خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
بينما تظل سلطة الهجوم في أيدي خصوم هذه الطبقات. من أجل هذا نرى أننا إذا أوجدنا انشقاقًا بين الطبقات العاملة فإننا بذلك نربكها. وإن مهاجمة الديمقراطية الاشتراكية بنفس الأسلوب الذي اتبعه الشيوعيون معناه إضعاف ثقة العمال في الاشتراكية دون التمكن من تحويل ولائهم إلى الشيوعية (كما دلت الأحداث). ولم يكن هناك غير طريق واحد يؤدي إلى الوحدة، وفي الوقت نفسه يصبح الشيوعيون في موقف يتيح لهم — في خضم الأزمة — أن يضموا الجماهير إلى صفوفهم، غير أن السياسة التي ساروا عليها قضت على أي احتمال باتخاذ إجراء ما، وحين أشار المؤتمر الشيوعي الدولي على أحزابه التابعة له في السابع عشر من شهر مارس عام ٣٣ بأن تقترح هذه الأحزاب على الديمقراطيين الاشتراكيين القيام بإجراء مشترك ضد الفاشستية، جاء هذا الاقتراح بعد فوات الأوان بأربعة عشر عامًا. ذلك لأن قوة الطبقات العاملة تكمن في قواها المحشودة. ومما هو معروف أنه لو كانت الدعوة إلى القيام بإضراب عام ١٩٣٢م احتجاجًا على فون بابين قد نفذت بعزم وتصميم لأدت إلى خلعه وإلى القضاء على الهتلرية تبعًا لذلك. غير أن الدعوة إلى الإضراب العام كانت صادرة عن الشيوعيين. وأنى لهم أن يحيدوا عن هذا الرأي في الوقت الذي صرح فيه الشيوعيون أنفسهم بقولهم: إن هناك اختلافات جوهرية لا يمكن التغلب عليها «بين زعامة هذا الحزب وذاك»، فإن الطبقات العاملة لا تستطيع أن تحصل على السلطة إلا إذا احتفظت بتماسك هيئاتها. والحل الوحيد — إذن — لضمان وحدة الإجراءات التي تقدم عليها الطبقة العاملة يتمثل في الدفاع عن هيئاتها مهما كان الثمن والاستفادة من وطأة الأحداث؛ وأي منهج يخالف هذا المنهج سيكون بمثابة «تلاعب على الثورة»، وفاتتها اللحظة السيكلوجية المناسبة للقيام بإجراء ما. وفي اللحظة التي تصبح فيها أحوج ما تكون إلى القوة تفقد هذه القوة. غير أن الطبقة العاملة في النمسا كانت متحدة على الأقل، ولكن حين يقضي الصراع الداخلي على الثقة بالنفس، فهناك تلك الحقيقة الاقتصادية الحيوية التي تشير إلى تعذر استغلال طاقات الإنتاج استغلالًا كاملًا في ظل العلاقات الطبقية القائمة في مجتمعنا الحديث. وعلى كل حال فقد دل هذا في الماضي دائمًا على احتمال حدوث تغير جوهري. لقد كنا نعتقد أن المجتمع الذي يقوم على أساس التملك قد يكسب من الثروات ما يتيح ظهور مبدأ توزيع مُرضٍ. وسعينا — على ضوء ظروفه — نحو التخلي عن مطالب العدالة عن طريق سياسة تقديم امتيازات للجموع. ومعنى هذا أنه يتحتم على ذلك المجتمع أن يتيح لهم الأسباب التي تجعلهم يؤمنون بأن في استطاعتهم أن يحققوا الأمان ويحققوا الأمل. وحين يتسع نطاق النظام الذي يقوم على الامتيازات كان هذا بمثابة مغامرة يحتمل وقوعها. بحيث صارت دينًا بالنسبة لهم، وحينئذ يتجمع الذين ينعمون بالامتيازات حول الذين يعدون — عن طريق اتخاذ إجراءات عنيفة — باستعادة سلطان الدولة التقليدي. أعتقد أننا نواجه هذا الموقف في الوقت الحالي. ومن أجل الاحتفاظ بهذا النظام جندت له ديانات الدولة وقوانينها، وحين تميز المجتمع القائم على أساس التملك بسياسة التوسع أصبح من الممكن إسكات هؤلاء بالامتيازات. ولكي تحافظ على حقوقها من غائلة الهجوم نضطر إلى مهاجمة أسس النظام الذي كان يحقق الامتيازات في الماضي. وفي مقدورهم أن يضربوا على وتر الخوف من المجهول ومن الجديد. وحين يرون جمود الجماهير وبلادتهم ينتهون إلى أن التذمر الذي يلمسونه إنما يرجع إلى رجال أشرار، وهؤلاء يمكن القضاء عليهم وتوجيه هجوم عنيف ضدهم في اللحظة المناسبة. وإن الأمر لا يتطلب سوى القضاء على هذا أو ذاك. بهذا حدث الملك لويس السادس عشر نفسه في الأيام الأخيرة للعهد القديم، إن الذي يدعو إلى الانقلاب لا يؤثر على الجموع إلا إذا كانت هذه الجموع تحس إحساسًا عميقًا بالمظالم التي يطالب هذا الداعية بالتخلص منها. والمظالم لا تعبر عن نفسها عن طريق العنف إلا إذا جاءت عن طريق المعاناة الجماعية. وتشير الدلائل إلى أنه ليس من المحتمل أن نجعل المجتمع الرأسمالي يتقبل المبادئ التي يتطلبها ظهور الاشتراكية؛ إذ إننا بهذا نطالب الرأسماليين بأن يرضوا لأنفسهم بالتدمير. وهم يعرفون حيدًا كيف يضعون هذا الحكم بمنتهى السهولة. هذا هو المعنى الذي يكمن وراءه استحواذهم على سلطة الدولة، صدر قانون يقضي بأن التفوه بأية كلمة تساعد العدو أو تدخل عليه الطمأنينة يعتبر جريمة. والقدرة على التحكم في الأنباء لها أثر لا تتيسر المبالغة في وصفه. والسلاح الجديد — سلاح الإذاعة — وهي إشارتهم إلى حد كبير أيضًا، وينطبق هذا القول على عصرنا الحديث أكثر مما كان ينطبق على الثلاثمائة عام الماضية؛ من هذا يصح لي أن أنتهي إلى القول بأن الدولة التي تسيطر فيها الطبقة على سلطان الدولة لن تفرط في هذه السيطرة إذا ما جعلها هذا التفريط تتنازل عن الامتيازات التي تتمتع بها. إنها ستقوم بالإصلاح — حين يتحتم عليها ذلك — على شريطة ألا يعني هذا الإصلاح القضاء على ما لم تره ضروريًّا لوجودها. إنها لن تقدم على الإصلاح إلا إذا أمنت بأن الامتيازات التي ستتنازل عنها لن تورطها في تضحيات جوهرية. وما زال التاريخ يُرينا كيف أنها ستحارب على الدوام، فلا شك أن الذين يستحوذون على السلطة الاقتصادية سيعمدون إلى خنق النظام الديمقراطي إذا ما تدخل هذا النظام في سياسته، ومعنى هذا — بمرور الوقت — الحرب. غير أن الحرب لا تؤدي إلى ظهور الديمقراطية بكل تأكيد، إن الحرب لا تؤدي إلى الديمقراطية، وتكون النتيجة أن يربطوا خسارتهم بالنظام الديمقراطي، كما أن الحرب لا تؤدي بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا. إن الظروف العلمية التي تعمل الحكومة العصرية في ظلها تجعل من الممكن أيضًا أن تكون نتيجة الحرب عودًا إلى البربرية، كما أنه من الممكن أن يكون من نتيجتها انتصار الطبقة العاملة. وأن تقيم حكومة مدنية على وجه السرعة. والذي يستعرض تاريخ الثورة الروسية لا يستطيع أن ينكر أن نجاحها في تكوين دكتاتورية بروليتارية يرجع قبل كل شيء إلى عاملين؛ ما معنى هذا كله إذن؟ يخيل إلى أن التحليل الذي أوردناه يؤدي إلى القول بأن السياسة الدولة في العصر الحديث قلما تؤدي إلى ظهور ثورة ناجحة. وما لم يكن هناك موقف تتيح فيه الأحداث العارضة فرصة المبادرة بالإقدام على إجراء ما. وليس من المحتمل أنها ستقدر حين تواجه التحدي على الاحتفاظ بسلطانها عن طريق الاعتماد على السياسة الكلاسيكية للديمقراطية. وعلى أية حال سيكون من العسير — بمقياس السرعة التي يتحقق بها نجاحه داخل إطار نظامه — أن يحول بين خصومه وبين أن يوجهوا الضربة الأولى. والواقع أنهم يقنعون أنفسهم دائمًا بإخلاص بأن لهم الحق في اتخاذ إجراءات حاسمة تكفل الإبقاء على هذا النظام. ونظرًا لأن الملكية في المجتمع الرأسمالي تستحوذ على سلطان الدولة، ولقد شعروا بهذا بصفة عامة حينما كانت هناك إصلاحات تدريجية محدودة المدى، وقلما شعروا بهذا حين تؤثر التغيرات المقترحة في نفس الأساس الذي يقوم عليه كيان العلاقات الطبقية. إلى أن يتعودوا على النظام الاجتماعي الجديد، غير أن هذا النوع من التعهد لا يسهل الوعد به بإخلاص، فمعنى ذلك تعطيل أي إصلاح لحالة العمال في أية صناعة تستولي عليها الدولة، وهناك جميع الأدلة الممكنة التي تعارض ذلك النوع من المصادرة وهذا النوع يجعل الطبقة المالكة تتصارع. ويجدر بنا أن أن ندفع ثمنًا لا بأس به حتى يتقبلوا النظام الاجتماعي الجديد عن طيب خاطر، وهذا سيؤجل فقط مشكلة دفع الثمن دون أن يوجَد أساس لحل هذه المشكلة حلًّا معقولًا. لقد اعتدنا في جميع أنحاء العالم على بربرية جديدة، وجعل اليهود في ألمانيا جنسًا مستعبدًا وما تؤدي إليه الخلافات السياسية من فرض ألوان التعذيب التي لا يستطيع رجل حساس أن يتصورها دون أن يشعر بالهلع وارتكاب هذه الأفعال بكل بساطة، وحين تسلح الآراء نفسها استعدادًا للصراع يتعذَّر وصول صوت العقل إلى الأسماع. ويتم القضاء على الإجراءات الخاصة بالحكومات التي تحكم عن رضا، ولا نعني هذا بالضرورة أن امتلاك الأسلحة معناه قضية أحسن. لقد كان هذا هو المزاج الذي ظهر كلما اقترب نظام اجتماعي من شفا الهاوية. وهكذا حاربت القيصرية دعوة الإصلاح السياسي والاجتماعي في روسيا قبل الثورة. كل هذا يفسر لنا لماذا كانت سلطة الدولة — في المجتمع الذي لا تسوده المساواة — وسيلة لقمع المحرومين من الامتيازات التي تحميها هذه الدولة. كما أنه يفسر لنا لماذا يتحتم على المحرومين أن يسعوا نحو الحصول على هذه السلطة؛ ولقد قيل: إنه أينما وجد مجتمع مقسم إلى طبقات اقتصادية تختلف كل منها عن الأخرى من حيث الملكية — داخل في نطاق الوظيفة الإنتاجية — صارت الدولة حاجزًا يحول دون القضاء على الطبقات. من أجل هذا تجد أن منطق الدولة — في الحضارة الرأسمالية — يجعل من هذا سلاحًا يُستخدم ضد الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وحينما كانت هذه المدينة ثرية أو توسعية أدت قدرتها على إتاحة الامتيازات للجموع إلى التخفيف من تصارع المصالح التي تقوم هذه المدينة على أساسها. ولكن حينما تعرضت المدينة للأزمة — كما يحدث في أيامنا هذه — صار الصراع قاسيًا وحاسمًا، إنهم ليسوا بأقل من خصومهم إيمانًا بأنهم يعملون للصالح العام. لأن البيئة والتجربة التي تفسرها الطبقات في المجتمع تؤدي إلى تفسيرات لما يتضمنه الصالح العام. يضطر أفراد هذا المجتمع إلى اختيار أحد أمرين: إما الاستسلام أو الحرب الاجتماعية. ولقد دل التاريخ — حتى الوقت الحالي — على أن الطبقة التي تسعى إلى إعادة تحديد موقفها في الدولة بطريقة أساسية تضطر دائمًا إلى تحقيق أهدافها عن طريق الثورة العنيفة. ولقد أشرت على هذه الصفحات إلى أن الحقائق التي نواجهها في الوقت الحالي لا تضمن لنا أن تجربتنا ستختلف عن التجربة التي مرت بها العصور السالفة. وموجز القول أن الشكل الديمقراطي للدولة في المجتمع الذي يقوم على أساس التملك، من أجل هذا نرى أن أية فلسفة سياسية لا تستطيع أن تتصرف بنجاح مع مفهوم سلطان الدولة الذي يُفسر على أنه جهاز لرفاهية المجتمع الذي تتحكم فيه هذه السلطة. وطالما عبرت الدولة عن مجتمع منقسم إلى طبقات اقتصادية صارت دائمًا خادمًا للطبقة التي تملك أو التي تتحكم في ملكيته وسائل الإنتاج. والمنطق الذي يكمن وراء هذا الوضع هو أنه ليست هناك دولة تستطيع أن تحقق رفاهية مجتمع بأكمله ما لم يشترك المجتمع بأكمله في امتلاك وسائل الإنتاج. ومن الممكن أن يكون هذا المجتمع مجتمعًا يتمتع بالمساواة، بمعنى أن الاستجابة للاحتياجات لا تتم على أساس القدرة على الحصول (ومرجعها حقيقة الملكية العادية)، وإنما على أساس خدمات تؤديها وظيفة يتم قيامها بميزان قيمتها الاجتماعية.
والديمقراطية الرأسمالية تخلق نفس الموقف، فإن الطبقات العاملة — إذا كانت متحدة — ستصير في وضع يتيح لها أن تستخدم عنصر المبادرة، بينما تظل سلطة الهجوم في أيدي خصوم هذه الطبقات. من أجل هذا نرى أننا إذا أوجدنا انشقاقًا بين الطبقات العاملة فإننا بذلك نربكها. وإن مهاجمة الديمقراطية الاشتراكية بنفس الأسلوب الذي اتبعه الشيوعيون معناه إضعاف ثقة العمال في الاشتراكية دون التمكن من تحويل ولائهم إلى الشيوعية (كما دلت الأحداث). ولو قد ظل الشيوعيون جزءًا لا يتجزأ من الجهة الاشتراكية لأدى الخطر الذي تعرضت له حركة العمال بقسميها إلى إجبارهم على القيام بإجراء مشترك ضد العدو. والذي حدث في الواقع أن كل جناح كان يحارب في جبهتين، ولم يكن يدري من هو الخصم الذي يستحق عداوة أكثر، ولم يكن هناك غير طريق واحد يؤدي إلى الوحدة، ويتمثل هذا الطريق في التخلي عن نظرية الفاشستية الاشتراكية، وقد كان من الممكن أن يتيح للديمقراطية الاشتراكية والشيوعية — على السواء — حرية الكفاح معًا ضد العدو المشترك. وفي الوقت نفسه يصبح الشيوعيون في موقف يتيح لهم — في خضم الأزمة — أن يضموا الجماهير إلى صفوفهم، ويحضوهم على اتخاذ إجراء ما. غير أن السياسة التي ساروا عليها قضت على أي احتمال باتخاذ إجراء ما، قبل أن تكون هناك ضرورة هذا الإجراء بوقت طويل. إن نظرية الديمقراطية الاشتراكية التي التزموها قضت على هذه الثقة التي تقتضي الضرورة وجودها كأساس للتعاون. وحين أشار المؤتمر الشيوعي الدولي على أحزابه التابعة له في السابع عشر من شهر مارس عام ٣٣ بأن تقترح هذه الأحزاب على الديمقراطيين الاشتراكيين القيام بإجراء مشترك ضد الفاشستية، جاء هذا الاقتراح بعد فوات الأوان بأربعة عشر عامًا.وأعتقد أن الدلالة التي تنطوي عليها هذه الحقائق هي دلالة ظاهرة. إن نجاح الثورة الروسية لا يتكرر إلا إذا تكررت ظروف هذه الثورة وملابساتها، فإذا انعدمت هذه الظروف عجزت الطبقات العاملة عن الوصول إلى السلطة إلا إذا ظلت متماسكة متحدة (بصرف النظر عن الخلافات القائمة في صفوف تنظيمها الحزبي)؛ ذلك لأن قوة الطبقات العاملة تكمن في قواها المحشودة. فإذا ما خارت قوى هذه الطبقات استطاع خصومها أن يتغلبوا عليها عن طريق الاستفادة من الانشقاق الذي تعاني منه. ومما هو معروف أنه لو كانت الدعوة إلى القيام بإضراب عام ١٩٣٢م احتجاجًا على فون بابين قد نفذت بعزم وتصميم لأدت إلى خلعه وإلى القضاء على الهتلرية تبعًا لذلك. غير أن الدعوة إلى الإضراب العام كانت صادرة عن الشيوعيين. إلا أن زعماء الديمقراطية الاشتراكية نددوا بها لا لشيء إلا لأنهم لم يؤمنوا بالرجال الذين أشاروا باتباع هذه السياسة، وبالرغم من أن صفوف الديمقراطيين الاشتراكيين كانت مستعدة للقيام بإجراء من هذا النوع إلا أنها حين عرفت أن الدعوة إلى هذا الإجراء صدرت عن الشيوعيين استجابت على الفور لرأي زعمائها (من الديمقراطيين الاشتراكيين) الذين يعارضون هذه الدعوة. وأنى لهم أن يحيدوا عن هذا الرأي في الوقت الذي صرح فيه الشيوعيون أنفسهم بقولهم: إن هناك اختلافات جوهرية لا يمكن التغلب عليها «بين زعامة هذا الحزب وذاك»، وأنهم يكافحون ضد «السياسة الديمقراطية الاشتراكية»، وضد الحزب الديمقراطي الاشتراكي وضد ممثليه. وما لم يتعرض تنظيم الدولة للانهيار؛ فإن الطبقات العاملة لا تستطيع أن تحصل على السلطة إلا إذا احتفظت بتماسك هيئاتها. غير أنها لا تستطيع أن تحقق هذا إلا إذا كان هناك انقسام في صفوفها، وهو انقسام أثارته الشيوعية منذ الثورة. والحل الوحيد — إذن — لضمان وحدة الإجراءات التي تقدم عليها الطبقة العاملة يتمثل في الدفاع عن هيئاتها مهما كان الثمن والاستفادة من وطأة الأحداث؛ وأي منهج يخالف هذا المنهج سيكون بمثابة «تلاعب على الثورة»، وهو التلاعب الذي حذر ماركس منه الطبقة العاملة في كلمات منسقة. إن طبيعة الديمقراطية الرأسمالية تعني — في عهود الأزمات — ميزانًا يعوزه الاستقرار بحيث يسهل عليه. وليس أدعَى إلى قلب هذا الميزان من حيرة العمال؛ أي اتجاه يأخذونه؟ فإذا ما حدث هذا فقدت — كالجيش — ثقتها بنفسها، وفاتتها اللحظة السيكلوجية المناسبة للقيام بإجراء ما. وفي اللحظة التي تصبح فيها أحوج ما تكون إلى القوة تفقد هذه القوة. ونظرًا لأن جوهر الدولة بأكمله ينحصر في الالتجاء إلى القوة للحيلولة دون تحقيق أهدافها، نجد أن شل إرادتها عن طريق الانشقاق، يؤدي إلى فنائها في الميدان. وما حدث في النمسا يصور لنا مدى ضيق الفرصة أمام العمال المسلحين إذا ما انعدمت فوضى مماثلة لتلك الفوضى التي شهدها عام ١٩١٧م. غير أن الطبقة العاملة في النمسا كانت متحدة على الأقل، ولكن حين يقضي الصراع الداخلي على الثقة بالنفس، كما حدث في ألمانيا فإن المعركة باءت بالفشل قبل أن تتجمع القوى وتتحد. وتحتاج هذه المغامرة — إذا أريد لها أن تنجح — إلى اتحاد بين القوى المهاجمة لا يستطيع الأشخاص أو المبادئ أن يقضوا عليه. لقد كان هذا تاريخ ثورة كرومويل، وبمجرد أن فشل مؤيدوه في الوصول إلى اتفاق فيما بينهم أصبح الطريق معبَّدًا أمام شارل الثاني ليعود إلى الحكم كما كان هذا أيضًا تاريخ الثورة في فرنسا. فلقد ورث نابليون احتمالاتها وإمكانياتها، إذ بمجرد أن تم القضاء على نظام الامتيازات التي يتمتع بها الأرستقراطيون افتقر الأفراد — الذين قضوا على هذا النظام — إلى الأهداف المشتركة التي تجمعهم في صعيد واحد. وفي عصرنا الحاضر نجد ظروف التغير الجوهري ماثلة بين أيدينا. ولكن يبدو أننا لا نستطيع أن نستغل هذه الظروف لا لوجود خلاف يدور حول الأهداف بصفة خاصة فحسب، وإنما لوجود انشقاق مرجعه عدم الاتفاق على الوسائل التي تحقق بها هذه الأهداف.إنني أقول: إن الظروف الكفيلة بإحداث تغير جوهري موجودة، فهناك تلك الحقيقة الاقتصادية الحيوية التي تشير إلى تعذر استغلال طاقات الإنتاج استغلالًا كاملًا في ظل العلاقات الطبقية القائمة في مجتمعنا الحديث. وعلى كل حال فقد دل هذا في الماضي دائمًا على احتمال حدوث تغير جوهري. ولقد تغلغلت آدابنا في هذا المزاج، ولقد كان هذا (كما حدث في عهد الإصلاح وفي فترة الحركة الرومانتيكية) مقدمة للأزمة. لقد فقدت طبقاتنا المهيمنة ثقتها بنفسها، ولم تعد سياسة التسامح (التي تميز النظام الذي يشعر بالأمن والحماية)، لم تعد هذه السياسة تكتسب الرضا الذي كان شائعًا منذ جيل. أما الإيمان فيقدر العقل على تسوية الخلافات مع العدالة، فلم يعد يثير نفس الاستجابة التي كان يثيرها في القرن التاسع عشر، والأفكار تكون بتغطية نفسها برداء مسلح خشية أن تصير فضائلها جد معنوية، بحيث يتعذر أن تنتشر. وثبت أن القوى التي تنكر أشد سطوة من القوى التي تجزم وتؤكد. إننا نؤمن بسلطان العلم، لقد كان الدين قوة تستطيع أن توحد، غير أن اكتشافات العلم من جهة، قد قضى على حق الدين في ضمان إخلاص الناس له. لقد كنا نعتقد أن المجتمع الذي يقوم على أساس التملك قد يكسب من الثروات ما يتيح ظهور مبدأ توزيع مُرضٍ. غير أن الذي اكتشفناه هو أنه لا سبيل — في هذا النوع من المجتمع — إلى الاحتفاظ بمبدأ للتوزيع ترضى عنه الجموع باعتباره مبدأ عادلًا. وسعينا — على ضوء ظروفه — نحو التخلي عن مطالب العدالة عن طريق سياسة تقديم امتيازات للجموع. غير أننا اكتشفنا أن منطق نظامنا يضيق الخناق — بخشونة وبقسوة — على هذا الجهد الذي يبذل لتأجيل المسألة الجوهرية.وفي استطاعتنا أن نتحدث عن هذه المسألة الجوهرية في عبارات بسيطة أن المجتمع الذي يفتقر إلى المساواة، أي الذي يقوم على أساس تمتع الأقلية بالامتيازات لا يستطيع أن يحتفظ بسلطانه إلا عن طريق الرضا والقبول، أو عن طريق القوة. ومعنى هذا أنه يتحتم على ذلك المجتمع أن يتيح لهم الأسباب التي تجعلهم يؤمنون بأن في استطاعتهم أن يحققوا الأمان ويحققوا الأمل. وحين يتسع نطاق النظام الذي يقوم على الامتيازات كان هذا بمثابة مغامرة يحتمل وقوعها. ولا تتعرض نوايا هذا النظام للتحدي؛ وكأنها تبرير لوجوده،ولكن حالما يتعرض النظام — في إحدى فتراته — لأزمة يتعذر فيها التلويح بالأمل أو الأمان، صار التعرض للعقبات الخطيرة أمرًا لا مهرب منه. وينسى الناس ما حققه هذا النظام من انتصارات، فهم غاضبون من جراء حالة التوقف والغموض التي يعيشونها. ويبدأ هؤلاء في اختيار الأسس وفحصها، ويطالبون بتفسيرات منطقية لتلك الأحكام والآراء التي يغلب عليها طابع العادة أكثر مما يغلب عليها طابع المنطق أو طابع العدالة. وتتضاعف الشكوى، غير أن تحقيق هذه الامتيازات في فترة الأزمة معناه مطالبة الذين استمروا يتمتعون بهذه الامتيازات، بحيث صارت دينًا بالنسبة لهم، بأن يتخلوا عنها عن طيب خاطر. وعندئذ تبدو الأشياء — التي كانت معقولة من قبل — في صورة مدمرة هدامة، وتبدو المسائل — التي كانت قابلة فيما مضى للنقاش — في صورة أشياء تهدد القانون والنظام. والذين يتحكمون في روح النظام ينكرون قدرته على إتاحة المطالب الموضوعة. وهم ينظرون إلى دعاة الإصلاح باعتبارهم ثوريين، ويصرون على أن هؤلاء الثوار أعداء للمجتمع. وهم يعبئون قوى الدولة الإلزامية ليستأصلوا شأفة الانشقاق، ويبدأ الخوف يتسلل إلى نفوس هؤلاء الذين يعيشون على الملكية. وحين يسيطر الخوف على عقول الناس، فإنهم لا يستمعون إلا إلى صوت المتطرفين، وحينئذ يتجمع الذين ينعمون بالامتيازات حول الذين يعدون — عن طريق اتخاذ إجراءات عنيفة — باستعادة سلطان الدولة التقليدي. إن التطرف يثير التطرف،أعتقد أننا نواجه هذا الموقف في الوقت الحالي. لقد مضت أكثر من ثلاثة قرون ونحن نخلق دولة تخدم أهداف مجتمع يقوم على أساس التملك، وتغلغلت هذه الأهداف في كل جانب من جوانب هيئاتها، ويتطلب هذا الوضع نظامًا للعلاقات الطبقية، ومن أجل الاحتفاظ بهذا النظام جندت له ديانات الدولة وقوانينها، وقواتها المسلحة، وحين تميز المجتمع القائم على أساس التملك بسياسة التوسع أصبح من الممكن إسكات هؤلاء بالامتيازات. واليوم نجد أن هذه الهبة، تضرب في الصميم تلك القوة التي تعتمد عليها الامتيازات للمحافظة على بقائها. ولكي تحافظ على حقوقها من غائلة الهجوم نضطر إلى مهاجمة أسس النظام الذي كان يحقق الامتيازات في الماضي. وهي تجد نفسها فريسة الحيرة، وإما أن ترجع القهقرى إلى نظام اجتماعي لا يحق فيه لمجموعة الرجال أن تؤكد جوهرها بمقتضى نظرية الديمقراطية السياسية.وفي خضم هذه الحيرة يناشد الملاك سلطان الدولة حتى يحميهم من غائلة الهجوم، كيف لا وقد علمتهم تجارب القرون الثلاثة أن من حقهم أن يفعلوا ذلك؟ لقد شقوا طريقهم للوصول إلى السلطة في الماضي بفضل الحرب وبفضل الثورة؛ ولهذا لا يشكون في صدق دعواهم وسلامتها من الناحية الأخلاقية. وهم يرون أن التحدي الذي يتهددهم صادر عن الرجل العادي الفاشل العاجز نصف الحي الذي ينذر هؤلاء الذين وصلوا إلى مراكزهم تحت الشمس بفضل قدرتهم وطاقتهم وجهودهم. إن القانون يقف إلى جانبهم، وفي حوزتهم ذلك القانون الدائم الذي يغري الناس بأن يعترفوا بوجود نظام خالد في تراث الماضي. وفي مقدورهم أن يضربوا على وتر الخوف من المجهول ومن الجديد. وقد نجح هذا الخوف — على الدوام — في كسب ولاء الخائف والعاجز، وتصرفاتهم تحمل طابع الأمر. وهم يعرفون أن أي نظام للسلطة تعود عليه الناس يؤدي إلى ظهور عواطف ودية عميقة لا يمكن أن ينفصلوا عنها بسهولة. وحين يرون جمود الجماهير وبلادتهم ينتهون إلى أن التذمر الذي يلمسونه إنما يرجع إلى رجال أشرار، وهؤلاء يمكن القضاء عليهم وتوجيه هجوم عنيف ضدهم في اللحظة المناسبة. إنهم لا يؤمنون بأن أيامهم قد ولت وانتهت. وهي أن في استطاعة جهة شجاعة غير هيابة أن تقف في شموخ كالتمثال، وهم يحدثون أنفسهم قائلين: إن النظام صالح في حد ذاته، وإن الأمر لا يتطلب سوى القضاء على هذا أو ذاك.بهذا حدث الملك لويس السادس عشر نفسه في الأيام الأخيرة للعهد القديم، وبهذا آمن نيقولا الثاني والطغيان القيصري يلفظ أنفاسه الأخيرة. غير أن كلًّا منهما كان مخطئًا؛ إن الذي يدعو إلى الانقلاب لا يؤثر على الجموع إلا إذا كانت هذه الجموع تحس إحساسًا عميقًا بالمظالم التي يطالب هذا الداعية بالتخلص منها. والمظالم لا تعبر عن نفسها عن طريق العنف إلا إذا جاءت عن طريق المعاناة الجماعية. ولكي نتجنب المظالم يجب أن تكون هناك سياسة للإصلاح الدائم، غير أن هذا لا يتحقق إلا إذا كان ثمن الإصلاح ومداه يتعارض مع طبيعة النظام الموجود. إننا لا نستطيع أن نحقق الإصلاحات التي يتطلبها نظام اقتصادي حر في القرن التاسع عشر. لا نستطيع أن نحقق ذلك في ظل النظام الإقطاعي؛ ذلك لأن مطالب الإصلاح تتعارض مع مطالب الإقطاع. وتشير الدلائل إلى أنه ليس من المحتمل أن نجعل المجتمع الرأسمالي يتقبل المبادئ التي يتطلبها ظهور الاشتراكية؛ إذ إننا بهذا نطالب الرأسماليين بأن يرضوا لأنفسهم بالتدمير. وليس هناك (في الحضارة الغربية على الأقل) طبقة أعربت بعد عن استعدادها للتخلي عن الامتيازات التي نظمت الدولة من أجل صيانتها.كيف تفعل ذلك، إنهم لا يحترمون حكم الأغلبية احترامًا كبيرًا، وهم يعرفون حيدًا كيف يضعون هذا الحكم بمنتهى السهولة. وهم ليسوا على استعداد لالتزام ثمار المنطق أو بوجه أصح: إنهم يصرون على قدرتهم على تحديد المقدمات المنطقية التي يجب أن تثير الجدل بمقتضى مبادئها. وهم يحرصون على تحديد هذه المقدمات بحيث يتم الرجوع إلى سلطة الدولة للحيلولة دون الشك في شرعية وجودهم. وموجز القول أنهم يلعبون اللعبة وفي جعبتهم ذلك العائق الهائل الذي يتيح لهم فرصة وضع قوانين هذه اللعبة. وهم يحرصون على تحديد هذه القوانين بحيث لو شك البعض في سلامتها لطردوا من المعلب.هذا هو المعنى الذي يكمن وراءه استحواذهم على سلطة الدولة، إن هذا الاستحواذ يجعلهم قادرين على استخدام القوة ليقرروا نتيجة المباراة، إذا ما جرؤ شخص على تحدي عوائقهم. فإذا ما جاء هذا التحدي في صورة إضراب مثل الإضراب الذي قام به عمال النسيج في الولايات المتحدة في خريف عام ٣٤؛ فقد حيل دون نجاح هذا الإضراب عن طريق إلقاء القبض على الزعماء المحليين، بحيث يتعذر وجود اتصال بين نقابات العمال وأعضائها. وإذا ما جاء هذا التحدي في صورة احتجاج على قيام حرب، صدر قانون يقضي بأن التفوه بأية كلمة تساعد العدو أو تدخل عليه الطمأنينة يعتبر جريمة. وفي ظل هذا القانون يُفتح المجال الذي لا نهاية له أمام العقوبات. ولا يقتصر استحواذهم لسلطة الدولة على مجرد تحديد قواعد المباراة، إنهم يملكون الصحف إلى حد كبير. والقدرة على التحكم في الأنباء لها أثر لا تتيسر المبالغة في وصفه. والسلاح الجديد — سلاح الإذاعة — وهي إشارتهم إلى حد كبير أيضًا، خاصة في فترات الأزمات.وفي ظل هذه الظروف لا يوجد خطر كبير يجعلهم يشعرون بالخوف على سلطانهم من أن يتعرض للتحدي، اللهم إلا في حالتين. ومن الممكن أيضًا أن يظهر هذا التحدي حين تحطم التجربة الطويلة (التي تعتبرها الأقلية ظلمًا) الآمال المعقودة. وفي هذه الحالة لا تسطيع الدولة أن تركن إلى الولاء التقليدي للأجهزة التي تعتمد عليها. وبصرف النظر عن هذه المواقف نجد أن الحكومة التي تصمم على الاحتفاظ بسلطان دولتها مهما كان الثمن لا شك أنها ستفعل ذلك (ما لم ترتكب خطأ استراتيجيًّا جنائيًّا). وينطبق هذا القول على عصرنا الحديث أكثر مما كان ينطبق على الثلاثمائة عام الماضية؛ وذلك لسببين، كما أن الأسلحة اللازمة لثورة ناجحة كالطائرات والغازات السامة، والمدفعيات الثقيلة، إن التجربة التي مرت بها النمسا وأسبانيا توضح بصورة قاطعة أن أية ثورة لا تستطيع حتى أن تأمل في النجاح ما لم تكن القوات المسلحة في جانبها، ما لم تلتزم هذه القوات المسلحة جانب الحياد وسط الظروف التي تنشب الثورة في ظلها.من هذا يصح لي أن أنتهي إلى القول بأن الدولة التي تسيطر فيها الطبقة على سلطان الدولة لن تفرط في هذه السيطرة إذا ما جعلها هذا التفريط تتنازل عن الامتيازات التي تتمتع بها. إنها ستقوم بالإصلاح — حين يتحتم عليها ذلك — على شريطة ألا يعني هذا الإصلاح القضاء على ما لم تره ضروريًّا لوجودها. إنها لن تقدم على الإصلاح إلا إذا أمنت بأن الامتيازات التي ستتنازل عنها لن تورطها في تضحيات جوهرية. فإذا لم تتحقق هذه الشروط حاربت الطبقة المهيمنة. وما زال التاريخ يُرينا كيف أنها ستحارب على الدوام، وهي تؤمن إيمانًا عميقًا بأن الحق في جانبها. فإذا ما نشب الصراع في هذا النوع من المجتمع الذي نطلق عليه صفة المجتمع الديمقراطي الرأسمالي؛ فلا شك أن الذين يستحوذون على السلطة الاقتصادية سيعمدون إلى خنق النظام الديمقراطي إذا ما تدخل هذا النظام في سياسته، في أسس الرأسمالية. وهو أن الديكتاتورية السافرة بديل للحكومة التي تحكم بموافقة الشعب. وليس هناك من سبب جوهري واضح يجعلنا لا نصدق أنها تستمر لفترة من الزمن. ولست أرى ما يدعو إلى الافتراض بأن الرجال الذين يفقدون الحرية السياسية طواعية سيقدرون — أو سيرغبون عن طيب خاطر — على تنظيم علاقاتها في ظل الظروف الحاضرة. وليس من شك في أن الدكتاتوريات تحطم نفسها — بمرور الوقت — بعجزها عن إرضاء الشعب الذي تحكمه. غير أن هذا لا يحدث إلا بعد مرور فترة من الزمان. وليس من شك أيضًا في أن الظروف الاقتصادية في عصرنا الحاضر لدولة أوتوقراطية تحاول كما حاولت ألمانيا أو إيطاليا أن تطيل أمد النظام الطبقي للرأسمالية. وقد يؤدي ذلك إلى ظهور سياسة خارجية ذات صبغة عسكرية. ومعنى هذا — بمرور الوقت — الحرب. غير أن الحرب لا تؤدي إلى ظهور الديمقراطية بكل تأكيد، كما أنها لا تؤدي بالضرورة إلى ظهور دكتاتورية برولتيارية (في الوقت الذي تندثر فيه الدكتاتورية حين تفشل في هذه الحرب).إن الحرب لا تؤدي إلى الديمقراطية، إذ إن الفوضى التي تجيء نتيجة للقضاء على نظام أوتوقراطي قلما تستطيع الوسائل الديمقراطية أن تغلب عليها. ومن الواضح أن روسيا وإسبانيا والنمسا وألمانيا يعرفون هذا الدرس. إن فك القيود — وهو الشيء الذي يحدث في العادة بعد سقوط الدكتاتورية — يتطلب بديلًا آخر في صون حكومة قوية. والعيب الجوهري الذي تمنى به الأتوقراطية هو أنها تقضي على عادات التسوية والتعاون التي تعتمد عليها الديمقراطية، حتى يتسنى لها أن تنجح في مهامها، كما حدث في إسبانيا وألمانيا. فإذا ما انعدمت — كما حدث في إسبانيا وألمانيا — تذمرت الطبقات التي تدفع ثمن الإصلاحات الكبرى. وتكون النتيجة أن يربطوا خسارتهم بالنظام الديمقراطي، وتتولد الكراهية في صفوف القلة، وتسود البلاد صفوف الكثرة. وهذا هو الطريق المباشر الذي يفضي إلى الثورة المضادة، وإذ ذاك نجد ميلًا إلى ناحية روح الأزمة التي تتطلب تشريعات استثنائية. فإذا ما تحقق هذا بالقوة أقدم خصوم النظام المتهورون على إجراءات يائسة، وإذا ما ظلت عاطلة أقنعتهم على الأقل بضعف الديمقراطية، ومن ثم أغرتهم ببذل مزيد من الجهود للقضاء على هذه الديمقراطية. ولا أعتقد أن هناك كثيرين يشكون في أن تسامح جمهورية فيمار إزاء خصومها الذين نظموا صفوفهم قد أقنعت هؤلاء الخصوم بأن أسس هذه الجمهورية من الضعف، بحيث تجعل القضاء عليها أمرًا يسيرًا. ولو قد أبدى «أبرت» وزملاؤه من الحزم إزاء مؤيدي اليمين، ما أبدوه إزاء مؤيدي اليسار لتغير تاريخ الفاشستية الألمانية.كما أن الحرب لا تؤدي بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا. إن دكتاورية البروليتاريا ليست لها بد منها في تاريخ التطور الاجتماعي، وهي ليست مجرد ثمرة لظروف اقتصادية خاصة، فهي أيضًا ثمرة هؤلاء الزعماء الذين لهم — مثل لينين — عين ترى، ويد تبطش، إن الظروف العلمية التي تعمل الحكومة العصرية في ظلها تجعل من الممكن أيضًا أن تكون نتيجة الحرب عودًا إلى البربرية، كما أنه من الممكن أن يكون من نتيجتها انتصار الطبقة العاملة. غير أن هناك شروطًا كثيرة يتطلبها انتصار الطبقة العاملة؛ إذ يجب أن تكون مسلحة، ويجب أن يقودها حزب ثوري مزود بالعتاد الاستراتيجي للقيام بمهامه. ويجب أن تكون من القوة بحيث لا تتغلب مع مقاومة خصومها فحسب، وإنما تقاوم وطأة التدخل الأجنبي. ويجب أن يكون في مقدورها أن تتأكد من كفاية المواد الغذائية، وأن تقيم حكومة مدنية على وجه السرعة. إنه عمل ضخم إذا نظرنا إليه من أية زاوية، وإذا نظرنا إليه من أية زاوية أيضًا وجدنا أن نجاحه أشبه ما يكون بمعجزة. والذي يستعرض تاريخ الثورة الروسية لا يستطيع أن ينكر أن نجاحها في تكوين دكتاتورية بروليتارية يرجع قبل كل شيء إلى عاملين؛ العامل الأول: ضعف البرجوازية الروسية، ومن ثم خارت قواها وهي تقاوم. وإنما باعتباره الرجل العظيم الذي حقق تماسكها ووحدتها. لا شك أن الثورات تبرز الرجال الذين هم من الطراز الأول وتضعهم في المقدمة باستمرار، غير أن التاريخ الحديث بأكمله لم ينجب رجلًا أكثر صلاحية من لينين لمعالجة مشاكله الضخمة العميقة.ما معنى هذا كله إذن؟ يخيل إلى أن التحليل الذي أوردناه يؤدي إلى القول بأن السياسة الدولة في العصر الحديث قلما تؤدي إلى ظهور ثورة ناجحة. وما لم يكن هناك موقف تتيح فيه الأحداث العارضة فرصة المبادرة بالإقدام على إجراء ما. وروسيا هي المثال التاريخي الوحيد على ذلك، فإن هذا التغير لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق حكومة يعضدها رأي عام يتصف بالقوة وبالتصيمم. وحتى لو تحقق هذا فإن الدلائل تشير إلى احتمال تعرض هذه الحكومة للتحدي. وليس من المحتمل أنها ستقدر حين تواجه التحدي على الاحتفاظ بسلطانها عن طريق الاعتماد على السياسة الكلاسيكية للديمقراطية. وأي هجوم سافر موجه ضدها يورطها في إجراءات السيطرة والقمع. وفي هذه الحالة تصبح تلك الإجراءات الثمن الذي تدفعه من أجل البقاء.من أجل هذا يصبح من الضروري لأي حزب يحاول تغيير الأسس الاقتصادية للمجتمع أن يحتفظ لأطول مدة ممكنة بنظام أساسي يتيح له استعادة قوته بطريقة سافرة، أما الصورة البديلة لهذه الصورة فتتمثل في تحول الحزب، كما حدث في ألمانيا، من حركة إلى مؤامرة. وعلى أية حال سيكون من العسير — بمقياس السرعة التي يتحقق بها نجاحه داخل إطار نظامه — أن يحول بين خصومه وبين أن يوجهوا الضربة الأولى. والذين يكشفون خطرًا يهدد أسس النظام الذي يؤمنون به بسهولة. والواقع أنهم يقنعون أنفسهم دائمًا بإخلاص بأن لهم الحق في اتخاذ إجراءات حاسمة تكفل الإبقاء على هذا النظام. ولقد تعودت الملكية ملكية الأشياء طيلة تاريخها اعتبار الهجوم أحسن وسيلة للدفاع. ونظرًا لأن الملكية في المجتمع الرأسمالي تستحوذ على سلطان الدولة، فإن فرصة القضاء على الديمقراطية التي تهدد امتيازاتها فرصة واضحة وجذابة.وعلى ضوء هذا التحليل سرعان ما ينظر الناظر إلى هذه الأحداث كيف أن طابع الحرية التي عشقها الناس هو طابع هش.إن الحرية في أي مجتمع مسألة أمانة، وحين يتعرض هذا الأمان للخطر يسهل على الذين يدافعون عن النظام القائم أن يقضوا عليه. وأن ننظر إلى طابع إنجلترا السياسي أيام بيت وسيد مواث والاستهانة بالحرية. وهي الاستهانة التي تعتبر من سمات الدكتاتورية الحديثة سواء منها دكتاتورية البروليتاريا أو الدكتاتورية الفاشستية. لا يمكن الإبقاء على الحرية إلا إذا جاءت التغيرات المقترحة نتيجة للرضا العام أو كانت من الضيق بحيث يشعر الذين يتأثرون بنتائجها بأن السلام أفضل من الصراع. ولقد شعروا بهذا بصفة عامة حينما كانت هناك إصلاحات تدريجية محدودة المدى، وذات نتائج تظهر شيئًا فشيئًا، وقلما شعروا بهذا حين تؤثر التغيرات المقترحة في نفس الأساس الذي يقوم عليه كيان العلاقات الطبقية.والنتيجة البسيطة التي تستخلص غالبًا من هذه الحقيقة أنه ما دامت الحرية تعتمد في وجودها على الأمان وجب على دعاة الإصلاح إذا ما كانوا يهتمون بالحرية أن يدفعوا لها الثمن. وطريقة ذلك أن يضمنوا للطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج الاستمرار في التمتع بتلك الامتيازات التي تتيحها الملكية لفترة من الزمن، إلى أن يتعودوا على النظام الاجتماعي الجديد، ويرضوا عنه. غير أن هذا النوع من التعهد لا يسهل الوعد به بإخلاص، وإلى أن تحقق الملكية القومية مميزات التنظيم الذي أعيد بناؤه، فمعنى ذلك تعطيل أي إصلاح لحالة العمال في أية صناعة تستولي عليها الدولة، اللهم إلا على حساب مجموعة من المواطنين بوصفهم دافعي ضرائب أو مستهلكين. وهناك جميع الأدلة الممكنة التي تعارض ذلك النوع من المصادرة وهذا النوع يجعل الطبقة المالكة تتصارع. ويجدر بنا أن أن ندفع ثمنًا لا بأس به حتى يتقبلوا النظام الاجتماعي الجديد عن طيب خاطر، غير أن الثمن الذي يُلقي على كاهل هذا النظام عبئًا جديدًا ممثلًا في الدين الذي يطيل من عمر نظام الامتيازات بطريقة محتلفة غير مرغوب فيها، دون أن يتعرض أصحابها للخطر. وهذا سيؤجل فقط مشكلة دفع الثمن دون أن يوجَد أساس لحل هذه المشكلة حلًّا معقولًا. وبريطانيا بصورة خاصة، وذلك في خلال القرن التاسع عشر، إذ أوجد هذا المزاج عادة التسامح والغضب من المظالم، ولا بد أن يكون هناك قلة من الناس يعجزون عن الاستجابة لشعر يدعو فيه بيرون وشيلي وهايني وفيكتور هيجو إلى تحرير الجنس البشري من الأغلال التي تقيده. ولا بد أن يكون هناك فئة — أقل من الأدنى عددًا — لم تحس بأن تحرير إيطاليا من الطغيان النمسوي والحملة المتحررة ضد فظائع الأتراك، وتحرير العبيد في الولايات المتحدة، ودخول أعضاء حزب العمال مجلس العموم أضافت أشياء إلى مجموع رفاهية المدنية. لقد اعتدنا في جميع أنحاء العالم على بربرية جديدة، ويبدو أن الرجال يفرضون هذه البربرية باسم المبادئ التي يتمسكون بها في حرارة. إن خنق الدكتاتوريات (سواء أكان هذا في روسيا أم في ألمانيا أم في أي مكان آخر) للأحزاب التي لا تقبل أيديولوجية الذين يمسكون بأزمة الحكم، وجعل اليهود في ألمانيا جنسًا مستعبدًا وما تؤدي إليه الخلافات السياسية من فرض ألوان التعذيب التي لا يستطيع رجل حساس أن يتصورها دون أن يشعر بالهلع وارتكاب هذه الأفعال بكل بساطة، دون أن يستيقظ الذين يعلمون؛ من بلادتهم. لقد أدى اغتيال مانيوتي، بإيعاز من موسوليني، شيء يمكن للمشرعين المرموقين من ذوي الشهادات العالية أن يدافعوا عنه باعتباره تحقيقًا لفكرة العدالة. وخلاصة القول أن أشكال الحكومات التي نقرأ عنها في التاريخ، ونعتبرها ممثلة لأحد طغاة الشرق أو جبابرة إيطاليا في العصور الوسطى، هذه الأشكال قد قام حكام الدول الغربية في القرن العشرين بتنظيمها عن عمد دون أن يحسوا على ما يبدو بوخز الضمير. إن للإرهاب ما يبرره بوصفه الطريق الذي يؤدي إلى السلطة. ويقال: إن السلطة هي الحيز الأسمى بحيث لا تثير الوسائل التي يحققها أي احتجاج من جانب الذين يشاهدون هذه الوحشية.وحين تسلح الآراء نفسها استعدادًا للصراع يتعذَّر وصول صوت العقل إلى الأسماع. وحين تطغى قعقعة السلاح الجارفة على صوت العقل، يكف الناس عن الإنصات لنداء يدعو إلى الحرية، ويتم القضاء على الإجراءات الخاصة بالحكومات التي تحكم عن رضا، وينتصر الذين يملكون السلاح. ولا نعني هذا بالضرورة أن امتلاك الأسلحة معناه قضية أحسن. لقد كان هذا هو المزاج الذي ظهر كلما اقترب نظام اجتماعي من شفا الهاوية. ويدافع النظام القديم بوحشية عن ممتلكاته دون أن يلقي بالًا إلى معاني الصراع؛ وهكذا حارب الكاثوليك البروتستانت في أوروبا في القرن السادس عشر، وهكذا حارب الجنوب الشمال أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، وهكذا حاربت القيصرية دعوة الإصلاح السياسي والاجتماعي في روسيا قبل الثورة. والأفراد الذين أمسكوا بزمام السلطة واعتنقوا فكرة خاصة بالصالح العام سيحاربون دفاعًا عنها بدلًا من الاعتراف بأن هذه الفكرة لم تعد تلائم الاحتياجات التي تواجههم.إنهم لا يفعلون هذا بدافع من الرعونة أو عدم الإخلاص؛ وإنما لأن آراءَهم في الخير والشر تتاح للبيئة التي ترعرعوا فيها؛ ولأن الآراء المعادية لهم تهدد الأسس التي تعلموا عن طريق التجربة كيف ينظرون إليها باعتبارها شيئًا لازمًا لا يمكن التخلي عنه. وهم يتسامحون بل يصبحون كرماء حين يرون أن الآراء المعادية لا تهدد هذه الأسس، فإذا كانت تهددها بالفعل فضَّلوا استخدام وسائل القمع بدلًا من الجدال، باعتبار القمع أيسر وسيلة للدفاع عن أنفسهم. لقد صار من عادة النظام الاجتماعي الذي يشعر بأن ثمة خطرًا يتهدده أن يحيل الأرض إلى صحراء ليقول بعد ذلك: إن السلام يسودها، ولقد كانت سلطة الدولة — على الدوام — هي الوسيلة التي تُستخدم لصنع هذه الصحراء.كل هذا يفسر لنا لماذا كانت سلطة الدولة — في المجتمع الذي لا تسوده المساواة — وسيلة لقمع المحرومين من الامتيازات التي تحميها هذه الدولة. كما أنه يفسر لنا لماذا يتحتم على المحرومين أن يسعوا نحو الحصول على هذه السلطة؛ لكي يرتد إليهم نفعها. ولكن لم يحدث في التاريخ أن فتحت إحدى الدول صدرها لهذا الإجراء، لقد كانت هيئاتها في خدمة مصالح الذين يمتلكون وسائل الإنتاج الرئيسية في المجتمع، وكانت الأشكال السياسية على الدوام قناعًا تقف الطبقة المالكة خلفه؛ لتحمي سلطانها الذي أضفته عليها الملكية من غائلة الخطر. وحين كانت الأشكال السياسية تهدد حقوق الملكية عمدت الطبقة المالكة على الدوام إلى إخضاع هذه الأشكال لاحتياجاتها. وما من شك في أنها قدمت على الدوام من الأسباب ما يبرر محاولاتها. لقد حاولت أن تظهر (كما أظهر هتلر في ألمانيا) أن هذا الإخضاع يخدم مصالح المجتمع بأكمله. ولكن حينما تحقق الإخضاع بنجاح (كما حدث في إيطاليا وألمانيا في عصرنا الحاضر) اتضح لنا أن العلاقات الطبقية في المجتمع تظل ذات نفوذ مهما كان نوع الدفاع، ومهما بذل من إخلاص في هذا الدفاع.لقد حاول كتابنا هذا أن يوضح أن هدف الدولة الجوهري هو دائمًا حماية نظام معين خاص بالعلاقات الطبقية. ولقد قيل: إنه أينما وجد مجتمع مقسم إلى طبقات اقتصادية تختلف كل منها عن الأخرى من حيث الملكية — داخل في نطاق الوظيفة الإنتاجية — صارت الدولة حاجزًا يحول دون القضاء على الطبقات. من أجل هذا تجد أن منطق الدولة — في الحضارة الرأسمالية — يجعل من هذا سلاحًا يُستخدم ضد الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وحينما كانت هذه المدينة ثرية أو توسعية أدت قدرتها على إتاحة الامتيازات للجموع إلى التخفيف من تصارع المصالح التي تقوم هذه المدينة على أساسها. ولكن حينما تعرضت المدينة للأزمة — كما يحدث في أيامنا هذه — صار الصراع قاسيًا وحاسمًا، وتظهر الدولة بمظهر السلطة ذات السيادة التي تشتغل لحماية أسس الرأسمالية من الرجال الذين يريدون الاستفادة من تغيير النظام الرأسمالي.لقد قلت هنا: إن الذين يستغلون الدولة بهذه الطريقة لا يتصرفون هكذا بوحي من دافع أنانية محضة. إنهم ليسوا بأقل من خصومهم إيمانًا بأنهم يعملون للصالح العام. والآراء التي تتصارع إنما يعادي بعضها بعضًا؛ لأن البيئة والتجربة التي تفسرها الطبقات في المجتمع تؤدي إلى تفسيرات لما يتضمنه الصالح العام. وحين تتضح هذه النقطة في تاريخِ مجتمعٍ ما، يضطر أفراد هذا المجتمع إلى اختيار أحد أمرين: إما الاستسلام أو الحرب الاجتماعية. ولقد دل التاريخ — حتى الوقت الحالي — على أن الطبقة التي تسعى إلى إعادة تحديد موقفها في الدولة بطريقة أساسية تضطر دائمًا إلى تحقيق أهدافها عن طريق الثورة العنيفة. ولقد أشرت على هذه الصفحات إلى أن الحقائق التي نواجهها في الوقت الحالي لا تضمن لنا أن تجربتنا ستختلف عن التجربة التي مرت بها العصور السالفة.ولم أسلِّم في الواقع بأن احتمال وقوع ثورة عنيفة يعطي حق الانتصار للحزب الذي يهدف إلى خلق مجتمع بلا طبقات. ولقد أشرت إلى أن مثل هذا الحق يعتمد في وجوده على ظروف متعددة يندر أن تتضافر في وقت واحد. وليس من المحتمل أن يتحقق هذا التضافر في أغلب المواقف العادية التي نستطيع أن نتنبَّأ لها. وحاولت بصفة خاصة أن أدلل على أن ارتباط المجتمع الرأسمالي بدولة من النوع الديمقراطي وصيانتها لا يضمن — ضمانًا أكيدًا — تحقيق الفكرة الديمقراطية وصيانتها في فترة تختبر فيها صحة الاقتراحات الرأسمالية عن طريق الأزمة. وقلت: إن الارتباط المشار إليه يرجع إلى ظروف تاريخية خاصة، وليس من المستطاع القضاء على دولة إقطاعية إلا إذا تحالفت الطبقات الوسطى والعاملة (كما حدث في فرنسا وبريطانيا). ولقد كانت الآراء الديمقراطية هي الثمن الذي دفعته الطبقة الوسطى لهذا التحالف. ولقد أمكن — من جراء فترة التوسط الطويلة — إخفاء تباين المصالح بين المتحالفين، والآن وقد حلت فترة التقلص بتزايد الاختلاف بصورة واضحة، غير أنني حاولت أن أوضح أنه نظرًا لأن حقائق الديمقراطية السياسية مقيدة ببعدها عن المجال الاقتصادي — وهو مجال اهتمامات الطبقة الوسطى، فضلًا عن كونه مجالًا للسلطة الأساسية — فإن الحقائق تحيل التحالف الذي لم تعد له وظائف كبرى يؤديها إلى شيء عدائي. وموجز القول أن الشكل الديمقراطي للدولة في المجتمع الذي يقوم على أساس التملك، وهو المجتمع الذي خلقه التطور الرأسمالي، إنما يخفي سلطان الحكام الأثرياء ومن يركنون إلى هذا السلطان الذين لا يرون في الديمقراطية شيئًا يلائم المصالح التي يسعون إلى حمايتها.من أجل هذا نرى أن أية فلسفة سياسية لا تستطيع أن تتصرف بنجاح مع مفهوم سلطان الدولة الذي يُفسر على أنه جهاز لرفاهية المجتمع الذي تتحكم فيه هذه السلطة. وطالما عبرت الدولة عن مجتمع منقسم إلى طبقات اقتصادية صارت دائمًا خادمًا للطبقة التي تملك أو التي تتحكم في ملكيته وسائل الإنتاج. والمنطق الذي يكمن وراء هذا الوضع هو أنه ليست هناك دولة تستطيع أن تحقق رفاهية مجتمع بأكمله ما لم يشترك المجتمع بأكمله في امتلاك وسائل الإنتاج. فإذا ما تحقق هذا استطاعت سلطة الدولة أن تحمي مصالح كل فرد من أفراد المجتمع دون تحيز؛ ذلك لأن رغبات المواطن لا يُنظر إليها بعين الاعتبار، ولا تحظى بالاستجابة المطلوبة إلا إذا اعتبر عضوًا متساويًا مع جميع أعضاء المجتمع الآخرين، لا باعتباره عضوًا في طبقة لها وضعها المعين في هذا المجتمع. ومن الممكن أن يكون هذا المجتمع مجتمعًا يتمتع بالمساواة، بمعنى أن الاستجابة للاحتياجات لا تتم على أساس القدرة على الحصول (ومرجعها حقيقة الملكية العادية)، وإنما على أساس خدمات تؤديها وظيفة يتم قيامها بميزان قيمتها الاجتماعية. وفي مقدور المجتمع الذي يتمتع بالمساواة أن يضع تخطيطًا لحياته بحيث يجني أعظم الفوائد من موارده الإنتاجية. وفي أي شكل آخر من أشكال المجتمع، يحول طابع الدولة (الذي يحمي هذا الشكل الآخر) دون تحقيق هذا الهدف.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...
Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...
تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...
My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...
- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...
تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...
Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...
تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...
أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...
أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...
[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...