لخّصلي

يُطرح منذ القدم تساؤل حول قيمة الفلسفة وأهميتها، وليس هذا وليد التقدم العلمي الحديث كما يعتقد البعض. برزت آراء متناقضة حول هذا الأمر، منها موقف مؤيد يرى أن الفلسفة تُنبّه العقل، وتُحفّزه على البحث والتفكير، وتُنظم التفكير البشري، مُميّزة الإنسان عن "الأقوام المتوحشة" حسب ديكارت، ومقاساً لحضارة الأمم. لكن موقفاً معارضاً يرى أن الفلسفة مجرد تحليل نظري عقيم، لا يحقق نتائج عملية، مُقارنةً بالتقدم العلمي الملموس وتطبيقاته العملية. يُضاف إلى ذلك، تنوع آراء الفلاسفة وتناقضها، وعجزهم عن حل قضايا جوهرية كالخلود، وانعدام منهج علمي موضوعي لديهم. كما انتقد رجال الدين الفلسفة لتناقضها مع العقائد الدينية. لكن مع ذلك، تبقى الفلسفة نشاطاً بشرياً ذا مجال تخصصي وإشكالياته، فهي تُساعد على مواجهة الذات، وتقوي ملكة النقد، وتُثير تساؤلاتٍ تُفتح آفاقاً جديدة للفكر، كما تُمكّن من استشراف الأهداف البعيدة، وفقاً لآراء فلاسفة كياسبرز وكانط و برتراند رسل. ويرى البعض أن العلم، بجمعه وتحليله للوقائع، يحتل مكانة الصدارة في أنشطة الفكر، مُحقّقاً تقدماً مستمراً وتطبيقات نافعة، على عكس الفلسفة التي لم تحقق تقدماً مماثلاً.

إن التشكيك في قيمة الفلسفة والتساؤل عن أهميتها ليس ظاهرة مستحدثة أفرزها التقدم العلمي، المتأخرة
كما يعتقد البعض ولكن األمر قديم التفكير الفلسفي ذاته، فقد انبرى أرسطو منذ األزمنة اإلغريقية للدفاع
الموقفاألول:والذييمثإذ يرون أنها توقظ العقل من سباته ، ّ
عن الفلسفة في وجه منتقديها، في هذا السياق نصادف موقفان تقليديان متناقضان من الفلسفة هما كالتالي:
لهالمؤيدونأوالمدافعونعنالفلسفة،
وتدفعه إلى التساؤل ، البحث، والتفكير، التدبر، كما أنها أي الفلسفة تنظم عقل اإلنسان وتضبط تفكيره ، يقول ديكارت:إن الفلسفة وحدها هي التي تميزنا عن األقوام المتوحشين وإنما تقاس حضارة األم
البشرية من أجل تحقيقها.
ومذاهبهم وتعارض أفكارهم، إذ أن ذلك يسد الطريق أمام المطلع على هذه المذاهب ومحاولة فهمها.
منها غايتها التحليل من أجل التحليل، فالفيلسوف ال يبرح عالم التأمالت المجردة وصوغ التصورات
هو من يقرر أحكامها على األشياء ، أي تحديد حقائقها، وهو ما يجعلها صناعة نظرية خالصة ال جدوى
وعلى األساس ومقارنة بين نتائج العلم والفلسفة نكشف أن هذه األخيرة لم تحقق أي شيء، وهذا ما يتطابق
المفهوم التقليدي للفلسفة التي اختزلها الفالسفة القدماء في البحث النظري، بل ال بد االتجاه نحو التطبيقات
العلم العملي فهو محاولة تغيير العالم"،فالعلم استطاع في فترة وجيزة أن يخلص أو يحرر اإلنسان من
إّنالفلسفةوسيلةلوعياإلنسانبذاتهوسبيللمواجهةنفسه،فيهذايقولياسبرز "التفكير الفلسفي
عن التقليد دون برهان أو دليل ، كما أنها تزود العقل بالقدرة على إثارة التساؤالت التي تفتح المجال
أما بالنسبة للموقف الثاني: موقفه المعادي للفلسفة وأطروحاتها، وهذا من منطلق المقارنة بينهما وبين
بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها".
و وجهة نظر كانط ، فالفالسفة منذ القديم وهم يتفلسفون حول مختلف القضايا ولكنهم لم يستطيعوا حتى
للتوصل إلى المعارف واألفكار الجديدة، الفلسفة تمكننا من ان نستشرف األهداف البعيدة التي تجاهد
تقدم يذكر. وليس لها تطبيقات عملية ، يقول برتراند رسل:" إّنالعلمالنظريهومحاولةفهمالعالمأما
ـ كذلك رجال الدين نقدوا الفلسفة لتناقضاتها مع العقائد الدينية، والدين تسليم مطلق بالعقائد وما جاء به
الواقعية،فالعلميجمعالوقائعويصنّفهاويحللهاوهومايجعلهيحتلمكانالصدارةبينأنشطةالفكر
العلم، إن أن العلم يحقق كل يوم تقدما مطردا ويفضي غلى تطبيقات ذات نفع بالغ، لم تحرز الفلسفة أي
واألطروحات النظرية، إنه هو إنسان حالم هائم في السماء...فالتجربةالعلمية هي من تحل المشاكل
البشري دون منازع ، وزيادة على هذا فالفلسفة تتميز بكثرة واختالف آراء الفالسفة وتناقض مواقفهم
اإلجابةعنها،بمناهجهوآلياتهالتييراهامناسبة،والأدّلمنتلكإلىإعادةبلورةالفكرالفلسفيرافضة
يحسموا لنا ولو قضية واحدة، كمسالة خلود الروح من عدمها ، وزيادة على ذلك فمنهج الفلسفة النظري
ومهما قيل عن الفلسفة تبقى نشاطا بشريا معترفا به له مجاله وتخصصه وتساؤالته وإشكاليااته التي يحاول
العديد من الحتمياتفي مقدمتها الحتمية الطبيعية والبيولوجية وغيرها.
يضع اإلنسان وجه لوجه أمام ذاته" ، كما أن الفلسفة تقوي ملكة النقد والتمحيص والموزانة وتنأى بنفسها
الكتب السماوية.
العملية محاولة فهم اإلنسان والعالم.