لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

1- التكريس الدستوري للحق في الصحة . 3- الالتزامات التي يفرضها الحق في الصحة. أولاً: التكريس الدستوري للحق في الصحة يتخذ تكريس حق معين من الحقوق في الدستور العديد من الأشكال يظهر الاختلاف فيما بينها في مدي قابلية هذه الحقوق للإنفاذ أمام القضاء، فشعور الدولة بأهمية الحق أو الحرية تختلف من حالة إلي أخري، ويتضح ذلك من خلال الصياغة الدستورية ذاتها ، فهناك صياغة دستورية تكفل قدر كبير من توفير الرعاية الصحية مما يجعلها قابلة للإنفاذ امام القضاء أي بمجرد الاعتداء علي الحق في الصحة من جانب الدولة سواء بتخل إجابي أو سلبي يمكن للمضرور اللجوء الي القضاء الاداري للحصول علي حقه في توفير الرعاية الصحية المكفولة دستورياً، لذلك فإن ثِقل الحق في الصحة في ميزان الدول يختلف من دولة إلي آخري وذلك علي النحو الذي سنوضحه. اختلفت دول العالم في تكريس الحق في الصحة في النصوص الدستورية وذلك يدل علي عدم اعتماد الدول علي منهاج واحد في معالجة هذا الحق ، ومن خلال استقراء المناهج التي اعتمدت عليها الدول في تكريس الحق في الصحة ، أولاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاعلان عن حق ، ثانياً تكريس الحق في الصحة عن طريق ما يفرضه في جانب الدولة من دور، ثالثاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاحالة إلي المواثيق والاتفاقات الدولية.

من خلال إقراره كحق للمواطنين في صورة مستقلة عن غيره من الحقوق الآخري، وإن كانت اختلف فيما بينها في خصوص رسم نطاق هذا الحق تضييقا واتساعا ، فبينما نجد بعض الدساتير يتبنى مفهوما بالغ الضيق يتمثل في مجرد إقراره لهذا الحق في صورة " الحق في الرعاية الطبية والصحية " وذلك مثل ما تبناه دستور دولة موزمبيق ودستور دولة جويانا، ونجد بعض الدساتير تبنت مفهوما متسعا للحق في الصحة، حيث كرسته باعتباره حقا في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، مثل دستور دولة المجر. وإذا كانت بعض الدساتير قد أقرت الحق في الصحة - كما سلف بيانه - في صورة حق مستقل عن غيره من الحقوق، والماء، والتأمين الاجتماعي، وكذلك الحال في دستور دولة فنلندا، كما أن من الدساتير من كرس الحق في الصحة من خلال تناوله للحق في بيئة نظيفة مثل دستور دولة المجر، ثانياً تكريس الحق في الصحة عن طريق ما يفرضه في جانب الدولة من دور كرست بعض الدساتير الحق في الصحة من خلال تناولها لما يقع على الدولة من دور في سبيل إنقاذ هذا الحق ، وقد اختلفت هذه الدساتير فيما بينها في مدى قابلية إنفاذ الحق في لصحة أمام القضاء ، فبينما نجد بعض الدساتير يتساهل مع الدولة في الاكتفاء بمجرد تجسيد هذا الدور في صورة الإعلان عن طموح وبتالي فإن مدي قابلية انفاذ هذا الحق امام القضاء تكون ضعيفة ، حيث يعبر النص الدستوري عن مجرد الإعلان عن هدف معين فيما يتعلق بصحة المواطنين مثل دستور دولة هولندا، نجد بعض الدساتير يعكس هذا الدور - في صورة أكثر واقعية وعملية - من خلال النص على تبنى الدولة لبرنامج ما في سبيل انفاذ هذا الحق وهوا ما يعرف بالإعلان عن برنامج حيث يتبنى النص الدستوري برامج خاصة بالتمويل وتوصيل أو تنظيم الرعاية الصحية أو خدمات الصحة العامة وذلك مثل دستور دولة بلغاريا، حيث يفرض النص الدستوري واجبا أو أكثر على الدولة لإنفاذ هذا الحق مثل دستور دولة هايتى و دولة أورجواي. والذي لا شك فيه، إن تجسيد هذا الدور في صورة ( الاعلان عن واجب ) تعكس التزاما دستوريا وطنيا بالحق في الصحة أو الرعاية الصحية أكثر من الأنواع الأخرى من الإعلانات حيث تتميز الإعلانات عن واجب في مواجهة الإعلانات عن البرامج أو الأهداف أو الطموحات بأن الإعلانات عن واجب تفرض بوضوح، واجبًا غير مقيد على الدولة بأن تلبي الاحتياجات الصحية المواطني الأمة. ثالثاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاحالة إلي المواثيق والاتفاقات الدولية تتضمن بعض نصوص الدساتير إحالة إلى أى من اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية أو الإقليمية التي تعترف بحقوق الإنسان في الصحة أو الرعاية الصحية مثل دستور جمهورية التشيك، دستور منظمة الصحة العالمية، حيث نص هذا الدستور الذي تم تبنيه في عام 1946 - على الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، يمكن بيان موقف المشرع الدستوري المصري من تكريس الحق في الصحة من خلال عرض موقفه في دستور 1971 ، ثم موقفه في دستور 2012 ، ثم ننتهي بعرض موقفه في الدستور الحالي 2014 وذلك علي النحو التالي:

  1. أنهما لم يكرسا للحق في الصحة عن طريق إقراره كحق في حد ذاته، حيث أناط بالدولة كفالة الخدمات الصحية والتأمين الصحي للمواطنين، ولعل هذا ما يفسر ورود النصين سالفي الذكر ضمن الباب الثاني من الدستور الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، 2) كما يلاحظ علي هذه النصوص أنهما شديدا العمومية والإبهام من حيث عدم اشتمالها على ما يضمن تنفيذ الالتزام بمحتوى الحق في الصحة والحماية الاجتماعية، بل إن هاتين المادتين في حد ذاتهما لا تضمنان الحق في الصحة والذي يظل غير محقق رغم مرور أربعين سنة على وضع هذه المواد. 3) كما أن التأمين الصحي –في ظل هذا الدستور – لم يغطي سوي 50% من المصريين عموما بينما يظل البعض الآخر الأكثر احتياجاً وفقراً مهمشا دون أدنى حماية أو تأمين ضد المخاطر الصحية، ولا يزال الجزء الغالب من الانفاق الكلى على الصحة يخرج من جيوب المواطنين مباشرة بما يعنى أن عبء العلاج يقع فعليا على المواطنين. وكان مبرر القضاء الاداري أن الدستور احتراما لحق الأفراد في الحياة وفى سبيل المحافظة على الصحة العامة للمواطنين دعم التأمين الاجتماعى والصحى، وأناط بالدولة كفالة تقديم الخدمة الصحية للمواطنين وهو ما يمثل الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان، قد كرس دستور 2012 الحق في الصحة في اطار ثلاث مواد أوردها في الفصل الثالث المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية من الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات، وهي المواد أرقام (62) و (63) و (68) منه، ويلاحظ علي هذه النصوص التالي: في خصوص تكريسه لحق الإنسان في الصحة، وإشرافها على المنشآت الصحية، ومراقبتها لجميع المواد ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة وإصدارها للتشريعات واتخاذها كافة التدابير التي تحقق هذه الرقابة. • كما الزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطواري أو الخطر على الحياة. • كما كرس في المادة (63) لهذا الحق من خلال إقراره للحق في البيئة الصحية، لما في ذلك من انعكاس على الصحة العامة. 46) ، 79) و ، ويلاحظ علي هذه النصوص التالي: • أن المشرع الدستوري إذا كان في دستور عام 2012 قد أقر الحق في الصحة بمفهومه الضيق المتمثل في الحق في الرعاية الصحية، و إذا ما قورنت هذه الالتزامات الواردة بدستور 2014 بالالتزامات الواردة في دستور 2012 - قد جاءت أكثر تحديداً وواقعية، وهذا يساعد على أن تتحول هذه الالتزامات إلى حقائق على أرض الوقائع، لا أن تظل مجرد طموحات حبيسة النصوص. من خلال إقراره للحق في البيئة الصحية، لما في ذلك من انعكاس على الصحة العامة، فإن دستور2014 لم يختلف عنه كثيرًا في خصوص ذلك، وقد جاء تناوله الأخير في دستور2014 لهذا الحق مرضيا، لما تضمنه من إقرار لهذا الحق بمفهومه الواسع، لجميع المصريين. يقسم الفقه الحقوق الدستورية التي يمتع بها الإنسان بحسب الصفات التي تجمع بينها إلي ثلاث أجيال: لتنفيذها. على أن قائمة الحقوق التي تنتمي إلى "الجيل الثالث" تبدو مركبة فإذا كان بعض هذه الحقوق يمكن ربطها بفكرة التضامن، مثل الحق في التنمية ، أما عن الجيل الذي ينتمي إليه الحق في الصحة، يعتبر الحق في الصحة تقليديًا، لأن هذا الدستور يندرج في عداد الجيل الأول من الدساتير، بصفة عامة من الإشارة إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بالنظر إلى انتماء أغلب هذه الدساتير إلى الجيل الثاني من الأنظمة الدستورية . * لذلك فإن الحق الاجتماعي في الصحة يصاغ في الغالب، يتطلب من الدولة أن تتخذ إجراءات بطريقة إيجابية، وفي هذا السياق، وفي أغلب الأحيان يتم هذا التأمين بمجرد تبنى تشريع بسيط، ونظرا لأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مثل الحق في الصحة) تتطلب في الغالب، لذلك لا يعتبرها الفقه أنها من قبيل الحقوق التي تشكل حقوقا عالمية على الإطلاق. لكن الفقه قد انتقد توصيف الحقوق المدنية والسياسية علي كونها حقوق لا تطلب سوي تدخل تشريعي من أجل إنفاذها، حيث أن مسألة محدودة الموارد العامة تثور بالنسبة للحقوق المدنية والسياسية تماماً كما تثور بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فمن الملاحظ أن تطبيق وإنفاذ الحقوق المدنية والسياسية يكلف أمولاً أيضاً. إن تصنيف الحق في الصحة حقاً اجتماعياً بحتاً لن يكون تصنيفاً دقيقاً، وذلك تأسيساً علي أن الحق في الصحة لا يندرج بسهولة في إطار التقسيم الثاني للحقوق إلي حقوق اجتماعية وحقوق فردية، فعلى الرغم من أن الحق في الصحة يعتبر تقليديا حقا اجتماعيا، فإن ثمة دليلاً على أنه حقا إيجابيا في الصحة، وتأكيدا لذلك، فإن المسائل المتعلقة بالصحة العامة مثل الصحة البيئية وإجراءات الصحة العامة تعتبر منذ فترة طويلة من جانب عدد من الدول، حقوقا إيجابية وسلبية في نفس الوقت، وتبعا لذلك، يقع على عاتق الدولة واجب القيام بنشاط إيجابي الحماية الصحة العامة من التلوث وغير ذلك من أضرار المواد السامة، كما يكون للفرد أن يلجأ إلى القضاء لطلب تعويض عن الأضرار التي تلحق صحته نتيجة تلوث البيئة أو تقصير السلطات العامة المختصة في اتخاذ إجراءات الصحة العامة الواجبة الاتباع. الخلاصة أن الحق في الصحة يمكن النظر إليه كونه حقاً اجتماعياً وذلك بالنظر إلي مجال الرعاية الصحية تصور نشوء حق في الصحة يتطلب من ناحية نشاطاً حكوميا إيجابيا مثل تقديم الدولة مجموعة من خدمات الرعاية الصحية لجميع السكان، ومن ناحية أخري يمكن النظر إلي الحق في الصحة علي كونه حق فردي في اللجوء إلى القضاء من أجل إعمال هذا الحق في الصحة أي تلقى مجموعة الخدمات الصحية التي يكفلها الحق في الصحة، ومؤدى ما تقدم أن تصنيف الحق في الصحة باعتباره حقا اجتماعيًا بحتا لن يكون تصنيفا دقيقا بصورة كاملة، ثالثاً: مضمون الحق في الصحة فهناك تعريف ضيق للصحة باعتبارها تشير إلى الحالة التي يكون فيها الفرد خاليا من المرض أو الألم، وهناك تعريف واسع للصحة الذي تبنته منظمة الصحة العالمية، حيث تعرف هذه الأخيرة الصحة بأنها "حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، ولا تستطيع أجهزة الدولة أن تفرض سيطرة كاملة على هذه الحقيقة، فإن معايير تمتع الشخص بالصحة تختلف من وقت لآخر ومن مجتمع الآخر، يجب أن يفهم الحق في الصحة باعتباره حقا في التمتع بطائفة متنوعة من المرافق والسلع والخدمات والظروف الضرورية لبلوغ أعلى مستوى ممكن من الصحة، يبدو واضحا أن الحق في الصحة لا يقتصر على الحق في الرعاية الصحية. يُعرف الحق في الصحة بأنه حق شامل يتضمن العناصر التالية: وتيسير الوصول إلى الخدمات الصحية والوصول الي المعلومات). • الجودة( الملاءمة العلمية والطبية) الخلاصة: وتأسيسنا على ما تقدم، يمكننا القول أن الحق في الصحة ليس مقصورا على الحق في الرعاية الصحية، والتي من بينها الحق في الرعاية الصحية، والحق في مياه نظيفة أو النظافة الملائمة أو التخلص السليم من المخلفات السامة، والحق في البيئة الصحية، رابعاً: الالتزامات التي يفرضها الحق في الصحة علي الدولة وتتجلي هذه الالتزامات فيما يلي:
  • الالتزام بالاحترام: يضع واجبًا على الدول بأن تمتنع عن التدخل، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في التمتع بالحق في الصحة. وبمقدور الدولة الطرف في الميثاق ان تثبت التزامها بتطبيق هذا التعهد أو الالتزام العام والواسع (إزالة أسباب المرض من خلال إقامة الدليل على وجود نظام صحي وطبي ملائم يستوفى العناصر الآتية:
  • وجود إجراءات عامة تستهدف منع تلوث الهواء والماء، وتخفيض الضوضاء، والحماية، وتعزيز الصحة العامة. أن المطالبات أو الدعاوى الفردية الخاصة يتلقى خدمات الرعاية الصحية تكون طبقا لهذه المادة غير مقبولة. ينبغي أن تنفذ التزامها بشكل متدرج طبقا للموارد المتاحة، فإن الدول يقع عليها التزام بأن تستخدم أقصى الموارد المتاحة للتنفيذ المتدرج للحق في الصحة، يشمل التنفيذ المتدرج التزاما واقعا على عاتق الدولة بأن تعمل بأسرع درجة ممكنة، وقد فصلت اللجنة الخاصة بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الالتزام الواقع على الدول الأطراف ، ويتحدد مستوى تنفيذ أي حق تبعا للظروف الاقتصادية السائدة في كل دولة. فإن تنفيذ الحق في الصحة
  1. يتطلب قياس التنفيذ المتدرج للحق استخدام مؤشرات ملائمة. إلى أن الحق في الصحة احتل أهمية كبرى بين حقوق الإنسان جعلت معظم دساتير العالم تكرسه في نصوصها، ومنها من كرسه باعتبار ما يفرضه في جانب الدولة من دور ومنها من تبنى منهج الاحالة الى الاتفاقات والمواثيق الدولية، من خلال هذا البحث، هو ما جعل البعض يقرر أن تصنيف الحق في الصحة باعتباره حقا اجتماعيا بحتا لن يكون تصنيفا دقيقا بصورة كاملة. كذلك فأنه ثمة فارق بين الحق في الرعاية الصحية، وهي وسيلة من وسائل الحفاظ على الصحة، والتي من بينها الحق في الرعاية الصحية، والتي تعد جميعا عناصر مكونة للحق في الصحة". تتمثل في الالتزام بالاحترام ،


النص الأصلي

ضع خطة ملائمة تتناول فيها بالشرح والتحليل النقاط التالية في إطار الوقت المتاح:
1- التكريس الدستوري للحق في الصحة .
2- تصنيف الحق في الصحة
3- الالتزامات التي يفرضها الحق في الصحة.
أولاً: التكريس الدستوري للحق في الصحة
المقدمة:
يتخذ تكريس حق معين من الحقوق في الدستور العديد من الأشكال يظهر الاختلاف فيما بينها في مدي قابلية هذه الحقوق للإنفاذ أمام القضاء، فالنصوص الدستورية ليست علي درجة واحدة من القوة فهناك نصوص قابلة للإنفاذ أو التطبيق أمام القضاء علي الفور و هناك من النصوص الدستورية التي تعتبر مجرد اعلان عن سياسة او هدف أو طموح، فشعور الدولة بأهمية الحق أو الحرية تختلف من حالة إلي أخري، ويتضح ذلك من خلال الصياغة الدستورية ذاتها ، فهناك صياغة دستورية تكفل قدر كبير من توفير الرعاية الصحية مما يجعلها قابلة للإنفاذ امام القضاء أي بمجرد الاعتداء علي الحق في الصحة من جانب الدولة سواء بتخل إجابي أو سلبي يمكن للمضرور اللجوء الي القضاء الاداري للحصول علي حقه في توفير الرعاية الصحية المكفولة دستورياً، كما أن هناك صياغة دستورية تعبر عن مجرد سعي نحو تحقيق هدف أو تحقيق رغبة ، لذلك فإن ثِقل الحق في الصحة في ميزان الدول يختلف من دولة إلي آخري وذلك علي النحو الذي سنوضحه.
الموضوع:
اختلفت دول العالم في تكريس الحق في الصحة في النصوص الدستورية وذلك يدل علي عدم اعتماد الدول علي منهاج واحد في معالجة هذا الحق ، ومن خلال استقراء المناهج التي اعتمدت عليها الدول في تكريس الحق في الصحة ، نجد أنه اعتمدت علي ثلاث طرق ، أولاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاعلان عن حق ، ثانياً تكريس الحق في الصحة عن طريق ما يفرضه في جانب الدولة من دور، ثالثاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاحالة إلي المواثيق والاتفاقات الدولية.


أولاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاعلان عن حق:
نجد بعض الدساتير تحتوى على نصوص تتضمن تقريرًا للحق في الصحة أو الرعاية الصحية أو خدمات الصحة العامة، وإذا كانت هذه الدساتير تتناول الحق في الصحة، من خلال إقراره كحق للمواطنين في صورة مستقلة عن غيره من الحقوق الآخري، وإن كانت اختلف فيما بينها في خصوص رسم نطاق هذا الحق تضييقا واتساعا ، فبينما نجد بعض الدساتير يتبنى مفهوما بالغ الضيق يتمثل في مجرد إقراره لهذا الحق في صورة " الحق في الرعاية الطبية والصحية " وذلك مثل ما تبناه دستور دولة موزمبيق ودستور دولة جويانا، ونجد بعض الدساتير تبنت مفهوما متسعا للحق في الصحة، حيث كرسته باعتباره حقا في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، مثل دستور دولة المجر.
وإذا كانت بعض الدساتير قد أقرت الحق في الصحة - كما سلف بيانه - في صورة حق مستقل عن غيره من الحقوق، وان اختلفت فيما بينها في درجة اتساع هذا الحق، نجد بعض الدساتير تناولت هذا الحق في إطار تكريسها لحق أكبر يدخل الحق في الصحة كأحد مكوناته، مثل تكريس الحق في الصحة عن طريق ربطه بالحق في طيب العيش عموما كما هوا الحال في دستور جنوب افريقيا حيث تشكل ضمانة الحق في الصحة جزءًا من النص الذي يتطلب الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والغذاء، والماء، والتأمين الاجتماعي، وكذلك الحال في دستور دولة فنلندا، كما أن من الدساتير من كرس الحق في الصحة من خلال تناوله للحق في بيئة نظيفة مثل دستور دولة المجر، كما أن من الدساتير من كرس الحق في الصحة من خلال ربطه مباشرة بالحق في الحياة وذلك مثل دستور دولة هايتى.
ثانياً تكريس الحق في الصحة عن طريق ما يفرضه في جانب الدولة من دور
كرست بعض الدساتير الحق في الصحة من خلال تناولها لما يقع على الدولة من دور في سبيل إنقاذ هذا الحق ، وقد اختلفت هذه الدساتير فيما بينها في مدى قابلية إنفاذ الحق في لصحة أمام القضاء ، فبينما نجد بعض الدساتير يتساهل مع الدولة في الاكتفاء بمجرد تجسيد هذا الدور في صورة الإعلان عن طموح وبتالي فإن مدي قابلية انفاذ هذا الحق امام القضاء تكون ضعيفة ، حيث يعبر النص الدستوري عن مجرد الإعلان عن هدف معين فيما يتعلق بصحة المواطنين مثل دستور دولة هولندا، نجد بعض الدساتير يعكس هذا الدور - في صورة أكثر واقعية وعملية - من خلال النص على تبنى الدولة لبرنامج ما في سبيل انفاذ هذا الحق وهوا ما يعرف بالإعلان عن برنامج حيث يتبنى النص الدستوري برامج خاصة بالتمويل وتوصيل أو تنظيم الرعاية الصحية أو خدمات الصحة العامة وذلك مثل دستور دولة بلغاريا، في حين نجد بعض الدساتير أكثر تشددا مع الدولة في خصوص انفاذ هذا الحق من خلال التأكيد علي دور الدولة في القيام بهذا الدور، حيث تنص صراحة على هذا الدور في صورة كونه واجبا وهوا ما يعرف بالإعلان عن واجب، حيث يفرض النص الدستوري واجبا أو أكثر على الدولة لإنفاذ هذا الحق مثل دستور دولة هايتى و دولة أورجواي.
والذي لا شك فيه، إن تجسيد هذا الدور في صورة ( الاعلان عن واجب ) تعكس التزاما دستوريا وطنيا بالحق في الصحة أو الرعاية الصحية أكثر من الأنواع الأخرى من الإعلانات حيث تتميز الإعلانات عن واجب في مواجهة الإعلانات عن البرامج أو الأهداف أو الطموحات بأن الإعلانات عن واجب تفرض بوضوح، واجبًا غير مقيد على الدولة بأن تلبي الاحتياجات الصحية المواطني الأمة.
ثالثاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاحالة إلي المواثيق والاتفاقات الدولية
تتضمن بعض نصوص الدساتير إحالة إلى أى من اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية أو الإقليمية التي تعترف بحقوق الإنسان في الصحة أو الرعاية الصحية مثل دستور جمهورية التشيك، وتجدر الإشارة هنا إلى أن من بين نصوص الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي نصت على الحق في الصحة، دستور منظمة الصحة العالمية، حيث نص هذا الدستور الذي تم تبنيه في عام 1946 - على الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، و كذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 .
موقف المشرع الدستوري المصري من الحق في الصحة:
يمكن بيان موقف المشرع الدستوري المصري من تكريس الحق في الصحة من خلال عرض موقفه في دستور 1971 ، ثم موقفه في دستور 2012 ، ثم ننتهي بعرض موقفه في الدستور الحالي 2014 وذلك علي النحو التالي:
أولاً: الحق في الصحة في دستور 1971:
تناول الدستور المصري لعام 1971 الحق في الصحة في المادتين (16) و (17) منه، و ما يمكن ملاحظته على هذين النصين:
(1) أنهما لم يكرسا للحق في الصحة عن طريق إقراره كحق في حد ذاته، وإنما تم تناوله من خلال ما يناط بالدولة من دور في سبيل إنفاذه، حيث أناط بالدولة كفالة الخدمات الصحية والتأمين الصحي للمواطنين، ولعل هذا ما يفسر ورود النصين سالفي الذكر ضمن الباب الثاني من الدستور الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، وعدم ورودهما ضمن الباب الثالث منه المتعلق بالحريات والحقوق والواجبات العامة.
(2) كما يلاحظ علي هذه النصوص أنهما شديدا العمومية والإبهام من حيث عدم اشتمالها على ما يضمن تنفيذ الالتزام بمحتوى الحق في الصحة والحماية الاجتماعية، بل إن هاتين المادتين في حد ذاتهما لا تضمنان الحق في الصحة والذي يظل غير محقق رغم مرور أربعين سنة على وضع هذه المواد.
(3) كما أن التأمين الصحي –في ظل هذا الدستور – لم يغطي سوي 50% من المصريين عموما بينما يظل البعض الآخر الأكثر احتياجاً وفقراً مهمشا دون أدنى حماية أو تأمين ضد المخاطر الصحية، ولا يزال الجزء الغالب من الانفاق الكلى على الصحة يخرج من جيوب المواطنين مباشرة بما يعنى أن عبء العلاج يقع فعليا على المواطنين.
وقد كان القضاء الاداري المصري موقف حاسم في سبيل إنفاذه للحق في الصحة في ضوء دستور 1971 خصوصاً فيما يتعلق بحالات المواطنين اللذين يعانون من حالات الفشل الكلوى، ويحتاجون في سبيل ذلك إلى علاج، وكان مبرر القضاء الاداري أن الدستور احتراما لحق الأفراد في الحياة وفى سبيل المحافظة على الصحة العامة للمواطنين دعم التأمين الاجتماعى والصحى، وأناط بالدولة كفالة تقديم الخدمة الصحية للمواطنين وهو ما يمثل الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان، ولا ترخص في القيام بهذا الدور من جانب الدولة بدعوى ارتفاع الأسعار أو قصور في الموازنة المخصصة لعلاج المواطنين.
ثانياً: الحق في الصحة في دستور2012
قد كرس دستور 2012 الحق في الصحة في اطار ثلاث مواد أوردها في الفصل الثالث المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية من الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات، وهي المواد أرقام (62) و (63) و (68) منه، ويلاحظ علي هذه النصوص التالي:
• أن المشرع الدستوري المصري أحرز تقدما نسبيا في دستور 2012، في خصوص تكريسه لحق الإنسان في الصحة، فنجده قد أقر صراحة هذا الحق بذاته في المادة (62)، إلا أنه قصره على مفهومه الضيق الذي ينحصر في الحق في الرعاية الصحية.
• كما أعلن التزام الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية والتأمين الصحي إنفاذاً لهذا الحق وفقا لنظام عادل عالي الجودة.
• وأوضح مجانية هذه الخدمات لغير القادرين، ووضع من الآليات ما يكفل لها القيام بهذا الالتزام، من خلال تخصيص نسبة كافية من الناتج القومي للرعاية الصحية. وإشرافها على المنشآت الصحية، ومراقبتها لجميع المواد ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة وإصدارها للتشريعات واتخاذها كافة التدابير التي تحقق هذه الرقابة.
• كما الزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطواري أو الخطر على الحياة.
• كما كرس في المادة (63) لهذا الحق من خلال إقراره للحق في البيئة الصحية، لما في ذلك من انعكاس على الصحة العامة.
• كما كفل بموجب المادة (68) المسكن الملائم والماء النظيف والغداء الصحي كمقومات للحق في طيب العيش كحق شامل ينطوي الحق في الصحة تحت مظلته.
ثالثاً: الحق في الصحة في دستور2014
كرس دستور 2014 الحق في الصحة في ثلاث مواد (18) ،(46) ،(79) و ، ويلاحظ علي هذه النصوص التالي:
• أن المشرع الدستوري إذا كان في دستور عام 2012 قد أقر الحق في الصحة بمفهومه الضيق المتمثل في الحق في الرعاية الصحية، فإنه في دستور2014 تقدم قدما عندما أقر هذا الحق في المادة (18) منه بمفهوميه الواسع والضيق عندما قرر أن لكل مواطن الحق في الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة.
• أن المشرع الدستوري سرد في المادة (18) من دستور2014 مجموعة من الالتزامات في جانب الدولة إنفاذاً للحق في الصحة، وهي عبارة عن التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وبإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض...الخ، و إذا ما قورنت هذه الالتزامات الواردة بدستور 2014 بالالتزامات الواردة في دستور 2012 - قد جاءت أكثر تحديداً وواقعية، وهذا يساعد على أن تتحول هذه الالتزامات إلى حقائق على أرض الوقائع، لا أن تظل مجرد طموحات حبيسة النصوص.
• أنه في حين جعل دستور 2012 تقديم العلاج بأشكاله المختلفة من جانب المنشآت الصحية لكل مواطن في حالات الطواري أو الخطر على الحياة مجرد التزام، دون أن يدين الأثر المترتب على مخالفته، نجد أن دستور2014 أحرز تقدما عندما اعتبر - في المادة 18 منه - ان الامتناع عن تقديم العلاج في هذه الحالات جريمة.
• أنه إذا كان دستور 2012 قد كرس الحق في الصحة في المادة (63) منه، من خلال إقراره للحق في البيئة الصحية، لما في ذلك من انعكاس على الصحة العامة، كما كفل بموجب المادة (68) منه المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحي كمقومات للحق في طيب العيش كحق شامل ينطوي الحق في الصحة تحت مظلته، فإن دستور2014 لم يختلف عنه كثيرًا في خصوص ذلك، حيث نجد المادة (46) منه تقترب من المادة (63) من دستور 2012، والمادة 79 منه تقترب من المادة (68) من دستور .
من خلال ما تقدم، يمكننا القول إن المشرع الدستوري المصري مر بمراحل من التطور، بشأن تناوله للحق في الصحة، تدرج فيها من الأدنى إلى الأعلى، وقد جاء تناوله الأخير في دستور2014 لهذا الحق مرضيا، لما تضمنه من إقرار لهذا الحق بمفهومه الواسع، وكذلك من وضعه برنامجا اتسم بالواقعية والوضوح والتحديد بشأن التزامات الدولة لإنفاذ هذا الحق في مفهومه الضيق من خلال تبنيها لآلية التأمين الصحي لتقديم خدمات الرعاية الصحية، لجميع المصريين.


ثانياً: تصنيف الحق في الصحة
يقسم الفقه الحقوق الدستورية التي يمتع بها الإنسان بحسب الصفات التي تجمع بينها إلي ثلاث أجيال:



  • حقوق الجيل الأول( الحقوق المدنية والسياسية ) وهي الحقوق التي تكفل الحماية في مواجهة التدخل الحكومي.

  • حقوق الجيل الثاني: والتي تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتتطلب هذه الحقوق نشاطا من جانب الحكومة، لتنفيذها.

  • حقوق الجيل الثالث: وتتطلب هذه الحقوق سلوكا متعاونا بين الجميع حتى تتسم هذه الحقوق بالفاعلية، ويطلق عليها الفقه وصف "حقوق التضامن"، وتشمل هذه الطائفة من الحقوق، الحق في السلام وحق في التراث المشترك للإنسانية ، والحق في التنمية، وحق الشعوب في التصرف بنفسها ،والحق في بيئة نظيفة، على أن قائمة الحقوق التي تنتمي إلى "الجيل الثالث" تبدو مركبة فإذا كان بعض هذه الحقوق يمكن ربطها بفكرة التضامن، مثل الحق في التنمية ، فإن بعضها الآخر يبدو بعيدا عن هذه الفكرة.
    أما عن الجيل الذي ينتمي إليه الحق في الصحة، يعتبر الحق في الصحة تقليديًا، حقا اجتماعيا يتطلب نشاطا إيجابيا من جانب الدولة - ومن ثم يندرج في عداد الجيل الثاني من الحقوق، والذي يدعم هذه الحجة، وكون الحق في الصحة ينتمى إلى طائفة الحقوق الاجتماعية هو ما يفسر عدم إشارة الدستور الأمريكي إليه، لأن هذا الدستور يندرج في عداد الجيل الأول من الدساتير، ومعلوم أن هذا الجيل من الوثائق الدستورية المبكرة يخلو ، بصفة عامة من الإشارة إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهذا في المقابل ، يكون أكثر احتمالاً ظهور حق إيجابي في الصحة في دساتير الدول الأوربية، وذلك بالنظر إلى انتماء أغلب هذه الدساتير إلى الجيل الثاني من الأنظمة الدستورية .



  • لذلك فإن الحق الاجتماعي في الصحة يصاغ في الغالب، باعتباره من حقوق البرامج وليس من الحقوق القابلة للتنفيذ الذاتي أو التقائي وهذا التكييف يعنى، تلقائيا، أن الحق في الصحة يرتبط ارتباطا وثيقا بالمزايا التي تمنحها الدولة وبعبارة أخرى، يتطلب من الدولة أن تتخذ إجراءات بطريقة إيجابية، لحماية الحق في الصحة، وفي هذا السياق، فإن التزامات الدولة تتناسب مع درجة رفاهيتها أو بالأدق مع الموارد المتاحة لها.
    ولذلك فإن اعتبار الحق في الصحة حقاً اجتماعيا ألا يعتبره بعض الفقه حق عالميا، علي عكس الحقوق المدنية والسياسية التي اعتبارها الفقهاء من حقوق الإنسان العالمية، بينما لا تعد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كذلك، و يبدو الاختلاف الأساسي بين كلتا الطائفتين من الحقوق في أن:
    فالحقوق المدنية والسياسية يمكن تنفيذها بسهولة ملحوظة من خلال مجرد تشريع يمكن ، بينما لا يمكن تنفيذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمجرد تبنى تشريع بل تتطلب تدخلاً من جانب الدولة من أجل وضع هذا الحق موضع التنفيذ، فالحقوق المدنية والسياسية التقليدية يمكن تأمينها بسهولة بواسطة تشريع، وفي أغلب الأحيان يتم هذا التأمين بمجرد تبنى تشريع بسيط، ويرجع ذلك إلى أن هذه الحقوق هي في أغلبها حقوق في مواجهة تدخل الحكومة في أنشطة الأفراد، وليس مطلوبا في الجانب الأكبر من هذه التشريعات سوى تقييد الفرع التنفيذي للحكومة، ونظرا لأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مثل الحق في الصحة) تتطلب في الغالب، إنفاقا لا تقدر عليه العديد من الدول الفقيرة، لذلك لا يعتبرها الفقه أنها من قبيل الحقوق التي تشكل حقوقا عالمية على الإطلاق.
    لكن الفقه قد انتقد توصيف الحقوق المدنية والسياسية علي كونها حقوق لا تطلب سوي تدخل تشريعي من أجل إنفاذها، حيث أن مسألة محدودة الموارد العامة تثور بالنسبة للحقوق المدنية والسياسية تماماً كما تثور بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فمن الملاحظ أن تطبيق وإنفاذ الحقوق المدنية والسياسية يكلف أمولاً أيضاً.
    إن تصنيف الحق في الصحة حقاً اجتماعياً بحتاً لن يكون تصنيفاً دقيقاً، وذلك تأسيساً علي أن الحق في الصحة لا يندرج بسهولة في إطار التقسيم الثاني للحقوق إلي حقوق اجتماعية وحقوق فردية، حيث أن كل الحقوق تكيف بالنظر إلى المحيط الاجتماعي الذي تقوم فيه هذه الحقوق، وتظهر أهمية هذا الأسلوب في تكييف الحقوق في أنه يبين أن كلتا الطائفتين من الحقوق الفردية والاجتماعية يمكن أن تتضمن نشاطاً حكوميا إيجابيا، فعلى الرغم من أن الحق في الصحة يعتبر تقليديا حقا اجتماعيا، فإن ثمة دليلاً على أنه حقا إيجابيا في الصحة، حيث بدأ ينظر إليه باعتباره مندرجا في تلك الطائفة من الحقوق التي تكمل فيها كل من الحقوق الفردية والاجتماعية بعضهما ويعتمد كل منهما على الآخر، وتأكيدا لذلك، فإن المسائل المتعلقة بالصحة العامة مثل الصحة البيئية وإجراءات الصحة العامة تعتبر منذ فترة طويلة من جانب عدد من الدول، حقوقا إيجابية وسلبية في نفس الوقت، وتبعا لذلك، يقع على عاتق الدولة واجب القيام بنشاط إيجابي الحماية الصحة العامة من التلوث وغير ذلك من أضرار المواد السامة، كما يكون للفرد أن يلجأ إلى القضاء لطلب تعويض عن الأضرار التي تلحق صحته نتيجة تلوث البيئة أو تقصير السلطات العامة المختصة في اتخاذ إجراءات الصحة العامة الواجبة الاتباع.
    الخلاصة أن الحق في الصحة يمكن النظر إليه كونه حقاً اجتماعياً وذلك بالنظر إلي مجال الرعاية الصحية تصور نشوء حق في الصحة يتطلب من ناحية نشاطاً حكوميا إيجابيا مثل تقديم الدولة مجموعة من خدمات الرعاية الصحية لجميع السكان، ومن ناحية أخري يمكن النظر إلي الحق في الصحة علي كونه حق فردي في اللجوء إلى القضاء من أجل إعمال هذا الحق في الصحة أي تلقى مجموعة الخدمات الصحية التي يكفلها الحق في الصحة، ومؤدى ما تقدم أن تصنيف الحق في الصحة باعتباره حقا اجتماعيًا بحتا لن يكون تصنيفا دقيقا بصورة كاملة، ولكن يمكن أن يكون خليطا من الحق الفردى والحقوق الاجتماعية، وذلك انطلاقا من أن الحق في الصحة لا يندرج بسهولة في إطار التقسيم التقليدي الثنائي للحقوق إلى فردية واجتماعية.
    ثالثاً: مضمون الحق في الصحة
    إن تحديد مفهوم الحق في الصحة أمرا بالغ الصعوبة، ولعل ذلك يرجع إلى أن الصحة في حد ذاتها فكرة محيرة، فهناك تعريف ضيق للصحة باعتبارها تشير إلى الحالة التي يكون فيها الفرد خاليا من المرض أو الألم، وهناك تعريف واسع للصحة الذي تبنته منظمة الصحة العالمية، حيث تعرف هذه الأخيرة الصحة بأنها "حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز، والجدير بالذكر أن المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان قد استخدمت مصطلح الحق في الصحة عن الحق في الرعاية الصحية لكونه بالغ الضيق ويعتبر صورة من صور الحق في الصحة الذي يحتاج إلي جهود أكبر بصورة واضحة لتحقيق مضمونه.
    يجدر الإشارة إلي ان الحق في الصحة لا يعنى حق الشخص في أن يكون متمتعا بالصحة، وذلك لان الصحة الجيدة لا يمكن ضمانها فقط من خلال الدول فقط، حيث أن الحكومات ليس بمقدورها ضمان الصحة في مواجهة كل أسباب الأمراض التي تصيب الإنسان، فكل إنسان سيصاب بالمرض في لحظة ما، ولا تستطيع أجهزة الدولة أن تفرض سيطرة كاملة على هذه الحقيقة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن معايير تمتع الشخص بالصحة تختلف من وقت لآخر ومن مجتمع الآخر، وتبعا لذلك، يجب أن يفهم الحق في الصحة باعتباره حقا في التمتع بطائفة متنوعة من المرافق والسلع والخدمات والظروف الضرورية لبلوغ أعلى مستوى ممكن من الصحة، ولذلك، يبدو واضحا أن الحق في الصحة لا يقتصر على الحق في الرعاية الصحية.
    وبناء على ما سبق، يُعرف الحق في الصحة بأنه حق شامل يتضمن العناصر التالية:
    • الإتاحة وذلك بكفاية الكمية المقدمة من الخدمات والسلع لوضع الحق في الصحة موضع التطبيق.
    • الوصول بما في ذلك عدم التمييز، والوصول المادي، وتيسير الوصول إلى الخدمات الصحية والوصول الي المعلومات).
    • المقبولية ( الجوانب الأخلاقية والثقافية) فالدولة وهي تقدم العلاج يجب أن تحترم المعايير الأخلاقية والثقافية.
    • الجودة( الملاءمة العلمية والطبية)
    الخلاصة: وتأسيسنا على ما تقدم، يمكننا القول أن الحق في الصحة ليس مقصورا على الحق في الرعاية الصحية، وذلك لأنه حق شامل يتضمن من بين عناصر أخرى رعاية صحية وقتية وملائمة ، والتي تعتبر مجرد وسيلة للمحافظة على الصحة، فالحق في الصحة بعد اختصارًا القائمة أطول من حقوق محددة، والتي من بينها الحق في الرعاية الصحية، والحق في مياه نظيفة أو النظافة الملائمة أو التخلص السليم من المخلفات السامة، والحق في البيئة الصحية، والتي تعد جميعا عناصر مكونة للحق في الصحة".
    رابعاً: الالتزامات التي يفرضها الحق في الصحة علي الدولة
    يفرض الحق في الصحة ثلاث من الالتزامات علي الدول ينبغي عليها أن تحترمها وتحمي تنفيذ هذه الحقوق، وقد وردت هذه الالتزامات في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يعتبر وثيقة ملزمة للدول ، وتتجلي هذه الالتزامات فيما يلي:



  • الالتزام بالاحترام: يضع واجبًا على الدول بأن تمتنع عن التدخل، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في التمتع بالحق في الصحة.

  • الالتزام بالحماية: يعنى أن الدول يجب عليها أن تمنع الغير من التدخل في التمتع بهذا الحق.

  • الالتزام بالتنفيذ: يتطلب من الدول أن تتخذ الإجراءات الضرورية، بما في ذلك الإجراءات التشريعية والإدارية والإجراءات المتعلقة بالموازنة الضمان التنفيذ الكامل للحق في الصحة.
    يرتبط انفاذ الحق في الصحة من جانب الدولة ارتباطا وثيقا بمقدرتها المالية ووضعها الاقتصادي، والذي يختلف بالطبع من دولة إلى أخرى، ونجد صدى هذا الارتباط في الميثاق الاجتماعي الأوربي" حيث يفرض هذا الميثاق علي الدول الحق في حماية البيئة و أن تتخذ الإجراءات والتدابير الملائمة لإزالة أسباب سوء الصحة بقدر ما يكون ذلك ممكنا، وبمقدور الدولة الطرف في الميثاق ان تثبت التزامها بتطبيق هذا التعهد أو الالتزام العام والواسع (إزالة أسباب المرض من خلال إقامة الدليل على وجود نظام صحي وطبي ملائم يستوفى العناصر الآتية:

  • وجود ترتيبات للصحة العامة ملائمة ومتاحة، بصفة عامة - تضمن تقديم رعاية صحية سليمة للمجتمع بأسره، وتؤمن الوقاية من المرض وتشخيصه حال حدوثه.

  • وجود إجراءات خاصة لحماية صحة الأمهات والأطفال وكبار السن.

  • وجود إجراءات عامة تستهدف منع تلوث الهواء والماء، والوقاية من المواد المشعة، وتخفيض الضوضاء، والرقابة على الأغذية والصحة البيئية، ورقابة المواد الكحولية والأدوية.
    ويقع عبء تمويل كل هذه الإجراءات، بصفة أساسية على عاتق الدولة، وجدير بالذكر أن النقطة الحاسمة في النص المشار إليه أنها هي عبارة بقدر ما يكون ذلك ممكنا، إذ من الواضح أن هذه العبارة تشير إلى الطبيعة المشروطة للحق في الرعاية الصحية)، وتبعا لذلك، فإن مستوى الرعاية الطبية الملائمة، يتحدد استنادا إلى القدرات الوطنية الفنية والمالية والجغرافية، وبطبيعة الحال تختلف من دولة الأخرى، على أن الرعاية الصحية الملائمة المقصودة هنا مقصورة على الشئون الصحية الخاصة بالمجتمع ككل مثل الوقاية، والحماية، وتعزيز الصحة العامة. ويترتب على ذلك، أن المطالبات أو الدعاوى الفردية الخاصة يتلقى خدمات الرعاية الصحية تكون طبقا لهذه المادة غير مقبولة.
    وتأسيسا على ما أشرنا إليه من ارتباط إنفاذ الحق في الصحة من جانب الدولة بمقدرتها المالية ووضعها الاقتصادي، ينبغي أن يراعي عند التزام الدولة بالتنفيذ، ينبغي أن تنفذ التزامها بشكل متدرج طبقا للموارد المتاحة، حيث أن التزام الدولة بإنفاذ الحق في الصحة لا تم بين عيشة وضحاها ، بل إن تنفيذها قد يحتاج لبعض الوقت تبعا للموارد المتاحة، ومع ذلك، فإن الدول يقع عليها التزام بأن تستخدم أقصى الموارد المتاحة للتنفيذ المتدرج للحق في الصحة، وفي مفهوم قانون حقوق الإنسان، يشمل التنفيذ المتدرج التزاما واقعا على عاتق الدولة بأن تعمل بأسرع درجة ممكنة، نحو التنفيذ الكامل للحق، وقد فصلت اللجنة الخاصة بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الالتزام الواقع على الدول الأطراف ،في هذا العهد بأن تتبع مسارا يؤدى إلى تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد في أقل وقت ممكن، ويتحدد مستوى تنفيذ أي حق تبعا للظروف الاقتصادية السائدة في كل دولة.
    وبغض النظر عن مستوى الموارد المتاحة، فإن تنفيذ الحق في الصحة
    (1) يجب أن يكون في جميع الحالات قائما على أساس عدم التمييز.
    (2) كما يجب أن تكون هناك خطة محددة تبين كيف ستقوم الدولة بتنفيذ هذا الحق عبر مراحل زمنية.
    (3) يتطلب قياس التنفيذ المتدرج للحق استخدام مؤشرات ملائمة.
    (4) وقد اعتمد دستور 2014 علي مبدأ التنفيذ المتدرج للحق في نص المادة 18 التي كرست الحق في الصحة.
    الخاتمة:
    نخلص، إلى أن الحق في الصحة احتل أهمية كبرى بين حقوق الإنسان جعلت معظم دساتير العالم تكرسه في نصوصها، وإن اختلفت فيما بينها فيما اعتمدته من منهج في تناولها له، فمنها من أقره كحق صراحة، ومنها من كرسه باعتبار ما يفرضه في جانب الدولة من دور ومنها من تبنى منهج الاحالة الى الاتفاقات والمواثيق الدولية، وقد أقر دستور مصر2014 صراحة الحق في الصحة.
    كما تبين لنا، من خلال هذا البحث، كيف أن الحق في الصحة هو حق اجتماعي ينتمى إلى حقوق الجيل الثاني، إلا أنه بالتعمق والتحليل، خاصة مع صعوبة رسم خطوط حدية بين الحقوق الاجتماعية والحقوق الفردية، هو ما جعل البعض يقرر أن تصنيف الحق في الصحة باعتباره حقا اجتماعيا بحتا لن يكون تصنيفا دقيقا بصورة كاملة.
    كذلك فأنه ثمة فارق بين الحق في الرعاية الصحية، والتي تتمثل في تلقى خدمات الرعاية الطبية، وهي وسيلة من وسائل الحفاظ على الصحة، وتمثل مفهوما ضيفا للحق في الصحة، وبين المفهوم الواسع للحق في الصحة باعتباره حقا شاملاً يتضمن من بين عناصر أخرى رعاية صحية وقتية وملائمة"، حيث يعد الحق في الصحة اختصارًا لقائمة أطول من حقوق محددة، والتي من بينها الحق في الرعاية الصحية، والحق في مياه نظيفة أو النظافة الملائمة أو التخلص السليم من المخلفات السامة، والحق في البيئة الصحية، والتي تعد جميعا عناصر مكونة للحق في الصحة".
    كذلك خلصنا إلى أن الحق في الصحة يرتب في جانب الدولة مجموعة من الالتزامات، تتمثل في الالتزام بالاحترام ، والالتزام بالحماية وكيف إنفاذ الحق ،والالتزام بالتنفيذ في الصحة يرتبط ارتباطاً وثيقا بموارد الدولة وقدرتها الاقتصادية، وهو ما جعل الدول تعتمد" مبدأ التنفيذ المتدرج للحق" في سبيل انفاذ هذا الحق، وقد كان لذلك صدى واضح في تكريس دستور2014 للحق في الصحة.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

تعرض مواطن يدعى...

تعرض مواطن يدعى عادل مقلي لاعتداء عنيف من قبل عناصر مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي أمام زوجته، في محافظة...

زيادة الحوافز و...

زيادة الحوافز والدعم المالي للأسر الحاضنة لتشجيع المشاركة. تحسين تدريب ومراقبة العاملين الاجتماعيين...

Because learnin...

Because learning changes everything.® Chapter 13 Mutations and Genetic Testing Essentials of Biology...

ذكرت صحيفة نيوي...

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مصادر استخباراتية في الشرق الأوسط ومسؤولين إسرائيليين أن عز الدين ا...

تُعد طرائق التد...

تُعد طرائق التدريس من أهم العوامل التي تؤثر في جودة العملية التعليمية وفاعليتها. ومع تطور أساليب الت...

تعتبر بروفايلات...

تعتبر بروفايلات الدول مهمة للغاية في تحسين الفهم والتواصل الثقافي والاقتصادي بين الدول، وكذلك بين ال...

هدفت هذه الدراس...

هدفت هذه الدراسة إلى تحليل العلاقة بين السياحة والتنويع الاقتصادي وأثرهما المشترك على تحقيق النمو ال...

is a comprehens...

is a comprehensive document that outlines a business's goals, strategies, and operational structure....

شدد الفريق أول ...

شدد الفريق أول عبدالمجيد صقر، على أهمية التنسيق بين القوات المسلحة المصرية ونظيراتها الدولية من أجل ...

تواصل مليشيا ال...

تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية حملة ميدانية موسعة منذ أكثر من أسبوعين، استهدفت خلالها الباعة المتجولي...

"النمنم" حسب قص...

"النمنم" حسب قصص الجدات والأهل، شخصية الرعب الأخطر، وهو يظهر بين آونة وأخرى، آكل لحوم بشرية من طراز ...

لقد حقق قسم بحو...

لقد حقق قسم بحوث المكافحة المتكاملة إنجازات متعددة تعكس دوره الحيوي في تطوير الزراعة المستدامة. يتمث...