتنظيمات والنقابات التي تعمل


خارج اطار الدولة، أي يضم المؤسسات التي ساهم الناس في إنشائها، وتعمل بصورة تطوعية. وهذه التجمعات تسمح للناس بتحديد ما هو مهم بالنسبة لهم وترويجه والدفاع عنه.


وبعد المجتمع المدني شرطاً ضرورياً لقيام الحياة الديمقراطية، لأنه يسمح للأفراد بتنظيم وتحديد خياراتهم، كما أنه يقويهم للدفاع عن مصالحهم. وبهذا يساهم المجتمع المدني في تشكيل الرأي العام إزاء بعض القضايا، ومن بينها قضية الديمقراطية. ونتيجة لذلك تحرص الأنظمة غير الديمقراطية على إضعاف المجتمع المدني أو تقييده ووضع العراقيل أمامه. فمثلاً تستطيع الدولة عن طريق ما تصدره من قوانين أن تشدد الرقابة على مصدر تمويل المجتمع المدني، كما يمكن تقييد الانضمام إلى عضويته أو ضرورة الحصول على تصريح من الحكومة لقيامه، بل يمكن للحكومة عن طريق موظفيها أو من قبل قضاتها، أن تحل الجمعية أو المؤسسة، متى رأت من سياساتها أنها أصبحت مزعجة للنظام.


(3) : العلاقات الدولية : لا شك أن المبادئ الديمقراطية يمكن لها أن تنتقل عبر شبكة العلاقات الدولية. فالديمقراطية يمكن أن تفرضها دولة ما على دولة أخرى كشرط لتقديم
المساعدات لها. لذلك وجدنا انتشار الديمقراطية في كل من اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث فرض الحلفاء المحتلون الديمقراطية وبالمقابل فإن سيطرة الاتحاد السوفيتي على أوربا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية أدى إلى إنهاء الحركات الديمقراطية والقضاء عليها.


بید آن دور المجتمع الدولي في نشر الديمقراطية يختلف باختلاف وضع الدولة. فإذا كانت الدولة منغلقة ومعزولة عن العالم مثل كوريا الشمالية، فإنه من الصعوبة الحديث عن نشر الديمقراطية بها.


وقد تكون الدولة منفتحة، رغم ذلك فإن تأثير المجتمع الدولي في نشر الديمقراطية سيكون محدود، ومثال ذلك الصين. فرغم انفتاحها على العالم . بعكس كوريا الشمالية . إلا أنها تمتلك حجماً هائلاً من الموارد الاقتصادية، مما يعني أن المجتمع الدولي لا يملك أدوات كثيره يمكنه أن يستخدمها للدفع باتجاه التغيير نحو الديمقراطية. رغم ذلك وجدنا بعض مظاهر الحرب التجارية بين أمريكا والصين في بداية عام 2018، حيث فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوم جمركية على السلع الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة (1). وبالمقابل فرضت الحكومة الصينية رسوم جمركية على أكثر من 128 منتج أمريكي. ومن وجهة نظرنا يمكن أن تستخدم هذه الإجراءات كوسيلة لدفع الحكومة الصينية إلى تبني النظام الديمقراطي.


ومما تجب ملاحظته أن الدولة إذا اعتمدت على دول بعينها في تسيير شؤون حياة مواطنيها ولا سيما في المجال الاقتصادي، فإن قدرة هذه الدولة على التحول نحو الديمقراطية يتوقف على نوعية أنظمة الدول التي تساعدها. فإذا كانت الأخيرة تمتاز بالسمات الديكتاتورية فإنه لا يتوقع أن تسمح بانتشار الديمقراطية في الدولة المقدم إليها المساعدة. فمثلاً عدم دخول دولة تشيكوسلوفاكيا ضمن زمرة الدول الديمقراطية يرجع إلى تدخل الاتحاد السوفيتي فيها بعد الحرب العالمية الثانية.على أنه ليس هناك ما يحول دون وجود استثناءات على هذه القاعدة. فالدول الديمقراطية قد تؤازر قوى استبدادية في بلادها في سبيل الحفاظ على نفوذها أو توسيعه.


ومن تطبيقات ذلك قيام الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة دعم حكام مستبدين ضد قوى ديمقراطية، وهذا ما حدث في ايران سنة 1953 حيث لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً هاماً في الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً خشية من أن رئيس الوزراء محمد مصدق كان يميل باتجاه الاتحاد السوفيتي، كما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في أمريكا اللاتينية ومنعت قيام حكومات منتخبة شعبياً. وفي نفس السياق تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في فنزويلا عام 2019 واعترفت بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيساً للدولة رغم فوز "مادورو" في الانتخابات الرئاسية. كذلك سحق الاتحاد السوفيتي ثورتين أو انتفاضتين في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968، كما سعت أيضاً كل من ايران وفنزويلا وبعض دول الخليج لاستخدام ثرواتها النفطية لدعم الأنظمة ذات التوجه المماثل.


(4) : الثقافة السياسية : الثقافة السياسية تعني منظومة المعتقدات والقيم والرؤية الفلسفية لكافة أفراد المجتمع، إضافة إلى القواعد السلوكية السائدة بين المواطنين بعضهم البعض، وبينهم وبين السلطة الحاكمة. وتعتبر الثقافة السياسية جزءاً مركزياً في ثقافة كل دولة، أيا كان نظامها الدستوري. وكما أن البشر لا يشبهون بعضهم البعض في بصمات أصابعهم، فليس هناك دولتان متشابهتان في ثقافتيهما السياسية (1).


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

يهدف إلى دراسة ...

يهدف إلى دراسة الأديان كظاهرة اجتماعية وثقافية وتاريخية، دون الانحياز إلى أي دين أو تبني وجهة نظر مع...

‏تعريف الرعاية ...

‏تعريف الرعاية التلطيفية‏ ‏وفقا للمجلس الوطني للصحة والرفاهية ، يتم تعريف الرعاية التلطيفية على النح...

Risky Settings ...

Risky Settings Risky settings found in the Kiteworks Admin Console are identified by this alert symb...

الممهلات في الت...

الممهلات في التشريع الجزائري: بين التنظيم القانوني وفوضى الواقع يخضع وضع الممهلات (مخففات السرعة) عل...

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...