خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
كان للصهاريج دورًا رئيسيًا في توزيع المياه نحو مدن الإمبراطورية البيزنطية، حيث تم تغذيتها من قنوات المياه بصورة مباشرة، أو من صهاريج أكبر. مشتقة كلمة "صهريج" من "Cisterna" اللاتينية، ومعناها "الصهريج الجوفى للمياه". تم بناء هذه الصهاريج لتوفير المياه لسكان المدن، سواء كانت مبنية من الحجارة على سطح الأرض، أو مغمورة تحت الأرض، ومغطاة أو مكشوفة.
في العصر الروماني، كانت صهاريج المنازل صغيرة الحجم، تُستخدم لجمع مياه الأمطار. بينما ارتقت الصهاريج في العصر البيزنطي لتصبح آية من فنون العمارة العامة، وتم التوسع في إقامتها لتجميع مياه الأمطار، لتصبح بديلًا عن أنظمة تغذية المياه القديمة.
لم يكن هناك مثيل لصهاريج القسطنطينية من حيث الحجم والعدد، فاستمدت الصهاريج الكبرى مياهها من قنوات فالنز وهادريان، بينما استمدت الصهاريج الصغرى مياهها من الأمطار.
بعد صهريج فيلوكسينوس، أحد أكبر الصهاريج البيزنطية المغطاة، والذي يعود لسيناتور بيزنطي في عهد قنسطنطين العظيم، تم بناء صهاريج أخرى، مثل صهريج ثيودوسيوس، وصهريج بولكيريا أوغسطا، وصهريج إتيوس.
كان صهريج أسبار، الذي أقامه القائد العسكري أسبار، مثالًا آخر للصهاريج الكبرى في الهواء الطلق بالقسطنطينية. من ناحية أخرى، يقع صهريج هيبدمون، أو "قبة الفيل"، على بعد 1.5 كم من ساحل بحر مرمرة، وقد تم تشييده لتغذية قصرين كبيرين.
يعد صهريج القديس موكيوس، من صهاريج الهواء الطلق بالقسطنطينية، وهو الذي كان يغذي كنيسة القديس موكيوس.
بعد ترميم قناة هادريان، قام جستنيان بتشييد صهريجًا كبيرًا لكنيسة إيلوس في عام 528م.
مع افتقار مدينة القسطنطينية للمياه في فصل الصيف، قام جستنيان ببناء صهريج البازيليك، والذي يعد من أكبر الصهاريج المدفونة تحت الأرض في أسطنبول، وقد استمد هذا الصهريج الجوفى اسمه من اسم ساحة عامة كبيرة مقرها التل الأول بالقسطنطينية، وهى بازيليكا (كنيسة) ستوا.
في عهد الإمبراطور موريس، قام أريستوماكوس ببناء خزان من البرونز بمدينة القسطنطينية.
اهتم الإمبراطور أناستاسيوس بتزويد مدينة دارا بالمياه، وأقام صهاريج لتخزين المياه داخل المدينة.
خوفًا من الإستيلاء على قلعة سيسورينم، بادر جستنيان ببناء صهريجين وخزانات للمياه بها.
شهد عهد جستنيان طفرة حقيقية في بناء الصهاريج في مدينة بيت لحم في فلسطين، فبنيت صهاريج بدير القديس صموئيل، ودير أفيلبوس، ودير القديس يوحنا بجوار نهر الأردن.
تم بناء صهريج كبير داخل برج الحراسة في منطقة خارج حدود مدينة أفاميا.
في مدينة بصرى، تم إعادة بناء الصهريج الكبير في العصر البيزنطي.
تم بناء الصهريج الكبير لمدينة الأكروبوليس في القرن السادس الميلادى.
في كنيسة سرجيوس ببلاد الفرات، قام جستنيان بإقامة عدة خزانات لتوفير الاحتياجات المائية للسكان.
في مدينة أثيرا، قام الإمبراطور جستنيان بإشاء صهريج لتخزين فائض المياه بها.
في أنطاكية، قام جستنيان بإنشاء عدة صهاريج داخل جدران أسوار المدينة في عام 528م.
حددت بعض القوانين إستهلاك حصص المياه من الخزانات المائية، ففي دافني لوحظ تضاؤل كم المياه في القناة المغذية للقصر الإمبراطوري، بسبب إستيلاء بعض الأفراد على حصص مائية أكبر من الحصة التي أقرتها الدولة.
توصلت هذه الدراسة إلى نتائج مهمة، منها حسن إستغلال عوامل الطبيعة (ينابيع – أنهار – سيول) والتخطيط الجيد للإستفادة القصوى منها، ومعرفة الرومان الهندسية الممتازة لسبل إمدادات المياه، والتأثير الأمني وحماية المدن البيزنطية، ودور خط هادريان المائي في تزويد القسطنطينية بالمياه، واستغلال الينابيع القريبة من المدن البيزنطية، وإعتماد صهريج دارا على تجميع مياه الأمطار.
شكلت صهاريج القسطنطينية نظام تخزين وتوزيع فريد من نوعه ميزها عن صهاريج المدن الأخرى في الإمبراطورية البيزنطية، وتنوعت الصهاريج ما بين المدفونة تحت الأرض والمفتوحة، وكانت طاقة إستيعابها تختلف بحسب حجمها أو الغرض المقامة له.
أعيدت بعض القنوات التي كانت خارج الخدمة لتستغل كرابط مائي، كما فعل الإمبراطور جستنيان في قناة الإسكندرية.
تم تشريع قوانين تبين حصة الأفراد من المياه، والتي يقررها حاكم المدينة العام بسلطة لا تلغيها أية سلطة حتى الأمر الإمبراطوري، وتدون في سجلات خاصة.
ثانيًا: الصهاريج :-
لقد لعبت الصهاريج دورًا مهماً وكبيرًا في توزيع المياه نحو مدن الإمبراطورية البيزنطية، وتتم تغذية تلك الصهاريج إما من قنوات المياه بصورة مباشرة، أو عن طريق الصهاريج الأكبر سعة، التي تستمد مياهها من تجمع الأمطار بها. وكلمة "صهريج Cistern" مشتقة من الكلمة اللاتينية "Cisterna" والتي تعنى "الصهريج الجوفى للمياه". ومن كلمة "Cita" التي تعني باللاتينية "الصندوق". وقد تم وصف الصهريج بكونه "وعاء طبيعي أو اصطناعى لحجز الماء" (106). وكانت تلك الصهاريج يتم تشييدها لتوفير مياه الشرب لسكان المدن، وكان يتم بناؤها من الحجارة على مستوى سطح الأرض، أو مغمورة تحت الأرض، وقد تكون مغطاة أو مكشوفة، كما روعي أثناء عملية البناء أن تعزل طبقاتها الداخلية بملاط (107) مقاوم لتسرب المياه، فلو تسربت المياه من قاع الصهاريج لعدت معضلة كبرى (108)، وكانت أوليات الصهاريج في العصر الحجرى الحديث (109).
أما في العصر الروماني، فكان يتم بناء صهاريج منزلية صغيرة الحجم، لتجميع مياه الأمطار بها، حيث يتم بناؤها داخل هيكل المنزل، ويصير سطح الدار كمستجمع للمياه (110). ولم يتم إضفاء الطابع المعماري المميز عليها، بل كانت ذات حجر الرصيف الذي يتدلى الدلو منه ليسحب المياه عن طريق الحبل المربوط بالدلو، بينما ارتقت الصهاريج في العصر البيزنطي لتصير آية من فنون العمارة العامة (111)، وتم التوسع في إقامتها لتجميع مياه الأمطار، لتصير بديلًا عن أنظمة تغذية المياه القديمة، وبذلك اليديل الجديد تم إمداد المياه داخل المدن البيزنطية، وكان تشييد تلك الصهاريج يتضمن إشارة ضمنية في كون نظام المياه يتكيف بصورة مستمرة واحتياجات المدينة المائية، تبعًا لإرتفاع أو إنخفاض الكثافة السكانية (112).
كانت الصهاريج التي وجدت بالقسطنطينية آنذاك، لا يوجد مثيل لها من حيث الحجم، ولا من حيث العدد، . وفي غالب الأمر كانت الصهاريج الكبرى ما تستمد مياهها من قناتي فالنز وهادريان، بينما الصهاريج الصغرى استمدت مياهها من الأمطار، والمفترض أنها صهاريج منزلية غير مرتبطة بشبكة التغذية المتسعة المرتبطة بالصهاريج المغذية للمدن. ومما تجدر الإشارة إليه، بأنه على الرغم من ان مياه الأمطار كانت تمثل مصدرًا مائيًا للصهاريج الكبرى، بيد أنه كان مصدرًا ثانويًا لا يعول عليه كثيرًا (113).
وفي العصر البيزنطى الباكر ، كانت الصهاريج الكبرى تتواجد في الهواء الطلق على أطراف القسطنطينية، حيث تنخفض الكثافة السكانية، وتتسع المساحة التي توفر منطقة موائمة لإقامة مثل هذه الخزانات (114).
بعد صهريج فيلوكسينوس Philoxenous (115)، من أكبر الصهاريج البيزنطية المغطاة في العصر البيزنطى الباكر (116)، وترجع تسمية هذا الصهريج لسيناتور بيزنطي في عهد الإمبراطور قنسطنطين العظيم (117)، وكان ذلك الهيكل يستخدم في الأصل كصهريج مياه يخص قصر فيلوكسينوس (118)، ويبلغ طوله 64 مترًا، وعرضه 56.4 مترًا، ويشتمل على 16 صفًا يتكون كل صف من 14 عمودًا رخاميًا، ليصل إجمالى الأعمدة إلى 224 عمودًا، والمسافة البينية بين كل عمود والآخر 3.8 مترًا (119)، يصل طول كل منها من 14 : 15 مترًا. بينما طاقة تحمل ثقل المياه وقدرتها على الاحتفاظ به تبلغ 40 طنًا من المياه، وكان كل عمود يتكون من عمودين متصلين بحلقة رخامية (120)، وتتصل الأعمدة عبر أقواس تحمل عوارض مائلة وهرمية بسيطة (121).
ولم يخل الأمر من تلك الفترة المبكرة لتأسيس مدينة القسطنطينية من بناء بعض الصهاريج الصغيرة، ففي عام 363م قام دوميتو موديستو Domitio Modesto (122)، حاكم مينة القسطنطينية آنذاك بتكليف أحد مهندسي المدينة بعمل خزان بها، ليستكمل إنشاؤه عام 369م (123).
وبالرغم من إكتمال البنية التأسيسية لمدينة القسطنطينية، إلا أن المدينة كانت ما تزال تفتقد للمياه العذبة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، ومن ثم برزت العناية ببناء الصهاريج تلبية لإحتياجات السكان المائية، فقام الإمبراطور ثيودسيوس الثاني (408 – 450م) ببناء صهريج ثيودوسيوس (124) بالقسطنطينية المعروف حاليًا باسم "الصهريج الشريف Şerefıye Sarnıcı" في اللغة التركية، ما بين عامى 428 و443م، وهو أصغر حجمًا من صهريج فيلوكسينوس، حيث كان يبلغ طوله 45 مترًا، وعرضه 25 مترًا (125)، وقد تم بناؤه تحت الأرض (126).
وفي الثاني عشر من شهر فبراير عام 421م تم تشييد صهريج بولكيريا أوغسطا Pulcheria Augusta (127)، على اسم الإمبراطورة بولكيريا شقيقة ثيودوسيوس الثاني، وقد صاحب عملية توصيل المياه لهذا الصهريج احتفالية كبيرة حضرها الإمبراطور ثيودوسيوس بنفسه (128).
وكثيرًا ما يتم الخلط بين صهريج بولكيريا وصهريج إتيوس Aetius (129)، الذي تم تشييده في نفس العام أيضًا(130). والذي يرجع بناؤه إلى حاكم القسطنطينية حينئذ إتيوس (131)، ويعد هذا الصهريج أول صهريج رئيسي لخط مياه فالنز الممتد إلى القسطنطينية، ويمثل الصهاريج المنكشفة للهواء الطلق، ونموذج للصهاريج الكبرى بالقسطنطينية، وهذا الصهريج له هيكل مستطيل يبلغ طوله 244 مترًا، وعرضه 85 مترًا، ويتراوح عمقه من 13 : 15 مترًا، وسعته الإستعابية تبلغ من 200 : 300 طن مائى (132).
ويعد صهريج أسبار Aspar (133) ممثلًا آخر لنماذج صهاريج الهواء الطلق الكبرى فى القسطنطينية (134)، وقد أقامه القائد العسكرى أسبار (135)، فأطلق مسماه عليه في عام 459م، وكان يقع بالقرب من الجدار القديم للمدينة من الجهة الشمالية الغربية لمدينة القسطنطينية على التل الخامس، ويطل على مياه القرن الذهبى، وقد استمد تغذيته المائية من خط فالنز (136)، وكان صهريج أسبار مربع الشكل، ويبلغ طول كل ضلع 152 مترًا، وتغطي مساحته 23104 مترًا مربع، ويتراوح عمقه ما بين 10 : 11 مترًا، ليستوعب ما يقرب من 230 : 250 طنًا من الماء (137).
يعد صهريج هيبدمون Hebdomon (138)، أو صهريج "قبة الفيل" أو "فيلدامى Fildamı" في اللغة التركية، من نماذج صهاريج الهواء الطلق المفتوحة بالقسطنطينية، ويقع على بعد 1.5 كم من ساحل بحر مرمرة، وقد تم تشيد لتغذية قصرين كبيرين هما قصر ماغنورا Magnoura، وقصر جوكونديان Jucundianae، وقد أقيم هذا الصهريج في العصر البيزنطي الباكر، ولا يعرف على وجه التحديد تاريخ بنائه، وتبلغ أبعاد الصهريج 127 متر طولًا، و76 متر عرضًا، ويصل عمقه إلى 11 متر، مما يدل على أن حجمه الإجمالى يزيد عن 10.500 متر مكعب (139).
ومن الصهاريج المعزولة، وتعد أيضًا من صهاريج الهواء الطلق بالقسطنطينية صهريج القديس موكيوس St. Mokios (140) ، ويبدو أن هذا الصهريج كان يغذي كنيسة القديس موكيوس فحمل الصهريج اسم قديس الكنيسة، وقد تم بناء هذا الصهريج في عهد الإمبراطور أناستاسيوس، يبلغ طوله 170 مترًا، وعرضه 147 متر، وعمقه 15 مترًا، ويقوم هذا الخزان بتوفير ما يقرب من ثلث حجم التخزين المطلوب داخل المدينة (141)، وتم تغذية هذا الصهريج من فرع يستمد مياهه من خط فالنز (142)، الذى ينقسم بالقرب من صهريج إتيوس، ويتبع مسارًا للخروج من جدار ثيودوسيوس عبر وادى ليكوس (143).
وبعد أن أعاد الإمبراطور جستنيان ترميم قناة هادريان، قام فى عام 528م بتشييد صهريجًا كبيرًا لكنيسة إيلوس Illos (144)، بالمحكمة الداخلية للكاتدرائية، ليستمد مياهه من قناة هادريان (145).
كانت مدينة القسطنطينية تفتقر للمياه في فصل الصيف عن غيره من الفصول الأخرى، فقد أثر الجفاف على تدفق المياه نحو الينابيع، فيصير منسوب مياهها أقل مما عليه بالفصول الأخرى، ومن ثم يستتبع أن يتأثر وارد المياه لقنوات المدينة فيكون ضئيلًا للغاية، وبسبب تلك المعضلة اتجه التفكير في تخزين فائض المياه في الفصول الأخرى، ليسد العجز المائي في الصيف، حين تكون الحاجة ماسة إليه (146).
ولتخزين الفائض من قناة هادريان قام الإمبراطور جستنيان ببناء صهريج البازيليك Basilica Cistern (147)، والذي يعد من أكبر الصهاريج المدفونة تحت الأرض حتى هذه اللحظة في أسطنبول، وقد استمد هذا الصهريج الجوفى اسمه من اسم ساحة عامة كبيرة مقرها التل الأول بالقسطنطينية، وهى بازيليكا (كنيسة) ستوا Setoe (148)، فتم تشييد الصهريج تحت تلك الكنيسة، وكانت ستوا كنيسة كبيرة تحتوى على حدائق محاطة برواق، وقد أقيم الصهريج على أحد أروقة فناء المحكمة الداخلية للكنيسة، والتي بلغت أربعة أروقة (149)، ومما يرجح أن من قام ببناء تلك الكاتدرائية هو الإمبراطور قنسطنطين الأول، بيد أن هذا المبنى قد أصابه الدمار على إثر حريق شب به عام 476م، ولكن أعيد بناؤها بعد عامين من ذلك الدمار في عام 478م (150).
شرع جستنيان في بناء صهريج البازيليك عام 528م، حينما شرع في بناء القاعة المركزية لذلك الصهريج (151)، ولقد تم تدمير الكاتدرائية ثانية أثناء ثورة نيكا (النصر) عام 532م (152)، فبادر جستنيان بإعادة البناء وأعمال الكاتدرائية، كما شرع في استكمال بناء صهريج البازيليك (153). وفي عام 541م قام جستنيان بتعيين لونجينوس Longinus الحاكم الحضرى للمدينة، وأوكل إليه مهمة الإشراف على استكمال بناء صهريج البازيليك فأتم بناؤه، وقام برصف القاعة المركزية للصهريج البازيليكى (154)، ويبلغ طول الصهريج 138 مترًا، وعرضه 65 مترًا، ويغطي مساحة مستطيلة بلغت 98000 متر مربع، وتقدر سعته التخزينية 100000 طن (155)، ويحتوى الصهريج على 336 عمود يبلغ ارتفاع الواحد 9 أمتار، والأعمدة مرتبة في 12 صفًا، كل صف يحوى 28 عمودًا (156). كما يوجد عمودان على الحافة الشمالية الغربية للصهريج يدعمها رأسان تمثل وجه ميدوسا Medusa (157)، والفاصل البيني بين الأعمدة بمسافة 4.80 متر (158). وكانت مهمة صهريج البازيليك إمداد القصر الإمبراطوري وبعض المباني الأخرى بحاجتها من المياه (159).
وفي عهد الإمبراطور موريس (582 – 602م) قام أريستوماكوس Aristomachus (160) ببناء خزان من البرونز بمدينة القسطنطينية (160).
أما مدينة دارا فقد اهتم الإمبراطور أناستاسيوس من بداية تأسيسها بتزويدها بالمياه، ولدعم هذا المطلب أقام في عام 508م صهاريج لتخزين المياه، وكانت تقع داخل المدينة (162). كما قام جستنيان ببناء صهريج لتخزين المياه يقع بين أسوار المدينة الداخلية والخارجية بالقرب من كنيسة بارثولوميو Bartholomew (163)، وهو صهريج صليبي الشكل، وكبير الحجم، ويبدو أن هذا الصهريج أعتمد فى إمداد مخزونه المائى على تجميع مياه الأمطار، حيث كانت الصهاريج المعروفة بمدينة دارا مرتفعة ولا يمكن ملؤها بمياه النهر دون إمكانيات متطورة لرفع المياه (164). ومن هنا استبعد أن يكون نهر كورديس هو مصدر تغذية هذا الصهريج بالمياه.
ولتخوف جستنيان من الإستيلاء على قلعة سيسورينم Sisouronum (165)، من قبل القوات الفارسية، نتيجة نقص المياه بها، مما أدى إلى إهمالها وإنعدام الحراسة عليها، فلذلك بادر جستنيان ببناء صهريجين وخزانات للمياه بها وذلك من خلال الحفر في صخور الجبال، وقد تم تغذية الصهريجين بالماء من خلال الاعتماد على تجميع مياه الأمطار (166).
ونستطيع أن نلمح الطفرة الحقيقة لبناء الصهاريج في عهد جستنيان في مدينة بيت لحم في فلسطين، فقد تمت أعمال البناء على النحو التالى. بنى صهريج بدير القديس صموئيل، كما تم بناء صهريج في دير أفيلبوس، إضافة لبناء صهريج بدير القديس يوحنا بجوار نهر الأردن بلغ عمقه 9.14 متر، وهى مدعومة على صفوف من الأرصفة، ولا يزال هناك ذلك الصهريج على حالة شبه كاملة منذ بنائه حتى الآن (167). كما شيد جستنيان صهريج في دير القديس سرجيوس بالجبل الذي أطلق عليه اسم سيسرون Cisseron، وأقام أيضًا صهريجًا في سور طبرية ببيت الفقراء في بصرى (168).
وفي مدينة أفاميا تم بناء صهريج كبير داخل برج الحراسة في منطقة خارج حدود المدينة، ويبدو أن تاريخ بنائه يعود لبداية القرن الخامس الميلادى، وكانت منظومة التغذية المائية تسير وفق المنظومة التالية: تمد قناة أفاميا الخزان الواقع قرب سور المدينة بالمياه، ثم يتم سحب مياه ذلك الخزان إلى صهريج برج الحراسة عن طريق قناة أخرى ذات تدفق سطحي مفتوح (169)، لتتدفق المياه إلى المدينة عن طريق قناة صغيرة مصنوعة من أنابيب لنقل مياه صهريج برج الحراسة إلى داخل المدينة، وقد تم تشييد تلك القناة في أوائل القرن السادس الميلادى (170).
وفي مدينة بصرى أعيد بناء الصهريج الكبير (171) في العصر البيزنطي، ويقع ذلك الصهريج بالجهة الجنوبية الشرقية من مدينة بصرى (172).
في القرن السادس الميلادى تم بناء الصهريج الكبير لمدينة الأكروبوليس Acropolis (173)، بيد أن المؤرخ يوحنا كامنياتيس لم يذكر على وجه التحديد العام الذي أقيم فيه ذلك الصهريج، فلم يقل سوى أنه تم بناؤه قبل عهد الإمبراطور جستنيان (174).
وفي كنيسة سرجيوس Sergius (175) ببلاد الفرات، قام جستنيان بإقامة عدة خزانات بالمنطقة المحيطة بالكاتدرائية لتوفير الاحتياجات المائية للسكان، فقام بإعمار تلك المدينة، وأحاطها بسور مثير للإعجاب، كما بني عددًا كبيرًا من المباني والأروقة، وسائر البنايات الأخرى التي عدت كزخارف لمدينة متكاملة، وتم تخصيص حامية من الجنود لتعزيز حراستها والدفاع عنها (176). وقد كرس جستنيان معظم اهتمامه ورعايته لجميع المدن والحصون الواقعة على حدود الفرات، وتحديدًا في باربلسيس Barbalissus (سوريا الحالية) ونيكستار Neocoestare (في تركيا حاليًا)، وغيبالا Gebula (في أذربيجان حاليًا)، وبنتاكوميا Pentacomia الواقعة على نهر الفرات، فبنى خزانات بجميع تلك المدن التي اعتمد في ملئها على تجميع مياه الأمطار (177).
وفي مدينة أثيرا Athyra (178)، قام الإمبراطور جستنيان بإشاء صهريج لتخزين فائض المياه بها، كي يتم إستخدامه وقت الحاجة إليها (179).
في أنطاكية، و تحديدًا في عام 528م (180)، قام جستنيان بإنشاء عدة صهاريج داخل جدران أسوار المدينة، وقد سبق ذاك حفر بئر في كل برج من أبراج المدينة ليتم تجميع وتخزين مياه الأمطار به (181).
وقد استنت بعض القوانين التي حددت إستهلاك حصص المياه كمًا وكيفًا من الخزانات المائية. ففي دافني لوحظ تضاؤل كم المياه في القناة المغذية للقصر الإمبراطوري، بسبب إستيلاء بعض الأفراد على حصص مائية أكبر من الحصة التي أقرتها الدولة (182). تم تشريع قانون صدر في 30 أكتوبر عام 369م، 370م بمقتضاه تم إعادة إصلاح الخزانات في ثلاثة أماكن مختلفة، رُوعي فيها كتابة اسم كل مستخدم أو مستفيد، مع قياس حصته الممنوحة والمقننة بمنسوب معين، وتدوين ذلك في سجلات خاصة بهذا الشأن، فلو تبين أن شخصًا قد تجاوز منسوب حصته التي أقرتها المراسيم واللوائح، يتم عقابه بغرامة تقدر برطل من الذهب عن كل قسيم من الماء (183). وكان العرف السائد أن الشخص الذي له الحق في تسلم حصة مائية وفقًا لمضمون نسخة إمبراطورية مقدسة، فليس له الحق في تسلم حصته بأي وجه من الوجوه إلا بعد ذهابه للحاكم العام للمدينة المنتمي إليها، والذي يحدد له خزانًا معينًا، وفي هذه الحالة يتمكن من تسلم حصته (184).
الخاتمة :-
تتبعت هذه الدراسة الطفرة المتطورة لبناء القنوات المائية والصهاريج للإستخدام المائي في الإمبراطورية البيزنطية من القرن الرابع وحتي نهاية القرن السادس الميلادى. وقد توصلت الدراسة للنتائج التالية:
حسن إستغلال عوامل الطبيعة (ينابيع – أنهار – سيول) والتخطيط الجيد للإستفادة القصوى منها (تمهيد المنحدرات – الأنفاق – القنوات – الصهاريج) هو الداعم الأساسي في نجاح أية منظومة مائية وعمرانية.
كان للرومان معرفة هندسية ممتازة لأفضل السبل لإمدادات المياه في الفترة من القرن الثاني إلى القرن الرابع الميلادي، مما شكل البنية التحتية للهندسة المائية التي بنيت عليها الإمبراطورية البيزنطية.
كان العامل الأمني وحماية المدن البيزنطية الوازع والمحفز لتعديل المجارى المائية (قنوات – صهاريج)، حتى يحرم العدو من الإفادة منها أو إستغلالها كورقة ضغط في حصاره.
كان لخط هادريان المائي دورٍ حيوى فى تزويد القسطنطينية بالمياه، وإزدادت أهميته ببناء صهريج البازيليك.
تم تطوير صهاريج المياه من خلال بناء السدود.
تم الإعتماد على الينابيع القريبة من المدن البيزنطية لتغذية قنوات المياه.
اعتمد صهريج دارا القريب من بارثولوميو فى تغذيته بالمياه على تجميع مياه الأمطار، ولم يعتمد على مياه نهر كورديس.
السدود الهلالية الشكل الممتدة للقنوات تعلن عن أمن ووفرة المياه داخل الإمبراطورية البيزنطية.
تم الإعتماد على الأنهار لتغذية القنوات في بعض المدن البيزنطية، خاصة في القرن الخامس والسادس الميلادي.
شكلت صهاريج القسطنطينية نظام تخزين وتوزيع فريد من نوعه ميزها عن صهاريج المدن الأخرى في الإمبراطورية البيزنطية.
تم بناء سحارات ثلاثية مقلوبة وتكسيتها بنوع من الأسمنت المقاوم للماء لنقل مياه نهر العاصى كما حدث في مدينة أفاميا.
أعيدت بعض القنوات التي كانت خارج الخدمة لتستغل كرابط مائي كما فعل الإمبراطور جستنيان في قناة الإسكندرية.
تميزت الفترة البيزنطية بالجودة والإبتكار في تشييد وإقامة القنوات والسدود وأنابيب المياه. كما لعب الإمبراطور جستنيان دورًا بارزًا في هذا المجال من خلال عنايته الفائقة لبناء القنوات والصهاريج. وعلى ذلك لم يسلم من النقد.
مثلت الكوارث الطبيعية من سيول وفيضانات، والتخطيط العسكري وازعًا للإبتكار والتطوير الإنشائي للسدود والقنوات سواء بالجانب الشكلي المعماري، أو لعمليات التحول المساري للمياه.
وجود انهار جامحة خاصة في ذروة الفيضانات، وتعريض سكان قاطنى تلك الأماكن أو المسافرين عبرها للموت غرقًا، حدا بالقائمين لبناء جسور قوية تتحمل تداعيات الأنهار، وتؤمن حركة المارة.
اتخذت الصهاريج كمخازن تدخر المياه لوقت الحاجة أو كداعم ناقل للمياه إلى المدن والقنوات، وكانت آية معمارية وتحفة بنائية.
تنوعت الصهاريج ما بين المدفونة تحت الأرض والمفتوحة، وكانت طاقة إستيعابها تختلف بحسب حجمها أو الغرض المقامة له.
تعد الطفرة الحقيقية في بناء الصهاريج في بيت لحم عهد الإمبراطور جستنيان.
تم تشريع قوانين تبين حصة الأفراد من المياه، والتي يقررها حاكم المدينة العام بسلطة لا تلغيها أية سلطة حتى الأمر الإمبراطوري، وتدون في سجلات خاصة.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
ها فاطمة الزهراء 💎، هادي خلاصة شاملة ومرتبة من الأول للآخر، بلا جداول، بطريقة قصة وكأننا عايشين كل ي...
أنه رداً على ما ورد في تسبيب الحكم، فأن للأمانة الحق في فرض الفروقات على الرسوم اشغال الوحدات السكني...
إن مساءلة موضوع القيم السلبية في الاشهارات التلفزيونية يكتسي اهمية بالغة لكونه يسائل احد اهم عناصر ا...
Cats are intelligent creatures capable of living in various environments.Hot or cold weather is easi...
تُعد ملفات التردد اللاسلكي (RF coils) مكونات حيوية في التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، وتلعب دوراً ...
إن الشعر بشكل عام له أسلوبه الخاص في استخدام اللغة خلال التعبير الأدبي، إلا أنه في شعر ابن الفارض له...
تضمن كل من المراحل الفرعية الثلاث في مرحلة ما قبل الولادة مخاطر جسمية معينة، وفي الوقت الذي لا تؤثر ...
في حالة إثبات المتدخل أن وقوع الضرر كان نتيجة كحادث مفاجئ أو قوة قاهر حسب نص المادة 127 من القانون ا...
Le fuselage est, avec la voilure, l'empennage et le train d'atterrissage, un constituant de la cellu...
تفاقمت أزمة المياه العالمية نتيجة للارتفاع الهائل في عدد السكان وانتشار التلوث البيئي يؤدي تلوث المي...
Terms of Service Last Modified: 01 August 2024 Thank you for choosing Meitu. Important: Before you u...
الطابع الديني أ. طلب الشرعية يعتبر الطابع الديني مدخلاً هاماً لكل الجوانب الأخرى لما له من أهمية ف...