لخّصلي

تطرّق النص إلى أيديولوجيتي تيارين رئيسيين في الجزائر خلال فترة ما قبل الاستقلال: التيار القومي الاستقلالي، متمثلاً بحركة MTLD، والتيار الإصلاحي، متمثلاً بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ركزت حركة MTLD، منذ نشأتها حتى حلها عام 1954، على مطلب الاستقلال، مُوحّدةً بذلك فئات اجتماعية مختلفة حول هدف سياسي واحد، رغم اختلافها في مضمونه الاجتماعي. أكد النص على أن فكرة الاستقلال هيمنَت على أدبيات الحركة، مُشيراً إلى تصريحات مؤرخين فرنسيين الذين يؤكدون رفض الحركة لأي تعاون مع فرنسا وتركيزها على إقامة دولة جزائرية جمهورية مستقلة. أما جمعية العلماء المسلمين، فقد سعت إلى حماية الهوية الجزائرية من الاندثار، مُواجهةً سياسة التدمير التي انتهجتها فرنسا. اعتمدت الجمعية شعار "الجزائر أرضنا، والإسلام ديننا، والعربية لغتنا"، وحاولت استعادة مقومات الذات الجزائرية ضمن إطار عصري، مُشكّلة بذلك تنظيمًا منافياً للوجود الفرنسي. يُبرز النص دور ابن باديس والبشير الإبراهيمي في تأسيس الجمعية ونهضتها الفكرية والدينية، مُشيراً إلى أن هدف العلماء، وإن كان غير معلن صراحةً، كان سياسياً، إذ سعوا إلى بناء جزائر عربية إسلامية، مُعارضين لتجنيس الجزائريين ودمجهم في فرنسا. وقد واجه كل من التيارين القومي والإصلاحي مضايقات من الإدارة الفرنسية التي اعتبرتهما تهديداً لوجودها. في الختام، يُشدد النص على دور جمعية العلماء المسلمين في تنوير المجتمع الجزائري وحماية هويته، مؤكداً تأثيرها الكبير على الوعي الوطني الجزائري.

7
األمم المتحدة التي توجه إليها مصالي ابتداء من1948، ضمت مجموعة من الحقائق
واالعتبارات التي تستحق بموجبها الجزائر بناء دولتها في ظل الشرعية (الدولية)23
.
وكان هدف "إنشاء دولة جزائرية مستقلة" من أهم المطالب األساسية لهذا التيار، الشيء الذي
وحد وجمع فئات اجتماعية مختلفة األهداف والغايات االجتماعية، تتفق على المطلب السياسي
(االستقالل) لكنها ال تتفق على مضمونه االجتماعي مما جعل الحزب يستبعد النظر في هذا
الموضوع تجنُّبا ً للخالفات والصراعات24
.
ورغم الثغرات األيديولوجية المسجلة في برنامجMTLD، إال أن (فكرة االستقالل ظلت
تهيمن على نصوصها منذ نشأتها حتى حلها سنة1954، وتظهر في كل أدبياتها وشعاراتها
وتصريحاتها وخُطَبها ومراسالتها ومطالبها، والحق أن هذه الكلمة الرئيسة جعلت منها الحزب
الوطني األول في الجزائر من ناحية الثورية واالستقاللية)25
، وهذا ما (يؤكده أحد المؤرخين
الفرنسيين عندما يقول بأن: (عقيدة وأيديولوجية حركة االنتصار كانت ترفض أي تعاون مع
مشروع قانون الجزائر وأنها تتمحور حول كلمة واحدة االستقالل والمطالبة بوجود أمة
جزائرية وكذلك تأسيس "دولة جمهورية بكل هيآتها ومجلس تأسيسي له السيادة ومنتخب
باالقتراع العام)26
.
2:أيديولوجية التيار اإلصالحي (جمعية العلماء المسلمينالجزائريين:)
تغذت الحركة اإلصالحية في الجزائر واستمرت بفعل أفكار ومبادئ جمعية العلماء المسلمين
الجزائريين27
التي كانت تسعى إلى الحفاظ على إنسانية الفرد الجزائري وحمايته من كل
انسالخ أو ذوبان.
23
نورالدين ثنيو، المرجع السابق، ص21. 24
األمين شريط،المرجع السابق، ص59. 25
مؤمن العمري، المرجع السابق، ص75. 26
المرجع نفسه، ص75-76. 27
يشير بعض الباحثين إلى أن اللبنة األولى لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت سنة1913م، وذلك عندما
كان اإلمام ابن باديس مقيما بالمدينة المنورة مع العالمة الشيخ البشير اإلبراهيمي، وكانا يقضيان أغلب وقتهما في البحث عن
الوضع المتردي للجزائر، والتفكير في ىليات النهوض بالمجتمع الجزائري وتحريره من الجهل الذي عصف به من جراء
االستعمار، وهذا ما بينه البشير اإلبراهيمي مؤكدا على أن تلك الليالي من عام1913هي التي وضعت فيهااألسساألولى
لجمعية العلماء المسلمين عام1931م (أنظر: الدراجي زروخي: األبعاد الفلسفية للنظام التربوي عند جمعية العلماء المسلمين،
ط1، دار صبحي للطباعة والنشر، الجزائر،2015، ص11.
8
ومما هو معروف أن االحتالل الفرنسي قد سخر كافة آلياته ووظائفه من أجل تحطيم نسيج
المجتمع المحلي، طبقا للقاعدة: (أن مهاجمة أرواح الشعوب تسبق دائما تحطيم أجسادها)28
،
لهذا عمدت إلى توجيه ضربتها نحو صميم العقيدة اإليمانية لروح هذه األفراد.
والباحث في إستراتيجية جمعية العلماء يخلُص إلى أن "العلماء قد وقفوا في صالح كيان
جزائري ينفصل في النهاية عن فرنسا ودعوا إلى القومية العربية اإلسالمية، وعارضوا بشدة
تجنيس ودمج المجتمع الجزائري في فرنسا وكان شعارهم (الجزائر بالدنا واإلسالم ديننا،
والعربية لغتنا)29
.
كما أنها حاولت (استعادةمقومات الذات وإعادة توظيفها في سياق مؤسسات وأفكار حديثة
في ظل نظام استعماري ال يقوى على وجود أكثر من نظام في داخله، ومن هنا فإن جمعية
العلماء المسلمين هي تنظيم مناف للوجود الفرنسي ما انفك يستعيد سلطته من صراعه ومقاومه
للسلطة االستعمارية)30
.
وحول حيثيات هذهالفكرة يستعرض أحمد طالب اإلبراهيمي في قوله31
: "إذا استعرضنا
العوامل الحاسمة في نهوض المجتمع الجزائري في العصر الحديث دينيا وفكريا واجتماعيا
وسياسيا نجمل ذلك في حركتين بارزتين ومتكاملتين:
1-الحركة العلمية اإلصالحية الدينية التي انطلقت بوادرها مع بداية القرنالعشرين، ثم
تطورت بقيام الشيخ عبدالحميد بن باديس بالتدريس في قسنطينة غداة تخرجه من الجامعة
الزيتونية سنة1913، ونضجت هذهاليقظةمع عودة بعض العلماء من مهجرهم بالشرق
العربي، أمثال: أبي يعلى الزواوي والطيب العقبي والبشير اإلبراهيمي، ثم تبلورتفي إنشاء
جمعيةالعلماء المسلمين الجزائريين عام1931، غداة احتفال فرنسا بالعيد المئويالحتالل
الجزائر.
2-الحركة السياسية ممثلة في تأسيس حركة "نجم شمال إفريقيا"، في باريس، ...وماتالها
كتأسيسppaعام1937، ثم حركةmtldعام1946، وما تولد عنها من منظمات سرية
وعلنية تألقت بمواقف وتضحيات بطولية مشهودة، وأخيرا كل ما عزز الكفاح الوطنيمن
حركات سياسية وثقافية كـ: "أحباب البيان والحرية".
28
محمد الطيبي، المرجع السابق،ص213. 29
كمال عجالي، الفكر اإلصالحي في الجزائر، ط1، شركة مزوار للطباعة والنشر واإلشهار والتوزيع، الجزائر،2005،
ص09. 30
ثنيو،المرجع السابق، ص22. 31
أحمد طالب اإلبراهيمي، آثار اإلمام البشير اإلبراهيمي (1940-1929)، ج1، ط1، دار الغرب اإلسالمي، بيروت،
1997، ص07.إن هذه اإلشارات التي احتكم إليها أحمد طالب اإلبراهيمي في نصه، تدل على مدىتميُّز
الديناميكية السياسية والجمعوية الناشطة في الميدان الوطني، وتأثيرها على حياة الفرد
الجزائري ووعيه وتطوره الفكري واإليديولوجي، وفهمه ألوضاع الواقع المر الذي يكابد
صعابه باستمرار.
فجمعيةالعلماء المسلمين التي تأسست على مبادئ وقامت على أُسُس32
، ما كان لها أن تقتحم
الميدان السياسي والنضالي لوال شعور رُوادها الوطنيين بترهُّل قيم المجتمع وتصدُّع الكيان
الوطني، وتفسُّخ صورة الجزائر العربية اإلسالمية أمام التغريب والمسح الكولونيالي، ولهذا
(انطوى مشروعها على بعد وطني واضح، وفق متطلبات المجتمع الجزائري في صلته بالدولة
الفرنسية، والعالم العربي واإلسالمي واستطاعت الجمعية أن تدخل به في المجال العام في
مناهضة لإلدارة االستعمارية التي كانت تحرص دائما على إبعاد رجال اإلصالح من امتيازات
الدولة الحديثة، وإبقاء األهالي في قوالب قبلية وعشائرية ودين طرقي، يرسفون في تقاليد
جامدة التقوى على التطور وال تتفاعل مع الواقع الجديد في جميع تغيراته ومظاهره)33
.
وعليه فإن فكرة الكيان الجزائري قد طرحها ابن باديس خالل الثالثينيات، وعلى الرغم من
أن معظم الكتاب متفقون على أن العلماء كانوا بعيدين عن السياسة، إال أنهم كانوا متفقين على
أن هدف العلماء البعيد كان سياسيا سواء أرادوا ذلك صراحة أو لم يريدوه، وقد خضع العلماء
خالل الثالثينيات واألربعينيات إلى نفس المعاملة التي خضع لها السياسيون من جانب اإلدارة
الفرنسية التي اعتبرتهم خطرا على الوجود الفرنسي34
.
والجدير بالذكر أن جمعيةالعلماء قد قامت علىأكتاف رجال أكفاء، مثَّل كل واحد منهم مشروع
نهضة، ومستقبل أمة؛ فاإلمام عبدالحميد بن باديس قد هالته حالة شعبه المر (فسعى من خالل
حركته الجهادية الفردية والجماعية إلى لم ِّ شعبه وجمع شتاته إلعادة بنائه وصياغته جيال جديدا
بعد أن "...أنساه التعليم االستعماري لغته وتاريخه ومجده، وقبح له دينه وقومه، وقطع له من
كل شيء–إال منه-أمله، وحقره في نفسه تحقيرا... يعيش التمزق الفكري والضياع
الحضاري)35
، وذات الفكرة والهدف سطرهما خلفه "اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي" الذي
نظَّر ومنهج لمشروع نهضوي عميق انطالقا من (وعي كاملبأن الجزائر تنتمي إلى الحضارة
اإلسالمية، وأن في كل حضارة ثابتا ومتحوال وأن المحافظة على الثابت هو حفظ الشخصية
الوطنية من االستالب، "فمُشخِّصات األمم منها جوهر ومنها عرض، وإن الجوهر منها هو
32
أنظر: القانون األساسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين على سبيل المثال في: محمد العربي الزبيري، الثورة
الجزائرية في عامها األول، المرجع السابق، ص214وما تالها. 33
ثنيو،المرجع السابق، ص23. 34
أبوالقاسم سعدهللا، الحركة الوطنية الجزائرية1930-1945، ج3، دار الغرب اإلسالمي، بيروت،1992، ص87. 35
عبدالرشيدزروقة، جهاد ابن باديس ضد االستعمار الفرنسي في الجزائر1913ـ1940، ط1، دار الشهاب، بيروت، لبنان،
1999، ص44.لصالح للبقاء، وأنه البد للفرد وللجماعة في تكييفه كما يشاء أوكما تشاء، وأن تطوُّره موكُول
على تدبير االجتماع ال إلى تدبير الجماعات، وأن العرض منها هو محل التبديل والتغيير،
يصلح لزمن فيؤخذ، وال يصلح آلخر فينبذ، فالمحافظة على جوهر المقومات ليست محافظة
وإنما هي حفظ للقومية من اإلندغام والتداخل وعماد لها أن تتداعى وتسقط، وأما األعراض
فهي قشور تتحول وتزول كأوراق الخريف توجد وتعدم، والشجرة شجرة)36
، فهذه هي
أيديولوجية العلماء، وجمعية وجمعتهم كانت(أكثر بركة على الجزائر من المطر) على حد
وصف الشيخ محمد الحافظ37
.