لخّصلي

ثانياً: عقوبة القتل الخطأ

في الشريعة الإسلامية

المبدأ الإسلامي في القانون هو عقوبة الفعل المتعمد، وليس عقوبة الخطأ، لقوله تعالى: "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم". وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» [الأحزاب: 15]، وعلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان ونحوهما، وقد اضطروا إلى ذلك ( 2). لكن الشريعة تجيز العقوبة على الخطأ كاستثناء لهذا المبدأ. ويعاقب القاتل خطأً لقوله تعالى: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً". ومن يقتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة يكون سلاماً على أهله» [النساء: 92].

وقد برر الفقهاء ذلك بأن القتل غير العمد جريمة تستحق العقاب، لما يتطلبه من مظاهر الإهمال والتقصير في اتخاذ الحيطة والحذر اللازمين فيما يتعلق بحياة (3) الناس.إلا أن القاتل في هذه الجناية لا يسأل مسئولية جنائية أو جزائية تفترض القصد المخالف للقانون. بل هو مسؤول عن المسؤولية المدنية أو التصحيحية (التعويضية). وذلك لأن الضرر الناتج عن خطأ أو إهمال أو عدم ذكاء إذا كان لا يحتاج إلى معاقبة فاعله فهو خاضع له. ومقابل ذلك يكون هناك تفويض مالي لصالح المجني عليه (١). وهذا الفرق في المسؤولية والعقوبة بين الخطأ والقصد مقرر مباشرة من الشرع، مما جعل مسؤولية المتعمد ثقيلة، ومسؤولية الظالم خفيفة، كما قال الله تعالى: (ليس عليك جناح) النشور: (29)، وقد كرر الرسول صلى الله عليه وسلم نفس المعنى في قوله: «نزع عن أمنيتي» والخطأ والنسيان يؤكد أن مسؤولية الظالم تخفف وتخف. لا يتساوى مع النية.

عقوبات جناية القتل العمد كثيرة ومتنوعة، وتكاد تكون هي نفس عقوبات جناية القتل شبه العمد، باستثناء بعض الاختلافات البسيطة، وهي الدية والكفارة كقاعدة أساسية، والصيام بدل الكفارة والحرمان من الميراث أو الوصية كعقوبة تبعية. وقد سبق أن تحدثنا عن هذه العقوبات بشيء من التفصيل في موضوع القتل شبه العمد، وما ذكر هناك لا يحتاج إلى ذكره هنا، ونكتفي بالحديث عن الدية، لأنها تختلف قليلاً عما هي عليه. هو في جريمة قتل شبه عمد.

الدية في القتل الخطأ حد أصلي ثابت بنص الكتاب والسنة، وهي مائة وخمسة أخماس من الإبل، أي تصلح لخمس وعشرين من عشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض، عشرين بنت لبون، وعشرين حقة، وعشرين جدعة باتفاق الفقهاء، بناء على ما روي عن ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالقتل الخطأ بهذا. الدية (3).

دية الخطأ تجب على العاقل باتفاق الفقهاء، على وجه العزاء والمساعدة للقاتل، لأن عدم القصد عذر لفعله الذي يشفع لتخفيف عنه. .كما يصفها بالسلبية، ومما يحرك هذه السلبية أيضا هو جواز الشرع لولي الدم، بل لأي إنسان آخر، أن يقتل المتحدث إذا وجد خارج منفاه، بينما العقوبة في الشريعة الإسلامية هي والأشد حسما، أنه يقوم على الدية كمبدأ جزائي، وهو التعويض المالي لمصلحة المجني عليه. مما يضفي على العقوبة طابعا علاجيا، وبالإضافة إلى ذلك يتجلى الدور التصحيحي المتمثل في الكفارة أو رققة العنق، والتي كان لها تأثير على الواقع الاجتماعي في الماضي من خلال تضييق دائرة العبودية. أما الوظيفة الاحترازية للعقوبة فتتجسد في حرمان القاتل من ميراث المقتول أو وصيته. احتياطاً للمستقبل، حتى لا يتعجل في الميراث ويخدع لقتله.

وعلى النقيض من الغنى والتنوع الذي تتمتع به السياسة الجزائية الإسلامية، والذي كان له صدى على كافة الأحزاب والمستويات، فإن فراغ السياسة الجزائية اليهودية وافتقارها إلى هذه الوظائف كان له أثر سلبي انعكس على المستويين الخاص والعام. على المستوى الخاص أو الشخصي، لا

والعقوبة علاج لثورة ولي الدم أو المجني عليه، رغم الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بالفاعل نتيجة النفي أو الغربة. كذلك فإن هيمنة ولي الدم على القاتل ستؤدي إلى وضع دراماتيكي يدور فيه الطرفان في حلقة مفرغة مليئة بمشاعر الخوف والترقب والقلق. وعلى المستوى العام أو الاجتماعي، فمن النادر ألا يعود نفس التأثير على المجتمع بشكل عام، إذ يؤدي إلى فقدان الأمن وعدم الاستقرار من خلال انتشار أعمال الانتقام وانتشار الخلافات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا يخفى على أحد أن ترحيل الجناة له آثار سيئة على أسرهم، سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية، والتي يمكن أن تكون أكثر خطورة إذا كان الجاني امرأة مع الأطفال الذين هم المعيل الوحيد لهم.

وعلى نفس المستوى العام قد يمثل نزوح القتلة إلى مدن المنفى

عبئاً اقتصادي على سكانها الأصليين.